المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الزکاه

اشارة

سرشناسه : روحانی، محمد، 1376 - 1298

عنوان و نام پديدآور : المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الزکاه/ تقریرا لابحاث محمد الحسینی الروحانی؛ [تصحیح] محمدصادق الجعفری

مشخصات نشر : تهران: موسسه الجلیل للتحقیقات الثقافیه، 1418ق. = - 1376.

مشخصات ظاهری : ج 14

فروست : (دار الجلی؛ 48، 36)

شابک : 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 1964-5972-24-8 ؛ 2964-5972-16-7

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : کتاب الزکاه

موضوع : زکات

شناسه افزوده : جعفری، محمدصادق، مصحح

رده بندی کنگره : BP188/4/ر9م 4 1376

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : م 77-7278

الجزء الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

تقديم بين يدي الكاتب

1- الفقه

اشارة

لل" فقه" إطلاقات مختلفة باختلاف الأعراف، باعتبار ذلك يختلف تاريخه الزمنيّ، فيتقلّص تارة، و يتسّع أخرى.

الف- اللّغة:

يطلق ال" فقه" ليراد به- حسب متفاهم الناطقين باللغة العربيّة- ال «فهم» و الإدراك «1». و هو- بهذا الاعتبار- ممّا يقترن تاريخه بتاريخ الإنسان، حيث أنّ اللّه سبحانه و تعالى منذ الاوّل خصّ هذا الموجود الإنسانيّ- دون سائر مخلوقاته المنظورة على وجه الأرض- بميزة الفهم و الإدراك، فامتاز بذلك من بين سائر المخلوقات الشّاعرة بتحمل المسئوليّة، و الاضطلاع بثقل التكاليف.

و في نصوص القرآن الكريم، و السنّة الشريفة، اطلاقات شائعة بهذا المعنى «2».

______________________________

(1)- قال الجوهري: «الفقه: الفهم. قال أعرابيّ لعيسى بن عمر: «شهدت عليك بالفقه» ...» (الجوهري: صحاح اللغّة، ج 6: ص 2243، طبعة دار العلم للملايين، بيروت؛ ابن دريد:

جمهرة اللغة، ج 3: ص 157، ط دار المعارف العثمانيّة، حيدرآباد- الهند؛ ابن منظور: لسان العرب، ج 13: ص 522، ط دار صادر، بيروت).

(2)- أمّا القرآن الكريم، فقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيٰاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (الأنعام،-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 12

ب- علماء القانون:

يطلق ال «فقه» عندهم مرادفا لكلمة «القانون «1»» بشقّيه: المدنيّ و الجزائيّ. و هو- أي القانون- ما يعنى بشئون الإنسان- جماعات و أفرادا- و يتكفّل بتنظيم حياتهم الماديّة، وفق تشريعات وضعيّة، فيقولون: «الفقه العبري» أو «الفقه الروماني «2»»، كما نراهم يعبّرون عن القانون القضائي الفرنسيّ- مثلا- ب «الفقه الفرنسيّ «3»».

______________________________

- 6: 65)، و قوله تعالى: قَدْ فَصَّلْنَا الْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (الأنعام، 6: 98)، و قال عزّ شأنه- عن لسان الكليم موسى بن عمران عليه السّلام-: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسٰانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي (طه، 20: 29) و قوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلّٰا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لٰا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ... (الاسراء، 17: 46)

و أما الأخبار، فقول أمير المؤمنين عليه السّلام لسائل

سأله عن معضلة: «سل تفقّها، و لا تسأل تعنّتا، فإنّ الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم، و انّ العالم المتعسّف شبيه بالجاهل المتعنّت» (نهج البلاغة، الحكمة 32)

و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا في المسجد مجلسان، مجلس يتفقهون، و مجلس يدعون اللّه و يسألونه، فقال: كلا المجلسين إلى خير، أمّا هؤلاء فيدعون اللّه، و أمّا هؤلاء فيتعلّمون، و يفقّهون الجاهل، هؤلاء أفضل، بالتعليم أرسلت، ثم قعد معهم» (الشهيد الثاني: منية المريد/ تحقيق: رضا المختاري، ص 106).

و في حديث سلمان رضى اللّه عنه: أنّه نزل على نبطيّة بالعراق، فقال: «هل هنا مكان نظيف أصلّي فيه؟ فقالت: طهّر قلبك و صلّ حيث شئت، فقال سلمان: فقهت» اي: فطنت و فهمت (الزبيدي: تاج العروس، ج 9: ص 403، الطبعة الأولى- بولاق).

(1)- محمد يوسف موسى: المدخل لدراسة الفقه الإسلامي، ص 10، نشر دار الفكر العربيّ، الطبعة الثالثة.

(2)- دانش پژوه: محمد تقى: فهرستواره فقه هزار و چهار صدساله اسلامي در زبان فارسى، صص 14، 16.

(3)- السنهوري، عبد الرزاق أحمد: الوسيط في شرح القانون المدني، ج 1، الكلمة الافتتاحيّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 13

و لعلّ تاريخه- بهذا المعنى- يرجع إلى سالف العهود، و ذلك: حينما تحقق للإنسان ما صحّ أن يعبّر عنه ب «الاجتماع «1»»، حيث كان لكلّ من تلكم الجوامع قانون تحظى حياة الإنسان في ظلّه بالطمأنينة و الاستقرار «2».

و من أقدم ما حفظه لنا التاريخ من القانون المدوّن هو: ما عرف ب «شريعة حمورابيّ «3»»، رغم ما يحدثنا التاريخ عن قوانين أخرى سبقته كقانون «اور- نموّ «4»» و قانون «لبت عشتار «5»» و قانون «اشنونا «6»» حسب رأى

______________________________

(1)- ليس المراد به: ما يحصل

من اجتماع فردين أو أكثر، بل المراد به: هو اجتماع عدّة من البشر بحيث يحصل بينهم روابط اجتماعية، و علائق متبادلة، في المعاملات و غيرها.

(2)- و هناك من يذهب إلى أنّه في الجوامع الأوليّة لم يكن ما يسمّى بالقانون، سوى مجموعة من الأعراف و العادت القبليّة، و ليس من تشريعات هيئة أو جماعة مخوّلة بذلك، كما عليه الحال في عصر الحضارة. و هذا لا ينافي ما ذكرناه، فإنّ المقصود هو وجود ما ينظّم الاجتماع، مع الغضّ عن كيفيّة تحققه و منشأه. (- الدكتور عامر سليمان: القانون في العراق القديم، صص 139- 140؛ على پاشا صالح: مباحثي از تاريخ حقوق، صص 15- 16)

(3)- (1797- 1750 ق م) أشهر ملوك العهد البابلي القديم، و سادس الحكّام من سلالة بابل الأولى.

(4)- ينسب إلى الملك «اور- نموّ» (2113- 2095 ق م) مؤسّس سلالة «أور» الثالثة، التى استمرت (2113- 2006 ق م)، و هى تمثّل ذروة ما وصلت إليه الحضارة السومريّة. (- الدكتور عامر سليمان: القانون في العراق القديم، ص 191؛ على پاشا صالح: مباحثي أز تاريخ حقوق، ص 94- و بين المصدرين بعض الاختلاف في التحديد الزمني)

(5)- من القوانين السومريّة التي تعود إلى بداية العهد البابلي القديم، أو الفترة التي يطلق عليها بعض العلماء: فترة «ايسن- لارسا» هو قانون «لبت- عشتار» خامس ملوك سلالة «ايسن» الذي حكم في الفترة (1934- 1924 ق م). (- الدكتور عامر سليمان: القانون العراق القديم، ص 199؛ على پاشا صالح: مباحثي أز تاريخ حقوق، ص 94)

(6)- ينسب القانون إلى مملكة «اشنونا»، إحدى الدويلات الّتي حكمت في منطقة «ديالي» في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 14

الپروفيسور «دراى ور» «1» استاذ جامعة اوكسفورد

لكنّها- هذه الأخيرات- لم تكن بمستوى «شريعة حمورابى» فى الكمال النسبيّ، كما أنّها لم تحظ بما حظي به قانون حمورابي من الجمع و التدوين.

ج- النصوص الإسلاميّة:
اشارة

استعملت الكلمة في بعض من آيات الذكر الحكيم، و كذلك في عدّة من الروايات المأثورة، في المعنى اللّغوي سالف الذكر، لكن مع خصوصيّة في المتعلّق، بمعنى كون المتفقّه فيه هو خصوص أحكام الشرعية، أو بتعبير آخر: الدّين بشطره العمليّ الفرعيّ فحسب. و عزّاه العلّامة المجلسي رحمه اللّه إلى أكثر العلماء، و إن كان هو قدّس سرّه لم يستبعد التعميم للشطر الآخر منه، أعني به: الشطر الاعتقادي الأصوليّ «2».

______________________________

بداية العهد البابلي القديم، و عاصمتها «اشنونا» (تلّ اسمر حاليّا، الواقعة على نهر ديالي- شرقيّ نهر دجلة) و هو أقدم القوانين المدوّنة باللغة «الأكديّة» المكتشفة حتى الآن، و يعود تاريخه إلى ما قبل حكم الملك «حمورابي» بفترة يصعب تحديدها في الوقت الحاضر. (- الدكتور عامر سليمان: القانون في العراق القديم، ص 25؛ على پاشا صالح: مباحثى أز تاريخ حقوق، ص 93)

(1)- على پاشا صالح: مباحثي أز تاريخ حقوق، صص 93- 94؛ الدكتور عامر سليمان: القانون في العراق القديم، ص 219.

(2)- المجلسي، العلّامة، محمد باقر (10378- 11 أو 1110 ه/ 16278- 700 أو 1699 م):

مرآت العقول، ج 1: ص 100، الطبعة الثانية. قال قدّس سرّه معلّقا على خبر عليّ بن أبي حمزة (الكلينى: الاصول من الكافي، ج 1: ص 31/ ح 6) و فيه: «تفقهوا في الدّين ...» ما لفظه:

«حمله الأكثر على تعلّم فروع الدّين، إمّا بالاجتهاد أو بالتقليد. و يمكن حمله على الاعمّ من الأصول و الفروع، بتحصيل اليقين فيما يمكن تحصيله فيه، و بالظنّ الشرعي في غيره».

قلت: لا بعد فى هذا الاحتمال، بملاحظة

عموم كلمة «الدين» للاصول الاعتقادية أيضا.

فيكون المراد بالتفقه في الدّين- إذن- هو العلم بالشريعة، أصولا و فروعا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 15

1- الكتاب العزيز:

قوله تعالى: وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1»

قال شيخ الطائفة رحمه اللّه: «و التفقه: تعلّم الفقه، و الفقه: فهم موجبات المعنى المتضمّنة بها، من غير تصريح بالدّلالة عليها. و صار بالعرف مختصّا بمعرفة الحلال و الحرام، و ما طريقه الشّرع «2»».

2- السنّة الشريفة:

رواية حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا فقّهه في الدّين «3»».

______________________________

و في المسألة رأيان آخران:

أحدهما: أنّ المراد ب «الفقه» فى هذه النصوص: البصيرة في الدّين. قال شيخنا البهائي (953- 35 أو 31 أو 1030 ه/ 1546- 26 أو 22 أو 1621 م): «ليس المراد بالفقه الفهم، و لا العلم بالأحكام الشرعية عن أدلّتها التفصيليّة، فإنّه معنى مستحدث، بل المراد به البصيرة في الدين. و الفقه أكثر ما يأتى في الحديث بهذا المعنى» (بحر العلوم، السيد جعفر (1281- 1377 ه/ 1864- 1957 م): تحفة العالم في شرح خطبة المعالم، ج 2: ص 224؛- و أيضا- الطريحي، فخر الدين (م 1085 ه): مجمع البحرين، ج 6: ص 355، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران؛ الشهابي، محمود (1319- 1408 ه/ 1901- 1987 م): أدوار فقه، ج 1: صص 31، 32، ط جامعة طهران، الطبعة الثالثة).

و الآخر: أنّ المراد به: العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة. يظهر ذلك من «المعالم» (جمال الدين، الحسن بن زين الدين (905- 1011 ه/ 1496- 1602 م):

معالم الأصول/ تحقيق: عبد الحسين محمّد على البقّال، صص 56- 67).

(1)- التوبة، 9: 122.

(2)- الطوسي، محمد بن الحسن (358- 460 ه/ 995- 1067 م): التبيان/ تحقيق: احمد حبيب قصير

العاملي، ج 5: ص 322؛ الطبرسى، الفضل بن الحسن (78 أو 69 أو 470- 548 ه/ 75 أو 76 أو 1077- 1153 م): مجمع البيان، ج 5: ص 83، أفست طبع صيدا.

(3)- الكليني، محمّد بن يعقوب (م 329 ه/ 941 م): الاصول من الكافي، ج 1: ص 32/ ح 3،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 16

و رواية علي بن أبي حمزة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «تفقهوا في الدّين، فإنّه من لم يتفقّه منكم في الدّين فهو أعرابيّ. إنّ اللّه تعالى يقول:

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1»». و غيرهما من الرّوايات «2».

و كما يبدو- بملاحظة النصوص التى سبقت الاشارة إلى بعضها-: أنّ الاستعمال فى المعنى الخاص- بادئ الأمر- كان بنحو تعدّد الدالّ و المدلول، كما هو في الآية الكريمة المتقدمة، و جملة من الرّوايات، ثمّ غلب الاستعمال، فاستعملت الكلمة- وحدها- في المعنى الخاصّ.

و المصطلحات التالية كلّها مخرجة على هذا السبيل، أعني به: مسألة تعدّد الدال و المدلول، «فقه اللّغة»، «فقه الحديث»، ...

د- عرف الإسلاميّين:
اشارة

تطلق الكلمة في عرف الإسلاميّين بأحد معنين:

1- العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة «3».

______________________________

نشر مكتبة الصدوق، طهران.

(1)- المصدر، ص 31/ ح 6.

(2)- الكليني، محمد بن يعقوب: الأصول من الكافي، ج 1: ص 31/ ح 7، 8، 9، ص 32/ ح 4، ص 33/ ح 6، ص 40/ ح 4، ص 56/ ح 9، ص 36/ ح 3، 4، ص 38/ ح 1، 2، 3، 4، ص 40/ ح 4، ص 45/ ح 6، ص 46/ ح 5، ص 67/ ح 100، ص 70/ ح 8؛ الصدوق، محمّد بن علي

بن الحسين (306- 381 ه/ 918- 991 م): فقيه من لا يحضره الفقيه، ج 4:

ص 277.

(3)- الشهيد الأوّل، محمد بن مكّى (734- 786 ه/ 4 [أو] 1333- 1384 م): القواعد-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 17

و هذا المعنى يرتبط بالمعنى اللغوى ارتباط الخاصّ بالعام «1».

2- نفس الأحكام المستفادة من الأدلّة. و حسب الاصطلاح الثاني يقع «الفقه» متعلقا لصفة العلم و ما يقابله، يقال: فلان يعلم- او عالم ب «الفقه». أو يقال: إنه لا يعلم- أو يجهل- الفقه، أو غير عالم- او جاهل- بذلك.

______________________________

- و الفوائد، ص 301، الطبعة الثانية المحقّقة؛ الشهيد الثاني، زين الدين (911- 56 أو 965 ه/ 1506- 59 أو 1558 م): تمهيد القواعد الأصوليّة و العربيّة لتفريع الأحكام الشرعيّة، القاعدة الأولى: ص 2، ط إيران الحجريّة (ملحق بكتاب «الذكرى» للشهيد الأوّل رحمه اللّه، جمال الدين، الحسن بن زين الدين: معالم الأصول/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ص 66، ص 26، ط جامعة المدرسين، قم؛ الجرجاني، مير سيّد شريف (740- 816 ه/ 40 أو 1339- 14 أو 1413 م): التعريفات، ص 112، طبعة اسطنبول، عام 1327 ه؛ التهانوي، محمّد أعلى (م 1158 ه/ 1745 م): كشّاف اصطلاحات الفنون، ج 1:

صص 36- 37؛ ابن خلدون، عبد الرحمن (732- 808 ه/ 32 أو 1331- 56 أو 1405 م): المقدّمة، ص 353، ط مطبعة التقدّم، عام 1322 ه

(1)- قال أبو هلال العسكري- في تعريف الفقه لغة-: «هو العلم بمقتضى الكلام على تأمّله- أي فهم مدلول الكلام بالتأمل- و لهذا لا يقال: «إن اللّه يفقه» لأنّه لا يوصف بالتأمّل، و تقول لمن تخاطبه: «تفقه ما أقوله» أي: تامّله تعرفه ...- إلى أن

قال:- و سمّي علم الشرع فقها، لانه منبئ عن معرفة كلام اللّه تعالى، و كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (أبو هلال العسكري:

الفروق اللغويّة، ص 69، نشر مكتبة القدسي، القاهرة).

و قال السيّد عبد اللّه الجزائري (1114- 1173 ه/ 1703- 1760 م)، حفيد السيد نعمة اللّه (1050- 1112 ه/ 1640- 1701 م) رحمه اللّه فى أجوبة مسائل السيّد على النهاوندي: «فأعلم، إنّ الفقه- بحسب اللغة- الفهم، ثم نقل إلى معنى آخر يناسب المعنى اللغوي مناسبة المسبّب للسّبب، أو النوع للجنس (و هو ما مرّ عن أبي هلال العسكري). و سموه: بالعلم بالأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة، فعلا او قوّة قريبة ...» (الخوانساري، محمد باقر (1226- 1313 ه/ 1811- 1895 م): روضات الجنّات، ج 4:

ص 260، مكتبة اسماعيليان، قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 18

و هذا الاصطلاح الأخير شائع فى التصنيف الموضوعيّ في المكتبات أو فهرسة الكتب، حيث يجعل كتب الفقه- مثلا- في جناح خاص من المكتبة، أو أنّه يدوّن الكتب الفقهيّة في قائمة خاصّة، كل ذلك تحت عنوان: «الفقه». و من هذا المنطلق سمّى قطب الدّين، سعيد بن هبة اللّه الراوندي (م 573 ه/ 1187 م) كتابه: «فقه القرآن».

و المتفاهم في عرف الإسلاميين حتى عصرنا الحاضر إنّما هو أحد المعنيين، فإذا قيل: «الفقيه» اريد بذلك- حسب العرف القائم- العالم بالمسائل الفقهيّة عن الأدلّة الخاصّة. و إذا قيل: «الفقه» اريد به- لا محالة- أحد المعينين: إمّا العلم بالأحكام ...، أو نفس الأحكام ...، و كان تعيّن كلّ منهما حسب القرائن المقاميّة و غيرها.

كما أنّه حينما تطلق الكلمة و يراد بها المعنى الثاني، قد يكون المراد بها الأعمّ من المسائل المقرونة بذكر

أدلّتها، و قد يراد بها خصوص ما اقترن بذكر الأدلّة، و يقال له: «الفقه الاستدلاليّ»، و هو اصطلاح شائع في تراجم الفقهاء، و كمثال لذلك، فقد الّف شيخنا الطوسي رحمه اللّه كتاب «النهاية» في الفقه، مقتصرا فيه على مجرّد الفتاوى، و الّف كتابيه «المبسوط» و «الخلاف»- و هو في الفقه المقارن- متعرضا فيهما لأدلّة الرأي المختار، مع تفنيده لدلائل سائر الأقوال.

و أظنّ: أنّ الحري بنا- و نحن بصدد الإشارة إلى المبدأ التاريخي للكلمة بحسب العرف الإسلامي- أن نفارق بين الإطلاقين من حيث تاريخ نشوئهما، إذ أن تاريخ نشوء الاصطلاح الثاني- كما يبدو- هو مبدأ تاريخ تدوين الفقه، و إن نشأة الاصطلاح المذكور قد عاصرت مرحلة التدوين، في حين كان الاصطلاح الأوّل قد سبقه بكثير من الوقت، و أنّه كان قائما في عرف الإسلاميين قبل مرحلة التدوين.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 19

[1] لعلّ تاريخ تدوين الفقه يرجع إلى أوليّات عهد الغيبة الكبرى للإمام الحجة المنتظر- عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف

- الّذي استهلّ بوفاة أبى الحسن، عليّ بن محمّد السمريّ، في النصف من شعبان، سنة (329 ه/ 941 م) «1» في بغداد، ففي

______________________________

(1)- و قد يقال: إن أوّل مصنّف للشيعة في «الفقه» هو كتاب عبيد اللّه بن على الحلبي، من أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام (الطهراني، الشيخ، آغا بزرگ: الذريعة، ج 16: ص 281) و استناده قدّس سرّه إلى ما ذكره أحمد بن ابي عبد اللّه البرقي (م 80 أو 274 ه/ 93 أو 882 م) في رجاله، و العلّامة الحلّي قدّس سرّه (648- 726 ه/ 1250- 1325 م) في «الخلاصة». و تفصيل القول فيه: أنّ البرقي رحمه اللّه ذكر في رجاله، في عداد أصحاب الصادق عليه السّلام عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، و قال: «كوفي، و كان

متجره إلى حلب، فغلب عليه هذا اللّقب، مولى، ثقة، له كتاب، و هو أول كتاب صنّفه الشيعة» (البرقى: كتاب الرّجال، ص 23، طبع جامعة طهران) و لم ينصّ فى هذا الكلام على أن الكتاب كان في الفقه.

و ترجمه الشيخ الطوسي رحمه اللّه فى «الفهرست»، و قال: «له كتاب مصنف، معمول عليه. و قيل: إنّه عرضه على الصادق عليه السّلام، فلما رآه استحسنه، و قال: ليس لهولاء- يعنى:

المخالفين- مثله» (الطوسي: الفهرست، ص 132، ط النجف الاشرف) و ليس في هذا الكلام تنصيص على أنّ الكتاب في «الفقه»، إلّا أن يقال: إنّ قوله: «معمول عليه» ظاهر في كونه في الفقه.

و ترجمه العلامة الحلّى رحمه اللّه في القسم الأول من كتاب «الخلاصة»، و قال: «و آل أبي شعبة بيت مذكور في أصحابنا، روى جدّهم أبو شعبة عن الحسن و الحسين عليهما السّلام، و كانوا- جميعا- ثقات، مرجوعا إليهم فيما يقولون، و كان عبيد اللّه كبيرهم و وجههم، و صنّف الكتاب المنسوب إليه و عرضه على الصادق عليه السّلام، و صحّحه و استحسنه، و قال عند قراءته: ليس لهولاء في الفقه مثله، و هو أول كتاب صنفه الشيعة» (العلامة الحلى: الخلاصة، صص 112- 113، طبع النجف الأشرف) و منها يظهر: أنّ الأساس في هذه النسبة هو كلام العلامة الحلي رحمه اللّه في «الخلاصة»، إلّا أنّه لم يظهر لنا الوجه في استظهاره رحمه اللّه كون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 20

هذا العصر دوّنت فروع الفقه الجعفري، و كان أوّل من فتح هذا الباب هو الحسن بن على بن أبي عقيل العمانيّ، الحذّاء «1» فألّف كتابه المعروف ب «المتمسّك بحبل آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم» و غيره. ثم تلاه محمد بن أحمد بن الجنيد، أبو علي، الكاتب الإسكافي (م 381 ه/ 991 م) «2»، المعاصر لأبي جعفر، محمد بن يعقوب الكليني

______________________________

- الكتاب المذكور فى الفقه، و لعلّه يكون هو ما اشرنا إليه آنفا- غير أنّه، على فرض الثبوت- لا ينافي ما ذكرناه، فإنّ تدوين الفقه في عصر الائمّة عليهم السّلام، و من قبل أصحابهم- رضي اللّه عنهم- كان يعنى به: تنظيم الروايات الأحكاميّة في أبواب خاصّة، لا تدوين الفروع الفقهيّة عن استنباط و اجتهاد مصطلح.

(1)- هذا على فرض أن يكون العمانيّ أعلى طبقة من ابن الجنيد- كما في «الفوائد الرجاليّة»- حيث عدّ ابن ابي عقيل من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه (م 68 أو 367 ه/ 79 أو 78 أو 977 م)، و ابن الجنيد من مشايخ الشيخ المفيد (336- 413 ه/ 947- 1022 م)، و قيل: أنّه كان معاصرا للكليني، و لعليّ بن بابويه (م 329 ه/ 941 م) (الصدر، السيد حسن: تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الاسلام، ص 303).

(2)- قيل: توفى ابن الجنيد، بالرّي، سنة إحدى و ثمانين و ثلاثمائة، و على هذا فتكون وفاته و وفاة الشيخ الصدوق رحمه اللّه معا، بالرّي، في سنة واحدة (بحر العلوم، السيد محمد مهدى:

الفوائد الرجاليّة، ج 3: ص 222، طبع النجف الاشرف؛ الأردبيلي، محمد بن على، جامع الرواة، ج 2: ص 59، طبع إيران؛ العاملي، الشيخ عبد اللطيف بن ابي الجامع، الرجال (نقلا عن هامش «الفوائد الرجاليّة»).

و قال السيّد رحمه اللّه بعد ذلك: «و الظاهر وقوع الوهم في هذا التاريخ من تاريخ الصدوق، و أن وفاة ابن الجنيد قبل ذلك» (المصدر).

و لعلّ وجه الخطا في ذلك و إن

كان لم يشر إليه قدّس سرّه- كما في هامش الفوائد- هو: إنّ لابن الجنيد رحمه اللّه جوابات مسائل معزّ الدّولة، أحمد بن بويه (م 356 ه/ 967 م) فيكون بينه- أي بين معزّ الدّولة- و بين وفاة أبى الحسن، عليّ بن محمّد السمري- آخر السفراء- نحو من سبع و عشرين سنة، و هذا يقتضي أن يكون ابن الجنيد رحمه اللّه معاصرا للسفراء، و-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 21

(م 329 ه/ 941 م)، و الشيخ عليّ بن الحسين بن بابويه (والد الشيخ الصّدوق رحمه اللّه) (م 329 ه/ 941 م) «1» فألّف كتاب «تهذيب الشيعة» و «الأحمدي في الفقه المحمّدي».

ثم تلاهما بالتأليف و التدوين النخبة المنتجبة من علمائنا الأبرار- قدّس اللّه تعالى أسرارهم- و استمرّ الحال على ذلك حتى عصرنا الحاضر، و نأمل منه- تعالى شأنه- أن يديم هذه الحركة الخيّرة و المباركة حتى عصر ظهور امام العصر- عجل اللّه فرجه الشريف- و أن يكون انفتاح باب الاجتهاد عند الإمامية خير حافز لاستمراريّة التأليف و التدوين، خلافا للنهج غير المرضيّ و المبتدع لدى السنيّين، من انسداد باب الاجتهاد و الدؤب على اجترار ما قاله الأقدمون، حقا كان ذلك أم باطلا!!!

[2] تعارف لدى فريق من كتبة التقدمة للكتب الفقهية، أو مؤرخة علم «الفقه»: [عبر مسيرته الطويلة]

______________________________

من رجال الغيبة الصغرى، فيبعد- بعد هذا- أن يكون الرجل قد عاش الى سنة 381 ه و اللّه العالم.

(1)- يظهر من المحدث القمي رحمه اللّه: أن المعاصر للكليني ليس هو ابن الجنيد، بل هو شخص آخر يشترك معه في لقب (الإسكافى)، قال قدّس سرّه: «و قد يطلق الإسكافى على الشيخ الأقدم، أبي على، محمد بن أبي بكر، همام بن سهيل بن بيزان، الإسكافى، المعاصر للشيخ الكليني ... ذكره الخطيب البغدادي في

تاريخه، و قال: أنه أحد شيوخ الشيعة. و قال: توفى في ج 2، سنة 332، و كان يسكن فى سوق العطش، و دفن في مقابر قريش» (القمي، الشيخ عباس: الكنى و الألقاب، ج 2: ص 27، المطبعة الحيدرية، النجف الاشرف، 1389 ه/ 1970 م).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 22

عرض مناشئ تطوّر علم الفقه و تكامله، و تعداد موجبات ذلك عبر مسيرته الطويلة، و ربّما جاوز بعضهم ذلك و أفرط بحصر موجبات التطور و التكامل في عوامل خاصّة معيّنة، كعامل الزّمان، و البيئة، و ذاتيّات من يزاول علم الفقه، أو بتعبير آخر: شخصيّة الفقيه ذاته. علما بأنّها- و لا نفرّط في الحصر ابدا- أوسع من ذلك بكثير. فهناك عامل الاتّصال بين الفقهاء و يسر وقوفهم على آراء الآخرين الفقهيّة، نتيجة بروز «الطباعة» على المسرح، ثم تطوّرها ...

و أيضا، عامل الموضوعات المستجدّة كنتيجة طبيعية لتطوّر التكنولوجيا، او كنتيجة طبيعية للمقارنة بين الشريعة و القوانين الوضعية السائدة، فإنّ لمثل هذه العوامل التأثير الجادّ و القطعيّ في التطوّر الكميّ و الكيفي للفقه، تأثيرا يأبى كلّ إنكار و مكابرة.

و إرجاع مثل هذه العوامل إلى عامل الزّمان لا يتناسب و البحث التفصيلي في تبيين العوامل و الأسباب، و إلّا أمكن الإيجاز في المقال بإرجاع الأسباب كلّها إلى عامل القضاء و القدر، مثلا! ...

كما انّ لضدّ ذلك، و أعني به: زوال الموضوع من على مسرح الحياة الاثر البارز في تقلّص مسائل الفقه شيئا ما، ففي الدّور الّذي كانت مسألة العبيد و الاماء قائمة و رائجة، كانت المباحث الفقهية المرتبطة بهذا الموضوع يشكل قسطا لا يستهان به من علم الفقه، و حيث اختفى الموضوع المذكور اختفت- على أثره-

المسائل المرتبطة به من كتب الفقه أيضا.

ثم إنّ الارتباط العضويّ الآليّ القائم بين علم الفقه و اصوله يقتضي- بطبع الحال- أن يكون لتطوّر علم اصول الفقه، و مدى توسّع مزاول الفقه فيه، الاثر الحاسم و القطعيّ في تطوّر الفقه و التوسع فيه، سواء فيه ما يرجع إلى نوعيّة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 23

عرض المسائل الفقهيّة، و نوعيّة التدليل و البرهنة عليها، و نوعيّة معالجة النصوص و الأدلّة ...

و بعد هذا كلّه، فالموضوع ممّا يطول شرحه، و يكثر العثار فيه و الاعتذار منه، و الأجدر بنا الإعراض عنه، و الاتّجاه نحو الأمور الّتي تعود بالنفع على طالب الفقه، المبتدى منه و غيره.

نعم، هناك تطوّر ظاهر لا ينكر في «الفقه» عبر مسيرته منذ بدى على الساحة أمر التقليد و حتّى يومنا الحاضر، و هو ظاهرة تبدّل كيفيّة عرض الأحكام الفقهية في الكتب، و هذه الظاهرة تتجلى كالآتي:

الف) تبويب النصوص الروائية للأحكام- بشطريه الاعتقادي و العملي- أو خصوص الشطر العملي، بألفاظها مع ذكر الأسناد، كما هو الحال في الكتب الأربعة (الاصول) عند الإماميّة، و هي كتاب «الكافي» لثقة الاسلام الكليني رحمه اللّه و «فقيه من لا يحضره الفقيه» للشيخ الصدوق رحمه اللّه و كتابا «التهذيب» و «الاستبصار» لشيخ الطائفة الطوسي رحمه اللّه. و على هذا النهج- و إن لم يكن الغرض نفس الغرض في تأليف الكتب الأربعة- محمد بن الحسن الحرّ العاملي (1033- 1104 ه/ 1623- 1692 م)، في كتابه «تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة»، و محمد محسن، المعروف بالفيض الكاشاني (1008- 91 أو 1090 ه/ 1600- 1680 م)، في كتاب «الوافي»، و الميرزا حسين النوري (1254- 1320 ه/ 1838-

1902 م)، في كتابه «مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل»، و العلامة المجلسى رحمه اللّه في موسوعته «بحار الأنوار».

و يعدّ هذا النوع من تدوين «الفقه» امتدادا لعصر أصحاب الائمّة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 24

الطاهرين عليهم السّلام حيث تداول لدى البعض منهم تبويب الروايات الأحكاميّة حسب الأبواب الفقهية، بذكر الروايات بألفاظها، و أسنادها إذا كان هناك واسطة بين الرّاوي صاحب الأصل و المرويّ عنه، كلّ ذلك فيما يخصّه من الباب.

ب) جمع النصوص و الروايات الأحكاميّة و تبويبها حسب أبواب الفقه، مع الحفاظ على الفاظ النّص، و لكن مع حذف الاسناد، كما قيل ذلك في كل من كتاب «المقنع» و «الهداية» للشيخ الصدوق رحمه اللّه، و «المقنعة» للشيخ المفيد رحمه اللّه، و «النهاية» للشيخ الطوسى رحمه اللّه. و يقال: إنّ بعض الأصحاب كان إذا أعوزه النصّ رجع إلى الكتب المذكورة «1».

و على ذلك جرى الحرّ العاملي صاحب «تفصيل وسائل الشيعة» في تأليفه كتاب «هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة عليهم السّلام»، و قد جاء فى مقدّمته ما لفظه: «هذه رسالة مشتملة على ما لا بدّ منه من الأحكام الثابتة عن أهل العصمة عليهم السّلام، ينتفع بها العوام، بل العلماء الأعلام ...- إلى أن قال:- و لم انقل الأحاديث إلّا من الكتب المعتمدة، و تركت اسانيدها اختصارا، و اعتمادا على وجودها هناك ... «2»».

ج) قيل «3»: ما جمعت فيه نصوص الأخبار مرتبة على أبواب الفقه، من غير التزام بألفاظها، و مع إسقاط أسانيدها، ك «المراسم» لأبي يعلي، حمزة بن عبد العزيز، المعروف ب «سلّار» (م 463 ه/ 107 م)، و «الوسيلة» لابن حمزة (م بعد

______________________________

(1)- كاشف الغطاء، الشيخ على بن الشيخ هادي: أدوار

علم الفقه و أطواره، ص 109، نشر دار الزهراء عليه السّلام، بيروت.

(2)- الحرّ العاملى: هداية الأمّة إلى الأحكام الأئمّة، ج 1: ص 3.

(3)- المصدر، ص 109.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 25

560 ه/ بعد 1165 م)، و «الكافي» لأبي الصلاح، تقي الدّين (374- 67 أو 446 ه/ 85 أو 984- 10545 م).

[3] اهتمّ علمائنا الأبرار- قدّس اللّه أسرارهم- منذ عهد التدوين و حتى يومنا الحاضر بتدوين «الفقه» و لكن لا على وتيرة واحدة و نهج متشابه،

فهم بين مدون للفقه بكامل أبوابه، و بين مدوّن رسائل- أو كتب- فقهية تخصّ أبواب معيّنة، ككتاب الصّلاة، و الصوم، و الزكاة و الخمس ... و ما شاكل ذلك، هذا عدا ما كانت النية للمؤلّف بادئ الامر هو تدوين «الفقه» بكامل أبوابه، غير أنّ المنيّة- او عوائق اخر- حالت دون تحقيق هذه الامنيّة.

و إعطاء فهرس مستوعب لكلّ ذلك مشكل جدا، بل يكاد يلحق بالمتعذر منه عادة، فان كتب الفهرسة- كالذريعة و غيرها- غير مستوعبة لكلّ تآليف الطائفة، فضلا عن أنّ الكتب الفقهيّة مختلفة، فهى بين ما يكون للكتاب اسم و عنوان خاص لا يستبان منه محتوى الكتاب، او إذا كان العنوان المذكور حاكيا و معربا عن المحتوى، غير أنّ المعاجم المفهرسة للكتب- عادة- ذكرت الكتاب المذكور بترتيب الأحرف الهجائية لأوّل حرف من العنوان، و ذلك يقتضي متابعة جميع أجزاء الكتاب لاستخراج كتاب فقهي منه. نعم، الكتب المعنونة باسم «الفقه»، أو المعنونة بأسماء الأبواب الفقهية الخاصة، ك «كتاب الصلاة» أو «الصوم»، أو «الزكاة» ... يمكن تعدادها- لا باستقراء كامل طبعا- على ضوء المعاجم.

و إلقاء نظرة على كتاب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» لشيخنا العلّامة، محمد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 26

محسن، المشتهر ب «آغا بزرگ» الطهراني (1293- 1389 ه/ 1876- 1970 م) قدّس سرّه، و شكر

مساعيه الحميدة في إحياء آثار الطائفة و مآثرها، فيما ذكره- طاب ثراه- تحت عنوان «الفقه» و هو غيض من فيض من مؤلّفات الطائفة في هذا المجال، و كذلك ما جاء فيه بعنوان الأبواب الخاصة، من الصلاة، و الصوم، و الحج، و الزكاة ... و يبيّن بوضوح مدى الاهتمام الأكيد بتدوين الفقه.

و قد حظي من بين مختلف أبواب الفقه بعضها بعناية خاصة و اهتمام بالغ، و من جملة ذلك هو باب «الزكاة» فقد اهتمّ به جملة من علمائنا الماضين و المعاصرين، حيث أعطوه من أنفسهم الاهتمام البالغ. و لعلّ ذلك إنّما كان اسوة منهم بصاحب الشريعة، الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقد قيل: إنّه من «ما أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- بعد هجرته للمدينة- بكتابته، كأحكام الزكاة، و ما تجب فيه، و مقادير ذلك، و قد كتبت في صحيفتين ... «1» و مما يزيد في الاهتمام بها: إنّها- مع

______________________________

(1)- كاشف الغطاء، الشيخ على بن الشيخ هادي: أدوار الفقه و أطواره، ص 21، نشر دار الزّهراء عليهم السّلام، بيروت.

و روى الترمذي باسناده عن سالم (و هو سالم بن عبد اللّه بن عمر)، عن أبيه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كتب كتاب الصّدقة، فلم يخرجه إلى عمّاله حتى قبض، فقرنه بسيفه ...- إلى أن قال:- و كان فيه: «في خمس من الإبل شاة، و في عشر شاتان ...» (الترمذي: الجامع الصحيح، ج 3: ص 17/ باب 4: ح 621؛ أبو داود: السنن، ج 1: باب زكاة السائمة/ ح 1568، ح 1570- مع اختلاف-؛ أحمد بن حنبل: المسند، ج 3: ص 15؛ الحاكم: المستدرك على الصحيحين،

ج 1: ص 392).

و قال ابن قدّامة المقدسي، في ترجمة (عمرو بن حزم بن زيد): «أوّل مشاهده الخندق، و استعمله رسول اللّه- صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم- على نجران، و هو ابن سبع عشرة سنة، ليفقّههم في الدّين، و يعلّمهم القرآن، و يأخذ صدقاتهم، و ذلك سنة عشرة، و كتب له

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 27

الإيمان، و الصّلاة- توجب دخول المرء في جماعة المسلمين. قال تعالى: فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ ... «1» و في رواية العزرمي، عن الصادق عليه السّلام: «أثافيّ الإسلام ثلاثة: الصّلاة، و الزكاة، و الولاية، لا تصحّ واحدة منها الا بصاحبتها «2»».

[4] إنّ الفقه بمعناه المصطلح يرتبط ارتباط المعلول بعلّته،

أو ارتباط ذى الآلة بالآلة، بعمليّة «الاجتهاد»، فان تعريف «الفقه» المشهوري، و هو: «العلم بالأحكام الشرعية الفرعيّة عن ادلّتها التفصيلية، و كذلك سائر ما قيل في تعريفه، حسبما يقف عليه المراجع في مظانّه، كلّه يبتني على كون العلم المذكور هو حصيلة عمليّة «الاجتهاد» فلا يقال: «الفقيه» للعالم بالأحكام الشرعية الفرعيّة لا عن اجتهاد، بل عن تقليد، كالعاميّ العارف بالاحكام الشرعيّة تقليدا، و من هنا مسّت الحاجة إلى البحث عن كلمة «الاجتهاد» أيضا.

______________________________

كتابا فيه الفرائض و الصدقات و الديات. و مات بالمدينة سنة نيف و خمسين، و كتاب عمرو بن حزم مشهور تحتج به العلماء ...» (المقدسي: الاستبصار في نسب الصّحابة من الأنصار/ تحقيق علي نويهض، ص 74).

(1)- التوبة، 9: 11.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: تفصيل وسائل الشيعة/ باب مقدّمة العبادات، ح 7.

بالإضافة إلى الروايات المستفيضة- بل المتواترة- الجاعلة لها احد أركان الإسلام الخمس (- لاحظ الباب المذكور من" وسائل الشيعة").

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الزكاة، ج 1، ص: 29

2- الاجتهاد

[1] لكلمة «الاجتهاد» تأريخ عبر الزمن، قد يشبه- نوعامّا- ما لكلمة «الفقه» من تأريخ و أدوار.

فهو- لغة- بذل الجهد (بالضمّ)، أو الجهد- (بالفتح) «1» من دون اختصاص له بمتعلّق، أو قل: بمورد- خاصّ، فبذل الجهد في شتّى مجالات الحياة ممّا يستلزم الكلفة و المشقّة، يعتبر «اجتهادا» في عرف اللغة.

قال الآمدي: «أمّا الاجتهاد، فهو- في اللغة- عبارة عن استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الامور، مستلزم للكلفة و المشقّة، و لهذا يقال: اجتهد فلان في حمل حجر البزّارة «2» و لا يقال: اجتهد فى حمل خردلة «3».

______________________________

(1)- الجهد (بالفتح) و الجهد (بالضمّ): الطاقة و المشقّة. و قيل: الجهد (بالفتح) المشقة ...

و الاجتهاد: أخذ النفس ببذل الطاقة و المشقة.

(- الراغب الأصفهاني: معجم مفردات ألفاظ القرآن/ تحقيق: نديم المرعشلي، ص 99؛ الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب اللّه العزيز، ج 2:

ص 451، الطبعة الاولى؛ و غيرهما من كتب اللغة).

(2)- البزّارة: باعة البزور، و حجر البزّارة: الحجر الذي يطحن به البزور.

(3)- الآمدي، الإحكام في اصول الأحكام، ج 4: ص 218.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 30

و لا اختصاص لها- أي: الحياة- بالدنيا، بل بذل الجهد فيما يرجع إلى الحياة الاخرى، بالجهد في أعمال البرّ و الطاعات ...، اجتهاد، لغة.

و تأريخ الاجتهاد- بهذا المعنى- قديم قدم تأريخ الإنسان، فمنذ أن وضع الإنسان قدميه على ظهر هذا الكوكب كانت معه هذه الظاهرة. قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ فِي كَبَدٍ «1» أي: خلق مغمورا في مكابدة المشاقّ و الشّدائد. و قال تعالى: يٰا أَيُّهَا الْإِنْسٰانُ إِنَّكَ كٰادِحٌ إِلىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلٰاقِيهِ «2» أي: إنّك- أيّها الإنسان- في أمرك بشدّة و مشقّة إلى أن تلقى جزاء عملك من ربّك «3».

بل إنّه لا اختصاص له بنوع

الإنسان، بل هي ظاهرة عامّة لكلّ أنواع الحيوان، على تفاوت بينها في ذلك شدّة و ضعفا.

و قد استعملت الكلمة (أي: المادّة الأصليّة و ما هو مبدأ الاشتقاق عرفا «4») في المعنى المذكور، في جملة من الآيات الذكر الحكيم، و كذلك السنّة الشريفة.

أمّا الآيات، فمنها:

قوله تعالى: وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هٰؤُلٰاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّٰهِ جَهْدَ أَيْمٰانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خٰاسِرِينَ «5»، أي: إنّهم حلفوا و اجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم «6».

______________________________

(1)- البلد، 90: 4.

(2)- الانشقاق، 84: 6.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: التبيان/ تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، ج 10: ص 307.

(4)- وجه التقييد بذلك ظاهر عند الواقف على البحث الاصولي المعروف في فصل «المشتق».

(5)- المائدة، 5: 53.

(6)- الطوسي، محمّد بن الحسن: التبيان/ تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، ج 5: ص 267؛ الطبرسي، الفضل بن الحسن: مجمع البيان، ج 5: ص 54، ط صيدا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 31

و قوله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقٰاتِ وَ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ إِلّٰا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّٰهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1»

و أمّا السنّة، فكثير، نشير إلى بعضها:

أ) في خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الجمعة: «فاجعلوا- عباد اللّه- اجتهادكم في هذه الدنيا التزوّد من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل ... «2»».

ب) في رسالة الإمام الصادق عليه السّلام إلى جماعة الشيعة: «و عليكم بهدى الصالحين و وقارهم، و سكينتهم، و حلمهم، و تخشّعهم، و ورعهم عن محارم اللّه، و صدقهم، و وفائهم، و اجتهادهم للّه في العمل بطاعته ... «3»».

ج) في رواية مسعدة بن صدقة، عن الصادق عليه السّلام، في

نوافل ليالي شهر رمضان: «و يدعو، و يجتهد اجتهادا شديدا ...».

د) في رواية يونس بن ظبيان، عن الصادق عليه السّلام: «و أشدّ الناس اجتهادا من ترك الذنوب ... «4»».

______________________________

(1)- التوبة، 9: 79.

(2)- الكليني، محمّد بن يعقوب: الروضة من الكافي، ج 8: صص 13، 174، المطبعة الإسلامية، طهران.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 3: ص 63، طبعة النجف الأشرف.

(4)- الصدوق، محمّد بن عليّ بن الحسين: فقيه من لا يحضره الفقيه، ج 4: ص 395، مكتبة الصدوق، طهران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 32

[2] «الاجتهاد» في المصطلح الإسلامي: «استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ بالحكم الشرعيّ

«1»». و المراد بالحكم الشرعي المأخوذ في تعريف «الاجتهاد»: الحكم الفرعي- في مقابل الحكم الاصولي- الكلّي، أي: المترتّب على الموضوع العامّ، المفروض وجوده، مع قطع النظر عن انطباقه حسب الموارد الشخصيّة، كوجوب صلاة الجمعة- مثلا- تخييرا أو تعيينا، في زمن الغيبة. و كحرمة الفعل المعيّن، أو نجاسة البدن أو الثوب ... بملاقاة النجس أو المتنجس، مع الرطوبة المسرية في أحد المتلاقيين.

و لم أعثر في أحاديثنا المرويّة- فيما وسعني الفحص و البحث- على استعمال الكلمة- بصيغها المختلفة- في المصطلح الإسلامي، بل إنّها استعملت- فيها- في المعنى اللغويّ، سالف الذكر.

______________________________

(1)- الحاجبي: شرح مختصر الاصول، ص 406؛ العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: التهذيب (مخطوط)؛ و يقرب منه ما في كتابه الآخر: مبادي الوصول إلى علم الاصول، ص 240، ط النجف الأشرف؛ جمال الدين، الحسن بن زين الدين: معالم الاصول/ تحقيق: عبد الحسين محمد علي البقّال، ص 381؛ المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: معارج الاصول، ص 179، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

هذا هو التعريف الشائع بينهم قديما، و قد عرف بتعاريف اخر، منها: إنّه «ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم

الشرعي الفرعي من الأصل، فعلا أو قوّة قريبة» (البهائي، محمّد بن عبد الصمد: زبدة الاصول، ص 115، الطبعة الحجريّة).

و جدير بالذكر: إنّ هذه التعاريف كلّها خاضعة للنقاش و النقد من قبل علمائنا الأعلام المتأخّرين و من شاء الوقوف على تفاصيل ذلك، فليراجع كتب الاصول للمعاصرين، تأليفا و تقريرا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 33

[3] ثمّ إنّ ارتباط المصطلح الإسلامي بالمعنى اللغويّ هو ارتباط الخاصّ بالعامّ

و الخصوصيّة المفروضة تتركّز في ثلاث نقاط مهمّة:

1- المجال، أو «الإطار»، فإنّ الاجتهاد حسب المصطلح الإسلامي لا يكون إلّا في مجال- أو اطار- خاصّ، و هي الأدلّة: الكتاب، السنّة، الإجماع، العقل، في حين أنّ مجاله- حسب المعنى اللغويّ- واسع عامّ، لا يتقيّد بمثل ذلك أبدا.

2- النتيجة، حيث أنّ المستحصل من الاجتهاد و معطياته- حسب المصطلح الإسلامي- إنّما هو الوقوف على الوظيفة الشرعية، في حين أنّه- بمعناه اللغويّ- لا يحدّه مثل هذا الإطار الضيّق و المحدود.

3- المبادي و المقدّمات، إذ إنّ مبادي «الاجتهاد» حسب المدلول اللغويّ، هي: كل ما يوجب الاستطاعة و القدرة على الشي ء، في حين أنّ مبادي الاجتهاد- حسب المصطلح الإسلاميّ- امور خاصّة، نوجزها كالآتي:

أ) معرفة اللغة العربيّة و قواعدها- من علمي النحو و الصرف- بمقدار يتوقّف عليه فهم الحكم الشرعي من الأدلّة، فإنّ الكثرة من الأحكام الشرعيّة مستفادة من الكتاب العزيز و السنّة الشريفة و الأحكام المستفادة من الإجماع و دليل العقل نادرة بجنب ذلك، و هما باللغة العربية.

ب) معرفة ما يتوقّف عليه صحّة الاستدلال، و تأليف الأقيسة و الأشكال بوجه صحيح و منتج، و هذا ما يرجع إلى المعرفة بعلم المنطق، بالقدر الذي يسهّل للمجتهد ذلك.

و المهم من المبادي الأمران الآتيان:

ج) معرفة علم الأصول، أي: اصول الفقه، فإنّ الأحكام الشرعيّة- اللّهم

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 34

إلّا النادر منها- ليست هي من الامور الضرورية، و إلّا لما مسّت الحاجة فيها إلى الاجتهاد، بل هي من الامور النظرية، التي لا يحصل العلم بها إلّا عن طريق النظر و الاستدلال. و المتكفّل لأدلّة الأحكام الشرعية- كمباحث الحجج و الإمارات- هو علم اصول الفقه.

د) المعرفة بعلم الرجال. فإنّ ما يستفاد من الحكم الشرعي من الكتاب العزيز قليل جدّا لو قيس إلى مجموعة الأحكام الشرعية، التي تشكّل مسائلها «علم الفقه» و الكثرة الكاثرة منها هي المستفادة من السنّة الشريفة، و إذا افترضنا: إنّنا انطلقنا- في اصول الفقه- من النظرية القائلة: بأنّ الحجّة هي الرواية الصحيحة سندا- و المراد بالصحّة أعمّ من معناها المصطلح عليه في علم الحديث، إذ يعنى بها هناك: الصحّة المصطلحة، بالإضافة إلى الموثّق و الحسن- بالإضافة إلى ما تطمئنّ النفس بصدوره من المعصوم عليهم السّلام، فلا بدّ لنا من المعرفة بحال الرواة، و هي ممّا لا يتيسّر- عادة- إلّا عن طريق علم الرجال و إذا لاحظنا: أنّ موارد الاطمئنان النفسي بالصدور نادرة جدّا، تبيّن لنا بوضوح: وجه الحاجة إلى علم الرجال، في الاجتهاد «1».

[4] الاجتهاد، حسب المصطلح الإسلامي [إنّما يقع في الأحكام الشرعيّة، إذا خلت عن دليل قطعيّ]

- كما صرّح به العلّامة الحلّي رحمه اللّه و

______________________________

(1)- لاحظ بهذا الصدد، ما أفاده المحقّق الخراساني، محمّد كاظم: كفاية الاصول، ج 2: ص 468، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الغروي، ميرزا علي التبريزي: التنقيح في شرح العروة الوثقى/ بحث الاجتهاد و التقليد، تقرير بحث سماحة آية اللّه العظمى، السيّد الخوئي- طاب ثراه-: صص 24- 27.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 35

غيره إنّما يقع في الأحكام الشرعيّة، إذا خلت عن دليل قطعيّ «1».

يقول الاستاذ عبد الوهاب

خلاف: «الواقعة التي دلّ على حكمها نصّ قطعيّ في وروده، و في دلالته، بمعنى: أنّه لا مجال للعقل لأن يدرك منه إلّا حكما بعينه- لا مساغ للاجتهاد فيها، و الواجب اتّباع النصّ بعينه، فلا مجال للاجتهاد في: أنّ إقامة الصلاة فريضة، و لا في فروض أصحاب الفروض من الورثة. و لهذا اشتهر قول الاصوليّين: لا مساغ للاجتهاد فيما فيه نصّ قطعيّ صريح «2»».

و لعلّه: لأجل أنّ فهم الحكم الشرعي- حينئذ- من النصّ يكون عاريا عن أيّ كلفة و مشقّة، و معه لا مجال لإطلاق «الاجتهاد» عليه، بعد ما عرفت فيما سبق: أنّ الاجتهاد- لغة- أمر يستلزم الكلفة و المشقّة، و لذلك لا يقال- كما مرّ عن الآمدي-: «اجتهد فلان في حمل خردلة».

[5] إنّ تاريخ «الاجتهاد» حسب المصطلح الإسلاميّ، لا يعود إلى زمن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،

و هو زمان التشريع، و تكميل الشريعة بالتدريج. فإنّه- عند الإماميّة «3»- لا مساغ للاجتهاد بحق النبيّ، بعد كونه مؤيّدا بالوحي و مسدّدا من ناحية اللّه عزّ و جلّ. قال تعالى: وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ «4» و لوجوه اخر لا طائل في ذكرها «5».

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مبادي الوصول إلى علم الاصول، ص 243- 244؛ المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: معارج الاصول: ص 181.

(2)- عبد الوهّاب: مصادر التشريع الإسلامي، صص 8- 9.

(3)- البهائي، محمّد بن عبد الصمد: زبدة الاصول، ص 116، الطبعة إيران الحجريّة.

(4)- النجم، 53: 3- 4.

(5)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مبادي الوصول إلى علم الاصول، صص 240- 241؛ نهج الحقّ و كشف الصدق، صص 405- 406، مؤسّسة دار الهجرة، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 36

كما لا نعتقد ذلك في حقّ أحد من الصحابة في هذه الفترة الرساليّة،

أعني بها:

فترة حياة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما سيظهر ذلك- إن شاء اللّه تعالى- عند عرض مراحل الاجتهاد عند السنّة.

و هكذا لا يسوغ- عندهم- ذلك بحقّ واحد من الأئمّة المعصومين عليهم السّلام بعد ما ثبتت لنا عصمتهم، و أنّهم إنّما يأخذون الأحكام بتعليم من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو بإلهام من اللّه تعالى «6».

هذا و لو افتر ضنا إمكان «الاجتهاد» بحقهم، فليس هو من الاجتهاد الذي يكون عرضة للخطأ، و لا يأمن صاحبه من ذلك، و الذي قيل فيه: «للمصيب أجران، و للمخطئ أجر واحد «7»» كما كان هو الحال في «الاجتهاد» المصطلح، إذ أنّه مع افتراض عصمتهم- و هي تقضي بصيانتهم من الخطأ و النسيان ...-

______________________________

(6)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، مبادي الوصول إلى علم الاصول، ص 241.

(7)- أخرج البخاري و مسلم، عن عمرو بن العاص، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، و إذا حكم ثمّ أخطأ فله أجر واحد» (البخاري:

الصحيح/ كتاب الاعتصام: باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ؛ صحيح مسلم/ تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، كتاب الأقضية: ح 15؛ سنن ابن ماجة/ تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، ج 2: ص 776/ باب 2، كتاب الأحكام، ح 2314. غير أنّه قال: «فأصاب» و «فأخطأ» بدل ما في الصحيحين من: «ثمّ أصاب» و «ثمّ أخطأ». و أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة (و متن الحديث كما في سنن ابن ماجة)، سنن الترمذي/ تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، ج 3: ص 615/ ح 1326).

و روي مرسلا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

«من أصاب فله أجران، و من أخطأ فأجر واحد» قاضي القضاة، ناصر الدين البيضاوي (م 685 ه): منهاج الوصول في معرفة الاصول، ص 73، القاهرة (1389 ه/ 1969 م).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 37

لا يبقى مجال لمثل هذا الاجتهاد بحقّهم عليهم السّلام. و هناك وجوه اخر ذكرت لإبعاد مثل ذلك عن ساحتهم، من شاء الوقوف عليها فليراجع: «الذريعة إلى اصول الشريعة»، للشريف المرتضى رحمه اللّه «1» و «معارج الاصول»، للمحقّق الحلّي رحمه اللّه «2».

و أمّا المأثور عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قصّة الشورى السداسيّ- الّذي ابتدعه الخليفة عمر- حينما عرض عبد الرحمن بن عوف عليه الخلافة، شريطة العمل بكتاب اللّه، و سنّة رسوله، و سيرة الشيخين، فقال عليه السّلام: «أرجو أن أفعل و أعمل بمبلغ علمي و طاقتي «3»» فليس معناه: الاجتهاد المصطلح، بل المراد به:

التقيّد بالكتاب و السنّة حسب ما أوتيه عليه السّلام من علم بهما، و حيثما يسعه ذلك.

هذا و مبلغ علمه عليه السّلام بكتاب اللّه العزيز ممّا لا يدركه أفهامنا، لو لا أنّه عليه السّلام قد أخبرنا عنه بقوله: «سلوني من كتاب اللّه، فإنّه ليس من آية إلّا و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم جبل «4»».

______________________________

(1)- الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين: الذريعة إلى اصول الشريعة؛ ج 2:

صص 794- 795، ط جامعة طهران.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: معارج الاصول، ص 180، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الطبري، محمّد بن جرير: تاريخ الرسل و الملوك، ج 4: ص 233، ط دار المعارف، مصر.

(4)- ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2: ق 2/ ص 101، طبع اروبا.

و بهذا المضمون مع زيادة- تهذيب التهذيب، لابن

حجر العسقلاني، ج 7: ص 337؛ الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، ج 4: ق 1/ ص 270؛ الاستيعاب، لابن عبد البرّ، ج 2: ص 463؛ جامع البيان (تفسير)، للطبري، ج 26: ص 116، الطبعة الاولى؛ كنز العمّال، للمتّقي الهندي، ج 1: ص 228؛ و غير ذلك.

قال المناوي: «قال الغزالي: قد علم الأوّلون و الآخرون: أنّ فهم كتاب اللّه منحصر إلى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 38

و أمّا مبلغ علمه عليه السّلام بالسنّة، فيكفيك في هذا الباب قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الحديث المتواتر بين الفريقين: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها ... «1»».

و موجز القول: أنّ من أحاط علما بالكتاب و السنّة، فهو في غنى عن احتذاء سيرة الشيخين، تلك السيرة التي وصفها أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته المعروفة ب «الشقشقيّة» بأبلغ وصف، و أوجز عبارة، فقال عليه السّلام، في وصف سيرة الخليفة الأوّل: «و طفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، و يشيب فيها الصغير، و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ...».

و قال عليه السّلام في وصف ميزة ثاني الخليفتين: «فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء، يغلظ كلامها، و يخشن مسّها، و يكثر العثار فيها، و الاعتذار منها ... «2»».

و دونك مدوّنات التأريخ- على علّاتها و هناتها- تقف في طيّاتها على الكثير

______________________________

عليّ [عليه السّلام]، و من جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع اللّه عن القلوب الحجاب، حتى يتحقّق اليقين الذي لا يتغيّر بكشف الغطاء» (المناوى:

فيض القدير، ج 4:

ص 46).

(1)- لا يسع المجال- في هذه العجالة- لتفصيل القول في مصادر الحديث، فليراجع:

عبقات الأنوار، للسيّد مير حامد حسين، الجزء الخامس؛ الغدير، للشيخ الأميني، الجزء 6، 7، 9، 11؛ ملحقات إحقاق الحقّ، للسيّد النجفي المرعشي، ج 4:

صص 376- 377، ج 5: صص 52، 469، 501، ج 8: ص 184، ج 9: ص 149، ج 16:

صص 277- 297، ج 21: صص 415- 428 (و بألفاظ اخر في مواضع اخر منه)؛ سبيل النجاة في تتمّة «المراجعات»، لحسين علي الراضي، المطبوع ملحقا ب «المراجعات»:

صص 144- 145، الطبعة المحقّقة.

(2)- نهج البلاغة، الخطبة 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 39

ممّا حفلت به سيرة الخليفتين، و سيرة ثالث ثلاثتهما ... من مناقضات لكتاب اللّه، و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد ألمّ بها إلمام فاحص متتبع لا مستقص مستوعب، سيّدنا الشريف المبجّل، العلّامة، السيّد عبد الحسين شرف الدين رحمه اللّه، في كتابه القيّم: «النصّ و الاجتهاد» فليراجع بإمعان، و ليلاحظ بتدبّر و إتقان.

[6] في ثبوت «الاجتهاد» المصطلح بحقّ أصحاب الائمّة عليهم السّلام، تفصيل،

أفاده شيخنا العلّامة الأنصاري- قدّس اللّه نفسه الزكيّة- في رسالة «تقليد الميّت» المطبوعة مع كتاب «مطارح الأنظار» للميرزا أبي القاسم الكلانتري، و يظهر: أنّها تقرير لبحث الشيخ الأنصاري، بقلم صاحب «مطارح الأنظار». قال:

«إنّ الناس في زمان أصحاب الأئمّة عليهم السّلام بين أصناف، فإنّهم بين العامل بما يسمعه شفاها عن المعصوم، و بين العامل بالأخبار المنقولة عنهم- مثل الفتاوى المنقولة عن المجتهدين- و بين العامل بفتاوى المجتهدين في تلك الأزمنة، ك «أبان بن تغلب» و «محمّد بن مسلم» ... و أضرابهما ممّن له أهليّة الاجتهاد و الإفتاء. و لا ريب أنّ القسمين الأوّلين ليس عملهم من التقليد

في شي ء، و ذلك هو الغالب في الموجودين في تلك الأزمنة و إن كان بلدهم بعيدا عن بلاد الأئمّة عليهم السّلام، كما يظهر من ملاحظة أحوالهم و مقايستها بأحوال المقلّدين، النائين عن بلد المجتهد، في الفتاوى المنقولة إليهم. و أمّا القسم الثالث فهم المقلّدون. و لا ريب في قلّة هذا القسم بالنسبة إليهم، بل و في نفسه أيضا، لتيسّر الاجتهاد في تلك الأزمنة، و عدم احتياجه إلى ما يحتاج إليه في أمثال زماننا ... «1»».

______________________________

(1)- الكلانتري، ميرزا أبو القاسم: رسالة تقليد الميّت، صص 270- 271، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 40

و قد سئل استاذنا الأعظم، المرجع الديني الأعلى للطائفة، المرحوم السيّد أبو القاسم الخوئي- طيّب اللّه رمسه- عن ذلك، و فيما يلي نصّ السؤال و الجواب:

السؤال: «متى وجب التقليد على المسلمين؟ و هل كان المسلمون أيام الأئمّة مقلّدين؟ خصوصا اولئك الذين كانوا في مناطق بعيدة عن الأئمّة؟»

الجواب: «التقليد كان موجودا في زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و زمان الأئمّة عليه السّلام، لأنّ معنى التقليد هو: أخذ الجاهل فهم العالم، و من الواضح: أنّ كلّ أحد في ذلك الزمان لم يتمكّن من الوصول إلى الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أحد الأئمّة عليه السّلام و أخذ معالم دينه منه مباشرة «1»».

و قد استنتج من هذا الجواب بعضهم وجود الاجتهاد المصطلح في كلّ من زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة عليه السّلام فقال ما نصّه:

«و من المعلوم: أنّ وجود «التقليد» يستلزمه وجود «الاجتهاد»؛ لأنّ التقليد في الأحكام الشرعيّة لا يكون إلّا للمجتهد «2»».

لكنّه- بما سبق عن

شيخنا الأنصاري قدّس سرّه- يظهر: أنّ عمل من لا تصل يده إلى المعصوم عليه السّلام لا ينحصر بالتقليد، و إنّما يكون ذلك تقليدا إذا كان عمله مستندا إلى فهم ناقل الرواية، أي: اجتهاد الراوي، لا ما إذا كان مستنده هو الرواية المنقولة، و إن كان ذلك بالمعنى لا بنص الألفاظ.

إذن فلا دليل على ثبوت الاجتهاد المصطلح، إلّا في زمان الأئمّة عليهم السّلام دون الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ذلك بحقّ جملة من خواصّ أصحابهم عليهم السّلام ك «أبان بن تغلب»

______________________________

(1)- الشهابي، محمّد جواد رضي- النجّار، عبد الواحد محمّد: مسائل و ردود، طبقا لفتاوى المرجع الديني، السيّد أبي القاسم الخوئي، ج 1: ص 5، الطبعة الثانية.

(2)- الدكتور عبد الهادي الفضلي: تأريخ التشريع الإسلامي، ص 49.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 41

و «زرارة بن أعين»، و «محمّد بن مسلم» و أضرابهم من فقهاء الرواة، حسب تنصيص الرجاليّين على ذلك.

[7] إنّ لكلمة «الاجتهاد» عند غير الإماميّة من سائر المذاهب- عبر التأريخ- معاني مختلفة،
اشارة

عدا ما لها من المعنى لغة، و هي كالآتي:

الأوّل: الرأي في مورد خلوّ الواقعة عن النصّ في الكتاب و السنّة.

و يفترض ذلك في موردين:

أحدهما- أنّه يفترض بحقّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حينما كان يعوزه- مثلا- الوحي الإلهي، فكان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يركن إلى الاجتهاد، و أحيانا كان اللّه سبحانه و تعالى- كما يقولون- لا يقرّه على ذلك، بل كان يعاتب نبيّه الكريم على اجتهاده و يؤنّبه.

قال محمّد يوسف موسى، في كتابه «المدخل لدراسة الفقه الإسلامي»:

«فكان الرسول إذا سئل عن مسألة، أو جدّت حادثة تقتضي حكما من الشارع، ينتظر الوحي السماوي، فإن نزل بالمراد كان بها، و إلّا كان هذا إيذانا من اللّه بأنّه أوكل إلى رسوله أن ينطق بالتشريع اللّازم، و معلوم: أنّه لا ينطق عن الهوى، و أحيانا اخرى كان الرسول يجتهد في الحكم، ثمّ يصدر رأيه، و هنا لا يقرّه اللّه على هذا الرأي، إلّا إذا كان صوابا ...- إلى أن قال:- و ليس هنا مجال البتّ في الخلاف بين مانعي اجتهاد الرسول و مجيزيه، فقد اشتدّ الخلاف في ذلك بين علماء الاصول و الفقه وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهٰا ... و سنده الذي يستند عليه، و لكن علينا أن نقرر: أنّه قد جاء في القرآن نفسه ما يفيد: أنّه كان للرسول اجتهاد في بعض

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 42

النوازل و الأحداث، و أنّ اللّه لم يقرّه على رأيه في بعض ما ذهب إليه، و كان منه له- من أجل ذلك- عتاب شديد أحيانا ...».

و أدلى- لما قاله- بشاهدين:

الأوّل: ما رواه أحمد بن حنبل، في «المسند» بالإسناد، عن عمر، في قضية أسرى غزوة بدر الكبرى، و أخذه صلّى اللّه

عليه و آله و سلّم الفدية منهم، عملا منه برأي أبي بكر في الموضوع، في حين أن رأي عمر كان هو تمكين كلّ من علي بن أبي طالب عليه السّلام، و حمزة، و أبا بكر، و هو نفسه، من قتل الأقربين منهم، حتّى يعلم اللّه أنّه ليست في قلوبهم هوادة للمشركين، على حدّ تعبير عمر.

يقول: فلمّا أن كان من الغد، قال عمر: «غدوت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإذا هو قاعد و أبا بكر، و إذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول اللّه! ما ذا يبكيك أنت و صاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، و إن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. قال:

قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الّذي على أصحابك من الفداء، و لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة (يشير إلى شجرة قريبة منه) و أنزل اللّه تعالى: مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... (إلى قوله:) لَمَسَّكُمْ فِيمٰا أَخَذْتُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ «1»

ثمّ قال: فقال النبيّ- كما جاء في رواية اخرى-: أبكي الذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة (يشير إلى شجرة كانت قريبة منه) ثمّ قال: إن كاد ليمسّنا في خلاف عمر بن الخطّاب عذاب عظيم، و لو نزل العذاب ما أفلت إلّا عمر «2»».

______________________________

(1)- الأنفال، 8: 67- 68.

(2)- محمّد يوسف موسى، المدخل لدراسة الفقه الإسلامي، ص 26، الطبعة الثانية. و الرواية

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 43

الثاني: ما صدر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الإذن للمتخلّفين في غزوة «تبوك». قال:

«استأذن بعض المنافقين الرسول صلّى اللّه عليه

و آله و سلّم فى التخلّف عن غزوة «تبوك»، متقدّمين بأعذار قبلها الرسول على ضعف فيها، كما تخلّف بعض المؤمنين أيضا، و أذن الرسول في التخلّف عن الذهاب معه في هذه الغزوة للجميع، لكنّ اللّه، الذي يعلم ما في الضمائر و النقوس من نيّات، لم يرض منه هذا الأذن و أفهمه أنّه كان أولى به التريث في الإذن لمن استأذن، حتّى يعلم المنافقين منهم و الصادقين في الاعتذار، إذ أنّ الأوّلين- أي المنافقين- كانوا سيتخلّفون و إن لم يأذن لهم. و في ذلك أنزل اللّه قوله تعالى: لَوْ كٰانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قٰاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَ لٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللّٰهِ لَوِ اسْتَطَعْنٰا لَخَرَجْنٰا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ* عَفَا اللّٰهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكٰاذِبِينَ «1» فقول اللّه تعالى: عَفَا اللّٰهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ينطوي على أنّ الرسول لم يصحبه توفيق اللّه في اجتهاده و إذنه لمن استأذن، و فيهم المنافق و المؤمن الحقّ، و لذلك لم يقرّه اللّه على هذا الاجتهاد «2»».

______________________________

تجدها في: مسند أحمد بن حنبل، ج 1: صص 30- 31، صص 32- 33. و أمّا الرواية الاخرى التي أشار إليها في آخر كلامه فلم أجدها في «المسند». و في تفسير القرطبي، في تفسير الآية الكريمة: «في رواية؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إن كاد ليصيبنا في خلاف ابن الخطّاب عذاب، و لو نزل عذاب ما أفلت إلّا عمر» (القرطبي، محمّد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن، ج 8: ص 47، افست دار إحياء الكتاب العربي، بيروت). و هي رواية مرسلة غير مسندة إلى أصل حديثي. و

بهذا النحو وردت الرواية في غير واحد من تفاسير السنيّين.

(1)- التوبة، 9: 42- 43.

(2)- محمّد يوسف موسى: المدخل لدراسة الفقه الإسلامي، ص 27، الطبعة الثانية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 44

و قبل كلّ شي ء يجدر بنا أن نستوضح الكاتب عمّا يعنيه بقوله: «فكان الرسول إذا سئل عن مسألة ...- إلى قوله:- و إلّا كان هذا إيذانا من اللّه بأنّه و كلّ إلى رسوله أن ينطق بالتشريع اللّازم، و معلوم: أنّه لا ينطق عن الهوى» فهل المعنيّ بذلك: أنّ اجتهاده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذن يكون مضمون الإصابة لأنّ اللّه تعالى أذن له بذلك؟ ليكن الأمر كذلك، بل لا يكاد يحتمل غيره، خصوصا بملاحظة استتباع ذلك بقوله: «و معلوم: أنّه لا ينطق عن الهوى».

و إذا كان الفرض هو ذلك، فما الذي يعنيه بقوله بعده: «و أحيانا اخرى كان الرسول يجتهد في الحكم، ثمّ يصدر رأيه، و هنا لا يقرّه اللّه على هذا الرأي، إلّا إذا كان صوابا!»؟ أ ليس هذا يناقض كلامه الأوّل؟

فإنّه مع افتراض قوله الأوّل، و هو أنّ انتظار الوحي السماوي، و عدم نزوله، يكون إيذانا من اللّه تعالى بأن ينطق بالتشريع اللازم، و بالنتيجة لا ينطق هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا بالوحي، فيكون اجتهاده صوابا لا محالة، فأين يبقى بعد ذلك مجال لافتراضه الثاني، و هو افتراض اجتهاد منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يقرّه اللّه تعالى عليه، فلا يكون صوابا؟!

و لنترك هذه النقطة جانبا، فإنّ فقه الكاتب، كفقه بني أعمامه سلفا و خلفا فقه لا يوزن بمقاييس العقول الراجحة، و إنّما يوزن بمنطق الكهنة و المنجّمين ...، و

لنعد إلى الحديث عن الشاهدين اللذين استند إليهما لإثبات دعواه.

أمّا رواية أحمد بن حنبل، فمع غضّ الطرف عن النقاش السندي فيها، فإنّ فيه: «عكرمة بن عمار» و الّذي قال فيه، عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه:

«عكرمة مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة» و هذه الرواية ليست هي عن «إياس». و قال ابن المديني: «كان يحيى يضعّف رواية أهل اليمامة، مثل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 45

عكرمة و حزبه ... «1»».

لندع ذلك جانبا، و لنتّجه نحو فقه الحديث، لنرى هل هناك مساغ لمن يؤمن باللّه عزّ و جلّ و باليوم الآخر، و يؤمن بالرسول كما يصفه القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، أن يخبت لهذه الرواية؟!

هلم معي لنتلو بعض آيات الذكر الحكيم:

أ) قال تعالى: وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ، إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ «2» و منطق الهوى- حسب الآية الكريمة- في مقابل منطق الوحي، و مقتضى التقابل بينهما هو ثبوت أحدهما عند انتفاء الآخر، كما نطقت الآية الكريمة بذلك، فيا ترى! ما شأن حكمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أخذه الفداء، أ كان ذلك من منطق الهوى؟! فهذا ما يجلّه القرآن الكريم عنه، أو هو من منطق الوحي؟ فما شأن الرواية على هذا؟ و أيّهما هو القول الفصل، أ هو قوله تعالى، أو مقالة عمر!

و لو افترضنا- كما يقوله القوم- أنّ حكمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الإطلاق لا يكون من منطق الوحي، بل هو في ما لا يرجع إلى امور الدنيا «3»، و أمّا ما يرجع إلى الدنيا، ممّا يتساوى فيه، في تشخيص

أوجه الصلاح و عدمه، النبيّ و غيره، فهو خارج عن مفاد الآية الكريمة، و أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يقول إلّا بالمنطق الّذي يقول به فيه غيره من عامّة الناس، و قلنا أيضا: بأنّ الحكم بأخذ الفداء في مورد الرواية من قبيل الثاني لم يكن في ذلك حلّ للإشكال، بل كان ذلك تكذيبا صريحا للرواية القائلة بنزول الوحي عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معاتبته- إيّاه- عتابا شديدا.

ب) قال تعالى: وَ لَوْ لٰا فَضْلُ اللّٰهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ

______________________________

(1)- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن عليّ: تهذيب التهذيب، ج 7: صص 261- 262.

(2)- النجم، 53: 3- 4.

(3)- محمود أبو ريّة: أضواء على السنّة المحمّدية، صص 42- 44، طبعة الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 46

يُضِلُّوكَ وَ مٰا يُضِلُّونَ إِلّٰا أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ ءٍ وَ أَنْزَلَ اللّٰهُ عَلَيْكَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كٰانَ فَضْلُ اللّٰهِ عَلَيْكَ عَظِيماً «1». تنفي الآية الكريمة- بصراحة و وضوح- أيّ احتمال، بحقّ أيّ شخص- مهما كان- أن يضلّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رأيه، و يجرّه إلى حكم لا يرضاه اللّه تعالى و لم يشرّعه، سواء أ كان ذلك حكمه بأخذ الفداء، عملا منه برأي أبي بكر، أم حكمه لصالح أحد المتخاصمين- كما في مورد نزول الآية الكريمة «2»- أم سائر الوقائع و الحوادث، لكونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- بحكم الآية الكريمة- مؤيّدا من عند اللّه تعالى- في جميع ذلك كلّه- بالكتاب و الحكمة، مسدّدا من ناحيته عزّ شأنه بالعلم و المعرفة.

ج) قال

تعالى: قُلْ مٰا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقٰاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلّٰا مٰا يُوحىٰ إِلَيَّ «3». حيث دلّ ذلك- بأداة الحصر- على أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دائما و أبدا، و في كلّ الوقائع و الأحداث، لا يتّبع إلّا الوحي ... إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على ذلك.

أضف إلى ذلك: إنّا نسائل الكاتب و نستفتيه بشأن الأخذ بأيّ القولين من عمر! أ نأخذ بمقالته في رواية ابن حنبل المتقدّمة؟ أو نأخذ بمقاله الآخر و هو: ما رواه أبو داود في «السنن»، عن ابن شهاب: «إنّ عمر بن الخطّاب (...) قال- و هو على المنبر-: يا أيّها النّاس، إنّ الرأي إنّما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مصيبا، لأنّ اللّه كان يريه، و إنّما هو منّا الظنّ و التكلّف «4»».

______________________________

(1)- النساء، 4: 113.

(2)- السيوطي، جلال الدين: الدرّ المنثور، ج 2: صص 217 و 219، طبعة بولاق- مصر.

(3)- يونس، 10: 15.

(4)- أبو داود، سليمان بن الأشعث: السنن/ تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، ج 3:

ص 302/ ح 3586.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 47

على أنّ في تفسير الآية الكريمة رأيين لعلمين من أعلام الامّة، يتبيّن لك على ضوئهما مدى مجانبة تفسير الكاتب للحقيقة و الواقع.

أمّا الرأي الأوّل، فهو للعلّامة الأكبر، سيّدنا الحبر الجليل، السيّد عبد الحسين الموسوي، آل شرف الدين- طيّب اللّه ثراه- يقول: «و ما قدروا اللّه حقّ قدره، إذ أمعنوا في التيه، فجوّزوا الاجتهاد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و اللّه تعالى يقول: إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ، و قد أوغلوا في الجهل إذ نسبوا إليه

الخطأ، و تسكّعوا في الضلال إذ آثروا قول غيره، و اشتبهت عليهم- في هذه الآية- معالم القصد، و عميت لديهم- فيها- وجوه الرشد، فقالوا بنزولها في التنديد برسول اللّه و أصحابه، حيث آثروا- بزعم هؤلاء الحمقى- عرض الدنيا على الآخرة فاتّخذوا الأسرى، و أخذوا منهم الفداء قبل أن يثخنوا في الأرض، و زعموا أنّه لم يسلم- يومئذ- من هذه الخطيئة إلّا عمر! و أنّه لو نزل العذاب لم يفلت منه إلّا ابن الخطّاب. و كذب من زعم أنّه اتّخذ الأسرى، و أخذ منهم الفداء قبل أن يثخن في الأرض، فإنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما فعل ذلك بعد أن أثخن في الأرض، و قتل صناديد قريش و طواغيتها، كأبي جهل بن هشام ...- و عدّ أسماء ستّ و ثلاثين رجلا من طواغيت المشركين- و قال: إنّ عدد القتلى يبلغ سبعين من رءوس الكفر، و زعماء الشرك، كما هو معلوم بالضرورة ...».

قال- قدّس اللّه نفسه-: «و الصواب إنّ الآية إنّما نزلت في التنديد بالذين كانوا يودّون العير و أصحابه، على ما حكاه اللّه تعالى عنهم في قوله- عن هذه الواقعة- عزّ من قائل: وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّٰهُ إِحْدَى الطّٰائِفَتَيْنِ أَنَّهٰا لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذٰاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِيدُ اللّٰهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمٰاتِهِ وَ يَقْطَعَ دٰابِرَ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 48

الْكٰافِرِينَ «1»، و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد استشار أصحابه فقال لهم: إنّ القوم قد خرجوا على كلّ صعب و ذلول، فما تقولون؟ العير أحبّ إليكم أم النفير؟ قالوا: بل العير أحبّ إلينا من لقاء العدوّ. و قال بعضهم- حين رآه

مصرّا على القتال-: هلّا ذكرت لنا القتال لنتأهّب له!، إنّا خرجنا للعير لا للقتال، فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأنزل اللّه تعالى: كَمٰا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكٰارِهُونَ* يُجٰادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مٰا تَبَيَّنَ كَأَنَّمٰا يُسٰاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ «2».

و حيث أراد اللّه عزّ و جلّ أن يقنعهم، بمعذرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في إصراره على القتال و عدم مبالاته بالعير و أصحابه، قال عزّ من قائل: مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ من الأنبياء المرسلين قبل نبيّكم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ فنبيّكم لا يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض، على سنن غيره من الأنبياء، الذين اتّخذوا أسرى، و لذلك لم يبال إذ فاته أسر أبي سفيان و أصحابه حين هربوا بعير هم إلى مكّة، لكنّكم أنتم تُرِيدُونَ إذ تودّون أخذ العير و أسر أصحابه عَرَضَ الدُّنْيٰا وَ اللّٰهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ باستئصال ذات الشوكة من أعدائه وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ و العزّة و الحكمة تقتضيان- يومئذ- اجتثاث عزّ العدوّ، و إطفاء جمرته. ثمّ قال تنديدا بهم: لَوْ لٰا كِتٰابٌ مِنَ اللّٰهِ سَبَقَ في علمه الأزليّ، بأن يمنعكم من أخذ العير، و أصحابه، لأسرتم القوم و أخذتم عير هم، و لو فعلتم ذلك لَمَسَّكُمْ فِيمٰا أَخَذْتُمْ قبل أن تثخنوا في الأرض عَذٰابٌ عَظِيمٌ. هذا معنى الآية الكريمة، و لا يصحّ حملها على غيره ... «3»».

______________________________

(1)- الأنفال، 8: 7.

(2)- الأنفال، 8: 5- 6.

(3)- شرف الدين، السيد عبد الحسين: النصّ و الاجتهاد، صص 262- 264، ط النجف

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الزكاة، ج 1، ص: 49

و الرأي الثاني، للعلّامة القرطبي، حيث قال في تفسيره ما نصّه: «هذه الآية نزلت يوم بدر، عتابا من اللّه عزّ و جلّ لأصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المعنى: ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أسرى قبل الإثخان (أي: المبالغة في قتل الكفّار)، و لهم- أي للأصحاب- هذا الإخبار بقوله:

تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيٰا و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب، و لا أراد- قطّ- عرض الدنيا، و إنّما فعله جمهور مباشري الحرب فالتوبيخ و العتاب إنّما كان متوجّها بسبب من أشار على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأخذ الفدية. هذا هو قول أكثر المفسّرين، و هو الذي لا يصحّ غيره ... «1»».

ثمّ إنّ لي رأيا سوف أكشف عنه بحيطة و حذر تامّين، و هو: أنّ مرويّات عمر بن الخطّاب، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم محاطة بهالة من الريب و الشكّ، و يبدو لي أنّها مجعولة- جلّها إن لم نقل كلّها- بحقّ الرجل، فإنّ المعلوم عن الخليفة الثاني هو تبنّيه مبدأ: «حسبنا كتاب اللّه «2»» بل الأمر- كما يبدو- هو ما آمن به الخليفة الأوّل أيضا، و ليس هو- كما زعمه الذهبي «3»- من رأي الخوارج.

فقد روى الذهبي: «إنّ أبا بكر جمع الناس بعد وفاة النبيّ، فقال: إنّكم تحدّثون عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحاديث تختلفون فيها، و الناس بعدكم أشدّ اختلافا، فلا

______________________________

الأشرف، صص 321- 323، ط قم.

(1)- القرطبي، محمّد بن أحمد،

الجامع لأحكام القرآن، ج 8: صص 45- 46.

و لاحظ بهذا الصدد- الملطاوي، حسن كامل: رسول اللّه في القرآن الكريم، صص 278- 279، طبع دار المعارف بمصر.

(2)- البخاري، محمّد بن إسماعيل: الصحيح/ كتاب العلم: باب العلم. و رواه في غير موضع من كتابه بعبارات متقاربة، كما تجد ذلك في غير واحد من كتب السير و التأريخ.

(3)- الذهبي، شمس الدين: تذكرة الحفّاظ، ج 1: صص 2- 3، طبعة حيدرآباد- الهند.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 50

تحدّثوا عن رسول اللّه شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا و بينكم كتاب اللّه، فاستحلّوا حلاله، و حرّموا حرامه «1»».

و روى عن القاسم بن محمّد، عند عائشة، قالت: جمع أبي الحديث عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و كانت خمسمائة حديثا- فبات ليلته يتقلّب كثيرا، قالت فغمّني، فقلت: أ تتقلّب لشكوى، أو لشي ء بلغك؟ فلمّا أصبح قال: أي بنيّة! هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها، فقلت: لهم أحرقتها؟ قال:

خشيت أن أموت و هي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته و و ثقت به، و لم يكن كما حدّثني، فأكون قد نقلت ذلك «2»».

و روي عن قرظة بن كعب، قال: «لمّا سيّرنا عمر إلى العراق، مشى معنا عمر، و قال: أ تدرون لم شيّعتكم؟ قالوا: نعم، تكرمة لنا، قال: و مع ذلك، إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل، فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جرّدوا القرآن، و أقلّوا الرواية عن رسول اللّه، و أنا شريككم. فلمّا قدم قرظة بن كعب، قالوا: حدّثنا، فقال: نهانا عمر «3»».

و روى عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: إنّ عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود، و

أبا الدرداء، و أبا مسعود الأنصاري، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «4».

______________________________

(1)- الذهبي، شمس الدين: تذكرة الحفّاظ، ج 1: صص 2- 3، طبعة حيدرآباد- الهند.

(2)- المصدر، ص 5.

(3)- الذهبي، شمس الدين: تذكرة الحفّاظ، ج 1: ص 7، طبعة حيدرآباد- الهند؛ الدارمي:

السنن، ج 1: ص 85، نشر دار إحياء السنّة النبوية؛ ابن ماجة: السنن/ تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج 1: ص 12/ ح 28؛ الحاكم النيسابوري: المستدرك، ج 1: ص 102.

(4)- الذهبي، شمس الدين: تذكرة الحفّاظ، ج 1: ص 7، طبعة حيدرآباد- الهند؛ الهيثمي،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 51

و قال عبد الرحمن بن عوف: «ما مات عمر بن الخطّاب حتّى بعث إلى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجمعهم من الآفاق؛ عبد اللّه بن حذيفة، و أبا الدرداء، و أبا ذرّ، و عقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول اللّه في الآفاق؟ قالوا: تنهانا؟! قال: لا، أقيموا عندي، لا و اللّه لا تفارقوني ما عشت فنحن أعلم، نأخذ منكم و نردّ عليكم، فما فارقوه حتّى مات «1»».

و الّذي يظهر من ملاحظة هذه النصوص و غيرها- ممّا لم نر ضرورة في التعرّض لها- هو: أنّ مبدأ الخليفتين كان هو عدم التحديث بالرواية، لا المنع عن تدوينها فقط- كما اشتهر- و عليه فكيف يتلاءم هذا المبدأ- مع ما عرفت من موقف الرجلين الحاسم تجاه ذلك- مع تحديثهما بالرواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم! فإنّ ما عرف عنهما من المبدأ المذكور سوف يلقي ظلالا من الشكّ على جميع مرويّاتهما عنه صلّى

اللّه عليه و آله و سلّم، بل و عن غيره الصحابة.

و لا مجال لتعليل المنع المذكور بكثرة الحيطة منهما تجاه الحديث، خشية تفشّي و انتشار الأحاديث المجهولة في المجتمع الإسلامي، فإنّ ذلك خلاف ما تنبئنا عنه رواية قرظة بن كعب المتقدّمة، من تعليل الخليفة الثاني نفسه.

كما أنّه لا يوجّه بذلك عمل الخليفة الثاني بحقّ أبي ذرّ- رضوان اللّه تعالى عليه- و قد ثبت عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القول بحقّه: «ما أظلّت الخضراء، و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ ... «2»».

______________________________

مجمع الزوائد، ج 1: ص 149، نشر دار الكتاب اللبنانيّ.

(1)- المتّقي الهندي: كنز العمّال، ج 5: ص 239/ ح 4865، الطبعة الأولى.

(2)- ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج 4: صص 167- 168، طبع ليدن؛ الترمذي:

الجامع الصحيح/ تحقيق: إبراهيم عطوة عوض، ج 5: صص 669- 670/ ح 3801،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 52

على أنّه لو كان للتعليل المذكور مبرّر بالنظر إلى ما جاء في رواية القاسم بن محمّد، عن عائشة المتقدّمة، فالذي يمنعنا عن الركون إليه هو: إنّ ذلك لا ينسجم مع المبدأ القائل بأنّ الصحابة- قاطبة- عدول، ثقاة، مستندين إلى ما زعموه و أسندوه إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهديتم «1»»، أ فلا كان الخليفة مؤمنا و مصدّقا بهذا الحديث! و إذا لم يكن هو قد آمن به، فكيف بأتباعه و أشياعه و هم يؤمنون به إيمانا أعمى، هوّن أمام أعينهم كلّ صغيرة و كبيرة اشتهرت عن واحد من الصحابة!

و أمّا الشاهد الآخر، و هو: الإذن للمتخلّفين في غزوة «تبوك» فالذي يثير العجب

و الدهشة في كلّ مسلم، هو جرأة هذا الكتاب على تحريف كتاب اللّه العزيز عن مواضعه، حيث يقول: «استأذن بعض المنافقين الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في التخلّف عن غزوة «تبوك»، متقدّمين بأعذار قبلها الرسول، على ضعف فيها، كما تخلّف بعض المؤمنين أيضا ...» و في هذه الفقرة من كلامه من الجرأة على اللّه و رسوله، أمّا

أوّلا: إسناده قبول الأعذار الضعيفة و الواهية إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو ليس هذا- في الحقيقة- هو ما تعنيه الآية الكريمة: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّٰهِ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «2» و هذه جرأة منه على

______________________________

ح 3802؛ ابن ماجة: السنن/ تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، ج 1: ص 55/ ح 156؛ أحمد بن حنبل: المسند، ج 2: صص 163، 175، 223؛ و غيرها من المصادر، و اختلاف ألفاظ الحديث يسير جدّا.

(1)- ابن قيّم الجوزيّة: أعلام الموقّعين/ تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، ج 2: ص 223.

(2)- التوبة، 9: 61.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 53

الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم!

دع عنك: أنّ حديث قبوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأعذار على ضعف فيها، لا أساس له إطلاقا، فمن أيّ مصدر حديثي أو تأريخي استقاه؟ و الآية الكريمة- على فرض الأخذ بما قاله فيها- إنّما تنظر إلى قبول تلكم الأعذار قبل تبيّن الحال، بمعنى:

الإسراع في القبول، فإن كان وهن- بفرض المحال- ففي الإسراع في قبول الأعذار، لا في الأعذار أنفسها.

و ثانيا:

قوله: «كما تخلّف بعض المؤمنين أيضا» من أين جاء بذلك؟ إنّ قوله تعالى: عَفَا اللّٰهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ... «1» إنّما يرتبط بما سبقه، من قوله تعالى:

لَوْ كٰانَ عَرَضاً قَرِيباً ... «2» و معلوم- باتّفاق المفسّرين- أنّ اولئك المتخلّفين كانوا هم المنافقون، فمن أين أتى الكاتب بحديث: تخلّف بعض المؤمنين!، ليس ذلك- في ظنّي- إلّا لأن يصلح- بزعمه- معنى الآية القائلة: حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ... «3» ففرض تخلّف بعض المؤمنين أيضا حتّى يتمّ المعنى، و هذه جرأة منه على اللّه سبحانه و تعالى، و جرأة على كتابه العزيز!!.

ثمّ لننظر- بعد هذا كلّه- في النقطة التي ركّز الكاتب استدلاله عليها، و هي:

قوله تعالى: عَفَا اللّٰهُ عَنْكَ ... حيث استفاد الكاتب منه توجيه العتاب نحو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا شاهد له في ذلك، فإنّ هذه الجملة من افتتاحيّات الكلام، كنظائرها مثل: «أصلحك اللّه» و «أعزّك اللّه» و «رحمك اللّه» و ما شاكلها، و لا يقصد بها مفادها اللغوي في خصوص مساق الكلام، و لهذا يحسن الوقوف

______________________________

(1)- التوبة، 9: 43.

(2)- التوبة، 9: 42.

(3)- التوبة، 9: 43.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 54

عليها، و تكون جملة: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ... مستأنفة «1» و حينئذ فلا يكون المقصود بها العفو عن الإذن، حتّى تدلّ على العتاب.

و مع غضّ النظر عن ذلك، و افتراض استفادة العتاب منها. أو أنّ نفس الاستفهام الإنكاري التوبيخي المستفاد من قوله تعالى: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ... يكفي لإثبات المقصود، و إن أنكره- أي: كون الاستفهام إنكاريا- بعضهم «2»، لنفرض هذا، أو ذاك، نقول:

إنّ المستفاد من الآيات الكريمة الآتية هو: أنّ الإذن في

عدم الخروج- أي عدم خروج المتخلّفين- كان في صالح المسلمين، كما يدلّ عليه قوله تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مٰا زٰادُوكُمْ إِلّٰا خَبٰالًا وَ لَأَوْضَعُوا خِلٰالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمّٰاعُونَ لَهُمْ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ بِالظّٰالِمِينَ* لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّٰى جٰاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّٰهِ وَ هُمْ كٰارِهُونَ «3»

فقد كان الأصلح بحال المسلمين هو أن يؤذن لهم في التخلّف ليصان الجمع من الخبال، و فساد الرأي، و تفرّق الكلمة، فإنّ في الجمع ضعفاء الإيمان، مرضى القلوب، سمّاعون لقولهم، مسارعون إلى المطاوعة لهم، إذن، فالإذن لهم بالتخلّف كان مرضيّا للربّ تعالى، و لم يكن ذلك منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن اجتهاد مرفوض من قبله تعالى، معاتب عليه من ناحيته عزّ شأنه، كما فهمه الكاتب.

فليس العتاب على اجتهاده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اجتهادا غير مصيب به، بل العتاب على

______________________________

(1)- القرطبي، محمّد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن، ج 8: ص 154؛ الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين: تنزيه الأنبياء، ص 132، الطبعة الثالثة، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

(2)- الشريف المرتضى، علي بن الحسين: تنزيه الأنبياء، ص 132، الطبعة الثالثة، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

(3)- التوبة، 9: 47- 48.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 55

شي ء آخر، و هو: أنّ إذنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صار ساترا لفضيحة نفاقهم، و لو لا ذلك لظهر نفاقهم بأحسن وجه، لأنّهم- في الحقيقة- لم يكونوا ناوين الخروج معه، و إلّا لكانوا قد أعدّوا له- من قبل- عدّتهم، قال تعالى: وَ لَوْ أَرٰادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لٰكِنْ كَرِهَ اللّٰهُ انْبِعٰاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا

مَعَ الْقٰاعِدِينَ «1» و لو لا إذنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهم بالتخلّف، كانوا هم من المتخلّفين، و بذلك كان يبدو للكلّ نفاقهم، لكنّهم تذرّعوا بذريعة الإذن في تخلّفهم، فلم يبد لعامّة المسلمين نفاق هؤلاء، و ما كانوا قد أضمروه في طيّات أنفسهم من قبل.

و لهذا العتاب- كما في نظائره- محمل صحيح، بل محامل، مذكورة في محلّه، و لكن لا ارتباط له بمسألة الاجتهاد غير الصواب، كما عرفت.

و أجدر بنا أن نختم هذا الفصل بكلام ابن حزم في الموضوع، فقد قال: «إنّ من ظنّ أنّ الاجتهاد يجوز للأنبياء عليهم السّلام في شرع شريعة لم يوح إليهم فيها، فهو كفر عظيم. و يكفي في إبطال ذلك: أمره تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يقول: إِنْ أَتَّبِعُ إِلّٰا مٰا يُوحىٰ إِلَيَّ ...* «2».

هذا و لا يخفى عليك، أنّ أدلّة القائلين بجواز الاجتهاد بحقّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تنحصر بما ذكرناه، بل إنّهم استدلّوا له بأدلّة كثيره، و لكنّها- و أيم اللّه- واضحة الفساد، بل أكثرها ممّا يضحك الثكلى. و من شاء الوقوف عليها فليراجع كتاب:

«الإحكام في اصول الأحكام» للآمدي (الجزء الرابع) و «الإحكام باصول الأحكام»، لابن حزم، و كتاب «إرشاد الفحول ...»، للشوكاني، و غير ذلك من الكتب الاصوليّة.

______________________________

(1)- التوبة، 9: 46.

(2)- الدكتورة نادية العمري: اجتهاد الرسول، صص 40- 41، طبع مؤسّسة الرسالة، بيروت (نقلا عن «تأريخ التشريع الإسلامي» للدكتور عبد الهادي الفضلي، صص 43- 44).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 56

و الآخر: افتراض الاجتهاد- بمعنى: الرأي، في فرض خلوّ النصّ- بحقّ الصحابة، في حياته صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم.

و لعلّ عمدة أدلّة القائلين به الوجوه الثلاثة الآتي ذكرها. و أمّا سائر الوجوه التي استدلّوا بها لذلك، و قد جمعها ابن حزم في كتابه «الإحكام في اصول الأحكام» فهي موهونة جدّا، و لذلك عقّبها ابن حزم بقوله: «هذا كلّ ما موّهوا به، ما نعلم لهم شيئا غيره، و كلّه لا حجّة لهم في شي ء منه «1»».

و إليك الوجوه الثلاثة:

1- جاء في «سنن الدارمي» و غيره، عن معاذ: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا بعثه إلى اليمن قال له: أ رأيت إن عرض لك قضاء، كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب اللّه، قال: فإن لم يكن في كتاب اللّه، قال: فبسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فإن لم يكن في سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: اجتهد رأيي، و لا آلو. قال: فضرب صدري، و قال: الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول اللّه لما يرضي رسول اللّه «2»».

2- في «صحيح البخاري» و غيره أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، و إذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر

______________________________

(1)- ابن حزم، عليّ بن أحمد: الإحكام باصول الأحكام، ج 6: ص 30.

و من الغريب جدّا بهذا الصدد ما جاء في «الخطط» للمقريزي: «و كان يفتي في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الصحابة: أبو بكر، و عمر، و عثمان، و عليّ، و عبد الرحمن بن عوف، و عبد اللّه بن مسعود، و أبي بن كعب، و معاذ بن جبل، و عمّار بن ياسر، و حذيفة بن اليمان، و زيد

بن ثابت، و أبو الدرداء، و أبو موسى الأشعري، و سلمان الفارسي- رضي اللّه عنهم (المقريزي:

الخطط الشام، ج 3: ص 258، طبع دار التحرير للنشر بمصر). فإنّ ظاهر هذا الكلام هو استغناؤهم في الفتيا عنه صلّى اللّه عليه و آله و أنّهم كانوا لا يتتبّعون موارد خلوّ النصّ، بل كان لهم الاستقلاليّة في ذلك سبحانك اللّهمّ هذا بهتان عظيم.

(2)- الدارمي: السنن، ج 1: ص 60؛ أحمد بن حنبل: المسند، ج 5: صص 230- 276.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 57

واحد «1».

3- جاء في كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري: «ثمّ الفهم الفهم فيما ادلي إليك، ممّا ورد عليك، ممّا ليس في قرآن و لا سنّة، ثمّ قايس الامور عند ذلك، و اعرف الأمثال، ثمّ اعمد- فيما ترى- إلى أحبّها إلى اللّه و أشبهها بالحقّ «2»».

و قريب منه قوله لشريح حين أرسله قاضيا على الكوفة: «انظر ما يتبيّن لك في كتاب اللّه فلا تسأل عنه أحدا، و ما لم يتبيّن لك في كتاب اللّه فاتّبع فيه سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما لم يتبيّن لك فيه السنّة فاجتهد فيه رأيك «3»». هذا، و قد ناقش ابن حزم في جميع هذه الوجوه، قال: «أمّا خبر معاذ، فإنّه لا يحلّ الاحتجاج به لسقوطه، و ذلك: لأنّه إنّه لم يرو- قطّ- إلّا من طريق الحارث بن عمرو و هو مجهول، لا يدري أحد من هو؟ و قال البخاري في تأريخه الأوسط:

و لا يعرف الحارث إلّا بهذا- الحديث- و لا يصحّ. ثمّ إنّ الحارث روى عن رجال من أهل حمص، لا يدرى من هم؟ ثمّ لم يعرف- قطّ- في عصر

الصحابة، و لا ذكره أحد منهم، ثمّ لم يعرفه أحد- قطّ- في عصر التابعين، حتّى أخذه (أبو عون) وحده عمّن لا يدرى من هو؟، فلمّا وجده أصحاب الرأي عند (شعبة) طاروا به كلّ مطار، و أشاعوه في الدنيا، و هو باطل لا أصل له».

قال: «و برهان وضع هذا الخبر و بطلانه: هو أنّ من الباطل الممتنع، أن يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإن لم تجد في كتاب اللّه و لا في سنّة رسول اللّه، و هو

______________________________

(1)- البخاري: الصحيح/ كتاب الاعتصام: باب أجر الحاكم إذا اجتهد. و قد مرّت الإشارة إلى مصادر الحديث المذكور. فراجع.

(2)- ابن حزم، عليّ بن أحمد: الإحكام باصول الأحكام، ج 5: ص 1003؛ ابن قيّم الجوزيّة:

أعلام الموقّعين/ تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، ج 1: ص 86.

(3)- ابن قيّم الجوزية: أعلام الموقّعين/ تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، ج 1: ص 63.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 58

يسمع قول ربّه: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... «1»، و قوله تعالى:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... «2»، و قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ... «3» مع الثابت عنه عليه السّلام: من تحريم القول بالرأي في الدين ...».

«ثمّ لو صحّ، لكان معنى قوله: «أجتهد رأيي»، استنفذ جهدي حتّى أرى الحقّ في القرآن و السنّة و لا أزال أطلب ذلك أبدا».

«و أيضا: لو صحّ لكان لا يخلو من أحد وجهين: إمّا أن يكون ل «معاذ» وحده، فيلزمهم أن لا يتّبعوا رأي أحد إلّا رأي معاذ، و هم لا يقولون بهذا. أو يكون ل «معاذ» و غيره، فإن كان ذلك فكلّ

من اجتهد رأيه فقد فعل ما أمر به، فهم- كلّهم- محقّون، ليس أحد منهم أولى بالصواب من آخر، فصار الحقّ- على هذا- في المتضادّات، و هذا خلاف قولهم، و خلاف المعقول، بل هذا المحال الظاهر. و ليس لأحد أن ينصر قوله بحجّة، لأنّ مخالفه- أيضا- قد اجتهد رأيه، و ليس في الحديث الذي احتجّوا به أكثر من اجتهاد الرأي و لا مزيد، فلا يجوز لهم أن يزيدوا فيه ترجيحا لم يذكر في الحديث.

«و أيضا: فليس أحد أولى من غيره، و من المحال البيّن: أن يكون ما ظنّه الجهّال في حديث معاذ- لو صحّ- من أن يكون عليه السّلام يبيح ل «معاذ» أن يحلّل برأيه و يحرّم برأيه، و يوجب الفرائض برأيه و يسقطها برأيه، و هذا ما لا يظنّه مسلم، و ليس في الشريعة شي ء غير ما ذكرناه، البتة «4».

______________________________

(1)- الزمر، 39: 55.

(2)- المائدة، 5: 3.

(3)- الطلاق، 65: 1.

(4)- ابن حزم، عليّ بن أحمد: الإحكام باصول الأحكام، ج 5: صص 773- 775.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 59

قال: «و أمّا حديث عمرو بن العاص- حسب رواية البخاري و بعض آخر- فأعظم حجّة عليهم، لأنّ فيه: أنّ الحاكم المجتهد يصيب و يخطئ، فإن كان ذلك كذلك، فحرام الحكم في الدين بالخطإ، و ما أحلّ اللّه تعالى- قطّ- إمضاء الخطأ، فبطل تعلّقهم «1»».

و قال بشأن كتاب عمر إلى أبي موسى- بعد إيراده بسندين-: «و هذا لا يصحّ، لأنّ السند الأوّل فيه: عبد الملك بن الوليد بن معدان، و هو كوفي متروك الحديث، ساقط، بلا خلاف، و أبوه مجهول. و أمّا السند الثاني، فمن بين الكرجي إلى سفيان مجهول، و هو- أيضا- منقطع، فبطل

القول به جملة «2»».

هذا نصّ كلام ابن حزم في مناقشته في الوجوه الثلاثة، نقلته حرفيّا ليعلم أنّ تضعيفها غير منحصر بنا، بل ضعّفها من هو في الاصول على رأيهم.

و يبدو لي من القول تجاه الوجوه المتقدّم ذكرها، أمّا بالنسبة إلى خبر معاذ، فمع غضّ البصر عمّا سبق هو: أنّه لا ريب عند المسلمين- شيعة و سنّة- في كون الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام هو أعلم الامّة بالقضاء. و قد قال النبيّ عليه السّلام بحقّه:

«أقضاكم عليّ «3»». و لكن حينما بعثه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى اليمن، قال له: أ تبعث بي و أنا

______________________________

(1)- ابن حزم، عليّ بن أحمد: الإحكام باصول الأحكام، ج 5: ص 771.

(2)- المصدر، ص 1003.

(3)- ابن الديبع: تمييز الخبيث من الطيّب، ص 29، طبع دار الكتاب العربي، بيروت؛ الفخر الرازي: الأربعين في اصول الدين، ص 466، طبع حيدرآباد- الهند؛ الشنقيطي: كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، ص 46، طبع مصر؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، ج 7: ص 219؛ محمّد بن طلحة:

مطالب السئول، ص 25، طبع مصر؛ القاضي الايجي: المواقف، ج 3: صص 276- 411، ط

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 60

شابّ، و لا علم لي بكثير من الأحكام! قال عليه السّلام: فضرب بيده على صدري و قال: «اللّهمّ اهد قلبه، و ثبّت لسانه «1»».

و المقصود بدعائه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اللّهمّ اهد قلبه» هو اهتداء قلبه إلى أحكام اللّه تعالى في شريعته، المبيّنة بكتابه العزيز، و سنّة رسوله الأمين. و بعبارة واضحة:

دعا له بالمعرفة بالأحكام الشرعية التي أنكر عليه السّلام معرفته بالكثير

منها. فلو كانت الأحكام المبيّنة بالقرآن و السنّة غير وافية بجميع الوقائع و الأحداث التي يلزمه عليه السّلام أن يقضي فيها، لكان عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن ير شده إلى ما يقضي به فيها، كما أرشد بتقريره- لو صحّ الحديث- معاذ إلى ذلك!

و أمّا مسألة اجتهاد القاضي ...، فالاستدلال ساقط جدّا، إذ المفروض هو الاجتهاد في مورد خلوّ الواقعة عن نصّ الكتاب و السنّة، و لا يخلو الحال

______________________________

عالم الكتب، بيروت؛ ابن عبد البر: الاستيعاب (بهامش الإصابة)، ج 3: ص 38 [و لكن متن الحديث: «أقضاهم عليّ ...»].

و للوقوف على نصوص الحديث، يراجع: الغدير للشيخ الأميني رحمه اللّه، ج 3: صص 97- 99، ط طهران؛ إحقاق الحقّ (الملاحق) للسيّد المرعشي رحمه اللّه، ج 8: صص 57- 67، ط قم؛ فضائل الخمسة منت الصحاح الستّة للسيد الفيروزآبادي رحمه اللّه، ج 2: ص 265، ط بيروت.

(1)- لاحظ الحديث باختلاف ألفاظه مع تقارب المعنى في- ابن ماجة القزويني: سنن المصطفى/ تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، ج 2: ص 774/ ح 2310؛ ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج 2: ق 2/ صص 100- 101، طبع هولندا؛ أحمد بن حنبل: المناقب/ تحقيق:

السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 72؛ النسائي: الخصائص، صص 11- 12، ط مطبعة التقدّم، مصر؛ الخطيب البغدادي: تأريخ بغداد، ج 12: ص 443، ط دار السعادة؛ الحاكم النيسابوري: المستدرك، ج 3: ص 135، ط حيدرآباد- الهند.

و للوقوف على كامل نصوص الحديث و مصادره راجع: إحقاق الحقّ، ج 7 [الملاحق]:

صص 63- 77، ج 8 [الملاحق]: صص 34- 47؛ فضائل الخمسة من الصحاح الستّة، ج 2:

صص 296- 299، ط بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص:

61

- حينئذ- من أحد أمرين فإمّا أن تكون الوظيفة هو العمل بالرأي، فكان الرأي حينئذ بمنزلة نصوص الكتاب و السنّة و عدلا لهما عند تواجدهما، فلا يكاد يتصوّر فيه الخطأ.

و بعبارة واضحة: مبنى الكلام على أنّ اصول الشريعة و منابعها ثلاثة:

الكتاب، السنّة، الرأي، و في مثل ذلك لا يتصوّر في الأخير الخطأ، كما هو الحال في السابقين عليه، إذن فالاستدلال لحجّية الرأي، بمثل هذه النصوص التي يفترض فيها الخطأ و الصواب بلا وجه.

نعم، إذا قلنا بأنّ الشريعة وافية بأحكام جميع الوقائع، و أنّ النصّ،- من الكتاب أو السنّة- موجود في جميع ذلك، أمّا بالخصوص، أو في ضمن العموم، فحينئذ يكون افتراض الخطأ في الرأي أمرا معقولا، و لكنّه خروج عن الفرض.

و أمّا ما في كتاب عمر إلى أبي موسى، فحيث أنّ قول عمر- هذا- مبنيّ على الاجتهاد و الرأي، و لم يستند في ذلك إلى نصّ من الكتاب أو السنّة، كان الاستدلال به لحجّية الاجتهاد و الرأي مصادرة بالمطلوب، على حدّ تعبير علماء المنطق.

و بمثله يقال في كلام عمر لشريح القاضي، حين أرسله للقضاء على الكوفة.

ثمّ إنّ الرأي في كتاب عمر إلى أبي موسى يشبه أن يكون هو القياس، الذي تبنّاه المذهب الحنفي فيما بعد. و لأجله عدّ بعضهم أبا حفص أوّل من غرس بذرة العمل بالقياس «1».

هذا و قد عقد ابن قيّم الجوزيّة، في كتابه «أعلام الموقّعين» فصولا في بطلان العمل بالرأي، مستشهدا له بأقوال كبار الصحابة و التابعين، مفنّدا لأدلّة

______________________________

(1)- المقرّم، السيّد عبد الرزّاق: مقدّمة كتاب «الاجتهاد و التقليد من التنقيح»، رقم و- ز.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 62

أهل الرأي. فلاحظ «1».

و رأي الإماميّة- تبعا لأئمّتهم

من أهل البيت عليهم السّلام- في هذا الموضوع ظاهر و بيّن، حيث أنّهم لا يرون للرأي مجالا في عرض نصوص الكتاب و السنّة، بأن يكون أصلا من اصول الشريعة، كالكتاب و السنّة، و كنموذج لبعض ما جاء عن الأئمّة عليهم السّلام في هذا الباب، نشير إلى ما يلي:

1- روى الكليني رحمه اللّه، عن قتيبة، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أ رأيت إن كان كذا و كذا ما يكون القول فيها؟ فقال له:

مه، ما أجبتك فيه من شي ء فهو عن رسول اللّه عليه السّلام لسنا من: (أ رأيت) في شي ء «2»».

2- و روى أيضا، عن مسعدة بن صدقة، قال: حدّثني جعفر، عن أبيه عليهما السّلام:

إنّ عليّا- صلوات اللّه عليه- قال: «من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، و من دان اللّه بالرأي لم يزل دهره في ارتماس». قال: و قال أبو جعفر عليه السّلام: «من أفتى الناس برأيه فقد دان اللّه بما لا يعلم ... «3»».

3- روى سماعة، عن أبي الحسن (موسى بن جعفر) عليه السّلام، قال: قلت له: كلّ

______________________________

(1)- ابن القيم الجوزية: أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين/ تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، ج 1:

صص 47- 84.

(2)- الكليني، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 1: صص 57- 58/ ح 21، 17، طبع مكتبة الصدوق، طهران؛ الفيض، محمّد محسن: الوافي، ج 1: صص 258- 255/ ح 22، 19، الطبعة المحقّقة، أصفهان.

(3)- الكليني، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 1: صص 57- 58/ ح 17، ط مكتبة الصدوق، طهران؛ الفيض، محمّد محسن: الوافي، ج 1: صص 258- 255/ ح 19، الطبعة المحقّقة، أصفهان.

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 63

شي ء تقول به، في كتاب اللّه و سنّته، أو تقولون فيه برأيكم؟ قال: «بل كلّ شي ء نقوله في كتاب اللّه و سنّة نبيّه «1»».

4- روى جابر، عن أبي جعفر (الباقر) عليه السّلام، قال: «يا جابر، إنّا لو كنّا نحدثكم برأينا و هوانا لكنّا من الهالكين، و لكنّا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه عليه السّلام، كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضّتهم «2»».

و حيث قد عرفت أنّ أرضيّة الأخذ بالرأي هي: عدم وفاء ما في الكتاب العزيز و السنّة الشريفة بجميع الأحداث و الوقائع، و هذا ما أنكره الأئمّة عليهم السّلام أشدّ الإنكار و قد عقد الكليني رحمه اللّه في الكافي الشريف بابا عنونه ب «باب الردّ إلى الكتاب و السنّة، و أنّه ليس شي ء من الحلال و الحرام، و جميع ما يحتاج إليه الناس إلّا و قد جاء فيه كتاب و سنّة» و ذكر في الباب المذكور جملة وافرة من الروايات نشير- منها- إلى بعضها:

أ) روى قدّس سرّه بإسناده، عن مرازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شي ء، حتّى و اللّه ما ترك اللّه شيئا يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل في القرآن، إلّا و قد أنزله اللّه فيه «3»».

ب) و روى- أيضا- بإسناده عن حماد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «ما من شي ء إلّا و فيه كتاب أو سنّة «4»».

______________________________

(1)- الصّفار، محمّد بن الحسن: بصائر الدرجات، ج 6: ص 301/ ح 1، الطبعة الثانية.

(2)- الصّفار، محمّد بن الحسن: بصائر الدرجات، ج 6: ص 299/ ح

1، و نحوه: ح 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10.

(3)- الكليني، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 1: ص 59/ ح 1.

(4)- المصدر، ص 59/ ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 64

ج) و أيضا: بإسناده عن سماعة، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام، قال: قلت له:

أ كلّ شي ء في كتاب اللّه و سنّة نبيّة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟! أو تقولون فيه؟ قال: «بل كلّ شي ء في كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله «1»».

الثاني: التأويل،

و يعنى به: تغيير الأحكام الشرعيّة عمّا تعنيه نصوص الكتاب أو السنّة، فهو محاولة تهدف إلى تحوير النصّ- كتابا و سنّة- عن معناه الظاهر فيه و مدلوله المتفاهم منه، في حين كان الرأي- بالمعنى الأوّل- محاولة هادفة في مجال خلا من النصّ. فكان يعنى ب «الاجتهاد»: «التأويل»، و كان يعتبر هذا مخلصا لارتكاب مخالفة النصّ، حيث كانوا يوجّهون عذرهم في ذلك بارتكابهم التأويل. و من أمثلته:

أ) اعتذار خالد بن الوليد من قتله مالك بن نويرة «2» عامل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على صدقات قومه، حيث قال لأبي بكر: «يا خليفة رسول اللّه! إنّي تأوّلت و أصبت، فأخطأت «3»».

______________________________

(1)- الكليني، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 1: ص 62/ ح 10.

(2)- لاحظ ترجمته في- ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة/ تحقيق: علي محمّد البجاوي، ج 5: صص 754- 757؛ المرزباني: معجم الشعراء، ص 260؛ ابن الاثير:

اسد الغابة في معرفة الصحابة/ تحقيق: محمّد إبراهيم البنّا- محمّد أحمد عاشور، ج 2:

صص 5- 54؛ و غيرها من كتب التراجم و التأريخ.

(3)- ابن واضح،

أحمد بن أبي يعقوب: تأريخ اليعقوبي، ج 2: ص 132، ط دار صادر، بيروت.

و المراد بقوله: «أصبت» هو: ما فعله خالد من الطامّات، من قتله النفس- بل النفوس- المحترمة، و التزويج و البناء بزوجة المقتول تلك الليلة في العدّة، و جعل الرءوس أثافي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 65

ب) قول أبي بكر لعمر- حين قال له هذا الأخير: «إنّ خالدا زنى فارجمه»:

«ما كنت أرجمه، فإنّه تأوّل فأخطأ «1». أو قال له: «هيه، يا عمر! تأوّل فأخطأ «2»».

ج) في رواية الزهري، عن عروة، عن عائشة: «إنّ الصلاة أوّل ما فرضت ركعتين، فأقرّت الصلاة في السفر، و أتمّت صلاة الحضر» قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتمّ في السفر؟ قال: «إنّها تأوّلت كما تأوّل عثمان «3»».

هذا، و قد أدّى هذا الرأي السقيم إلى ما يندى منه الجبين، و يأباه الضمير الحرّ، و يتجافاه الإنسان الشريف فضلا عن أنّه ممّا ينكره العلم الصحيح، و العرفان الواعي و الشامل و إليك بعض الأمثلة:

أ) قالوا بحقّ أبي العادية الفزاري- لعنه اللّه- قاتل عمّار بن ياسر، الذي قال بحقّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «يزول مع الحقّ حيث زال ... «4»»، و أخبره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأنّه تقتله الفئة الباغية «5»-: إنّه متأوّل، مجتهد، مخطئ، باغ عليه، مأجور أجرا

______________________________

للقدور ... ممّا تأباه الوحوش الكواسر، حاشا بامّة خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شريعته العادلة! و ليس المراد به: «الصواب» في مقابل «الخطأ» فإنّه لا يتلاءم مع قوله بعد ذلك:

«فأخطأت». فتدبّر.

(1)- أبو الفداء، عماد الدين إسماعيل: المختصر في أخبار البشر، ج 1: ص 158، طبع

دار المعرفة، بيروت؛ ابن خلّكان، شمس الدين أحمد: وفيات الأعيان/ تحقيق: إحسان عبّاس، ج 6:

صص 13- 14، المتّقي الهندي: كنز العمّال، ج 3: ص 132/ ح 228، الطبعة الاولى.

(2)- الطبري، محمّد بن جرير: تأريخ الرسل و الملوك/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، ج 3:

ص 278، الطبعة الثانية.

(3)- النيسابوري: صحيح مسلم/ تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، ج 1: ص 478/ ح 3 (كتاب صلاة المسافر).

(4)- المتّقي الهندي: كنز العمّال، ج 6: ص 183.

(5)- ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج 3: ص 180، طبع ليدن؛ ابن هشام: السيرة النبويّة، ج 2:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 66

واحدا. و ليس هذا كقتله عثمان، لأنّهم لا مجال لهم في قتله! «1» قاتل اللّه الجهل المردي، و التعصّب المزري!.

ب) قالوا بحقّ عبد الرحمن بن ملجم المرادي- لعنه اللّه- قاتل أمير المؤمنين عليه السّلام الذي وصفه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأنّه: «أشقى الآخرين، أو أشقى النّاس، أو أشقى هذه الأمة «2»: أنّه لا خلاف بين أحد من الامّة في أنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليّا إلّا متأوّلا، مجتهدا، معتذرا أنّه على صواب!! «3» كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلّا كذبا، و لو أنّه أفسح لهم لقالوا بحقّ قاتل حمزة سيّد الشهداء- أيضا- أنّه مجتهد، متأوّل مخطئ ...!!

ج) و قد بلغ بهم صلافة الوجه، أن يردّدوا هذه المقولة الجائفة في تنزيه ساحة ابن ميسون، يزيد المخازي و الفجور، في قتله ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و سيّد شباب أهل الجنّة ... «4».

و رحم اللّه الشاعر إذ قال:

من أين تخجل أوجه أمويّة سكبت بلذّات الخمور حياءها

______________________________

ص

114؛ الحاكم النيسابوري: المستدرك، ج 3: صص 386، 387، 391؛ و غيرها.

(1)- ابن حزم، عليّ بن أحمد: الفصل في الملل و الأهواء و النحل، ج 4: ص 161؛ ابن حجر، أحمد بن عليّ: الإصابة في تمييز الصحابة/ تحقيق: محمّد أحمد البنّاء- محمّد أحمد عاشور، ج 7: ص 313.

(2)- أحمد بن حنبل: المسند، ج 4: ص 263؛ النسائي: الخصائص، ص 39؛ الحاكم النيسابوري: المستدرك، ج 3: ص 140؛ الخطيب البغدادي: تأريخ بغداد، ج 1: ص 135؛ ابن عبد البرّ: الاستيعاب (هامش الإصابة)، ج 3: ص 60؛ و غيرها.

(3)- ابن حزم، عليّ بن أحمد: المحلّى، ج 10: ص 484؛ ابن التركماني، علاء الدين عليّ: الجوهر النقي (بذيل سنن البيهقي)، ج 8: صص 58- 59، افست دار الفكر، بيروت.

(4)- ابن كثير: البداية و النهاية، ج 8: ص 223.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 67

و ما أحسن ما قيل- و هو العلامة صاحب الاعيان-:

داء لعمرك أعيا الطبيب و المتطبّب إن كان هذا اجتهادا فليس في الأرض مذنب

الثالث: القياس،

و هو- كما عن القاضي أبي بكر الباقلاني-: «حمل معلوم على معلوم، في إثبات حكم لهما، أو نفيه عنهما، بأمر جامع بينهما، من حكم أو صفة «1»». و هذا التعريف هو مختار جمهور محقّقي السنّيّين «2».

و عرّفه الآمدي ب «الاستواء بين الفرع و الأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل «3»». و عن ابن الهمّام: أنّه «مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعيّ، لا تدرك بمجرّد فهم اللّغة «4»».

و هو عند الشافعي- إمام المذهب الشافعي- ممّا يعتبر مرادفا للاجتهاد، قال: «فما القياس؟ أ هو الاجتهاد؟ أم هما مفترقان؟ قلت: هما اسمان لمعنى واحد «5»». و ربّما

جعل «القياس» و «الاجتهاد» و «الرأي» و «الاستحسان» و «الاستنباط»- كلّها- بمعنى واحد. يقول مصطفى عبد الرزاق: «فالرأي، الذي نتحدّث عنه، هو الاعتماد على الفكر في استنباط الأحكام الشرعية، و هو مرادنا

______________________________

(1)- الشوكاني: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الاصول، ص 198

(2)- الغزّالي، محمّد بن أحمد: المستصفى من علم الاصول، ج 2: ص 54.

(3)- الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج 3: صص 170- 171، ط دار الكتب العلميّة، بيروت.

(4)- عمر عبد اللّه: سلّم الوصول إلى علم الاصول، ص 274.

(5)- الشافعي (إمام الشوافع)، محمّد بن إدريس: الرسالة/ تحقيق: محمّد سيّد كيلاني، ص 25.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 68

«بالاجتهاد»، و «القياس». و هو- أيضا مرادف «للاستنباط» و «الاستحسان» «1».

و بعضهم اعتبر «الاجتهاد»- بمفهومه الخاصّ- مرادفا للرأي، عند غير الإماميّة و في أنّ القياس، و الاستحسان، و المصالح المرسلة و نظائرها- كلّها- من قبيل المصاديق لهذا المفهوم «2»».

و قد أنكر الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام القياس أشدّ الإنكار، و اعتبروا أوّل عامل به هو إبليس اللعين «3»، كما أنّهم جعلوه ما حقا للدين «4» ...، إلى غير ذلك ممّا حفلت به مجاميعنا الحديثيّة حول الموضوع.

الرابع: الاجتهاد بالمعنى المصطلح المتقدّم ذكره،

و قد عرّفه الآمدي ب «استفراغ الوسع في طلب الظنّ بشي ء من الأحكام الشرعيّة، على وجه يحسّ من النفس

______________________________

(1)- مصطفى عبد الرزاق: تمهيد لتأريخ الفلسفة، ج 8: ص 137، الطبعة الثالثة.

(2)- الحكيم، السيّد محمّد تقي: مقدّمة كتاب «النصّ و الاجتهاد» للعلّامة الأكبر، المرحوم، السيّد عبد الحسين شرف الدين رحمه اللّه، ص 49، طبع النجف الأشرف.

(3)- أبو نعيم: حلية الأولياء، ج 3: ص 196؛ ابن حزم: إبطال القياس، ص 71.

(4)- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، كتاب

القضاء: الباب 6.

و قد صنّف العلماء في إبطال القياس و دفعه كتبا منها «الاستفادة في الطعون على الأوائل»، و «الردّ على أصحاب الاجتهاد» لعبد اللّه بن عبد الرحمن الزبيريّ (رجال النجاشي، ج 2:

ص 19، ط دار الأضواء، بيروت، ص 220، طبع جامعة المدرّسين، قم). و منها: «الردّ على أصحاب الاجتهاد في الأحكام» لأبي القاسم عليّ بن أحمد الكوفي (رجال النجاشي، ج 2:

ص 97، دار الأضواء، ص 266، طبع جامعة المدرّسين)، و منها «النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي» للشيخ المفيد رحمه اللّه، و غيرها. و من العامّة، ابن حزم الأندلسي:

«إبطال القياس» و غيره.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 69

العجز عن المزيد عليه «1»».

و عن الحاجبي: إنّه «استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ بالحكم الشرعي «2»».

و يبدو: أنّ المعنى غير واضح عندهم تماما، فإنّ المراد ب «الحكم» الشرعي- كما سبق منّا الإشارة إليه- ينبغي أن يكون هو الحكم الكلّي، و هو الحكم المترتّب على الموضوع المفروض وجوده، مع قطع النظر عن انطباقاته حسب الموارد الشخصيّة، فالظنّ بوجوب الفعل الخاصّ بنحو كلّي- لا وجوبه على زيد و عمرو- هو الذي ينبغي أن يكون نتيجة «الاجتهاد» و من معطياته.

و لكن الشاطبي قال في كتابه «الموافقات» ما لفظه: «الاجتهاد على ضربين:

أحدهما- لا يمكن أن ينقطع حتّى ينقطع أصل التكليف، و ذلك عند قيام الساعة.

و الثاني- يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا».

و علّق عليه الشارح في الهامش: الاجتهاد، هو استفراغ الجهد و بذل غاية الوسع، إمّا في درك الأحكام الشرعية، و إمّا في تطبيقها، فالاجتهاد في تطبيق الأحكام هو الضرب الأوّل، الذي لا يخصّ طائفة من الامّة دون طائفة، و هو لا ينقطع باتّفاق. و الاجتهاد

في درك الأحكام هو الضرب الثاني، الذي يخصّ من هو أهل له.

«و قد اختلفوا في إمكان انقطاعه، فقال الحنابلة: لا يخلو عصر من مجتهد. و قال الجمهور: يجوز أن يخلو ... «3»».

قلت: ألا سائل هؤلاء عمّا يعنون ب «الاجتهاد»، فإن كانوا يعنون به المعنى

______________________________

(1)- الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج 3: ص 396، ط دار الكتب العلميّة، بيروت.

(2)- الحاجبي: شرح مختصر الاصول، ص 460.

(3)- الشاطبي، إبراهيم بن موسى: الموافقات في اصول الشريعة- و شرحه في الهامش، للشيخ عبد اللّه درّاز، ج 4: ص 89، ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 70

اللغوي، فقد عرفت فيما سبق، أنّه- بمستوى اللغة- ليس سوى بذل الجهد في كلّ ما يستلزم الكلفة و المشقّة، بلا اختصاص له بالأحكام الشرعية، لا دركا و لا تطبيقا، بل و لو كان ذلك في سبيل تحصيل لقمة العيش، فإنّه يعدّ- في اللغة- مجتهدا.

و إذا كان المعني به هو المعنى المصطلح، فأين يكون تطبيق الحكم الشرعي على موارده و موضوعاته الشخصيّة من الاجتهاد، و إلّا لأصبح جميع المقلّدين مجتهدين، فإنّ تطبيق الكبريات الشرعية على الموارد شأن المقلّد- بالكسر- و هل هذا إلّا من سفاسف القول، و هذر اللسان!!

ثمّ إنّ تحديد هذه المعاني للاجتهاد بحسب الأدوار و الأزمان، أمر مشكل جدّا، بل هي- كما يلاحظه المتتبّع- متداخلة، فربّما اجتمع المعنيان أو الثلاثة، بل الأربعة فى مرحلة واحدة من الزمن، و لأجل ذلك لا نتطرّق لمثل هذا البحث، مع كونه عديم الجدوى أيضا.

هذا و قد انتهى المطاف- في اختلاف الإماميّة مع غيرهم في الاجتهاد- إلى سدّ باب الاجتهاد عند الجماعة، و الاقتصار على المذاهب الأربعة المعروفة، و تأريخ

سدّ باب الاجتهاد و مناشئة معروف و محرّر.

و لعلّ ذلك كان من مشيئات حكمة القدر، إذ مع شرعيّة الرأي، و التأويل، و القياس ... لو لم يكن قد سدّ باب الاجتهاد، لا ندري- و لا يكاد يدري أحد سوى اللّه تعالى- ما ذا كان يؤول إليه أمر الشريعة الإسلاميّة؟!

و نختم الكلام بذلك، مرجئين استيفاء البحث حول الموضوع إلى المجال المناسب له.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 71

3- الكتاب

هذه صحف وفّقت لتحريرها منذ ما يقرب من أربعين عاما، و كان قد أحاط بتحريرها- في حينه- ظروف و ملابسات معيّنة، جعلت منها- في وقته- أقرب ما تكون من الانتساب إليّ، و أبعد ما تكون عن الانتساب إلى ساحة سيدنا الاستاذ المعظّم- دام ظلّه- فضلا عن اعتبارها تمثّل أنظار سيّدنا الاستاذ في الوقت الحاضر، مع ما يتمتّع به- دام ظلّه- من بداهة الخاطر، و عمق التفكير، ممّا يجعلانه لا يستقر على رأي، و لا يستكين لفكرة، و إنما يتحوّل من فكرة إلى راي، و ينتقل من راق إلى ما هو أرقى منه.

كما أنّه- لسوء الحظ، او مشيئة القدر- تحيط بهذا الأوان- و هو أوان العزم على جعلها ترى النور، و تبرز في عالم الطباعة- ظروف و ملابسات من نوع آخر و هو نسيج وحده، حالت دون إمكان أي عطف نظر تجديدي عليها يقلل من شأن الهفوات المحتملة فيها، أو المقارنة بينها و بين ما استجدّ لسيّدنا الاستاذ- دام ظلّه- حول المسائل المطروحة فيها.

و بكلمة موجزة: لم يسمح لي القدر- أو أنّه لم يسعفني الحظّ- من الإشراف على الكمال النسبيّ، لا في حين تحرير هذه الصحف، و لا في أوان تقديمها إلى

________________________________________

قمّى، سيد محمد

حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 1، ص: 72

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 72

الطبع. و الحمد للّه الّذي لا يحمد على مكروه سواه.

غير أني لا ادّعي رفض إجراء أي عمل إيجابيّ تجاهها- و هي مشرفة على الطبع- مطلقا، فقد أجريت- قدر ما ساعدني التوفيق- عليها بعض التحويرات الجانبيّة، ممّا يرجع إلى تبيين منابع و مصادر الأقوال أو الأدلّة التي وقعت الإشارة إليها طيّ عرض المسألة. و كذلك تخريج الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة، و غير ذلك، مما يخلو منه- عادة- تقرير الأبحاث الحوزويّة حين تحريره، و هو أمر معلوم لدى مزاولي هذا العمل في الدراسات الحوزيّة.

*** لقد كان يدور بخلدي حين تحرير هذه الصحف بعض الأمور، حول إفادات سيّدنا الاستاذ- دام ظلّه- و كنت- على الأغلب- أتحاشى عن تدوين ذلك، إلّا النزر اليسير منه جدّا، فقد كنت أشير إليه إشارة عابرة كخاطر يخطر بالبال، لا بصيغة الإيراد و الإشكال. و لكنّي- حينما تمّ العزم- بحوله و قوّته تعالى- على تقديمها للطبع تحاشيت عن كلّ ذلك على سبيل الإطلاق، حتى لا أخلّ بذلك بقدسيّة الكتاب، أو لئلّا أشوّه معالمه بما لم يكن بذلك المستوى.

*** ثم إنّه قد لا يكون من نافلة الكلام التنبيه على أن هذه المجموعة- و هي التي أرجو اللّه العليّ القدير أن يوفّقني لإنجاز طبعها- تشتمل على مباحث فقهية متفرقة، على محاور مختلفة. فمحور البحث في كتاب «الزكاة» و «الخمس» و «الصوم» هو كتاب «العروة الوثقى» لآية اللّه العظمى، السيّد الطباطبائيّ اليزديّ- طاب

ثراه-، و محور البحث في كتاب «الحج» هو كتاب «شرائع الإسلام» للمحقّق الحلي- قدّس اللّه روحه-، مع الإشارة إلى الفروعات المناسبة من كتاب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 73

العروة. و محور البحث في «المكاسب المحرّمة»، و «البيع» و «الخيارات» هو كتاب «المكاسب» لشيخنا الأعظم الانصاري- قدّس اللّه نفسه الزكيّة-. و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته

محمد صادق الجعفري

22 ذى الحجة الحرام 1415 ق

1 خرداد ماه 1374 ش

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 75

كتاب الزكاة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 77

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الزكاة (1)

[فصل في شرائط وجوب الزكاة]

اشارة

[فصل] في شرائط وجوب الزكاة

______________________________

(1) الزكاة في اللغة: الطهارة «1» و النموّ «2». و لعلّ من الأول «3»: قوله

______________________________

(1)- قال ابن الأثير: «أصل الزكاة في اللّغة: الطّهارة، و النّماء، و البركة و المدح. و كلّ ذلك قد استعمل في القرآن و الحديث ...» (ابن الأثير، المبارك بن محمّد: النهاية في غريب الحديث و الأثر/ تحقيق: محمود محمّد الطناحي- طاهر أحمد الزاوي، ج 2: ص 307).

و قال الأزهري: «قال الليث: الزّكاة: زكاة المال، و هو تطهيره، و الفعل منه: زكّى، يزكّي، تزكية ...» (الأزهري، محمد بن احمد: تهذيب اللغة، ج 10: ص 319).

و قال ابن منظور: «الزكاة: زكاة المال معروفة، و هو تطهيره، و الفعل منه: زكّى، يزكّي، تزكية: إذا أدّى عن ماله الزكاة ...- إلى أن قال:- و قوله تعالى: ... وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ... (التوبة، 9: 103) قالوا: تطهّرهم بها ...» (ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج 14:

ص 358، ط دار

صادر، بيروت).

- و لاحظ أيضا: المحكم، و قاموس اللغة، و تاج العروس، و غيرهما من المصادر اللغويّة.

(2)- كما مرّ ذلك عن ابن الأثير في «النهاية». و قال ابن دريد: «الزّكو: مصدر زكا، يزكو، زكوا و زكّوا و زكاء، و الزّكاء و النّماء و الإتاء: ما يخرجه اللّه تعالى من الثمر» (ابن دريد: جهرة اللغة، ج 3: ص 17).

و قال الجوهري: «و زكا الزرع يزكو زكاء، ممدود، أي: نما ...» (الجوهرى، إسماعيل بن حماد: صحاح اللغة، ج 6: ص 2368، ط دار الملايين، بيروت).

و قال الفيّومي: «الزّكاء- بالمدّ- النّماء و الزّيادة، يقال: زكا الزّرع و الأرض، تزكو زكوّ، من باب قعد- و أزكى- بالألف- مثله، و سمّي القدر المخرج من المال زكاة، لأنّه سبب يرجى به الزّكاء ...» (الفيّومي، أحمد بن محمّد: المصباح المنير، ج 1: ص 301، ط بولاق الثانية).

و قال الراغب: «أصل الزكاة: النموّ الحاصل عن بركة اللّه عزّ و جلّ ...» (الراغب، الحسين بن أحمد: معجم مفردات ألفاظ القرآن/ تحقيق: نديم المرعشلي، ص 218).

(3)-- علي بن إبراهيم: تفسير القمي، ج 2: ص 424، ط النجف الأشرف؛ الطبرسى: مجمع البيان، ج 10: ص 498، ط بيروت؛ الطبرى، محمد بن جرير: جامع البيان، ج 30:

ص 143، ط بولاق؛ النيسابوري: غرائب القرآن/ تحقيق: إبراهيم عطون عوض، ج 30:

ص 106.

و اختاره جمع من الفقهاء قدّس سرّهم- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12:

ص 2، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 2، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 78

..........

______________________________

تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا «4» و في اصطلاح أهل الشرع «5» تطلق على

______________________________

(4)- الشمس، 91: 9.

(5)-

المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 485، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 470، ط إيران الحجريّة؛ الموسوي، السيد محمد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 5، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 228، ط جامعة المدرسين، قم (و لكنّه عرفها بأنّها «صدقة ...» بدلا عن التعبير ب «الحقّ» و تبعه فى ذلك الشهيد الثاني:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 79

..........

______________________________

الحق الخاصّ، المفروض في المال الخاصّ، في أصل الشريعة، لا بأسباب ثانويّة معلومة؛ من عهد، و نذر، و نحوهما. كما أنّها تطلق- أيضا- على إخراج المكلّف ذلك الحق المفروض، فتكون عنوانا لأفعال المكلّفين، كما يلاحظ ذلك في تعاريف كثير من الفقهاء، حيث عرّفوها ب «إخراج ... «1»». و تطلق أيضا على نفس المال المخرج، كما يلاحظ ذلك في استعمالات الفقهاء «2»، و بعض الروايات «3» ثمّ

______________________________

مسالك الافهام، ج 1: ص 37، ط إيران الحجريّة [و] ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمد: المهذّب البارع، ج 1: ص 499، ط جامعة المدرّسين، قم [و] العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 2 [و] النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15:

صص 2- 3، ط النجف الأشرف [و] الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3:

ص 2، ط إيران الحجريّة).

(1)- الطوسي: المبسوط، ج 1: ص 190، ط الثانية، المكتبة المرتضوية، طهران؛ ابن إدريس الحلّي، محمد بن منصور: السّرائر، ج 1: ص 428، ط جامعة المدرسين، قم؛ النجفي، محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 3،

طبعة النجف الأشرف؛ النراقي، أحمد بن مهدي:

مستند الشيعة، ج 2: ص 4، ط إيران الحجريّة.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ج 1: ص 57، ط إيران الحجريّة؛ الشهيد الأول، محمد بن مكّي: البيان، ص 275، ط المؤسّسة الثقافية للإمام المهدي (عج)؛ النراقي، أحمد بن مهدي: مستند الشيعة، ج 2: ص 4، ط إيران الحجريّة.

قال الزمخشري: «و الزكاة فعلة كالصّدقة، و هي من الأسماء المشتركة، تطلق على عين، و هي الطائفة من المال المزكّى بها، و على معنى، و هو الفعل الّذي هو التزكية، كما أنّ الذّكاة هي التذكية في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ذكاة الجنين زكاة أمّه». و من الجهل بهذا أتى من ظلم نفسه بالطّعن على قوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكٰاةِ فٰاعِلُونَ ذاهبا إلى العين، و إنّما المراد المعنى الّذي هو الفعل، أعني التزكية» (الزمخشري: الفائق في غريب الحديث/ تحقيق:

على محمد البجاوي- محمد أبو الفضل إبراهيم، ج 2: ص 119).

(3)- هو ما رواه الكلينى قدّس سرّه باسناده عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض الزكاة كما فرض الصلاة، فلو أنّ رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب- الحديث» (الحرّ العاملي: وسائل الشيعة، باب 1/ ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 3).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 80

الّتي وجوبها من ضروريات الّذين، و منكره مع العلم به كافر (2).

______________________________

إنّ البحث عن الحقيقة الشرعية ممّا لا ثمرة فيه أصلا، مع فرض صلوح المقام لكلا الأمرين، حيث أنّ استعمال الزكاة بما لها من المعنى اللّغوي- كالطهارة مثلا- في

المعنى الشرعيّ صحيح، لوجود العناية المصحّحة له، حيث أنّ في ذلك طهارة للمال من الأوساخ، كما أنّ فيها طهارة للنفس من درن الشحّ و البخل. و عليه فيمكن أن تكون الكلمة في موارد استعمالات المتشرعة باقية على ما كانت عليها سابقا من المعنى اللّغوي. كما أنّه يحتمل فيها النقل عن ذلك المعنى إلى المعنى الشرعيّ المستحدث، و على كلا التقديرين فلا ثمرة تترتّب على البحث عن ذلك أصلا.

(2) و يدلّ عليه من الكتاب العزيز، قوله تبارك و تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ ... «1»، و أمّا قوله تعالى: وَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ، «2» و قوله عزّ من قائل: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ ... «3».

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- الذاريات، 51: 19.

و مثله قوله تعالى: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (المعارج، 70: 24- 25).

(3)- الأنعام، 6: 141.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 81

..........

______________________________

فليسا هما من أدلّة وجوب الزكاة «1».

و أمّا الروايات الدالّة على ذلك فهي كثيرة جدا «2». و لعلّه لا يبعد فيها دعوى التواتر الإجمالي، مضافا إلى أنّ الحكم المذكور متسالم عليه بين الفقهاء قدّس سرّهم، بل عند عامّة المسلمين، على اختلاف مذاهبهم. و من هنا كان إنكاره- مع العلم به- موجبا للكفر، لكونه تكذيبا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما جاء به.

ثم إنّ الصحيح في هذا المقام إنّما هو التعبير بالثبوت دون الوجوب، بأن يقال: إنّ ثبوت الزكاة- في الجملة- في الشريعة المقدّسة من الضروريّات، و إلّا فلا بدّ من البحث- كما سيأتى ذلك إن شاء اللّه تعالى- في أنّ الحكم الوارد من الشارع في المقام، هل

هو حكم تكليفيّ بوجوب أداء المقدار المخصوص من المال إلى الجهة المعيّنة له شرعا، أو أنّه حكم وضعيّ مستتبع للحكم التكليفيّ، و هو:

جعل حق للفقراء في أموال الأغنياء؟ و حينئذ، فقبل تنقيح البحث المذكور يكون التعبير ب «الوجوب» في المقام ليس كما ينبغي، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- كما دلّت على ذلك جملة من الأخبار الواردة في تفسير الآيتين الكريمتين، منها: موثق سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال- في حديث-: «و لكن اللّه عزّ و جلّ فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال عزّ و جلّ: وَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ لِلسّٰائِلِ ...، فالحقّ المعلوم غير الزكاة، و هو شي ء يفرضه الرجل على نفسه في ماله، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته- الحديث» و نحوه غيره (لاحظ- وسائل الشيعة، باب 7:

ما تجب فيه الزكاة و ما تستجب فيه). و في صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر عليه السّلام، في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ، فقالوا جميعا: قال أبو جعفر عليه السّلام: «هذا من الصّدقة، تعطى المسكين القبضة بعد القبضة، و من الجذاذ: الحفنة بعد الحفنة، حتى يفرغ ...» و نحوه غيره، (لاحظ- وسائل الشيعة، باب 13، 14: زكاة الغلّات).

(2)- كما يلاحظها المراجع في «وسائل الشيعة»/ باب 1، 3، 4، 5 و غيرها من أبواب الزكاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 82

بل في جملة من الأخبار: أنّ مانع الزكاة كافر (3).

______________________________

(3) كما يدلّ عليه جملة من الرّوايات، ذكرها صاحب الوسائل قدّس سرّه في الباب الرّابع، من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، و عنونه ب «باب ثبوت الكفر، الارتداد، و القتل بمنع

الزكاة استحلالا و جحودا» و من المعلوم: أنّ المنع من إخراج الزكاة بمجرّده ما لم يكن عن إنكار و جحود لأصل وجوبه لا يوجب الكفر المقابل للإسلام، بماله من الآثار الخاصّة، و لعلّ هذا هو المعنيّ به في الروايات المذكورة، حسبما يفصح عنه عنوان الباب في الوسائل- كما عرفت- أو يرد علمه إلى أهله، بحثان:

الأوّل: هل الحكم الثابت في المقام هو مجرّد الحكم التكليفي، و هو وجوب الإعطاء، أو المجعول هو الحكم الوضعيّ، و هو ثبوت حق الفقراء في أموال الاغنياء، المستتبع ذلك لوجوب الإعطاء؟

و يترتّب على ذلك: أنّه على التقدير الأوّل، يكون اشتراط البلوغ و العقل في المقام على طبق القاعدة، نظرا إلى اشتراط التكاليف عامة بهما. و أمّا على الثاني، فمقتضى القاعدة هو عدم الاشتراط بهما، فانّ حديث رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم، و المجنون حتى يفيق لا يقتضي إلّا رفع الحكم التكليفيّ دون الحكم الوضعيّ، فغايته أن لا يكون الإعطاء واجبا على الصبيّ و المجنون، مع فرض ثبوت أصل الحق المعبر عنه ب «الزكاة» في مالهما.

و مقتضى النصوص الخاصة- كما سنتعرض لها إن شاء اللّه تعالى- و إن كان هو اعتبار البلوغ و العقل، بلا فرق بين أن يكون المجعول حكما تكليفيا أو يكون حكما وضعيّا، إلّا أنّ تنقيح البحث المذكور لازم، نظرا إلى أنّ هناك بعض الفروع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 83

..........

______________________________

المشكوك شمول النصوص الخاصة لها، و حينئذ فتظهر الثمرة العمليّة بين القولين في أمثال تلك الفروع، كما سيجي ء ذلك في مطاوى الكلام إن شاء اللّه تعالى.

و كيف كان، فالظاهر من بعض النصوص الواردة في المقام هو أنّ المجعول هنا إنّما هو الحكم الوضعيّ،

كصحيح زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السّلام- في حديث- قال: «إن اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم، لزادهم- الحديث «1»». فإنّ الظاهر من ذلك هو أنّ المجعول حكم وضعيّ، فإنّ تقدير الكلام: «إنّ اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء مالا يسعهم ...»، و الظّاهر من فرض المال لهم هو ثبوت حقّ لهم في أموال الأغنياء، لا مجرد وجوب الإعطاء على الأغنياء.

و مثله رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و ذلك إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به- الخبر «2»»، و موثق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلّا بأدائها، و هي الزكاة- الحديث «3»»، و حسن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم- الحديث «4»».

ثمّ إنّه قد يقال: باستفادة ذلك من الآية الكريمة، و هي قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ ... «5» بتقريب: أنّ اللّه سبحانه و تعالى أمر

______________________________

(1)- الحرّ العاملي: وسائل الشيعة/ باب 1: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 10.

(4)- المصدر، ح 9.

(5)- التوبة، 9: 103.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالأخذ من أموالهم، فيكون هذا ظاهرا في أنّ الثابت في حقّهم إنّما هو الحكم الوضعيّ، و إلّا لأمره

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمرهم بالإعطاء، كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أنّ الآية الكريمة غير دالّة إلّا على أصل تشريع الحكم المذكور و ثبوته، من دون تعرّض لما هو الثابت، من كونه هو الحكم التكليفي المحض، أو الحكم الوضعيّ، و أخذه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منهم كما يكون لأجل وجوب اعطاء الزكاة عليهم تكليفا، كذلك يكون لأجل ثبوت حق الفقراء في أموالهم، المستتبع ذلك لوجوب الإعطاء عليهم، خروجا عن عهدة الحقّ المذكور «1».

الثاني: كيفيّة تعلّق الزكاة، و أنّها متعلّقة بالذمّة أو بالعين؟

المشهور و المعروف فيما بينهم «2»، بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا، كما قيل «3».

بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه «4»، إنّما هو تعلق الزكاة بالعين، و أمّا

______________________________

(1)- اقول: بناء على مسلكه- دام ظلّه- من كون الأحكام الوضعيّة منتزعة عن التكاليف، كما أوضحه فى بحث الاصول، لا بدّ من الالتزام في المقام بثبوت الحكم التكليفيّ، كما هو مقتضى البرهان الذي أقامه- دام ظلّه- إلّا أنّه التزم بخروج الملكيّة عن هذه القاعدة العامة، نظرا إلى تسالم الكلّ على كونها مجعولة بالاستقلال. و لعلّه لا يخلو من بعد، بعد البرهان على الانتزاعيّة. ثمّ إنّ الحكم الوضعيّ منتزع عن الحكم التكليفي فى مرحلة الجعل، كما صرّح به شيخنا الانصاري قدّس سرّه، و حينئذ فلا وجه للإيراد بأنّ مقتضى الالتزام بالمسلك المذكور في المقام هو عدم ثبوت الزكاة في حق الصبيّ و المجنون على طبق القاعدة، كما هو ظاهر.

(2)- الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 203، ط قم- إيران؛ البحرانى، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 141، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام،

ج 15: ص 138، ط النجف الأشرف.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 42، ط إيران الحجريّة.

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 505، ط إيران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 224، ط إيران الحجريّة؛ العاملى، السيّد محمد جواد: مفتاح

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 85

..........

______________________________

القول باشتغال الذمّة فلم ينقل ذلك إلّا عن بعض مجهول الحال «1». قال المحقق الفقيه الهمداني قدّس سرّه في «مصباح الفقيه»: «حكى في البيان، عن ابن حمزة، أنّه حكى عن بعض الأصحاب: تعلّقها بالذمّة ... «2»»، و هو منسوب أيضا إلى الشافعي «3». و عن المحقق قدّس سرّه في «المعتبر» نسبته إلى بعض العامة «4». و فصّل

______________________________

الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 109، ط مصر.

و قال المرتضى رحمه اللّه: «فإنّ أصول الشريعة تقتضي أنّ الزكاة إنّما تجب في الأعيان، لا الأثمان» (الانتصار، ص 79، ط النجف الأشرف)؛ المقدس الأردبيلى، احمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 124، ط جامعة المدرسين، قم.

(1)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 109؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، ص 141، ط النجف الأشرف.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكى: البيان، ص 303، ط بنياد فرهنگي إمام المهدي (عج)؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 42، ط ايران الحجرية؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 109.

و ما نسبه الشهيد رحمه اللّه إلى ابن حمزة غير موجود في كتاب «الوسيلة» لابن حمزة، كما اعترف به السيّد العاملي فى «مفتاح الكرامة» (ج 3/ كتاب الزكاة، ص 109). و قال قدّس

سرّه:

«و لعلّه في «الواسطة»- و هو كتاب فقهيّ اخر لابن حمزة- إذ ليس لذلك فى «الوسيلة» أثر».

و الغريب: أنّ محقق كتاب «البيان» في طبعة الجديدة أحال ذلك إلى «الوسيلة» (ص 130) و لا وجود له فى الكتاب المذكور، رغم انّ المحقق للكتاب الأخير هو محقق «البيان» نفسه.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 224، ط إيران الحجريّة؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 505، ط إيران الحجريّة؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 109؛ ابن قدامة، شمس الدين: الشرح الكبير، ج 2، صص 463- 464.

قال ابن قدامة: «الزكاة تجب في عين المال، إذا تمّ الحول، في إحدى الروايتين عن أحمد و أحد قولي الشافعي، و هذه الرواية هي الظاهرة عند أكثر الأصحاب ...- إلى أن قال:- و الرواية الثانية: أنّها تجب في الذمّة و هو القول الثاني للشافعيّ، و اختيار الخرقي ...» (ابن قدامة، موفق الدين: المغني، ج 2، ص 537، افست دار الكتاب العربي، بيروت).

(4)- كذا جاء في «مصباح الفقيه» للفقيه الهمداني، و في «مفتاح الكرامة»: «و نقله في المعتبر عن بعض العامّة» و الموجود في «المعتبر»: «و للشافعي و أحمد قولان، لأنّها لو وجبت في العين لكان للمستحق إلزام المالك بتسليمها منه ...»- المحقّق، جعفر بن الحسن:

المعتبر، ج 2: ص 520، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم [و] ص 265، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 86

..........

______________________________

صاحب المستند قدّس سرّه «1» بين ما كانت الفريضة من جنس العين، كما في أربعين شاة شاة، أو في عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال، فالزكاة متعلّقة بالعين، و بين ما لم

تكن من جنسها، كما في خمس من الإبل شاة، فهي متعلّقة بالذمّة. و كيف كان، فالقول باشتغال الذمّة ممّا لا ينبغي المصير إليه، كما لا يجدر الاهتمام به، بعد تسالمهم على خلافه، و لا سيّما مع كونه على خلاف كثير من النصوص الواردة في المقام، إن لم يكن جميعها. و ممّا يدلّنا على تسالم الفقهاء قدّس سرّه على خلاف القول المذكور هو: أنا لم نجد منهم من التزم باللوازم الآتية، المتفرعة على القول باشتغال الذمّة، و هى:

1- إنّه إذا تكرّر الحول على النصاب الواحد تكرّرت الزكاة به، كما إذا كان له أربعون شاة، و مضى عليها حولان و أكثر، و هذا بخلاف ما إذا تعلقت بالعين، حيث لا تجب إلّا زكاة واحدة، و ذلك: لنقصان النصّاب بمضيّ الحول الأوّل، فإن جزءا من العين يكون متعلّقا لحق الفقراء- مثلا- لا محالة، و يوجب ذلك نقصان النصّاب بالنسبة إلى الحول الثانى.

2- عدم تقديم الزكاة على الدين، عند قصور التركة، بأن تضرب مع الدين، و يدخل النقص على الجميع بنسبة معيّنة، مع أنّ الفقهاء التزموا بتقديمها على الدّين، و عدم دخول النقص عليها.

______________________________

(1)- النراقي، احمد بن مهدى: مستند الشيعة، ج 2: ص 38، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 87

..........

______________________________

3- عدم توزيع التلف على الزكاة فيما إذا تلف بعض المال الزكويّ، كما هو لازم القول باشتغال الذمّة، مع أنّ الفتوى بالخلاف، و هو التوزيع.

4- عدم تتبّع ساعي الزكاة العين المبيعة إذا لم يؤدّ المالك زكاتها، مع أنّهم افتوا بالتتبّع «1».

و على الجملة: الآثار المترتبة على القول باشتغال الذمّة، و هي التي أشرنا إليها، لم نعثر من الفقهاء على من التزم بها، و

هو كاشف عن رفضهم لأصل المبنى، كما هو ظاهر. فالأولى البحث- أولا- عن صور تعلّق الزكاة بالعين، بحسب مقام الثبوت، ثم النظر فيما يساعده الدليل. و الكلام في ذلك و إن كان محلّه فيما سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- كما هو معنون في كلماتهم قدّس سرّهم، إلّا أنّ في تقديمه فائدة لازمة، نظرا إلى الانتفاع به في بعض الفروع، كما سيمرّ عليك ذلك خلال البحث، إن شاء اللّه. و على هذا فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: صور تعلّقها بالعين ثبوتا

الأولى: أن يكون على وجه الشركة الحقيقيّة، بمعنى كون جزء مشاع من مجموع العين ملكا للفقراء، ففي مثل أربعين شاة، يكون المملوك لهم هو الجزء المشاع، الذي بنسبة إلى الكل نسبة الواحد إلى الأربعين، و حينئذ فأيّ جزء فرضناه في هذا المال يكون جزء منه، بنسبته الواحد إلى الأربعين، مملوكا للفقراء، و الباقي ملكا للمالك. و يترتب على هذا:

1- عدم جواز تصرّف المالك في ماله قبل إخراج الزكاة إلّا بإذن وليّ

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 142، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 139، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 88

..........

______________________________

الفقراء، و ذلك: لاشتراط صحّة تصرّف أحد الشريكين في المال المشترك بإجازة الشريك الآخر.

2- عدم جواز تطبيق المالك بنفسه الجزء المملوك للفقراء، إلّا برضا وليّ الفقراء، و هو الفقيه الجامع الشرائط. و بكلمة أخرى: لا يكون المتّبع في مقام افراز حق الفقراء هو نظر المالك فقط، بل منضما إلى نظر وليّ الفقراء أيضا، كما هو ظاهر.

3- ضمان المالك المنافع، المستوفاة و غيرها، إذا لم يؤدّ زكاة العين. و ذلك:

لأنّ جزءا

من المال مملوك للفقراء، على الفرض، فنماء آته تكون مملوكة لهم أيضا، فيكون المالك حينئذ ضامنا لها، بنسبة أصل العين المملوكة لهم إلى المجموع، سواء أ كان المالك، قد استوفاها أم لم يكن قد استوفاها.

4- إنّه إذا لم يؤدّ الحق المفروض إلى صاحبه، كما في الخمس المشترك مع الزكاة من هذه الجهة، فيما إذا كان له خمسمائة دينار- مثلا- فلم يؤدّ خمس المال- و هو مائة دينار- إلى أن مر على ذلك الحول الثاني، فزاد المال و بلغ ألف دينار، كان اللّازم حينئذ- على القول بالشركة الحقيقيّة- هو إخراج الخمس من أربعمائة دينار من الخمسمائة الثانية. و ذلك: لأنّ مائة منها إنّما هي من ربح المائة الّتي هي حق الخمس، فهي ملك لأصحاب الخمس، و التخميس إنّما يلزم في الأربعمائة الباقية، الّتي هي من ربح الأربعمائة من الخمسمائة الأولى. فيكون ما يؤدّيه من الخمس مائتين و ثمانين دينارا، لا تخميس الألف دينار- الّذي ربحه في حولين على الفرض- و خمسه مائتا دينار «1». ثم إنّه لا يخفى عليك: أنّه لم يلتزم أحد

______________________________

(1)- لا يخفى: أنّ المفروض في المثال هو ربح المال بمثله، بأن يكون ربح الدينار الواحد- مثلا- دينارا واحدا، و يكون كلّ مائة دينار فى المثال موجبا لربح مائة دينار.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

باللّازم الأخير، كما لم يلتزم باللّوازم الثلاث المتقدمة عليه، و هذا ممّا يكشف عن تسالم الفقهاء قدّس سرّه على خلاف القول المذكور.

الثانية: الشركة الحقيقيّة في الماليّة دون العين بأن يشترك الفقراء مع الملّاك في قيمة العين، بنسبة الواحد إلى الأربعين، مثلا، كما في أوّل نصاب الغنم، نظير إرث الزّوجة من أعيان الأراضي و نحوها.

الثالثة:

أن يكون حقّ الفقير المتعلق بالعين من قبيل الكلّي في المعيّن، بمعنى: أن يكون متعلق حقّه فردا مبهما من مسمّى الفريضة، و غاية ما يكون له من التعيّن هو أن يكون الفرد المذكور مخرجا من هذا العين، كما في صاع من صبرة معيّنة و يترتّب على هذا جواز تصرّف المالك فيما عدا مسمّى الفريضة، فإذا كان له أربعين شاة، كانت واحدة منهما- بنحو الكلّي في المعيّن- متعلقا لحقّ الفقير، و حينئذ جاز له التصرف في تسعة و ثلاثين منها، دون مجموع الأربعين.

الرابعة: أن يكون ذلك من قبيل حق الغرماء المتعلّق بالتركة، فيكون الفقير مستحقا للفريضة، الّتي سمّاها الشارع، من هذا العين، كما يكون الغرماء مستحقّين لحقوقهم من عين التركة، إلّا أنّ الحق غير متقوم بالعين المذكورة، فلو تبرّع أحد فأدّى دين الميّت كان قد أدّى نفس الحق لا بدّ له، كذلك في المقام لو أدّى المالك من غير الجنس كان قد أدّى عين ما يستحقه الفقير دون بدله.

الخامسة: أن يكون ذلك من قبيل حقّ الجناية المتعلق برقبة العبد، فكما أنّ من تحت يده العبد الجاني يكون مخيّرا في فكّ رقبته، بأداء الحق المفروض من ماله، أو تفويض نفس العبد إلى أولياء المجنيّ عليه، كذلك المالك في المقام.

السادسة: أن يكون ذلك من قبيل حق الرّهانة، و مرجعه إلى اشتغال ذمّة المالك بالكلّي، غايته: أن تكون العين المذكورة بمنزلة العين المرهونة استيثاقا لدى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 90

..........

______________________________

الفقراء.

السابعة: أن يكون من قبيل حق منذور الصّدقة، فكما لا يخرج عن ملكه قبل دفعه- المنذور له- بقصد التقرّب، و لا يكون ملكا للمنذور له إلّا بعد الدّفع إليه كذلك، الحال في المقام، فيكون

حق الفقير- في المقام- المتعلق بالعين إنّما هو استحقاق صرف شي ء منه إليه، لا كونه مملوكا له بالفعل.

هذه هي الوجوه المتصورة ثبوتا، و حيث إنّما كانت مغفولا عنها- معاذ اللّه- في كلمات القوم، فلأجل ذلك كان الفرار من محاذير القول بالشركة الحقيقيّة عندهم مستلزما للّركون إلى القول باشتغال الذمّة، حيث لم يتصوّروا الواسطة بين القولين، أو بتعبير أصحّ: لم يتصوّروا القول الثالث في المقام اصلا. و على هذا، فبإمكاننا نحن رفض القول باشتغال الذمّة و الشركة الحقيقيّة معا، و اختيار أحد الفروض الأخر المتقدم ذكرها، إذا ساعدنا الدليل. هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني: ما تقتضيه الأدلّة في المقام

استدل للأوّل، و هو الشركة الحقيقيّة، بعدّة وجوه، كالآتى:

الأوّل: الرّوايات الدالّة على أنّ في أربعين شاة شاة، أو في خمس من الإبل شاة، أو في عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال، أو: فيما سقت السّماء العشر «1» و نحو ذلك من الرّوايات الواردة في تقدير نصب الزكاة في الغنم، و الإبل، و غيرهما، ممّا اشتملت على كلمة «في» الظرفيّة، بتقريب: أنّ كلمة: «في» ظاهرة في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2، 3: زكاة الانعام، باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، باب 1: زكاة الغلّات.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 91

..........

______________________________

الظرفيّة، فتكون دالّة على أنّ مقدار الفريضة، حالّ في الجميع، بحيث تكون نسبته إلى العين نسبة الجزء إلى الكلّ، و هذا ينطبق لا محالة على الجزء المشاع.

و يتوجّه على ذلك: أنّ هذه الرّوايات غير ناظرة إلى بيان كيفيّة تعلّق الزكاة بالمال. و بعبارة أخرى: ليست هي مسوقة لبيان كيفيّة تعلّق الفريضة بالمال، و إنّما هي مسوقة لبيان تحديد الفريضة

المتعلّقة بالمال بأيّ نحو كان التعلّق ذلك، فكان أصل تعلق الفريضة، و كيفيّته، مفروغا عنهما في مورد هذه الروايات، و ملحوظين فيها بنحو الأصول الموضوعة، على حدّ تعبير علماء المنطق. فيكون تحليل التعابير المتقدمة إلى أنّ: الزكاة، المفروغ عنه، كلّ من أصل تعلقها بالمال، و كيفيّة تعلّقها به، هي محدودة بهذه الحدود، ففي أربعين شاة شاة ... و هكذا. و على هذا، فلا ظهور لها في الجزء المشاع، بعد أن لم يكن المقصود منها بيان كيفيّة تعلّقها بالمال، بل كانت الكيفيّة- كأصل تعلّقها- به أمرا مفروغا عنه في موردها، كما لا يخفى. و حينئذ كان المرجع في استكشاف كيفيّة التعلّق غير هذه الأدلّة.

و لا يتوهم: أنّ مرجع المناقشة في الاستدلال بها إنّما هو إلى دعوى كونها واردة لبيان حكم آخر، لأنّها حينئذ لا تضرّ بالاستدلال بظهورها، و إنّما تضرّ بالاستدلال بإطلاقها في غير الجهة الّتي سيقت لبيانها. بل حاصل المناقشة هو إنكار ظهورها في المدّعى، بدعوى أنّها إنّما تكون ظاهرة في ذلك لو كانت مسوقة لبيان أصل تعلّق الزكاة، و كيفيّة تعلقها، أمّا لو كان ذلك أمرا مفروغا عنه و مبيّنا بدليل آخر مستقل، فلا يبقى- بعد ذلك- مجال لدعوى ظهورها في المدّعى، كما لا يخفى.

الثاني: الرّوايات المتقدّمة «1»، الدالّة على أنّ «اللّه عزّ و جل فرض للفقراء في

______________________________

(1)-- ص 83.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 92

..........

______________________________

أموال الأغنياء ما يكتفون به ...» أو: «أنّ اللّه عزّ و جل جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ...»؛ بتقريب: أنّ الظاهر منها: أنّ الفقراء مشتركون مع الملّاك في أموالهم، بمقدار الفريضة، على نحو الشركة الحقيقيّة بنحو إلا شاعة.

و يتوجّه عليه: أنّ ما

اشتمل منها على كلمة: «فرض ...» غير ظاهر في الحكم الوضعيّ أصلا، فضلا عن كونه عبارة عن اشتراك الفقراء مع الملّاك في الملكيّة بنحو الإشاعة، لاحتمال أن تكون الكلمة ممّا يراد بها مجرد التكليف المحض، فتكون مساوقة لكلمة «أوجب»، مثلا، فالاستدلال بهذه الطائفة من جهة الإجمال غير صحيح. بل عن الفقيه الهداني «1» قدّس سرّه ظهور الكلمة فى الايجاب التكليفي. هذا و لكن المناقشة ساقطة، فإنّ المستفاد من كلمات أهل اللّغة «2» هو:

أنّ معنى «الفرض» التعيين، و اختلاف إرادة التكليف أو الوضع باختلاف متعلّقه، فإذا كان متعلقه الفعل أفاد التكليف، و إذا كان هو العين- كما في المقام- أفاد الوضع، فلا فرق- إذن- بين «فرض» و «جعل» من هذه الجهة. نعم، في اصطلاح الفقهاء يكون الفرض بمعنى الوجوب، و لذلك يطلقون على الواجب عنوان «الفريضة».

و أمّا ما اشتمل منها على كلمة «جعل»، كحسن ابن مسكان المتقدّم «3»، فهو

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 43، ط إيران الحجريّة.

(2)- فسّر الفرض- في اللّغة- بالقطع. قال أحمد رضا: «و يقال: أصل الفرض قطع الشي ء الصلب، ثمّ استعمل في التقدير، لأنّ المفروض مقتطع من الشي ء الذي يقدّر منه» (معجم متن اللغة، ج 4: ص 391). و التقدير عبارة أخرى عن التعيين. و فسّر الراغب في «مفرداته» الآية الكريمة: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبٰادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (النساء، 4: 118)، أي:

معلوما. و المعلوم بمعنى المعيّن، كما لا يخفى (الراغب الأصبهاني: معجم مفردات الفاظ القرآن/ تحقيق: نديم مرعشلي، ص 390).

(3)-- ص 83.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 93

..........

______________________________

و إن كان ظاهره الحكم الوضعيّ، إلّا أنّه لا ظهور له في كون المجعول الملكيّة بنحو

الإشاعة، بل يحتمل فيه: كون المجعول هو مجّرد حق للفقراء في أموال الأغنياء. و بكلمة أوضح: كلمة «الجعل» غير ظاهرة فى الملكيّة، كما لا يخفى.

الثالث: معتبرة عبد الرّحمن، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل لم يزك إبله، أو شاته عامين، فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم، تؤخذ منه زكاتها، و يتبع بها البائع. أو يؤدّى زكاتها البائع «1»» بتقريب: أنّه لو لا تعلّق الحق بالعين بنحو الإشاعة لم يكن وجه لثبوت الزكاة على المشتري، كما لا يخفى. و يتوجه عليه: أنّها غير ظاهرة في ذلك، بل إنّها على خلاف القول المذكور- كما قيل «2»- أدلّ. و ذلك: فإنّها قد دلّت على أنّ للمشتري أداء الزكاة، ثمّ له الرجوع على البائع و أخذ بدلها منه كما أنّ للبائع أن يؤدّي الزكاة بنفسه. و على كلا التقديرين، فالمؤدّى إنّما هو عين الزكاة لا بدّ لها، و من الظاهر: أنّ البائع- في مفروض الرواية- إذا أراد أن يؤدّي فإنّه لا الجزء المفروض في المال الزكويّ من عين المال، إذ المفروض انتقاله إلى المشتري، و إنّما يؤدّي ما يقوم مقامه، لكن يكون كل ما أدّاه هو عين الزكاة، بحكم الرواية، لا بد لها. و على هذا، فبمقتضى المقابلة بين المشتري و البائع في الرواية، لا بدّ من تخيير المشتري- أيضا- في مقام أداء الزكاة- إذا اختار ذلك- بين أن يدفع الزكاة من عين المبيع، أو من غير ذلك، لكن على كلّ تقدير يكون المدفوع هو عين الزكاة لا بد لها، كما في طرف البائع.

و عليه، فالمتحصّل من الرواية هو: أنّ للمشتري- إذا اختار الزكاة- الدّفع من عين المبيع، و الدفع من غيره، و

هذا المعنى لا يجتمع مع الشركة الحقيقيّة بنحو

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 12/ زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- الفقيه الهمداني آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 44، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 94

..........

______________________________

الإشاعة، و ذلك لأنّ الحال- لا يخلو من أحد أمرين، فإمّا أن يكون البيع صحيحا في المجموع، أو لا يكون صحيحا إلّا فيما عدا حق الفقراء. و على الأوّل، لا بدّ للمشتري من أن يدفع من الثمن بمقدار ما يقع منه بإزاء الجزء المملوك للفقراء، ثم له أن يرجع به على البائع، لا أنّه يتخيّر بين الدفع من نفس العين و الدفع من غيرها. و على الثاني، يلزم الدّفع من نفس العين بالمقدار المفروض لهم، و لا مجال للتخيير فيه أيضا. و الحاصل: أنّ ما يستفاد من الرواية غير منطبق على هذا القول مطلقا، لا على تقدير صحّة البيع في الجميع، في مفروض الرّواية، و لا على تقدير فساده في المقدار المفروض للفقراء. نعم، ينطبق ذلك على القول بتعلق حقّ الفقراء بالمال، نظير تعلّق حق الجناية برقبة العبد، فكما أنّ الحقّ هناك يتبع العبد، فمن كان تحت يده يتخيّر في فكّ رقبته بأداء المقدار المعيّن إلى أولياء المجنيّ عليه، و بين دفع العبد إليهم ليفعلوا به ما شاءوا، كذلك الحال في المقام، كما هو مفاد الرواية المذكورة عينا. فلاحظ و تأمّل.

الرابع: ما في معتبرة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه، انطلق، و عليك بتقوى اللّه ...- إلى أن قال عليه

السّلام:- فإذا أتيت ماله فلا تدخله، فإنّ أكثره له- الحديث «1»» و في «نهج البلاغة» عن أمير المؤمنين عليه السّلام- في وصيّة كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات-: «فإن كانت له ماشية، أو إبل، فلا تدخلها إلّا بإذنه، فإنّ أكثرها له ... «2»» فإنّ مقابل الأكثر هو الأقل، فتكون

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 14/ زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- نهج البلاغة/ تحقيق: صبحى الصالح، قسم الرسائل/ الوصيّة رقم 25: ص 381؛ [عنه] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 14/ زكاة الأنعام، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

الرواية دالّة على أنّ الأقل ملك الفقراء، فتدلّ على الشركة الحقيقيّة، بنحو الإشاعة لا محالة.

و يتوجّه عليه: أنّ ظاهر صدر الرواية و إن كان هو ذلك، إلّا أنّ في ذيلها التصريح: بأنّ الأقل، الّذي هو فى مقابل الأكثر، إنّما هو من حق اللّه. ففي ذيل رواية بريد بن معاوية المتقدمة: «فقل: يا عبد اللّه، أ تأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه، و لا عنف به، فاصدع المال صدعين، ثم خيّره أيّ الصّدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرّض له. ثمّ اصدع الباقي صدعين، ثمّ خيّره، فأيّهما اختار فلا تعرّض له و لا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق اللّه منه- الحديث». و كذا الحال فيما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في «نهج البلاغة»، إلّا أنّها مؤيّدة، و الاعتماد على الأولى فقط. و هي- بعد التصريح في ذيلها بما هو مقابل الأكثر، و أنّه هو الأقل الّذي هو حق اللّه-

لا تكون دالّة- بمقتضى المقابلة مع الأكثر الّذي هو ملك المالك- على أنّ الأقل ملك للفقراء. نعم، إنّما تدلّ على أنّ الأقل حق اللّه تعالى، باعتبار كونه مشرّعا للحكم المذكور، و أمّا كيفيّة تشريعه له، و أنّه بنحو الشركة الحقيقيّة، أو غير ذلك فغير مستفادة من الرّواية، كما لا يخفى.

الخامس: صحيح أبي المغراء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ اللّه تبارك تعالى أشرك بين الفقراء و الأغنياء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم «1»». فإنّ الشركة ظاهرة في الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، كما لا يخفى.

السادس: رواية عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«سألته عن الزّكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني أنّ أؤدّيها؟ قال: اعزلها- إلى ان

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: المستحقين للزكاة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

قال عليه السّلام:- و إن [فإن- نسخة الكافي] لم تعزلها فاتّجرت [و اتّجرت- نسخة الكافي] بها في جملة مالك، فلها تقسيطها من الربح، و لا وضيعة عليها «1»» فإنّ تقسيط الربح- كما هو مفاد الخبر- لا يتم إلّا على القول بالشركة الحقيقيّة، بنحو الإشاعة، كما هو ظاهر.

و الإنصاف: أنّ ظهور الروايتين في الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة غير قابل للإنكار، إلّا أنّه لا بدّ من ملاحظة ما يدلّ على خلاف ذلك أيضا، ثمّ الجمع بينهما، أو تقديم أحدهما. فنقول: إنّ الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة ممنوع منها، لوجوه:

الأوّل: إنّها خلاف ظاهر قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ- الآية «2» من وجهين:

1- إنّ ظاهره كون متعلّق الأخذ الواجب عليه صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم إنّما هو الأموال المضافة إليهم، و هذا ينافي الشركة بنحو الإشاعة، فإنّه على هذا، يكون المأخوذ- قبل الأخذ- ملكا للفقراء، فلا يرد الأخذ على أموالهم كما هو ظاهر. نعم، على القول بأنّ الآية الكريمة بصدد بيان أصل التشريع، لا تنفيذ الحكم بعد التشريع، لا يكون هناك منافاة بين ظاهر الآية- و هو كون المال مضافا إليهم- مع اشتراك الفقراء معهم.

2- إنّه أطلق فيه- كما في غير واحد من الروايات أيضا- الصدقة على الزّكاة، و الصدقة- على ما صرّح به بعض أهل اللغة «3». عبارة عمّا أعطي تبرّعا،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- التوبة، 9: 103.

(3)- في «لسان العرب»: «و الصّدقة: ما أعطيته في ذات اللّه للفقراء» (ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج 10، ص 196، ط دار صادر، بيروت)، و في «القاموس»: «و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 97

..........

______________________________

بقصد القربة، و هذا ينافي الشركة بنحو الملك المشاع، فإنّه على هذا، يكون من باب دفع المملوك إلى مالكه، و هو ممّا لا يطلق عليه إنّه: «إعطاء تبرّعيّ»، كي يكون مصداقا للصدقة، كما لا يخفى. و على الجملة، إطلاق الصدقة عليها في الآية الكريمة، و في الروايات، ينافي الملك بنحو إلا شاعة.

الثاني: إنّ الملك بنحو إلا شاعة ينافي اعتبار القربة عند الدفع، بحيث لو دفع- و هو غير قاصد لها- لم يكن دافعا للزكاة المفروضة عليه، و ذلك: لأنّ المفروض كون المدفوع ملكا للفقير، و لا معنى لاعتبار قصد القربة في هذا المقام.

نعم، يمكن توجيه ذلك: بأنّ المملوك لهم إنّما هو الجزء المشاع، كما هو المفروض، و تعيّن ذلك خارجا في نظر

الشارع في جزء مشخص إنّما يكون بقصد القربة، بمعنى: أنّ الشارع إنّما اعتبر القربة في تعيّن المقدار المملوك لهم في الجزء الخارجي المشخّص، و لم يكتف في ذلك بمطلق الإفراز، و هذا أمر معقول، كما لا يخفى.

الثالث: إن استحباب الزّكاة في بعض الموارد- كزكاة مال اليتيم، و فيما عدا الغلّات الأربع من المكيل و الموزون، مع اتحاد سياق الروايات الواردة في الزّكوات الواجبة و المستحبّة- ممّا ينافي الشركة بنحو الإشاعة، إذ لا معنى لملكيّة الفقراء على وجه الاستحباب، كما يخفى. فإذا امتنع ذلك في الزكوات المستحبّة امتنع في الواجبة أيضا، بمقتضى وحدة السياق، بل في بعض الروايات «1» الجمع

______________________________

الصّدقة- محرّكة- ما أعطيته في ذات اللّه» (الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب: قاموس اللغة، ج 2: ص 253). و قال الراغب: «و الصّدقة: ما يخرجه الإنسان من ماله، على وجه القربة، كالزكاة- لكن الصّدقة- في الأصل- تقال للمتطوّع به، و الزكاة للواجب ...» (الراغب، الحسين بن محمد: معجم مفردات الالفاظ القرآن/ تحقيق: نديم المرعشلي، ص 286).

(1)-- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: ما تجب فيه الزكاة و ما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

بين الزكوات الواجبة و المستحبّة، و حينئذ فلا مجال لدعوى الملك بنحو الإشاعة في خصوص الواجبة، مع فرض اشتمال الرواية الواحدة على الزكاة الواجبة و المستحبّة، كما لا يخفى.

الرابع: إنّه لم يلتزم أحد من الفقهاء قدّس سرّه بشي ء من اللّوازم الّتي ذكرناها سابقا للقول بالشركة بنحو الملك المشاع، بل السّيرة القطعيّة جارية على خلاف ذلك، كما يشهد بها جريان السّيرة في مقام احتساب الخمس في أرباح المال غير المخمّس، كما أشرنا إليه سابقا «1»، بل الروايات العديدة

دالّة على نفي آثار الشركة الحقيقيّة، حيث إنّها دالّة على جواز تصرّف المالك في جميع العين، قبل إخراج زكاتها، بل جواز تبديلها و لو ببيع، كما في معتبرة عبد الرحمن البصري المتقدّمة «2»، و جميع ذلك كلّه بالملازمة العرفيّة يقتضي انتفاء الملكيّة بنحو الإشاعة، و إن لم تكن هناك ملازمة عقليّة، كما لا يخفى.

الخامس: إنّ الروايات «3» الواردة في كيفيّة أخذ الصدقة، و أنّ المصدّق ليس له أن يطالب بأكثر من الفريضة إذا دفعها إليه، ممّا يبعّد القول بالشركة الحقيقيّة. و ذلك لأنّ من المستبعد جدّا أن يصل المصدّق في أول وقت تعلّق الزكاة بالمال، بل المصدّق المعيّن من قبل الإمام عليه السّلام- مثلا- في ناحية معيّنة، إنّما يجبي الصدقات على سبيل التدريج، كما هو مقتضى العادة. و حينئذ، فقد يتفق وصوله إلى صاحب المال بعد مضيّ شهرين أو اكثر على أول زمان تعلّق الزكاة بماله، و من الظاهر: أنّ الغنم و الإبل و غيرهما ممّا فيه الزكاة، يستحيل أن يبقى هذا المدّة

______________________________

تستحب فيه.

(1)-- ص 88.

(2)-- ص 93.

(3)-- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

بلا نماء، أعم من المتصل و المنفصل، و لو كانت الزكاة متعلّقة بالعين بنحو الإشاعة في الملكيّة لكان على المصدّق أن يطالبهم حينئذ بالنماء، و هذا ينافي ما في الروايات المذكورة من المنع عن المطالبة بأكثر من الفريضة، بل ينافي عدم التعرض فيها لهذه الجهة، كما لا يخفى.

و دعوى أنّ عدم تعرّضه عليه السّلام لها محمول على عدم كون الروايات بصدد البيان من ناحية الخصوصيّات، مدفوعة بالتعرّض فيها لجملة من الخصوصيات، كما ورد في زكاة الإبل

«1». إنه إذا كانت الزكاة المفروضة هى ابنة لبون مثلا، و لم يوجد ذلك عند المزكّي، و لكن كان عنده ما هو أعلى منها سنّا، دفعها إلى المصدّق، و استرجع منه التفاوت بين ما دفعه إليه و بين ما هو واجب عليه، إمّا بأن يأخذ منه شاتين، أو عشرين درهما «2». و كيف كان، فالتعرض لمثل هذه الخصوصيّات مع إهمال النماءات ممّا يدلّ على عدم الشركة الحقيقيّة، كما لا يخفى.

السادس: معتبرة ابن الحجّاج «3»، و قد مرّ بيان وجه دلالتها على نفي الشركة «4».

هذه هي الوجوه الدالّة على عدم الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة في باب الزكاة. و بإزائها الروايتان المتقدمتان «5»، و هما روايتا أبي المغراء، و على بن أبي حمزة، الدالّتان على الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، كما عرفت. و حينئذ فلا بدّ من

______________________________

(1)-- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: زكاة الأنعام.

(2)- لا يخفى عليك: أنّ تحديده عليه السّلام المتفاوت، بشاتين، أو عشرين درهما، باعتبار كون التفاوت في ذلك الوقت بهذا المقدار، فانه حكم في قضيّة خارجيّة.

(3)-- ص 93.

(4)-- ص 98.

(5)-- صص 95- 96.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 100

..........

______________________________

النظر فيما هو مقتضى القاعدة؛ باعمال قواعد التعارض، من التقديم، أو الطرح و الرجوع إلى دليل آخر.

اختار الفقيه المحقق الهمداني قدّس سرّه في «مصباح الفقيه «1»»: تقديم ما دلّ على نفي الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، نظرا إلى أنّها أقوى من ظهور الروايتين في الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، و حاصل استدلاله قدّس سرّه على ذلك هو: إنّ «الشركة» كما تصدق في مورد الاشتراك في العين، كذلك تكون صادقة في مورد الشركة في الماليّة أيضا، و لا إشكال في أنّا

إذا جمعنا بين الرواية الدّالة على أنّ اللّه شرّك بين الفقراء و الأغنياء في أموالهم، و بين ما دلّ على أنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، كان مقتضى الجمع العرفي هو حمل الشركة في الرواية على غير الشركة في العين. فإذا كان الكلام الملقى إلى العرف هكذا: «إنّ اللّه شرّك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، بأن فرض على الأغنياء في أموالهم للفقراء، بأن يتصدّقوا عليهم بقدر كفايتهم» فهم العرف من ذلك لا محالة أنّ للفقراء سنخ حق في أموال الفقراء، غير قائم بشخص المال، و لا بنوعه، بل كحق غرماء الميّت المتعلق بتركته. و على الجملة: لا بدّ من حمل الشركة في الرواية على غير الشركة الحقيقية في العين، بملاحظة الروايات الأخر الدالّة على أنّ الفرض للفقراء إنّما هو بقدر كفايتهم.

أقول: لا ينبغي الإشكال في لزوم حمل الشركة على خلاف الشركة في العين، فيما لو كان الكلام الملقى إلى العرف هو ما أفاده قدّس سرّه، إلّا أنّ الوجه في ذلك ليس هو أقوائيّة ظهور ما دلّ على نفي الشركة الحقيقيّة، كما هو مقتضى صدر كلامه قدّس سرّه، بل من جهة ما ثبت في الأصول من: أنّ ظهور ما هو مسوق للقرينيّة مقدّم على

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 45، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 101

..........

______________________________

ظهور غيره، و لو كان الظهور الأوّل أضعف بمراتب من الظهور الثاني، كما في تقديم ظهور «يرمى» فى رمي السهم، على ظهور «الأسد» في الحيوان المفترس، في مثل قولنا: «رايت أسدا يرمي» مع أن ظهور «أسد» في الحيوان المفترس بالوضع، و ظهور «الرمى»

في رمي السهم بالانصراف.

و المقام من هذا القبيل، فإن مقتضى كلمة «الباء» في الجملة المذكورة في كلامه قدّس سرّه، حيث قال: «إن اللّه شرّك ...، بأن فرض ...» هو: أنّ الجملة الثانية مسوقة لبيان المراد بالجملة الأولى، و حينئذ فيتقدم ظهورها على ظهور الأولى في الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، بلا إشكال. إلّا أنّ الذي يتوجّه على هذا التقريب: أنّه لما ذا يجعل الجملة المسوقة للقرينية و التفسير هي جملة: «فرض ...»

و لما ذا لا يعكس الأمر، بأن يقال: «إنّ اللّه فرض للفقراء ...، بأن شرّك الفقراء ...» فيكون مقتضاه هو استفادة الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، من الجملة الأولى أيضا.

و الحاصل، إنّ تعيين الجملة المفسّرة- مع عدم التعرض له في الروايات- على النحو المذكور في كلامه قدّس سرّه ممّا لا دليل عليه أصلا، كما لا يخفى على الملاحظ المتامل.

و التحقيق: أمّا في صحيح أبي المغراء، المشتمل على كلمة «أشرك» فبأن يقال:

أنّ إسناد الشركة إلى العين على وجه الحقيقة يكون في موارد:

الأوّل: أن تكون العين مشتركة بين اثنين حقيقة، مطلقا، بأن يشتركا فيها، و في منافعها، و في الانتفاع بها، و في ماليّتها، و تسمّى هذه بالشركة في العين بنحو مطلق.

الثاني: أن يشتركا في الانتفاع بها فقط.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

الثالث: ما إذا اشتركا في منافعها فقط.

الرابع: ما إذا كانا مشتركين في ماليّتها، كشركة الزوجة مع الورثة في البناء مثلا. ففي جميع هذه الصور الأربع يكون إسناد الشركة إلى العين على وجه الحقيقة و بذلك يظهر: أنّ ظهور كلمة «الشركة» في الصّورة الأولى ليس هو بالوضع، المستلزم للتجوّز فيما إذا أريد بها سائر صور الشركة، كما أنّه ليس بالانصراف، إذ

لا موجب للانصراف، بعد فرض صحّة الإسناد الحقيقي في جميعها، و إنّما هو بالإطلاق، فإنّ الشركة الحقيقيّة فيما عدا الصورة الأولى إنّما تكون من جهة معيّنة، كجهة الانتفاع، أو المنفعة، و نحو ذلك، بخلافها في الصّورة الأولى، فإنّها تكون من جميع الجهات. و على هذا، فإذا وردت الكلمة و لم تكن مقيّدة بجهة معيّنة، كالشركة في الانتفاع بالعين مثلا، و كان المتكلم في مقام البيان، و بتعبير أصحّ: تمّت فيه مقدمات الحكمة، كان اللازم حينئذ حملها على الصورة الأولى، فإطلاق الكلمة- بعد تماميّة مقدمات الحكمة- يقتضي حملها على الشركة في العين بنحو مطلق، و هى الصّورة الأولى من الصّور المتقدّمة.

و بهذا يظهر الجواب عن الرواية، و ذلك لأنّها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، و أنّ الشركة هل تكون من جميع الجهات أو من جهة معينة، كي تحمل بإطلاقها- بعد تماميّة مقدمات الحكمة- على الشركة الحقيقيّة بنحو مطلق، و إنّما هي بصدد بيان أمر آخر و هو: أنّ مصرف الزكاة هم الفقراء، فلا ينبغي لهم أن يصرفوها إلى غير تلك الجهة المعيّنة لها شرعا، فالغرض إنّما هو التعريض بمن كان يصرفها إلى غير جهتها المعيّنة لها شرعا. و يشهد بذلك: قوله عليه السّلام بعد ذلك: «فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل.

و مع التنزل، و تسليم ظهور الرواية بإطلاقها في الشركة الحقيقيّة بنحو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 103

..........

______________________________

مطلق، تتحقق المعارضة- لا محالة- بينها و بين ما دلّ على نفي الشركة كذلك إلّا أنّ من الواضح الّذي لا يقبل الجدال و النزاع هو: أنّا لو ضممناها إلى الروايات الكثيرة الدالّة على نفي آثار

الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، من جواز تصرف المالك في العين و تبديلها بالبيع، و عدم كون النماء بنسبة الأصل مملوكا للفقراء، و غير ذلك ممّا دلّت عليه الرّوايات النافية لآثار الشركة الحقيقيّة، كما أشرنا إلى ذلك سابقا «1»، فلا إشكال في أنّه لا يبقى لرواية أبي المغراء ظهور حينئذ فيما ينافي مفاد تلكم الروايات الكثيرة. و على الجملة، إذا فرضنا ظهور الشركة في الصورة الأولى من الصور المتقدمة بالوضع أو بالإطلاق، و لكنّها كانت واردة في كلام من ينفى آثار الشركة الحقيقيّة، بحيث كان الكلامان صادرين من شخص واحد، أ فهل ينبغي لأحد دعوى التنافي بين الكلامين و إعمال قاعدة التعارض بينهما، أو يقال حينئذ بعدم ظهور الكلمة في معناها؟ الظاهر، هو الثاني، كما لا يخفى ذلك على المنصف المتأمّل.

و حاصل المناقشة أولا: أنّ الرواية بنفسها لا ظهور لها في الشركة الحقيقيّة بنحو إلا شاعة. و ثانيا: إنّه- على فرض التسليم بظهورها في نفسها في ذلك- لا حجّية لمثل هذا الظاهر بملاحظة الروايات الأخر النافية لآثار الشركة الحقيقيّة، بعد فرض أقوائية ظهورها في نفى الشركة الحقيقيّة في العين بقول مطلق.

مضافا إلى ذلك التسالم على عدم الشركة الحقيقيّة كذلك، كما أشرنا إليه آنفا. هذا في صحيح أبي المغراء.

و أمّا رواية عليّ بن أبي حمزة، فالمعروف «2» في تقريب الاستدلال بها

______________________________

(1)-- ص 87.

(2)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ص 443، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

للشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، و إن كان هو من جهة حكمه عليه السّلام فيها- على فرض صدق الحديث- بتقسيط الربح على مقدار الزكاة، إلّا أنّه يمكن الاستدلال بها لذلك- مع الغضّ عما هو المعروف-

بوجهين آخرين:

1- قوله عليه السّلام في صدرها: «اعزلها ...» فإن مفهوم «العزل» غير صادق إلّا فيما إذا كان ما يراد عزله داخلا في الشي ء و حالّا فيه، فينطبق ذلك- لا محالة- على القول بالشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة.

2- قوله عليه السّلام: «فإن لم تعزلها و اتّجرت بها في جملة مالك ...» فإنّ انطباق ذلك على القول المذكور في غاية الظهور، و إلّا ففي غيره لا يصدق عليه: الاتّجار بها في جملة المال، كما لا يخفى.

و الجواب عن الوجه الأوّل: أنّ العزل كما يطلق على إفراز الحصّة المشاعة، يطلق على إفراز ما اختلط من المالين بغير شركة، و على إفراز ما تعلّق به الحق أيضا بلا عناية و لا مسامحة، فلا موجب لحمله على إفراز الحصّة المشاعة. غايته أن يكون ظاهرا في ذلك، إلا أنّه بعد ملاحظة أقوائية ظهور الأدلّة النافية لآثار الإشاعة، لا بدّ من رفع اليد من ظهوره في الشركة بنحو الإشاعة، و حمله على أن يكون العزل لأجل تعلّق حق الفقراء بالمال، نظير حق الجناية المتعلّق برقبة العبد.

و بذلك يظهر الجواب عن الوجه الثاني، فإنّ الاتّجار بالشي ء في ضمن الشي ء- بعد ملاحظة تلكم الأدلّة- لا بدّ من حمله على غير مورد الشركة بنحو الإشاعة، فإنّ الاتّجار بالشي ء في ضمن المال صادق فيما إذا كانت الشركة في الماليّة أيضا.

و أمّا الحكم بتقسيط الربح، فغايته أنّه إذا لم يحمل ذلك على التعبّد المحض- كما لا تخلو الرواية في بعض ما اشتملت عليه من التعبّد ظاهرا- بالملازمة العرفيّة يكون دالّا على الشركة بنحو الإشاعة، كما أنّ الأدلّة النافية لآثار الشركة بنحو الإشاعة تكون بالملازمة العرفيّة- أيضا- دالّة على نفى الشركة بنحو الإشاعة، و

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الزكاة، ج 1، ص: 105

..........

______________________________

حينئذ فيتعارض الدليلان في مدلوليهما الالتزاميّين، فيتساقطان معا، و نتيجة ذلك عدم الدليل على الملكيّة بنحو الإشاعة، كما لا يخفى.

هذا كلّه، مع قطع النظر عن ضعف الرواية بالإرسال، و مع الغضّ عن عليّ بن أبي حمزة البطائني في سند الرواية، و المعروف هو ضعفه، و إلّا كانت الرواية ضعيفة من وجهين، كما لا يخفى.

أدلّة القول بالكليّ في المعيّن و جوابها:

و قد استدل للقول: بتعلّق الزكاة بالعين بنحو الكليّ في المعيّن- و هو مختار المصنف قدّس سرّه- فيما سيجي ء إن شاء اللّه، و لم نجد من وافقه على ذلك من المتأخّرين- بنفس الوجوه المتقدّمة الّتي استدلّ بها للقول بالشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة. و قبل التعرض لبيان تقريب الاستدلال بها للقول المذكور، لا بدّ لنا من الإشارة العابرة إلى تصوير الكلّي في المعيّن في نفسه، فقد ذكروا في تصويره وجوها:

آ- إنّه عبارة عن الفرد المردّد بين شي ء معيّن، كصاع من صبرة، مثلا. و يورد عليه- كما عن المحقّقين: صاحب الكفاية و الأصفهاني قدّس سرّهما «1»-: بأنّ الفرد ممّا لا يمكن اتّصافه بالتردّد، فإنّ الموجود منه خارجا هو المعيّن لا محالة، و ليس هناك في الخارج ما يكون مصداقا للفرد المردّد، كما لا يخفى.

ب- إنّه عبارة عن الفرد المنتشر، و يتوجّه عليه: أنّه إذا كان مرجعه إلى أنّ المملوك هي الطبيعة السارية فله معنى وجيه، غير أنّه يسأل حينئذ عن الوجه في الاختصاص ببعض الأفراد دون الجميع. و إلّا فالانتشار مع فرض الفرديّة ممّا

______________________________

(1)- الآخوند الخراساني، مولى محمّد كاظم: كفاية الأصول، ج 1/ بحث المطلق و المقيّد؛ الأصفهاني، الشيخ محمد حسين: الحاشية على المكاسب، ج 1: ص 313، ط الحجريّة.

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

لا يجتمعان، كما هو ظاهر.

ج- إنّه عبارة عن حقيقة الوجود الساري في أفراد الأصوع من صبرة معيّنة، مثلا. و لا يخفى أنّ تصور حقيقة الوجود- من غير جهة قيام البرهان عليه- في غاية الإشكال، فضلا عن انطباق ذلك على محلّ الكلام، فإنّه أشدّ إشكالا. على أنّه- مع الغض عن ذلك كلّه- أمر بعيد عن أذهان أهل العرف، مع أن بيع الكليّ في المعيّن شائع لدى العرف.

د- إنّ الكلّي في المعيّن مرجعه إلى أنّ المملوك هو الكلّي في الذمّة، غايته أنّ لذلك الكلّي نحو إضافة إلى ما في الخارج، و هو أن يكون تطبيقه على خصوص أفراد هذه الصبرة، مثلا. ففي بيع صاع من صبرة، يكون المبيع هو الصّاع الكلّي المضاف إلى الصبرة المتحققة خارجا، على أن يكون إخراجه من تلك الصبرة لا من غيرها، فيكون هذا برزخا بين الكلّي في الذمّة الّذي لا إضافة فيه لما في الذمة إلى ما في الخارج أصلا، و بين الفرد المعيّن الخارجيّ الّذي لا ربط له بالكلّي في الذمّة، و هذا المعنى هو الذي يمكننا تصوره، و هو الموافق للذوق العرفيّ كما هو مختار المحقق العراقى قدّس سرّه، على ما هو المنقول عنه. و كيف كان، فتحقيق الكلام في ذلك موكول إلى محلّه، فلنكتف بهذا المقدار، و لنعد إلى ما هو الغرض، و هو بيان تقريب الاستدلال بالوجوه المتقدّمة للقول المذكور، و إليك ذلك:

الأوّل: الأدلّة المشتملة على كلمة «في»، كقوله عليه السّلام: «في كلّ أربعين شاة شاة ... «1»» و «في عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال ... «2»» و «فيما سقت السّماء

______________________________

(1)- كما في صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر،

و أبي عبد اللّه عليهما السّلام (- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 1).

(2)- هذا هو مضمون الرواية، كما في رواية عليّ بن عقبة- و عدّة من أصحابنا- عن أبي جعفر،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 107

..........

______________________________

فالعشر ... «1»» و نحو ذلك، بتقريب: أنّ كلمة «في» ظاهرة في الظرفيّة، و هي ابتداء تناسب القول بالشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، إلّا أنّه بعد بطلان القول المذكور- كما عرفت آنفا- لا بدّ من حملها على الكلّي في المعيّن، فإنّ الفرد المردّد، أو المنتشر أيضا يكون في ضمن العين، و يكون العين ظرفا بالإضافة إليه، فيكون هذا المعنى في طول المعنى الأوّل، و بعد امتناع حمل الأدلّة المذكورة على ذلك، يلزم حملها على هذا المعنى لا محالة، كما هو ظاهر. و قريب منه سائر روايات الباب المذكور، فراجع.

و يتوجّه عليه: ما عرفته سابقا، من أنّ أصل تعلّق الزكاة بالمال، و كذلك كيفيّة تعلّقها به، ممّا أخذ مفروغا في هذه الأدلّة، فهي واردة في مقام بيان حدود الزّكاة، الواجبة في الشريعة بالكيفيّة الخاصّة عنه، فلا يمكن الاستدلال بها على كيفيّة تعلّق الزكاة بالمال، كما لا يخفى. على أنّ الأقربيّة بالنسبة إلى المختار في معنى الكلّي في المعيّن ممنوعة لعدم الشركة حينئذ، لو سلّمنا بها في سائر ما قيل في تفسير الكلّي في المعيّن.

الثاني: الرّوايات «2» المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض ...» أو «إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل للفقراء ...» بعين التقريب المتقدّم، و هو: أنّ الكلّي في المعيّن إنّما هو في طول الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، فإذا امتنع حمل النصوص

______________________________

و أبي عبد اللّه

عليهما السّلام، قالا: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذّهب شي ء، فإذا كملت عشرين مثقالا، ففيها نصف مثقال- الخبر» (- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب زكاة الذهب و الفضة، ح 5). و قريب منه سائر روايات الباب المذكور، فراجع.

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الغلّات، ح 1. و قريب منه غيره.- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4، 5: زكاة الغلّات.

(2)-- ص 83.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

المذكورة على ذلك لزم حملها على الكلّي في المعيّن لا محالة.

و يتوجّه عليه: أنّ هذه الروايات لا دلالة لها إلّا على أنّ المجعول الشرعيّ في باب الزّكاة إنّما هو الحكم الوضعيّ دون التكليفيّ، حيث إنّ «فرض» في اللّغة «1» بمعنى التعيين، و اختلاف إرادة التكليف و الوضع منه إنّما هو باختلاف متعلّقه، فإذا تعلّق بالفعل كان ظاهرا في الحكم التكليفيّ، و أمّا إذا تعلّق بالأعيان- كما في المقام- حيث أنّ متعلّقه إنّما هو المال، لقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ...»، و كلمة «ما» الّتي هي مفعول «فرض» يراد بها المقدار من المال كان ظاهرا في الحكم الوضعيّ، خلافا للفقيه المحقق الهمداني قدّس سرّه حيث جعله مساوقا لكلمة «أوجب» «2».

و كيف كان، فالمستفاد من الأدلّة المذكورة إنّما هو كون المجعول حكما وضعيّا، و أمّا أنّه هو الملكيّة بنحو الإشاعة، أو بنحو الكلّي في المعيّن، فهذا ممّا لا يستفاد منها أصلا، لإمكان أن يكون هو الحقّ المتعلّق بالمال، نظير حقّ الجناية المتعلّق برقبة العبد، كما هو ظاهر.

الثالث: معتبرة عبد الرحمن «3»، الدالّة على ثبوت الزكاة

على من اشترى

______________________________

(1)- قال في «تاج العروس»: «و الفرض، القطع و التقدير. و يقال: أصل الفرض: قطع الشي ء الصلب، ثم استعمل في التقدير، لكون المفروض مقتطعا من الشي ء الّذي يقدر منه ...» (الزبيدي: تاج العروس، ج 5: ص 68، ط الأولى) و لاحظ بهذا الصّدد أيضا- الأزهري: تهذيب اللغة، ج 12: ص 13؛ ابن منظور: لسان العرب، ج 2: ص 202، ط دار صادر- بيروت؛ الطريحي: مجمع البحرين/ تحقيق: السيد أحمد الحسيني، ج 4: ص 221).

فيمكن أن يراد بالتعين التقدير، كما لا يخفى. هذا و لكن معاجم اللغة متفقة القول- ظاهرا- على أنّ المعنى الظاهر من كلمة «فرض» هو: «أوجب» فراجع.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 45.

(3)-- ص 93.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 109

..........

______________________________

العين غير الزّكاة، فإنّها ابتداء إنّما تدلّ على الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة، و مع امتناع ذلك تحمل على الكلّي في المعيّن، لكونه في طولها، نظرا إلى أنّ المملوك على هذا أيضا داخل في العين، الّتي هي تحت يد المشتري بالفعل، فيجوز له أن يؤدّي الزّكاة، و يرجع بها إلى البائع.

و يتوجه عليه: أنّها لا تدلّ على المدّعى، سواء فسّرنا الكلّي في المعيّن بما يقوله المشهور: من أنّه هو الفرد المردّد، أو الفرد المنتشر. أم فسّرناه بما هو المختار، من أنّه الكلّي في الذمّة، المضاف إلى ما في الخارج بنحو إضافة. أمّا على الأوّل، فلمّا عرفت آنفا: من أنّ الرواية ظاهرة في صحّة المعاملة، و أنّ للمشتري أنّ يؤدّي الزكاة من غير العين أيضا، بقرينة المقابلة بينه و بين أداء البائع لها، و لا ينبغي الإشكال حينئذ في لزوم الأداء من الثمن- بمقدار

ما يقع منه بإزاء الفريضة- إلى الفقير، دون شي ء آخر. كما أنّه، على تقدير فساد المعاملة، يلزمه أداء الزّكاة من نفس العين، لا أنّه يكون مخيّرا في ذلك، إذ المفروض كون بعض العين- و لو بنحو الكلّي في المعيّن- مملوكا للفقير. و الحاصل: أنّ ما في الرواية لا يستقيم مع القول بالشركة الحقيقيّة و لو بنحو الكلّي في المعيّن، مطلقا، سواء قلنا بصحّة المعاملة المذكورة- كما هو ظاهر الرواية- أم قلنا بفسادها.

و أمّا على الثاني، فلأجل أنّ تكليف المشتري بأداء الزكاة ممّا لا معنى له أصلا، بعد فرض تعلّقها بذمّة البائع، بل عليه أن يؤدّي ذلك من العين الّتي باعها، كما لا يخفى. مضافا إلى أنّ صحة المعاملة- بناء على الكلّي في المعيّن- بدون الإجازة، لا وجه لها.

الرابع: ما في روايات المصدّق «1» من أنّ: «أكثره له»، بتقريب أنّ في مقابل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 1، 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 110

..........

______________________________

الأكثر هو الأقل، فيلزم أن يكون ذلك للفقراء، و حيث إنّه على نحو الشركة الحقيقيّة بنحو الإشاعة ممتنع، فلا بدّ و أن يكون ذلك بنحو الكلّي في المعيّن.

و يتوجه عليه: ما تقدّم آنفا، من أنّ التصريح بمقابل الأكثر في ذيل الرواية ينفي الاستدلال بها في الموردين، فراجع و لاحظ.

الخامس: معتبرة أبي المغراء المتقدّمة «1»، الدالّة على أنّ اللّه قد أشرك بين الفقراء و الأغنياء في الأموال، بتقريب: أنّها- بعد امتناع حملها على الإشاعة- لا بدّ من حملها على التعلّق بالعين، بنحو الكلّي في المعيّن، حيث إنّ الفقير يكون شريكا في المال بمقدار الفريضة المتعلقة بالعين بنحو الكلّي في المعيّن.

و يتوجه

عليه: ما قدمناه هناك: من أنّ حملها على الإشاعة موقوف على تماميّة مقدمات الحكمة، مع أنّ الرواية ليست بصدد البيان من هذه الجهة، كما يشهد به ما في ذيلها: «فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» و الحمل على الكلّي في المعيّن- أيضا- موقوف على تماميّة مقدمات الحكمة، فإنّ الشركة كذلك في ضمن العين على نحو الكلّي في المعيّن- كما تقدّم- إنّما تستفاد من إطلاق الشركة و عدم تقييدها بجهة خاصة، كالشركة في الانتفاع و نحوها، مع أنّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، كما عرفت.

السادس: خبر عليّ بن أبي حمزة المتقدّم «2»، بعين التقريب المتقدم في الوجوه السابقة.

و يتوجّه عليه أوّلا: أنّها ضعيفة السّند من وجهين، كما مرّ. و ثانيا: أنّها

______________________________

(1)-- صص 95- 96.

(2)-- صص 95- 96.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 111

..........

______________________________

معارضة بصحيحة بريد بن معاوية المتقدّمة «1» الدالة على صحة المعاملة الواقعة على العين الّتي لم يؤدّ زكاتها، فان صحّة المعاملة حينئذ بدون لحوق إجازة من وليّ الفقير مناف لكون الزكاة متعلقة بالعين على نحو الكلّي في المعيّن، و بما أنّ ظهور الصحيحة أقوى، فلا بدّ من حمل الشركة في الرواية على ما لا ينافي ذلك، فلاحظ و تأمّل.

السابع: موثق سماعة قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس، تجب فيه الزكاة؟ قال: «ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة- الخبر «2»» بتقريب: أنّه قد جمع في الرواية بين كلمة «على»- الظاهرة في اشتغال الذمّة إذا كان متعلّقها العين، كما في المقام، و إن كانت ظاهرة في مجرّد التكليف إذا كان المتعلق فعلا- و بين كلمة «في» الظاهرة في الظرفيّة، حيث قال

عليه السّلام: «ليس عليه فيه ...» فإنّ ذلك يقتضي تعلّق الزكاة بالعين على نحو الكلّي في المعيّن، على التفسير المعقول الّذي ذكرناه، فإن مقتضى كلمة «على» هو اشتغال الذمّة بالزكاة، و مقتضى كلمة «في» إضافة ما في الذمّة إلى ما في الخارج، فينطبق ذلك على الكلّي في المعيّن، على الوجه المختار. و مثله صحيح زرارة و عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها، فليس عليه فيه شي ء- الخبر «3»» و مثله أيضا: ما في صحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- فقال: «صدق أبي، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه

______________________________

(1)-- ص 94.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 6.

(3)- المصدر، باب 11: زكاة الغلّات، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

فيه- الحديث «1»».

و يتوجه عليه: أنّ التعبير المذكور في نفسه صالح لأن ينطبق على الحق المتعلّق بالعين، إذ يصح على هذا أن يقال: «عليه في ماله كذا ...» و لا يختصّ بما إذا كان الكلّي الشي ء المتعلّق بالعين بنحو الكلّي فى المعيّن هي الملكيّة، كما هو المدّعى. فالتعبير يلائم كلا الأمرين، كما أن كلمة «في» صحيحة في مورد تعلق الحق بالعين و لكنّه يتعيّن الأوّل ذلك بملاحظة ما دلّ على صحة المعاملة و أنّ الساعي يتبع العين، كصحيح أو حسن البصري المتقدّم «2»، و ما دلّ على أنّ التلف من حقّ الفقير في باب الزكاة «3»، فإنّ ذلك ينافي كون المملوك للفقراء هو الكلّي

في المعيّن، حتى على الوجه المعقول، كما هو ظاهر.

و قد فصّل صاحب «المستند «4»» قدّس سرّه- كما أشرنا إليه في صدر البحث- بين ما كانت الفريضة من جنس العين، كما: في أربعين شاة شاة، و: فيما سقت السماء العشر، و نحوهما، فالزكاة متعلقة بالعين على نحو الكلّي في المعيّن، و ما لم تكن من جنسها، كما: في خمس من الإبل شاة، فهي متعلّقة بالذمّة و استدلّ للأوّل ببعض الوجوه المتقدّمة في الاستدلال للقول بتعلقها بنحو الكلّي في المعيّن، و قد عرفت الجواب عنها. و للثانى، و هو اشتغال الذمة في ما لا تكون الفريضة من جنس العين، بأنّ الفريضة غير داخلة في العين على الفرض، فإنّ الشاة ليست بداخلة في الإبل، و الشاة بنحو الكلّي في المعيّن في سائر أمواله غير واجبة إجماعا، و عليه

______________________________

(1)- المصدر، باب 12: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(2)- المراد: معتبرة عبد الرحمن، المتقدّمة ص 86.

(3)-- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: مستحقّي الزكاة، ح 1، 2، 2، 5 [و] باب 12: زكاة الأنعام، ح 2.

(4)- النراقي، احمد بن مهدى: مستند الشيعة، ج 2: ص 38، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 113

..........

______________________________

فينحصر الأمر في القول بتعلقها بالكلّي في الذمة، كما لا يخفى.

و قد يناقش في ذلك: بأنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة و العرف: إنّما هو كون فرض الزكاة في جميع الموارد بنحو واحد، و أنّ مساق قوله عليه السّلام: «في خمس من الإبل شاة» هو مساق قوله عليه السّلام: «في أربعين شاة شاة»، و هكذا ...، و حينئذ فالتفصيل المذكور يكون على خلاف ما هو الثابت في ارتكاز المتشرعة

و العرف.

و يتوجّه عليه: أنّ الارتكاز في أذهان المتشرعة ليس هو بدليل مستقل في المقام، فإنّ من القريب جدا: استنادهم في ذلك إلى الأدلّة الواردة في المسألة. و أمّا ارتكاز أهل العرف، فهو إنّما يكون متّبعا في مفاهيم الألفاظ، لا في مثل المقام الّذي يكون المتفاهم العرفي في كلّ من الدليلين واضحا، و إنّما يراد بالارتكاز العرفيّ التصرف في ظهور أحد الدليلين. و الحاصل، أنّ المستدلّ إنّما يسلّم بظهور الأدلّة- فيما كانت الفريضة فيه من جنس العين- في الكلّي في المعيّن، كما أنّه يسلّم بظهورها في غير ذلك في اشتغال الذمة، و بعد هذا كلّه فلا مجال للمناقشة المتقدمة أصلا، فإنّ مرجعها إلى اثبات الملازمة- بالارتكاز العرفيّ- بين ظهور إحدى الطائفتين من الأدلّة في شي ء و ظهور الأخرى فيه، و لا دليل على حجيّة الارتكاز العرفيّ في مثل ذلك، كما لا يخفى.

و الصحيح أن يجاب عن ذلك: بأنّ قوله عليه السّلام: «في خمس من الإبل شاة» في نفسه صالح لأن يحمل على الشركة في العين، بنسبة الشاة إلى خمس من الإبل، فيكون متعلق حق الفقير إنّما هو مقدار من العين، نسبته إليها نسبة الشاة الواحدة إلى خمس من الإبل، و يعلم هذه النسبة بتقويم الشاة، و تقويم خمس من الإبل، ثمّ نسبة الأولى إلى الثانية، فبأيّ مقدار كانت النسبة بين القيمتين كان حق الفقراء متعلقا بالعين بتلك النسبة، فالكلام المذكور في نفسه صالح للحمل على ذلك، و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 114

..........

______________________________

لذلك، و لأجله حمله القائلون بالإشاعة أو بالكلّي في المعيّن على ذلك، إلّا أنّ مجرّد صلاحية الكلام للحمل على المعنى المذكور لا يقتضي تعين الحمل المذكور، و إنما

كان التعيّن بملاحظة ما دلّ على أنّ السّاعي يتبع العين، كما في معتبرة البصريّ المتقدمة، و ما دلّ على أنّ التلف يقسّط على الفريضة أيضا، كما فى بعض النصوص «1». فان الجمع بين هذين الحكمين ينافي القول باشتغال الذمّة في المقام، إذ لا معنى لاتبّاع الساعي العين إذا كانت ذمة المالك مشغولة بالزكاة. كما لا معنى لتقسيط التلف على الفريضة أيضا على هذا المبنى، كما هو ظاهر. و بما أنّ الحكمين ثابتان بصريح النصّ أو ما يقرب من الصّريح فلا محالة يلزمنا التصرف في الظهور الأوّلي للكلام الذكور، و حمله على ما لا ينافيهما، كما لا يخفى. على أنّه يمكن القول بأنّ هذه الروايات بصدد بيان مقدار الزكاة المفروضة، و لا دلالة لها على كيفيّة تعلّقها بالعين، و إنّما يكون المتبع في كيفيّة التعلق غيرها من الأدلّة.

تنبيه:

قد عرفت ممّا تقدم: أنّ القائلين بالإشاعة أو بالكلّي في المعيّن، إنّما اعتمدوا في استدلالهم النصوص المشتملة على كلمة: «في» لظهورها في الظرفية، كما عرفت ذلك آنفا بالتفصيل، و لأجل ذلك أو رد عليهم «2»: بعدم ظهورها في الظرفية، بعد شيوع استعمالها في السببيّة، كما في قولهم: «في القتل خطأ الدية»، و كما في الحديث

______________________________

(1)- لم أعثر على نصّ في هذا الباب، رغم ما كان من الفحص الجادّ عنه. و لكنه يبدو: أن الحكم اتفاقي ظاهرا، كما يظهر من تعليلهم لجعل الأربعمائة- في الغنم- نصابا، في مقابل الثلاثمائة و واحد. و لاحظ.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 142، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 139، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، الآغا رضا:، مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص

43، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

- على تقدير صحّة السند: «إنّ امرأة دخلت النار في هرّة حبستها ...» و حينئذ فلا يتمّ الاستدلال بالنصوص المذكورة للدعوى المتقدّمة.

و قد أنكر بعض الأعلام- دام ظلّه- «1» استعمالها في السببيّة حتى في المثالين المتقدمين، بل هي تكون ظاهرة دائما في الظرفيّة، إلّا أنّه مع ذلك لا يتمّ استدلالهم بالنصوص المتقدمة على الكلّي في المعيّن. و حاصل ما أفاده: أنّ الاستدلال بها للكلّي في المعيّن موقوف على كون الظرف مستقرا، بأن يكون متعلقا بمثل «كائن» محذوفا، فقوله عليه السّلام: «في أربعين شاة شاة» مرجعه إلى قوله: «شاة كائنة في أربعين شاة» فينطبق ذلك على الكلّي في المعيّن، فإن الفريضة على هذا تكون واحدة ثابتة في المجموع، كما هو ظاهر.

مع أنّ الظرف- في النصوص المذكورة- ظرف لغو متعلّق بفعل محذوف غير أفعال العموم، مثل: «فرض»، «اوجب»، «جعل» و نحو ذلك، و حينئذ فلا دلالة لها على الكلّي في المعيّن، فإنّ العين- على هذا- إنّما تكون ظرفا لأصل الفرض و الجعل، لا ظرفا لمتعلّقهما، فيكون مفاد النصوص هو: أنّ ظرف الجعل و الوجوب هو العين، لا أنّ متعلق الجعل- و هو الشاة في المثال المتقدم- ظرفه العين، كي يتمّ الاستدلال المذكور. و ممّا يدلّ على كون الظرف فيها لغوا- مضافا إلى ظهور الظرف في نفسه بأنفسها في ذلك- التصريح بالأفعال المذكورة في جملة أخرى من النصوص، كصحيح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا: «فرض اللّه عزّ و جل الزكاة مع الصلاة في الأموال- الحديث «2»» و غيره من الرّوايات الّتي

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج

9: صص 178- 179، ط الثالثة.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: ما تجب فيه الزكاة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

صرّح فيها بالمتعلّق «1».

أقول: هذا حاصل ما أفيد في المقام إلّا أنّه ممّا لا يمكننا المساعدة على ذلك، بيانه: إنّ إسناد المظروفيّة إلى الأفعال على وجه الحقيقة غير ممكن، و إنّما القابل لذلك الأعيان. فالضحك، أو الأكل و نحوهما ممّا لا يصح أن يقال بوقوعهما حقيقة في ظرف خاصّ، كالدار و نحوها، و إنّما يصحّ ذلك بالعناية، باعتبار أنّ المكان ظرف حقيقة بالإضافة إلى من يكون الفعل المذكور قائما به، فتكون الظرفيّة بالإضافة إلى الأفعال بالعناية، لا على وجه الحقيقة. و قد تعرّض الفقهاء قدّس سرّه لذلك في بحث الساتر في الصلاة، فإنّ قولهم: «الصلاة في ما لا يؤكل لحمه باطلة» مثلا- مع أنّ الصلاة بنفسها غير قابلة لأن تقع في اللباس- مبنىّ على العناية و المسامحة، و باعتبار أنّ المصلّي في اللباس، و على هذا، فلا معنى لأن يقال: إنّ الظرف إنّما هو بالإضافة إلى نفس الجعل و الوجوب و نحوهما من الأفعال، فإن الإسناد الحقيقى إليها غير معقول. و أمّا الظرفية بالعناية فهي موقوفة على أن تكون الظرفيّة بالإضافة إلى من يقوم الفعل به على وجه الحقيقة، و هو في المقام عبارة عن موضوع الجعل و الوجوب. مع أنّ من الظاهر هو عدم قيام الحكم بموضوعه، فإنّ نسبة الحكم و الموضوع نسبة الماهيّة و الوجود، و هل يتوهّم أحد قيام أحدهما بالآخر!، كما هو ظاهر.

و المتحصّل من ذلك: أنّ الظرفيّة الحقيقيّة إنّما هو بالإضافة إلى موضوع الحكم الشرعيّ، و أمّا بالإضافة إليه نفسه

فلا ظرفيّة مطلقا، لا حقيقة- كما هو ظاهر- و لا عناية، لتوقّف ذلك على قيام الحكم بموضوعه، و هو في محلّ المنع «2».

______________________________

(1)- المصدر، باب 1: ما تجب فيه الزكاة، ح 1، 2، 3، 8، 9، 10.

(2)- مضافا إلى أنّ الالتزام بالظرفيّة الحقيقية بالإضافة إلى موضوع الحكم الشرعي كاف في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 117

..........

______________________________

ثمّ إنّه- بعد ما عرفت، من بطلان القول بالإشاعة أو الكلّي في المعيّن في المقام- يتردّد الأمر لا محالة بين سائر الوجوه المتقدمة، الّتي تشترك في كون الحكم الوضعيّ المجعول إنّما هو الحقّ دون الملكيّة، و إنّ كان هناك اختلاف بين بعضها و آخر في بعض الآثار، فنقول:

أمّا احتمال كون الحقّ الثابت في المقام من قبيل حق الغرماء المتعلّق بتركة الميّت، فمدفوع: بأنّ المستفاد ممّا دلّ «1» في باب الزكاة على تقسيط التلف على الفريضة هو: أنّ الحق متعلق بجميع العين، و هذا بخلاف الحق هناك، فإنه متعلق بالمجموع، و لذلك لو فرضنا أنّ التركة كانت أزيد من الدين، و تلف منها ما يبقى بعد ذلك ما يكون وافيا بالدين، لم يقسّط التلف حينئذ على الغريم أصلا، فإنّ ثبوت هذا الحكم هناك كاشف عن الفرق بين الحقّين. مضافا إلى أنّ المستفاد من قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ... «2» أنّ الدين مانع من انتقال التركة إلى الوارث، و المقام ليس كذلك.

و أمّا احتمال كونه من قبيل حق الرّهانة، فيدفعه أوّلا- أنّ مرجع ذلك- كما أشرنا إليه سابقا- إلى تعلّق الحق بالكلّي في الذّمة، و هذا ممّا ينافيه في المقام ما لعلّه هو صريح معتبرة البصريّ المتقدّمة «3»، الدالّة على أنّ الساعي يتبع

العين، و أنّ للمشتري أن يؤدّي الزكاة من ماله، ثم يرجع بها إلى البائع. إذ لو كانت ذمّة المالك مشغولة بالزكاة، لم يكن وجه لأداء المشتري الزكاة من ماله، بل كان

______________________________

تماميّة الاستدلال المتقدّم، و انّ التزمنا بصحّة الإسناد العنائي بالإضافة إلى نفس الجعل فرضا، كما لا يخفى، فتأمّل.

(1)- مرّ في هامش صفحة 110 ما يرتبط بذلك فراجع.

(2)- النساء، 4: 11.

(3)-- ص 93.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 118

..........

______________________________

السّاعي يأخذها من المالك المفروض اشتغال ذمّته بها. أو أنّ الساعي ينتزعها من العين المبيعة، فإنّها كانت بمنزلة الوثيقة لدى الفقير، من دون أن يكون للمشتري أدائها من ماله، كما يؤدّيها المالك من ماله. كما ينافيه أيضا: ما دلّ على التقسيط عند التلف.

و ثانيا: إنّ حق الرّهانة مانع عن صحة المعاملة عليها إلّا بإذن المرتهن، مع أنّ صريح تلك الرواية إنّما هو جواز المعاملة بلا إجازة من الفقير أصلا.

و أمّا احتمال كونه من قبيل الحق في منذور الصدقة، أي حق من نذر له أن يتصدّق عليه بشي ء منه، فيدفعه: فساد الحكم في المقيس عليه، إذ لا ثبوت للحق هناك أصلا، كي يكون المقام مسانخا له، بل الثابت هناك إنّما هو مجرّد التكليف بأداء العين إلى المنذور له، و على هذا فيبقى في المقام احتمالان:

أحدهما- أنّه يكون من قبيل حقّ الجناية.

و الآخر- أن يكون من قبيل حقّ الزّوجة المتعلّق بالبناء، الراجع إلى اشتراكها مع سائر الورثة في الماليّة دون نفس العين. و حيث أنّه لم يظهر لنا بعد الفرق الأساس بين الحقّين المذكورين بحسب الآثار المترتّبة على كلّ منهما شرعا، فلذلك لا يمكننا الجزم بأحد الاحتمالين في المقام، فإنّه مترتّب على ثبوت الفرق بينهما

أولا، ثمّ ملاحظة انطباق أيّ منهما على المقام، كما هو ظاهر و لكنّ أصل ثبوت الفرق بين الأمرين غير معلوم لدينا بالفعل. فليتأمّل. و بهذا نختم الكلام في هذا المقام حامدين للّه تعالى، و مصلّين و مسلّمين على خاتم أنبيائه، و أوصيائه الائمّة الطاهرين، صلواته و سلامه عليهم أجمعين. و لنعد إلى ما جرى عليه البحث من شرح كتاب «العروة».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 119

[يشترط فى وجوبها أمور]

[الأوّل البلوغ]

و يشترط فى وجوبها أمور: (الأوّل) البلوغ، فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول (4).

______________________________

(4) لا بدّ لنا من تأسيس الأصل في المسألة كي يكون هو المرجع في موارد الشكّ، و هو إنّما يكون في مقامين:

المقام الأوّل: الأصل في المسألة في المرحلة السّابقة على الأدلّة العامة

أي فيما إذا فرضنا العلم بثبوت الزكاة في الجملة، و شككنا في ذلك في غير الموارد المتيقّن ثبوتها فيها، مع قطع النظر عن الأدلّة العامّة المقتضية لثبوتها، كإطلاق دليل الزّكاة أو عمومه. أو المقتضية لعدمه، كحديث «رفع القلم». و كذا، مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة، مثل ما دلّ على نفيها عن مال اليتيم، و نحو ذلك، كما هو ظاهر.

و مقتضى الأصل العملي في أمثال هذه الموارد، إنّما هو عدم الثبوت، لاستصحاب البراءة عن ثبوت الزكاة. و أمّا ما عن شيخنا العلّامة الانصاري قدّس سرّه «1» من الإشكال في جريان الأصل المذكور. فقد أوضحنا الكلام في مراده قدّس سرّه في بحث الأصول، و قلنا: إنّ إشكاله قدّس سرّه راجع إلى نفي المؤاخذة و استحقاق العقاب بالاستصحاب المذكور، لا إلى نفي التكليف به، حسبما فهمنا ذلك من كلامه قدّس سرّه. و على هذا ففي المقام ننفي

بالاستصحاب المذكور ثبوت أصل

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، مبحث البراءة، ص 337، ط الأولى، جامعة المدرّسين، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 120

..........

______________________________

الحكم، و أمّا نفي المؤاخذة فنرجع فيه إلى قاعدة «قبح العقاب بلا بيان»، كما هو ظاهر.

و على الجملة: الغرض إنّما هو إثبات عدم ثبوت الزكاة، و عدم المؤاخذة على تركها، و الأوّل نثبته بالاستصحاب، و الثاني بقاعدة «قبح العقاب بلا بيان».

و دعوى: أنّ المرجع إنّما هو البراءة الشرعيّة، بلا حاجة إلى الرجوع إلى الاستصحاب المذكور فاسدة، لا من جهة اختصاص حديث الرفع بالأحكام التكليفيّة الإلزاميّة، و عدم عمومه بالإضافة إلى الأحكام الوضعيّة، مع أنّ الحكم الثابت في باب الزكاة- على فرض الثبوت واقعا- إنّما هو الحكم الوضعيّ، كما هو الحق على ما عرفته سابقا. و ذلك لعدم اختصاصه بالأحكام التكليفيّة، كما يشهد به ما في الرواية، من «رفع ما استكرهوا عليه ...» و الكراهة رافعة للأحكام الوضعيّة، بلا إشكال.

بل الوجه في فساد الدعوى المذكورة هو: أنّ مساق الحديث المذكور- كما هو المعروف- مساق الامتنان على نوع الأمّة، نظرا إلى أنّ نسبة الحاكم و الشارع- و هو اللّه سبحانه و تعالى، أو غيره- إلى العباد نسبة واحدة، و الامتنان على أحدهم دون الآخر مناف لذلك، فلا محالة لا بدّ و أن يكون في الرفع امتنان على نوع الأمّة، و بما أنّ رفع الزكاة في المقام ليس فيه أيّ امتنان على نوع الأمّة، بعد كونه تضييعا لحقّ الفقراء، و إن كان فيه امتنان بالإضافة إلى خصوص المالك، فلا يمكن رفعها بالحديث المسوق للامتنان على النوع، كما لا يخفى.

المقام الثاني: الأصل بملاحظة الأدلّة العامّة

أمّا الأصل اللفظيّ، كأصالة العموم و

الإطلاق، فهو غير متحقق بالنظر إلى الروايات الواردة في باب الزكاة، و ذلك لأنّ مساقها- كما يظهر بالتأمّل في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 121

..........

______________________________

المقدار الذي عثرنا عليه منها- مساق الخطابات الّتي يلقيها الوعّاظ، لأجل الترغيب في الخير، أو للزجر عن المنكر، و ليس فيها ما يكون دالا على تشريعها، و مسوقا لبيان ثبوتها في الشريعة الاسلاميّة ابتداء. و عليه، فلا مجال للتمسّك بإطلاقها بعد أن لم تكن مسوقة للبيان من هذه الجهة، بل مسوقة لبيان ما يترتّب على الفعل من خير و صلاح، ترغيبا لهم في ذلك، و ما على الترك من شر و فساد زجرا لهم عن ذلك، كما أنّه لا عموم لها- أيضا- بالإضافة إلى هذه الجهة.

نعم، لا بأس بإطلاق الآية الكريمة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ... «1»، فإنّها سواء أ كانت الآية فى مقام تكليف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأخذ الزكاة، أو أمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إيّاهم باعطاء الزكاة، مطلقة بالإضافة إلى كون المأخوذ منه كبيرا أو صغيرا، و نحو ذلك من الخصوصيّات، و حينئذ فمقتضى الإطلاق المذكور، هو ثبوت الزكاة في كلّ مورد، إلّا ما دلّ الدليل فيه على انتفائها.

و ربما يقال «2»: إنّ الآية المذكورة لا إطلاق لها بالإضافة إلى بعض الخصوصيّات، كما إذا شككنا في ثبوت الزكاة في مال الصغير مثلا، مع الغضّ عن حديث الرفع، و عمّا دلّ على انتفائها في خصوص مال الصغير. و ذلك: لأنّ الآية دلّت على أنّ الزكاة توجب تزكيتهم و تطهيرهم، و هو كناية عن ما يوجب محو الذنوب و الآثام، و هذا ممّا يمنع

عن الأخذ بإطلاقها في مورد الصغير، لاختصاصها بمن يكون له ذنب و إثم، و الصبيّ ممّن لا ذنب له و لا إثم، كما هو ظاهر.

و يندفع ذلك: بأنّه لا بدّ من حمل التطهير و التزكية- في الآية الكريمة- على

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 19، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 122

..........

______________________________

بعض الجهات الأخلاقيّة و الأدبيّة، و يشهد بذلك: أنّه لا ينبغي الإشكال في إطلاق الآية الكريمة بالإضافة إلى المعصومين عليه السّلام، أو بالإضافة إلى البالغ في اوائل بلوغه الّذي لم يسبق منه ذنب أصلا، حيث أنّ الزكاة ثابتة في أموال هؤلاء- بمقتضى إطلاقها- كما في أموال غيرهم، مع أنّه لا ذنب لهم أيضا. و على الجملة:

لا بدّ من حمل الآية الكريمة على ما لا ينافي إطلاقها بالإضافة إلى الصغير.

و المتحصّل من ذلك كلّه: أنّ الأصل الأوّلي إنّما هو ثبوت الزكاة فيما عدا الموارد الخارجة بالدّليل، خلافا للفقيه المحقق الهمداني قدّس سرّه «1»، و غيره «2»، ممّن جعل الأصل الأوّلي عدم ثبوتها إلّا فيما دلّ الدليل عليها. هذا بالإضافة إلى أدلّة تشريع الزكاة.

و أمّا المخرج عن الأصل المذكور، ففي خصوص المقام- و هو اعتبار البلوغ في ثبوت الزكاة- فهو أحد أمرين:

الأوّل: ما دلّ على أنّه رفع القلم عن ثلاث: «عن الصبيّ حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ «3»» إلّا أنّ في كونه مخرجا عن حكم الأصل المتقدم تفصيلا، و هو أنّه بناء على الالتزام في باب الزكاة بالحكم التكليفيّ

______________________________

(1)- قال قدّس سرّه في مسألة عدم وجوب الزكاة في المال الصّامت للمجنون، ما لفظه: «فعمدة المستند

لذلك: هو الأصل، بعد قصور أدلّة الزكاة عن شمول مال المجنون ...» (الفقيه الهمدانى، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 6، ط إيران الحجريّة). و قد تكرّر منه قدّس سرّه ذلك في تضاعيف مسائل الزكاة.

(2)-- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، ط النجف الأشرف؛ النجفى، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15، ط النجف الأشرف؛ الانصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ط إيران الحجريّة؛ النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 4، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: مقدمة العبادات، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

المحض، فلا إشكال في أنّ حديث الرفع ممّا يوجب اختصاصها بغير الصغير، كسائر الأحكام التكليفيّة، كما هو ظاهر. و أمّا بناء على أنّ الثابت فيه إنّما هو الحكم الوضعيّ و إن استتبع ذلك تكليفا- كما هو المختار- على ما مرّ بيانه، فالحديث المذكور ممّا لا أثر له حينئذ أصلا. و ذلك لأنّ المرفوع بحديث الرفع إنّما هو الأحكام الإلزاميّة، فإنّ الرفع في مقابل الوضع، الخاص بالحكم الإلزاميّ، دون مطلق الأحكام المتعلّقة بفعل الشخص، أو ما يكون موضوعها هو الفعل. و بكلمة أخرى: كلّ حكم إلزاميّ، وضعا كان أم تكليفا، كان متعلّقا بفعل أم كان موضوعه هو الفعل، فذلك مرفوع بالحديث المذكور. و الوجه في اختصاص ذلك بالفعل هو: أنّ اختصاص الصبيّ- مثلا- بالرفع يقتضي- بمناسبة الحكم و الموضوع- أن يكون المرفوع الأحكام المترتبة على فعله، فإنّ المناسبة المذكورة تقتضي كون الحكم المذكور ناشئا عن جهة فارقة بين الصبيّ و غيره، و المائز بينه و بين غيره إنّما هو في خصوص أفعاله، من حيث ضعف الإرادة فى المباشر

للفعل في الصبيّ و قوّتها في غيره، و أمّا في غير الأفعال فلا مائز هناك بين الصبيّ و بين غيره، فإنّ الحكم المترتب على موضوع خارجيّ، كثبوت الزكاة- مثلا- المترتّب على بلوغ المال حدّ النصاب، الّذي لا يفترق فيه الصبيّ عن غيره، لا معنى لارتفاعه عن الصبيّ من جهة صباوته، بعد إن لم تكن الصباوة موجبة للفرق من هذه الجهة أصلا.

و حاصل الكلام، أنّ قوله عليه السّلام ما مضمونه: «رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم ...» ظاهر في أنّ للصّباوة دخلا في الحكم المذكور. و من البيّن جدّا: إنّ ما يمتاز به الصبيّ عن غيره إنّما هو في أفعاله، و حينئذ فبمقتضى ذلك نحكم باختصاصه بالإلزام المتعلق بالفعل، أو المترتب على الفعل ترتّب الحكم على

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 124

و لا على من كان غير بالغ في بعضه، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ (5)، و امّا ما لا يعتبر فيه الحول من الغلّات الأربع

______________________________

موضوعه، كما في باب العقود و الإيقاعات، فإنّ مثل هذه الأحكام تكون مرفوعة عن الصبيّ، و أمّا غيرهما ممّا لا يكون متعلقا بفعل، و لا يكون موضوعه فعل أيضا، كثبوت الزكاة الّذي موضوعه بلوغ المال حدّ النصاب، فلا معنى لأنّ يكون مرفوعا بحديث الرفع، كما هو ظاهر.

و خلاصة القول: أنّ اختصاص الرفع بطائفة من الأحكام- مع عدم التصريح به في الحديث المذكور- إنّما هو من جهة مناسبة الحكم و الموضوع، إذ لولاه لم يكن لاختصاص الرفع بالصبيّ مناسبة أصلا، كما هو ظاهر. و على هذا، فلا موجب لعدم ثبوت الزكاة في مال الصبيّ من جهة حديث الرفع. نعم، غايته عدم أمره تكليفا بالأداء.

الثاني: الرّوايات الكثيرة

الدالّة على عدم ثبوت الزكاة في مال اليتيم، بعد العلم بارتفاع اليتم بالبلوغ، و هي كثيرة، يلاحظها المراجع في «وسائل الشيعة «1»»، مضافا إلى أنّه من المتسالم عليه ظاهرا في خصوص النقدين، كما سيمرّ عليك التفصيل إن شاء اللّه.

(5) المشهور هو ذلك «2»، بل قيل: إنّه لم ينقل فيه التصريح بالخلاف من أحد «3».

______________________________

(1)- في «وسائل الشيعة» (باب 1: من أبواب من تجب عليه الزكاة).

(2)-- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 5.

(3)-- شيخنا الأنصاري: رسالة الزكاة، ص 410، ط إيران الحجريّة؛ الفقيه الهمداني، آغا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 125

فالمناط البلوغ قبل وقت التعلّق، و هو انعقاد الحب و صدق الاسم، على ما سيأتي.

______________________________

نعم، استشكل ذلك الفاضل السبزواري قدّس سرّه صاحب «الذخيرة «1»» و كيف كان، فقد استدلّوا لذلك بوجوه ثلاث:

الاوّل:

ما رواه الشيخ قدّس سرّه في ال «تهذيب» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلّاته من نخل، أو زرع، أو غلّة زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس «2»».

و الاستدلال إنّما هو بقوله عليه السّلام في الخبر: «فليس عليه لما مضى زكاة ...»،

بتقريب: أنّ المراد بالموصول هو الزمان، و إطلاقه يقتضي عدم ثبوت الزكاة بالإضافة إلى الزمان الماضي، بلا فرق بين الأحوال الكاملة الماضية، و بين الماضي الّذي ينقص عن الحول الكامل بأيّام، و حينئذ فيدلّ على أنّ مبدأ الحول إنّما هو

من حين البلوغ، و إلّا كان عليه الزكاة فيما لو مضى عليه قبل بلوغه ما ينقص من الحول بقليل، ثم بلغ قبل حلول الحلول، بحيث حال الحول عليه و هو

______________________________

رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 3، ط إيران الحجريّة.

(1)- السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة المعاد، ص 421، ط إيران الحجريّة.

(2)- الطوسي: تهذيب الأحكام، ج 4: صص 29- 30/ ح 14، ط النجف الأشرف؛ الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: من تجب عليه الزكاة، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 126

..........

______________________________

بالغ. و الحاصل، أنّ الرواية بإطلاقها دالّة على عدم ثبوت الزكاة بالحول الناقص الّذي مضى، و كان تمامه في حال بلوغه، و هذا يقتضي كون المبدأ من حين البلوغ، كما لا يخفى.

أقول: لا بدّ أوّلا من ذكر محتملات الرواية ثبوتا، و هي كما يأتي:

الأوّل: أن يراد بالموصول الزمان الماضي، لكن لا مطلق الماضي الشامل لمثل الاسبوع، و الشهر، فإنّ عدم ثبوت الزكاة في ذلك غير مختصّ باليتيم، بل غيره أيضا ممّن لم يثبت في حقّه الزكاة بمضيّ أسبوع أو شهر، مع أنّ ظاهر النصوص هو اختصاص الحكم بعنوان «اليتيم». و عليه، فلا بدّ و أن يراد به الزمان الماضي الموجب لثبوت الزكاة لو لا المانع، و هو اليتم، و هو الحول الكامل، فيكون المراد به عدم ثبوت الزكاة للحول الماضي بتمامه.

الثاني: أن يراد به الماضي، الأعمّ من الحول الكامل و الناقص عنه بمقدار يصدق عليه عرفا أنّه حول، كما إذا نقص عنه بأربعة أيّام، مثلا.

الثالث: أن يراد به الزمان، لكن لا خصوص الحول الكامل، و لا الأعمّ منه و من الناقص بمقدار يسير، بل يراد به

حلول الحول. و تعبير آخر: يراد به الزمان الّذي به يكمل الحول، و هو الّذي يعبّر عنه بزمان الحلول، فتكون الرواية دالّة على عدم ثبوت الزكاة بالحلول الماضي. أي الحلول الواقع في حال اليتم.

الرابع: أن يراد بالموصول: الغلّات المتقدّم ذكرها، دون الزمان، كما في الاحتمالات المتقدّمة، و يكون المراد بالإدراك هو بلوغ الغلّات حدّ الكمال فتكون دالّة على نفي الزكاة عن الغلّات الماضية و الآتية ما لم تبلغ حدّ الكمال، و على هذا فالرواية أجنبيّة عن محلّ البحث.

أمّا الاحتمال الأوّل، فمضافا إلى أنّه لا يبتني عليه المذهب المشهور في المقام-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

لدلالة الرواية- حينئذ على عدم وجوب الزكاة للسنوات الكاملة الماضية، و ليس هذا محلّ الكلام، ضعيف في نفسه، نظرا إلى أنّ الظاهر هو وحدة المراد من الموصول في المقامين، فإذا أريد به في قوله: «لما مضى ...» السنة الكاملة، كان هو المراد أيضا من قوله: «و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك ...» مع أنّه فاسد قطعا، إذ لا يحتمل عدم ثبوت الزكاة في حقّه بالإضافة إلى السنة المستقبلة. و الحاصل، أنّ مفاد الرواية يكون هو: عدم ثبوت الزكاة عليه بعد البلوغ للسنة الكاملة المستقبلة، كما لم تثبت عليه بالإضافة إلى السنة الكاملة، الماضية، مع أن هذا لا يمكن لأحد الالتزام به كما و لم يلتزم به- أيضا- أحد.

و أمّا الاحتمال الثاني، فهو مبنيّ على أنّ إرادة خصوص السنة الكاملة من الموصول في «لما مضى ...» إذا كانت غير معقولة لما تقدم، فلا محالة لا بدّ من إرادة الأعمّ منها و من الناقص عن الحول بقليل، فإن إرادة الأعمّ معقولة، كما لا يخفى.

و حينئذ فيتمّ الاستدلال

بها للمذهب المشهور، فإنّه إذا لم تثبت الزكاة بالحول الناقص الماضي، المستلزم لاعتبار وقوع تمام الحول في حال البلوغ، فلا محالة يكون مقتضاه هو اعتبار وقوع تمام الحول بعد البلوغ، لا مجرّد وقوع الحول بعده، كما هو ظاهر.

إلّا أنّ الأخذ بهذا الاحتمال موقوف على عناية زائدة، نظرا إلى أنّ أخذ الموصول كناية عن الأعمّ من الحول التام و الناقص بمقدار قليل، أمر يحتاج إلى عناية زايدة، فلا يمكننا المصير إليه إلّا بدليل. نعم، على هذا لا يأتي الإشكال المتقدّم، إذ لا مانع من إرادة الأعمّ أيضا من الموصول في قوله عليه السّلام: «لما يستقبل ...» فإنّه حينئذ يكون دالّا على نفي الزكاة عن الحول المستقبل قبل إدراكه، فالنفي يكون مغيّا لا محالة بإدراك الحول الكامل بعد البلوغ، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

و أمّا الاحتمال الثالث، فهو في نفسه قريب جدا، فإنّ إرادة رأس الحول من الموصول في الموردين ممّا لا تحتاج إلى أيّة عناية زائدة، كما لا يخفى. و يكون الاستدلال بالرواية للمذهب المشهور إنّما هو بالفقرة الثانية، و هو قوله عليه السّلام: «و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك ...»، بتقريب: أنّه دالّ على نفي الزكاة بالحول المستقبل، ما دام لم يدرك تمام السنة المستقبلة، أي إنّه قبل تمام السنة الآتية لا تثبت الزّكاة في حقّه، و إنّما تثبت بعد إدراك تمامها، فيكون المفعول ل «يدرك» هو تمام السنة، و ما أشبه ذلك، و حينئذ فيدلّ على أنّ الزكاة إنّما تثبت بالحول الّذي مبدؤه من حين البلوغ، و ذلك لنفيه عليه السّلام الزكاة بعد البلوغ، قبل إدراك تمام السنة المستقبلة، كما هو ظاهر.

غير أنّ الّذي يمنعنا

عن الاستدلال بها للمذهب المشهور إنّما هو الاحتمال الرابع، فإنّها- على هذا الاحتمال- تكون أجنبيّة عن المقام، فإنّه إذا كان المراد بالموصول الغلّات، كان مفادها حينئذ إنّما هو نفي الزكاة عن الماضية منها، اي الّتي صرفها المالك ببيع، أو أكل، و نحو ذلك. و نفيها أيضا عن المستقبلة قبل إدراكها، أي قبل أن تصل الغلّة إلى حدّ الكمال الّذي هو زمان الثبوت، فيكون المراد بالإدراك حينئذ هو بلوغ الغلّة الحدّ الّذي يثبت به الزكاة، فيكون أجنبيّا عن إدراك الحول المعتبر في خصوص النقدين، كما لا يخفى.

ثم إنّ الاحتمال الثالث لقربه- كما أشرنا إليه آنفا- كان له التقدّم على الاحتمال الأخير، لو لا أنّ الرواية رويت في «الكافي» بصورة أخرى، و بينهما شي ء من التفاوت، فقد رواها الكلينى قدّس سرّه في «الكافى» باسناده إلى عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس على مال اليتيم زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

لا عليه فيما بقي حتى يدرك، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة، ثم كان عليه مثل ما على غيره من النّاس «1»». و الرواية على هذا- أي يكون «فيما بقي» بدل «لما يستقبل»- لا تحتمل غير الاحتمال الأخير، و حينئذ يأتى الإجمال في المتن الصادر منه عليه السّلام، و بذلك تسقط الرواية عن الاعتبار، إن لم نقل- كما قيل- بأنّ «الكافي» اضبط من «التهذيب» و عند التعارض يقدّم عليه.

تنبيه:

لا يخفى إنّ كلمة «يدرك» في الرواية، دائر أمرها بين كونها بمعنى إدراك تمام السنة و الحول،

و بين أن تكون بمعنى إدراك الغلّة الكمال و الحدّ الّذي به تثبت الزكاة فيها، كما تقدم آنفا. و أمّا ما يقال «2»: من احتمالها لمعينين آخرين: أحدهما أن يكون بمعنى البلوغ. و الآخر كونه بمعنى الرشد، ففاسد جدّا. أمّا:

الأوّل، فلأجل أنّ المفروض في الرواية ابتداء هو البلوغ، و نفي الزكاة فيما يستقبل حتى يدرك متفرع عليه، حيث قال عليه السّلام: «و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل، حتى يدرك ...» و حينئذ فكيف يصحّ جعل الكلمة بمعنى البلوغ، كما هو ظاهر.

و أمّا الثاني، فللاتّفاق على ثبوت الزكاة في مال السفيه، و عدم اعتبار الرشد في ذلك، فلاحظ و تأمّل.

______________________________

(1)- الكلينيّ: الفروع من الكافى/ باب زكاة مال اليتيم، ج 3: ص 541/ ح 4، ط دار الكبت الإسلامية، طهران؛ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: من أبواب من تجب عليه الزكاة، ح 3.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 3، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

الثاني:

ممّا استدل به للمشهور «1»، ما دلّ على اعتبار حلول الحول على المال في يد المالك «2» بتقريب: أنّ حلول الحول على المال مطلقا لا يوجب ثبوت الزكاة، بل على المال الّذي يكون تحت يد مالكه، و بما أنّ الصغير لا يد له، فحول الحول على ماله بعد بلوغه يكون موجبا لثبوت الزكاة.

و يتوجّه عليه: أنّ التصديق بكون موضوع الروايات المذكورة، و هو:

«كون المال تحت يد المالك» بمعنى لا ينطبق على ما تحت يد الصبيّ، بحيث يكون ذلك خارجا عن موضوع الزكاة، لعدم صدق «كون المال تحت يده» بذلك

المعنى، غير واضح عندنا بالفعل، نظرا إلى أنّ المحتمل في الروايات المذكورة لا ينحصر في واحد، لاحتمال أنّ يراد بذلك ما يقابل المال الغائب، و المفقود، و المغصوب و الاستدلال بها للمذهب المشهور لا يتمّ على هذا التقدير. و حينئذ فالأولى ارجاء البحث عنها إلى ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى من المصنف قدّس سرّه، من اشتراط التمكّن من التصرّف في الزكاة.

و منه يظهر ما في الاستدلال لذلك «3» أيضا، بما دلّ على اعتبار الحول في بعض الأجناس، بدعوى أنّها ظاهرة في اعتبار الحول، بعد اجتماع جميع الشرائط، بما فيها البلوغ، فكأنّ المأخوذ في موضوع دليل اعتبار الحول: إنّما هو المال المجتمع فيه جميع شرائط الزكاة، ما عدا الحول. إذ على هذا يكون مبدأ الحول بعد البلوغ

______________________________

(1)- الشيخ الانصاري: رسالة الزكاة، ص 410، ط إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1، 2، 3، 6، 7 [و] باب 6، ح 1 [و] باب 8: زكاة الأنعام، ح 1.

(3)- المحقق النراقي: مستند الشيعة، ج 2: ص 5، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 131

..........

______________________________

لا محالة، فإنّ اشتراط ثبوت الزكاة به ممّا لا ينبغي الإشكال فيه. و الوجه فيه: أنّ الحال فى هذا هو الحال فيما ما تقدّم من الاستدلال السابق بعينه، من جهة أنّ البتّ في أمره صحّة و فسادا موقوف على النّظر في أدلّة اعتبار الحول، و هل إنّها تكون ظاهرة في ذلك- كما أدّعي- أو لا؟ و سيأتي الكلام في ذلك- إن شاء اللّه تعالى- عند التعرض لاعتبار الحول.

و حاصل القول في هذا

الاستدلال و ما تقدّمه: أنّ تماميّتهما و إثباتهما للمذهب المشهور غير معلومة عندنا فعلا، و إنّما يتوقفان على البحث عن أدلّة اعتبار كون المال تحت يد المالك، و أدلّة اعتبار الحول. و سوف يأتي الكلام فيهما مفصّلا إن شاء اللّه تعالى. و لعلّه يظهر لنا بعد ذلك تماميّة كلا الاستدلالين أو أحدهما للمذهب المشهور!

الثّالث:

ممّا استدل به لذلك أيضا «1»: الروايات النافية للزكاة عن مال اليتيم «2»، بتقريب: أنّ في المقام طوائف ثلاث من الأدلّة:

إحداها: ما دلّت على أصل ثبوت الزكاة في الأموال.

و الأخرى: ما تدلّ على اعتبار الحول في بعض أقسام الأموال.

و ثالثتها: ما دلّت على نفي الزكاة عن مال اليتيم. أمّا الطائفة الأولى، فهي إنّما تدلّ على الحكم الاقتضائي الشأني، بمعنى: أنّها مسوقة لبيان أنّ في الأموال

______________________________

(1)- الشيخ الأنصاري: رسالة الزكاة، ص 410، ط الحجرية- إيران؛ الفقيه الهمداني: مصباح الفقيه، ج 3: ص 3، الطبعة الحجرية- إيران.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 132

..........

______________________________

اقتضاء ثبوت الزكاة. و الطائفة الثالثة تكون مقيّدة لمفاد الطائفة الأولى، فيكون المستفاد من الجمع بين الطائفتين: أنّ الحكم الاقتضائي غير متحقّق في مطلق الأموال، بل في خصوص مال البالغ، فالّذي فيه اقتضاء ذلك إنّما هو خصوص مال البالغ. و حينئذ فتكون الطائفة الثانية مسوقة لبيان فعلية الحكم الاقتضائي، المذكور بتحقق الحول، و نتيجة ذلك: اعتبار مبدأ حول التملّك من حين البلوغ، فإنّ ما دلّ على اعتبار الحول إنّما يدلّ على فعليّة الحكم الاقتضائي بتحقق الحول، و قد فرضنا أنّ ذلك ليس بثابت إلّا في خصوص مال البالغ، كما

هو ظاهر.

و إن شئت قلت: إنّ الطائفة الأولى متكلفة ببيان الحكم الوضعيّ، و الطائفة الثانية دالّة على فعليّة ذلك الحكم بتحقق الحول. و أمّا الثالثة فتكون ناظرة إلى الطائفة الأولى، و أنّ الحكم الوضعيّ ثابت في خصوص مال البالغ. و لعلّ كلام الفقيه المحقق الهمداني قدّس سرّه في «مصباح الفقيه «1»» ناظر إلى التقريب الأوّل. و كيف كان، فالاستدلال بالروايات المذكورة للمذهب المشهور مبنيّ على كونها مقيّدة لما دلّ على ثبوت الزكاة، قبل تقيّدها بما دلّ على اعتبار الحول، كما نبّه على ذلك شيخنا العلّامة الأنصارى قدّس سرّه في «رسالة الزّكاة»، حيث قال: «ثم إنّ ظاهر أخبار المسألة، مثل قوله عليه السّلام: «ليس على مال اليتيم زكاة» هو عدم تعلّق الزكاة بهذا العنوان، فلا يجري في الحول ما دام كونه مال اليتيم، نظير قوله عليه السّلام: «ليس على المال الغائب صدقة ... «2»».

أقول: المحتمل بدوا في المقام- بحسب مقام الثبوت- أمور ثلاث: الأوّل أن يكون مبدأ الحول من حين البلوغ، فيعتبر في ثبوت الزكاة مضيّ حول التملّك

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 3، ط إيران الحجريّة.

(2)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ص 410، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 133

..........

______________________________

على مال البالغ، و هذا هو المذهب المشهور. الثاني اعتبار تقدّم البلوغ على حلول الحول، بمعنى أنّه يحول الحول عليه في حال بلوغه، و إن لم يكن تمام الحول واقعا بعد البلوغ. و هو ما ذهب إليه الفاضل السبزواري قدّس سرّه في «الذخيرة «1»». الثالث أن يكون المعتبر في ثبوتها الحول و البلوغ معا، بمعنى أنّها لا تثبت إلّا عند هذين الشرطين مثلا،

سواء كان البلوغ مقدّما على حلول الحول، أم كان حلول الحول مقدّما عليه، فضلا عن اعتبار وقوع الحول بتمامه بعد البلوغ. و هذا ممّا لم يحتمله أحد من الأعلام في المقام. هذا كلّه بحسب مقام الثبوت.

و أمّا بحسب مقام الإثبات، فالّذي تساعده الأدلّة- بالنظر البدوي- هو الوجه الأخير، فإن الأدلّة في المقام- كما عرفت- على طوائف ثلاث: إحداها ما تدلّ على ثبوت الزكاة بنحو الإطلاق، و الطائفتان الأخيرتان إحداهما تدلّ على تقييد ذلك بالبلوغ، كما تدلّ الأخرى منهما على التقييد بحلول الحول، و كلا التقييدين بالإضافة إلى الدليل المطلق في عرض واحد، فلا وجه لأن يلاحظ تقييده بأحدهما في مرحلة سابقة على التقييد بالآخر. و عليه، فلا يستفاد إلّا اعتبار تحقق الشرطين، و هما: البلوغ و الحول، في ثبوتها، من دون ثبوت اعتبار تقدّم أحدهما على الآخر، كما هو ظاهر. إلّا أنّ هذا ممّا لا يمكن الأخذ به، نظرا إلى أنّ المتسالم عليه هو خلافه، حتّى إنّه لم يحتمله أحد، كما أشرنا إليه. فيبقى الاحتمالان الآخران. أمّا الاحتمال الأوّل، و هو المذهب المشهور، فاستفادته من الأدلّة في غاية الإشكال، إذ قد عرفت آنفا: ابتناء الاستدلال للمذهب المشهور على افتراض ما دلّ على أصل ثبوت الزكاة متكفّلا ببيان الحكم الاقتضائي، أو

______________________________

(1)- السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة المعاد، ص 421، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

الحكم الوضعيّ، و جعل ما دلّ على اعتبار البلوغ ناظرا إليه. و أمّا ما دلّ على اعتبار الحول فهو متكفّل ببيان فعليّة هذا الحكم الاقتضائي أو الوضعيّ، و هذا كله فرض في فرض. فإنّ أصل ثبوت الحكم الاقتضائيّ فرض محض، ثم فرض أحد الدليلين ناظرا

إلى الحكم الاقتضائي، و الآخر إلى الحكم الفعليّ فرض آخر، حيث أنّه لا دليل لنا على الفرض الأوّل، كما لا دليل على جعل أحدهما ناظرا إلى الحكم الوضعيّ و الآخر إلى الحكم الفعليّ، كما أنّه لا وجه لجعل الطائفة الأولى ناظرة إلى الحكم الوضعيّ دون ما عداها، بعد كون الأدلّة على نسق واحد، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل. و هناك تقريب ثالث يستدلّ به «1» للمذهب المشهور، و هو تقييد المال، المفروض كونه موضوعا في الطائفة الأولى لوجوب الزكاة، بجميع الشرائط بما في ذلك البلوغ، و لكن ما عدا حولان الحول، و حينئذ فيكون مقتضى ما دلّ على اعتبار الحول دالّا على فعليّة وجوب الزكاة فى المال الواجد لجميع الشرائط بحولان الحول. و المناقشة فيه ظاهرة، إذ لا دليل على تأخّر دليل اعتبار الحول عن سائر أدلّة الشرائط، كما لا يخفى.

و أمّا الاحتمال الثاني، فالّذي يمكن أن يقال في تقريبه هو أنّ ما دلّ على اعتبار الحول في ثبوت الزكاة، مشتمل على خصوصيّة تقتضي اعتبار حلول الحول بعد البلوغ، بأن يكون البلوغ مقدّما على حلول الحول. بيان ذلك: إنّ ما دلّ على اعتبار البلوغ في الزكاة على قسمين: قسم لم يتكفّل إلّا ببيان الحكم السلبيّ، و هو نفي الزكاة عن مال اليتيم، و هو الكثير، كقوله عليه السّلام: «ليس في مال اليتيم

______________________________

(1)- النراقي، ملّا أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 5، ط إيران الحجريّة. و قد مرّت الإشارة إلى كلامه قدّس سرّه في صفحة 130.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 135

..........

______________________________

زكاة»، و ما أشبه ذلك، ممّا يلاحظها المراجع «1». و قسم آخر منه و إن تكفّل ببيان الحكم من

الناحية الإيجابيّة، كموثق يونس بن يعقوب، قال: «أرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ لي إخوة صغارا، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال: إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة ... «2»»، إلّا أنّه لا يدلّ إلّا على أصل ثبوت الزكاة عند ثبوت البلوغ و تحقّقه. و هذا بخلاف ما دلّ على اعتبار الحول، فإنّ بعضها- مضافا إلى دلالته على اعتبار الحول في ثبوت الزكاة- متكفّل ببيان أنّ الزكاة ممّا يتبع تحقق الحول، بمعنى أنّ الحكم المذكور يتبع الحول، فمتى ما تحقّق هذا تحقّق ذاك أيضا. و بتعبير آخر، إنّه كما يدلّ على الاشتراط بالحول كذلك يدلّ على كونه الشرط الأخير. و ذلك، كصحيح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء- إلى أن قال:- و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه «3»» فإنّ مقتضى قوله عليه السّلام: «فإذا حال عليه الحول وجب عليه» هو أنّ الوجوب بعد الحول، فإذا كان البلوغ في مرحلة متقدمة على الحول، ثم تحقّق الحول، تحقّق الوجوب لا محالة، و أمّا إذا لم يكن كذلك، فلا دليل حينئذ على ثبوت الزكاة. و النتيجة هي موافقة المحقّق السبزواري قدّس سرّه، و لا يضرّنا مخالفة المشهور، بعد مساعدة الأدلّة.

______________________________

(1)- كما في «وسائل الشيعة» (باب 1: من تجب عليه الزكاة).

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 5.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة،

ج 1، ص: 136

[الثاني العقل]

(الثاني) العقل (6) فلا زكاة في مال المجنون، في تمام الحول أو بعضه و لو أدوارا.

______________________________

(6) الكلام فيه- أيضا- يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في بيان مقتضى الأصل في المسألة

و قد أفاد الفقيه المحقق الهمداني قدّس سرّه «1»: أنّ مقتضى الأصل العملي في المسألة إنّما هو البراءة، في كل مورد شككنا فيه في ثبوت الزكاة، بتقريب: أنّ نصوص الباب منقسمة إلى ما تكون مبيّنة للحكم التكليفيّ بالمطابقة و للحكم الوضعيّ بالالتزام، و إلى ما تكون مبيّنة للحكم الوضعيّ بالمطابقة. أمّا القسم الأوّل، فهو مختصّ بالعاقلين، بمقتضى حديث «رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق» فلا يبقى له إطلاق بالإضافة إلى المجنون. و أمّا الثاني كقوله عليه السّلام: «فيما سقت السّماء ...

فالعشر» و نحو ذلك، فهو مسوق لبيان أمر آخر، و ليس مسوقا لبيان أصل ثبوت الزّكاة، فلا إطلاق له أصلا، نظرا إلى عدم تماميّة مقدّمات الحكمة، الّتي من جملتها:

كون المتكلم في مقام البيان، و على هذا، فالمرجع عند الشك يكون هو البراءة، كما لا يخفى.

و يتوجّه عليه: ما أشرنا إليه آنفا، في اعتبار البلوغ، من أنّ مقتضى الأصل في المسألة، و هو إطلاق قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 6، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

بِهٰا ... «1»، إنّما هو ثبوت الزكاة في الموارد المشكوك فيها، فإنّ الآية الكريمة ناظرة إلى بيان أصل ثبوت الزكاة في الشريعة المقدّسة، مع الغضّ عن كون الثابت- ابتداء- هو التكليف، أو أنّ الثابت هو الحكم الوضعيّ، كما لا يخفى.

المقام الثاني: في ما هو مقتضى الدليل الاجتهادي

المنسوب إلى الأكثر،

بل المشهور «2» هو: أنّ حكم المجنون حكم الطفل، في عدم ثبوت الزكاة عليه. و يدلّ على ذلك صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة من أهلنا مختلطة، أ عليها زكاة؟ فقال: «إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا»، و موثق موسى بن بكير، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة مصابة، و لها مال في يد أخيها، هل عليه زكاة؟ قال:

«إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة «3»».

ثمّ إنّ الكلام في هذه المسألة هو الكلام بعينه في المسألة السابقة، من اعتبار الحول- فيما يعتبر فيه ذلك- بعد العقل، أو عدم اعتباره كذلك و كفاية تحقّق العقل قبل حلول الحول، أو مجرّد تحقّق الأمرين، و غير ذلك. و قد عرفت: أنّ المختار هو ما ذهب إليه الفاضل السبزواري قدّس سرّه، من اعتبار حلول الحول متأخّرا عن تحقّق العقل، من دون اعتبار لوقوع تمام الحول بعد العقل. و أمّا فيما لا يكون الحول فيه

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 9؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 28، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 6، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1، 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 138

بل قيل: إنّ عروض الجنون آنا ما يقطع الحول، لكنّه مشكل، بل لا بدّ من صدق اسم المجنون و أنّه لم يكن في تمام الحول عاقلا، و

الجنون آنا مّا، بل ساعة و أزيد لا يضرّ، لصدق كونه عاقلا (7)،

______________________________

معتبرا، فاللازم إنّما هو تحقّق العقل- كغيره من الشرائط- في زمان تعلّق الوجوب، و هو زمان انعقاد الحبّ، و نحو ذلك، كما سيأتي التفصيل إن شاء الله.

نعم، قلنا هناك: إنّ الجزم بهذا المذهب موقوف على تنقيح البحث عن اعتبار شرطين آخرين في الزكاة، و هما: التمكّن من التصرّف، و حلول الحول في بعض الأقسام، و يأتي ذلك إن شاء الله تعالى.

(7) هذا مبنيّ على الالتزام بالمذهب المشهور، من جعل ابتداء الحول بعد العقل، بحيث يكون الحول بتمامه على مال العاقل، و حينئذ، فما اختاره المصنّف قدّس سرّه، من عدم كون الجنون بمقدار يسير- كالآن، و الساعة، و نحوهما- مضرّا، مبنيّ على أنّ موضوع الحكم إنّما هو مال العاقل الّذي مضى عليه الحول، فالجنون بالمقدار اليسير المتخلّل ممّا لا يضرّ بصدق الموضوع المذكور عرفا.

و يمكن ابتناء ذلك أيضا على ما أفاده في «المستند «1»»، من أنّ عدم ثبوت الزكاة في مال المجنون- و لو كان كذلك في بعض الحول- إنّما هو بملاك الحجر من التصرّف، مع أنّ المعتبر في باب الزكاة هو التمكّن منه، و لا شك في أنّ ما دلّ على

______________________________

(1)- المحقق النراقي: مستند الشيعة، ج 2: ص 5، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 139

[الثالث الحرّية]

(الثالث) الحرّية (8) فلا زكاة على العبد، و إن قلنا بملكه،

______________________________

محجوريّة المجنون عن التصرّف، منصرف عرفا عن المجنون بمقدار ساعة و نحو ذلك، إذ يصدق عليه: أنّه متمكّن من التصرف في تمام الحول، فتثبت الزكاة في ماله مع اجتماع سائر الشرائط، كما هو ظاهر.

(8) أمّا على القول: بأنّ العبد يملك،

فعدم ثبوت الزكاة مطلقا، لا عليه و لا على مولاه، في غاية الظهور. أمّا على مولاه، فلعدم كونه مالكا للمال، و يشترط في الزكاة الملكيّة، و أمّا على العبد، فللروايات الخاصّة الدالّة على ذلك، كمعتبرة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا «1»»، و صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أيضا، قال: «سأله رجل- و أنا حاضر- عن مال المملوك، أ عليه زكاة؟ فقال: لا، و لو كان له ألف ألف درهم، و لو احتاج لم يكن له من الزكاة بشي ء «2»»، و موثق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم، أو أقل، أو أكثر- إلى أن قال:- قلت: «فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال عليه الحول؟ قال: لا، إلّا أن يعمل له فيها، و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا «3»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 140

..........

______________________________

هذا على القول بقابليّته للتملّك. و أمّا على القول بعدمها- كما هو المنسوب إلى المشهور «1»- فالزكاة غير واجبة على العبد قطعا، لاشتراطها بالملكيّة المفقودة في حقّه- على الفرض- و أمّا على مولاه، فهو محل الخلاف فيما بينهم، فقد ذهب جماعة «2» إلى عدم وجوبها عليه أيضا، مستدلّين لذلك بما يلي:

الأوّل: النصوص المتقدّمة، فإنّها ظاهرة في عدم ثبوت الزكاة في مال المملوك، فكأنّ

المال- في نفسه- غير قابل لأن يتعلّق به الزكاة، و عليه فالقول بوجوب الزكاة على المولى يكون منافيا لظاهرها، كما لا يخفى. نعم، لو كان مفاد النصوص هو عدم وجوب الزكاة على العبد، لكان للقول بثبوتها في حق المولى مجال واسع، كما هو ظاهر. ثم إنّ المفروض في مورد النصوص المتقدمة إنّما هو المال المضاف إلى العبد، و مع فرض القول بعدم ملكيّة العبد يمتنع الاستدلال بها فى المقام، غير أنّا يمكننا توجيه ذلك بالقول: بأنّ مصحّح الإضافة- على هذا المبنى- إنّما هو كون منشأ مالكيّة المولى للمال المذكور من ناحية العبد، كما إذا وصل إليه من طريق الإرث، أو الهبة أو نحو ذلك، فإنّه حينئذ يصحّ إضافته إليه عرفا.

الثاني: صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له:

مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال: «لا، قلت: فعلى سيّده؟ فقال: لا، لأنّه لم يصل إلى السيّد، و ليس هو للمملوك «3»»، فإنّها صريحة في عدم وجوب الزكاة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 31، ط النجف الأشرف؛ الشيخ الانصاري: رسالة الزكاة، ص 414، ط إيران الحجريّة؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 7، ط إيران الحجريّة.

(2)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 12؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 32، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

على المولى، مع فرض عدم كون العبد قابلا للتملّك.

الثالث: إنّ

مقتضى القاعدة بعد اعتبار أن يكون المال تحت يده في باب الزكاة- كما سيجي ء ذلك إن شاء الله تعالى- إنّما هو عدم ثبوت الزكاة على المولى حينئذ، أمّا الكبرى، و هو اعتبار كون المال تحت اليد في باب الزكاة، فلما سيأتي إن شاء الله تعالى، و أمّا الصغرى، فللصحيحة المتقدّمة، الدالّة على أنّ المال- في مثل هذا الفرض- ممّا لم يصل إلى المولى، كما هو ظاهر.

و المشهور «1» ذهبوا إلى وجوب الزكاة على المولى حينئذ. و عمدة ما استدلّوا به لذلك هو: أنّ الثابت بالإجماع القطعيّ إنّما هو وجوب الزّكاة على البالغ، العاقل، الحرّ، المالك للنصّاب ...، و المفروض هو اجتماع هذه الشرائط كلّها في المولى، فيجب عليه الزّكاة لا محالة، و مع هذا الإجماع القطعيّ لا بدّ من التصرّف في الوجوه المتقدّمة. أمّا النصوص الدالّة على نفي الزّكاة عن مال المملوك، فبحملها على عدم وجوب الزّكاة على خصوص العبد، و لا ينافي ذلك وجوبها على المولى، فإنّ دلالتها على نفي الزّكاة عن السيّد إنّما هو بالإطلاق، و الإجماع القطعيّ يمكن جعله مقيّدا لذلك، كما لا يخفى.

و أمّا الصحيحة، فبحملها على خصوص ما إذا كان عدم الوصول إليه تكوينا، كما إذا كان المال بعيدا عن المالك، و لا موجب لحملها على تقرير ما هو الثابت عند العرف، من تقبيح المولى التصرّف في الأموال الّتي يكون منشأ الملكيّة فيها حاصلا من العبد، مع فرض أنّ المال ملك للمولى، كما في المال المبذول للضيافة، فإنّ المضيّف ممنوع عرفا من التصرف فيه كيف شاء، كمنع

______________________________

(1)- النجفي: الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 32، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب

الزكاة: ص 7، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 142

..........

______________________________

الضيف نفسه مثلا، لمنافاته للمروّة، و هذا لا ينافي كون التصرّف فيه مباحا له شرعا، من جهة كونه مالكا.

و على الجملة: لا ينبغي الإشكال في إمكان كون المولى ممنوعا من التصرّف في بعض أمواله بحسب الموازين الأخلاقيّة الموجودة لدى العرف، و أنّ هذا لا ينافي كونه مالكا للمال المذكور أصلا، و حينئذ فإن حملنا عدم الوصول في الصحيحة على هذا المعنى، كان المستفاد منها: هو عدم ثبوت الزكاة على السيّد في فرض القول بعدم ملكيّة العبد، و أمّا إذا حملناه على كون ماله بعيدا عنه، بحيث لا يكون في متناول يده، فهي لا تدل على عدم ثبوتها فيما إذا كان المال قريبا منه، كما هو ظاهر.

و من هنا يظهر وجه التأويل في الوجه الثالث، فإنّ الوجه الاعتباريّ لا قيمة له في قبال الإجماع القطعيّ، فلا بد من تأويله بما تقدّم. و لأجل ذلك استوجه صاحب «الجواهر» قدّس سرّه المذهب المشهور «1».

أقول: يمكن منع الإجماع المذكور صغرويا، فإنّ ثبوته على نحو يشمل المقام، بحيث يكون لمعقده إطلاق بالإضافة إليه، في محلّ المنع، و على فرض التسليم به، فالكبرى ممنوعة، فإنّه غير واجد لملاك الحجيّة، و هو الكشف عن قول المعصوم عليه السّلام، فإنّ بعض القائلين بالمذهب المشهور استدلّوا لما ذهبوا إليه ببعض الوجوه الاعتباريّة، كما في «مصباح الفقيه «2»» للمحقق الهمداني قدّس سرّه و غيره «3».

و الاحتمال استناد الكلّ- أو الجلّ- إلى ذلك، أو ما يشبهه، مجال واسع، و معه لا يحتمل أن يكون الإجماع المذكور إجماعا تعبديّا، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 33،

ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 7، ط إيران الحجريّة.

(3)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ص 415، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 143

من غير فرق بين القنّ، و المدبّر، و أمّ الولد، و المكاتب المشروط، و المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة (9) و أمّا المبعّض، فيجب عليه، إذا بلغ ما يتوزّع على بعضه الحرّ النصاب (10).

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 1، ص: 143

______________________________

و الحاصل: أنّ الالتزام بالمذهب المشهور موقوف على تماميّة الإجماع المذكور صغرى و كبرى، و تماميّة كلتيهما في محلّ المنع، كما عرفت.

ثم إنّه من جميع ما ذكرناه يظهر: أنّ الفرد الخفيّ لمورد عدم وجوب الزكاة على العبد، إنّما هو فرض عدم مالكيّة العبد، و أمّا مع فرض قابليّته لذلك فالقول بنفي الزكاة عن ماله في غاية الظهور خلافا للمصنّف قدّس سرّه حيث عكس، فقال:

«فلا زكاة على العبد، و إن قلنا بملكه ...» فإنّ ظاهره أنّ نفي الزكاة في فرض الملكيّة أخفى. و السّر فيه: أنّ الاستدلال بالنصوص الخاصّة النافية للزّكاة عن مال العبد واضحة الدلالة، على تقدير كون العبد مالكا، و أمّا على تقدير العدم، فيتوقّف الاستدلال بها لنفي الزكاة عن مال، على عناية زائدة، من جهة أنّ المأخوذ في موضوعها إنّما هو المال المضاف إلى العبد، و لا بدّ من فرض المصحّح لهذه الإضافة على هذا المبنى، كما أشرنا إليه آنفا. فلاحظ.

(9) لإطلاق الأدلّة، فإنّ المأخوذ في

الأدلّة النّافية للزكاة إنّما هو عنوان:

«المملوك» و «العبد» و هو صادق على جميع ذلك كلّه، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

(10) بلا خلاف أجده «1» أو ظاهر «2». و قد يستشكل ذلك كما فى «الجواهر «3»»، بدعوى: انصراف ما دلّ على وجوب الزكاة على الحرّ عند بلوغ ماله النصاب عن المقام، فيما اذا كان البعض الحرّ منه يسيرا بالإضافة الى الأجزاء المملوكة. و يمكن المناقشة فيه: بأنّ ذلك ممّا لا يوجب الانصراف، كما حقّق في محلّة من بحث الأصول.

و صاحب «الحدائق» قدّس سرّه استشكل نفي الزكاة عما يقع من المال بإزاء الجزء المملوك منه، لو لا الاتّفاق على ذلك، فقال- ما لفظه-: «و لو لا الاتّفاق على الحكم المذكور، لأمكن المناقشة في دخوله تحت العمومات المذكورة- يعني:

العمومات الدالّة على سقوط الزكاة عن المملوك مطلقا- فإنّ تلك العمومات إنّما تنصرف- بإطلاقها- إلى الأفراد الشائعة المتكثّرة، و هو من كان رقّا بتمامه، لا من تبعّض، بأن صار بعضه رقّا و بعضه حرّا، فإنّه من الفروض النادرة «4»».

و فيه- مضافا إلى ما عرفت في سابقه- من فساد دعوى الانصراف في المقام، من جهة أنّ ندرة الفرد لا توجب الانصراف أنّ النصوص المتقدّمة ظاهرة في أنّ عنوان «المملوكيّة»- مثلا- من قبيل العلّة لنفي الزكاة، فيكون الحكم المذكور فيها، المترتب على العنوان المذكور، دائرا مدار العنوان المذكور وجودا و عدما. و من الواضح أنّ دعوى الانصراف- بعد فرض التسليم بالكبرى- غير متمشية في أمثال هذه النصوص، كما لا يخفى. و عليه، فما أفاده المصنف قدّس سرّه هو

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 34، ط النجف الأشرف.

(2)- الأنصاري، الشيخ

مرتضى: رسالة الزكاة، ص 415، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 34، ط النجف الأشرف؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 13.

(4)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 29، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 145

..........

______________________________

الصحيح ظاهرا. فلاحظ.

تذييل:

من الغريب أنّي لم أجد «1»- فيما وسعني من الكتب الفقهيّة- من تعرّض للبحث عن اعتبار الحرّية في تمام الحول و عدمه، جريا على عادتهم في البلوغ، و العقل و غير ذلك. نعم، اختصّ بالتعرض له- فيما رأيت- صاحب «المستند» قدّس سرّه «2» فقال ما حاصله: إنّه، بناء على الالتزام بعدم قابليّة العبد للتملّك فالمعتبر إنّما هو مضيّ الحول على المال من حين الحرّية، و ذلك لأنّ اعتبار البلوغ و العقل في الزكاة إنما هو بمناط أنّ غير البالغ و المجنون ممنوعان من التصرّف، و العبد يشترك معهما في ذلك على هذا الفرض، فلا بدّ فيه أيضا من جعل مبدأ الحول من حين ارتفاع المنع عنه. و أمّا بناء على القول بملكيّته، فإن فرضناه غير مأذون من قبل مولاه في التصرّفات، إذ لا إشكال في إناطتها بإذنه حتى مع كونه مالكا، فالأمر حينئذ كما في سابقه، فإنّه كالطفل و المجنون ممنوع من التصرّف، و ينبغي جعل مبدأ الحول من حين ارتفاع المنع، و اذا فرضناه مأذونا في ذلك فاعتبار الحرية المنع حينئذ يكون ثابتا بالأدلّة الخاصّة، لا بملاك المنع من التصرّف، و إذا كان اللازم فرض مبدأ الحول من حين ارتفاع المنع، فيما يكون اعتباره في الزكاة، من جهة أنّه مع عدمه يكون ممنوعا من التصرف، لم يوجب

______________________________

(1)-

أقول: تعرض له- اجمالا- صاحب «الجواهر» قدّس سرّه بقوله: «ثم إنّ الكلام في اشتراط استمرار الحرّية من مبدأ الحول إلى حين التعلّق فيما يعتبر فيه الحول، و حصولها قبل التعلّق مستمرّا إلى حينه في غيره، هو الكلام في البلوغ و العقل» (النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 35، ط النجف الأشرف).

(2)- النراقي، مولى أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 7، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 146

[الرّابع أن يكون مالكا]

(الرّابع) أن يكون مالكا (11) فلا تجب قبل تحقّق الملكيّة.

______________________________

ذلك اعتباره في الحرية أيضا المفروض اعتبارها بغير هذا الملاك، و حينئذ فيكفي في ثبوت الزكاة مجرّد ارتفاع الرقيّة قبل تمام الحول، إن لم يكن إجماع على خلافه.

هذا، و لا يخفى أنّ هذا الكلام إنّما يتمّ على المذهب المشهور، و أمّا على المختار، فالحال في جميع الفروض المتقدّمة على نهج واحد، كما لا يخفى. فلاحظ. ثمّ إنّ المستفاد من الروايات هو انّ الرقيّة مانعة من وجوب الزكاة، لا أنّ الحرية شرط.

اذن، فالتعبير بأنّ عدم الرقيّة شرط، اوان الرقيّة مانعة أولى من التعبير بشرطيّة الحريّة، كما في «العروة».

(11) اشتراط الزكاة بالملك ممّا لا ينبغي الإشكال فيه «1»، بل قيل إنّه من الواضحات الّتي لا مجال للارتياب فيه «2»، كما هو ظاهر قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ... «3». إنّما الإشكال فيما ذكره في «الشرائع «4»» و غيره «5» زائدا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 13؛ النراقي، مولى أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 7، ط إيران الحجريّة.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 8، ط إيران الحجريّة.

(3)- التوبة، 9: 103.

(4)-

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 141.

(5)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 201، ط إيران الحجريّة؛ تحرير الأحكام، ج 1: ص 58، ط إيران الحجريّة؛ نهاية الأحكام/ تحقيق: السيد مهدي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 147

..........

______________________________

على ذلك من اعتبار كونه تامّا، فقد وقع الكلام في المراد من تماميّة الملك، فإنّه لا يخلو الحال فيه أن يكون أحد ما يأتي، و كلّ ذلك لا يخلو عن الإشكال:

الأوّل: أن يراد بالتام ما هو في قبال المتزلزل، بأن يعتبر في الزكاة الملكيّة اللّازمة، غير المتزلزلة بالخيار و نحو ذلك. و لكن هذا ينافي ما فرّع عليه في العبارة، من ثبوت الزّكاة في المبيع بالخيار، فيما إذا مضى عليه الحول الكامل من حين العقد، و لم يأخذ ذو الخيار به في أثناء الحول، فإنّ مقتضى اعتبار التماميّة- بالمعنى المذكور- نفي الزكاة في هذا الفرض، كما لا يخفى.

الثاني: أن يراد به التمكّن من التصرّف، في مقابل الملك الناقص الممنوع مالكه عن التصرف فيه، عقلا، أو شرعا. و هذا مناف لذكر اعتبار التمكّن من التصرّف بعد ذلك مستقلا.

الثالث: أن يراد به تماميّة مقتضى الملك، بأن يكون مقتضى الملك تامّا، غير موقوف على شي ء آخر. و لكن هذا ليس بشرط آخر وراء اعتبار الملكيّة، فلا وجه لعدّه في جملة الشرائط مستقلا، كما لا يخفى.

و كيف كان، فالمراد من هذا الكلام غير واضح. و يمكن توجيه ذلك بما عن صاحب «الجواهر «1»» قدّس سرّه من أنّ المراد به ما هو في مقابل الملك الناقص، و هو ما يكون المنع عن التصرّف فيه لقصور فى

الملكيّة، لا لأمر خارجيّ. فيحترز به عن الغنيمة، و المنذور التصدّق به، فإنّ المانع من ثبوت الزكاة فيهما إنّما هو النقص في الملك، دون المنع من التصرّف لأمر خارجيّ. و أمّا اعتبار التمكّن من

______________________________

الرجائي، ج 2: ص 302؛ إرشاد الأذهان/ تحقيق: الشيخ فارس الحسّون، ج 1: ص 278؛ الشهيد الأوّل، محمد بن مكّي: البيان/ تحقيق: الشيخ محمد الحسّون، ص 278؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 13.

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 36، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 148

كالموهوب قبل القبض، و الموصى به قبل القبول، أو قبل القبض، و كذا في القرض لا تجب إلّا بعد القبض (12).

______________________________

التصرّف، فللاحتراز به عن المغصوب، و المسروق، و نحوهما، ممّا يكون المنع فيه لا لأجل نقص الملك بل لأمر خارجيّ. و الأمر سهل، بعد العلم بعدم ورود لفظ «التمام» او «التمكّن» في شي ء من النصوص، كما لا يخفى.

(12) لا إشكال في اشتراط حصول الملكيّة- في الهبة، و القرض- بالقبض، و عليه فيعتبر فيهما مضيّ حول كامل- فيما يعتبر الحول فيه- بعد القبض، بناء على المشهور، و أمّا الموصى به، فيعتبر في تحقق الملكيّة للموصى له القبول، و أمّا القبض، فهو غير معتبر في ذلك، بل المعتبر في حصولها- مضافا إلى القبول- إنّما هو وفاة الموصي، و عليه، فما في العبارة لعلّه من سهو النسّاخ، أو من سهو القلم، كما نبّه عليه جملة من المحشّين الأعلام، و قد يقال «1»: إنّ الصحيح هو «الوفاة» بدل «القبض». و ربّما وجهه بعض محشي «2» الكتاب، بحمله على ما إذا كان القبض في مقام

القبول، بأن يكون قبولا فعليّا، فيكون المراد بالقبول المذكور في المتن هو القبول القوليّ. و اللّه العالم.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 12، ط الثالثة.

(2)- السيّد الشاهرودي- طاب ثراه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 149

[الخامس تمام التمكّن من التصرّف]

(الخامس) تمام التمكّن من التصرّف (13) فلا تجب في المال الّذي لا يتمكّن المالك من التصرّف فيه.

______________________________

(13) لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في الجملة، بل عن شيخنا العلّامة الانصاري قدّس سرّه «1» دعوى الإجماع عليه، محقّقا و مستفيضا. و يدلّ على ذلك جملة من النصوص، كصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا صدقة على الدّين، و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك «2»»، و صحيح إبراهيم بن أبي محمود، قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: الرجل يكون له الوديعة و الدين، فلا يصل إليهما، ثم يأخذهما، متى يجب عليه الزكاة؟ قال: إذا أخذهما، ثمّ يحول عليه الحول، يزكي «3»»، و موثق زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «في رجل ماله عنه غائب، لا يقدر على أخذه؟ قال: فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، فإن كان يدعه متعمّدا، و هو يقدر على أخذه، فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين «4»».

______________________________

(1)- الانصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ص 428، ط إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 6.

(3)- المصدر/ باب 6: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و

من لا تجب عليه، ح 7.

و الرّواية بإسناد الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال، عن أخويه، عن أبيهما، عن الحسن بن الجهم، عن عبد اللّه بن بكير، عمّن رواه عن زرارة، فهي مرفوعة. و تعبير سيّدنا الأستاذ- دام ظلّه- عنها بالموثّقة، إنّما هو على أساس تعبير الفقهاء قدّس سرّه عنها بذلك كما هو الحال في غيرها، فلا تغفل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

و خبر سدير الصيرفيّ، أو حسنته، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في رجل كان له مال، فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الّذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثم إنّه احتفر الموضع الّذي من جوانبه كلّه [كلّها]، فوقع على المال بعينه، كيف يزكّيه؟ قال: «يزكّيه لسنة واحدة، لأنّه كان غائبا عنه، و إن كان احتبسه «1»»، و موثق إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون له الولد، فيغيب بعض ولده، فلا يدرى أين هو، و مات الرجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: «يعزل حتى يجي ء، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: لا، حتّى يجي ء، قلت: فإذا جاء أ يزكّيه؟ قال: لا حتّى يحول الحول عليه في يده «2»»، و نحوه موثّقة الآخر «3».

و على الجملة، اعتبار التمكّن من التصرّف- في الجملة- ممّا لا كلام فيه و لا إشكال، و إنّما الكلام في المراد من ذلك، فقد يقال: إنّه عبارة عن التمكن من جميع التصرّفات، و القدرة على كلّ تصرّف شائه المالك. و لكنّه واضح الخلل لاستلزامه، نفي الزّكاة فيما إذا امتنع على

المالك بعض التصرّفات، كما إذا أمره- من يجب عليه إطاعته- بعدم بيع ماله مثلا، أو نذر ذلك، فإنّه حينئذ لا يكون متمكّنا من جميع التصرفات، فلو كان ذلك شرطا في الزكاة، لزم منه القول بعدم ثبوتها في مثل هذه الموارد، و هو فاسد بالوجدان.

و قد يقال: يكفي- في التمكّن المأخوذ شرطا- القدرة على التصرّف في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من تجب عليه، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

الجملة، دون التمكّن من جميعها. و هو- أيضا- كسابقه باطل، فإنّ المالك متمكّن كذلك في المال المغصوب أو المسروق أيضا، إذ لا إشكال في أنّه قد يكون قادرا على بيع ماله من الغاصب- مثلا- و لو بقيمة نازلة، مع أن نفي الزكاة فى هذه الموارد ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف.

و عن شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه «1»: أنّه عبارة عن القدرة- عقلا و شرعا- على دفع المال إلى الغير و إقباضه إيّاه، و تمكّنه من التسليم إليه، و قد حمل قدّس سرّه النصوص الدالّة على اعتبار ذلك كالإجماعات الماخوذ في معاقدها لفظ «التمكن» على ذلك المعنى. و حاصل ما استند إليه قدّس سرّه في ذلك هو: أنّ المستفاد من النصوص المتقدّمة، كموثق إسحاق بن عمّار في المال الموروث الغائب: «أ يزكّيه؟

قال: «لا، حتّى يحول عليه الحول في يده «2»»، و «حتّى يحول الحول و هو عنده»، كما فى روايته الأخرى «3»،

و قوله عليه السّلام: «أيّما رجل كان له مال موضوع، حتّى يحول عليه الحول، فانه يزكّيه ... «4»» و غير ذلك «5» هو: أنّ التمكّن في تمام الحول علّة تامّة لوجوب الزكاة، و حيث أنّ التمكّن المعتبر في آخر الحول، و هو زمان وجوب الزكاة، عبارة عن القدرة على التسليم و دفع الزكاة الى الفقير مثلا، فلا بدّ من القول بأنّ التمكن- المعتبر في تمام الحول أيضا- إنّما هو هذا المعنى. و ذلك لأنّه لو كان ذلك عبارة عن التمكّن في الجملة، الّذي هو دون القدرة على التسليم، لزم

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ص 428، ط إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 3.

(4)- المصدر/ باب 10: من تجب عليه الزكاة و من تجب عليه، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

منه عدم كون التمكّن في تمام الحول علّة تامة، لفرض اعتبار القدرة على التسليم، زائدا على ذلك، في آخر الحول، مع أنّه خلاف المفروض، كما عرفت.

و على الجملة: الاستدلال المذكور مبنيّ على مقدّمتين: الأولى أنّ المستفاد من النصوص إنّما هو كون التمكن في تمام الحول علّة تامة لوجوب الزكاة. الثانية اعتبار القدرة على التسليم في آخر الحول قطعا، و نتيجة هاتين المقدّمتين إنّما هي:

كون التمكّن المفروض علّة تامّة، هو التمكّن بهذا المعنى، و إلّا خرج عن كونه علّة تامّة، و هو خلاف الفرض. هذا حاصل

ما أفاده قدّس سرّه، لعلّه بتوضيح منّا.

و قد أورد عليه الفقيه المحقق الهمداني قدّس سرّه «1» أوّلا: أنّ مراد الأصحاب قدّس سرّهم من التمكّن إنّما هو سلطنة المالك و بقاء المال تحت يده و اختياره، احترازا عن المال الخارج عن يده أو يد وكيله، كالمسروق و المغصوب و نحوهما، فحمل معاقد الإجماعات على ما أفاده قدّس سرّه ممّا لا مجال له. كما أنّ المستفاد من النصوص المتقدّمة، ليس هو إلّا اعتبار استيلاء المالك و بقاء المال تحت يده، من دون أن يكون مفادها كون ذلك علّة تامة لوجوب الزكاة، و لذلك لا تنافى بينها و بين ما دلّ على اعتبار سائر الشروط، كالبلوغ حدّ النصاب، و كون المال من الأجناس التسعة الآتية ...، و عليه، فالمقدّمة الأولى غير سليمة عن الخلل.

و ثانيا: أنّه مع التسليم بالمقدّمة الأولى، للمناقشة في الثّانية مجال واسع، إذ لا دليل على اعتبار التمكّن بالمعنى المذكور في آخر الحول، و لذلك لا ينبغي الإشكال في وجوب الزكاة، في ما لو نذر عدم التصرّف في المال المذكور إلى ما بعد حلول الحول، أو أمره بذلك من تجب عليه اطاعته، فان التمكّن بهذا المعنى- مع قطع النظر عن دليل وجوب الزكاة- غير متحقّق، غير انّه بلحاظ دليل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 12، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 153

..........

______________________________

وجوبها يلزمه إخراج الزكاة، نظرا إلى أنّ وجوب الوفاء بالنذر، أو وجوب إطاعة الوالد و نحوه، مشروط بعدم كونه موجبا لمخالفة حكم شرعي، أو مزاحمة حق واجب، كما لا يخفى.

و على الجملة، لا دليل على اعتبار التمكّن من الدفع و الإقباض في آخر

الحول، مع الغضّ عن ثبوت الزكاة في المال، بحيث يكون متمكنا من ذلك و لو لم تكن الزكاة ثابتة عليه، كما هو مقتضى المقدّمة الثانية. فما ذكره قدّس سرّه على هذا ممّا لا يمكننا مساعدته فيه. و إليك نصّ بعض كلامه: «و الحاصل، أنّ التمكّن من الدفع و الإقباض حال تعلّق الوجوب ليس شرطا في الزكاة، فضلا عن اعتباره في تمام الحول، فليس هذا المعنى مرادا من النص و الفتوى جزما. فالّذي ينبغي أن يقال: إنّ الّذي يستفاد من هذه الأخبار ليس إلّا اعتبار كون المال في يده تمام الحول، أي تحت تصرّفه، بحيث يكون بقائه عنده مستندا إلى اختياره، فإن هذا هو المنساق إلى الذهن من مثل هذه الأخبار، و لو بانضمام بعضها إلى بعض، فلا يكفي مجرّد وصول المال إليه و بقائه عنده بقهر قاهر، من غير أن يتحقّق له استيلاء عليه بابقائه و اتلافه. و أمّا كون تصرّفه بكلّ من الإبقاء و الإتلاف سائغا له شرعا، فهو أمر آخر لا يفهم اعتباره من هذه الأخبار. و غاية ما يمكن الاستدلال به لذلك: ما سبقت الإشارة إليه عند البحث عن اشتراط كون الملك تامّا، من أنّ المنساق إلى الذهن من أدلّة الزكاة إنّما هو تعلّقها بالملك الطلق، الّذي يكون لمالكه التصرّف فيه و التسلّط على دفعه إلى الفقير، أو صرفه في سائر مقاصده. و هذا بالنسبة إلى حال تعلّق الوجوب واضح. و لكن الاستدلال به لاعتبار كون المال كذلك فى تمام الحول إنّما يتمّ بانضمامه إلى ما يظهر من كلماتهم من التسالم على أنّ ما هو شرط لتعلّق الزكاة يعتبر استمراره في تمام الحول، كما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1،

ص: 154

..........

______________________________

يشعر بذلك أدلّة اعتبار الحول، حيث يستشعر منها إرادته فى المال الذي من شأنه الصرف في مقاصده، و أنّه إذا تركه حتى حال عليه الحول فإنّه يزكّيه- إلى أن قال:- و لكن هذا كلّه بعد تسليم أصل الانصراف المزبور، و القدر المتيقّن منه الّذي يصحّ تسليمه إنّما هو انصراف ادلّة الزكاة عن المال الّذي ليس لمالكه- من حيث هو- التصرّف فيه كيف ما شاء، و إخراجه عن ملكه، بهبة أو بيع و نحوه، لقصور سلطنته بالذات كما فى الوقف، او بواسطة تعلّق حقّ الغير به كما فى الرهن و شبهه، لا مجرّد تعلّق حكم تكليفي بترك إخراجه عن ملكه، أو صرفه في مصرف معيّن، من غير أن يؤثّر ذلك- شرعا أو عرفا- نقصا في ملكيّته، كما إذا منعه أبوه عن إخراج النصاب عن ملكه، أو نذر بذلك أو حلف عليه، فإنّ هذا النحو من المنع عن التصرف ليس موجبا لانصراف الأدلّة عنه جزما، بل و كذا لو حلف على صرفه في مصرف معين لمصلحة نفسه مثلا، فإنّ هذا- أيضا- غير موجب لنقص ملكيّته، و لا لانصراف أدلّة الزكاة عنه- إلى أن قال:- و أمّا نذر الصدقة و شبهها فقد التزمنا بانقطاع الحول به و مانعيّته عن الزكاة، لكونه لأجل سببيّته للأمر بدفعه إلى الفقير على الإطلاق موجبا لنقص ملكيّته عرفا و شرعا «1»».

و التحقيق أن يقال: إنّ لفظ «التمكّن» غير وارد في شي ء من النصوص، حتّى يقع الكلام في مدلوله سعة و ضيقا، و إنّما هو معنى اصطياديّ من الأدلّة، فلا بدّ من ملاحظه النصوص الواردة، و المستفاد منها هو اعتبار الاستيلاء على المال خارجا، المعبّر عنه بالتمكّن من التصرّف فيه عقلا، مع

عدم المانع من ذلك شرعا، فثبوت الزكاة مشروط باستيلاء المالك على ماله، و كونه تحت يده خارجا،

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: صص 12- 13، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

بحيث يكون كلّ من إبقائه تحت يده و إخراجه عنها أمرا راجعا إلى اختياره و إرادته. و كذلك مشروط- أيضا- بعدم المانع من التصرّف فيه شرعا، و عليه فالمعتبر حينئذ بعنوان «التمكّن من التصرّف» بحسب الحقيقة إنّما هو أمران:

أحدهما الاستيلاء الخارجي على المال. و الآخر عدم المانع الشرعيّ و العرفيّ من التصرّف فيه.

و الّذي يدلّ على الأمر الأوّل: إنّما هو النصوص المتقدّمة، فإنّها ظاهرة في اعتبار التمكّن بمعنى الاستيلاء، باعتبار ورودها في مورد الدّين، و المال الغائب، و المدفون في مكان منسي، و نحو ذلك ممّا لا يكون للمالك فيه استيلاء خارجيّ على ماله، و لا يكون ذلك تحت يده، بحيث يكون كل من الإبقاء و الإخراج منوطا باختياره و إرادته، فلا يستفاد من تلك النصوص أكثر من اعتبار التمكّن بهذا المعنى، كما لا يخفى.

و أمّا الأمر الثاني، و هو اعتبار عدم المنع الشرعيّ من التصرّف، كما في المرهون، و الموقوف و نحوهما، فالدّليل عليه: إنّما هو انصراف أدلّة الزكاة عن أمثال ذلك، فإنّ الزكاة إنّما تكون متعلّقة بالعين ابتداء، سواء أ كان ذلك بنحو الملك أم بنحو الحقّ، فإذا كانت العين متعلّقا لحقّ الغير- كما في المرهون مثلا- لم يمكن تعلّقها بالمال حينئذ، فإنّ كون المال كذلك مناف لتعلّق حق الغير به أو صيرورته ملكا له. و عليه، فتكون أدلّة الزكاة منصرفة إلى ما يكون المال ملكا طلقا، بحيث لا يكون متعلّقا لحق الغير

أبدا. و ما ذكرناه هو مختار الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه أيضا، مع اختلاف يسير في تقريب الاستدلال للأمر الثاني. فلاحظ و تأمّل «1».

______________________________

(1)- هذا و قد بنى سيّدنا الأستاذ- دام ظلّه- أخيرا على أنّه: لا يبعد القول بتقديم الزكاة على

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 156

بأن كان غائبا، و لم يكن في يده، و لا في يد وكيله (14).

______________________________

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الاستدلال بالنصوص المذكورة للمذهب المشهور، و هو اعتبار وقوع الحول بتمامه بعد البلوغ و العقل- كما أشرنا إليه سابقا، و أرجأنا الكلام فيه إلى البحث الّذي نحن فيه- ممّا لا وجه له أصلا. و ذلك: لما عرفت: من أنّ التمكن المستفاد اعتباره من النصوص المذكورة، إنّما هو عبارة عن الاستيلاء الخارجيّ على المال و كونه تحت يده خارجا، و مثل هذا التمكّن مفروض في مورد الصبيّ قبل البلوغ، كما لا يخفى. ثمّ إنّه هل يعتبر التمكّن من التصرّف بالمعنى المختار في تمام الحول- فيما يعتبر فيه ذلك- او يكفي تحقّقه عند حلول الحول- كما اخترناه في البلوغ و العقل- فيه كلام يأتي إن شاء اللّه تعالى عند التعرّض لاعتبار الحول، فانتظر.

(14) الصحيح في المقام هو أن يفصّل في الوكيل بين ما يكون يده على المال و استيلائه عليه بمنزلة يد الموكّل و استيلائه عليه، كما إذا كان وكيلا في إبقاء المال عنده- كما في الودعيّ- أو وكيلا مطلقا، له أن يتصرّف في المال كيف شاء، أو كان وكيلا في جهة خاصّة، و كان الموكّل متمكّنا من عزله أو أمره بصرف المال في

______________________________

النّذر فى الفرض المذكور. و كأنّه لأجل أن النّذر لا يوجب حقّا للغير كما لا

يوجب الملكيّة له، فلا قصور- إذن- في الملكيّة حتى بمنع ذلك من وجوب الزكاة. نعم، إذا كان النذر من قبيل نذر النتيجة كان ذلك موجبا لخروج المال المنذور عن ملك الناذر، و صيرورته ملكا للمنذور له، كما هو الحال في النذر للمشاهد المشرّفة و نحوها، فلا تجب الزكاة حينئذ، إلّا أنّ ذلك خارج عن كلام المصنّف قدّس سرّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 157

..........

______________________________

جهة أخرى متى ما شاء. فإنّ استيلاء الوكيل- في هذه الموارد- إنّما هو بحكم استيلاء الموكّل و بين ما لا يكون كذلك، كما إذا كان وكيلا في صرف المال في جهة خاصّة، و لم يتمكّن من الصرف فيها فرضا، و لم يتمكّن الموكّل من الوصول إلى وكيله لانقطاعه عنه، فان المالك في مثل هذا الفرض لا يكون مستوليا على ماله عرفا، كما هو ظاهر.

و الوجه في هذا التفصيل هو: أنّ الغيبوبة بما هي غير مانعة عن ثبوت الزكاة، و لذا لا إشكال في ثبوتها فيما لو كان له مال في بلد بعيد، يقطع الطريق إليه في شهر أو شهرين مثلا، إلّا أنّه كان متمكّنا من إحضار المال و التصرّف فيه، و إن لم يمكنه التصرّف فيه بالفعل، فإنّ ذلك ممّا لا يضرّ، بعد كونه مستندا إلى اختياره و إرادته، بل المانع إنّما هي الغيبوبة الموجبة لعدم استيلاء المالك على ماله خارجا. و حينئذ ففي كلّ مورد كان له الاستيلاء عليه و لو كان لأجل استيلاء وكيله عليه، كانت الزكاة ثابتة لا محالة، و إذا لم يكن الأمر كذلك، فلا دليل على ثبوت الزكاة فيه، فإنّ موضوع السقوط- و هو الغيبة المانعة عن الاستيلاء- متحقّق فيه، و لا دليل

على كون يد الوكيل- كما في المثال المتقدّم- بمنزلة يد المالك، كي يتحقّق له الاستيلاء على المال، حتّى تثبت الزكاة، كما هو ظاهر للمتأمّل.

و ربما يستدلّ لذلك- كما في «المستند «1»»، أو يؤيّد، بل يستشهد له- كما في «مصباح الفقيه «2»»- بالنصوص الواردة في مال تركه لنفقة عياله، كموثق إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال: قلت له: رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين لسنتين، عليها زكاة؟ قال: «إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان

______________________________

(1)- النراقي، ملا احمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 9، ط إيران الحجريّة.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 15، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 158

و لا في المسروق، و المحجور، و المدفون في مكان منسيّ، و لا في المرهون، و لا في الموقوف، و لا في المنذور التصدّق به (15).

______________________________

غائبا فليس عليه زكاة «1»»، و نحوه غيره «2»، فإنّها دلّت على ثبوت الزكاة على الزوج عند حضوره، و أمّا مع غيبته فلا زكاة عليه، مع أنّ المال كان بيد الزوجة، و هي وكيلة من قبل زوجها في صرف ذلك المال.

(15) أمّا في المسروق- و في حكمه المغصوب و المدفون في مكان منسيّ- فعدم ثبوت الزكاة إنّما هو لأجل عدم الاستيلاء على المال، المستفاد اعتباره من النصوص المتقدّمة. و أمّا في البقيّة، فلأجل انصراف أدلّة ثبوت الزكاة عنها، كما عرفت آنفا.

ثمّ إنّ الفرق بين منذور التصدّق به، و بين ما إذا نذر صرف المال في جهة خاصّة، كزيارة مشهد الإمام الرضا عليه السّلام- مثلا- حيث تثبت الزكاة في الثاني عند اجتماع شرائطها دون الأوّل، إنّما هو:

من جهة انصراف أدلّة الزكاة عن الأوّل دون الثاني، و ذلك لأنّ تعلّق حقّ الفقراء بالمال- فيما إذا نذر التصدّق به عليهم- ينافي تعلّق الزكاة به، كما أشرنا إليه آنفا. و أمّا النذر في الفرض الثاني، فمرجعه إلى نذر إبقاء المال في جميع الآنات و الأزمنة إلى أن يصرفه في طريق

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 17: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2، 3 [و] باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 159

و المدار في التمكّن على العرف (16).

______________________________

الزيارة مثلا، و انعقاد هذا النذر بالإضافة إلى زمان وجوب الزكاة موقوف على أن لا يكون هذا مزاحما لحقّ واجب، أو موجبا لمخالفة حكم شرعيّ، و ذلك لأنّ وجوب الوفاء بالنذر مشروط بذلك، كما عرفته آنفا. و على الجملة، يشترط في انعقاد النذر أن يكون العمل في ظرفه راجحا و غير مزاحم بحقّ واجب، و عليه فلا ينعقد النذر بالإضافة إلى آن الوجوب، بل تتقدّم أدلّة الزكاة على دليل وجوب الوفاء بالنذر «1».

(16) قال في «المستند «2»»، ما حاصله: «إنّ العرف قد يختلف نظره- في صدق التمكّن و عدمه- بالإضافة إلى شي ء واحد بلحاظ حالتين، فإذا فرضنا أنّ الغائب الوارث حضر بعد مضيّ يوم- مثلا- على موت مورّثه، فإنّه- بنظر العرف- يعدّ زمان التمكّن من زمان حضوره، و يرونه في اليوم الّذي كان غائبا غير متمكّن من التصرّف، و أمّا إذا غاب المالك في أثناء الحول يوما واحدا- و مثلا- و كانت غيبته بنحو يعدّ بها غير متمكّن من

التصرّف، صدق عليه عرفا أنّه كان متمكّنا من التصرّف تمام الحول، و لا يضرّ بذلك غيبته في الأثناء يوما واحدا، مع كون هذا المقدار من الغيبة مضرّا عندهم في الفرض الأوّل، و حينئذ فالمدار في التمكّن على العرف في كلّ مورد.

______________________________

(1)- هذا و قد عرفت مما مرّت الإشارة إليه فى الهامش: أنّه لا فرق بين الأمرين، على رأى الأستاذ- دام ظلّة.

(2)- النراقي، ملا احمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 9، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 160

و مع الشكّ يعمل بالحالة السابقة (17) و مع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج.

______________________________

و لا يخفى أنّ الاعتماد على العرف في الفرض الثاني إنّما هو من الرجوع إلى نظر أهل العرف فى المصاديق، المبنيّ على التسامح فى المصاديق، و لا دليل على لزوم اتّباع نظرهم في ذلك، كما هو مفصّل في محلّه. إلّا أنّ الكبرى، و هي كون المدار فى ذلك على العرف صحيحة، إذ قد يكون لنا مورد نشك فيه في تحقّق التمكّن و عدمه، و حينئذ فلا بدّ فيه من الرجوع إلى العرف، كما إذا علمنا أنّ الغيبة بنحو خاصّ مناف للتمكّن يقينا، و أنّ الغيبة على نحو آخر لا ينافيه قطعا، و شككنا في منافاة الغيبة بنحو ثالث، فإنّه لا بدّ من الرجوع حينئذ إلى نظر العرف.

كما هو ظاهر.

(17) ظاهر العبارة أنّه بصدد بيان الشك بنحو الشبهة المفهوميّة، إلّا أنّه لا بدّ من صرفها عن هذا الظاهر قطعا، إذ لا ينبغي الشك في عدم إمكان الرجوع حينئذ إلى الاستصحاب أصلا، لوجهين:

الأوّل: لما قرّر في محلّه من بحث الأصول: من عدم الرجوع إلى الاستصحاب في موارد الشبهات المفهوميّة، كما إذا ورد:

الأمر بإكرام العلماء، و النهي عن إكرام فسّاقهم، و تردّد الفاسق بين مرتكب الكبيرة و الأعمّ منه و من مرتكب الصغيرة، فإنّ الاستصحاب الموضوعيّ فيه غير جار، إمّا للعلم بالبقاء، أو للعلم بعدم الحدوث، فإنّا إذا أردنا استصحاب ارتكاب الصغيرة كان ذلك معلوم البقاء، و إن أردنا استصحاب ارتكاب الكبيرة كان مقطوع العدم حدوثا، و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 161

..........

______________________________

المفروض: أنّ الاستصحاب الحكميّ مع عدم تنقيح الموضوع غير جار. و مفهوم الفاسق- أيضا- ليس له حالة سابقة معلومة كي يستصحب ذلك، و عليه فلا مجال لجريان الأصل حينئذ أصلا.

الثاني: إنّه مع وجود الإطلاق، و هو قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً و هو دليل اجتهاديّ لا مجال للرجوع إلى الأصل العمليّ في ما إذا كان المخصّص المنفصل مجملا، مردّدا بين الأقلّ و الأكثر، كما لا يخفى.

و على هذا، فالعبارة لا بدّ و أن تحمل على بيان غير الشبهة المفهوميّة، و حينئذ فقد يكون الشك في الشبهة الموضوعيّة، كما إذا شك في بقاء التمكّن و عدمه، بعد أن كان عالما بحدوثه، فيستصحب ذلك. و يترتّب عليه وجوب الزكاة، أو تكون الحالة السابقة هو عدم التمكّن، فيستصحب ذلك، و يترتّب عليه عدم وجوبها. و قد يكون مصداقيّة، كما إذا شكّ في تحقّق التمكّن العرفيّ و عدمه، مع عدم العلم بالحالة السابقة، و لا يمكنه حينئذ الرّجوع إلى الاستصحاب، بل المرجع البراءة، كما هو ظاهر. و منه يظهر الخلل في عبارة المتن على كلّ تقدير، فإنّها إذا حملت على الشبهة المفهوميّة كانت غير صحيحة من جهة الحكم فيها بالرجوع إلى الاستصحاب مع العلم بالحالة السابقة، مع أنّ الاستصحاب لا مجرى له على

هذا التقدير. و إذا حملت على الشبهة الموضوعيّة، كان الرجوع إلى الاستصحاب في مورد العلم بالحالة السابقة وجيها، إلّا أنّه مع الجهل بها لا مجال للاحتياط بالإخراج، فإنّه لا يتمّ إلّا على جواز الرّجوع إلى العام في الشبهات المصداقيّة و لو لم يكن المخصّص لبيّا، و ربّما ينسب ذلك إلى المصنّف قدّس سرّه على ما نسب إليه من التصريح به في حاشيته على مكاسب شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه، و قد حملوا بعض الفروع المذكورة في مختلف أبواب هذا الكتاب عليه أيضا. و كيف كان، فالصحيح ما ذكرناه: من لزوم حمل العبارة على بيان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 162

[السادس) النصاب]

(السادس) النصاب (18) كما سيأتي تفصيله.

[مسألة 1: يستحبّ للوليّ الشرعيّ إخراج الزكاة في غلّات غير البالغ]

[مسألة 1]: يستحبّ (19) للوليّ الشرعيّ إخراج الزكاة في غلّات غير البالغ، يتيما كان أو لا، ذكرا كان أو أنثى، دون النقدين.

______________________________

الشبهة الموضوعيّة، و عليه، فمع عدم العلم بالحالة السابقة لا يكون الاحتياط بالإخراج، بل يكون مقتضى الأصل- و هو البراءة- العدم، إلّا على جواز الأخذ بالعام في الشبهة المصداقيّة. فلاحظ و تأمّل.

(18) سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

(19) اختلفوا في اشتراط البلوغ في ثبوت الزكاة في الغلّات و عدمه، فالمشهور «1» هو اعتباره في ذلك كما في النقدين، و لذلك ذهبوا إلى استحباب إخراج الزكاة من مال الطفل على وليّه الشرعيّ. و نسب إلى جماعة «2»، كالشيخين «3» و

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 4؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 18، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 25، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 4؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضر، ج 12: ص 18، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن:

جواهر الكلام، ج 15، ص 25، ط النجف الأشرف؛ الأنصاري، الشيخ مرتضي: رسالة الزكاة، ص 424، ط إيران الحجريّة؛ النراقي، ملا أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 4، ط إيران الحجريّة؛ الفقيه الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 5، ط إيران الحجريّة.

(3)- المراد بهما: 1- الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (336- 413 ه/ 947- 1022 م)

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 163

..........

______________________________

أتباعهما «1»، و السيّد المرتضى في «الناصريّات «2»» القول بعدم الاشتراط، فالتزموا بوجوب إخراجها

من مال الطفل على الوليّ.

و عمدة ما استدل به هولاء هو: صحيح زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّهما قالا: «ليس على مال اليتيم في الدّين و المال الصامت شي ء، فأمّا الغلات فعليها الصدقة واجبة «3»» و المناقشة في دلالتها «4»:

بأنّ الوجوب غير ظاهر في المعنى المصطلح المقابل للاستحباب، بل هو ظاهر في المعنى اللّغوي، المرادف للثبوت، و لا ظهور له في الوجوب المصطلح فاسدة، أمّا أوّلا فلأنّ الوجوب حقيقة في المعنى المصطلح، حقيقة شرعيّة أو متشرعيّة، فإطلاقه و إرادة غيره بلا قرينة غير جائز. و ثانيا إنّه مع التسليم بكونه بمعنى الثبوت في المقام، فلا ينبغي الإشكال في أنّ الثبوت على وجه الإطلاق يساوق الوجوب المصطلح، كما لا يخفى. فتأمّل.

و بإزائها طائفتان من الروايات:

إحداهما- الرّوايات النافية للزكاة عن مال اليتيم «5»، إلّا أنّ النسبة بينها و بين الصحيحة المتقدّمة هي العموم المطلق، و الصحيحة اخصّ، و حينئذ فيخصّص

______________________________

2- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن بن علي (358- 460 ه/ 995- 1067 م)

(1)- المراد بهم: ابن زهرة، و ابن سعيد، و ابن حمزة و التقي، و القاضي (النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 25، ط النجف الأشرف).

(2)- العاملي، السيد محمد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 22، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: من تجب عليه الزكاة، و من لا تجب عليه، ح 1.

(4)- الموسوي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 22، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- وسائل الشيعة/ باب 1: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه.

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 164

..........

______________________________

عمومها بالصّحيحة المذكورة، و نتيجة ذلك: وجوب الزكاة في غلّات الطفل، كما لا يخفى.

و الأخرى- موثّقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلّاته، من نخل، أو زرع، أو غلّة زكاة- الخبر «1»». و قد يقال «2»: إنّ المورد من موارد الجمع العرفيّ لا من موارد التعارض، نظرا إلى أنّ الصحيحة ظاهرة في الوجوب، و الموثّقة صريحة في نفي الوجوب، و بمقتضى حمل الظاهر على النصّ تحمل الصّحيحة على الاستحباب، و بذلك يجمع بين الخبرين، كما أنّه به يثبت المذهب المشهور، و هو استحباب إخراج زكاة الغلّات من مال الطفل.

و يتوجّه عليه: أنّ المورد من أوضح موارد التعارض بنظر العرف، إذ لا إشكال في أنّه لو جمع بين الكلامين: «فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» و:

«ليس على جميع غلّاته، من نخل أو زرع أو غلّة زكاة» و ألقيا إلى العرف لفهم التعارض بينهما بلا ريب. و عليه، فلا مجال للجمع العرفيّ في المقام، بل لا بدّ فيه من إعمال قواعد باب التعارض.

فربما يقال «3»: بلزوم ترجيح الموثّقة على الصّحيحة، و حمل الصّحيحة على التقيّة، نظرا إلى موافقتها لمذهب جمهور العامّة، و عليه فلا يكون الزكاة في غلّات الطفل واجبا و لا مستحبّا، كما أفتى به بعض المتأخّرين من المعاصرين أو من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 11.

(2)- الفقيه الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 5، ط إيران الحجريّة.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج

12: ص 19، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 6، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 165

و في استحباب إخراجها من مواشيه إشكال (20)، و الأحوط الترك.

______________________________

قارب عصرنا؛ إلّا أنّ التحقيق هو خلاف ذلك فإنّ مقتضى الصّناعة إنّما هو تقديم الصحيحة على الموثّقة، و ذلك: لأنّ الترجيح عند التعارض أوّلا- بناء على انحصار المرجّحات في باب التعارض بموافقة الكتاب و مخالفة العامّة- إنّما هو بموافقة الكتاب، و مع عدمها تصل النوبة إلى الترجيح بمخالفة العامّة، و لا ريب في أنّ الصحيحة موافقة للكتاب العزيز، المصرّح فيه بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ- الآية، القاضي ذلك بوجوب الزكاة في المقام. و على هذا فالّذي يترجّح في النظر بحسب القواعد: إنّما هو مذهب الشيخين قدّس سرّهما و أتباعهما، الذاهبين إلى وجوب الزكاة في غلّات الطفل. و اللّه العالم.

ثم انّه قد يقال «1»: بأنّ النفي في الموثّقة بمعنى سلب العموم، فقوله عليه السّلام: «و ليس على جميع غلّاته، من نخل أو زرع ...» لا ينافي الزكاة في بعض الغلّات، فلا تكون الموثّقة معارضة للصّحيحة و يتوجّه عليه: أنّ المفهوم- عرفا- من الموثقة إنّما هو عموم السّلب، لا سلب العموم، كما هو ظاهر، فاحتمال كونه من قبيل سلب العموم ساقط جدّا.

(20) لم يرد فى باب المواشي نصّ يدلّ على إلحاقها بالغلّات و مقتضى ما دلّ على

______________________________

(1)- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 4: ص 30/ ح 73، ط النجف الأشرف؛ الاستبصار، ج 2: ص 31/ ح 91، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 166

..........

______________________________

وجوب الزكاة في مال

اليتيم هو العدم، و المفروض هو اختصاص الصحيحة و الموثّقة بالغلّات، و إنّما كان الإلحاق من جهة القول بعدم الفصل، فإنّ من ذهب إلى الوجوب في الغلّات قال به في المواشي أيضا، كما أنّ من التزم بالاستحباب هناك قال به في المقام أيضا. نعم، نسب إلى المرتضى قدّس سرّه في «الناصريات «1»» أنّه قال: «ذهب أكثر أصحابنا إلى أنّ الإمام يأخذ من زرع الطفل و ضرعه ...» فإن كان هذا إخبارا منه قدّس سرّه عن فعل الإمام عليه السّلام خارجا، كان ذلك مندرجا- لا محالة- في الرواية المرسلة، و هي غير حجّة عندنا. و إن كان بيانا لما هو وظيفته عليه السّلام، كما يناسبه قوله: «ذهب أكثر أصحابنا» فمرجعه إلى نقل الفتوى في المسألة. و كيف كان، فالجزم بالحكم في المسألة مشكل، فإنّ الالتزام بعدم وجوب الزكاة و بعدم استحبابها في المواشي، مع ذهاب جلّ العلماء قدّس سرّهم، و فيهم الفطاحل و الأساطين إلى أحد الأمرين، في غاية الإشكال لاحتمال استنادهم إلى دليل لم يصلنا. كما أنّ الالتزام بالاستحباب اعتمادا على القول بعدم الفصل- كما أفاده المصنف قدّس سرّه- أيضا مشكل، لعدم ثبوت القول المذكور. و هكذا الحال في الالتزام بالوجوب، بناء على المختار. و حينئذ فلا ينبغي ترك الاحتياط في المسألة. و اللّه العالم.

ثم إنّ كون الاحتياط في إخراج الزكاة أو عدمه، الجزم به مشكل جدّا.

______________________________

(1)- نصّ عبارته كما يلي: «فأمّا الزرع و الضّرع، فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنّ الإمام يأخذ منه الصّدقة ...» (السيد المرتضى: الناصرّيات، ص 205، ط الحجرية/ ضمن «الجوامع الفقهيّة»).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 167

نعم، إذا اتّجر الوليّ بماله يستحبّ إخراج زكاته أيضا (21).

______________________________

(21)

المشهور «1» و المعروف بينهم في المسألة هو ذلك، بل عن «المعتبر «2»» و «المنتهى «3»»، و «نهاية الأحكام «4»»، و ظاهر «الغنية»- على ما في «مصباح الفقيه «5»»- دعوى الإجماع عليه. و نسب الى «المقنعة «6»» القول بالوجوب. و النصوص الواردة هنا مستفيضة، على حدّ تعبير غير واحد، منها معتبرة محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: «لا، إلّا أن يتّجر به، أو تعمل به «7»»، و منها: رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي العطارد الخيّاط، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به، فقال:

«إذا حرّكته فعليك زكاته- الخبر «8»»، و منها: خبر محمد بن الفضيل، قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن صبية صغار، لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل يجب

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 2: ص 17، ط إيران الحجريّة؛ العاملي، السيد محمد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 18، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 22، ط النجف الأشرف.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 487، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 472، ط إيران الحجريّة.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: نهاية الأحكام، ج 2: ص 299، ط مؤسّسة اسماعيليان، قم.

(5)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 3، ط إيران الحجريّة.

(6)- الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 38، ط إيران الحجريّة [و] ص 238، طبعة جامعة المدرسين، قم.

(7)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل

الشيعة/ باب 2: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(8)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 168

..........

______________________________

على ما لهم زكاة؟ فقال: «لا يجب على ما لهم زكاة حتّى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزّكاة- الخبر «1»»، و غير ذلك ممّا يلاحظها المراجع في «وسائل الشيعة» (باب 2: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه). و هذه الرّوايات الكثيرة- و فيها الصّحيح و الموثّق، فضلا عن دعوى الاستفاضة فيها- صريحة في وجوب الزكاة عند الاتّجار بمال الطفل. و إعراض المشهور عن ظاهرها لا يكون و هنا في دلالتها، كما لا يخفى.

و التحقيق أن يقال: إنّ الروايات الواردة في مطلق مال التجارة إنّما هي على طائفتين، إحداهما: ما دلّت على وجوب الزكاة فيه، و الأخرى: دالّة على نفي وجوبها، فإن أخذنا- في تلك المسألة- بالطائفة الأولى، كان القول بوجوب الزّكاة في المقام في غاية الظهور. و أمّا إذا أخذنا هناك بالطائفة الثانية، فحينئذ يقع الكلام في ملاحظتها مع الرّوايات الظاهرة- بل الصريحة- في وجوبها في خصوص الاتّجار بمال الطفل، و مقتضى القاعدة إنّما هو تخصيص تلك الروايات بالرّوايات الواردة في المقام، من جهة أنّها أخصّ مطلقا- بحسب المورد- من تلك الروايات، و مقتضى ذلك: أن يكون اليتيم أسوأ حالا من البالغين لعدم وجوبها عليهم دونه، و هو امر مستبعد حدّا. و عليه فالبتّ في حكم المسألة موقوف على النظر في مسألة الزّكاة في مطلق مال التجارة، و سيأتي ذلك إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 4.

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 169

و لا يدخل الحمل في غير البالغ (22) فلا يستحبّ إخراج زكاة غلّاته و مال تجارته، و المتولّي لإخراج الزّكاة هو الوليّ (23)، و مع غيبته يتولّاه الحاكم الشرعيّ، و لو تعدّد الوليّ جاز لكلّ منهم ذلك، و من سبق نفذ عمله. و لو تشاحّوا فى الإخراج و عدمه

______________________________

(22) و الوجه فيه: هو عدم صدق عنوان «اليتيم» أو «الصبيّ» و نحوهما عليه، كي يقال بالوجوب أو الاستجاب بحقّه كاليتيم. و ربما يقال: إنّ الآية الكريمة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ- الآية بإطلاقها تقتضى وجوب الزكاة عليه و على غيره، خرج منه اليتيم فقط و قد يجاب عنه: بأنّ الحمل لا يمكن أن يكون أسوأ حالا من اليتيم، فاذا لم يجب على اليتيم، لم يجب عليه بالأولويّة القطعيّة. و الأولى أن يجاب عنه بعدم شمول الآية- في حدّ نفسها- له، فان الضمير في «أموالهم» إن كان مرجعه هو عنوان «الناس» أو «المسلمين» و نحو ذلك، فهو غير صادق على الحمل بلا إشكال. و أمّا إذا كان هو عنوان «الملّاك» و شبهه، فصدقه عليه و إن كان ظاهرا، إلّا أنّ كونه كذلك غير معلوم، و حينئذ فلا يجزم بشمول الآية الكريمة و أشباهها الحمل، و يكفي ذلك لنفي الوجوب كما هو ظاهر.

(23) حال المقام حال سائر الموارد الّتي يكون المتصدّي فيها هو الوليّ، كما في باب الغرامات و نحو ذلك، فكما ثبت الترتيب المذكور في تلك الموارد يثبت فى المقام أيضا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 170

قدّم من يريد الإخراج (24)، و لو لم يؤدّ الوليّ إلى أن بلغ المولّى عليه، فالظّاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة

إليه (25).

______________________________

(24) و الوجه في ذلك: أنّ إخراج الزكاة على الوليّ- عند تعدّده- مستحبّ، نظير الوجوب الكفائي، فلا يسقط الاستحباب عن أحدهما بمجرّد عدم إرادة الآخر التصدّي للإخراج، بل إرادة عدمه، و حينئذ فمن أراد منهما الإخراج قدّم ذلك- لا محالة- على من لا يريده، فإنّه على الفرض غير مشروط بإرادة الاخر لذلك، كما عرفت.

و من هنا يظهر: أنّ ما في بعض الحواشي «1» على المتن، من تفسير العبارة كما يلي: «بمعنى: أنّه إذا أخرجها لم يكن منع الآخر مؤثرا في إبطالها» ممّا لا نفهم له وجها معقولا، فان الظاهر- كما عرفت- أنّ العبارة متفرّعة على الحكم باستحباب الإخراج على الوليّ، و معه لا حاجة إلى مثل هذا التفسير، فلاحظ.

(25) فإنّ الظاهر من النصّ هو: ثبوت الزكاة في مال الصبيّ الّذي اتّجر به الوليّ، و خطاب الوليّ بأدائها حال الصّبا إنّما هو لأجل كونه هو المالك للتصرّف في المال، و عليه فمع عدم أداء الوليّ، يؤمر الصّبي- استجابا- بالأداء بعد البلوغ، و على تقدير الشك في سقوط الاستجاب يستصحب ذلك.

______________________________

(1)- السيّد الطباطبائي البروجردي- طاب ثراه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 171

[مسألة 2: يستحبّ للوليّ الشرعيّ إخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره]

[مسألة 2]: يستحبّ للوليّ الشرعيّ إخراج زكاة مال التجارة للمجنون (26) دون غيره، من النقدين كان أو من غيرهما.

______________________________

(26) المحكيّ عن غير واحد من المتأخّرين «1»، و فاقا للمحقق في «الشرائع «2»» و غيره «3»، إنّما هو استحباب إخراج زكاة مال التجارة للمجنون، و استدلّوا لذلك بصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة من أهلنا مختلطة، أ عليها زكاة؟ فقال: «إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا «4»»، و

خبر موسى بن بكير، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة مصابة، و لها مال في يد أخيها، هل عليه زكاة؟ قال: «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة «5»»، و هذان الخبران و إن كانا ظاهرين في الوجوب، إلّا أنّهم حملوهما على الاستحباب، جمعا بينهما و بين الأخبار الصريحة في نفي الوجوب، الواردة في

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: صص 21- 22، ط النجف الأشرف؛ المحقق النراقي: مستند الشيعة، ج 2: ص 6، ط إيران الحجريّة؛ الفقيه الهمداني، الآغا رضا:

مصباح الفقيه، ج 3: ص 6، ط إيران الحجريّة.

(2)- المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد على البقّال، ج 1: ص 140؛ المعتبر، ج 2: ص 487، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب في تحقيق المذهب، ج 2: ص 472، ط إيران الحجريّة؛ ابن زهرة: الغنية، ص 569، ط إيران الحجريّة (ضمن «الجوامع الفقهيّة»).

أقول: الّذي ينبغى الإشارة إليه: أنّ كلام هؤلاء الأعلام قدّس سرّهم بين مصرّح باختصاص الحكم بالمال الصامت، أعنى به النقدين، و ظاهر في ذلك. فلاحظ.

(4)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 172

[مسألة 3: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول، و كذا السكران]

[مسألة 3]: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول، و كذا السكران (27).

______________________________

مطلق مال التجارة.

أقول: تحقيق الحال في هذه المسألة موقوف على النظر في ما سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- من مسألة إخراج الزكاة في مطلق مال التجارة، كما أشرنا إليه أيضا في مسألة التجارة بمال الطفل.

(27)

كون الإغماء و السكر قاطعين للحول، إمّا باعتبار الممنوعيّة من التصرّف في ذلك الحال، مع أنّ التمكّن منه شرط في وجوب الزكاة، و إمّا باعتبار أنّهما بحكم الجنون، فكما أنّه في أثناء الحول يكون قاطعا له كذلك الإغماء و السكر. أمّا الأوّل، فيكفي في بطلانه عدم العموم المقتضي لكون مطلق الممنوعيّة قاطعا للحول بعد فرض استيلائهما على المال خارجا، و لذلك لا يضرّ بوجوبها النوم في الأثناء بالمقدار الزائد على المتعارف. و أمّا الثاني، فإن كان المراد به: أنّ قاطعيّة الجنون للحول إنّما هي باعتبار كونه مانعا من التصرّف، فيشترك في ذلك مع السكر و الإغماء، فيلزم كونهما قاطعين له أيضا. فقد ظهر الجواب عنه بما ذكرناه آنفا. و إن كان المراد به: إسراء حكم الجنون- بما هو كذلك- إلى السكّر و الإغماء، فهو من القياس الظّاهر بطلانه عندنا. و لذلك كان من حقّ المصنّف قدّس سرّه أن يقول: «الأقوى» بدل قوله: «الأظهر».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 173

فالإغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه، و لا ينافيان الوجوب (28) إذا عرضا حال التعلّق في الغلّات.

[مسألة 4: كما لا تجب الزكاة على العبد]

[مسألة 4]: كما لا تجب الزكاة على العبد، كذا لا تجب على سيّده فيما ملكه، على المختار من كونه مالكا (29) و أمّا على القول بعدم ملكه، فيجب عليه، مع التمكّن العرفي من التصرّف فيه.

[مسألة 5: لو شكّ حين البلوغ في مجي ء وقت التعلق، من صدق الاسم و عدمه]

[مسألة 5]: لو شكّ حين البلوغ في مجي ء وقت التعلق، من صدق الاسم و عدمه (30)، أو علم تاريخ البلوغ و شكّ في سبق

______________________________

(28) ما أفاده قدّس سرّه بظاهره مشكل. و لعلّه أراد بالوجوب: الحكم بمرتبة الاقتضاء، دون البالغ حدّ الفعليّة، و إلّا فكيف يمكن الالتزام بفعليّة الوجوب مع فرض عدم القدرة، كما هو المفروض.

(29) مرّ الكلام في هذه المسألة سابقا، فراجع و لاحظ.

(30) محتملات العبارة ثلاث:

الأوّل: أن يكون البلوغ معلوما و يكون الشك في تحقّق صدق الاسم قبله و عدمه، و مثل هذا الشك لا أثر له أصلا، فإنّه- على تقدير الصدق قبل البلوغ و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 174

زمان التعلّق و تأخّره، ففي وجوب الإخراج إشكال (31)؛

______________________________

عدمه- لا يترتّب عليه الأثر الشرعيّ أبدا.

الثاني: أن يكون تاريخ البلوغ معلوما، و يكون الشك في تقدّم الصدق عليه و تأخّره عنه، و هذا- بعينه- هو الفرض المذكور في المتن في العبارة التالية، فحملها عليه مستلزم للتكرار، كما لا يخفى.

الثالث: أن يكون تاريخ كلّ منهما مجهولا، و يكون الشك في التقدم و التأخّر.

و لا إشكال في أنّ حملها عليه- مضافا إلى أنّه يستلزم التكرار، لتعرّضه قدّس سرّه لحكم مجهولي التاريخ فيما بعد، و مضافا إلى الاختلاف بين ما يفيده في مجهولي التاريخ. و ما أفاده هنا ينافي التعليل المذكور فى المتن، لعدم وجوب الزكاة في الفرض المذكور، و هو قوله: «لأنّ أصالة التأخّر لا تثبت البلوغ

حال التعلّق ...» و الحاصل: أنّ حمل العبارة على كلّ من الفروض المتقدّمة ممّا لا يخلو عن محذور، كما عرفت، و اللّه العالم.

(31) وجه الإشكال فيه هو: أنّ استصحاب عدم صدق الاسم- و هو المراد بالتعلّق- إلى ما بعد البلوغ، ليكون صدق الاسم في زمان تحقّق البلوغ، غير جار، للعلم الاجماليّ بتحقق الصدق قبل البلوغ أو بعده، فاستصحاب عدمه إلى ما بعد البلوغ مصادم للعلم المذكور. كما أنّ أصالة تأخّر الحادث ممّا لا دليل عليها بنفسها، و حينئذ فيبقى: استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البلوغ، و لا يترتّب على هذا الأصل وجوب الإخراج، إلّا على القول بحجيّة الأصل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 175

..........

______________________________

المثبت، فإنّ الموضوع للوجوب إنّما هو التعلّق حال البلوغ، و استصحاب عدمه إلى زمان البلوغ لا يثبت التعلّق حال البلوغ، أيّ لا يكون مثبتا لعنوان «الحاليّة»، كما لا يخفى.

أقول: الظاهر: أنّ مقتضى الأصل في المسألة إنّما هو عدم وجوب الإخراج، و فاقا لجملة من المحشّين، و بيان ذلك: أنّا إذا بنينا على ما بنى عليه شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه- كما أشرنا إليه سابقا «1»- من أنّ اعتبار البلوغ في وجوب الإخراج يوجب تقسيم موضوعه- و هو الأموال- إلى قسمين: مال البالغ و مال غيره، و حينئذ فاعتبار الحول أو صدق الاسم في الوجوب المذكور، إنّما يكون في مال البالغ، فمال البالغ الّذي حال عليه الحول يجب فيه الزكاة، و مال البالغ الّذي صدق عليه الاسم يجب فيه ذلك، و لأجل ذلك بنى المشهور على أنّ مبدأ الحول من حين البلوغ، كما تقدّم بيانه. و الحاصل، يكون الموضوع الحول الجاري على المال حال كونه مال البالغ،

أو بالأصحّ: حال كونه مال غير اليتيم، و كذا صدق الاسم عليه حال كونه كذلك، و لازمه تقدّم البلوغ على صدق الاسم و عدم كفاية التقارن بين الأمرين. و على هذا، فلا يثبت باستصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البلوغ وجوب الإخراج، لأنّ الأصل المذكور لا ينقّح الموضوع، و هو الصدق حال البلوغ، كما عرفت.

و أمّا إذا بنينا على ما هو الحقّ في المسألة؛ من كون الموضوع لوجوب الزكاة هو مطلق الأموال، غاية الأمر يعتبر فيه- بمقتضى أدلّة اعتبار البلوغ، و صدق الاسم مثلا- أن يكون المالك غير يتيم و يكون الصّدق متحققا أيضا، و عليه، فيمكن نفي وجوب الإخراج في المقام باستصحاب عدم الصدق إلى زمان

______________________________

(1)-- في ص 131.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 176

لأنّ أصالة التأخّر لا تثبت البلوغ حال التعلّق، و لكنّ الأحوط الإخراج (32). و أمّا إذا شك حين التعلّق في البلوغ و عدمه، أو علم زمان التعلّق و شك في سبق البلوغ و عدمه، أو جهل التاريخين، فالأصل عدم الوجوب (33)، و أمّا مع الشكّ في العقل، فإن كان مسبوقا بالجنون، و كان الشكّ.

______________________________

البلوغ، فإنّه يكفي حينئذ في وجوب الإخراج صدق الاسم في زمان تحقّق البلوغ بنحو المقارنة، فلا محالة يكون انتفاء الوجوب المذكور باستصحاب عدم الصدق إلى زمان البلوغ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الصحيح في التعليل للإشكال هو أن يقال: لأنّ أصالة التأخّر لا تثبت التعلّق حال البلوغ ...، لا كما ورد في المتن، من قوله: «لأنّ أصالة التأخّر لا تثبت البلوغ حال التعلّق»، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل.

(32) لعلّ منشأ الاحتياط المذكور هو احتمال حجّية أصالة تأخّر الحادث بنفسها، بأن تكون أصلا

مستقلّا. حيث لم يثبت- عنده قدّس سرّه- عدم حجّيتها جزما.

(33) أمّا في الفرضين الأوّلين، فالوجه في عدم الوجوب ظاهر، فإنّ أصالة عدم البلوغ إلى زمان التعلّق، عند الشك في تحقّق البلوغ حال الصدق و عدمه، كما في الفرض الأوّل، أو الشكّ في سبق البلوغ عليه و تأخّره عنه، مع العلم بأصل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 177

..........

______________________________

وجوده- كما في الفرض الثاني- ممّا يترتّب عليه عدم الوجوب، كما هو ظاهر.

و أمّا الفرض الثالث، فإن بيننا في مجهولي التاريخ على عدم جريان كلّ من الأصلين في نفسه- كما هو مختار المحقّق صاحب الكفاية «1» قدّس سرّه- فالمرجع في المقام إنّما هو الأصل الحكميّ، و هو أصالة البراءة عن الوجوب- أو استصحابها- على ما نقّحناه من الأصل في المسألة، في صدر هذا المبحث.

و أمّا بناء على جريان الأصلين، لو كانا ممّا يترتب الأثر الشرعيّ على كلّ منهما في نفسه، و سقوطهما بالتعارض، فالمرجع حينئذ يكون هو الأصل الحكميّ على أحد التقديرين، و هو ما إذا بنينا على كفاية التقارن- بمعنى الاجتماع في الزّمان دون اعتبار الوصف المذكور- بين البلوغ و صدق الاسم في وجوب الإخراج، كما أشرنا إليه آنفا، فإنّ استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البلوغ المترتّب عليه نفي الوجوب، معارض باستصحاب عدم اليتم في زمان صدق الاسم، المترتّب عليه وجوب الزكاة، و ذلك لأنّ موضوع وجوب الزكاة- بعد إخراج عنوان اليتيم- كما في الروايات المتقدّمة في صدر المبحث- إنّما هو مال غير اليتيم الّذي صدق عليه الاسم، فمع الشك في تقدّم البلوغ- بمعنى عدم اليتم- على صدق الاسم و تأخّره عنه، نستصحب- لا محالة- عدم اليتم في زمان صدق الاسم، فيثبت

بذلك موضوع وجوب الزكاة.

و أمّا على التقدير الثاني، و هو ما لو بنينا على عدم كفاية التقارن بين البلوغ و صدق الاسم في وجوب الزكاة، و إنّما اعتبرنا تقدّم البلوغ على الصدق، فالمرجع- حينئذ- إنّما هو استصحاب عدم صدق الاسم في حال عدم اليتم- أي

______________________________

(1)- المحقق الخراساني، الشيخ محمد كاظم: كفاية الأصول/ بحاشيته المشكيني، ج 2:

صص 334- 336 [و] صص 419- 420، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 178

في حدوث العقل، قبل التعلّق أو بعده (34) فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل. و إن كان مسبوقا بالعقل، فمع العلم بزمان التعلّق و الشك في زمان حدوث الجنون، فالظاهر الوجوب (35).

______________________________

في حال البلوغ- المترتّب عليه عدم وجوب الزّكاة، و أمّا الأصل الثاني- و هو استصحاب عدم اليتم في زمان صدق الاسم- فلا يكفي لإثبات وجوب الزكاة، إذ لا يثبت بهذا الأصل تأخّر صدق الاسم عن البلوغ، و قد عرفت أنّ موضوع الوجوب هو صدق الاسم بعد البلوغ، فهذا الأصل- في نفسه- غير جار، فيبقى الأصل الأوّل النافي لوجوب الزكاة بلا معارض. فلاحظ و تأمّل.

(34) مفروض المسألة: أنّه كان مجنونا سابقا، فصار عاقلا بعد ذلك، و لكن شكّ في أنّ العقل الطاري كان قبل تعلّق الزكاة أو بعده، و يظهر الحال فيه ذلك ممّا تقدّم في البلوغ. فلاحظ بتأمّل و إمعان.

(35) هذا عكس الفرض الأوّل، و هو أنّه كان عاقلا سابقا فطرأ عليه الجنون، و شكّ في سبقه على التعلّق و عدمه.

و باستصحاب عدم حدوث الجنون، أو استصحاب العقل إلى زمان التعلّق، يحكم بوجوب الزكاة عليه لا محالة، فإنّ الموضوع للوجوب إنّما هو مال غير

المجنون الصّادق عليه الاسم، و صدق الاسم محرز بالوجدان، و عدم الجنون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 179

و مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشكّ في سبق التعلّق و تأخّره، فالأصل عدم الوجوب (36).

______________________________

بالأصل، فيكون الموضوع- بعد ضمّ الأصل إلى الوجدان- بكلا جزئيه محرزا، كما هو ظاهر.

(36) و علّق عليه المحقّق الخوئي «1»- مدّ ظلّه- في حاشيته، بقوله: «بل مقتضى الأصل الوجوب ...» و حاصل بيانه: أنّ الأصل في المقام إنّما يجري في أحد الطرفين، و هو معلوم التاريخ، و أمّا في مجهوله يجري لعدم ترتّب الأثر عليه، إلّا بناء على حجّية الأصل المثبت، ففي فرض العلم بتاريخ الجنون، و الشكّ في تاريخ التعلق- كما هو مفروض المسألة- يستصحب بقاء العقل إلى زمان التعلّق، فيترتّب عليه وجوب الزّكاة، و أمّا استصحاب عدم التعلّق إلى زمان الجنون، فلا يترتّب عليه نفي وجوب الزكاة، كى يعارض به الأصل الأوّل. و ذلك: لأنّ الخارج من دليل وجوب الزكاة إنّما هو صدق الاسم في مال المجنون، و استصحاب عدم الصدق إلى زمان الجنون لا يثبت كون الصدق في مال المجنون،

______________________________

(1)- و إليك نصّ- عبارته قدّس سرّهما في الحاشية: «بل مقتضى الأصل هو الوجوب، فإنّ استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلّق يترتّب عليه وجوب الإخراج، و أمّا استصحاب عدم التعلّق إلى زمان الجنون، فلا يترتّب عليه كون المال حال التعلّق مال المجنون، و ما لم يثبت ذلك يجب الإخراج، لأنّ الخارج عن دليل وجوب الزكاة، هو ما كان مال المجنون.

و من ذلك يظهر الحال في مجهولي التاريخ» (المحقّق الخوئي: الحاشية على العروة، ص 177، ط الخامسة).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

كي يتحقّق به موضوع عدم وجوب الزكاة، إلّا على حجّية الأصل المثبت.

و الحاصل: أنّ الموضوع الخارج عن دليل الوجوب إنّما هو صدق الاسم فيما كان مال المجنون، و استصحاب عدم الصدق إلى زمان الجنون لا يثبت به الموضوع المذكور، كما لا يخفى. ثمّ قال- مدّ ظله-: «و من ذلك يظهر الحال في مجهولي التاريخ»، فإنّ استصحاب العقل إلى زمان الصدق، المترتّب عليه وجوب الزكاة، بلا معارض، كما عرفت.

و يتوجّه على ما أفاده- مدّ ظله-:

أوّلا: أنّ مبنى جريان الأصل في معلوم التاريخ غير واضح عندنا، كما هو محرّر في بحث الأصول.

و ثانيا: إنّ التخصيص بالمجنون لا يعطي العامّ عنوانا وجوديّا، و هو عنوان «العاقل»، بل يكون المأخوذ فيه حينئذ عنوانا عدميّا، و هو «عدم الجنون» كما هو مختاره- دام ظلّه- في بحث الأصول، مع أنّ ظاهر عبارته يعطي خلاف ذلك، كما لا يخفى.

و ثالثا: إنّ موضوع وجوب الزّكاة إنّما هو «مال غير المجنون الّذي صدق عليه الاسم»، و بما أنّا نشكّ في كون المال مال غير المجنون في زمان صدق الاسم، فالأصل عدمه- أي عدم كونه مال غير المجنون- حال الصدق، فينتفي وجوب الزكاة لا محاله، و حينئذ فإذا فرضنا أنّ ما أفاده- دام ظلّه- من استصحاب العقل إلى زمان صدق الاسم كان تاما، فلا محالة تتحقّق المعارضة بين الاصلين، و يكون المرجع- بعد ذلك- هو الأصل الحكمي، و هو البراءة، كما هو ظاهر.

و الحاصل: أنّ النتيجة إنّما هي عدم وجوب الزكاة، إمّا بمقتضى الأصل الموضوعيّ، أو الأصل الحكميّ. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 181

و كذا مع الجهل بالتاريخين، كما أنّ مع الجهل بالحالة السابقة (37)، و أنّها الجنون أو العقل،

كذلك.

[مسألة 6: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلّق الزكاة]

[مسألة 6]: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلّق الزكاة، إذا كان في تمام الحول (38)، و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه، بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرّف، فلو اشترى نصابا من الغنم أو الإبل- مثلا- و كان للبائع الخيار، جرى في الحول من حين العقد، لا من حين انقضائه.

______________________________

(37) فرض المسألة مشكل، و إذا فرضناه فيمن يشكّ في عقله و جنونه فعلا، و أنّه كان ممّن قد تواردت عليه الحالتان سابقا مع الشك في المتقدّم و المتأخّر منهما، كان مقتضى استصحاب عدم ثبوت الزكاة، أو بتعبير آخر: استصحاب عدم التعلّق، هو عدم وجوب الزكاة عليه، كما هو ظاهر.

(38) بناء على ما هو الحق: من أنّ الملك في المعاملة الخياريّة متزلزل في مرحلة البقاء دون الحدوث، لا إشكال في وجوب الزكاة، و لو كان المال ممّا ثبت فيه الخيار تمام الحول أو بعضه، فإنّ المانع عن الزكاة إنّما هو كون المالك ممنوعا من التصرّف فيه، و الخيار- على الفرض- لا يكون مانعا من ذلك، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

نعم، على مذهب الشيخ «1» قدّس سرّه و تابعيه- على ما نسب إليه- من أنّ الملك فيما ثبت فيه الخيار متزلزل حدوثا، بمعنى أنّ حدوث الملكيّة مراعى بانقضاء الخيار، فهو- أي المشتري- لا يكون مالكا ما دام لم يسقط حق البائع، إمّا بالأخذ بالخيار، من الفسخ أو الإمضاء، أو بانقضاء زمانه، و حينئذ فلا مجال لتعلّق الزكاة بالمال المذكور بعد عدم حصول الملكيّة للمشتري، كما عرفت. إلّا أنّ المبنى غير صحيح، كما هو محرّر في محلّه، فإنّ ذا الخيار مسلّط

على فسخ العقد، من دون أن يكون ذلك مانعا عن ملكيّة الطرف الآخر. و تمام الكلام في محلّه.

نعم، يستثنى من ذلك الخيار المشروط بردّ مثل الثمن، كما إذا باع داره- مثلا- بثمن، و اشترط على المشتري حفظ المبيع، و أنّه متى ما ردّ مثل الثمن إلى مدّة معيّنة مثلا، استحق المبيع، و يسمّى مثله- في العرف الفارسيّ الدّارج اليوم- ب «بيع شرط»، و عليه، فمثل هذا المبيع ممّا لا يتعلّق به الزكاة، فيما لو كان هو من الأجناس الزكويّة، و ذلك لأنّه- في الحقيقة- لا يكون بيعا، بل الغرض هو وصول البائع إلى المال بوجه مشروع، و لذلك بحسب الارتكاز العرفي اشترط على المشتري عدم التصرّف في المبيع.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 19؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 31، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 39، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 9، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 183

[مسألة 7: إذا كانت الأعيان الزكويّة مشتركة بين اثنين أو أزيد، يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد]

[مسألة 7]: إذا كانت الأعيان الزكويّة مشتركة بين اثنين أو أزيد، يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد (39)، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركا.

______________________________

(39) اجماعا «1» و قد يقال: إنّ مقتضى القاعدة هو ثبوت الزّكاة في المال المشترك، فيما إذا كان بحدّ النصاب، و لو لم تكن حصّة كل واحد من الشريكين بالغا حدّ النصاب، و ذلك لاحتمال أن تكون الملكيّة في المال المشترك ملكيّة واحدة، غاية ما هناك: أنّ الملكيّة الواحدة- و هي إضافة بين المال و المالك- قد يكون أحد طرفي الإضافة

فيها- و هو المالك- واحدا، كما في المال الخاص، و قد يكون متعدّدا، و الملكيّة على كلا التقديرين واحدة، و حينئذ فبمقتضى الآية الكريمة «2» الدالّة على ثبوت الزكاة في أموال الملّاك- بعد تقييدها بصورة بلوغ النصاب- تجب الزكاة في المال المذكور، فإنّه على هذا مال مملوك، بالغ حدّ النصاب. نعم،

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 66، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 71؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 82، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 91، ط النجف الأشرف؛ النراقي، ملا احمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 25، ط إيران الحجريّة؛ الفقيه الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 27، ط إيران الحجريّة.

و لاحظ بهذا الصدد- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: صص 37- 38، ط جامعة المدرّسين، قم؛ ابن ادريس الحلّي: السرائر، ج 1: ص 451، ط جامعة المدرّسين، قم؛ العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 505، ط إيران الحجريّة.

(2)- التوبة، 9: 103.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 184

[مسألة 8: لا فرق- في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّا أو خاصّا]

[مسألة 8]: لا فرق- في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّا أو خاصّا (40)، و لا تجب في

______________________________

بناء على أن يكون كلّا من الشريكين مالكا بملكيّة مستقلّة لجزء مشاع غير بالغ حد النصاب- كما هو الواقع- لا مجال لثبوت الزكاة حينئذ، لعدم بلوغ المال حدّ النصّاب على الفرض. غير أنّه لا فائدة في هذا البحث بعد ورود النصّ الدالّ على اعتبار بلوغ حصة

كلّ واحد من الشريكين حد النصّاب في ثبوت الزكاة، كخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- «قلت له: مأتي درهم بين خمس أناس أو عشرة، حال عليها الحول و هي عندهم، أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة تلك- يعنى جوابه في الحرث- ليس عليهم شي ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مأتا درهم. قلت: و كذلك في الشاة، و الإبل، و البقر، و الذهب، و الفضّة و جميع الاموال؟ قال: نعم، «1»»، و صحيح محمد بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث زكاة الغنم- قال: «و لا يفرّق بين مجتمع، و لا يجمع بين متفرّق «2»»، و خبر محمد بن خالد: أنّه «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّدقة، فقال: «مر مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء، و لا يجمع بين المتفرّق، و لا يفرّق بين المجتمع- الحديث «3»».

(40) أمّا في نفس الوقف- العام أو الخاص- فلعدم الملكيّة، و هي معتبرة في ثبوت

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: أبواب زكاة الذهب و الفضة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 11: أبواب زكاة الأنعام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 185

نماء الوقف العام، و أمّا في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب.

[مسألة 9: إذا تمكّن من تخليص المغصوب، أو المسروق، أو المحجور، بالاستعانة بالغير، أو البيّنة، أو نحو ذلك بسهولة]

[مسألة 9]: إذا تمكّن من تخليص المغصوب، أو المسروق، أو المحجور، بالاستعانة بالغير، أو البيّنة، أو نحو ذلك بسهولة، فالأحوط إخراج زكاتها (41).

______________________________

الزكاة، كما مرّ بيانه. و أمّا في نماء الوقف العام، فلأجل أنّ تعيّن كون الشخص مالكا له- أو بتعبير آخر صيرورة المال ملكا لشخصه- إنّما يكون بالقبض،

و إلّا فهو ملك للكلّي، فقبل القبض لا يكون المال ملكا له بالخصوص، و الزكاة إنّما تثبت في الملك، كما مرّ بيانه.

و منه يظهر وجه ثبوتها في نماء الوقف الخاصّ، فإنّه مملوك له، بلا توقّف له على القبض، إذ المفروض كونه وقفا خاصّا، لا عامّا كالوقف على الفقراء أو طلّاب العلوم الدينيّة و نحوهما من الأوقاف العامة، و حينئذ فإذا بلغ نماء الوقف الخاصّ حدّ النصاب ثبت فيه الزكاة بلا إشكال.

(41) البحث في المسألة إنّما هو عن اعتبار السلطنة الفعليّة في ثبوت الزكاة، أو الأعمّ منها و من السلطنة الشأنيّة. و ليعلم أنّ فرض كون المال تحت يد شخص باختيار من مالكه و إرادته، بمعنى أنّ المالك باختياره كان قد أخرج ماله إليه، و هو متمكّن من استرجاع المال منه متى شاء، و إن اعتقد ذلك الشخص عدم تمكّن المالك منه، خارج عن محلّ الكلام، إذ المفروض في المثال هو عدم انقطاع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

السلطنة الفعليّة في زمان، و محلّ الكلام هو فرض انقطاع السلطنة الفعليّة في زمان، ثم تمكّن بعد ذلك من إعادة السلطنة الفعليّة عليه ثانيا، كما في المال المسروق أو المغصوب الّذي لم يتمكّن المالك من استرجاعه فترة من الزمن، ثمّ تمكّن منه بعد ذلك، و كذا ما إذا لم تكن له السلطنة الفعليّة عليه أصلا، ثم تمكّن من تحقيقها بعد ذلك، كما في ميراث الغائب: و كيف كان، فالبحث إنّما هو في كفاية هذا المقدار من التمكّن، في ثبوت الزكاة و عدمه.

و أساس البحث المذكور هو أنّ مقتضى أدلّة اعتبار التمكّن، من التصرّف مثل ما دلّ على اعتبار كون المال عنده، أو تحت

يده، و نحوهما من التعابير، إنّما هو اعتبار السلطنة الفعليّة، و حينئذ فتتقيّد أدلّة الزكاة، بما إذا كان التمكّن الفعليّ من التصرّف حاصلا، فلا تجب الزكاة في الّتي يفرض فيها التمكّن الشأنيّ دون الفعليّ،- كالأمثلة الّتي أشار إليها المصنّف قدّس سرّه- كما اختاره بعضهم «1»، منهم الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه في «مصباح الفقيه «2»»، و ذهب بعضهم «3»، و منهم صاحب المستند «4» قدّس سرّه و وافقهم المصنّف قدّس سرّه أيضا، إلى كفاية التمكّن الشأنيّ، و ثبوت

______________________________

(1)- المحقق الثاني، عليّ بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 6، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ المقدس الأردبيليّ، ملا أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 21، ط جامعة المدرّسين، قم؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 52- 53، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 13، ط إيران الحجريّة.

(3)- الشهيد الأوّل، محمد بن مكي: البيان/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 279؛ الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهيّة، ج 1: ص 160، أفست الطبعة الحجرية- إيران، بخط الكاتب، عبد الرحيم تبريزي رحمه اللّه؛ العاملي، السيد محمد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5:

ص 34، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(4)- النراقي، ملا احمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 10، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 187

..........

______________________________

الزكاة في الموارد المتقدّمة. و استدلّوا لذلك برواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «في رجل ماله عنه غائب، لا يقدر على أخذه، قال: «لا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، فإن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر

على أخذه، فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين «1»»، بتقريب: أنّها دالّة على أنّ المالك إذا كان متمكّنا من أخذ ماله و لكنّه يدعه متعمّدا وجب عليه الزكاة، و حينئذ فتتقيّد أدلّه ثبوت الزكاة- لا محالة- بموارد التمكّن، الأعمّ من الفعليّ و الشأنيّ بالمعنى المتقدّم.

و أورد عليه المحقق الهمدانى قدّس سرّه في «مصباح الفقيه «2»»، ما حاصله: أنّ الرّواية- بملاحظة صدرها- غير دالّة على ذلك، و ذلك لأنّ صدرها دالّ على أنّ المال الغائب الّذي انقطعت عنه سلطنة المالك عليه، بأن كانت غيبته بدون اختياره، و لم يقدر على أخذه، لا زكاة فيه، و ذيلها دالّ على حكم نقيض هذا الفرض. و بتعبير آخر: صرّح فى الذيل بمفهوم الصّدر، و هو أنّ المال الغائب الّذي لم تنقطع عنه سلطنته عليه، بأن كانت غيبته باختياره، و كان قادرا على أخذه و لكنّه يدعه و لا يأخذه متعمّدا، كالمال المستودع القادر على أخذه، غير أنّه يدعه عند الودعيّ و لا يأخذه منه، فهذا المال ممّا ثبت فيه الزكاة. و عليه، فالمال الغائب الّذي انقطعت سلطنته عليه مدّة، ثم تمكّن بعد ذلك من أخذه- الّذي هو محلّ الكلام- خارج عن مفاد الرواية صدرا و ذيلا. و دعوى أنّ المستفاد من إطلاق قوله عليه السّلام: «و إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه ...»

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 7.

(2)- الفقيه الهمداني، الآغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 13، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 188

..........

______________________________

هو أنّ ثبوت الزكاة دائر مدار القدرة على

الأخذ و عدمه، بلا فرق في ذلك بين أن تكون القدرة على الأخذ مسبوقة بالعجز عنه- كما هو محلّ الكلام- و بين ما لا تكون كذلك، مدفوعة بما عرفت، من أنّ الجملة لا إطلاق لها أصلا، فإنّها عبارة عن التصريح بمفهوم الصدر، فان الموضوع في الرواية هو المال الغائب، فإذا كان مقيّدا بعدم القدرة على الأخذ من الأوّل لم يكن فيه الزكاة، و هذا ما يفيده صدر الرواية. كما أنّه إذا لم يكن فيه هذا القيد من الأوّل، بأن كان قادرا على الأخذ من الأوّل كان فيه الزكاة، و هذا هو مفاد الذيل. و حينئذ فالمال الغائب القادر على أخذه، المسبوق بالعجز عنه، خارج عن مفادها صدرا و ذيلا، كما لا يخفى.

و دعوى أنّ المورد و إن كان خارجا عن مفاد الرواية- صدرا و ذيلا- إلّا أنّه يعلم حكمه منها بتنقيح المناط، حيث إنّه يستفاد منها كون المناط هو القدرة على الأخذ، و المفروض حصولها في محلّ الكلام، مدفوعة أيضا: بأنّ المناط في ثبوت الزكاة- كما يستفاد من الروايات الدالّة على اعتبار كون المال عنده أو تحت يده- إنّما هي السلطنة الفعليّة، و هي غير منقطعة عرفا في المورد المفروض في ذيل الرواية، بخلاف المقام، فإنّها منقطعة فيه، فكيف يمكن استفادة حكمه منها بتنقيح المناط، كما هو ظاهر. هذا هو حاصل ما أفاده قدّس سرّه.

و يتوجّه عليه: أنّ الظاهر من الرواية صدرا و ذيلا هو أنّ المال الغائب إذا لم يقدر على أخذه لا يثبت فيه الزكاة، و أمّا الّذي يقدر على أخذه و لكن يدعه متعمدا، فهو ممّا ثبت فيه الزكاة، و هذا كما يشمل المال المستودع الّذي يتمكّن من استرجاعه متى ما شاء،

كذلك يشمل المال المغصوب و نحوه، الخارج عن قدرته برهة من الزمان، و قد تمكّن من استرجاعه بعد ذلك، و لكنّه يدعه متعمّدا، فليست الرواية- صدرا و ذيلا- متمحّضة لبيان حكم المال الغائب الّذي لا يقدر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 189

..........

______________________________

على أخذه من حين غيبته، و المال الغائب الّذي يقدر على أخذه من ذلك الحين، كي يكون المال غير القادر على أخذه من الأوّل المتمكّن منه فيما بعد، خارجا عن مورد الرواية، كما لا يخفى.

و على الجملة: الموضوع العام هو المال الغائب، فإن كان هذا ممّا لا يقدر على أخذه فلا زكاة فيه، و إن كان ممّا يقدر على أخذه ففيه الزكاة، و الثاني- بإطلاقه- يشمل محلّ الكلام بلا إشكال. نعم، على ما أفاده قدّس سرّه من أنّ موضوع الحكم في الصدر هو المال الغائب الّذي خرج عن كونه مورد السلطنة الفعليّة، و موضوع حكم الذيل هو المال الغائب الّذي لم يخرج بعد عن مورد السلطنة الفعليّة لا يكون للذيل إطلاق بالإضافة إلى ما خرج عن مورد السلطنة الفعليّة مدّة، ثمّ حصل له التمكّن من إعادة تلك السلطنة؛ إلّا أنّ هذا المعنى خلاف الظاهر، كما لا يخفى على المتأمّل.

و المتحصّل من ذلك هو: أنّه- مع التمكّن من التخليص و تركه متعمّدا- يجب فيه الزكاة. ثم إنّ المصنّف قدّس سرّه قيّد ثبوت الزكاة في فرض التمكّن من التخليص بما إذا كان ذلك بسهولة. و الوجه في التقييد المذكور هو: أنّ المفروض في الرواية «فإن كان يدعه متعمّدا ...» و هو منصرف عرفا عمّا اذا كان متمكّنا من التخليص بمشقّة، فان ترك التخليص حينئذ لا يكون مصداقا للترك متعمّدا، فإنّ معنى

«يدعه متعمّدا» هو ما يعبّر عنه في اللّغة الفارسية «واگذاردن دل بخواهى» و ما يقرب من ذلك، و هو غير صادق فيما إذا كان في التخليص مشقّة، فإنّه لا يدعه حينئذ متعمدا، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 190

و كذا لو مكّنه الغاصب من التصرّف فيه مع بقاء يده عليه (42)، أو تمكن من أخذه سرقة (43)، بل و كذا لو أمكن تخليصه ببعضه (44)، مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبدا.

______________________________

(42) فإنّه يشمله حينئذ قوله عليه السّلام في الرواية المتقدّمة: «و إن كان يقدر على أخذه فإن كان يدعه متعمدا- و هو يقدر على أخذه- فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ من السنين».

(43) و علّق عليه بعض محشي الكتاب «1» بقوله: «من دون مشقّة و لا مهانة» و الوجه في هذا التقييد ظاهر، فإنّه إذا كانت فيها مشقّة أو مهانة، لم يشمله قوله عليه السّلام: «فإن كان يدعه متعمّدا ...» لما عرفت من انصرافه عرفا عمّا فيه المشقّة، و كذلك منصرف أيضا عمّا فيه المهانة، فإن تركه حينئذ لا يكون مصداقا للترك متعمّدا عند العرف، بل يكون مصداقا للترك مع المانع، كما هو ظاهر.

(44) قد يفرض التمكّن من التخليص في وقت ما من دون أن يتوقّف على رفع اليد عن بعض المال، إلّا أنّه بالفعل لا يتمكّن من ذلك إلّا برفع اليد عن بعضه. و قد يفرض عدم التمكّن من ذلك بدون رفع اليد عن البعض إلى الأبد، بمعنى: أنّه لا بدّ

______________________________

(1)- السيد العلّامة البروجردي- طالب ثراه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 191

و كذا في المرهون (45)، إن أمكنه فكّه بسهولة.

[مسألة 10: إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل]

[مسألة 10]: إذا

أمكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل،

______________________________

له من رفع اليد عن بعضه في أي وقت أراد استرجاع ماله. أمّا في الفرض الأوّل، فلا تثبت الزكاة في المقدار الّذي يتمكّن من تخليصه برفع اليد عن المقدار الآخر، و ذلك لعدم دخوله في قوله عليه السّلام «فإن كان يدعه متعمّدا ...» حيث إنّه لا يدعه حينئذ متعمّدا، بل لغرض عقلائي و لمانع معقول و هو انتظار الفرصة الّتي يمكنه تخليصه فيها بلا تنازل له عن بعضه و مثله: ما إذا توقّف تخليصه على تأدية شي ء من مال آخر غير هذا المال. و أمّا في الثاني، فالزكاة في ذلك المقدار ثابت، فإنّ مرجعه إلى أنّ بعض ماله قد ذهب من يده على كلّ حال، سواء أراد تخليص المال بالفعل أم أمهله إلى زمان آخر، و أمّا البعض الآخر فهو متمكّن من أخذه بلا مئونة و لا مشقّة، فترك أخذه حينئذ يكون مشمولا لقوله عليه السّلام: «فإن كان يدعه متعمّدا ...» و مقتضى ذلك ثبوت الزكاة.

(45) الفرق بين المرهون و بين المغصوب و المسروق و أمثالهما هو: أنّ عدم التمكّن من التصرّف في الأوّل لمانع شرعيّ، و هو تعلّق حقّ المرتهن بذلك، و في الثاني لمانع تكوينيّ، و هو عدم كون المال تحت استيلائه خارجا، و هذا هو الوجه في إفراده بالذكر، و إلّا فحكم هذا يظهر ممّا سبق أيضا، فإنّ الدليل واحد في الموردين، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 192

لم يجب إخراج زكاته (46)، بل و إن أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختيارا، مسامحة أو فرارا من الزكاة.

______________________________

(46) في المسألة قولان: أحدهما القول بالوجوب، اختاره الشيخ رحمه اللّه في «النهاية

«1»»، و «الجمل «2»» و «الخلاف «3»» و «المبسوط «4»» و المفيد «5» و المرتضى «6» رحمهما اللّه و الآخر: العدم، اختاره ابن أبي عقيل «7» و ابن الجنيد «8» و ابن إدريس «9» و هو المشهور بين المتأخّرين و متأخّريهم «10»، بل عليه إجماع المتأخّرين «11». و الكلام في المسألة يمكن أن يقع من ناحيتين: إحداهما بالنظر إلى القواعد، و هي الّتي تعرّض لها المصنّف قدّس سرّه، و حاصله: أنّ المستفاد من أدلّة

______________________________

(1)- لم يقع التعرض للمسألة في «النهاية» و إنّما تعرض فيها المسألة الزكاة في الغائب، كما في مفتاح الكرامة (ج 3/ كتاب الزكاة، ص 17). و لعلّه استفيد حكم المسألة ممّا ذكره قدّس سرّهما في المال الغائب.

(2)- الطوسي، محمد بن الحسن: الجمل و العقود، صص 101- 102، ط جامعة مشهد- إيران.

(3)- الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 80/ المسألة 96، ط جامعة المدرّسين، قم.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 211، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(5)- المفيد، محمد بن محمد: المقنعة، ص 239، ط جامعة المدرسين، قم.

(6)- المرتضى، على بن الحسين: جمل العلم و العمل/ بشرح القاضي ابن البرّاج، ص 241، ط جامعة مشهد [و] جمل العلم و العمل/ تحقيق: رشيد الصفّار، ص 123.

(7)- ابن إدريس: السرائر، ج 1: صص 443- 444، ط جامعة المدرسين، قم.

(8)- المصدر، ج 1: صص 443- 444.

(9)- المصدر، ج 1: صص 443- 444.

(10)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 33، ط النجف الأشرف.

(11)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 59، ط النجف الأشرف؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 17.

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الزكاة، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

الزّكاة إنّما هو تعلّقها بالعين، و أمّا الكليّ في الذمّة فما دام كونه كذلك، و لم يتعيّن في العين الخارجيّ، فلا يكون متعلّقا للزكاة، لظاهر قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ- الآية، و حينئذ فالدائن مالك للكلّي في ذمّة المدين، و الزّكاة انما تتعلّق بالعين. و أمّا العين الّتي ينوي المدين أدائها إلى الدائن بعنوان الوفاء بالدين فهي لا تكون ملكا للدائن ما لم يتحقّق القبض، و مجرّد تمكّنه من قبضها، أو أنّ المدين ينوى دفعه وفاء بالدين، و لكنّ الدائن يتسامح في الاستيفاء لا يحقّق ملكيّته لها، فالعين- على هذا- ممّا لا تثبت الزكاة فيهما أيضا لاشتراطها بالملك، كما هو ظاهر. و نتيجه ذلك أنّ مقتضى القاعدة هو عدم ثبوت الزكاة في الفرضين المذكورين في المتن.

الناحية الأخرى بالنظر إلى النصوص الواردة في المقام، و هي على طائفتين:

الأولى: النصوص الدالّة على عدم وجوب الزكاة، كصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا صدقة على الدّين، و لا على المال الغائب عنك، حتّى يقع بين يديك «1»»، و موثق إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام:

الدّين عليه زكاة؟ قال: «لا، حتى يقبضه، قلت: فإذا قبضه أ يزكّيه؟ قال: لا، حتّى يحول الحول عليه في يده «2»»، و موثق سماعة، قال: «سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس، تجب فيه الزكاة؟ قال: ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة- الخبر «3»». و يؤيّد ذلك- على فرض الخدشة في سند الشيخ إلى ابن فضال- رواية محمّد بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي،

محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 6.

(2)- المصدر/ باب 6: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 3.

(3)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 194

..........

______________________________

ليس في الدين زكاة! فقال: «لا «1»،».

الطائفة الثانية: النصوص الّتي استدلّ بها لثبوت الزكاة على الدائن، كرواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: في رجل ماله عنه غائب، لا يقدر على أخذه، قال: «فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد. فإن كان يدعه متعمّدا، و هو يقدر على أخذه، فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ من السنين «2»»، و رواية ميسرة، عن عبد العزيز، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له الدين، أ يزكّيه؟ قال: «كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة «3»»، و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في الدين زكاة، إلّا أن يكون صاحب الدّين هو الّذي يؤخّره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه «4»»، و صحيحة أبي الصّباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: فى الرّجل ينسئ، أو يعين «5»، فلا يزال ماله دينا، كيف يصنع في زكاته؟ قال: «يزكّيه، و لا يزكّي ما

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 7.

(3)- المصدر/ باب 6: من تجب

عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 5.

(4)- المصدر، ح 7.

(5)- كما في نسخة الكافي (ج 3: ص 521/ ح 12، ط دار الكتب الإسلاميّة، طهران) و رواه في الوسائل (باب 6: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 11)، و فيه: «يعير» بدل «يعين». قال العلامة المجلسي رحمه اللّه: «في القاموس: أخذ بالعينة- بالكسر- أي: السلف، أو أعطى بها ...» (المجلسي: مرآت العقول، ج 16: ص 40، ط دار الكتب الإسلامية، طهران).

و عليه، فالمراد به في مقابل قوله: «ينسئ» أنّه يشترى المال سلفا، فيكون المال دينا له على البائع، كما أنّه في «بيع النسيئة» يكون الثمن دينا له على المشتري. و قال الطريحي رحمه اللّه:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 195

..........

______________________________

عليه من الدّين، إنّما الزكاة على صاحب المال».

و لا يخفى أنّ الطائفة الثانية لا تنهض بمعارضة الطائفة الأولى، أمّا رواية زرارة، فلكونها أجنبيّة عن المقام، فإنّ الظاهر منها أنّ موضوعها هو العين الغائبة، فلا تشمل الدين. و أمّا روايتا عبد العزيز، و عمر بن يزيد فهما ضعيفتا السند.

و أمّا صحيحة الكناني، فهي- بحسب موردها، و هو النسيئة- واردة في الدّين الّذي لا سلطنة لصاحبه على استيفائه، فلا يمكن تخصيصه بالدين الّذي يكون تأخيره من قبل صاحبه، فهي معارضة للطائفة الأولى، المصرّحة بانتفاء الزكاة في الدّين، و مقتضى الجمع هو حملها على الاستحباب. و لو قيل: إنّها- بظاهرها- تعارض الطائفة الأولى بنحو لا تقبل الجمع العرفي، فلا بدّ من طرحها، لأنّ الطائفة الأولى قطعيّة الصدور باعتبار استفاضتها، كما لا يخفى «1».

______________________________

«و العينة- بالكسر-: السّلعة، و قد جاء ذكرها في الحديث. و اختلف في تفسيرها، فقال ابن إدريس

في «السرائر»: العينة، معناها في الشريعة هو: أن يشتري سلعة بثمن مؤجّل، ثم يبيعها بدون ذلك الثمن نقدا ليقضي دينا عليه لمن قد حلّ له عليه، و يكون الدين الثاني- و هو العينة- من صاحب الدين الأوّل، مأخوذ ذلك من «العين»، و هو النقد الحاضر ...» (الطريحي: مجمع البحرين، ج 6: ص 288، ط المكتبة المرتضويّة، طهران).

(1)- و قد استوضحت- بعد ذلك- سيّدنا الاستاذ- دام ظلّه- بشأن صحيحة أبي الصباح، فأدلى بما يلي: إنّ الرّواية إنما تدلّ على أنّ الزكاة على صاحب المال، أي من يكون له مال، من دون دلالة لها على أن ذلك بالفعل، حتى تنافي الروايات النافية للزكاة عن الدين. و بعبارة اخرى: تدلّ على أنّ الزكاة على من له مال، و أنّ المدين حيث لا مال له فلا زكاة عليه، و لكن لا دلالة لها على ثبوت الزكاة على صاحب المال فى مفروض الرواية فعلا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 196

و الفرق بينه و بين ما ذكر في المغصوب و نحوه (47): أنّ الملكيّة حاصلة في المغصوب و نحوه، بخلاف الدين، فإنّه لا يدخل في ملكه إلّا بعد قبضه.

[مسألة 11: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه، لا المقرض]

[مسألة 11]: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه (48)، لا المقرض، فلو اقترض نصابا من أحد الأعيان الزكويّة، و بقي عنده سنة، وجب عليه الزكاة. نعم، يصحّ أن يؤدّي المقرض عنه تبرّعا (49)، بل يصحّ تبرّع الأجنبيّ أيضا.

______________________________

(47) فإنّ المغصوب، و المسروق ملك لمالكه، و لا يخرج بالغصب و نحوه عن الملكيّة، و هذا بخلاف الدين، فانه لا يكون ملكا لصاحبه إلّا بعد قبضه، فقبل القبض لا يكون ملكا، و من شرائط الزكاة كون المال ملكا، كما مرّ.

(48)

وجه التقييد بما بعد القبض بالإضافة إلى المقترض، إنّما هو من جهة أنّ الملكيّة لا تحصل في الفرض إلّا بعد القبض، و ما لم تحصل الملكيّة، و يمضي عليها الحول عند مالك المال لم تثبت الزكاة فيه، كما مرّ الكلام فيه تفصيلا. و من هنا يظهر الوجه في عدم ثبوت الزكاة على المقرض بعد تحقق القبض، و ذلك لأنّ المال- بالقبض- يخرج عن ملكه، كما عرفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 197

..........

______________________________

(49) ربما يعلّل ذلك- كما حكي عن صاحب المدارك «1» قدّس سرّه- بأنّه بمنزلة أداء الدّين، فكما يسقط الدّين بإبراء المالك، أو بتبرّع الأجنبيّ، كذلك تسقط الزكاة أيضا بأداء المقرض. أو بتبرّع الأجنبيّ، و لا يخلو هذا عن المناقشة، و ذلك لأنّ الدائن مالك لما في ذمّة المدين، فإذا تبرّع بأدائه شخص ثالث كان قد استوفى حقه، و لا تبقى ذمّة المدين مشغولة به بعد ذلك. و كذلك الحال فيما إذا أبرأه المالك، كما هو ظاهر، و هذا بخلاف باب الزكاة، فإنّ المالك لها إنّما هو الكلّي، و تعيّن الفقير الخاصّ بكونه مالكا لها إنّما يكون بأداء و تعيين من له الولاية على ذلك، كالمالك و وكيله و نحو ذلك، و حينئذ فلا دليل على تعيّن ذلك بمجرّد دفع المقرض، المفروض عدم كونه مالكا للمال، لخروجه عن ملكه بالقبض على الفرض، و لا مأذونا من قبله.

و إن شئت قلت: إنّ الزكاة متعلّقة بمال المقترض دون المقرض، و تعيّنها في المال الخاص إنّما يكون بتعيين من له حقّ التعيين، و لم يعلم ثبوت ذلك في حقّ المقرض، و هذا بخلاف الدين فإنّه من حقّ الدائن، فإذا استوفى حقّه و لو بتبرّع

الأجنبيّ لم يبق له حقّ بعد ذلك، كما هو ظاهر.

فالأولى أن يستدل للحكم المذكور بصحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل استقرض مالا، فحال عليه الحول و هو عنده، فقال: «إن كان الّذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض «2»».

______________________________

(1)- قال قدّس سرّه: «و لو تبرّع المقرض بالإخراج عن المقترض، فالوجه الإجزاء، سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا، و به قطع في «المنتهى»، قال: لأنّه بمنزلة الدّين ...» (العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 38، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 198

و الأحوط (50) الاستيذان من المقترض في التبرّع عنه، و إن كان الأقوى عدم اعتباره، و لو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض، فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجّها إليه لم يصحّ (51)، و إن كان المقصود أن يؤدّي عنه صحّ (52).

______________________________

(50) لعلّ منشأ الاحتياط هو احتمال اختصاص النصّ المتقدّم بصورة الاستيذان، كما يناسبه التعبير عنه بقوله: «إن كان الّذي أقرضه يؤدّي زكاته ...» و إلّا كان التعبير المناسب به هكذا: «فإن أدّى الّذي أقرضه ...». و لعلّه لأجل قوّة هذا الاحتمال علّق ذلك عليه بعض المحشّين «1» بقوله: «لا يترك»

(51) لأنّ الشروط إنّما يجب الوفاء بها ما لم تحلّل حراما أو تحرّم حلالا، أو بتعبير آخر: ما لم تكن مخالفة للكتاب و السّنة، و الشرط على النحو المذكور مخالف لهما، فإنّ خطاب الزكاة- بنصّ الكتاب و

السّنة- متوجّه إلى المالك، و هو المقترض، بلا إشكال.

(52) إذ لا مانع من وجوب الوفاء بالشرط المذكور، كبرى و صغرى، كما هو

______________________________

تجب عليه، ح 2.

(1)- الحجّة، السيد البروجردي- طاب ثراه- و نحوه غيره من الأعلام- قدّس اللّه أسرارهم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 199

[مسألة 12: إذا نذر التصدّق بالعين الزكويّة]

[مسألة 12]: إذا نذر التصدّق بالعين الزكويّة، فإن كان مطلقا غير موقّت، و لا معلّقا على شرط، لم تجب الزكاة فيها (53)، و إن لم تخرج عن ملكه بذلك، لعدم التمكّن من التصرّف فيها، سواء تعلّق بتمام النصاب أو بعضه. نعم، لو كان النذر بعد تعلّق الزكاة، وجب إخراجها أوّلا، ثمّ الوفاء بالنذر (54)،

______________________________

ظاهر. إلّا أنّ الزكاة لا تسقط بالشرط المذكور، بل بأداء المقرض، كما نبّه عليه عليه بعض محشي الكتاب «1»

(53) و الوجه في ذلك هو انصراف الأدلّة عنه، لما مرّ من الوجه فيه. أو لما أفاده الفقيه المحقق الهمداني «2» قدّس سرّه من أنّ الملكيّة في أمثال هذه الموارد ملكيّة ناقصة بنظر العرف، فكأنّه لا ملك، فينصرف عنها ما دلّ على ثبوت الزكاة.

(54) ظاهر المتن إنّما هو إخراج مقدار الزكاة، ثمّ التصدّق بالباقي، بعنوان الوفاء بالنذر، و هو مبنيّ على «قاعدة الميسور»، بدعوى أنّ الوفاء بالنذر بالتمام معسور، و ببعضه ميسور منه، و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، كما عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه في «مصباح الفقيه «3»».

______________________________

(1)- الحجّة، السيد البروجردي- طاب ثراه- و نحوه غيره من الأعلام- قدّس اللّه أسرارهم.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 10، ط إيران الحجريّة.

(3)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

و فيه أنّ كبرى «قاعدة الميسور» غير مسلّمة

عندنا، لعدم خلوّ ما استدلّ به للقاعدة من المناقشة سندا، أو سندا و دلالة، كما هو محرّر في محلّه من بحث الأصول.

و الصّحيح إنّما هو التصدّق بجميع النصاب وفاء بالنذر، و إخراج الزكاة من غيره، كما احتمله قويّا المحقق الهمداني قدّس سرّه أيضا، إلّا انه وجّه ذلك بأنّ للمالك أن يتعهّد بالزكاة من غير جنسه، إذ لا يلزمه إخراجها من نفس الجنس، فمع الالتفات إلى ذلك، إذا نذر التصدّق بجميع النصاب كان مرجعه إلى الالتزام بأداء الزكاة من غير النصاب مقدّمة للوفاء بالنذر «1». و لا يخفى ما فيه، إذ أنّه- مع الغفلة عن الأمر المذكور- لا يكون مرجع النذر بالتصدّق إلى الالتزام بأداء الزكاة من غير النّصاب، كما هو ظاهر.

و التحقيق أن يقال: إنّ المورد خارج عن باب التزاحم رأسا، و ذلك لما ذكرناه في بحث الأصول من عدم المزاحمة بين واجبين، أحدهما ممّا له البدل دون الآخر، لقدرة المكلّف على امتثالهما معا، و قوام التزاحم بعدم القدرة على ذلك، ففي المقام، حيث أنّ حقّ الزكاة متعلّق بالمال بنحو تعلّق حق الجناية برقبة العبد، من جهة تخيير المالك بين أدائها من نفس الجنس أو من مال آخر، كما أنّه مخيّر- في ذلك الباب- بين دفع العبد إلى أولياء المجنيّ عليه، و بين فكّ رقبته بدفع مال آخر إليهم. و على هذا، فالزكاة ممّا لها بدل، بخلاف الصدقة، و حينئذ فلا تزاحم أصلا، فيجمع المكلّف بينهما بالتصدّق بالمال وفاء بالنذر، و يضمن الزكاة من غيره. أو و إن كان موقّتا بما قبل الحول و وفى بالنذر، فكذلك لا تجب الزكاة، إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب، و كذا إذا لم يف به، و قلنا

بوجوب القضاء ...»، أو

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 10، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 201

و إن كان موقتا بما قبل الحول و وفى بالنذر، فكذلك لا تجب الزكاة، إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب (55)، و كذا إذا لم يف به و قلنا بوجوب القضاء، بل مطلقا، لانقطاع الحول

______________________________

إنّ التزاحم و إن كان موجودا، إلّا أن ثبوت البدليّة لأحدهما دون الآخر من المرجّحات، كما ذكره جملة من الأعلام «1»، و إن كان ذلك خلاف التحقيق. و المسألة محرّرة في الأصول.

ثمّ إنّه قد يوجّه ما هو ظاهر المتن: بأنّ الزكاة- بناء على تعلّقها بالعين بنحو الشركة الحقيقيّة، أو بنحو الكليّ في المعيّن- يوجب أن يكون المال بمقدار الزكاة ملكا للفقراء، و حينئذ فيكون النذر باطلا بالإضافة إلى ذلك المقدار، فيتمّ حينئذ ما أفيد، من وجوب إخراج الزكاة أوّلا، ثم التصدّق بالباقي. و يندفع ذلك: بأنّه إنّما يتمّ فيما لو قلنا بملكيّة المال للفقراء- بأحد النحوين- قبل وصوله إليهم، و هو ممنوع، فإن مقتضى ما ثبت من حق المالك في التبديل و إعطاء الزكاة من غير المال الزكويّ- كما سيأتي ان شاء الله تعالى- هو عدم الملكيّة قبل الإعطاء إليهم بنحو ينافي انعقاد النذر.

(55) و الوجه فيه ظاهر، فإنّه مع وجوب القضاء يكون داخلا في القسم الأوّل، و هو منذور الصدقة بنحو مطلق، و قد عرفت كونه مانعا عن تعلّق الزكاة.

______________________________

(1)- منهم المحقّق النائيني قدّس سرّه (المحقّق الخوئي قدّس سرّه، السيد ابو القاسم: أجود التقريرات، ج 1:

صص 271- 272، ط الثانية).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 202

بالعصيان (56).

______________________________

(56) لم

يظهر وجه لما أفاده قدّس سرّه من الانقطاع بالعصيان، كما نبّه عليه جمع من محشي الكتاب «1»، بل الصحيح- على فرض تسليم الانقطاع- هو أنّ الحول ينقطع بنفس النذر، و ذلك لأنّ المعتبر هو التمكّن من التصرّف في تمام الحول، فبالنذر الموقّت بما قبل الحول ينقطع الحول لا محالة، لصيرورته بذلك غير متمكّن منه في بعض الحول. إلّا أنّ الانقطاع بالنذر مشكل، كما نبّه عليه بعض محشي المتن «2». فإنّ الدليل على اعتبار التمكّن إن كانت هي الروايات المتقدّمة، الصريحة في اعتباره في تمام الحول، فقد عرفت أنّها لا تدلّ إلّا على اعتبار التمكّن بمعنى الاستيلاء على المال خارجا، في مقابل المسروق، و المغصوب، و المدفون في مكان منسيّ، و لا تدلّ على اعتبار الأعمّ من ذلك، كي يشمل ما يكون منه في قبال منذور الصدقة.

و إن كان هو الانصراف، الموجب لاعتبار التمكّن في مقابل الوقف، و الرهن، و نذر الصدقة، و نحو ذلك، فهو إنّما يختصّ بمنذور الصدقة مطلقا، غير موقّت و لا معلّق، و ذلك لأنّ تقريب الانصراف- على الوجه الّذي ذكرناه سابقا- لا يتمّ إلّا على أن يكون زمان النذر مطلقا شاملا لزمان التعلّق أيضا، و

______________________________

(1)- كالحجّة، السيد الطباطبائي البروجردي، و العلم الحجّة السيد الخوئي قدّس سرّهما، و غيرهما من الأعلام.

(2)- هو سيدنا الاستاذ، المحقّق الخوئي قدّس سرّه، قال: «العصيان لا يوجب انقطاع الحول، فلو كان هناك قاطع فلا محالة يكون هو النذر نفسه، إلّا أنّك عرفت: أنّه ليس بقاطع، و لا سيّما في الفرض المذكور».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 203

نعم، إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت (57)، على

______________________________

أمّا إذا كان موقّتا بما قبل

الحول- كما هو المفروض- لم تتمّ دعوى الانصراف على الوجه المتقدّم، فلاحظ ما ذكرناه هناك.

نعم، بناء على استفادة مانعيّة النذر، تتمّ دعوى انقطاع الحول بالنذر الموقّت بما قبل الحول، بأحد أمرين:

الأوّل: دعوى التسالم على اعتبار جميع الشرائط في تمام الحول، فإذا كان التمكّن بهذا المعنى شرطا، كان معتبرا- لا محالة- في تمام الحول بمقتضى التسالم، فلا محالة ينقطع الحول بالنذر المذكور.

الثاني: دعوى أنّ المستفاد من أدلّة الحول إنّما هو لزوم حول الحول مترتّبا على جميع الشرائط، بمعنى أنّ المال الّذي اجتمع فيه جميع الشرائط، إذا حال عليه الحول من حين اجتماع الشرائط كلّها، يثبت فيه الزكاة، و حينئذ فالحول ينقطع- لا محالة- بالنذر المذكور، حيث إنّه- على الفرض- لم يحل الحول على المال الجامع للشرائط كلّها، كما هو ظاهر.

و كلا الأمرين محلّ تأمّل، أمّا الأوّل، فلا دليلية له أصلا، إذ لا مجال للتعبّد بالتسالم في أمثال المقام، ممّا يحتمل أو يظنّ بهم الاستناد إلى الدليل الموجود في المسألة. و أمّا الثاني، فصحّته موقوفة على النظر في أدلّة اعتبار الحول، و ما يستظهر منها، و سيجي ء ذلك إن شاء اللّه تعالى.

(57) بناء على انقطاع الحول بالنذر ظاهر، فإنّ الانقطاع إنّما يكون بمقدار زمان النذر، كما أنّ زمان امتثال النذر و عصيانه هو ذلك أيضا، فإذا تحقّق منه العصيان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 204

القول بعدم وجوب القضاء. و كذا إن كان موقّتا بما بعد الحول (58)، فإنّ تعلّق النذر به مانع عن التصرّف فيه. و أمّا إن كان معلّقا على شرط (59)، فإن حصل المعلّق عليه قبل تمام الحول لم تجب، و إن حصل بعده وجبت (60).

______________________________

فإنّما يكون ذلك بعدم الوفاء

بالنذر إلى آخر الوقت، فانّ المفروض كونه موقّتا، فيكون مبدأ الحول- على هذا- من حين العصيان، كما هو ظاهر.

(58) و وجهه ظاهر، لوجوب حفظ المال بملاك وجوب حفظ المقدمات المفوّتة، مقدّمة لوجوب الوفاء بالنذر، أو للبناء على الواجب المعلّق و وجوب مقدّماته قبل حلول زمانه، فلا يكون متمكّنا من التصرّف فيه، فينصرف عنه ما دلّ على وجوب الزكاة.

(59) كما إذا علّقه على قدوم المسافر، أو برء المريض و نحوهما، فحصل ذلك قبل تمام الحول، و كان تمام المال البالغ حدّ النصاب، أو بعضه موردا للنذر، كما هو المفروض. و الوجه فيه ظاهر، لاعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة، المفروض انقطاعه بوجوب صرف المال في النذر.

(60) الظاهر هو عدم وجوبها، سواء أ كان عالما بتحقّق المعلّق عليه، أم كان شاكّا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 205

..........

______________________________

في ذلك. أمّا على الأوّل، فمع العلم بتحقّق شرط الوجوب في ظرفه، و صيرورة الفعل ذا ملاك ملزم بحقّه في ذلك الظرف، يجب عليه حفظ المال مقدّمة لتحصيل غرض المولى، فإنّ قبح تفويت الغرض الملزم- عند العقل- بحكم عصيان التكليف الفعليّ. و على الجملة وجوب حفظ المال فى هذا الفرض إنّما هو بملاك وجوب المقدمات المفوّتة، المعنونة في بحث الأصول، إمّا وجوبا شرعيّا أو وجوبا عقليّا، على الخلاف في ذلك. و كيف كان، فحفظ المال مقدّمة للوفاء بالنذر في ظرف حصول المعلّق عليه لازم، و هذا ينافي ثبوت الزكاة، كما هو الحال في النذر المطلق، أو الموقّت بما بعد الحول.

و أمّا على الثاني، فلأنّ مرجع النذر المذكور إلى التزامين: أحدهما متعلّق بحفظ المال إلى زمان حصول المعلّق عليه، و الآخر الالتزام بدفعه وفاء بالنذر، على

تقدير حصول المعلّق عليه، و حينئذ، فمع التزامه بحفظ المال المذكور إلى ذلك الوقت، كيف يمكن تعلق الزّكاة به؟ و ذلك، لأنّ الالتزام المذكور إنّما يجب بعنوان الوفاء بالنذر، لما عرفت من انحلال النذر في امثال المقام إلى ذلك.

و إجمال الكلام: أنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ نذر التصدّق بالمال معلّقا على شي ء يشكّ في تحقّقه، يكون راجعا- بحسب نظر أهل العرف- إلى نذرين: أحدهما متعلّق بحفظ المال إلى ذلك الوقت، و الآخر بدفعه إلى مصرفه عند تحقّق الشرط، و هذا ينافي تعلّق الزكاة بالمال المذكور، كما يخفى. و هذا الملاك بعينه موجود في الفرض الأوّل أيضا، فعدم ثبوت الزكاة فيه إنّما هو بملاكين، و أمّا في الثاني فهو بملاك واحد، فلاحظ و تأمّل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 206

و إن حصل مقارنا لتمام الحول. ففيه إشكال، و وجوه (61)، ثالثها: التخيير بين تقديم أيّهما شاء، و رابعها القرعة.

______________________________

(61) ذكر المصنّف قدّس سرّه في المسألة وجوها أربع:

الأوّل: وجوب الزّكاة دون الوفاء بالنذر. و لعلّ الوجه في ذلك أنّ الزكاة متعلّقة بالعين، على وجه الشركة الحقيقيّة، أو على نحو الكلّي فى المعيّن، فالفقراء مشتركون مع الملّاك في ملكيّة جزء مشاع، أو فرد مردّد بين أفراد الجنس المعيّن، كما هو المشهور في تعريف الكلّي في المعيّن. و حينئذ فلا يبقى موضوع لنذره التصدّق بتمام المال، بعد فرض كون مقدار منه مملوكا للغير. و لزوم الوفاء بالمقدار الباقي، بعد إخراج الزكاة، لا دليل عليه، حيث لم يتعلّق النذر به، كما هو ظاهر. و على الجملة: مع فرض وجوب الزكاة لتحقّق شرائط، لا يبقى مجال لصحّة لنذر المذكور أبدا لكونه مفوّتا لحقّ الفقراء و يعتبر

فيه أن يكون راجحا.

الثاني: وجوب الوفاء بالنذر دون الزكاة. و الوجه فيه أنّ الشرط إمّا أن يعلم بتحقّقه، أو يشكّ في ذلك، و على كلا التقديرين فالواجب هو حفظ المال إلى زمان تحقّقه- كما عرفت ذلك في الصورة السّابقة- و حينئذ، فهو غير متمكّن من التصرّف في مقدار من الحول، فيرتفع به موضوع وجوب الزكاة لا محالة.

الثالث: التخيير بين تقديم أيّهما شاء، فانّ وجوب الزكاة متعلّق بالعين، و المفروض عدم انتفاء التمكّن المعتبر فيه من ناحية النذر فعند حلول الحول تجب الزكاة، و من ناحية اخرى يجب الوفاء بالنذر لتحقّق الشرط المعلّق عليه، فيتزاحمان، و حينئذ فيسقط إطلاق كلا الدليلين، و نتيجته التخيير الشرعي. أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 207

[مسألة 13: لو استطاع الحج بالنصاب]

[مسألة 13]: لو استطاع الحج بالنصاب، فإن تمّ الحول قبل سير القافلة و التمكّن من الذّهاب، وجبت الزكاة أوّلا (62)، فإن

______________________________

أنّه- بعد العلم بعدم وجوبهما معا، و عدم الموجب لارتفاع الوجوبين كليهما- بمقتضى العلم بأحد الأمرين، يحكم العقل بالتخيير بعد سقوط كلا الدليلين بالمعارضة، كما هو الحال في تعارض الدليلين في الواجبات الضمنيّة.

الرّابع: القرعة، لكونها لكلّ أمر مشكل، أو مشتبه. و المقام من هذا القبيل.

هذا، و لكن الوجه الأوّل باطل، لفساد المبنى، كما تقدّم الكلام فيه بالتفصيل، و معه يبطل القول بالتخيير لا محالة، لابتنائه على الوجه الأوّل. كما أنّ الرجوع إلى القرعة باطل، أما أوّلا لاختصاصها بالشبهات الموضوعيّة، فلا تجرى في مورد الشبهات الحكميّة، كما في المقام. و ثانيا أنّه مع تماميّة الوجوه الأخر أو إنّه بعضها لا يبقى إشكال و اشتباه، كي يتحقّق موضوع الرجوع إلى قاعده القرعة.

و عليه فالصحيح هو الاحتمال الثاني، و هو وجوب الوفاء

بالنذر دون وجوب الزكاة، و مع التنزّل عنه، نقول بالجمع بين الوفاء بالنذر و أداء الزكاة، فان مقتضى أدلّة وجوب الزكاة هو وجوبها، كما أنّ مقتضى دليل الوفاء بالنذر هو وجوبه، و لا منافاة بينهما، فإنّ وجوب الوفاء بالنذر تعيينيّ، و وجوب الزكاة تخييريّ، حيث إنّه يمكن أداء الزكاة من مال آخر، و يمكن الجمع في امتثال كلا التكليفين. و هذا وجه خامس في المسألة.

(62) كما عن الشهيد قدّس سرّه في «البيان «1»»، قال: «و لو استطاع بالنصاب، فتمّ الحول

______________________________

(1)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: البيان، ص 281، ط المؤسّسة الثقافيّة للإمام المهدي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 208

بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب، و إلّا فلا، و إن كان مضيّ الحول متأخّرا عن سير القافلة، وجب الحجّ (63)، و سقط وجوب الزكاة. نعم، لو عصى و لم يحجّ وجبت بعد تمام الحول.

______________________________

قبل سير القافلة، وجبت الزكاة، فلو خرج بدفعها عن الاستطاعة، سقط وجوب الحجّ في عامه»، و نحوه غيره «1» و الوجه في ذلك ظاهر، فإنّ شرائط الزكاة متحقّقة، فتثبت هي لا محالة، و أمّا الحجّ، فالمفروض أنّ وجوبه مشروط بالاستطاعة حين سير القافلة و التمكّن من الذهاب، و هو غير مستطيع في ذلك الحين، لوجوب الزكاة عليه في زمان سابق على ذلك، كما هو واضح.

(63) لا بدّ من الإشارة العابرة إلى مقدّمة تمهيديّة- قبل الورود في المسألة- و هي أنّ التزاحم يكون على نحوين:

الأوّل: ما يكون التنافي بين التكليفين في مقام الامتثال، بمعنى أنّ عجز المكلّف عن امتثالهما معا أوجب تنافيهما، و إلّا لم يكن أيّ تناف بينهما أصلا، و ذلك كما في الواجبين المطلقين، غير المشروطين بالقدرة

شرعا، كوجوب إنقاذ غريقين، مع عدم تمكّن المكلّف من انقاذ كليهما و علاج التزاحم حينئذ إنّما يكون بملاحظة المرجّحات، من الأهميّة و غيرها، و مع عدمه فالتخيير. و أمّا الأسبقيّة زمانا فهي غير مرجّحة في هذا القسم، كما هو محقّق في محلّه.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 23.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

الثاني: ما يكون التنافي بينهما في مقام الامتثال، و لكن مع فرض كون كلّ منهما بنفسه رافعا لموضوع الآخر، كما في الوجوبين المشروطين بالقدرة شرعا، كوجوب الحجّ المشروط بالاستطاعة، و وجوب أداء الدّين المشروط باليسار، فإذا فرضنا أنّ المكلّف غير متمكّن من الأمرين معا، و كان الدائن مطالبا، فحينئذ يتزاحم وجوب الحجّ و أداء الدّين لا محالة، و كلّ منهما بوجوده يكون رافعا لموضوع الآخر، بمعنى أنّ وجوب الحج- على تقدير ثبوته- رافع لليسار المأخوذ في موضوع وجوب أداء الدين، كما أنّ ثبوت وجوب الأداء رافع للاستطاعة المأخوذة في وجوب الحجّ، و كما في المقام، حيث أنّ وجوب الحجّ يكون موجبا لحفظ المال و عدم التمكّن من التصرّف فيه، فيكون رافعا لموضوع وجوب الزّكاة، المشروط بالتمكّن من التصرّف في المال، كما أنّ وجوب الزكاة يكون رافعا للاستطاعة المشروط بها وجوب الحج. و الأسبقيّة زمانا- في الجملة- يكون من المرجّحات حينئذ و لكن الّذي ينبغي التنبيه عليه هو أنّ تسمية القسم الثاني من التزاحم مبنيّ على المسامحة، و إرادة المعنى اللغويّ من التزاحم، أعني به التمانع، و إلّا فليس هو من التزاحم المصطلح، فإنّه عبارة عمّا يكون امتثال كلّ من التكليفين المتزاحمين رافعا لموضوع التكليف بالآخر، من حيث أنّه بذلك تنتفى القدرة على

متعلّقه، و هي شرط في التكليف به، لا أن يكون كلّ من التكليفين بنفسه- لا بامتثاله- رافعا لموضوع الآخر، كما هو الحال في القسم الثاني.

و تفصيل الكلام: أنّ التمكّن- الّذي هو شرط في وجوب الزكاة- تارة يراد به «كون المال عنده» أو «تحت يده» و نحوهما من العناوين المستفادة من النّصوص، في مقابل المسروق، و المغصوب، و المال الغائب .... و بكلمة أخرى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 210

..........

______________________________

يراد به التمكّن من التصرّفات التكوينيّة الخارجيّة، المستفاد اعتباره في باب الزكاة بالنصوص الخاصّة. و أخرى يراد به الأعمّ منه و من التمكّن الشرعيّ، في مقابل المرهون، و الموقوف، و منذور الصّدقة، و نحوها، كوجوب حفظ المال مقدّمة لواجب آخر مثلا.

و على التقدير الثاني، فإمّا أن يكون اعتبار التمكّن الشرعيّ في وجوب الزكاة مستفادا من أدلّة وجوب الزكاة نفسها، أو يكون ذلك بالانصراف. و يختلف الحال بذلك، فإنّ اعتبار ذلك بالانصراف في نفسه لا يقتضي إلّا اعتباره عند حلول الحول، لا في تمام الحول، و هذا بخلاف ما إذا قلنا باعتباره بمقتضى أدلّة وجوب الزّكاة عند حلول الحول- كما اختاره شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه- فإنّه- على هذا- يكون اعتباره في تمام الحول، كاعتبار التمكّن من التصرّف في مقابل المسروق، كما هو ظاهر.

ثمّ إنّه من جهة أخرى، وجوب الحجّ- بعد سير القافلة و التمكّن من الذهاب معها- إمّا أن يكون فعليّا، أو يقال ببقائه مشروطا حتّى بعد سير القافلة أيضا. و الصّور الحاصلة من ضرب الاثنين في الثلاثة المتصوّرة في الزكاة ستّ، لا بدّ من الكلام على كل واحدة منها.

الأولى: فعليّة وجوب الحجّ عند خروج القافلة و التمكّن من الذهاب معها، و

يجب- حينئذ- على المكلّف حفظ المال لأنّ يحجّ به، و لكن وجوب الزكاة كان مشروطا بالقدرة الشرعيّة، بان كان مشروطا بالتمكّن من التصرّف في المال بحيث ينافيه وجوب حفظ المال لواجب آخر، مع فرض استفادة اعتباره من أدلّة وجوب الزكاة عند حلول الحول. و حينئذ لا يكون أيّ تزاحم بين وجوب الزكاة، بل يجب الحجّ، و يجب حفظ المال للحجّ، و لا تجب الزكاة عند حلول

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 211

..........

______________________________

الحول، لانتفاء القدرة الشرعيّة على التصرّف بواسطة وجوب حفظ المال للحجّ.

الثانية: الصورة بعينها، مع فرض استفادة اعتبار القدرة الشرعية في وجوب الزكاة- بالمعنى المتقدّم- من الانصراف، فإن حكمها هو حكم الصورة الأولى، فإنّ وجوب حفظ المال للحجّ يوجب انتفاء التمكّن من التصرف فيه عند حلول الحول، و بانتفائه ينتفي وجوب الزكاة لا محالة.

الثالثة: فعليّة وجوب الحج عند خروج الرفقة و امكان السّير معهم، مع عدم اعتبار التمكّن من التصرّف- بالمعنى الأعمّ- في وجوب الزكاة، لا من ناحية أدلّة الزكاة أنفسها، و لا من جهة الانصراف، فيكون وجوب الزكاة مطلقا- لا محالة- من ناحية التمكّن من التصرّف. فيكون من موارد التزاحم بين واجبين مطلقين، و قد ذكرنا: أنّ الأسبقيّة الزمانيّة لا مجال لها حينئذ، فإذا بقي المال إلى أن حال عليه الحول صار وجوب الزكاة- أيضا- فعليّا، فيتزاحمان، و مقتضى القاعدة في مثل ذلك التخيير، لو لا ترجيح أحدهما على الآخر بمثل الأهمّية و نحوها.

نعم، وجوب حفظ المال للحجّ لا ينافي جواز تبديل المال الزكويّ بمال آخر، فلو بدّ له بمال آخر قبل حلول الحول انتفى بذلك وجوب الزكاة، و وجب عليه الحجّ فقط، و حينئذ يجب عليه التبديل حفظا

للاستطاعة، لكنّه مع عدم التبديل تجب الزكاة عند حلول الحول أيضا، كما عرفت.

الرّابعة: كون وجوب الحج عند سير القافلة و إمكان الذهاب معها مشروطا، مع عدم اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرّف، بالمعنى الّذي ينافيه وجوب حفظ المال. و لا تزاحم- حينئذ- بين وجوب الحجّ و وجوب الزكاة، بل تجب عليه الزكاة عند حلول الحول، و المفروض أنّ وجوبها مطلق،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 212

..........

______________________________

فيقدّم على وجوب الحجّ المفروض كونه مشروطا.

نعم، إذا قلنا: إنّ المستفاد من الأدلّة هو وجوب حفظ الاستطاعة عند سير القافلة و إمكان الذهاب معها، و إن لم يكن وجوب الحجّ- حينئذ- فعليّا، كان عليه تبديل المال الزكويّ، حيث لا سبيل له إلى حفظ الاستطاعة- على الفرض- إلّا بذلك، فينتفي به وجوب الزكاة، غير أنّه لو لم يفعل ذلك حتّى حال عليه الحول، و جبت عليه الزكاة، دون الحج، لما عرفت.

الخامسة: كون وجوب الحجّ عند سير القافلة مشروطا، مع فرض اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرّف بالمعنى الّذي ينافيه وجوب حفظ المال، و استفادة الاشتراط المذكور من أدلّة الزكاة نفسها، لا من جهة الانصراف. فيكون كلّ من الوجوبين بنفسه- لا بامتثاله- رافعا لموضوع الآخر، و هو ليس من التزاحم المصطلح- كما هو المشهور- بل هو من التزاحم بمعناه اللغوي، و هو التمانع، كما مرّت الإشارة إليه.

و مقتضى القاعدة- حينئذ- هو الترجيح بالأسبقيّة زمانا، و هو وجوب الحجّ، فإنّه سابق موضوعا على وجوب الزكاة، إذ المفروض: أنّ الاستطاعة محقّقة قبل حلول الحول، المفروض كونه موضوعا لوجوب الزكاة، و حينئذ فبملاك وجوب المقدّمة المفوّتة يلزمه المحافظة على الاستطاعة، إمّا بصرف المال المذكور في الحج، بأن يخرج مع القافلة- مثلا-

أو أنّه يبدّل المال الزكويّ بمال آخر، و على كلّ تقدير ينتفي بذلك موضوع وجوب الزكاة. و لا مانع من ذلك سوى وجوب الزكاة، و المفروض عدم مانعيّته، لعدم تحقّق موضوعه، و هو الحول، كما هو ظاهر.

السادسة: الصورة السابقة بعينها، لكن مع فرض استفادة اشتراط وجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 213

و لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجب الزكاة أوّلا لتعلقها بالعين، بخلاف الحج (64).

______________________________

الزكاة بالتمكّن من التصرّف- بالمعنى المذكور- من الانصراف، لا من نفس أدلّة وجوب الزكاة عند حلول الحول. و حكمها حكم الصورة السابقة بعينه.

فالاختلاف في نحوي اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة، بحيث ينافيه وجوب حفظ المال و عدم جواز صرفه، غير مؤثّر في مفروض المسألة ظاهرا «1».

(64) و ملخّص الكلام هنا على ضوء ما سبق في الفرع السابق: أنّ وجوب الحجّ عند خروج القافلة و إمكان السّير معها إن كان فعليّا غير مشروط، و كان وجوب الزّكاة مشروطا بالتمكّن من التصرّف بحيث ينافيه وجوب حفظ المال لواجب آخر، سواء أ كان ذلك بمقتضى الأدلّة الأوليّة، أم بالانصراف، فلا ريب في وجوب الحجّ- حينئذ- لأنّه واجب مطلق، يرتفع به- لا محالة- وجوب الزكاة المفروض اشتراطه بالقدرة الشرعيّة.

______________________________

(1)- لا يخفى أنّه بناء على ما استظهره سيّدنا الاستاذ- دام ظلّه- في مبحث الاستطاعة من كتاب الحجّ، من كون الاستطاعة- مطلقا- شرطا في وجوب الحج، و لو كانت قبل خروج القافلة و التمكّن من السّير معها، بل حتّى و لو كانت قبل أشهر الحجّ، تكون صيغة المسألة بنحو آخر، حيث أنّه- على هذا المبنى- لا يتحقّق فرض لتقدّم وجوب الزكاة على وجوب الحجّ، فإنّ ذلك مبنيّ على

كون الاستطاعة حين خروج القافلة، أو في أشهر الحجّ- مثلا- شرطا لوجوب الحجّ، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 214

[مسألة 14: لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكّن من التصرّف فيه]

[مسألة 14]: لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكّن من التصرّف فيه، بأن كان مدفونا و لم يعرف مكانه، أو غائبا، أو نحو ذلك، ثمّ تمكّن منه، استحبّ زكاته لسنة (65)، بل يقوى استحبابها بمضيّ سنة واحدة أيضا.

______________________________

و إن كان كلا الوجوبين مطلقين غير مشروطين، وقع التزاحم بينهما، و مقتضى القاعدة- حينئذ- هو الترجيح بالأهميّة، و إلّا فالتخيير.

و إن كان وجوب الحجّ مشروطا دون وجوب الزكاة، وجبت الزكاة، لأنّ وجوبها مطلق يرتفع به- لا محالة- موضوع وجوب الحجّ.

و أمّا إذا كان كلا الوجوبين مشروطا، تحقّق التزاحم- أيضا- بينهما، و القاعدة- حينئذ- الترجيح إن ثبت، و إلّا فالتخيير «1».

(65) المعروف فيما بينهم هو أنّه إذا مضى على الحيوان الضالّ، و المال المفقود، و نحو ذلك، سنون، و عاد، استحبّ زكاته لسنة واحدة. و في «مدارك الأحكام»: «هذا مذهب الأصحاب، لا أعلم فيه مخالفا ... «2»»، و عن العلامة في «المنتهى»: «فلا

______________________________

(1)- و تجدر الإشارة هنا- أيضا- إلى أن فرض التقارن إنّما يتمّ على المبنى القائل بكون الاستطاعة عند خروج القافلة، أو في أشهر الحج شرطا في وجوب الحجّ، و إلّا فبناء على تحقّق الوجوب بالاستطاعة مطلقا فى أيّ وقت كان، فلا يتصوّر فيه فرض التقارن بين موضوع وجوب الحجّ- و هو الاستطاعة بتمام النّصاب- و بين موضوع وجوب الزكاة، و هو الحول، كما هو واضح.

(2)- العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 31، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة،

ج 1، ص: 215

..........

______________________________

تجب الزكاة في المال المغصوب، و المسروق و المحجوب، و الضالّ- إلى أن قال:- إذا عاد المغصوب و الضالّ إلى ربّه، استحبّ له أن يزكّيه لسنة واحدة، ذهب إليه علماؤنا ... «1»» و هو مؤذن بالإجماع عليه. و حكي عن بعض العامّة القول بالوجوب «2». و استدلّ له برواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: في رجل ماله عنه غائب، لا يقدر على أخذه، قال: «فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد. و فإن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه، فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين «3»»، و حسن الصيرفي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في رجل كان له مال، فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الّذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين. ثم إنّه احتفر الموضع الّذي من جوانبه كلّه

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 475، ط إيران الحجريّة.

و أخرج منه عبارة «التذكرة» حيث قال قدّس سرّه: «هو على الاستحباب عندنا ...» (تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 201، ط إيران الحجريّة).

(2)- المراد هو محمد بن إدريس الشافعيّ، في قول ثالث له، و مالك، إمام المالكيّة. قال آية اللّه على الإطلاق، العلامة الحلّي رحمه اللّه: «و للشافعيّ قول ثالث: إن عاد المغصوب بجميع نمائه، زكّاه لما مضى، و قال مالك: إذا قبضه زكّاه لحول واحد ...» (العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 201، ط إيران الحجريّة). و اقتصر في «المنتهى» على إسناد القول بالوجوب

إلى مالك (منتهى المطلب، ج 1: ص 475، ط إيران الحجريّة). و فى «المحلّى»: «و قال مالك: لا زكاة عليه فيه، فإن رجع إليه زكّاه لسنة واحدة فقط، و إن غاب عنه سنين. و هذا قول ظاهر الخطأ، و ما نعلم لهم حجّة إلّا أنّهم قلّدوا في ذلك عمر بن عبد العزيز، في قول له رجع إليه، و كان قال قبل ذلك: بأخذ الزكاة منه لكلّ سنة خلت ...» (ابن حزم: المحلّى، ج 6: ص 94) و يظهر من المحقّق الفقيه الهمداني الميل إليه، أو القول به، من علماء الإماميّة (الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 16، ط إيران الحجريّة).

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 216

..........

______________________________

[كلّها هامش المخطوطة من الوسائل]، فوقع على المال بعينه، كيف يزكّيه؟ قال:

«يزكّيه لسنة واحدة، لأنّه كان غائبا عنه، و إن كان احتبسه «1»».

ثم إنّ ظاهر الروايتين و إن كان هو الوجوب، إلّا أنّهما تحملان على الاستحباب، جمعا بينهما و بين ما دلّ من النصوص على اعتبار كون المال عنده في تمام الحول في ثبوت الزكاة، فإنّها صريحة في عدم وجوبها في فرض خروج المال عن تحت يده و عدم استيلائه عليه في تمام الحول، كما في مفروض الكلام. و حينئذ فيلزم حمل الرّوايتين على الاستحباب، كما هو مقتضى الجمع العرفي في أمثال المقام.

ثم إنّ موضوع استحباب الزكاة لسنة واحدة- على ما يستفاد من الروايتين- إنّما هو ما إذا كان المال غائبا عنه سنين، و أقلّ ذلك ثلاث سنوات فما فوق، كما هو مقتضى صيغة

الجمع لغة، و قد وقع التصريح بالثلاث سنين في حسن الصيرفي المتقدّم، و لذلك حرّر المسألة في «الشرائع» بما نصّه: «فإن مضى عليه سنون و عاد، زكّاه لسنته استحبابا ... «2»». و من هنا يشكل الأمر فيما أفاده المصنّف قدّس سرّه من الحكم بالاستحباب في فرض عدم التمكّن من التصرّف في المال، سنتين فما فوق. و أشدّ إشكالا منه ما قوّاه أخيرا من ثبوت الحكم في صورة الغيبة سنة واحدة «3».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(2)- المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 142.

(3)- قال في «مدارك الأحكام»: «و أطلق العلّامة في «المنتهى» استحباب تزكية المغصوب و الضالّ، مع العود لسنة واحدة. و لا بأس به» (- العاملي، السيد محمّد الموسوي:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 217

..........

______________________________

و قد يستدلّ لذلك «1» بإطلاق موثق زرارة المتقدّم، أنّه عليه السّلام قال: في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال: «فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ...» فإنّه شامل لصورة الغيبة سنتين، بل سنة واحدة، كما لا يخفى.

و فيه إنّ مقتضى الذيل: «فإن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه، فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ من السنين» إنّما هو كون موضوع الحكم الغيبة ثلاث سنوات فما فوق، حسبما يقتضيه لفظ «سنين» الظاهر في ذلك كما عرفت، و بما أنّ ذيل الرواية تصريح بما هو مفهوم الصّدر، فلا بدّ و أن يكون الموضوع لحكم الصدر هو ذلك أيضا.

و على الجملة: إنّ مفاد الصّدر إنّما

هو نفي الزكاة في المال الغائب الّذي لا يقدر على أخذه قبل خروجه، و مفاد الذيل إنّما هو ثبوت الزكاة في المال الغائب الّذي انتفى فيه القيد المذكور، و هو عدم القدرة على أخذه. فإذا كان الحكم الوارد في الذيل ثابتا في فرض غيبة المال سنين، فلا بدّ و أن يكون مفاد الصّدر، و هو «أنّه لا يجب الزكاة قبل الخروج، و إذا خرج زكّاه لعام واحد»، إنّما هو ثبوت ذلك في الفرض المذكور أيضا، و إلّا لم يكن الذيل تصريحا بما هو مفهوم الصّدر، كما لا يخفى.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الإجماع في المسألة دليل على أنّ الجمع منطقيّ، يشمل الاثنين فما فوق، و بذلك قد يوجّه ما أفاده قدّس سرّه أوّلا من ثبوت الاستحباب في الغيبة سنتين فما فوق. إلّا أنّ ما قوّاه أخيرا من الحكم بذلك في السنة الواحدة

______________________________

مدارك الأحكام، ج 5: ص 38، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 475، ط إيران الحجريّة).

(1)- الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 16، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 218

[مسألة 15: إذا عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة، أو بعد مضيّ الحول متمكّنا]

[مسألة 15]: إذا عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة، أو بعد مضيّ الحول متمكّنا، فقد استقرّ الوجوب (66)، فيجب ألا داء إذا تمكّن بعد ذلك، و إلّا، فإن كان

______________________________

أيضا، باق- بعد- على إشكاله، و منه يظهر ما في إطلاق بعضهم ثبوت الحكم المذكور في المغصوب و الضالّ، كما عن العلامة في «المنتهى»، هذا، و الظاهر حسب الجمود على ظاهر النصّ هو عدم الاستحباب فى غييوبة المال سنة أو سنتين «1».

(66)

هذه المسألة غير معنونة في كلمات الفقهاء قدّس سرّهم- فيما عثرنا عليه- و إنّما

______________________________

(1)- و أمّا الاستدلال للتعميم- كما عن المحقّق الاستاذ الخوئي قدّس سرّه- بصحيحة سدير الصيرفي المتقدّمة في رجل كان له مال، فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الّذي ظنّ أن المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمّ إنّه احتفر الموضع الّذي من جوانبه كلّه، فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال: «يزكّيه لسنة واحدة، لأنّه كان غائبا عنه، و إن كان احتبسه» (الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 4) بدعوى: أنّ التعليل نفسه يستوجب التعدّي من حيث الزمان أيضا، فيشمل حتّى ما إذا كان زمان الغيبة لسنة واحدة، و لا يختصّ بمورد الصّحيحة، أعني ثلاث سنين، لأنّ الاعتبار إنّما هو بمجرّد الغياب كما عرفت (مستند العروة الوثقى/ كتاب الزكاة، ج 1:

ص 122) فيتوجّه عليه أنّ الرواية- ظاهرا- خارجة عن محلّ الكلام و أنّ وجوب الزكاة لسنة على مقتضي القاعدة، لكون غيبوبة المال بعد حولان الحول- كما هو المفروض في مورد السؤال- و عليه فيكون التعليل لنفي الزكاة زائدا على السّنة. و منه يظهر أنّ الاستدلال بها للمقام- كما عن سيّدنا الاستاذ دام ظلّه- أمر يصعب التصديق به، فتأمّل.

(منه عفي عنه)

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 219

مقصّرا يكون ضامنا، و إلّا فلا.

______________________________

المعنون عندهم مسألة عدم التمكّن من الأداء، أو بتعبير آخر: عدم إمكان الصرف. و لكن استيفاء الكلام في هذا المقام بأن يقال: إنّ عدم التمكّن من التصرّف إمّا أنّ يعرض بعد

تعلّق الزكاة أو بعد مضيّ الحول، و إمّا أن يكون مقارنا لتعلّق الزكاة، أمّا إذا كان ذلك بعد التعلّق، فتحقيق القول فيه بعد تمهيد مقدمة، و هي:

أنّ التمكّن من التصرّف، إمّا أن يكون بمعنى الاستيلاء الخارجي على المال، في مقابل المسروق، و المغصوب، و نحوهما. و إمّا أن يكون بمعنى عدم المانع الشرعيّ من التصرّف فيه، في مقابل المرهون، و الموقوف، و نحوهما. و قد عرفت أنّ اعتبار الأوّل إنّما ثبت بالنصوص الدالّة على اعتبار كون المال عنده، أو تحت يده، و نحو ذلك من العبارات. و أمّا الثاني، فاعتباره إنّما ثبت بانصراف أدلّة وجوب الزكاة، على ما مرّ بيانه. و المراد بعدم التمكّن في المقام إنّما هو بالمعنى الأوّل، و إلّا فعدمه بالمعنى الثاني غير متصوّر- كما لا يخفى- إذ لا يصحّ الرهن، و الوقف، و ما أشبههما بعد فرض تعلّق الزكاة بصدق الاسم، أو مضيّ الحول، كما هو المفروض. و على هذا، فالمراد بعدم التمكّن في المقام و ما إذا صار المال- بعد التعلّق أو حلول الحول- خارجا عن استيلائه التكويني، بسرقة، أو غصب و نحو ذلك.

ثمّ إنّ مفروض الكلام إنّما هو صورة رجاء الاستيلاء على المال ثانيا، و إلّا فمع اليأس عن ذلك يكون المال بحكم التالف، كما أنّه لا بدّ من فرض الكلام في خصوص ما إذا لم يتمكّن من أداء الزكاة المفروضة من مال آخر، و إلّا فمع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 220

..........

______________________________

إمكانه، حيث يكون مخيّرا بين أداء الزكاة من العين أو من مال اخر، فالعجز عن بعض أفراد الواجب التخييرى لا يوجب سقوطه، كما هو ظاهر.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ المالك كان مأمورا

بالأداء لا محالة، إذ المفروض طروّ عدم التمكّن بعد وجوب الزكاة، بمضيّ الحول أو صدق الاسم، و مجرّد القدرة على امتثال التكليف المذكور في زمان ما يكفي في صحّة التكليف بالأداء.

و أمّا الضمان ففيه تفصيل: فإنّ المالك إذا قصّر في إخراج الزكاة بعد تعلّقها حتّى عرض عدم التمكّن، كان ضامنا لها لا محالة، بمقتضى عموم «قاعدة اليد»، بناء على القول بالملكيّة بنحو الإشاعة، أو بنحو الكلّي في المعيّن. نعم، بناء على أنّ تعلّقها بالعين من قبيل تعلّق حق الجناية- كما هو الصحيح- ليس مقتضى عموم «قاعدة» اليد هو الضمان، إذ لم يثبت أنّ وضع اليد على ما هو متعلّق حق الغير يوجب الضمان و ما أفاده المحقق الفقيه الهمداني «1» قدّس سرّه من تعميم القاعدة إلى موارد الحقوق الماليّة- كما في المقام- ممّا لا شاهد عليه، كما لا يخفى.

و على الجملة: فالمالك ضامن للزكاة إذا كان مقصّرا في الأداء حتّى عرض عدم التمكّن، فإنّ مقتضى عموم «قاعدة اليد» هو الضمان، بناء على الملكيّة بأحد النحوين في باب الزكاة. و أمّا مع عدم التقصير في ذلك فهو غير ضامن لها، إذ المفروض كون المال تحت يده بعنوان الأمانة الشرعيّة، و الأمين غير ضامن إلّا مع التعدّي و التفريط، و عليه فإن تمكّن من المال بعد ذلك وجب عليه الأداء، و إلّا فلا، و هذا بخلاف الفرض الأوّل، فإنّه ضامن للزكاة، فيجب عليه أدائها و إن لم يتمكّن من المال بعد ذلك أبدا.

هذا كلّه مع الغضّ عن النصّ، و أمّا بملاحظة النصّ، فالمالك ضامن في فرض

______________________________

(1)- المحقّق الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 14، إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة،

ج 1، ص: 221

..........

______________________________

التقصير مطلقا، حتّى على القول بالحقّ في باب الزكاة، كما أنّه غير ضامن لها في فرض عدم التقصير مطلقا، ففي حسن محمد بن مسلم- بابن هاشم- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث زكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها إليه، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده- الحديث «1»». هذا في فرض عروض عدم التمكّن بعد مضيّ الحول، أو صدق الاسم، و إن كانا متقارنين في الزمان، بأن كان عروض عدم التمكّن مقارنا لتمام الحول أو لصدق الاسم، و معلوم أنّ عدم التمكّن في المقام- أيضا- إنّما هو بالمعنى المتقدّم في الفرض السابق، إذ لا يتصوّر فيه عدم التمكّن من حيث الرهن، و الوقف، و نحوهما. كما أنّ مفروض الكلام إنّما هو صورة رجاء التمكّن، و إلّا فمع اليأس عنه يكون المال بحكم التالف، و إذا تلف المال مقارنا لزمان وجوب الزكاة لم يجب فيه شي ء أصلا، كما هو ظاهر.

ثم إنّه في هذا الفرض لا مجال للقول بالضمان على القاعدة، حتّى على القول بالملكيّة بنحو الإشاعة، أو بنحو الكلّي في المعيّن في باب الزكاة، إذ المفروض هو عدم تحقّق الملكيّة للفقراء بعد، و معه لا مجال لعموم «قاعدة اليد»، كما لا يخفى.

نعم، مقتضى النصّ المتقدّم هو عدم الضّمان، فإنّه قد دلّ على عدم الضمان فيما إذا لم يجد من يدفع الزكاة إليه، فيستفاد منه أنّ الملاك في عدم الضمان إنّما هو عدم التمكّن الّذي لا يكون مستندا إلى المالك، و إن

كان المفروض في مورد الرواية إنّما هو عدم التمكّن من الصّرف، لا عدم التمكّن من التصرّف، كما لا يخفى.

و من هنا يظهر الحال في عدم إمكان الصرف، و أنّ المالك إذا لم يمكنه صرف

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 222

[مسألة 16: الكافر تجب عليه الزكاة]

[مسألة 16]: الكافر تجب عليه الزكاة (67)،

______________________________

الزكاة إلى مستحقّيها، فإنّه لا يكون حينئذ ضامنا لها إذا تلفت، كما دلّ عليه النصّ المتقدّم. نعم، إذا أمكنه صرفها إلى مستحقّيها فلم يصرفها، كان ضامنا لها، فإذا تلفت كان عليه ضمان بدلها، كما هو صريح النص المتقدّم أيضا، فلاحظ.

(67) كما هو المعروف من تكليفه بالتكاليف الفرعيّة «1»، بل قد استفيض- كما قيل «2»- نقل الإجماع- في كتب الأصول و الفروع- على كونه مكلّفا بها. و ما يمكن أن يستدلّ به لذلك وجوه:

الأوّل: الإجماع الّذي استفاض نقله- كما قدّمناه- على كونهم مكلّفين

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 1، ص: 222

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 30؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 61، ط النجف الأشرف.

و أنكر ذلك الحنفيّة و الحنابلة، فقالوا باشتراط وجوبها بالإسلام. و أمّا الشافعيّة، فقالوا بوجوبها على المرتد خاصّة، وجوبا موقوفا على عوده إلى الإسلام، فإن عاد إليه تبيّن أنّها واجبة عليه، لبقاء ملكه، فيخرجها حينئذ. و قالت المالكيّة: «الإسلام شرط للصحّة لا للوجوب فتجب على الكافر، و إن

كانت لا تصحّ إلّا بالإسلام، و إذا أسلم فقد سقطت بالإسلام ...» (الجزيرى: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: ص 591، ط الثالثة).

و قال ابن حزم: «هي- أي الزكاة- واجبة عليه- أي الكافر-، و هو معذّب على منعها، إلّا أنّها لا تجزئ عنه إلّا أن يسلم، و كذلك الصّلاة، و لا فرق، فإذا أسلم فقد تفضّل- عزّ و جلّ- بإسقاط ما سلف عنه، من كل ذلك- إلى أن قال:- و لا خلاف في كلّ هذا، إلّا في وجوب الشرائع على الكفّار، فإن طائفة، عندت عن القرآن و السنن، خالفوا في ذلك ...» (ابن حزم: المحلّى، ج 5: صص 208- 209).

(2)- الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 17، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 223

..........

______________________________

بالفروع.

و فيه: أنّا لا نحتمل كونه إجماعا تعبّديا، بعد ملاحظه استدلال أكثر هم لذلك بالوجوه الآتية.

الثاني: إطلاق دليل وجوب الزكاة، و هو قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ- الآية «1» فإنّه يشمل المسلم و الكافر، بلا إشكال.

و فيه: أنّ القرينة الداخليّة في الآية الكريمة قائمة على اختصاص الحكم- الوارد في الآية- بالمسلمين، و هي: قوله تعالى: «تطهّرهم و تزكّيهم» فإنّ هذا يكون قرينة على اختصاص وجوبها بمن يتطهّر و يتزكّى بأدائها، و لا شكّ في أنّ الكافر لا يتطهّر و لا يزكّى بذلك. و كذلك قوله: «و صلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم» فإنّه- أيضا- قرينة على الاختصاص بالمسلمين، كما لا يبعد رجوع الضمير في «أموالهم» إلى المسلمين الذين سبق ذكرهم في الآيات المتقدّمة.

الثالث: خصوص قوله تعالى: ... وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*

الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ «2».

و فيه:

أوّلا: إنّه لم يتّضح لنا بعد ربط الآية- بظاهرها- بما تقدّمها من الآيات، و هي قوله تعالى: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* كِتٰابٌ فُصِّلَتْ آيٰاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَ نَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لٰا يَسْمَعُونَ* وَ قٰالُوا قُلُوبُنٰا فِي أَكِنَّةٍ مِمّٰا تَدْعُونٰا إِلَيْهِ وَ فِي آذٰانِنٰا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنٰا وَ بَيْنِكَ حِجٰابٌ فَاعْمَلْ

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- فصلّت، 41: 6- 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 224

..........

______________________________

إِنَّنٰا عٰامِلُونَ* قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَ اسْتَغْفِرُوهُ وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* ... «1».

و ثانيا: إنّ المشركين لمّا أنكروا ما هو أهمّ من وجوب الزكاة- على فرض التسليم بوجوبها في حقّهم- حقّ لهم أنّ يتوعّدوا على ذلك، لا على إنكارهم وجوب الزكاة، فضلا من التوعّد على عدم إعطاء الزكاة، الّذي هو دون ذلك بمراتب.

و ثالثا: إنّه مع الغضّ عمّا ذكرناه، ففي الكريمة مجال للمناقشة من جهة أخرى، و هي احتمال- إن لم يكن هو الظاهر- أن يكون قوله تعالى: الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ ... بيانا للمشركين، فتدلّ على أنّ المكلّف بالزّكاة يصير مشركا بعدم إخراجها و يكون بذلك- عملا- كافرا بالآخرة، فلا دلالة للآية على أنّ المكلّف بها هو خصوص المسلم أو الأعمّ منه و من الكافر.

و على الإجمال: بناء على هذا الاحتمال تكون الآية أجنبيّة عن تعيين المكلّف بالزكاة، كما لا يخفى، و نفس هذا الاحتمال- و لو لم يقم عليه دليل- يكفي في سقوط الاستدلال بالآية بلا إشكال.

الرابع: ما عن بعض الأعلام- دام ظلّه- من الاستدلال له بقوله تعالى:

قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ*

وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ «2» بدعوى: أنّ المراد بالإطعام في المقام ما هو الواجب عليهم، و ليس ذلك سوى الزكاة «3».

و فيه: أنّ هذا الكلام هو مقول قول المجرمين، كما تدلّ عليه الآيات السابقة،

______________________________

(1)- فصّلت، 41: 1- 6.

(2)- المدثر، 74: 43- 44.

(3)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 47- 48، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 225

لكن لا تصحّ منه إذا أدّاها (68).

______________________________

فلا ربط له بالكافر أصلا. و أعجب من ذلك دعوى هذا القائل دلالة جملة من الآيات على ذلك، منها هذه الآية.

و قد ظهر بذلك أنّه لا دليل على وجوبها على الكفّار، وفاقا لبعض محشّي الكتاب «1» حيث قال- دام ظلّه- معلّقا على قول المصنّف رحمه اللّه بالوجوب: «و فيه إشكال، بل الأظهر عدمه ...» و قد ذكر في «المستند «2»» المسألة مرسلا إيّاها إرسال المسلّمات، ممّا يشعر بعدم وجود دليل معتبر- سوى الاتّفاق و التسالم- على الحكم، كما يخفى.

(68) كما هو المعروف و المشهور «3»، بل ادعى الإجماع عليه «4»، مستدلّين لذلك «5»: بأنّ الزكاة من الأعمال العباديّة المشروطة بالقربة، و هي غير متمشّية من الكافر، بل «6» لأجل التسالم- كما يظهر من كلماتهم- على اشتراط القربة بالإيمان، كما ربما يظهر ذلك من جملة من النصوص المستفيضة، إن لم تكن

______________________________

(1)- الخوئي، السيّد أبو القاسم الموسوي: التعليقة على عروة الوثقى، صص 178- 179، ط الخامسة.

(2)- قال قدّس سرّه: «المسألة الثانية: لا يشترط في وجوب الزكاة الإسلام، بل يجب على الكافر، كسائر الفروع ...» (النراقي، ملا احمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 12، ط إيران الحجريّة).

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص

63، ط النجف الأشرف.

(4)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 30.

(5)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 490، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(6)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 17، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 226

..........

______________________________

متواترة، على حدّ تعبير الفقيه الهمداني قدّس سرّه، الدالّة على اشتراط قبول الأعمال بالولاية، كصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «ذروة الأمر و سنامه، و مفتاحه، و باب الاشياء و رضى الرحمن: الطاعة للإمام بعد معرفته، أما لو أنّ رجلا قام ليله، و صام نهاره، و تصدّق بجميع ماله، و حجّ جميع دهره، و لم يعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه، و يكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه حقّ في ثوابه، و لا كان من أهل الايمان»، و غيره، ممّا يلاحظها المراجع في «وسائل الشيعة «1»». فإنّ المستفاد من هذه النصوص إنّما هو عدم صحّة عبادات من لا يعترف بالولاية، و الكافر ممّن لا يعترف بذلك أيضا، فلا تصحّ عبادته.

أقول: أمّا ما ذكر، من عدم تمشّي قصد القربة من الكافر، فهو ممّا لم يثبت بإجماع تعبّدي يكون لمعقده إطلاق، كي يؤخذ به في جميع الموارد، بل عدم تمشّي قصد القربة إنّما ثبت في موارد خاصّة، و ذلك في الأعمال الّتي لا يمكن تحقّقها من الكافر، لاشتراطها بما هو غير مقدور في حقّه، كالطّهارة في الصّلاة- مثلا- فإنّ الكافر إنّما لا يتمشّى منه قصد القربة في أمثال هذه الموارد، لأجل أنّ طبيعة العمل مشروطة بالطهارة، و هو غير قادر على ذلك، بناء على

نجاسته، و لذلك لا يتمشّى منه قصد القربة جدّا، مع علمه بعدم صحّة العمل من جهة فقدان الشرط، فعدم تمشّي قصد القربة منه في أمثال هذه الموارد إنّما يكون لأجل أنّه- مع التفاته إلى وقوع العمل منه فاسدا- لا يتمشّى منه القصد الجدّي إلى ذلك، و إلّا فلا مانع من ذلك فيما لو كان الكافر معترفا بالمعبود الحقّ، كاليهود، و النصارى المعترفين بالإله الخالق للعالم، المستحقّ للعبادة و التسبيح.

و قد يكون ذلك لأجل إنكاره المعبود رأسا، كما في بعض أقسام الكفار،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29 من مقدّمة العبادات.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 227

..........

______________________________

كالملاحدة، فإنّهم لا يعترفون بذات المعبود أصلا، كي يتسنّى لهم قصد التقرب نحوه بالأعمال، و أمّا إذا فرضنا الكافر معترفا بالمعبود، و معترفا بخصوص الزكاة أيضا، كالنصرانيّ إذا اعترف بذلك، فلا مانع من أن يقصد به القربة، بعد العلم بأنّ الزكاة ليست من قبيل الأعمال المشروطة بالأمور المتعذرة في حقّ الكافر.

و على الإجمال: لم يثبت قيام دليل تعبّدي- كالإجماع مثلا- على عدم تمشّي قصد القربة من الكافر بما هو كافر، و إنّما ثبت ذلك- على طبق القاعدة- بالإضافة إلى بعض الأعمال، أو بالإضافة إلى بعض أقسام الكافر، كما عرفت.

و أمّا ما ذكر، من اشتراط صحّة العمل العباديّ بالإيمان، مستدلّا له بالنّصوص الدالّة على ذلك، فيمكن أن يقال في الرّد عليه: إنّ ما قضت به النصوص المذكورة، من بطلان أعمال من لا يوالي الأئمّة عليهم السّلام، مع فرض الإتيان بها على الوجه الصّحيح، من حيث الأجزاء و الشرائط- كما هو المفروض- لعلّه محمول على بعض الجهات الواقعيّة، و إلّا فلا ينبغي الإشكال في لزوم

ترتيب آثار الصحّة على أعمال المخالفين من صلاة، و صيام، و غير ذلك- بحسب الظاهر.

ثم إنّ المحقّق الفقيه الهمدانيّ قدّس سرّه استدلّ لبطلان عمل من لا يواليهم عليهم السّلام بما ملخّصه: «أنّ المستفاد من النصوص: إنّما هو اشتراط قبول الأعمال بالولاية، و أنّ من لم يوال الأئمة عليهم السّلام فيكون أعماله بدلالتهم، لم يكن له على اللّه شي ء، و لازم هذا بطلان عمله، و إلّا لكان له على اللّه شي ء، و هو خلاف صريح الأخبار «1»».

و هذا إنّما يتمّ على تقدير أن ينحصر الأثر المترتّب على العمل الصحيح بالأجر الأخرويّ، من دخول الجنّة و نحو ذلك، و إلّا فلا مانع من صحّة العمل و

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 17، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 228

نعم، للإمام عليه السّلام، أو نائبه، أخذها منه قهرا (69).

______________________________

عدم ترتّب ذلك الأثر، بأن يترتّب عليها الآثار الدنيويّة، من رفاهيّة في العيش، و صحّة في الأهل و الأولاد، و نحو ذلك. و هذا لا ينافي ما نطقت به النصوص المذكورة، من نفي استحقاقه الثواب منه تعالى، كما لا يخفى. و بعبارة ثانية: إنّ عدم قبول العمل واقعا مع انتفاء الولاية لا ينافي صحّته ظاهرا. و يؤيّد ذلك أنّ النّاس- كثيرا منهم- فى زمان صدور هذه الرّوايات كانوا غير موالين لهم، و مع ذلك فلم يرد منهم عليهم السّلام ما يدلّ على عدم صحّة صلاتهم و صومهم ...، و إن دلّ على عدم قبوله تعالى ذلك منهم.

و المتحصل من ذلك: أنّه- على تقدير الالتزام بوجوب الزكاة على الكافر- لا دليل على عدم صحّة الأداء منه.

(69) كما عن

«المسالك «1»» و الظاهر أنّه لا دليل على ذلك، فإنّ ولاية الإمام أو نائبه، بعنوان: «أنّ الحاكم وليّ الممتنع» إنّما تكون في الموارد الّتي يجب الأداء فيها، و يتمكّن الشخص فيها من التصدّي للعمل بنفسه، و يصحّ منه الأداء، و لكنّه يمتنع عن ذلك اختيارا. و هذا بخلاف المقام، الّذي لا يعترف الكافر فيه بالوجوب، و لا يصحّ منه لو أدّاها، فلا مجال لتطبيق الكبرى المذكورة على المقام، كما لا يخفى. كما أنّه لا مجال للقول به من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإنّه يختصّ بما إذا كان المكلّف معترفا بالمنكر و المعروف، و متمكّنا من الانتهاء

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 38، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 229

و لو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه (70).

______________________________

عن المنكر، أو العمل بالمعروف، و المفروض هو عدمه في المقام، كما لا يخفى.

هذا، و قد أفاد المحقّق الفقيه الهمداني قدّس سرّه بهذا الصدد: «أمّا بالنسبة إلى الذمّي و المعاهد، فإن كان أخذ الزكاة منهم داخلا في ما شرط عليهم فلا كلام فيه، و إلّا فإلزامهم بدفعها أو أخذها منهم بمحض ثبوتها في شرع الإسلام مشكل، لأنّه ينافي تقريرهم على ما هم عليه، لأنّ قضيّة ذلك عدم مزاحمتهم في ما يرونه ملكا لهم بسبب أو نسب أو معاملة فاسدة ... و أمّا بالنسبة إلى الحربيّ، فإنّه و إن جاز أخذ أمواله جميعها منه قهرا، و لكن إلزامه بدفع الزكاة أو أخذ شي ء منه بهذا العنوان، بحيث يترتّب عليه أثره، بأن يتعيّن صرفه إلى مصرفها المعيّن فلا يخلو من إشكال «1»».

(70) بناء على ما

تقدّم من عدم صحّة الأداء عن الكافر، يختصّ الضمان بفرض الإتلاف فقط، بلا فرق بين القول بتعلّقها بالعين بنحو الحق- كما هو الصحيح- أو بنحو الملك المشاع، أو الكلّي في المعيّن، إذ لا فرق في تحقق الضّمان بالإتلاف بين وروده على ما هو ملك الغير، و بين ما هو متعلّق حقّه، لعموم قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن». و أمّا في فرض التلف فلا ينبغي القول بضمانه، لما تقدّم من أنّه مع عدم التمكّن من الأداء، إذا لم يكن ذلك عن تقصير منه، لا ضمان عليه.

هذا كلّه على فرض وجوب الزكاة، و عدم صحّة أداءها منه، و قد عرفت أنّه لا دليل على شي ء من الأمرين. فلاحظ.

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 18، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 230

[مسألة 17: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه]

[مسألة 17]: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه (71)، و إن كانت العين موجودة، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

______________________________

(71) المعروف هو سقوط الزكاة بالإسلام «1»، بل- كما قيل- لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد «2». و استدلّ له بحديث: «الإسلام يجبّ ما قبله «3»». إلّا أنّ

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 30.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 17، ط إيران الحجريّة.

(3)- الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين/ تحقيق السيد أحمد الحسيني، ج 2: ص 21/ مادّة:

جبب.

و ذيله- اي هذه الرواية-: «و التوبة تجبّ ما قبلها، من الكفر، و المعاصي، و الذنوب» (القميّ، علي بن ابراهيم: تفسير القميّ، ج 1: ص 148، منشورات مكتبة الهدى-

النجف الأشرف [في تفسير قوله تعالى: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً- الآية (النساء، 4: 93)].

و نصّ الحديث «الإسلام يجبّ ما كان قبله» عنه: المجلسي، مولى محمّد باقر: بحار الأنوار، ج 6: ص 23، منشورات الآخوندي، طهران [و] ج 104: ص 371، نشر المكتبة الإسلاميّة، طهران. أيضا القميّ، علي بن ابراهيم: تفسير القميّ، ج 2: ص 26، منشورات مكتبة الهدى [في تفسير قوله تعالى: وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا- الآية (الإسراء، 017: 9)].

في حديث إسلام «سلمة» أخي «أمّ سلمة»: «قالت أمّ سلمة: بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه! أ لم تقل: «إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله». (عنه- اي القمي-: المجلسي، مولى محمّد باقر:

بحار الأنوار، ج 9: ص 222؛ ج 21: ص 114، منشورات الآخوندي، طهران) و في قضيّة سعيد بن العاص مع عمر بن الخطّاب، بشأن قتل العاص يوم بدر، قال عليّ عليه السّلام: «اللهمّ غفرا، ذهب الشرك بما فيه، و محا الإسلام ما تقدّم ...» و في قضية الرّجل الّذي كان طلق زوجته في الشرك مرّة، و في الإسلام تطليقتين، فاستفتى عمر بن الخطّاب، فقال له: «كما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 231

..........

______________________________

للمناقشة فيه- سندا و متنا- كما مال إليه صاحب «المدارك» مجالا واسعا. أمّا من حيث السند، فهي نبويّة ضعيفة. و الانجبار بعمل المشهور غير ثابت عندنا كبرويّا، كما أوضحناه في بحث الأصول. و أمّا من حيث الدلالة، فالظّاهر اختصاص الخبر بما إذا كان الثابت من قبيل التبعات لما تقدّم، مع فرض كون

______________________________

أنت حتّى يجي ء عليّ بن أبي طالب ... فقال عليّ عليه السّلام: هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة» (القاضي

نعمان المغربي: شرح الأخبار، ج 2: صص 317- 318، ط جامعة المدرسين، قم؛ [عنه:] ابن شهراشوب: مناقب آل أبي طالب، ج 2: ص 364، ط المطبعة العلمية، قم؛ [عنه:] المجلسي، مولى محمّد باقر: بحار الأنوار، ج 40: ص 230، ط الآخوندي، طهران).

و أمّا من طريق العامّة، فهي مرويّة عنه صلّى اللّه عليه و آله- أيضا- بألفاظ و مضامين مختلفة:

الف) «الإسلام يجبّ ما قبله» (ابن حجر: الإصابة/ تحقيق: علي محمّد البجاويّ، ج 6:

ص 527) في قصّة إسلام هبّار بن الأسود (الحلبي الشافعي، على بن برهان الدين: السيرة الحلبيّة، ج 3/ في قضيّة شفاعة عثمان لأخيه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح، ص 105، ط المكتبة التجارية الكبرى، مصر؛ المناوي، عبد الرءوف: كنوز الحقائق [بهامش الجامع الصغير]، ج 1: ص 95، ط البابي الحلبي و أولاده، مصر [و زاد فيه: «و الهجرة تجبّ ما قبلها»]).

ب) «الإسلام يجبّ ما كان قبله» (السيوطي، عبد الرحمن بن ابي بكر: الجامع الصغير/ فصل في المحلّى بالألف من هذا الحرف، ج 1: ص 123، ط البابي الحلبي و أولاده، مصر؛ الحلبي الشافعي، عليّ بن برهان الدين: السيرة الحلبيّة، ج 3: ص 106، ط المكتبة التجارية الكبرى، مصر [في قضيّة إسلام هبّار بن الأسود]؛ الديار بكريّ: تاريخ الخميس، ج 2: ص 93، ط الأولى [قصّة إسلام هبّار]؛ المتقي الهندي: كنز العمال، ج 1:

ص 57/ ح 243).

ج) «إنّ الاسلام يجبّ ما كان قبله، و الهجرة تجبّ ما كان قبلها» (المتقي الهندي: كنز العمّال، ج 1: ص 65/ ح 297؛ الحلبي الشافعي، على بن برهان الدين: السيرة الحلبيّة، ج 3:

ص 71، ط المكتبة التجاريّة الكبرى، مصر).

د) «أ ما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان

قبله، و أنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، و أنّ الحجّ يهدم ما كان قبله» (المتقي الهندي: كنز العمّال، ج 1: ص 58/ ح 247).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 232

..........

______________________________

الثبوت من ناحية الإسلام، كاستحقاق العقوبة- مثلا- و نحو ذلك، لا ما كان ثابتا من غير جهة الإسلام، و كان أمرا مشتركا بين كافّة الأديان، كردّ الأمانات، و أداء الديون و الغرامات، و نحو ذلك، و حينئذ فلا يشمل مثل الزكاة، و الخمس، و نحوهما، بناء على ثبوتهما في حقّ الكافر، فانّ معني ذلك عدم دخل الإسلام في ثبوتهما. هذا و لا أقلّ من الاحتمال المورث للإجمال.

ثمّ إنّ هنا إشكالا تعرّض له الفقيه المحقّق الهمداني «1» قدّس سرّه، تبعا لصاحب «المدارك «2»» قدّس سرّه، و حاصله: أنّ لازم القول بسقوط الزكاة بالإسلام، هو عدم وجوب الزكاة في حقّ الكافر، فإنّه إذا كان في زمان كفره غير متمكّن من الأداء، و المفروض هو سقوطها بالإسلام، فلا يكلّف بالأداء بعد الإسلام، و حينئذ فلا مجال لوجوب الزكاة عليه، لعدم الفائدة في هذا التكليف.

و فيه: أنّ المقتضي لوجوب الزكاة على الكافر- بناء على القول به- متحقّق، و إن كان توجيه الخطاب بإخراج الزكاة، بعد مضيّ الحول أو صدق الاسم، غير معقول، لاستحالة الخطاب مع الامتناع و لو بالاختيار، إلّا أنّ العقاب على مثل ذلك، فيما يكون الامتناع راجعا إلى الاختيار، لتمكّنه من الإسلام قبل تمام الحول مقدّمة لصحّة الأداء منه، أمر معقول.

و على الجملة: حال المقام حال الملقي نفسه من شاهق، فإنّه غير مكلّف بحفظ النفس في أثناء الطريق، لعدم قدرته على ذلك، إلّا أنّه لا مانع من عقابه على ذلك، نظرا إلى انتهاء

الامتناع المذكور إلى اختياره، كما هو ظاهر. ثمّ إنّ سقوط الزكاة بالإسلام مع تلف المال الزكويّ، بناء على تماميّة حديث الجب ظاهر. و أمّا مع بقائه فكذلك لأنّ تعلّق الزكاة بالمال إن كان بنحو الحقّ فهو قابل للسقوط، و

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 17، ط إيران الحجريّة.

(2)- العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 42، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 233

[مسألة 18: إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلّق الزكاة]

[مسألة 18]: إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلّق الزكاة، وجب عليه إخراجها (72).

______________________________

إن كان بنحو الملك المشاع او الكلي فى المعيّن و نحو ذلك، فلأنّ الشارع هو ولي الفقراء، فله إسقاط ما ملكوه.

و المتحصّل من ذلك كلّه: أنّه لا دليل يعتدّ به على ما ذكره المصنّف قدّس سرّه هنا من الأحكام، و هي وجوب الزكاة على الكافر، و عدم صحّة الأداء منه، و وجوب أخذها منه قهرا، و سقوطها بالإسلام، كما يظهر ذلك من «المستند «1»».

هذا و قد توقّف في الحكم الأخير، مع فرض بقاء العين، بعضى محشّي «2» الكتاب، أيضا.

(72) بناء على وجوب الزكاة على الكافر- و هو في محلّ المنع كما مرّ- لا ينبغي الإشكال فيما أفاده قدّس سرّه، بناء على ما هو الصحيح، من تعلّق الزكاة بالعين، إمّا بنحو حقّ الجناية- كما هو المختار- أو بنحو الملك المشاع، أو الكلّي في المعيّن، كما هو ظاهر. و يقتضيه معتبرة عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها إن يزكّيها لما مضى؟ «قال:

نعم، تؤخذ منه زكاتها، و يتبع

بها البائع- الخبر «3»».

______________________________

(1)- النراقي، مولى أحمد بن مهدي: مستند الشيعة، ج 2: ص 12، ط إيران الحجريّة.

(2)- استشكل ذلك جملة من المحشّين، منهم السيّد العلامة البروجردي- طاب ثراه- بل استظهر المحقّق الخوئي رحمه اللّه عدم السقوط، و لا أقل من كونه هو الأحوط.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 235

[فصل في الأجناس الّتي تتعلق بها الزّكاة]

اشارة

[فصل] في الأجناس الّتي تتعلق بها الزّكاة تجب في تسعة أشياء (73): الأنعام الثلاثة، و هي: الإبل، و البقر، و الغنم، و النقدين- و هما: الذّهب و الفضّة- و الغلّات الأربع- و هي: الحنطة، و الشعير و التمر، و الزبيب- و لا تجب فيما عدا ذلك، على الأصحّ.

______________________________

(73) وجوبها في التسعة المذكورة ممّا لا شبهة فيه، بل ممّا لا خلاف فيه نصّا و فتوى «1»، بل عن «التذكرة» و «المنتهى»: إجماع المسلمين كافّة أو اتّفاق علماء الإسلام على وجوبها في التسعة «2»، بل قيل: هو من ضروريّات الفقه، إن لم يكن من ضروريّات الدين «3». و خالف ابن الجنيد- كما حكي عنه «4»- في ذلك،

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 18، ط إيران الحجريّة.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 205، ط إيران الحجريّة؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 473، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 65، ط النجف الأشرف.

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 195، ط جامعة المدرسين، قم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 236

..........

______________________________

فذهب إلى وجوبها فيما عدا ذلك أيضا، فقال-

فيما حكي عنه-: «تؤخذ الزكاة في أرض العشر «1» من كلّ ما دخل القفيز «2»، من حنطة، و شعير، و سمسم، و ارز، و دخن «3»، و ذرّة، و عدس، و سلت «4»، و سائر الحبوبات ...»، و فاقا للمحكيّ عن الشافعيّ «5»، و أبي حنيفة «6»، مالك «7»، و أبي يوسف «8».

______________________________

؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 69، طبعة النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 18، ط إيران الحجريّة.

(1)- أرض العشر: الأرض الّتي تسقى سيحا، أو بعلا، أو عذيا، حيث يجب إخراج العشر من غلّاتها زكاة، و تطلق في مقابل «أرض الخراج»، و هي ما يؤخذ منها من نقد، أو حصّة من نمائها، بالنّصف، أو الثلث، أو الرّبع، و تسمّى الأخير بالمقاسمة.

و المراد بالسيح الجريان على وجه الأرض، سواء كان قبل الزّرع كالنيل، أو بعده. و البعل- بالعين المهملة- ما يشرب بعروقه في الأرض الّتي تقرب من الماء. و بالعذي ما سقته السّماء (النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 237، ط النجف الأشرف).

(2)- القفيز: مكيال كان يكال به قديما، و يختلف مقداره فى البلاد. و في «المعجم الوسيط» أنّه يعادل بالتقدير الحديث نحو ستّة عشر كيلوغراما.

(3)- الدخن: نبات عشبيّ، حبّه صغير أملس كحبّ السّمسم، ينبت برّيا و مزروعا (المعجم الوسيط).

(4)- السلت: ضرب من الشعير ليس له قشر، يشبه الحنطة، يكون بالغور و الحجاز (المعجم الوسيط).

(5)- الشافعيّ: الأمّ/ تصحيح: محمد زهري النجّار، ج 2: ص 34؛ الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: ص 617، ط الثالثة. و لا لاحظ أيضا- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 62

[متنا و هامشا]، مؤسّسة النشر الاسلامي، قم.

(6)- ابن حزم: المحلّى، ج 5: ص 211؛ الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 2: ص 616، ط الثالثة. و لاحظ أيضا- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 62 [متنا و هامشا]، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(7)- مالك بن أنس: صحيح الموطّأ/ بشرح الزرقاني، ج 2: ص 131، مطبعة الاستقامة؛ أبو عبيد، القاسم بن سلّام: الأموال، ص 638، مكتبة الكليات الأزهريّة؛ ابن حزم: المحلّى، ج 5: ص 210.

(8)- ابن حزم: المحلّى، ج 5: ص 211.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 237

..........

______________________________

و يدلّ على انحصار وجوبها فى التسعة المذكورة أخبار متظافرة، كصحيح عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لما نزلت آية الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ- الآية «1» في شهر رمضان، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مناديه، فنادى في الناس: إنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصّلاة، ففرض اللّه عليكم من الذّهب، و الفضّة، و الإبل، و البقر، و الغنم، و من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان، و عفى لهم عما سوى ذلك- الحديث «2»»، و صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «فرض اللّه عزّ و جلّ الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في تسعة أشياء، و عفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّا سواهن، في الذّهب، و

الفضّة، و الإبل، و البقر، و الغنم، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و عفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّا سوى ذلك «3»»، و موثّق زرارة عن أحدهما عليه السّلام، قال: «الزّكاة على تسعة أشياء:

على الذّهب، و الفضّة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الإبل، و البقر، و الغنم، و عفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّا سوى ذلك «4»»، و روايته الأخرى، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن صدقات الأموال، فقال: «في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء في الذّهب، و الفضّة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الإبل، و البقر، و الغنم السائمة- الخبر «5»»، و غير ذلك من النصوص الكثيرة الّتي يلاحظها المراجع في

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 8.

(5)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

«وسائل الشيعة «1»».

و كثرة النصوص المذكورة و تظافرها ممّا يغنيان عن ملاحظة سند كلّ منها بالخصوص. على أنّ فيها الصحيح، و الموثّق، كما لا يخفى على من لا حظها.

ثم إنّه بإزائها روايات أخر كثيرة أيضا، ظاهرة في وجوب الزكاة، في غير التسعة، كخبر أبي مريم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الحرث، ما يزكّى منه؟، فقال: «البرّ، و الشعير، و الذرّة و الأرز، و السلت، و العدس كلّ هذا ممّا يزكّى. و قال: كل ما كيل بالصّاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة «2»»، و مصحّح محمّد بن مسلم،

قال: سألته عن الحبوب، ما يزكّى منها؟ قال عليه السّلام: «البرّ، و الشعير، و الذرّة و الدخن، و الأرز، و السّلت، و العدس، و السّمسم، كلّ هذا يزكّى و أشباهه «3»»، و خبر المقنعة، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما كيل بالصّاع فبلغ الأوساق، فعليه الزكاة «4»»، و مثله صحيح زرارة: «كلّ ما كيل بالصّاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة». و قال: «جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصدقة في كلّ شي ء أنبتت الأرض، إلّا ما كان في الخضر، و البقول، و كلّ شي ء يفسد من يومه «5»»، و موثّق أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل في الأرز شي ء؟ فقال: «نعم، ثمّ قال: إنّ المدينة لم تكن- يومئذ- أرض أرز، فيقال فيه، و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه، و عامّة خراج العراق منه «6»!»، و خبر محمّد بن اسماعيل،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8 من أبواب وجوب الزكاة.

(2)- المصدر/ باب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- المصدر، ح 6.

(6)- المصدر، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 239

..........

______________________________

قال: قلت أبي الحسن عليه السّلام: إنّ لنا رطبة و ارزا، فما الّذي علينا فيها؟ فقال: «أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و أمّا الأرز فما سقت السماء العشر، و ما سقي بالدّلو فنصف العشر، من كلّ ما كلت بالصّاع- أو قال:- و كيل بالمكيال «1»»، و خبر زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: في الذرّة شي ء، فقال لي: «الذرّة، و

العدس، و السّلت، و الحبوب، فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصّاع فبلغ الأوساق الّتي تجب فيها الزكاة، فعليه فيه الزكاة «2»».

و ممّا يشهد بصدق كلتا الطائفتين، و صدورهما معا عن المعصوم عليه السّلام:

صحيح عليّ بن مهزيار، قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمّد، إلى أبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك! روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الذهب، و الفضّة، و الغنم، و البقر، و الإبل، و عفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّا سوى ذلك. فقال له القائل: عندنا شي ء كثير يكون أضعاف ذلك، فقال: و ما هو؟ فقال له: الأرز، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: أقول لك: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وضع الزكاة على تسعة أشياء، و عفى عمّا سوى ذلك، و تقول: عندنا أرز، و عندنا ذرّة، و قد كانت الذرّة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوقّع عليه السّلام: كذلك هو، و الزّكاة على كلّ ما كيل بالصّاع «3»».

قال: و كتب عبد اللّه- و روى غير هذا الرّجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّه سأله عن الحبوب- فقال: «و ما هي؟ فقال: السّمسم، و الأرز، و الدّخن، و كلّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 2.

(2)- المصدر، ح 10.

(3)- المصدر/ باب 8: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب

فيه، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

هذا غلّة كالحنطة، و الشعير فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في الحبوب كلّها زكاة. و روي- أيضا- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزّبيب. قال: فأخبرني- جعلت فداك- هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب- الحمّص، و العدس- زكاة، فوقّع عليه السّلام: صدقوا، الزّكاة في كل شي ء كيل «1»».

الجمع بين الطائفتين: فقد يقال- كما حكاه الكليني قدّس سرّه في «الكافي «2»» عن يونس بن عبد الرحمن- من قدماء أصحابنا- بحمل الطائفة الأولى، الحاصرة لوجوب الزكاة في التسعة، على الصّدر الأوّل من الإسلام، و حمل الثانية على ما بعد ذلك.

و لكن هذا الجمع على خلاف صريح جملة من الأخبار الحاصرة، فإنّ بعضها كالنصّ بالإضافة إلى ما عدا الصدر الأوّل كما يظهر ذلك لمن لا حظها «3».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

(2)- الكليني، محمد بن يعقوب، الفروع من الكافي، ج 3: ص 509، ط دار الكتب الاسلاميّة، طهران.

و نصّ كلامه رحمه اللّه: «قال يونس: معنى قوله: إنّ الزكاة في تسعة أشياء، و عفى عمّا سوى ذلك، إنّما كان ذلك في أوّل النبوّة، كما كانت الصّلاة ركعتين، ثم زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيها سبع ركعات. و كذلك الزكاة وضعها و سنّها في أوّل نبوّته على تسعة أشياء، ثم وضعها على جميع الحبوب».

(3)- كرواية محمد بن جعفر الطيّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه: فقلت: «أصلحك اللّه، فانّ عندنا

حبّا كثيرا، قال: و ما هو؟ قلت: الأرز، قال: نعم ما أكثره! فقلت: أ فيه الزكاة؟

فزبرني، قال: ثمّ قال: أقول لك: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عفى عمّا سوى ذلك، و تقول: إنّ عندنا حبّا كثيرا، أ فيه الزكاة؟»، و نحوه: خبر جميل بن درّاج. (- وسائل الشيعة/ باب 8: ما تجب فيه الزكاة، ح 12، 13). قلت: و ينافيه- أيضا-: كثير من الروايات الدّالة على أن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 241

..........

______________________________

و نسب إلى المشهور الجمع بينهما، بحمل هذه الأخبار- بالنسبة إلى ما عدى الأجناس الأربعة- على الاستحباب «1»؛ و عن السيّد المرتضى «2» قدّس سرّه: حمل الطائفة الثانية، الظاهرة في الوجوب، على التقيّة، و اختاره صاحب «الحدائق «3»» قدّس سرّه أيضا.

و التحقيق أن يقال: أنّا إذا أغمضنا النظر عن صحيح عليّ بن مهزيار المتقدّم، نظرا إلى اضطراب متنه، و ذلك من جهة اشتماله على بعض القرائن الدالّة على أنّ مكاتبة عبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليه السّلام كانت متعدّدة، من جهة ورود كلمة التوقيع في مقام الجواب مرّتين:

أحدهما: في الأثناء، حيث قال: فوقع عليه السّلام «كذلك هو، و الزكاة على كلّ ما كيل بالصّاع».

و الآخر: ما جاء في خاتمة الحديث، من قوله: فوقع عليه السّلام «صدقوا، الزكاة في كلّ شي ء كيل»، و لم يعهد في المكاتبة الواحدة التوقيع في الأثناء، مضافا إلى التوقيع في آخر المكتوب، كما لا يخفى.

و من جهة أخرى: هناك بعض القرائن الّتي تؤيّد كون المكاتبة واحدة،

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عفى عمّا سوى التسعة، إذ كيف يجتمع ذلك مع ما قاله يونس بن عبد الرحمن في مقام الجمع

(- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الاستبصار، ج 2: ص 4، ط النجف الأشرف).

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا، مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 19، ط إيران الحجريّة؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 127؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 108، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 68، ط النجف الأشرف.

(2)- علم الهدى، المرتضى: الانتصار، ص 78، ط النجف الأشرف.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 108، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 242

..........

______________________________

كقوله: «و روى غير هذا الرجل ...» فإنّ هذا ممّا يشهد بأنّ الرواية كانت مذكورة في المكاتبة عقيب الرواية الأولى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و لذلك نبّه على أنّ راويه هو غير الرّاوي الأوّل، و إلّا فالابتداء بهذه الجملة في المكاتبة ممّا لا يعرف له وجه صحيح، كما لا يخفى.

و كيف كان، فعلى تقدير وحدة المكاتبة، قد يكون هناك تكرار في بعض ما ورد فيها، و لأجل ذلك يحصل الاضطراب في متن الرواية، و على هذا، فلو أغمضنا النظر عن الرواية، كان مقتضى القاعدة في المقام هو حمل الطائفة الثانية على التقيّة، لا من جهة الأخبار العلاجيّة في مورد التعارض، بعد تعذّر الجمع العرفي بين المتعارضين، لاختصاص ذلك بالخبرين الظنيّين سندا، لا في مثل المقام الّذي يقطع فيه بصدور كلتا الطائفتين، فإنّه- بعد ما عرفت من كثرة الأخبار من الطرفين- لا مجال لاحتمال عدم صدور أحدهما كما يشهد بذلك- أيضا- صحيح على بن مهزيار المتقدّم، بل من جهة أنّه بعد القطع بصدور الطائفتين من المعصوم عليه السّلام، و

كون الدلالة في كلّ منهما قطعيّة، لا مناص من حمل الثانية على التقيّة، بمعنى التصرّف في جهة صدورها.

و بكلمة أخرى: إنّه لا شكّ في حصول القطع- و لا أقلّ من الاطمينان- بصدور كلتا الطائفتين، كما أنّ الدلالة في كلتيهما قطعيّة، أو مطمئن بها، و حينئذ فالقطع بمدلول الطائفة الأولى يستلزم القطع بخلل في الطائفة الثانية، و حيث إنّه لا مجال لفرض الخلل في السّند، أو الدلالة، فلا محالة يتعيّن فرضه- بحكم العقل- في جهة الصدور، و أنّ مفادها ليس بمراد جدّا للمعصوم عليه السّلام. و المتحصّل من ذلك: أنّه لا بدّ من الجمع، بالحمل على التقيّة مع قطع النظر عن صحيح ابن مهزيار، و لا مجال لحملها على الاستحباب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 243

..........

______________________________

هذا كلّه مع الغضّ عن صحيح عليّ بن مهزيار، و أمّا بملاحظة الصحيح المذكور، فيقرب الحمل على الاستحباب، نظرا إلى أنّ قوله عليه السّلام في التوقيع:

«صدقوا، الزكاة في كلّ شي ء كيل» لا يدلّ إلّا على أصل رجحان الزكاة و مشروعيّته، و لا يمكن حمله على الوجوب، فإنّ ذلك ينافي تصديقه عليه السّلام بصدور الأخبار النافية للزكاة عن غير التسعة. و دعوى أنّ التوقيع المذكور ظاهر في الوجوب، فيحمل على التقيّة، مدفوعة بأنّ احتمال كون المقام مقام التقيّة، مدفوع بتصديق المعصوم عليه السّلام بصدور الأخبار النافية، فلو كان المقام ممّا يقتضي التقيّة لما صدر ذلك منه عليه السّلام، كما أنّ احتمال أن يكون عليه السّلام قد بيّن الحكم في مورد التقيّة، بمعنى أنّه أرشد السائل إلى ما يعمله في مورد التقية، مدفوع؛ بأنّه- على هذا- لا بدّ من الإلزام بذلك، بأن يلزمه بالعمل بالحكم المذكور في مورد التقيّة.

و

عليه، فالرواية تكون دالّة على أصل رجحان الزكاة و مشروعيّتها في كلّ شي ء كيل، و حينئذ تكون شاهدة على حمل الطائفة الثانية، الظاهرة في الوجوب، على الاستحباب، جمعا بينهما. و بذلك يوجّه ما عن المشهور، من الحمل على الاستحباب، كما يخفى.

ثمّ إنّ الفقيه الهمداني قدّس سرّه أورد على المذهب المشهور، الحاملين للطائفة الثانية على الاستحباب، بما حاصله: إنّ الجمع بين الخبرين المتعارضين، بحمل أحدهما على الاستحباب، و إن كان في حدّ ذاته أقرب من الحمل على التقيّة الّذي هو في حكم الطرح، إلّا أنّ هذا في غير المقام، و ذلك لأنّه بملاحظة سيرة سلاطين الجور على أخذ الزّكاة من غير التسعة، و ثبوت ذلك في مذهب العامّة، يحصل الاطمينان بعدم كون صدور الطائفة الثانية لبيان المراد الجدّي. و بتعبير أوضح: يحصل الاطمينان بأنّ المراد الاستعمالي في الطائفة الثانية ليس موافقا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 244

..........

______________________________

للمراد الجدّي، و إنّما كان صدورها من جهة التقيّة فلا يبقى لها ظهور في كونها واردة لبيان الحكم الواقعيّ، و مع هذا الاطمينان لا بدّ من الحمل على التقيّة، و لا يبقى مجال للجمع بالحمل على الاستحباب، لاختصاص ذلك بما يتساوى فيه احتمال الصدور تقيّة مع احتمال غير ذلك، لا ما يطمئن فيه بصدوره كذلك.

و قد أجاب قدّس سرّه عن ذلك: بأنّه لا يعدو أن يكون من المغالطة، و ذلك لأنّ هذا الاطمينان لا يوجب تغييرا في المراد الاستعمالي أصلا، بل غايته الاطمينان بعدم كونه موافقا للمراد الجدي، و قد ثبت فى الأصول أنّ بناء العقلاء جار على موافقة المراد الاستعماليّ للمراد الجدّي- و هذا هو معنى الحجيّة- مطلقا، سواء أحصل الظنّ بها أم لم

يحصل، بل و إن حصل الظن بعدم ذلك، فإنّ هذا لا يوجب عدم البناء على الحجيّة، كما لا يخفى «1». و ما أفاده قدّس سرّه هو الصحيح.

نعم، ما أفاده «2» قدّس سرّه أخيرا من التفصيل و الجمع بين الروايات الحاصرة في التسعة و بين التوقيع، بالحمل على الاستحباب، ممّا لا يمكننا مساعدته في ذلك، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه، فإنّه بما ذكرناه من طريق الجمع لا مجال لما أفاده قدّس سرّه أصلا، و لا ندري إنّه كيف جعل صحيح ابن مهزيار شاهد جمع كي يتوجّه عليه الإشكال، و اللّه العالم.

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 19، ط إيران الحجريّة.

(2)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 245

نعم، يستحبّ إخراجها من أربعة أنواع أخر:

أحدها: الحبوب، ممّا يكال أو يوزن (74)، كالأرز، و الحمّص، و الماش، و العدس و نحوها. و كذا الثمار (75)، كالتفّاح، و المشمش و نحوهما، دون الخضر و البقول، كالقتّ «1»، و الباذنجان، و الخيار، و البطّيخ، و نحوها.

______________________________

(74) كما هو المشهور، و قد عرفته آنفا.

(75) أفتى الشيخ الأكبر رحمه اللّه بعدم استحباب الزكاة فيها، ملحقا إيّاها بالخضراوات «2». و قال في «الجواهر»: «لكن لم أجد من أفتى به صريحا عدا الأستاذ في موضع من كشفه. نعم، في «الدروس» و «الروضة»: نسبته إلى الرواية «3»». و ممّا دلّ على نفي الزّكاة في الثمار صريحا، صحيح زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، أنّهما قالا: «عفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الخضر. قلت:

و ما الخضر؟ قالا: كلّ شي ء لا يكون له بقاء، البقل، و البطّيخ،

و الفواكه، و شبه ذلك- الحديث «4»».

______________________________

(1)- القتّ جنس نباتات عشبيّة كلئيّة، فيه أنواع تزرع، و أخرى تنبت بريّة في المروج و الحقول.

(2)- الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 353، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 71، ط النجف الأشرف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: ما تجب فيه الزكاة و ...، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 246

..........

______________________________

و يستفاد من هذه الصّحيحة: أنّ الفواكه داخلة في الخضر، مضافا إلى ما قيل من أنّها كذلك لغة و عرفا. و عليه فيدلّ على نفي الزكاة في الفواكه كلّ ما دلّ على نفي الزكاة عن الخضر و البقول، كصحيح زرارة المتقدّم «1»، و موثق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس على البقول، و لا على البطّيخ و أشباهه زكاة- الحديث «2»» و خبر أبي بصير، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس على الخضر، و لا على البطّيخ، و لا على البقول و أشباهه زكاة- الحديث «3»»، و نحوها صحيح محمّد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام «4»، و صحيح زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «5» و حينئذ فتكاد الروايات تكون متّفقة على نفي الزكاة في الفواكه، فكيف يمكن القول باستحباب الزكاة فيها!

فإن قلت: إنّ مقتضى إطلاق جملة من الروايات هو ثبوت الزكاة في الفواكه، و هي النصوص الدالّة على ثبوت الزكاة في كلّ ما كيل بالصّاع، او كلّ ما دخل في القفيز، كصحيح ابن مهزيار المتقدّم، و خبر محمّد بن اسماعيل «6»، و صحيح زرارة «7»، و خبر أبي مريم «8»، و حينئذ فمقتضى الجمع بينها

و بين النصوص النافية هو الحمل على الاستحباب.

______________________________

(1)-- ص 237.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 7.

(3)- المصدر، ح 10.

(4)- المصدر، ح 1.

(5)- المصدر، ح 4.

(6)- المصدر/ باب 9: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 2.

(7)- المصدر، ح 10.

(8)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 247

الثاني: مال التجارة على الأصحّ (76).

______________________________

قلت: لو سلّم بكون الفواكه مشمولة للعناوين المذكورة، و هي عنوان «ما كيل بالصّاع» و «ما دخل في القفيز» و نحو ذلك، لم يوجب ذلك الحمل، و ذلك، لأنّة استثني منه- في صحيح زرارة المتقدّم «1» الخضر و البقول، و قد عرفت أنّ الفواكه داخلة في الخضر، و عليه فلا يكون هناك مقتض لوجوب الزكاة فيها، حتى يجمع بينها و بين ما دلّ علي نفي الزّكاة بالاستحباب. و عليه، فلا دليل على استحباب الزكاة في الفواكه و الثّمار.

و منه يظهر الوجه في عدم استحباب الزكاة في الخضر و البقول، كما ذكره المصنّف رحمه اللّه.

(76) ألا شهر، بل المشهور، نقلا و تحصيلا- كما عن «الجواهر «2»»- بل عن ظاهري «الانتصار «3»» و «الغنية «4»»: نسبته إلى دين الاماميّة، هو الاستحباب.

و نسب القول بالوجوب إلى جماعة «5». و عن الحسن بن عيسى: نسبته إلى طائفة من الشيعة «6»، و في «المدارك «7»»: «و حكى المصنّف عن بعض علمائنا قولا

______________________________

(1)-- ص 237.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 73، ط النجف الأشرف (- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 113).

(3)- علم الهدى، المرتضى: الانتصار، ص 78، ط النجف

الأشرف.

(4)- ابن زهرة، حمزة بن عليّ: الغنية، ص 569، ط إيران الحجريّة (ضمن «الجوامع الفقهيّة»).

(5)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 113.

(6)- المصدر.

(7)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 49، ط مؤسّسة آل البيت عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 248

..........

______________________________

بالوجوب، و هو الظّاهر من كلام ابن بابويه في «من لا يحضره الفقيه «1»»

و يدلّ على الوجوب- في الجملة- أخبار كثيرة جدّا، جاوزت حدّ الكثرة المتعارفة، كصحيح إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سأله سعيد الأعرج- و أنا أسمع- فقال: إنّا نكبس الزيت و السّمن، نطلب به التجارة، فربّما مكث عندنا السنة و السنتين، هل عليه زكاة؟ فقال: «إن كنت تربح فيه شيئا، أو تجد رأس مالك، فعليك زكاته، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة، فليس عليك زكاة، حتى يصير ذهبا أو فضّة، فإذا صار ذهبا أو فضّة، فزكّه للسنة الّتي اتّجرت فيها «2»»، و مصحّح محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال: «إن كان أمسك متاعه يبتغى به رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله، فعليه زكاة، بعد ما أمسكه بعد رأس ماله. قال:

و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال، يعمل بها، فقال: إذا حال عليه الحول فليزكّها «3»»، و خبر أبي الرّبيع الشامى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، و كان قد زكّى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه

زكاة، أو حتّى يبيعه؟ فقال: «إن أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة «4»»، و خبر خالد بن الحجّاج الكرخي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1)- الصدوق، محمد بن على: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 11، ط النجف الأشرف.

قال قدّس سرّه: «و إذا كان مالك في تجارة، و طلب منك المتاع برأس مالك، و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل، فعليك زكاته إذا حال عليك الحول ...».

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 249

..........

______________________________

الزكاة، فقال: «ما كان من تجارة في يدك، فيها فضل، ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلا على فضلك فزكّه، و ما كانت من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي ء آخر «1»»، و موثق سماعة، قال: سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا، فيمكث عنده السنة و السنتين و أكثر من ذلك، قال: «ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلّا أن يكون أعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، و إن لم يكن أعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتّى يبيعه، و إن حبسه ما حبسه، فإذا هو باعه فإنّما عليه زكاة سنة واحدة «2»»، و غير ذلك ممّا دلّ بظاهره على وجوب الزكاة في مال التجارة، في الجملة «3».

و بإزائها روايات كثيرة استدلّ بها لنفي وجوب الزكاة في مال التجارة:

منها- الرّوايات الحاصرة لما يجب فيه الزكاة فى التسعة، و قد مرّت الإشارة إليها.

و المناقشة فيه: أنّها أجنبيّة عن

المدّعى، فإنّها إنّما تدلّ على انحصار ما يجب فيه الزكاة- بعنوانه الأوليّ، من ذهب، و فضّة، و نحوهما- في التسعة، و لا ينافي ذلك ثبوتها في غير التسعة المذكورة، بعنوان ثانوي، مثل كونه: «مال التجارة»، كما هو ظاهر.

و منها- صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، أنّه قال: «الزكاة على المال الصامت، الّذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه «4»»، بتقريب أنّ المستفاد منه

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 5.

(2)- المصدر، ح 6.

(3)-- المصدر/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

(4)- المصدر/ باب 14: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 250

..........

______________________________

انحصار الزكاة في المال الصامت الّذي اجتمع فيه الشرطان: حولان الحول، و عدم التحريك، فلا تجب الزكاة حينئذ فيما حرّك، كمال التجارة.

و المناقشة فيه: أنّ الخبر لا يدلّ إلّا على اعتبار الشرطين في المال الصّامت، أعني به النقدين، الذّهب و الفضّة، لا على انحصار الزكاة بذلك. و بكلمة أخرى:

يشترط في ثبوت الزكاة في المال الصامت الحول، و عدم التحريك، لا أنّ كلّ مال حرّك- كمال التجارة- لا يثبت فيه الزكاة، و كم بينهما من فرق؟!

و منها- خبر سليمان بن خالد، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل، كان له مال كثير، فاشترى به متاعا ثمّ وضعه، فقال: هذا متاع موضوع، فإذا أحببت بعته فرجع إليّ رأس مالي و أفضل منه، هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟ قال:

«لا، حتّى تبيعه، قال: فهل يؤدّي عنه إن باعه لما مضى، إذا كان متاعا؟ قال:

لا «1»».

و

المناقشة فيه: أنّ الخبر غير وارد في مورد مال التجارة، بل إنّ الظاهر من مورده هو أنّ الشخص اشترى المال لا بقصد التجارة، كما يقصد التجار في شراء الأمتعة، بل بقصد أن يضعه عنده، و أنّه متى ما أحبّ باعه فعاد عليه رأس ماله بفضل، فلم يكن قصده من الأوّل الاتّجار بالمال، بل اشترى المال ليضعه عنده، من جهة اطمينانه بعدم ضياع رأس ماله، و هذا أجنبيّ عن المقام، كما لا يخفى.

و منها- صحيح زرارة، قال: كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السّلام، و ليس عنده غير ابنه جعفر عليه السّلام، فقال: «يا زرارة، إنّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: عثمان: كلّ مال، من ذهب أو فضّة، يدار به و يعمل به و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

يتّجر به، ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر: أمّا ما يتّجر به، أو دير و عمل به، فليس فيه زكاة، إنّما الزّكاة فيه إذا كان ركازا، أو كنزا موضوعا، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: فقال: القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام لأبيه: ما تريد إلّا أن يخرج مثل هذا فيكفّ الناس أن يعطوا فقرائهم و مساكينهم! فقال أبوه: إليك عنّي، لا أجد منها بدّا «1»».

و المناقشة فيه أوّلا- مضافا إلى عدم انطباق ما في ذيل الرواية، من اعتراض الإمام عليه

السّلام على أبيه عليه السّلام و لا سيّما بهذا اللّحن، الظّاهر منه الازدراء بمثل زرارة، على الموازين القائمة عند الشيعة تجاه الائمّة المعصومين عليهم السّلام أنّ الظاهر من الرواية أنّ الموضوع المتنازع فيه بين أبي ذر و عثمان إنّما كان هو خصوص النقدين، لا مطلق الأموال، كما يشهد به قول عثمان- كما في الرواية-:

«كلّ مال، من ذهب أو فضّة، يدار به و يعمل به و يتّجر به، ففيه الزكاة- الرواية» فإنّ إرداف التجارة بالدّوران و العمالة ظاهر في أنّ المراد إنّما هو ثبوت الزكاة في المال في هذه الحالات كلّها، فلا بدّ و أن يكون المال في حدّ نفسه ممّا يثبت فيه الزكاة، غايته أنّ الخلاف قد وقع في ثبوته فيه في جميع الحالات، و هذا أجنبيّ عن المقام، حيث يراد فيه إثبات الزكاة في المال بعنوان كونه «مال التجارة»، مع عدم ثبوته فيه في حدّ نفسه.

و يشهد به أيضا: قول أبي ذر رحمه اللّه: «أمّا ما يتّجر به، أو دير و عمل به، فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا، أو كنزا موضوعا، فإذا حال عليه الحول-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

الرواية» فإنّه يختصّ بما يطلق عليه «الركاز»، أو «الكنز» على تقدير عدم الاتّجار به، و هو خصوص الذّهب و الفضّة، و إلّا فسائر الأمتعة لا تكون من «الركاز» أو «الكنز»، كما لا يخفى. و يشهد به أيضا نفي أبي ذر الزّكاة عن ما يتّجر به، أو دير و عمل به، حيث قال: «فليس فيه زكاة ...» الظاهر

في نفي ثبوتها حتّى بعنوان الاستحباب، و لو كان مورد النزاع هو مال التجارة، كانت الرواية غير مطابقة للواقع قطعا، إذ لا إشكال في ثبوت الزكاة في مال التجارة، إمّا وجوبا، أو استحبابا، فيكون مفادها حينئذ خلاف ما هو الثابت بالإجماع المركّب، كما لا يخفى.

و على الإجمال، هذه الشواهد كلّها ممّا توجب القطع أو الاطمينان بخروج الرواية عن مورد البحث، و اختصاصها بالنقدين، من الذّهب، و الفضة، و بذلك يسقط الاستدلال بها لعدم وجوبها في مال التجارة.

و ثانيا: لو سلّمنا عدم القطع، أو الاطمينان، باختصاص الرّواية بالنقدين، فلا أقلّ من احتمال الاختصاص بهما، و حينئذ يتعيّن ذلك، بملاحظة النصوص المتقدّمة، الصريحة في وجوب الزكاة في مال التجارة، من باب الجمع العرفيّ.

و بكلمة أخرى: لو لم تنهض الشواهد المتقدّمة بإثبات صراحة الرواية في ورودها في خصوص النقدين، فلا أقلّ من كونها موجبة لاحتمال ذلك، و إذا ضممنا إليها سائر النصوص الكثيرة، الظاهرة في وجوبها في مال التجارة كان مقتضى الجمع العرفيّ إنّما هو حملها على خصوص النقدين، كما لا يخفى.

و منها- رواية عبد اللّه بن بكير، و عبيد، و جماعة من أصحابنا، قالوا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ليس في المال المضطرب به زكاة، فقال له إسماعيل ابنه: يا أبه، جعلت فداك! أهلكت فقراء أصحابك! فقال: أي بنيّ، حقّ أراد اللّه أن يخرجه،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

فخرج «1»».

و المناقشة فيه: أنّ الرواية أجنبيّة عن مال التجارة، لاختصاصها بما تكون الزكاة ثابتة فيه في حدّ نفسه، و يكون عدمه من جهة الاضطراب به، و هذا ينحصر- لا محالة- بالنقدين، فإنّ الزكاة ثابتة فيهما، غير أنّ المانع فيهما إنّما هو الاضطراب،

بتبديل أحدهما بالآخر، فرارا من الزكاة.

و على الإجمال، لا يصحّ مثل هذا الكلام إلّا فيما كانت الزكاة ثابتة فيه بعنوانه الأوليّ، و من الظاهر أنّ ثبوت الزكاة في مال التجارة إنّما هو بالعنوان الثانوي، دون العنوان الأوليّ. على أنّها لو كانت ظاهرة في مال التجارة لكان ممّا لا بدّ منه هو رفع اليد عن الظهور المذكور، نظرا إلى دلالتها على نفي الزكاة حتّى استحبابا، مع أنّ الزكاة على الجملة- و لو استحبابا- ثابتة في مال التجارة بلا ريب.

و منها- موثق إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرجل يشتري الوصيفة، يثبتها عنده لتزيد، و هو يريد بيعها، أعلى ثمنها زكاة؟ قال: «لا، حتّى يبيعها. قلت: فإن باعها، أ يزكّي ثمنها؟ قال: لا، حتّى يحول عليها الحول و هو في يده «2»».

و المناقشة فيه: أنّ الظاهر من فرض الرّاوي في الخبر: «الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده ...» و إن كان هو الاشتراء بعنوان التجارة، في مقابل اشترائها لا لأجل التجارة بها، بل لأجل إثباتها عنده، بأن يكون الغرض المهمّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 5.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 254

..........

______________________________

هو إثباتها عنده، غير إنّه قد لا يمتنع عن بيعها أيضا بعد ما انتفع بها مدة من الوقت، و حينئذ فتكون الرواية معارضة للنّصوص المتقدّمة، الدالّة على وجوب الزكاة في مال التجارة، باعتبار دلالتها على نفي الزكاة في مال التجارة، إلّا أنّها قابلة للحمل- أيضا- على غير مورد التجارة، و إن كان الظاهر- كما عرفت- هو الحمل على فرض التجارة، و لكن بملاحظة

صراحة موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس على الرقيق زكاة، إلّا رقيق يبتغي به التجارة، فإنّه من المال الّذي يزكّى «1»» في ثبوت الزكاة في الرقيق الّذي يتّجر به، و أنّه من المال الّذي يزكّى، لا بدّ من حمل الرّواية على غير فرض التجارة بأن يكون المهمّ هو إبقاء الوصيفة طالبا بذلك زيادة الثمن، كما هو شأن المترفين في اقتنائهم الأشياء النفيسة، فإنّ الموثق صريح في ثبوت الزكاة في مال التّجارة إذا كان رقيقا، و تلك الرواية ظاهرة في عدم ثبوت الزكاة في فرض التجارة بالوصيفة، و مقتضى حمل الظاهر على النصّ أو الاظهر عرفا، هو ما تقدّم، و حينئذ فتخرج الرواية عن مورد الكلام، كما لا يخفى.

و المتحصّل من ذلك كلّه: أنّ القول بوجوب الزكاة في مال التجارة هو الأظهر، وفاقا لمن تقدّمت الإشارة إليهم، و اللّه العالم.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 255

الثالث: الخيل الإناث (77)، دون الذكور، و دون البغال، و الحمير.

______________________________

(77) في «الجواهر» إجماعا محصّلا، و محكيّا في «الخلاف» و «الغنية» و «التذكرة «1»» و استدلّ له بصحيح زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل في البغال شي ء؟ فقال: «لا، فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟! فقال: لأنّ البغال لا تلقح، و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء. قال: قلت: فما في الحمير؟ قال: ليس فيها شي ء. قال: قلت: هل على الفرس، أو البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شي ء،

إنّما الصدقة على السائمة، المرسلة في مرجها عامها الّذي يقتنيها الرّجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء «2»»، و صحيح محمّد بن مسلم و زرارة عنهما عليهما السّلام جميعا، قالا: «وضع أمير المؤمنين عليه السّلام على الخيل العتاق «3»، الرّاعية، في كلّ فرس في كلّ عام، دينارين، و جعل على البراذين دينارا «4»»، و إطلاق الفرس

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 74، ط النجف الأشرف، و- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 55، ط جامعة المدرسين، قم- إيران؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: الغنية، ص 569، ط الحجرية (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)؛ العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 230، ط إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 3.

(3)- قال في «الحدائق»: «و المراد بالعتيق: كريم الأصل، و هو ما كان أبواه عربيّين، و البرذون- بكسر الباء- خلافه ...» (البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 152).

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 256

و الرقيق (78).

______________________________

في الرواية الثانية ممّا يرفع اليد عنه بالصحيح الأوّل، الدالّ على اختصاص الحكم بخصوص الإناث من الخيل. هذا و بمقتضى الرّوايات الحاصرة، المتقدّم ذكرها، تحمل هاتان الروايتان- لو تمّ دلالتهما على الوجوب- على الاستحباب. هذا، مضافا إلى نصوص أخر صريحة في نفي الوجوب عن غير الأصناف الثلاثة من الحيوان، و هي: الإبل، و البقر، و الغنم، ففي خبر زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام،

قال:

«ليس في شي ء من الحيوان زكاة، غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل، و البقر، و الغنم- الحديث»، و نحوه: خبره الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام، و قريب منهما: خبره الثالث عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «1» عليهما السّلام.

(78) و يدلّ عليه- مضافا إلى النصوص الحاصرة المتقدّم ذكرها- موثق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس على الرقيق زكاة، إلّا رقيق يبتغي به التجارة، فإنّه من المال الّذي يزكّى «2»».

و أمّا صحيح زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، أنّهما سئلا عمّا في الرقيق، فقالا: «ليس في الرأس أكثر من صاع من تمر، إذا حال عليه الحول، و ليس في ثمنه شي ء حتّى يحول عليه الحول «3»»، فعن صاحب

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: ما تجب فيه الزكاة و ما تستجب فيه، ح 4، 5، 3.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 257

الرابع: الأملاك و العقارات الّتي يراد منها الاستنماء، كالبستان، و الخان، و الدكان، و نحوها (79).

______________________________

الجواهر قدّس سرّه «1»: إمكان حمل الرواية على زكاة الفطرة، على أن يكون المراد من حول الحول فيه، ليلة الفطر. و قوّى هذا الاحتمال المحقّق الهمداني «2» رحمه اللّه. و هذا الاحتمال و إن كان قويّا بملاحظة صدر كلامه عليه السّلام، حيث قال: «ليس في الرأس- يعني: كليّة، لا خصوص الرقيق- أكثر من صاع من تمر»، مع العلم بأنّه لا خصوصيّة للتمر في زكاة الأموال، إلّا أنّه خلاف ظاهر التقييد بقوله عليه السّلام: «إذا حال عليه الحول»، فإنّ حمله على «ليلة الفطر» خلاف الظاهر.

إلّا أنّه لا بدّ من الخروج عن الرّواية بنحو من التأويل، بملاحظة عدم القائل به من الأصحاب، مضافا إلى ما تقدّمت الإشارة إليه.

(79) قال في «المدارك»: «العقار- لغة- الأرض، و المراد هنا ما يعمّ البساتين، و الخانات، و الحمّامات، و نحو ذلك، على ما صرّح به الأصحاب. و استحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم، و لم أقف له على مستند، و قد ذكره في «التذكرة «3»» و «المنتهى «4»» مجرّدا عن الدّليل ... «5»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام 15: ص 75 طبعة النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 21، ط إيران الحجريّة.

(3)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 230، ط إيران الحجريّة.

(4)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 510، ط إيران الحجريّة.

(5)- العاملي، السيد محمّد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: صص 184- 185، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 258

[مسألة: لو تولّد حيوان بين حيوانين، يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة و عدمها]

[مسألة]: لو تولّد حيوان بين حيوانين، يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة و عدمها (80)، سواء كانا زكويين أو غير

______________________________

و قال في «الجواهر»: «لا خلاف أجده فيه- إلى أن قال:- قلت: قد يقوى في الذهن أنّه من مال التجارة- بمعنى التكسب- عرفا، إذ هي- فيه- أعمّ من التكسّب بنقل العين، و استنمائها، فان الاسترباح له طريقان عرفا: أحدهما بنقل الأعيان، و الثاني باستنمائها مع بقائها، و لذا تعلّق فيه الخمس كغيره من أفراد الاسترباح ... «1»».

و ناقشه المحقّق الهمداني قدّس سرّه في ذلك، بقوله: «و فيه: أنّه إن أراد جعل نفس العقار المتّخذة للنماء مندرجة في

موضوع مال التجارة، بملاحظة أنّها مال ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب، فله وجه، و لكن مقتضاه تعلّق الزكاة بعينها، لأنّها هي المال الّذي اتّجر به، و هذا ممّا لم يقل أحد بتعلّق الزكاة به. و أمّا حاصلها- الّذي هو محلّ الكلام- فلا مناسبة بينه و بين مال التجارة أصلا، فضلا عن استفادة تعلّق الزكاة به من الرّوايات الواردة في المال المستعمل في التجارة «2»».

و كيف كان، فالظاهر أنّه لا دليل على استحباب الزكاة، لا في أنفسها، و لا في أثمانها، و إن كان المشهور بين العلماء هو استحباب الزكاة في أثمانها، و المصنّف قدّس سرّه اختار الاستحباب في أنفسها.

(80) قال المحقّق رحمه اللّه في «الشرائع»: «و لو تولّد حيوان بين حيوانين، أحدهما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 291، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 84، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 259

زكويين، أو غير زكويين، أو مختلفين، بل سواء كانا محلّلين أو محرّمين أو مختلفين، مع فرض تحقّق الاسم حقيقة، لا أن يكون بمجرّد الصورة، و لا يبعد ذلك، فإنّ اللّه قادر على كلّ شي ء.

______________________________

زكاتي، روعي- في إلحاقه بالزكاتى- إطلاق اسمه «1»».

و قال في «الجواهر»: «بلا خلاف أجده إذا كان الزكوي الأمّ، بل و إن لم يكن ... «2»».

قلت: الأحكام الشرعية تدور مدار عناوين موضوعاتها الّتي أنيط بها الحكم، فاذا صدق- عرفا- على الحيوان المتولّد أحد العناوين المأخوذة موضوعا للزكاة وجبت الزكاة فيه، و لو كان متولّدا من حيوانين من غير جنسه، على خلاف العادة، و بقدرة اللّه تعالى. كما أنّه لا تجب الزكاة في المتولّد

من حيوانين زكويّين، إذا انطبق عليه- عرفا- اسم حيوان غير زكويّ، كما أفاده المحقّق الهمداني «3» قدّس سرّه. فلاحظ.

______________________________

(1)- المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 142.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 75، ط النجف الأشرف.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 21، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 261

[فصل في زكاة الأنعام الثلاثة]

اشارة

[فصل] في زكاة الأنعام الثلاثة

[و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامّة- أمور]

اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامّة- أمور:

[الشرط الأول النصاب]
[النصاب في الإبل اثنا عشر نصابا]
اشارة

الأوّل: النصاب، و هو في الإبل اثنا عشر نصابا (81).

الأوّل: الخمس، و فيها شاة.

الثاني: العشر، و فيها شاتان.

الثالث: خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: العشرون، و فيها أربع شياه.

الخامس: خمس و عشرون، و فيها خمس شياه.

______________________________

(81) لا خلاف في اعتبار النّصاب في الإبل نصّا و فتوى «1»، و أمّا كونه في الإبل

______________________________

(1)- قال في «الجواهر»- عند قول المصنف رحمه اللّه «الأوّل: اعتبار النصب»-: «إذا لا تجب الزكاة قبلها إجماعا، بل ضرورة في المذهب، إن لم يكن الدين» (النجفي، الشيخ محمد حسن:

جواهر الكلام، ج 15: ص 76، ط النجف الأشرف).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 262

..........

______________________________

اثنا عشر، فهو المشهور، بل في «المدارك»: «هذه النصب مجمع عليها بين علماء الاسلام ... «1»».

و يدلّ عليه جملة من النصوص، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«ليس في ما دون الخمس من الإبل شي ء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة، إلى عشرة، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض «2»، إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإن زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون، الى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقّة «3» إلى ستّين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة، إلى خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإن زادت واحدة فحقّتان، إلى عشرين و مائة، فإن زادت على

العشرين و المائة واحدة، ففي كل خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون «4»»، و مثله صحيح أبي بصير «5»، و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «6».

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 53، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- بنت مخاض، و هي ما دخل في الثانية، فأمّها «ماخض»، أي «حامل» (العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 336، ط جامعة المدرسين، قم- إيران).

(3)- و إنّما سميّت حقّة، لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها.

(4)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الأنعام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 263

السادس: ست و عشرون، و فيها بنت مخاض (82)، و هي الداخلة في السنة الثانية.

السابع: ستّ و ثلاثون، و فيها بنت لبون، و هي الداخلة في السنة الثالثة «1».

الثامن: ستّ و أربعون، و فيها حقّة، و هي الداخلة في السنة الرابعة «2».

التاسع: إحدى و ستّون، و فيها جذعة، و هي الّتي دخلت في السنة الخامسة «3».

______________________________

(82) كما هو المشهور «4» و قد دلّ على ذلك النصوص المتقدّمة. و نسب إلى ابن

______________________________

(1)- بنت لبون، و هي ما دخل في الثالثة، فصار لأمّها لبن (العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف:

قواعد الأحكام، ج 1: ص 336).

(2)- حقّة- بكسر الحاء المهملة، و تشديد القاف- و هي ما دخل في الرّابعة، فاستحقت الحمل، أو الفحل (العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 336).

(3)- جذعة- كقصبة- سميّت بذلك، لأنّها تجذع مقدّم أسنانها، أي تسقط، و الجمع جذعات، كقصبات (الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين/ تحقيق: السيد أحمد الحسيني، ج 4:

ص

10).

و لتفصيل الكلام في أسنان الفرائض، لاحظ- النجفي: الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 123- 125، ط النجف الأشرف.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: صص 168- 169، ط نشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

أبي عقيل «1» أنّه أوجب بنت مخاض في خمس و عشرين، و هو النصاب الخامس على المشهور، و كأنّه استند في ذلك إلى صحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «في صدقة الإبل، في كلّ خمس شاة، إلى أن تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و ثلاثين، فإذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون- الخبر «2»».

قال الشيخ قدّس سرّه معلقا على الرواية: «ثمّ قوله عليه السّلام بعد ذلك: فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها ابنة مخاض» يحتمل أن يكون أراد و زادت واحدة، و إنّما لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك، و لو صرّح فقال: في كل خمس شاة، إلى خمس و عشرين ففيها خمس شياه، و إذا بلغت خمسا و عشرين، و زادت واحدة، ففيها ابنة مخاض، لم يكن فيه تناقض ...» فينطبق حينئذ على المذهب المشهور. ثمّ قال:

«و لو لم يحتمل ما ذكرناه، لجاز لنا أن نحمل الرواية على ضرب من التقيّة، لأنّها موافقة لمذاهب العامّة ... «3»».

و الصحيح أن يقال: إنّ الحمل على التقيّة مع اشتمال الرّواية على ما يخالف العامّة و الخاصّة، كما في الفقرات التالية، الدالّة على أنّ النصاب، بعد خمس و عشرين، خمس و ثلاثون، و بعده خمس و أربعون ... و هكذا، فإنّا لم

نجد أحدا من العامّة «4» و الخاصّة التزم بذلك- غير صحيح، لأنّه لا يحلّ المشكلة كليّة، و يصلح

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: صص 168- 169، ط جامعة المدرسين، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الأنعام، ح 6.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الكلام، ج 4: ص 23، ط النجف الأشرف.

(4)- قال القرطبى: «و أجمع المسلمون على أن في كلّ خمس من الإبل شاة، إلى أربع و عشرين، فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها ابنة مخاض، إلى خمس و ثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

ذلك لأن يكون قرينة على صحّة تقدير جملة «و زادت واحدة ...» في الفقرات المذكورة، و إلّا كان ذلك مذهبا جديدا في باب الزكاة، و حينئذ فيستفاد من ذلك التقدير في الفقرة السابقة أيضا، و هي قوله عليه السّلام: «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض».

و على الجملة: الالتزام بالتقدير، و إن كان على خلاف الظاهر، و لا يمكن المصير إليه بغير دليل، إلّا أنّه بعد العلم القطعيّ بالتقدير في الفقرات اللّاحقة كما عرفت، لا مانع من الالتزام بالتقدير في الفقرة السابقة أيضا. نعم، يختلف ملاك التقدير، فملاك التقدير في الفقرة الّتي هي محل الكلام، هو التقيّة، و أمّا ملاكه في سائر الفقرات هو الانطباق على المذاهب القائمة، فإنّه باتّفاق من الخاصّة و العامّة يعتبر في النصب المذكورة الزيادة بواحدة، و حينئذ يكون التقدير فيها قرينة على التقدير في هذه الفقرة أيضا. و حاصل المقال: أنّ كل ناظر إلى الرّواية- لا محالة- يعتقد بالتقدير فيها، من جهة أنّه- مع عدم التقدير- لا

تنطبق الرواية على شي ء من المذهبين: العامّة و الخاصّة، فيجعل وضوح التقدير في تلك الفقرات قرينة على التقدير في هذه الفقرة أيضا. و يؤيّد ذلك: أنّ صاحب «الوسائل» روى

______________________________

فابن لبون ذكر، فإذا كانت ستّا و ثلاثين ففيها بنت لبون، إلى خمس و أربعين، فإذا كانت ستّا و أربعين ففيها حقّة، إلى ستيّن، فإذا كانت واحدا و ستّين ففيها جذعة، إلى خمس و سبعين، فإذا كانت ستّا و سبعين ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإذا كانت واحدا و تسعين ففيها حقّتان، إلى عشرين و مائة ...» (القرطبي، محمد بن أحمد: بداية المجتهد و نهاية المقتصد، ج 1: صص 266- 267، ط مكتبة الكليّات الأزهريّة)، و نحوه في «البحر الرائق» لابن نجيم (ج 2: ص 230، أفست دار المعرفة ابن عابدين [و] «منحه الخالق» لمحمّد أمين (بهامش «البحر الرائق» ج 2: ص 230) [و] «المحلّى» لابن حزم (ج 6: ص 17) [و] الفقه على المذاهب الأربعة (ج 1: صص 597- 598). و منه يظهر وجه الحمل على التقيّة في حكم الرواية بوجوب دفع ابنة مخاض في خمس و عشرين من الإبل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 266

العاشر: ستّ و سبعون، و فيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدى و تسعون، و فيها حقّتان.

الثاني عشر: مائة و إحدى و عشرون، و فيها في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون، بمعنى: أنّه يجوز أن يحسب أربعين أربعين (83)، و في كلّ منها بنت لبون، أو خمسين خمسين، و في

______________________________

الرواية عن الصدوق رحمه اللّه في كتاب «معاني الأخبار» بعين السّند، و قال: «إلّا أنّه قال- على ما في بعض النسخ الصّحيحة-: فإذا بلغت خمسا

و عشرين، فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض ...» و هكذا بزيادة جملة: «فإن زادت واحدة» فى الفقرات التالية ... «1»» و عليه، فلا تكون الرواية معارضة للنصوص المتقدّمة، الدالّة على وجوب ابنة مخاض في ستّ و عشرين من الإبل.

(83) حاصل البحث في هذا المقام هو: أنّ التخيير بين عدّ أربعين أربعين، و العدّ خمسين خمسين، هل هو على وجه الإطلاق، حتّى فيما إذا لم يكن أحدهما عادّا، بأن لا يكون مستوعبا للعدد. أو أنّه ثابت في خصوص ما إذا كان كلّ منهما مستوعبا للعدد و عادّا له، و أمّا إذا كان أحدهما عادّا له دون الآخر تعيّن العادّ، كما أنّه إذا كان العادّ و المستوعب هما معا تعيّن العدّ بهما؟ وجهان، بل قولان. قال

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الأنعام، ح 7.

و هذه الزيادة غير موجودة في النسخة المطبوعة من «معاني الأخبار». و قال محقق الكتاب في الهامش: أنّه لم يظفر بها (الصّدوق، محمد بن الحسين: معاني الأخبار، ص 327، ط مكتبة الصدوق، طهران).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 267

كلّ منها حقّة. و يتخيّر بينهما مع المطابقة لكلّ منهما، أو مع عدم المطابقة لشي ء منهما، و مع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها، بل الأحوط مراعاة الأقلّ عفوا، ففي المائتين يتخيّر بينهما لتحقّق المطابقة لكلّ منهما، و في المائة و خمسين الأحوط اختيار الخمسين، و في المائتين و أربعين الأحوط اختيار الأربعين، و في المائتين و ستين يكون الخمسون أقلّ عفوا، و في المائة و أربعين يكون الأربعون أقلّ عفوا.

______________________________

بالأوّل المحقّق الأردبيلي «1» و نسب ذلك إلى الشهيد الثاني فى «فوائد القواعد»، و غيره في غيره

«2» كما قال به جملة ممّن تأخّر عنهم كأصحاب «المدارك «3»»، و «الحدائق «4»»، و «الرياض «5»». و نسب الثاني إلى الشهيد الثاني قدّس سرّه في «المسالك «6»»، و اختاره المحقّق الثاني «7» قدّس سرّه أيضا، بل ربما نسب ذلك إلى المشهور «8».

______________________________

(1)- الأردبيلى، أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج: صص 61- 62، ط جامعة المدرسين، قم.

(2)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 60.

(3)- العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 58، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: صص 49- 50، ط النجف الأشرف.

(5)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 1: ص 265، ط إيران الحجريّة.

(6)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 38، ط إيران الحجريّة.

(7)- المحقّق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 15، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(8)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 1: ص 265، ط إيران الحجريّة.

نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب (- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 23، ط إيران الحجريّة).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

و الّذي يتخيّل كونه منشأ القولين في المسألة ثبوتا، هو أنّ النصاب- بعد تجاوز الإبل المائة و العشرين- هل يكون أمرا كليّا «1»، و يكون الخروج عن عهدة ذلك بعدّ الغنم أربعين أربعين، أو خمسين خمسين ...؟ و على هذا يتعيّن القول الثاني، و هو لزوم كون العدد عادّا، فإنّ الخروج عن العهدة لا يكون إلّا إذا استوعب تمام الغنم، ففيما يكون الأربعين مستوعبا له- كالمائة و الستّين- يتعيّن العدّ بالأربعين، و فيما

يكون بالخمسين- كالمائة و الخمسين- يتعيّن ذلك، و فيما يكون العدّ بكلّ واحد منهما- كالمائتين- يتخيّر؛ و فيما يكون ذلك بكليهما- كالمائة و السبعين- عدّها بكليهما، فيعدّها- في الفرض- بثلاث أربعينات، و خمسين واحد.

أو أنّ النصاب- بعد تجاوز الإبل العدد المذكور- يكون هو الأربعين أو الخمسين، فنصاب ما بلغ هذا الحدّ إنّما هو ذلك على وجه التخيير؟ و عليه فيتعيّن القول الأوّل. فمنشأ القولين في المسألة إنّما هو الاختلاف في ما هو النّصاب عند بلوغ الغنم إلى الحدّ المذكور، و هل أنّه كليّ، و العدّ بالأربعين، أو الخمسين إنّما يكون للخروج عن العهدة، أو أنّ النصاب يكون حينئذ هو الأربعين، أو الخمسين على وجه التخيير؟

و قد استدلّ للقول الأوّل بصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيه- برواية الشيخ رحمه اللّه في كتابيه «التهذيب «2»»، و «الاستبصار «3»» «فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة، فإذا

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 38، ط إيران الحجريّة.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: التهذيب، ج 4: ص 21، ط النجف الأشرف.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الاستبصار، ج 2: صص 19- 20، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة «1»»، و نحوه صحيح أبي بصير «2».

و تقريب الاستدلال بهما: أنّ الظاهر من الرّوايتين و إن كان هو تعيّن العدّ بالخمسين مطلقا، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور و حملها على بيان أحد فردي الواجب التخييريّ، بمقتضى ما دلّ على التخيير بين الخمسين و الأربعين. و إلى هنا لا دخل لما ذكر في الاستدلال،

و إنّما الاستدلال بهما بعد حمل الروايتين على التخيير، إذ يقال عليه: إنّ مورد الروايتين الحاكمتين بالتخيير بين الخمسين و الأربعين هو عدد المائة و إحدى و عشرين، فإن قلنا بجواز عدّ ذلك بالخمسين أيضا، كما يجوز عدّه بالأربعين، ثبت المطلوب، و هو التخيير حتّى فيما لا يكون كلاهما عادّا، فإنّ الخمسين لا يستوعب المائة و إحدى و عشرين. و إن قلنا بعدم الجواز و لزوم العدّ بالأربعين، و أنّ التخيير بينهما يكون في غير ذلك لزم منه تخصيص المورد، و هو مستهجن، كما لا يخفى.

و على الإجمال: المتيقّن به من مورد الحكم بالتخيير إنّما هو المائة و إحدى و عشرين، و إذا ثبت التخيير فيه، تمّ المطلوب، و إلّا لزم تخصيص المورد، و هو غير معقول.

و يمكن الجواب عن ذلك: بأنّ التخيير بين الأربعين و الخمسين إنّما ثبت فيما إذا كثرت الإبل، إذ لم يحكم- في الروايتين- بالتخيير في عدد المائة و إحدى و عشرين، ليتمّ الاستدلال، بل قال عليه السّلام- بعد قوله: «فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة-: «فإذا كثرت الإبل، ففي كلّ خمسين حقّة»، فموضوع التخيير إنّما هو فرض كثرة الإبل، و يكفي في عدم لزوم تخصيص المورد، ثبوت التخيير بينهما في مثل المائتين. و على الجملة، لم يصرّح في الرّواية بالتخيير في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الأنعام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 270

..........

______________________________

خصوص المائة و إحدى و عشرين، كي يلزم من عدم التخيير فيه تخصيص المورد، بل إنّما حكم بالتخيير في ذلك بعنوان «أنّه إذا كثرت الإبل»، فموضوع الحكم المذكور كلّى، و

حينئذ فلا يلزم من اعتبار العدّ بأربعين أربعين، في المائة و إحدى و عشرين دون التخيير بينه و بين العدّ بخمسين خمسين إخراج المورد، كما لا يخفى.

و يستدلّ له- أيضا- بصحيح زرارة المتقدّم «1»: «فإن زادت على العشرين و المائة واحدة، ففي كل خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون»، و لا ينبغي الشك في دلالته على ذلك، لظهور الرواية في أنّ النصاب- بعد بلوغ الإبل الحدّ المذكور- إنّما هو الخمسين أو الاربعين، على وجه التخيير، لا أنّ النصاب كلّي، و أنّ العدّ بهما لأجل الخروج عن عهدة التكليف.

إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن الظهور المذكور، لوجهين:

الأوّل: ما ورد في ذيل صحيحة الفضلاء المتقدّمة «2»: «ثم ترجع الإبل إلى أسنانها ...» و هكذا في خبر الأعمش «3»، و هو إنّما يدل على أنّ النصاب بعد بلوغ الحدّ المذكور يكون كليّا، لصراحة الروايتين في أنّه لا يكون في الإبل- حينئذ- فريضة معينة، بل ترجع إلى أسنانها، بأن تجعل منطبقة على الأسنان الّتي بها يتحقّق تزكية الجميع، و هذا ممّا يختلف باختلاف الموارد، ففي مورد تكون الفريضة ثلاثة ابنة لبون، و في آخر بنتا لبون و حقّة، و في ثالث عكسه، حقّتان و ابنة لبون و هكذا.

الثاني: ما في ذيل الصّحيحة أيضا، من قوله عليه السّلام: «و ليس على النيّف شي ء،

______________________________

(1)-- ص 262.

(2)-- ص 264.

(3)- الصدوق، محمد بن عليّ: الخصال، ص 605/ ح 9، ط مكتبة الصدوق، طهران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

و لا على الكسور شي ء ...» و هذا لا يجتمع مع القول بالتخيير على وجه الإطلاق، حيث أنّ مقتضى هذه الفقرة إنّما هو اختصاص العفو بالنيّف، و

هو ما بين العقدين دون نفس العقود «1»، و لو قلنا بالتخيير مطلقا استلزم العفو في غير النيّف أيضا، كما إذا عددنا المائة و الستين بالخمسين، أو المائة و الخمسين بالأربعين، فإنّه يكون العفو في الأوّل عشرة، و في الثاني ثلاثين، و هو خلاف صريح الفقرة المذكورة، لأنّ ذلك ليس من النيّف، كما لا يخفى.

كلام الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه:

استدلّ قدّس سرّه لما ذهب إليه، من القول بالتخيير في خصوص ما إذا كان كلاهما عادّا للعدد- كما في المائتين مثلا- بما حاصله: أنّه لا إشكال في تعلّق الزكاة بمجموع الإبل البالغ مائة و خمسين، بمقتضى قوله عليه السّلام: «في كلّ خمسين حقّة» حيث إنّ العدد المذكور عبارة عن ثلاث خمسينات، فتتعلّق الزكاة بمجموعه لا محالة، فإنّه عبارة عن ثلاث مصاديق لقوله: «في كلّ خمسين حقّة»، و لا دليل على العفو في شي ء من العدد المذكور، و حينئذ فإن عملنا فيه بعموم «في كلّ خمسين حقّة» فقد أدّينا زكاة الجميع، و أمّا إذا عملنا فيه بعموم «في كل أربعين ابنة لبون» فقد أدّينا زكاة، ثلاثة أربعينات، البالغة مائة و عشرين، و يبقى من العدد ثلاثين لم يؤدّ زكاته، فإن قلنا بالعفو فهو خلاف المفروض، و إن قلنا بأنّ زكاة الأربعينات الثلاث، زكاة للثلاثين الباقية أيضا، كان ذلك قولا بغير دليل، و حينئذ فلا مناص لنا عن العمل فيه بعموم «في كلّ خمسين حقّة». و هكذا يقال

______________________________

(1)- الطريحي، فخر الدّين: مجمع البحرين/ تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، ج 5: ص 127.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 272

..........

______________________________

فيما يكون المستوعب للعدد خصوص الأربعين، كما هو ظاهر «1».

و يتوجّه عليه: أنّ كون المجموع متعلّقا للزكاة

مبنيّ على القول بأنّ النصاب

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 23، ط إيران الحجريّة.

و أليك نصّ عبارته قدّس سرّه: «و يتوجّه على الاستدلال بصحيحة زرارة و نظائرها- ممّا وقع به التعبير بأنّ في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون- أن المقصود بذلك بيان أنّ الإبل إذا كثرت و تجاوزت عن المائة و العشرين، لا يتعلّق النصاب بخصوص عدد المجموع، بل يلاحظ العدد خمسين خمسين، و أربعين أربعين، فيخرج الفريضة منه على ما يقتضيه ذلك العدد، بهذه الملاحظة. فالنّصاب- حينئذ- كلّ خمسين، و كلّ أربعين ... فكلّ جزء يفرض منه بالغا حدّ الأربعين فهو موجب لثبوت ابنة لبون فيه للفقير، و كلّ ما يفرض بالغا حد الخمسين فهو سبب لثبوت حقّة فيه، و لكن لا على سبيل الاجتماع، بل على سبيل التبادل، إذا المال الواحد لا يزكى مرّتين. فالمراد بهذه العبارة أنّ الزكاة الواجبة في هذا المال هي ما إذا قيست إلى كلّ أربعين أربعين، تقع ابنة لبون- في كلّ أربعين- مصداقا لها، بمعنى أنّه يحصل بدفعها إلى المستحقّ الخروج عن عهدة ما في كل أربعين من هذا العدد، و إذا قيست إلى كلّ خمسين خمسين فدفع حقّة عن كلّ منها، كذلك، فهو مخيّر في إخراج أيّهما شاء، إذا أمكن الخروج عن عهدة جميع ما ثبت في هذا المال، بأيّ من العددين، كما إذا كان كلّ من العددين عادّا للجميع، كما في المائتين و الأربعمائة، و إلّا تعيّن عليه الأخذ بما يحصل به الاستيعاب إن كان، و إلّا فالأكثر استيعابا. لأنّا إذا فرضنا المجموع مائة و خمسين، فقد تعلّقت الزكاة بمجموعها، لأنّ المجموع ثلاث مصاديق للخمسين،

و قد دلّت الأدلّة- بأسرها- على أنّ في كلّ خمسين حقّة، فلا عفو في هذا العدد، فلو عمل فيه بعموم قوله «في كلّ أربعين ابنة لبون»، لزم بقاء ثلاثين منه غير مزكّى، مع كونها جزء من النصّاب الآخر، لأنّ هذا العموم لا يقتضي إلّا كون ثلاث بنات لبون مجزية عمّا في هذا العدد من الأربعينات الثلاث، و أمّا كون الثلاثين الزائدة عليها عفوا- مع كونها جزء من النصاب الآخر- فليس من مقتضيات هذا العموم، فيجب في مثل الفرض- مقدّمة للخروج عن عهدة الزكاة الثابتة في الجميع- احتسابها خمسين خمسين. و من هنا يظهر الحال في الفرض الّذي حصل الاستيعاب بهما معا، أو كان أحدهما أكثر استيعابا، فإن مقتضى إطلاق سببيّة كلّ من الأربعين و الخمسين لثبوت موجبه، عدم الخروج عن عهدة الزكاة المفروضة في مجموع هذا المال، إلّا بالأخذ بما يحصل به الاستيعاب، مع الإمكان، و إلّا فالأكثر استيعابا ...»

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 273

..........

______________________________

- عند بلوغ الإبل الحدّ المذكور- يكون كليّا، و إلّا فلو قلنا بأنّ النصاب بعد ذلك يكون هو الأربعين أو الخمسين، على وجه التخيير، بمعنى أنّ الخيار فيه للمالك، فإن شاء عدّه بأربعين، كان النصاب حينئذ هو ذلك، فكانت الزكاة متعلّقة بما في الإبل من الأربعينات، و يكون المقدار الزائد على ذلك معفوّا عنه، و إن شاء عدّه بخمسين، كان ذلك هو النصاب، و كانت الزيادة عليه معفوّا عنها.

و الحاصل: أنّ ما أفاده قدّس سرّه لا يتمّ إلّا بعد إثبات أنّ النصاب حينئذ يكون كليّا، و أنّ التخيير إنّما هو في مقام الخروج عن العهدة، و مع إثبات ذلك لا تبقى حاجة إلى الوجه المذكور أصلا،

كما لا يخفى.

و المتحصّل، أنّ التخيير إنّما يثبت في ما إذا كان كلّ من الأربعين و الخمسين مستوعبا للعدد، كما في المائتين، و إلّا تعيّن أحدهما إن حصل الاستيعاب به، و إلّا فبالاثنين معا إن توقّف على ذلك، كما في المائة و السبعين مثلا، فيعدّها بالأربعين و الخمسين معا، لاشتمالها على ثلاثة أربعينات، و خمسين واحد. و على هذا، فلا يكون العفو إلّا فيما بين العقود، كما في المائة و إحدى و خمسين، إلى مائة تسع و خمسين، و نحو ذلك، كما هو ظاهر. و من ذلك كلّه يظهر الحال فيما أفاده المصنّف قدّس سرّه، فلاحظ و تأمّل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 274

[مسألة 1: في النصاب السادس، إذا لم يكن عنده بنت مخاض، يجزى عنها ابن اللبون]

[مسألة 1]: في النصاب السادس، إذا لم يكن عنده بنت مخاض، يجزى عنها ابن اللبون (84). بل لا يبعد إجزاؤه عنها اختيارا أيضا (85).

______________________________

(84) بلا خلاف فيه ظاهرا «1»، بل قيل بكونه موضع وفاق العلماء «2» و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم «3»: «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ... «4»»،

و صحيح أبي بصير: «فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ...»، و صحيح زرارة الاخر، عن أبي جعفر عليه السّلام: «و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه ابن لبون ... «5»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 116، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 208، ط إيران الحجريّة.

(3)- تقدّم في 259.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الأنعام، ح 2.

(5)- المصدر/ باب 13: زكاة الأنعام، ح

1.

اقول: و الظاهر- و اللّه العالم- أنّ ذلك من كلام شيخنا الصدوق قدّس سرّه، و قد أخذ من رواية زمعة بن سبيع، عن أمير المؤمنين عليه السّلام، في كتابه الّذي كتبه عليه السّلام له، حين بعثه على الصدقات، و فيه: «و من لم يكن عنده ابن مخاض على وجهها، و عنده ابن لبون ذكر، فانّه يقبل منه ابن لبون ...» (الكليني، محمّد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 3: ص 504، ط دار الكتب الإسلاميّة، طهران [و] الحرّ العاملي: وسائل الشيعة/ باب 13: زكاة الأنعام، ح 2)، و ليس هو من تتمّة رواية زرارة الّتي رواها الصدوق قدّس سرّه في «من لا يحضره الفقيه» (ج 2: ص 23، ط مكتبة الصدوق، طهران) فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 275

..........

______________________________

(85) كما حكي ذلك عن «القواعد «1»» و غيره «2»، بل حكي عن «إيضاح النافع»: نسبته إلى المشهور «3»، و قوّاه في «الجواهر» أيضا، معلّلا بقيام علوّ السنّ مقام الأنوثة «4». إلّا أنّ من الظاهر عدم صلاحيّة التعليل المذكور و ما شاكله من الوجوه الاستحسانيّة لإثبات الأحكام الشرعيّة.

و الصحيح أن يقال: إنّ ما أفاده قدّس سرّه إنّما يتمّ على تقدير الالتزام بجواز تبديل الفريضة- في الأنعام- بغيرها، مطلقا، و لو بغير النقدين. إلّا أنّه على هذا لا يختصّ ذلك بابن اللّبون، بل يجزي عن بنت مخاض كلّ ما يساوى الفريضة في القيمة، حتى و لو كان ذلك من غير الأنعام، من سائر الأجناس، و إلّا فمع الغضّ عن ذلك- كما هو ظاهر المتن- فلا دليل على الإجزاء في حال الاختيار. و حينئذ فالقول بذلك لا يخلو عن بعد و إشكال.

______________________________

(1)- الحلّي، الحسن بن

يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 336، ط جامعة المدرّسين، قم.

(2)- جمال الدين، مقداد بن عبدا اللّه (الفاضل المقداد): التنقيح الرائع، ج 2: ص 306، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم.

و نصّ كلامه: «الفتوى على الإجزاء مطلقا، اختيارا و اضطرارا ...».

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 117، ط النجف الأشرف.

(4)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 276

و إذا لم يكونا معا عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء (86).

______________________________

(86) كما هو صريح «الشرائع «1»»، بل ظاهر كلام المحقّق «2» و العلّامة «3» في جملة من كتبه- كما قيل «4» إنّه موضع وفاق بين علمائنا و أكثر العامّة «5» لإطلاق دليل البدليّة. و عن المحقّق قدّس سرّه في «المعتبر «6»»: القول بتعيّن شراء ابنة مخاض عن مالك «7»، و في «الجواهر «8»» حكاه عن «البيان «9»»، و نقل عن المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه «10» الميل إليه.

و قد يوجّه القول «11» بجواز شراء ابن اللبون، بدعوى: أنّ المستفاد من

______________________________

(1)- المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 146، ط الأولى.

(2)- المصدر.

(3)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 208، ط إيران الحجريّة؛ نهاية الأحكام، ج 2: ص 325، مؤسّسة اسماعيليان، قم.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 35، ط إيران الحجريّة.

(5)- نسب العلّامة قدّس سرّه هذا القول- في «التذكرة»- إلى الشافعيّ. لاحظ- تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 208، ط إيران الحجريّة.

(6)- المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 515، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلّامة الحلّي، الحسن

بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 208، ط إيران الحجريّة.

(7)- ابن قدامة، عبد اللّه بن احمد: المغني، ج 2: ص 447، افست دار الكتاب العربي، بيروت.

(8)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 117، ط النجف الأشرف.

(9)- الشهيد الأول، محمد بن مكّى: البيان/ تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، ص 286.

(10)- المقدّس الأردبيلى، الشيخ احمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 80، ط جامعة المدرّسين، قم.

(11)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 117، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 277

..........

______________________________

النصوص المتقدّمة إنّما هو جواز إعطاء ابن اللبون إذا لم تكن عنده ابنة مخاض، و هذا المعنى صادق في الفرض المذكور قطعا، فإنّه إذا اشترى ابن اللبون صدق عليه أنّه كان عنده ابن اللبون و لم تكن عنده ابنة مخاض. إلّا أنّ هذا التوجيه ممّا لا مجال له أصلا، و ذلك لتقييد جواز إعطاء ابن اللبون في أحد صحيحى زرارة- كما مرّت الإشارة إلى ذلك «1»- بما إذا كان عنده ابن لبون، قال عليه السّلام: «و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده، و كان عنده ابن لبون ذكر، فإنّه يقبل منه ابن لبون ...»، و مقتضى ذلك هو عدم جواز إعطاء ابن اللبون في مثل المقام، إذ لا يصدق عليه- قبل شراء ابن اللّبون- أنّه «كان عنده ابن لبون»، كما لا يخفى.

و التحقيق أن يقال: إنّه ينبغي الكلام في المسألة من جهتين:

الأولى: من جهة الأصل العمليّ، و أنّ مقتضاه هو التعيين أو التخيير؟ و الظاهر أنّ مقتضى الأصل في المقام إنّما هو التعيين، و إن قلنا بالتخيير في سائر موارد الدوران بين

التعيين و التخيير، و وجهه: أنّ الواجب على المكلّف أوّلا و بالذات إنّما هو ابنة مخاض، غاية ما هناك أنّ الدليل قام على بدليّة ابن اللبون عنها، و بما أنّ دليل البدليّة خاصّ بمورد وجود ابن اللبون، بمعنى أنّه القدر المتيقّن به كما في المقام، يكون مقتضى إطلاق ما دلّ على وجوب ابنة مخاض، إنّما هو تعيّن شرائها. و على الإجمال، حيث أنّ الإطلاق المقتضي لوجوب ابنة مخاض في محلّ الكلام موجود، فلا مجال للالتزام فيه بالتخيير، بدعوى: أنّ الجامع معلوم، و الخصوصيّة مجهولة، فيجرى فيها الأصل، فإنّ الإطلاق المفروض في المقام يصلح للبيانيّة على الخصوصيّة، كما لا يخفى. هذا ما يقتضيه الأصل العمليّ.

الثانية: من جهة الأدلّة الاجتهاديّة. و لا يخفى أنّ النصوص في هذا الباب

______________________________

(1)-- ص 262.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 278

[أمّا في البقر فنصابان]

و أمّا في البقر فنصابان (87):

______________________________

تكون على طائفتين:

إحداهما- ما تدلّ على إجزاء ابن اللبون- مطلقا- عند عدم وجود ابنة مخاض، كصحيح زرارة، و صحيح ابى بصير المتقدّمين «1».

و الأخرى- ما دلّت على الاجتزاء فيما إذا كان ابن اللبون موجودا عنده في ذلك الحال، كالصحيحة الثانية لزرارة، المتقدّم «2» ذكرها أيضا، و مقتضى الصناعة حينئذ إنّما هو تقييد الطائفة الأولى بالثانية، فينتج عدم الإجزاء إلّا في فرض وجود ابن اللبون، فإذا لم يكن موجودا عنده- كما في المقام- كان عليه شراء ابنة مخاض، و لم يجز له شراء ابن اللبون، لفرض عدم كونه مجزيا حينئذ عن الفريضة، كما هو ظاهر. و منه يظهر ما في كلام المصنّف قدّس سرّه، فلاحظ.

(87) بلا إشكال و لا خلاف. و في «الحدائق «3»»: «فعليه الإجماع، نصّا و فتوى، و يدلّ عليه

صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «في البقر، في كلّ ثلاثين بقره تبيع حولي، و ليس في أقلّ من ذلك شي ء، و في أربعين بقرة مسنّة، و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي ء حتّى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة، و ليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شي ء، فإذا بلغت الستّين، ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنّة إلى الثمانين، فإذا

______________________________

(1)-- ص 274.

(2)-- ص 274.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 55، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 279

الأوّل: ثلاثون، و فيها تبيع أو تبيعة (88)، و هو ما دخل في

______________________________

بلغت الثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليّات، فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كلّ أربعين مسنّة، ثمّ ترجع البقر إلى أسنانها، و ليس على النيّف شي ء، و لا على الكسور شي ء، و لا على العوامل شي ء، إنّما الصدقة على السائمة الراعية- الحديث «1»».

(88) كما هو المشهور «2» و المذكور في النصّ إنّما هو التبيع «3»، و اقتصر على ذلك ابن أبي عقيل، و عليّ بن بابويه «4» و أمّا التبيعة فلم يرد ذكرها في ذلك «5»، و لا في شي ء من النصوص الأخر، و حينئذ فجواز إعطائها ممّا لا يخلو عن إشكال. و قد

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: أبواب زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 178، ط جامعة المدرسين، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 365، ط مؤسّسة

المعارف الاسلامية، قم.

(3)- كما في رواية «الكافي» (- الكليني: الفروع من الكافي، ج 3/ باب صدقة البقر:

ص 534 ح 1/، ط دار الكتب الاسلامية، طهران؛ الطوسي: التهذيب، ج 4/ باب زكاة البقر: ص 24/ ح 1، ط النجف الأشرف).

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 178، ط جامعة المدرسين، قم.

(5)- غير أن المحقّق الحلي رحمه اللّه رواها في «المعتبر»: «في البقر، في كل ثلاثين تبيع، أو تبيعة ...» (المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 502، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم).

و علّق عليه صاحب «الحدائق» رحمه اللّه- بعد نقل رواية «المعتبر»- بقوله: «و أمّا ما نقلناه عن «المعتبر» ففي النفس منه شي ء، من حيث عدم تعرّض أحد لنقل ذلك بالكليّة، مع تكرّر النقل عن «المعتبر» في كتب الأصحاب، في نقل الأقوال و الفتاوى ...» (البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 57، ط النجف الأشرف).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 280

السنة الثانية (89).

______________________________

يقال: إن التبيعة أنفع بحال الفقير «1»، و ذكر التبيع في الروايات لا يدلّ على الموضوعيّة فيه و إنّما هو لتعيين الصّنف «2». و لكنّه وجه استحساني لا يحسن الاعتماد عليه في رفع اليد عمّا هو ظاهر النصّ «3».

(89) كما هو صريح «الشرائع «4»»، بل قيل «5»: إنّه عند الأصحاب- أيضا- كذلك.

و عن «المدارك «6»»: «ذكر الجوهري «7» و غيره «8»: أنّ التّبيع ولد البقر في السنة الأولى، و إنّما اعتبر فيه تمام الحول، لقوله عليه السّلام- في حسنة الفضلاء-: «في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي ...». و كيف كان، فلا إشكال في الحكم، إمّا لأنّ التبيع هو

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ

محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 115، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 35.

(3)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 488، ط إيران الحجريّة.

قال: «و في الأخرى: التبيعة، للأحاديث. و لأنّها أفضل بالدّر و النسل».

(4)- المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 147.

قال قدّس سرّه: «و التبيع: هو الذي تمّ له حول».

(5)- القائل هو الأصبهاني في شرح اللّمعة (النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15:

ص 124، ط النجف الأشرف).

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 89، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(7)- الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: صحاح اللغة، ج 3: ص 1190، دار العلم للملايين، بيروت.

و نصّ عبارته: «و التبيع: ولد البقر في أوّل سنة، و الأنثى تبيعة، و الجمع تباع و تبائع ...».

(8)- ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج 8: ص 29، ط دار صادر، بيروت؛ الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج 3: ص 8، افست دار الفكر، بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 281

الثاني: أربعون، و فيها مسنّة (90)، و هي الداخلة في السنة الثالثة (91)، و فيما زاد يتخيّر بين عدّ ثلاثين ثلاثين و يعطي

______________________________

ذلك لغة «1». أو لأنّ المراد به في المقام هو ذلك، بدليل الرواية المذكورة، فإن الحولي لا يقال إلّا لمن حال عليه الحول و دارت عليه السنّة، فيكون المراد بالتبيع، بمقتضى التوصيف المذكور، هو ما تمّ له السنة الأولى و دخل في الثانية.

(90) بلا خلاف، بل ادّعي عليه الإجماع «2» و يقتضيه الصحيح المتقدم.

(91) كما ذكره

جماعة من العلماء «3» مرسلين إيّاه إرسال المسلّمات «4»، بل ادّعي، عليه الإجماع «5».

______________________________

(1)- الأزهري، محمد بن أحمد: تهذيب اللغة/ تحقيق: محمّد علي النجّار، ج 2: ص 283.

و نصّ كلامه: «قلت: قول الليث: التبيع: المدرك، و هم، لأنّه يدرك إذا أثنى، أي: صار ثنيّا، و التبيع من البقر يسمّي تبيعا حين يستكمل الحول، و لا يسمّى تبيعا قبل ذلك ...».

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 209، ط إيران الحجريّة؛ العاملي، السيد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 62.

(3)- العاملي، السيد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 63.

(4)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 213، ط إيران الحجريّة.

و نصّ كلامه قدّس سرّه: «و أسنان البقر- إلى أن قال:- فإذا كمل سنتين و دخل في الثالثة، فهو:

ثنّي، و ثنيّة، و هي «المسنّة» شرعا ...».

(5)- الفيض الكاشاني، محمّد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 199، نشر مجمع الذخائر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 282

تبيعا، أو تبيعة، و أربعين أربعين و يعطي مسنّة (92).

______________________________

(92) الحكم في المقام هو ما تقدّم في النّصاب الأخير من نصب الإبل و هو التخيير- بالمعنى التالي: فإذا كان كلّ منهما عادّا- كالمائة و العشرين- اختار أيّا منهما، و إذا اختصّ أحدهما- من الثلاثين أو الأربعين- بالعدّ تعيّن ذلك، و إذا كان العدّ بالتلفيق- كالسبعين- اختار ذلك. و لا مجال للإشكال في الحكم المذكور أصلا،

و لا مجال للإشكال فى الحكم المذكور أصلا بعد صراحة الصحيحة المتقدّمة «1» في ذلك، و نتيجة التخيير على هذا النحو، هو: أنّ المعفوّ يختصّ بالنّيف فقط، إلّا في الخمسين، فإنّه- على

كلّ حال- مستثنى من ذلك، فيكون المعفوّ عنه فيه هو العشرة، بناء على تعيّن العدّ بأربعين، كما هو الصحيح، كما لا يخفى.

______________________________

الاسلاميّة، قم.

و نصّ عبارته: «المسنة- شرعا- ما دخلت في الثالثة، بالإجماع، و لم نقف- فى اللغة- على مدلولها».

أقول: قال الأزهري: «و البقرة و الشاة يقع عليهما اسم المسنّ إذا أثنيا، فاذا سقطت ثنيتها بعد طلوعها فقد أسنّت. و ليس معنى إسنانها كبرها كالرّجل، و لكن معناه: طلوع ثنيّتها.

و تثنى البقرة في السنة الثالثة، و كذلك المعزى تثنى في الثالثة ...» (الأزهري، محمد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 12: ص 299، الدار المصرية للتأليف و النشر [و] لاحظ- أيضا-- ابن الاثير: النهاية/ تحقيق: محمود محمد الطناجي [و] طاهر أحمد الزاوى، ج 2:

ص 413).

(1)-- ص 278.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 283

[أمّا فى الغنم، فخمسة نصب]

و أمّا فى الغنم، فخمسة نصب:

الأوّل: أربعون، و فيها شاة (93).

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 1، ص: 283

الثاني: مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان.

______________________________

(93) كما هو المشهور «1»؛ بل ادّعي الإجماع عليه «2»، و لم ينقل الخلاف في ذلك عن أحد إلّا ما نسب إلى الصدوقين «3» قدّس سرّهما: من اعتبار زيادة الواحد في النصاب الأوّل، إذ جعلاه واحد و أربعين. و يمكن أن يكون مستندهما في ذلك ما في «الفقه الرضويّ «4»»، لأنّ عبارة الصدوق قدّس سرّه في المقام هي بعينها عبارة الفقه الرضوي، فيعلم منه أن مستنده هو ذلك، و أيضا ما رواه في «الخصال» بإسناده عن

الأعمش، في حديث شرائع الدين، عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام، قال: «و تجب على الغنم الزكاة إذا بلغ أربعين شاة و تزيد واحدة، فيكون فيها شاة، إلى عشرين و مائة ... «5»». إلّا أنّ في كليهما ما لا يخفى على المتأمّل، أمّا «الفقه الرضوي» فلم

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 180، ط جامعة المدرّسين، قم.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 489، ط إيران الحجريّة.

و نصّ كلامه قدّس سرّه: «و قد أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم: أنّ أوّل نصب الغنم أربعون ...»

(3)- الصدوق، محمّد بن على بن الحسين: المقنع، ص 50، نشر مؤسّسة مطبوعات دار العلم، قم؛ الهداية، ص 42.

و نسب ذلك إلى والد الصدوق رحمه اللّه، أيضا. قال العلّامة الحلّي قدّس سرّه: «و قال ابنا بابويه قدّس سرّهما:

ليس على الغنم شي ء حتى يبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين و زادت واحدة، ففيها شاة ...» (العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 1: ص 181، ط جامعة المدرسين، قم).

(4)- قال: «و ليس على الغنم الزكاة حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا زادت على الأربعين واحدة ففيها شاة ...» (الفقه الرضوي/ تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، ص 196، قم).

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: ما تجب فيه الزكاة و ...، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 284

الثالث: مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه (94).

______________________________

يثبت كونه رواية، فضلا عن اعتبار السند. و أمّا رواية «الخصال»، فهي ضعيفة السند. و كيف كان، فقد أدّعي الإجماع، صريحا «1»، و ظاهرا «2»- كما حكي- على خلاف ما ذهب إليه الصدوقان

قدّس سرّهما، و يدلّ عليه صحيح الفضلاء، الآتي ذكره إن شاء اللّه تعالى.

(94) قيل «3»: إجماعا صريحا، كما عن «التذكرة «4»» و «المنتهى «5»» و «المفاتيح «6»» و ظاهرا، كما عن «الغنية «7»»، و «الرياض «8»» و «الخلاف «9»» و يدلّ عليه صحيح الفضلاء الآتي.

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 489، ط إيران الحجريّة؛ الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 199، نشر مجمع الذخائر الاسلامية، قم.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 21، ط جامعة المدرسين، قم؛ الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 62، ط جامعة المدرسين، قم؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع، ص 568، ط إيران الحجريّة [ضمن «الجوامع الفقهيّة»].

(3)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 64.

(4)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 120، ط إيران الحجريّة.

(5)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 489، ط إيران الحجريّة.

(6)- الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 199، نشر مجمع الذخائر الاسلامية، قم.

(7)- ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع، ص 568، ط إيران الحجريّة.

(8)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 62، ط جامعة المدرسين، قم- إيران.

(9)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 21، ط جامعة المدرسين، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 285

الرابع: ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة (95).

______________________________

(95) كما هو الأشهر، بل المشهور، بل عن «الخلاف «1»»، و ظاهر «الغنية «2»»- كما في «الجواهر «3»»- دعوى الإجماع عليه.

و يدلّ عليه صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «في الشاة، في كلّ أربعين شاة، و ليس فيما دون الأربعين شي ء، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة، ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين، ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتّى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه، حتّى تبلغ أربعمائة، فإذا تمّت أربعمائة، كان على كلّ مائة شاة، و سقط الأمر الأوّل. و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء، و ليس في النيّف شي ء ... «4»».

و عن جملة من الأجلّاء، كالشيخ المفيد «5»، و المرتضى «6»، و الصدوق «7»، و

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 21، ط جامعة المدرسين، قم.

(2)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 568، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 84، ط النجف الأشرف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 1.

(5)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 238، ط جامعة المدرسين، قم.

(6)- المرتضى، عليّ بن الحسين: جمل العلم و العمل/ تحقيق: رشيد الصفّار، ص 126.

(7)- الصدوق، محمد بن على بن الحسين: المقنع، ص 50؛ الهداية، ص 43، ط مؤسّسة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

ابن أبي عقيل «1»، و سلّار «2»، و ابن حمزة «3»، و ابن

إدريس «4»- قدّس اللّه أسرارهم- إنكار النصاب الخامس، و القول بأنّ النّصاب الأخير في الغنم هو ثلاثمائة و واحدة، و أنّ الواجب- حينئذ- في كلّ مائة شاة، فتكون نصب الغنم- على قولهم- أربع، و يكون الواجب عندهم في ثلاثمائة و واحدة: هو ثلاث شياه، خلافا للمشهور، حيث أوجبوا فيها أربع شياه، و جعلوا النصاب الأخير للغنم أربعمائة، و أوجبوا- حينئذ- في كلّ مائة شاة. و الثمرة بين القولين إنّما تظهر في ثلاثمائة و واحدة، اذ بناء على كون النصب أربعة يجب فيها ثلاث شياه، و على الخمسة تجب أربع شياه.

و قد استدلّ لهذا القول بصحيح محمد بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي ء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم، ففي كلّ مائة شاة- الحديث «5»».

و قد يقال: بأنّ الخبرين غير متكافئين من حيث السند، و التعارض فرع التكافؤ. و قد يقرّب «6» عدم التكافؤ بينهما، بالمناقشة في سند خبر محمّد بن

______________________________

مطبوعات دار العلم، قم؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 27، ط مكتبة الصدوق، طهران.

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 179، ط جامعة المدرسين، قم.

و لم نعثر على مصدر لهذا القول سوى الكتاب المذكور.

(2)- سلّار، حمزة بن عبد العزيز: المراسم/ تحقيق: الدكتور محمود البستاني، ص 131.

(3)- ابن حمزة، محمد بن عليّ: الوسيلة/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 126، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم- ايران.

(4)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السّرائر، ج 1: صص 450- 451،

ط النشر الإسلامي، قم.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 2.

(6)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 180، ط جامعة المدرسين، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 287

..........

______________________________

قيس، بدعوى أنّه مشترك بين أربعة، أحدهم ضعيف، و لعلّ الموجود في السند هو الضعيف، و هذا ممّا يسقط الخبر عن درجة الاعتبار. كما أنّه قد يقرّب ذلك «1» بالمناقشة في صحيح الفضلاء، بدعوى «2»: أنّ في السّند: إبراهيم بن هاشم، و هو غير منصوص على وثاقته في الكتب الرجاليّة، بل هو ممدوح حسن، فتصبح الرواية- على هذا- حسنة، و الحسنة لا تكافئ الصحيحة.

و الصحيح: عدم ورود شي ء من المناقشتين. أمّا «3» في صحيح محمد بن قيس، فلأنّ المستفاد من كلام النجاشيّ «4» و الشيخ «5» هو: أنّ من يروى عنه عاصم بن حميد، إنّما هو محمد بن قيس البجلّي الثقة «6» و لأجل ذلك يقال: إنّ

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 489، ط الحجرية- إيران.

و نصّ كلامه: «إنّ طريق حديثنا- و يعنى به: صحيح محمد بن قيس- أصحّ من طريق حديثهم- و يعنى به: صحيح الفضلاء».

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 60، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 25، ط إيران الحجريّة (و التقريب المذكور في المتن الأخير).

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 62، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- النجاشي، أحمد بن علي: رجال، ص 323، ط جامعة المدرسين، قم [و] ج 2:

ص 198- 199، ط دار الاضواء، بيروت.

(5)- الطوسي، محمّد بن الحسن:

الفهرست، ص 313، افست طبع اسيرنگر، الهند (منشورات جامعة مشهد).

(6)- قال المحقّق الخوئى رحمه اللّه: «إنّ محمد بن قيس، الّذي روى عن أحدهما عليهما السّلام، أحد اشخاص:

محمد بن قيس، أبو أحمد، الأسدي، و هو ضعيف. و محمد بن قيس، أبو عبد اللّه، الأسدي، و هو ممدوح. و محمّد بن قيس، أبو عبد اللّه، البجلّي، و هو ثقة. و محمد بن قيس، أبو قدامة، الأسدي، و هو مهمل. و محمد بن قيس، أبو نصر الأسدي، و هو ثقة. و محمّد بن قيس، الأنصاري، و هو مهمل. لكنّ الرجلين منهم- و هما: محمد بن قيس البجلّي، و محمد بن قيس، أبو نصر الأسدي- معروفان مشهوران، و لهما كتاب «القضايا» و لا شك في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 288

..........

______________________________

محمّد بن قيس، الواقع في هذا الخبر، إنّما هو الثقة، لرواية عاصم بن حميد عنه. و أمّا صحيح الفضلاء، فلأنّ هاشم- و هو أبو ابراهيم بن هاشم- و إن لم ينصّ على توثيقه في الكتب الرجاليّة، إلّا أنّ جلالة شأنه، و كثرة رواياته، و اعتماد ابنه- اي:

ابراهيم- و الكليني، و الشيخ، و اضرابهم من العلماء و المحدّثين عليه، ممّا يجعله في غنى عن توثيق الرجاليين. بل قيل: «هو أوثق في النفس من أغلب الموثّقين الّذين لم تثبت وثاقتهم إلّا بظنون اجتهاديّة غير ثابتة الاعتبار. بل قيل: إنّه لا مجال للمناقشة في خصوص هذه الرواية، الّتي هي من أوثق الروايات المعمول بها لدى الأصحاب في جلّ فقراتها، حتى إنّ مثل السيد المرتضى قدّس سرّه الّذي لا يرى حجّية أخبار الآحاد اعتمدها و اعتبرها حجة ... «1»».

و قد يناقش- أيضا- في صحيح الفضلاء، كما عن «المدارك «2»»:

بأنّ الصحيح مشتمل على ما هو مخالف لما عليه الأصحاب، لدلالته على أنّ النصاب الثاني في الغنم إنّما هو عشرين و مائة، لقوله عليه السّلام: «و ليس فيما دون الأربعين

______________________________

انصراف محمد بن قيس- عند الإطلاق- إلى أحدهما دون الآخرين غير المعروفين، و بما أن عاصم بن حميد، روى كتاب كل منهما فلا تمييز عند الإطلاق. إلّا أنّه لا أثر له، لوثاقة كلّ منهما ...» (المحقّق الخوئي، السيد ابو القاسم: معجم رجال الحديث، ج 17:

صص 175- 176، الطبعة الثالثة).

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 25، ط إيران الحجريّة.

(2)- العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 63، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

و ممّا يجدر التنبيه عليه: أنّ هذا الإشكال ممّا اسند إلى العلامة قدّس سرّه في «المنتهى» فى غير واحد من الكتب الفقهيّة، ك «مصباح الفقيه» و غيره، و هو اشتباه، و إنّما هو تعقيب من المدارك على كلام العلامة قدّس سرّه و نصّ عبارته كما يلي: «و قال العلامة في «المنتهى»: إنّ طريق الحديث الأوّل أوضح من الثاني، و اعتضد بالاصل، فيتعين العمل به» (و هذا تمام كلام العلّامة قدّس سرّه). ثم عقبه قدّس سرّه بقوله: «و هو غير بعيد، مع أنّ الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني، و ذلك ممّا يضعف الحديث ...».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 289

..........

______________________________

شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة ففيها شاتان ...» و هو ما خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب، من جعل النّصاب الثاني مائة و إحدى و عشرين، و هذا ممّا يوجب تضعيفه و إسقاطه عن حد المكافأة مع صحيح محمد بن قيس.

و أجيب

«1» عن ذلك: بأنّ الموجود في نسخ «الكافي «2»» الّذي هو الأصل فإنّ الشيخ قدّس سرّه إنّما رواه من «الكافي»: «و ليس فيما دون الأربعين شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على عشرين و مائة ففيها شاتان ...» و كذلك الحال في كتاب «الاستبصار «3»». و لعلّ صاحب «المدارك» اعتمد على نسخة «التهذيب». قلت: الموجود في نسخة «التهذيب» و المطبوعة في النجف الأشرف «4»- أيضا- غير مشتملة على ما يخالف مذهب الأصحاب. و لو سلّمنا بأنّ الموجود في النسخة الأصليّة من «التهذيب» كان كما ذكره، فغايته الحمل على السهو، بعد العلم بأنّ المصدر للخبر المذكور هو «الكافي»، و هو أضبط و أمتن من «التهذيب»، كما هو معروف.

و على الإجمال، لا مجال في المقام لأمثال هذه المناقشات، و الصحيح في المقام إنّما هو الجمع بين الخبرين، بأن يقال إنّ دلالة صحيحة ابن قيس على حكم الثلاثمائة و واحدة إنّما هو بالإطلاق، فإنّ المذكور فيها: «فإذا كثرت الغنم، ففي كلّ مائة شاة» و شمول هذا للثلاثمائة و واحدة إنّما هو بالإطلاق، و أمّا شمول صحيح الفضلاء لذلك فهو بالتنصيص، و مقتضى القاعدة حينئذ إنّما هو حمل

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 60، ط النجف الأشرف.

(2)- الكليني، محمد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 3: ص 535، ط دار الكتب الاسلامية، طهران.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الاستبصار، ج 2: ص 22، ط النجف الأشرف.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 4: ص 25، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 290

و ما بين النصابين فى الجميع عفو (96)، فلا يجب فيه

غير ما وجب بالنصاب السابق.

[مسألة 2: البقر و الجاموس جنس واحد]

[مسألة 2]: البقر و الجاموس جنس واحد (97) كما أنّه

______________________________

الظاهر على النصّ، و نتيجة ذلك أن تحمل صحيحة محمد بن قيس على بيان النّصاب الأخير، و هو الأربعمائة فما فوق، و تكون الرواية قد أهملت بيان حكم الثلاثمائة و واحدة. و لعلّ الوجه في الإهمال هو التقيّة.

و بكلمة أخصر و أوضح: إنّ الجمع العرفي بين الخبرين موجود، و ما دام كذلك لا تصل النوبة إلى إعمال قواعد التعارض، و طريقة الجمع هي حمل صحيحة ابن قيس على غير فرض الثلاثمائة و واحدة، للتصريح في صحيح الفضلاء بوجوب أربع شياه في الثلاثمائة و واحدة. فلاحظ و تأمّل.

(96) كما دلّ على ذلك صحيح الفضلاء المتقدّم «1» و فيه: «و ليس في النيّف شي ء».

و كذلك الحال في صحيح محمد بن قيس المتقدّم «2».

(97) الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه، بل قيل: إنّ الإجماع- بقسميه- عليه «3»، بل

______________________________

(1)-- ص 285.

(2)-- ص 286.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 151، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 291

لا فرق في الإبل بين العراب و البخاتي «1»، و في الغنم بين المعز، و الشاة، و الضأن. و كذا لا فرق بين الذكر و الأنثى فى الكلّ (98).

______________________________

قيل «2»: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب- قدس اللّه اسرارهم- و غيرهم «3»، فإنّ البقر- لغة- صادق على الجاموس- أيضا-، غايته: أنّه ينفرد عن بقيّة أفراد البقر ببعض الخصوصيّات، كاللون و نحو ذلك، ففي الحقيقة هو صنف من أصناف البقر و التفرقة بينهما بالاسم أمر حادث. مضافا إلى صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: قلت له: في الجواميس شي ء؟

قال: «مثل ما في البقر «4»» فإنّه صريح في أنّ الزكاة الثابتة في الجواميس بعينها هي الثابتة في البقر.

(98) بلا خلاف في ذلك بل الإجماع عليه، و الوجه في الجميع ظاهر، فإنّ المراد بالإبل و الغنم في أدلّة النصب إنّما هو الجنس، الشامل ذلك لجميع الأقسام المذكورة، سواء في ذلك الذكر و الأنثى. ثمّ إنّ الظاهر هو مرادفة لفظ: «الشاة» للغنم، فلا وجه لجعلها في العبارة في رديف الضأن و المعز. و اللّه العالم.

______________________________

(1)- البختيّة: الأنثى من الجمال البخت، و الذكر: بختيّ، و هي جمال طوال الأعناق، و تجمع على: بخت، و بخاتيّ. (ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزيري: النهاية/ تحقيق: طاهر احمد الزاوي [و] محمود محمّد الطناحي، ج 1: ص 101). و الابل العراب: خلاف البخاتيّ (الطريحي، الشيخ فخر الدين: مجمع البحرين، ج 2: ص 119/ تحقيق السيد أحمد الحسيني).

(2)- العاملي، السيّد محمّد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 101، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- ابن قدامة، موفق الدين: المغنى، ج 1: ص 470، افست دار الكتاب العربي، بيروت.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 292

[مسألة 3: في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النّصاب وجبت عليهم]

[مسألة 3]: في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النّصاب وجبت عليهم (99)، و إن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط، و إن كان المجموع نصابا، و كان نصيب كلّ منهم أقلّ لم يجب على واحد منهم.

______________________________

(99) تقدّم الكلام في المسألة على الوجه الكلّي، مع قطع النظر عن خصوص فرض الأنعام و غيرها، و إجمال القول فيها: إنّا إذا قلنا في المال المشترك بتعدّد الملكيّة بعدد أفراد المشتركين، كان

مقتضى القاعدة هو ثبوت الزكاة على من بلغ ماله النصاب، و أمّا إذا بنينا على أنّه ملكيّة واحدة، أحد طرفها المال، و الطرف الآخر هم الأفراد المشتركون فيه كالخيط المشدود بهما، كان مقتضى القاعدة هو وجوب الزكاة ببلوغ المجموع حدّ النصاب. و الّذي ينبغي أن يقال: أنّه لا مجال للبحث هنا من جهة القواعد، و أنّ مقتضاها هل هو ثبوت الزكاة في المال المشترك إذا كان المجموع نصابا، لا حصّة كلّ واحد منهم أو لا، و ذلك لورود النصّ القاضي بثبوت الزكاة في خصوص ما إذا كان حصّة كل واحد منهم نصابا، كخبر زرارة- المرويّ في «العلل»- عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال زرارة:

«قلت له: مائتي درهم بين خمس أناس أو عشرة، حال عليها الحول و هي عندهم، أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: لا، هي بمنزلة تلك- يعنى: جوابه في الحرث، ليس عليهم شي ء، حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم- قلت: و كذلك في الشاة، و الإبل، و البقر، و الذهب و الفضّة، و جميع الأموال؟ قال: نعم «1»،»

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 293

[مسألة 4: إذا كان مال المالك الواحد متفرّقا، و لو متباعدا، يلاحظ المجموع]

[مسألة 4]: إذا كان مال المالك الواحد متفرّقا، و لو متباعدا، يلاحظ المجموع (100)، فإذا كان بقدر النصاب وجبت، و لا يلاحظ كلّ واحد على حدة.

______________________________

و أمّا الاستدلال له بما في صحيح محمد بن قيس المتقدّم «1»: «و لا يفرّق بين مجتمع، و لا يجمع بين متفرّق»، و قريب منه أيضا ما في رواية محمّد بن خالد «2»، فهو غير خال عن الإشكال، من جهة أنّ الجملة

المذكورة من المتشابهات، حتّى أنّ مخالفينا «3» رووا ذلك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و حملوها على التفرّق و الاجتماع في المكان، و استدلّوا بها على مذهبهم من ثبوت الزكاة في المجتمع في المكان. و كيف كان، ففي الخبر المتقدّم غنى و كفاية.

(100) بلا خلاف فيه بيننا، على الظاهر، كما صرّح به غير واحد «4»، بل ادّعي عليه الإجماع «5»، و الوجه فيه هو: أنّ المستفاد من أخبار الباب هو اعتبار كون المالك

______________________________

(1)-- ص 286.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الأنعام، ح 2.

(3)- ابن قدامة، موفق الدين: المغني، ج 2: صص 489- 490، افست دار الكتاب العربي، بيروت.

(4)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 83، ط جامعة المدرسين، قم؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 82، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 91، ط النجف الأشرف.

(5)- الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 37، ط جامعة المدرسين، قم؛ العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 504، ط إيران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء، ج 1:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 294

[مسألة 5: أقلّ أسنان الشاة الّتي تؤخذ في الغنم و الإبل، من الضأن الجذع، و من المعز الثني]

[مسألة 5]: أقلّ أسنان الشاة الّتي تؤخذ في الغنم و الإبل، من الضأن الجذع، و من المعز الثني (101).

______________________________

مالكا للنصاب، سواء كان ذلك مجتمعا أم متفرّقا. و التعرّض لهذه المسألة إنّما هو لدفع ما بنى عليه بعض العامّة من اختصاص وجوب الزكاة في المتفرّق بما لم يبلغ حدّ المسافة «1».

(101) كما المشهور، كما حكي الاعتراف به عن غير واحد «2»، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه «3». و

ذهب بعضهم «4» إلى كفاية ما يسمّى بالشاة، و مال

______________________________

ص 212، ط إيران الحجريّة؛ السيورى الحلّي، مقداد بن عبد اللّه: التنقيح الرائع، ج 1:

ص 307، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 91، ط النجف الأشرف.

(1)- قال في «المغنى»: «فإن كانت سائمة الرجل في بلدان شتى، و بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة، أو كانت مجتمعة، ضمّ بعضها إلى بعض، و كانت زكاتها كزكاة المختلطة بغير خلاف.

و إن كان بين البلدان مسافة، فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما أنّ لكلّ مال حكم نفسه يعتبر على حدته، إن كان نصابا ففيه الزكاة، و إلّا فلا، و لا يضمّ إلى المال الّذي في البلد الآخر، قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد ...» (ابن قدّامي، موفق الدين:

المغني، ج 2: ص 489).

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 66، ط النجف الأشرف؛ الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 70، ط جامعة المدرسين، قم؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 130، ط النجف الأشرف.

(3)- الطوسي، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 24، ط جامعة المدرسين، قم؛ ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 568، ط إيران الحجريّة [ضمن «المجموعة الفقهيّة»].

(4)- المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 147.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 295

..........

______________________________

إليه صاحب «الحدائق «1»» قدّس سرّه، و نسبه إلى جملة من أفاضل متأخّرى المتأخّرين.

و قد يستدلّ للمشهور- كما عن المعتبر «2»- بما رواه سويد بن غفلة، قال:

أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله و سلّم و قال: نهينا أن نأخذ المواضع و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنيّة «3»»، و أيضا: بما عن «غوالي اللئالي» مرسلا، أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 66، ط النجف الأشرف.

(2)- المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 512، ط مؤسسة سيد الشهداء 7، قم.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 17، ط جامعة المدرّسين، قم، و نصّ الحديث «أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «نهينا أن نأخذ المراضع، و أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن، و الثني من الماعز». و رواه- أيضا- في موضع آخر: «أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: نهانا أن نأخذ من المراضع، و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنيّة» (المصدر، ص 25).

«أتانا مصدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: نهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نأخذ من المراضع، و أمرنا بالجذعة و الثنيّة» (العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج: ص 213، ط إيران الحجريّة).

و أمّا في روايات العامّة، فنصّ الحديث كما يلي: روى مالك، عن سويد بن غفلة، قال: «أتانا مصدّق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم- و قال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن، و الثنيّة من المعز» (ابن قدامة، موفق الدين: المغني، ج 2: ص 479، افست دار الكتاب العربي، بيروت) [و] عن سويد بن غفلة، قال: «أتانا مصدّق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم- فقال: نهينا عن الأخذ من راضع لبن، و إنّما

حقّنا في الجذعة و الثنيّة» (النووي، المجموع، ج 5: ص 399 [نقلا عن هامش كتاب «الخلاف»] [و] بالاسناد عن سويد بن غفلة، قال: «أتانا مصدّق النبيّ- صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم- فأتيته فجلست إليه، فسمعته يقول: أنّ في عهدي أن لا نأخذ راضع لبن، و لا نجمع بين متفرّق، و لا نفرّق بين مجتمع- الخبر» (النسائي: سنن، ج 5، ص 30، نشر المكتبة التجارية الكبرى بمصر) [و] بالاسناد عن سويد بن غفلة، قال: سرت- أو قال: أخبرني من سار- مع مصدّق النبيّ- صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم- فإذا في عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

عامله بأن يأخذ الجذع من الضأن، و الثنيّة من المعز. قال: و وجد ذلك في «كتاب عليّ «1»». و نوقش في الأوّل «2»: بعدم وجوده في أصولنا المعتبرة، و أنّ الرواية عامّية. و في الثاني: بضعف السند بالإرسال.

و أجيب «3» عن الأوّل أوّلا: بأنّ الخبر و إن لم يرد ذكره في شي ء من كتبنا الحديثيّة، إلّا أن ذكره، في الكتب الاستدلاليّة على وجه يحصل الوثوق بالاستناد إليهما، هو بمثابة تدوينهما في كتب الأخبار، و نتيجة ذلك، انجبار الضعف بالشهرة.

و ثانيا إنّه مع الغضّ عن ذلك، فقد يحصل من الشهرة في هذا الحكم الجزم بوصول خبر إليهم بهذا المضمون عن المعصوم عليه السّلام، و بكلمة أخرى: إنّه يحصل لنا الجزم بالإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام فالاعتماد- في الحقيقة- على الإجماع، لا على الرّواية. و عن الثاني بالانجبار بعمل المشهور. و لا يخفى ما في كلا الجوابين، أمّا الأوّل: فلمنع الكبرى، و هي انجبار الضعف بعمل

المشهور، فضلا عن أنّه لمنع الصغرى أيضا محالا واسعا، كما لا يخفى. و أمّا الثاني: فلأنّ الجزم بالإجماع التعبّدي- في مثل المسألة الّتي استدلّ فيها جماعة بالروايتين- مشكل

______________________________

[و آله] و سلّم-: «أن لا تأخذ من راضع لبن، و لا تجمع بين مفترق، و لا تفرّق بين مجتمع» (ابو داود: السنن، ج 2: ص 102/ ح 1579) [و] رواه- أيضا- باسناد آخر عنه، قال:

«أتانا مصدّق النبيّ- صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم- فأخذت بيده، و قرأت في عهده:

«لا يجتمع بين مفترق، و لا يفرّق بين مجتمع، خشية الصدقة» [و لم يذكر: «راضع لبن»] (المصدر/ ح 1580).

و أنت- كما ترى- لا تجد النصّ المروي فى «المعتبر» فى هذه المصادر، كما تجدها هي- بانفسها- مختلفة في متن الحديث.

(1)- ابن أبي جمهور، محمد بن علي بن إبراهيم: غوالى اللئالى العزيزة/ تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، ج 2: ص 230.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 66، ط النجف الأشرف.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 40، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 297

و الأوّل ما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية، و الثاني ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة (102)،

______________________________

جدّا. و بذلك يظهر الجواب عن الرواية الثانية.

و قد يستدلّ «1» لذلك بقاعدة الاشتغال. بدعوى: أنّ اليقين بشغل الذمّة تقتضي اليقين بالبراءة منه، و هو لا يكون إلّا بالعمل بفتوى المشهور، إلّا أنّها إنّما تتمّ لو لم نسلّم بالإطلاقات القاضية بكفاية ما يسمّى بالشاة. و الصّحيح هو كفاية ما يسمّى شاة، و لا دليل على اعتبار ما عن المشهور. ثمّ إنّ البحث الآتي إنّما

يتّجه على تقدير الالتزام بالمذهب المشهور في المقام، و إلّا فلا أثر له، كما هو ظاهر.

(102) اختلفت كلمات اللغويّين و الفقهاء في تفسيرهما، و قد يستدلّ لما ذهب إليه المصنّف قدّس سرّه بوجوه:

الأوّل: إنّ جملة من اللغويّين «2» صرّحوا بذلك، و هم الحجّة في هذا الباب،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام 15: ص 131، ط النجف الأشرف.

(2)- قال ابن الأثير: «الجذع من أسنان الدوابّ، و هو ما كان منها شابّا فتيّا، فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، و من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية، و قيل: البقر في الثالثة، و من الضأن ما تمّت له سنة ...» (ابن الأثير، المبارك بن محمّد: النهاية/ تحقيق:

طاهر أحمد الزاوي [و] محمود محمد الطناحي، ج 1: ص 250).

و قال أيضا: «الثنيّة من الغنم ما دخل في السنة الثالثة، و من البقر كذلك، و من الإبل في السّادسة، و الذّكر: ثنّي» (المصدر: ص 236).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 298

..........

______________________________

كما ثبت في محلّه. و يتوجّه عليه: أنّ ذلك معارض بنقل خلافه عن جماعة آخرين، فقيل «1»: بأنّ الجذع من الضأن ماله ستّة أشهر، و قيل: سبعة، و قيل:

ثمانية، و قيل: ابن عشرة. و حكي عن كثير من الفقهاء، كما في «مصباح الفقيه «2»»: «أنّ المراد بالجذع من الضأن: ما كمل له سبعة أشهر، و الثني من المعز ما كملت له سنة. بل عن غير واحد: نسبته إلى المشهور، بل عن بعض محشّي «الروضة» أنّه لا يعرف قولا غيره ...». مضافا إلى ما عن بعضهم «3»، من أنّ

______________________________

و قال ابن فارس: «الجذع من الشاة: ما أتى له سنتان» (ابن فارس،

أحمد: معجم مقاييس اللغة، ج 1: ص 437، ط الثانية، القاهرة). و قال الفيّومي: «أجذع ولدا لشاة في السنة الثانية، و أجذع ولد البقر و الحافرة في الثالثة» (الفيّومي، أحمد بن محمد: المصباح المنير، ج 1: ص 255، ط بولاق، الطبعة الثانية).

و قال المطرّزي: «الجذع من البهائم قيل الثني، إلّا أنّه من الإبل في السنة الخامسة، و من البقر و الشاة في السنة الثانية، و من الخيل في الرّابعة» (المطرّزي، ناصر بن عبد السيّد:

المغرّب في ترتيب المعرّب، ص 78، ط دار الكتاب العربي، بيروت).

و قال أيضا: «الثني من الإبل: الّذي أثنى، أي ألقى ثنيّة، و هو ما استكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة، و من الظلف: ما استكمل الثانية و دخل في الثالثة، و من الحافر: ما استكمل الثالثة و دخل في الرّابعة» (المصدر، ص 71).

و قال الدميرى: «الجذع- بفتح الجيم و الذال المعجمة- و هو: من الضأن ماله سنة تامّة، هذا هو الأصحّ عند أصحابنا، و هو الأشهر عند أهل اللغة و غيرهم ...» (الدميرى، كمال الدين: حياة الحيوان الكبرى، ج 1: ص 185، ط عبد الحميد أحمد الخيفى، القاهرة).

و قال أيضا: «الثني: الّذي يلقى ثنيّة، و يكون ذلك في ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة، و في ذي الخفّ في السنة السّادسة ...» (المصدر، ص 180 [و]- الأزهري، محمد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 1: ص 532/ مادة «جذع» و ج 15: ص 140/ مادّة «ثني»، ط المؤسّسة المصريّة العامة للتأليف).

(1)- الدميرى، كمال الدين: حياة الحيوان الكبرى، ج 1: ص 185، ط عبد الحميد أحمد الخيفي، القاهرة.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 40، ط إيران الحجريّة.

(3)- الأزهرى،

محمد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 1: ص 352/ مادة «جذع»، ط المؤسّسة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 299

..........

______________________________

الإجذاع وقت و ليس بسنّ، فالعناق تجذع لسنة، و ربما أجذعت العناق قبل تمام السنة للخصب، و تسمن، فيسرع إجذاعها، فهي جذعة لسنة، و ثنية لتمام سنتين.

و قال آخر في الجذع، من الضأن: إذا كان ابن شابّين أجذع لستّة أشهر إلى سبعة أشهر. و إذا كان ابن هرمين أجذع لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر». و أمّا الثنيّ من المعز، فقيل «1» بأنّه ما له سنة و دخل في الثانية. و كيف كان، فمع اضطراب النقل عن أهل اللغة و الفقهاء في تفسيرهما، يكون الجزم بما ذكره قدّس سرّه مشكل جدّا.

الثاني «2»: إنّ مقتضى ما دلّ على أنّ «في كلّ أربعين شاة شاة ...» هو اعتبار إكمال السنة في الجذع من الضأن، بناء على اعتبار الحول في النصاب. و ذلك لأنّ المنصرف إليه من هذا التعبير هو كون الفريضة المخرجة واحدا من النصاب، كما هو مقتضى تعلّقها بالعين، و حينئذ فلا يعقل أن تكون الفريضة المخرجة أقلّ من سنة، كسبعة أشهر، و نحو ذلك ممّا قيل به في تفسير الجذع، فإنّه ينافي اعتبار الحول في النصاب، كما لا يخفى.

و يتوجّه عليه: أوّلا منع الانصراف، فان المستفاد من النصّ المذكور هو وجوب إعطاء الزكاة، و أمّا كون المعطى من عين النصاب، فلا. و ثانيا أنّ تعلّق الزكاة بالعين، لا يقتضي كون الفريضة المخرجة واحدا من النصاب، بأن يلزم على المالك إخراج شاة من بين أربعين شاة مثلا، الّذي هو النصاب الأوّل، بحيث

______________________________

المصريّة العامة للتأليف.

(1)- الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين/ تحقيق: السيد أحمد الحسيني، ج

1: ص 77.

و فيه: «و قد جاء في الحديث «و الثني من البقر و المعز هو الّذي تمّ له سنة ...»

(2)- أوّل قائل بهذه الدّعوى- كما في «الجواهر»- هو المقدّس الأردبيلي رحمه اللّه (- الأردبيلي، أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 78، ط جامعة المدرسين، قم. و لاحظ لمزيد الوقوف على القائلين بها- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 133، ط النجف الأشرف).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 300

و لا يتعيّن عليه أن يدفع الزكاة من النصاب، بل له أن يدفع شاة أخرى (103)،

______________________________

لا يجوز له إعطاء شاة اخرى من غير الأربعين، كما يؤيّده- أو يدلّ عليه- جواز اعطاء القيمة بالدراهم و الدنانير. و عليه فيسقط الاستدلال المتقدّم.

الثالث: أنّ لفظ «الشاة» منصرف عمّا لم تستكمل سنة «1». و فيه: أنّ دعوى الانصراف غير مسموعة، إذا بلغت حدّا يتحقّق منها النزو و اللقاح. و على الإجمال، إذا بلغت الشاة الحدّ المذكور قبل إكمال السنة- كما هو المشهور بين الفقهاء و اللغويين على ما حكي «2»- لم يبق لدعوى الانصراف المتقدّمة حينئذ مجال أصلا.

و المتحصّل من ذلك: أنّ مقتضي إطلاق ما دلّ على أنّ في «كلّ أربعين شاة شاة»، و ما يشبه ذلك هو كفاية ما يكون مسمّى «الشاة». و الظاهر إطلاقها على البالغ سبعة أشهر.

(103) إجماعا، و يظهر من «المستند «3»» انحصار الدليل فيه؛ إلّا أنّه بالإمكان الاستدلال له بوجوه:

الأوّل: إنّ إيجاب الفريضة من غير جنس النصاب في موارد- كما في النصب

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3: ص 41، ط إيران الحجريّة.

(2)- المصدر.

(3)- النراقي، أحمد بن مهدي: مستند الشيعة، ج 2: ص 39،

ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 301

..........

______________________________

الخمس الأوّل للإبل، فإن في خمس منه شاة، و في عشر شاتان، و هكذا- يكشف عن عدم وجوب الأداء من عين ما في النصاب، حيث لا يمكن ذلك في الموارد المذكورة، فلا مناص فيها من الالتزام بأنّ المملوك للفقراء مقدار يقوّم بشاة، أو شاتين، و نحو ذلك، و بما أنّ مساق الحكم في جميع الموارد واحد، فلا محالة يكون مقتضى القاعدة، هو عدم وجوب الأداء ممّا هو في النصاب، حتّى في ما كانت الفريضة فيه من جنس النصاب.

الثاني: إنّه مقتضى ما دلّ على إجزاء ابن اللبون عن بنت مخاض عند عدم وجودها «1»، فإنّ وجوب بنت مخاض- مع فرض عدم وجودها عند المالك- و إيجاب البدل عنها حينئذ، و هو ابن اللبون، ممّا يكشف- لا محالة- عن عدم وجوب أداء الفريضة بما هو داخل في النصاب، و إلّا لما أجزاء ابن اللبون بدلا عن بنت مخاض في فرض عدم وجودها عند المالك، لعدم وجوب المبدل منه حينئذ، كما لا يخفى.

و على الإجمال، المستفاد من النصّ الدالّ على بدليّة ابن اللبون عن بنت مخاض عند عدم الوجود، هو كون إجزاء ابن اللبون من باب البدليّة عمّا هو الواجب في هذا الفرض، أعني به بنت مخاض، و لو كان اللازم دفع الزكاة من النصاب لم يكن الواجب حينئذ بنت مخاض لعدم وجودها على الفرض. بل إنّ مقتضى إطلاق المفهوم في قوله عليه السّلام: «فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ... «2»»، أو قوله عليه السّلام: «و من وجبت عليه ابنة مخاض، و لم تكن عنده، و كان عنده ابن لبون ذكر، فإنّه يقبل

منه ابن لبون ... «3»» إنّما هو وجوب أداء بنت

______________________________

(1)- تقدّم ما يدلّ على ذلك في صفحة 274، فراجع.

(2)- كما في أبي بصير، و نحوه صحيح زرارة. راجع صفحة 274.

(3)- كما في صحيح زرارة، راجع صفحة 274.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 302

..........

______________________________

مخاض، مطلقا، في فرض الوجود، حتّى و لو لم تكن من جملة النصاب، كما إذا كانت معلوفة مثلا، أو لكونها ممّا لم يحل عليها الحول في ملك المالك، و نحو ذلك. و كيف كان، فمقتضى إطلاق المفهوم هو وجوب أداء بنت مخاض في الموارد المذكورة، مع عدم كونها من النصاب.

الثالث: إنّ مقتضى صحيح البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة و الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم قيمته «1» ما يسوى، أم لا يجوز؛ إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجاب:

«أيّما تيسّر يخرج «2»»، هو عدم وجوب دفع الزكاة من النصاب، بناء على استفادة عموم السؤال من الرواية، و عدم اختصاصه بالموارد المذكورة، كما هو ظاهر قوله: «أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه»، و ذلك لأنّ قوله عليه السّلام:

«أيّما تيسّر يخرج» معناه إجزاء كلّ ما كان عنده، ممّا كان مسمّى الفريضة، و إذا كان اللازم هو دفع الفريضة من النصاب، لم يكن لهذا الجواب مجال أصلا، فإنّ وجوب الزكاة إنّما هو بعد تماميّة النصاب، فكان إخراج الفريضة منه ميسّرا على كلّ حال.

و بكلمة أخرى: إنّ المتفاهم العرفي من التيسّر إنّما هو التيسّر من ناحية الوجود، لا التيسّر من جهة إخراج الموجود، فهو بمنزلة قوله: «يجزي إخراج ما كان

عنده»، و هذا الكلام- مع فرض تماميّة النصاب- لا يجتمع إلّا على القول بعدم وجوب دفع الزكاة من النصاب.

و على الإجمال، الملاحظ للوجوه المتقدّمة يقطع عادة بعدم وجوب دفع الزكاة من النصاب. هذا كلّه، مضافا إلى أنّه مقتضى إطلاق الأدلّة هو جواز

______________________________

(1)- في «الوسائل»- طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم: «بقيمة».

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 303

سواء كانت من ذلك البلد أو غيره (104)، و إن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب، و كذا الحال في الإبل (105)

______________________________

إعطاء الشاة من غير النصاب. على أنّ هذا البحث إنّما يتوجّه على القول بالملك المشاع، أو الكلّي في المعيّن في باب الزكاة، و إلّا فعلى القول بالحق، نظير حقّ الجناية- كما هو الصحيح- فلا ينبغي الشك في عدم وجوب دفع الزكاة من الفريضة، كما لا يخفى.

(104) قال المحقّق في «الشرائع «1»»: «و يجوز أن يدفع من غير غنم البلد، و إن كان أدون قيمة ...» و قال العلّامة فى «الفوائد «2»»: «و يجزي الذكر و الأنثى في الغنم، و من غير غنم البلد، و إن قصرت قيمتها ...». و في «الجواهر «3»»: «خالف الشهيدان، و الكركي، و أبو العبّاس، و الصميري- على ما حكي عن بعضهم- في زكاة الغنم، فلم يجوّزوا الدفع من غير غنم البلد، إلّا أن تكون أجود، أو بالقيمة، لقاعدة الشركة ...».

(105) خالف الشيخ رحمه اللّه في ذلك، فقال: «و يؤخذ من نوع البلد لا من نوع بلد آخر، لأنّ الأنواع تختلف فالمكيّة بخلاف العربيّة، و العربيّة بخلاف النبطيّة ... «4»»

______________________________

(1)-

المحقق الحلّي، جعفر بن الحسن/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 149.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 338، ط جامعة المدرسين، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 166، ط النجف الأشرف.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 196، المكتبة المرتضوية، طهران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 304

و البقر، فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمّى، لا الأعلى، و لا الأدنى (106).

______________________________

و قال في «الخلاف «1»»: «من وجبت عليه شاة في خمس الإبل، أخذت منه من غالب غنم أهل البلد، سواء كانت غنم أهل البلد شاميّة، أو مغربيّة، أو نبطيّة ...».

(106) قد يستدلّ لذلك بوجهين:

الأوّل:

إنّ الترديد في متعلّق الملكيّة أمر غير معقول، و حينئذ، ففي مثل «في خمس من الإبل شاة»، بناء على أنّ المملوك هو الكسر المشاع، لا بدّ من فرض المملوك في النصاب جزءا يساوي الشاة في القيمة، و لأجل ذلك يلزم تعيين الشاة الّتي تكون قيمتها هي المقياس و الميزان في تقدير المقدار المملوك، و الحدّ الّذي لا ترديد فيه إنّما هو الحدّ الوسط، دون الأعلى أو الأدنى.

و يرد عليه:

أوّلا: فساد المبنى- و هو كون المملوك للفقراء- في باب الزكاة الكسر المشاع من العين- و عدم وضوحه عندنا، كما أشرنا إليه سابقا.

و ثانيا: أنّ الحدّ الوسط- أيضا- غير مستقرّ على شي ء ثابت، بل يجزي فيه التفاوت و بالزيادة النقيصة أيضا، و لو بمقدار ما.

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 17/ مسألة 12، ط جامعة المدرسين، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 305

و إن كان لو تطوّع بالعالي، أو الأعلى

كان أحسن و زاد خيرا (107)،

______________________________

و ثالثا: أنّ لازم ذلك- فيما لو دفع الأعلى- أن يكون قد دفع الفريضة مع زيادة، مع أنّ من المتسالم عليه خلافه، و أنّه يكون حينئذ مصداقا للفريضة، لا أنّها هي و زيادة، كما لا يخفى.

الثاني:

دعوى الانصراف «1»، و أنّ إطلاقات الأدلّة منصرفة إلى الحدّ الوسط، و هذه الدعوى- ذوقيّا- و إن كانت قريبة جدّا، فإنّ الذوق لعلّه يأبى عن الإذعان باكتفاء الشارع في هذا المقام بأقلّ ما يكون مصداقا للفريضة، كما أنّه يأبى عن ذلك في طرف الأعلى أيضا، إلّا أنّ إثباتها- صناعة- مشكل جدّا. و عليه، فلا يترك الاحتياط، بدفع غير الأدنى.

و ليعلم أنّ موضوع البحث ليس هو التفاوت في القيمة الناشئ من العوارض الخارجيّة، من مرض، أو هزال، أو كونها ذات عوار، و نحو ذلك، بل التفاوت في القيمة الحاصل لجهات أخر، إذ قد يكون التفاوت بين شاتين في القيمة مع عدم وجود شي ء من العيوب المتقدّمة أبدا، كما هو ظاهر.

(107) لا ينبغي الاشكال في حسن هذا العمل تطوّعا، بعد فرض عدم كونه ملزما بأداء ذلك، كما هو المفروض.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام 15: ص 138، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 306

و الخيار للمالك (108)، لا السّاعى، أو الفقير، فليس لهما الاقتراح عليه، بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة، بالقيمة السوقيّة من النقدين (109).

______________________________

(108) كما هو المشهور «1»، بل عن «التذكرة «2»»: الإجماع عليه إذ ليس للساعي، أو الفقير إلّا المطالبة بالخروج عن عهدة الزكاة الواجبة في ماله، فإذا دفع إليه المالك ما يكون مصداقا لمسمّى الفريضة، لم يكن له الامتناع من ذلك، كما أنّه

لم يكن له الاقتراح على المالك من الأوّل، بلا فرق في ذلك بين القول بالحق، و بين الملك المشاع أو الكلّي في المعيّن، في باب الزكاة. مضافا إلى ما ورد في آداب المصدّق و السّاعي، ممّا يدلّ عليه «3».

(109) أمّا جواز الإخراج بالقيمة من النقدين في غير الأنعام، ممّا لا شبهة فيه و لا خلاف معتدّ به «4»، بل حكي «5»، عن «المعتبر «6»»، و «التذكرة «7»»، و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 136، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 1: ص 207، ط إيران الحجريّة.

(3)-- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: زكاة الأنعام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 126، ط النجف الأشرف.

(5)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 82.

(6)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 516، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(7)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 196، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 307

..........

______________________________

«المفاتيح «1»»، و ظاهر «المبسوط «2»»، و «إيضاح النافع»، و «الرياض «3»» دعوى الإجماع عليه. بل قيل «4»: إنّه «لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الإسكافي، مع أنّه حكي عن «شرح اللّمعة» للأصبهاني التصريح بموافقة الإسكافي للمشهور «5».

و يدلّ عليه- مضافا إلى أنّه بناء على تعلق الزّكاة بالعين بنحو حقّ الجناية كما هو الحق، لا ينبغي الإشكال في جواز الإخراج بالقيمة من النقدين- صحيح البرقي المتقدّم «6» حيث صرّح فيه بجوازه في غير الأنعام، و كذا بصحيح على بن جعفر عليهما

السّلام، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام، عن الرّجل يعطي زكاته عن الدراهم دنانير، و عن الدنانير دراهم، بالقيمة، أ يحلّ ذلك؟ قال: «لا بأس به «7»». و أمّا في الأنعام، فالمشهور هو الجواز «8»، بل نسب «9» إلى صريح الشيخ «10»، و ابن زهرة «11»، و ظاهر السيّد «12»، و الحلّي «13» دعوى الإجماع عليه،

______________________________

(1)- الفيض، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 202، نشر مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 213، المكتبة المرتضويّة، طهران.

(3)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 80، ط جامعة المدرسين، قم.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا، مصباح الفقيه 3: ص 38، ط إيران الحجريّة.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 126، ط النجف الأشرف.

(6)-- ص 302.

(7)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(8)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 82؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 126، ط النجف الأشرف.

(9)- نفس المصادر.

(10)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 50، ط جامعة المدرسين، قم.

(11)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 568، ط إيران الحجريّة (ضمن «الجوامع الفقهية»).

(12)- المرتضى، الشريف، على بن الحسين: الانتصار، ص 81، ط النجف الأشرف.

(13)- ابن إدريس الحلّي، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 446، ط جامعة المدرسين، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

خلافا للمفيد «1» قدّس سرّه. و استدلّ له- مضافا إلى الإجماع- بصحيح البرقي المتقدّم «2»، بدعوى أنّ الأنعام و إن كانت غير مصرّح بها في الرّواية،

إلّا أنّه يعلم عموم السؤال بالإضافة إليها من قول السّائل: «أم لا يجوز؛ إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه»، فإنّ المستفاد من ذلك هو أنّ جهة السؤال هي لزوم إخراج الفريضة من عين النصّاب، أو أنّه لا إلزام من هذه الجهة، بل يجوز الإخراج بالقيمة من النقدين، بلا اختصاص لذلك ببعض الأجناس الزكويّة دون بعض.

و يتوجّه على هذه الدّعوى- كما قيل به أيضا- بأنّه لا يستفاد العموم من الجملة المذكورة بعد التصريح في السؤال، بموارد خاصّة، حيث إنّه تحمل الجملة على الموارد الخاصّة المصرّح بها في السؤال، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل.

و أمّا الإجماع المدّعى، فعلى فرض التسليم به، فلم يثبت كونه إجماعا تعبديّا، بل هو من الإجماع المتيقّن باستناده إلى الأدلّة، و لا أقل من كونه محتمل الاستناد.

و قد يستدلّ له ببعض الوجوه الاعتباريّة؛ مثل ما نسب إلى العلّامة قدّس سرّه و غيره، من «أنّ المقصود بالزكاة دفع الخلّة و سدّ الحاجة، و هو ممّا يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين «3»، و بأنّ الزكاة إنّما شرّعت جبرا للفقراء و معونة لهم، و ربما كانت القيمة أنفع لهم في بعض الأوقات، فاقتضت الحكمة التسويغ «4»»؛ إلى غير

______________________________

(1)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة/ كتاب الزكاة، ص 253، ط جامعة المدرسين، قم.

(2)- تقدّم في صفحة 302.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 230، ط جامعة المدرّسين، قم.

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 197، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 309

..........

______________________________

ذلك من الشواهد و المؤيّدات. إلّا أنّه غير خفيّ على البصير، عدم إمكان

الاستناد إلى أمثال هذه الوجوه في إثبات الأحكام الشرعيّة، غير المبتنية على الموازين الظاهرة لنا في أنظارنا، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ هناك وجها آخر، لا بأس به، لجواز التبديل بالقيمة من النقدين، ذكره الفقيه المحقّق الهمداني «1» قدّس سرّه، و حاصله: أنّ الكتاب و السنّة يدلّان على الأمر بصرف الزكاة في موارد معيّنة، منها عمارة المساجد، و بناء القناطر، و معونة الحاجّ، و غير ذلك من وجوه البرّ، كما في أداء مال الكتابة، و فكاك الرقاب، و وفاء ديون الغارمين، و نحو ذلك ممّا يتعذّر فيه- غالبا- صرف عين الفريضة كبنت مخاض أو الشاة مثلا، و ليس من المحتمل في أمثالها جواز بيع عين الفريضة من شخص آخر و دفع ثمنها إلى الجهات المتقدّمة، و مع عدم جواز إخراج القيمة من الأوّل، بحيث يكون للبيع مدخليّة في جواز دفع القيمة ذلك. و على هذا، فيثبت- بدلالة الاقتضاء و صونا للأوامر المذكورة عن اللغويّة- جواز إخراج القيمة من الأوّل. نعم، لو قلنا بعدم جواز تصدّي المالك لصرفها في الجهات المذكورة، و لزوم إيكال ذلك إلى الإمام عليه السّلام أو السّاعي، كان اللّازم عليه- حينئذ- إنّما هو دفع الفريضة إلى من وظيفته الدفع إليه، و هو مخيّر في كيفيّة صرفها في الموارد المعيّنة للصرف، كيف شاء. غير أنّ الأمر ليس كذلك، إذ يجوز للمالك التصدّي للصرف، فإنّه المكلّف به أوّلا و بالذات، و إن جاز له إيكال إلى الغير أيضا، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 39، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 310

أو غيرهما (110).

______________________________

(110) نسب إلى الأصحاب «1»

جواز إخراج الزكاة- فى الأنعام و غيرها- بالقيمة السوقيّة، و لو من غير النقدين، بل عن بعضهم «2» دعوى الإجماع عليه. و استشكله صاحب «المدارك «3»» قدّس سرّه، و خالفهم فيه صاحب «الوافي «4»» قدّس سرّه. و كيف كان، فقد استدلّ للمذهب المشهور، برواية «قرب الإسناد»، عن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين، أعطيهم من الزكاة، فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى ذلك خيرا لهم؟ قال: «لا بأس «5»». فإنّ إطلاق الزكاة في قوله: «من الزكاة» يشمل الأنعام و غيرها، فتدلّ على جواز تبديل الفريضة مطلقات بما يكون خيرا للفقراء، و لو كان من غير الن؟؟؟

و بإزائها رواية دلّت على المنع، و هي رواية سعيد بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت يشترى الرجل من الزّكاة الثياب، و السويق، و الدقيق، و البطّيخ، و العنب، فيقسّمه؟ قال: «لا يعطيهم إلّا الدّراهم، كما أمر اللّه «6»».

و يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من الرواية الثانية هو عدم جواز الإخراج بالقيمة من غير النقدين، الدينار و الدرهم، و يكون ذكر الدّرهم- فيها-

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 138، ط النجف الأشرف.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 50، ط جامعة المدرّسين، قم؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: الغنية، ص 568 (ضمن «الجوامع الفقهيّة»)، ط إيران الحجريّة.

(3)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 90، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الفيض، محمد محسن: الوافي، ج 6: ص 152، ط مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، أصبهان.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الذهب و الفضة، ح 4.

(6)-

المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 311

..........

______________________________

بالخصوص من باب المثال، و كونه الغالب من فردي النقد. و حينئذ فتكون الرّواية شاهدة للقول بعدم جواز الإخراج بالقيمة من غير النقدين. و حينئذ تصبح الرواية معارضة لما دلّ على جواز التبديل بغير النقدين. و لا مجال لحمل الرّواية- أي رواية سعيد بن عمر- على ما إذا كانت الفريضة هو الدّرهم، بأن يكون لزوم اعطاء الدرهم من باب أنّ المال الزكويّ هي الدراهم، فالفريضة هو الدّرهم، و لا بدّ من إخراج نفس الفريضة، كما يشهد به قوله عليه السّلام: «كما أمر اللّه».

و ذلك لمنافاته لما دلّ على جواز التبديل في الجملة، و لو كان بالنقدين، إجماعا نصّا و فتوى، كما أشرنا إليه سابقا. و حينئذ فالجمع بين الروايتين يكون بأحد وجهين:

الأوّل: أن يقال بحمل رواية سعيد بن عمر على الأفضليّة، حملا للأمر بالإعطاء، الظاهر في الوجوب، على الأفضليّة، لصراحة رواية يونس بن يعقوب المتقدّمة في الجواز، و مقتضى الجمع العرفيّ بينهما هو ذلك، كما لا يخفى.

الثاني: إنّه قد يكون التبديل بعد تعيّن الزكاة في شي ء، كما إذا تعيّن المخرج للزكاة- بما يحصل التعيين به- في شاة معيّنة مثلا، ثم أراد المالك تبديل ذلك المعيّن بشي ء آخر غير النقدين، و قد يكون التبديل بتطبيق الزكاة عليه ابتداء، كما إذا كان المفروض عليه- ابتداء- شاة، و لكنّه طبّق ما عليه من الزكاة على جنس آخر يساوي الشاة في القيمة. و ظاهر رواية سعيد بن عمر المانعة عن التبديل هو الفرض الأوّل، لأجل كون المفروض فيها هو الاشتراء من عين الزكاة، الظاهر في تعيّنها فيها يشتري به، و حينئذ فالمنع عن مثله يكون على طبق

القاعدة، إذ لا حقّ للمالك في التبديل بعد تعيّن الواجب عليه في شي ء معيّن خارجا. و أمّا رواية يونس بن يعقوب، فهي ظاهرة في الثاني، فقد جاء فيها

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 312

..........

______________________________

عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، فأشتري لهم ...»، و ظاهره أنّ إعطاء الزكاة إنّما كان بإخراج ما اشتراه لهم من الثياب، و غير ذلك، فقد طبّق المالك الزكاة المفروضة عليه على هذه الأمور و أخرجها إلى الفقراء، لا أنّه أبدل الزكاة- بعد تعيّنها- بالأمور المذكورة، و بذلك يرتفع التنافي و التصادم بين الرّوايتين، كما هو ظاهر. إلّا أنّ رواية البرقي ضعيفة السند، و لو لا ذلك لكان مقتضى القاعدة هو جواز التبديل.

و استدلّ المحقّق الفقيه الهمداني قدّس سرّه لجواز التبديل في المقام، بما استدلّ به لجوازه في التبديل بالنقدين، و حاصله أنّ الامر بصرف الزكاة في مثل بناء المساجد، و القناطر، و دار الأيتام، و نحو ذلك من سبل المعروف، يدلّ- بدلالة الاقتضاء- على جواز التبديل بغير الجنس، و ذلك لتعذّر صرف عين الزكاة- كبنت مخاض مثلا- في الموارد المذكورة. كما أنّه لا يحتمل تعيّن بيعها على المالك و شراء الجصّ، و الآجر، و نحوهما بثمنها للمصارف المذكورة، و عدم جواز إخراج الجصّ، و الآجر ابتداء بعنوان الزكاة، فيما إذا كانا موجودين عند المالك، بحيث يكون للبيع من الغير مدخليّة في ذلك، و نتيجة ذلك هو جواز التبديل ابتداء، و إذا ثبت التبديل في الموارد المذكورة ثبت في غيرها، لعدم القول بالفصل قطعا «1».

هذا، و لا يمكننا مساعدته فيما أفاده، نظرا إلى أنّ الجزم بعدم الفصل بين الموارد المشارة إليها و بين غيرها من الموارد مشكل جدّا،

فغاية ما يثبت بالاستدلال المتقدّم إنّما هو التبديل في خصوص تلك الموارد. و عليه، فلا يبعد القول بعدم جواز التبديل بغير النقدين، ممّا يساوي العين في القيمة السوقيّة.

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 39، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 313

[مسألة 6: المدار في القيمة على وقت الأداء]

[مسألة 6]: المدار في القيمة على وقت الأداء (111)، سواء كانت العين موجودة أو تالفة، لا وقت الوجوب.

______________________________

(111) قد يتوهّم: أنّ المدار على قيمة وقت الوجوب بدعوى أنّ المستفاد- بعد ملاحظة ما دلّ على جواز التبديل، و ملاحظة تعلّق الزكاة بالعين- كون الثابت في الذمّة هو الجامع بين العين و القيمة، بحيث يكون التخيير بينهما عقليّا، و حينئذ فوقت اشتغال الذمّة بالجامع إنّما هو زمان وجوب الزكاة، و لازم ذلك اعتبار قيمة وقت الوجوب، كما لا يخفى.

و يردّه أوّلا: أنّ المستفاد من ملاحظه النصوص الدالّة على جواز التبديل هو أنّ دفع القيمة من باب البدليّة عن الفريضة، لا أنّ الفريضة هو الجامع بين نفس العين و بين القيمة من النقدين ليكون الاعتبار بقيمة العين وقت الوجوب، بل الواجب هو إخراج العين، و لكنّه يجوز له تبديل العين- متى ما أراد إخراجها- بما يساوى قيمتها- آنذاك- من النقدين.

و ثانيا: إنّه- مع التسليم بالمبنى المذكور- فلا نسلّم باستلزامه لاعتبار القيمة وقت الوجوب، بل القيمة التى تكون أحد طرفي التخيير هو كلّي القيمة و لذلك كان له أن يعطي قيمة شاة تسوى بأربعة دراهم، أو قيمة شاة تسوى بخمسة دراهم، و عليه، فله ان يطبّقها على قيمة يوم الوجوب، كما يكون له تطبيقها على قيمة يوم الأداء، إلّا أن الظاهر من رواية البرقي المتقدّمة هو

اعتبار قيمة يوم الأداء، حيث وقع السؤال فيها على النحو التالي: «هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث، من الحنطة و الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم قيمة ما يسوى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

...» فإنّ ظاهر ذلك كون المساواة حال الإخراج لا وقت الوجوب، كما لا يخفى على المتأمل.

و الصحيح هو ما أفاده المصنف قدّس سرّه، من اعتبار القيمة الأداء، مطلقا، سواء أ كانت العين موجودة أم كانت تالفة. أمّا مع وجود العين، فلأنّ- المملوك للفقراء- بناء على القول بالملك المشاع- أو المتعلّق لحقّهم- بناء على المختار- إنّما هو العين فانتقاله عنها إلى غيره بعنوان البدليّة لا يكون إلّا مع كون البدل بدلا- أى مساويا للعين- حين الأداء، و إلّا فالقيمة وقت الوجوب لا تكون بدلا عن العين حالا الأداء، كما هو ظاهر.

هذا في فرض وجود العين، و أمّا في فرض تلفها، فعلى القول بالعهدة في باب الضّمان، كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه في تعليقته على «مكاسب» شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه- و هو الصّحيح- فالمناط انما هو بقيمة حال الأداء، فان العين إنّما تكون ثابتة في العهدة ما دام لم يتحقّق من الضّامن ردّ العين مع وجودها، أو ردّ بدلها عند تلفها، و حينئذ يلزم أداء قيمة العين حين الأداء، فإنّ بدل العين- المفروض ثبوتها في العهدة إلى ذلك الحين- انّما هو قيمة يوم الأداء، دون قيمة يوم التلف، كما هو ظاهر.

نعم، بناء على القول- في باب الضّمان- بثبوت العين في العهدة إلى حين التلف، و عند ذلك تكون الذمة مشغولة ببدلها، و هو القيمة مثلا، إذا كانت قيميّة، تعيّن عليه أداء قيمة يوم

التلف، فانّه زمان اشتغال الذمّة بالبدل، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 315

ثمّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة (112).

______________________________

(112) بناء على المختار في باب الضمان، من ثبوت العين في العهدة، صحّ ما أفاده قدّس سرّه، فإنّ الخروج عن العهدة لا يكون إلّا بأداء ما هو بدله، في زمان الأداء، و في مكان الأداء، فيكون المدار على قيمة للأداء زمانا و مكانا. و أمّا على القول الآخر، و هو اشتغال الذمّة بالبدل من حين التلف، فمقتضى القاعدة إنّما هو ضمان قيمة بلد التلف، إذ المفروض- على هذا القول- هو اشتغال الذمّة بالبدل من حين التلف، فالثابت في الذمّة هو ما يكون بدلا عن العين حين تلفها، و لا يكون ذلك إلا قيمة بلد التلف و زمانه، كما سبقت الإشارة إليه آنفا.

ثمّ إنّ بعض الأعلام «1»- دام ظلّه- رتّب الحكم في ضمان القيمة في المقام- من حيث الزمان و المكان- على ما هو المقرّر في باب الضّمان بالتلف، من ضمان

______________________________

(1)- المحقّق الخوئي قدّس سرّه فقد علّق على المتن بما نصّه: «الأحوط إخراج أعلى القيمتين، إذا كان الدفع في غير البلد الّذي هي فيه» (التعليقة على العروة الوثقى، ص 116، الطبعة الثالثة).

و لكنه قدّس سرّه عدل عن ذلك فيما بعد، فوافق المصنف قدّس سرّه في بعض الفروض، قال قدّس سرّه: معلّقا على قول المصنف رحمه اللّه: «إن كانت العين تالفة» ما نصّه: «هذا في فرض عدم الإفراز، و أمّا في فرض الإفراز و كون التلف موجبا للضّمان، فالعبرة إنّما هي بقيمة يوم التلف، كما أنّ المناط في الضّمان قيمة البلد الّتي تلفت العين فيه. و أمّا إذا

كانت العين موجودة، فالظّاهر أن المدار على قيمة البلد الّذي هي فيه، و إن كان الأحوط أعلى القيمتين» (التعليقة، ص 179، الطبعة الخامسة). و معنى ذلك: أنّه- في فرض عدم الإفراز- حيث يكون حق الزّكاة في ماليّة العين، فلا محالة يكون اللازم- في فرض عدم وجود العين، و عدم أداء عين أخرى- هو أداء قيمة العين حين الإخراج، زمانا و مكانا. و أمّا مع الإفراز، و صيرورة العين متعلقا لحق الزكاة بلا اشتراك للفقيه مع المالك، كان ضمان القيمة- حينئذ- من باب ضمان التلف، و يبتني الحكم فيه على ما هو المقرّر في ذلك الباب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 316

و إن كانت موجودة، فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد الّتي هي فيه (113).

[مسألة 7: إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس]

[مسألة 7]: إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس، كما أنّه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضّأن و بالعكس، و إن اختلفت في القيمة، و كذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء، كما أنّ في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر و بالعكس، و كذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب و بالعكس، تساوت في القيمة أو

______________________________

قيمة يوم التلف، أو يوم الأداء، أو أعلى القيم. و لكنّه غير وجيه على ما نعهده من مبناه- دام ظلّه- في باب الزكاة من إنكار تعلّق الزكاة بنفس العين مطلقا، و لو كان ذلك بنحو الحقّ، و اختياره الشركة في الماليّة، و اشتغال الذمّة بها، فإنّه- على هذا المبنى- لا يكون ضمان القيمة في المقام من باب التلف، كي يبتنى الحكم فيه على مسألة الضّمان بالتلف، كما

هو ظاهر.

(113) الوجه في ذلك ظاهر، فإنّ الخروج عن عهدة العين- مع فرض وجودها- إنّما يكون بأداء ما هو الأقرب إليها، و لا شكّ في أنّ قيمة البلد الّذي تكون العين فيه أقرب إليها عرفا من قيمة سائر البلدان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 317

اختلفت (114).

[مسألة 8: لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب، و الشابّ و الهرم في الدخول في النصاب]

[مسألة 8]: لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب، و الشابّ و الهرم في الدخول في النصاب و العدّ منه (115)، لكن إذا كانت كلّها صحاحا لا يجوز دفع المريض، و كذا لو كانت كلّها سليمة لا يجوز دفع المعيب، و لو كانت كلّ منها

______________________________

(114) و الوجه في ذلك ظاهر، فإنّ الواجب في نصاب الغنم الأوّل- مثلا- هو ما يصدق عليه الشاة، الشامل ذلك للذكر و الأنثى، و المعز و الضّأن. و قد تقدّم عدم لزوم الإخراج من عين النّصاب، فلا محالة يجوز دفع الذّكر، و لو كان النصاب كلّه أنثى، و بالعكس، و هكذا.

و كذلك الحال في الإبل، حيث لا فرق فيها بين العراب و البخاتي، بعد صدق الإبل على الاثنين، كما هو الحال في البقر و الجاموس، فإنّهما من حقيقة واحده، و إختلاف الاسم إنّما هو باعتبار اختلافهما في اللّون، و بعض الخصوصيّات، و إلا فهما حقيقة واحدة، كما يدلّ صريحا صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«قلت له: فى الجواميس شي ء؟ قال: مثل ما في البقر «1»».

(115) للإطلاق الشامل لجميع ذلك، فإنّ قوله عليه السّلام مثلا: «في أربعين شاة شاة»

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 318

شابّا لا يجوز دفع الهرم

(116).

______________________________

بإطلاقه شامل للصحيح و المريض، و هكذا الحال في سائر الأقسام ممّا يعدّ مصداقا للشاة عرفا.

(116) الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه، كما نبّه عليه في «المنتهى «1»»، بل ادّعي عليه الإجماع «2». و استدلّ له «3» بقوله تعالى: ... وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ- الآية «4».

و صحيح محمد بن قيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث زكاة الغنم: «و لا تؤخذ هرمة، و لا ذات عوار، إلّا أن يشاء المصدّق- الحديث «5»» و ذيل صحيح أبي بصير الوارد في زكاة الإبل، قال: «و لا تؤخذ هرمة، و لا ذات عوار، إلّا أن يشاء المصدّق، يعدّ صغيرها و كبيرها «6»» فإنّ المتيقّن من مورد النصوص

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 485، ط إيران الحجريّة.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 65، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 134، ط النجف الأشرف.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 485، ط إيران الحجريّة.

(4)- البقرة، 2: 267.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 2.

و أورد قطعة أخرى من الحديث في باب 11 (زكاة الأنعام، ح 1) و لكن ما يرتبط من الحديث بالمقام لم يذكره في «الوسائل». راجع الحديث في- التهذيب 4. ص 25/ ح 59؛ الاستبصار، ج 2: ص 23/ ح 62.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الأنعام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 319

بل مع الاختلاف أيضا الأحوط إخراج الصحيح (117)، من غير ملاحظة التقسيط. نعم، لو كانت كلّها

مراضا، أو معيبة، أو

______________________________

المذكورة إنّما هو مورد صحّة جميع النصاب، بأن كانت الأنعام كلّها صحيحة، سليمة، شابة.

ثم إنّ المريض و إن كان غير مذكور فيها، إلّا أنّه من أظهر مصاديق «ذات عوار»، مثلّثه، بمعنى العيب «1»، فيعلم حكمه من ذكر البقية، كما لا يخفى.

(117) قال في «المدارك»: «و إنّما يمنع من أخذ هذه الثلاثة- اي المريضة، و الهرمة، و ذات العوار- إذا كان في النّصاب صحيح، أو فتيّ، أو سليم من العوار «2»» و اختاره صاحب «الجواهر «3»» رحمه اللّه أيضا. و قد يقرب ذلك، بدعوى انصراف أدلّة الفرائض، كقوله عليه السّلام: «في أربعين شاة شاة» و نحو ذلك، عن ذات العوار، و المريضة، و الهرمة، فيما إذا كان النصاب مؤتلفا منها و من غيرها. و هذه الدعوى- القريبة بحسب الذوق- و إن كانت لا تقوى على أن تكون سندا للفقيه في مقام الإفتاء، إلّا أنّها صالحة لأن تكون منشأ الاحتياط في المسألة، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج 2: ص 97؛ الجوهري، اسماعيل بن حمّاد: صحاح اللّغة، ج 2: ص 761، ط دار العلم للملايين، بيروت.

(2)- العاملي، السيد محمّد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 95، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 135، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 320

هرمة، يجوز الإخراج منها (118).

[الشرط الثانى: السّوم طول الحول]

الشرط الثانى: السّوم طول الحول (119)، فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تجب فيها، و لو كان شهرا، بل أسبوعا. نعم،

______________________________

(118) قال في «الحدائق»: «هذا، إذا كان في النصاب ما هو سالم من هذه الأوصاف- و يعنى

بها المرض، و الهرم و العور- و لو كان النّصاب كلّه منها، لم يكلّف شراء

الخالي منها، إجماعا «1»» و في «المدارك»: «أمّا لو كان كلّه كذلك، فقد قطع الأصحاب بجواز الأخذ منه «2»» و في «المنتهى»: «لو كانت إبله مراضا كلّها لم يجب عليه شراء صحيحة، ذهب إليه علماؤنا «3»». و الوجه في ذلك خروج الفرض المذكور عن منصرف النصوص المتقدّمة، فإنّها منصرفة إلى ما إذا كانت الشياه- مثلا- كلّها صحيحة، سليمة، شابة.

(119) السّوم بمعنى الرّعي «4». و لا خلاف في اعتباره بيننا «5»، بل عن

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 66، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيد محمد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 95، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 485، ط إيران الحجريّة.

(4)- سامت الماشية، تسوم، سوما، أي: رعت، فهي سائمة (الجوهري، إسماعيل بن حمّاد:

صحاح اللغة، ج 5: صص 1955- 1956، ط دار العلم للملايين، بيروت- لبنان. لاحظ أيضا- الفيروزآبادي: القاموس المحيط، ج 4: ص 133).

(5)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 40.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 321

لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفا علفها يوما أو يومين.

______________________________

«المعتبر «1»»: «إنّه قول العلماء كافّة، إلّا مالكا «2»»، و عن «المنتهى»: «عليه فتوى علمائنا أجمع «3»». و يدلّ عليه صحيح الفضلاء المتقدّم في حديث زكاة الإبل: «و ليس على العوامل شي ء، إنّما ذلك على السائمة الراعية- الخبر «4»»، و في حديث زكاة البقر: «ليس على النيّف شي ء، و لا على الكسور شي ء، و لا على العوامل

شي ء، و إنّما الصدقة على السائمة الراعية «5»»، و معتبرة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على الفرس او البعير يكون للرّجل يركبها شي ء؟ فقال: «ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها، عامها الّذي يقتنيها فيه الرّجل- الحديث «6»»، و غيرها «7».

ثمّ إنّه لا إشكال في اعتبار السّوم طول الحول، كما دلّت عليه معتبرة زرارة المتقدّمة: «إنّما الصدقة على السائمة المرسلة فى مرجها، عامها الّذي يقتنيها- الحديث»، و هل يعتبر ذلك بحيث ينافيه التلبّس بغيره، من نوم، أو بالعلف، و لو

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: صص 505- 506، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 47، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 486، ط إيران الحجريّة.

و قريب منه في- تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 46، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الأنعام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 3.

(7)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 322

..........

______________________________

يوما واحدا، أو أنّه يعتبر فيه السوم على النحو المتعارف، الّذي يجتمع مع النوم و التعليف في بعض الأحيان، و بتعبير آخر: يكون الاعتبار بصدق السّوم عرفا، أو يكون المدار على الأغلب، فإن كان سائما في أغلب أوقات السنة ففيه الزكاة و إلّا فلا؟ وجوه و أقوال:

ذهب المحقّق قدّس سرّه في «الشرائع» و «المعتبر» إلى الأوّل، فقال في الأوّل ما نصّه: «لو علفها بعضا، و لو يوما استأنف الحول عند

استيناف السّوم، و لا اعتبار باللحظة عادة ... «1»». و نسب ذلك أيضا إلى جملة من تأخّروا عنه «2». و نسب إلى الشيخ قدّس سرّه في «المبسوط «3»» و «الخلاف «4»» القول الثالث.

و الظاهر من هذه الأقوال هو الأوسط، وفاقا للعلّامة رحمه اللّه «5»، بل الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين «6»، و ذلك لأنّ اعتبار السّوم بمعناه اللّغوي- طول الحول- كما هو مقتضى الوجه الأوّل- يقتضي اختصاص وجوب الزكاة بفرض نادر جدّا، بل لعلّه لا يتحقّق له فرد أصلا، إذ لا يمكن اتّصاف الحيوان بالرّعي طول السنة، بحيث لا ينام و لا يعلف و لو قليلا، و حينئذ يكون هذا قرينة موجبة

______________________________

(1)- المحقّق الحلّي: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي البقّال، ج 1: ص 144؛ المعتبر، ج 2: ص 507، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 40؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 94، ط النجف الأشرف.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 198، نشر المكتبة المرتضوية، طهران.

(4)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 53، ط جامعة المدرسين، قم.

(5)- الحلّي، العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء 5: ص 48، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم. قال- قدّس سرّه- ما لفظه: «و الأقرب عندى اعتبار الاسم، فان بقي عليها اسم السوم وجبت، و إلا سقطت» (تحرير الأحكام، ص 60، ط إيران الحجريّة).

(6)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 79، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 323

..........

______________________________

لانصراف عنوان «السائمة» المأخوذة في النصوص المتقدّمة إلى ما قد

تلبّس طول الحول بالسّوم على الوجه المتعارف، الّذي هو عبارة عن الرّعي المجتمع مع النوم، و مع التعليف أيضا في بعض الأحيان، فالسّوم اللّغوي و إن كان غير صادق حال النوم، أو التعليف، إلّا أنّ السّوم بالمعنى العرفيّ صادق معه بلا إشكال، إذ لا اختصاص للسائمة عرفا بحيوان يرعى طول السنة، بحيث لا ينام، و لا يعلف و لو قليلا، و إن كان الجمود على المعنى اللّغويّ يقتضي ذلك.

و على الإجمال، السائمة في النصوص منصرفة- بمقتضى القرينة المتقدّمة- إلى ما قد تلبّس بالسّوم على الوجه المتعارف طول الحول، لا ما تلبّس- بحسب ما للتلبس من المعنى لغة- بالسّوم طول السنة. و عليه، فلا يضرّ بصدق «السائمة»- عرفا- طول الحول، علفها يوما أو يومين- كما أفاده قدّس سرّه-، فانّ التلبّس بالسّوم على الوجه المتعارف إنّما هو كذلك. و قد يستدلّ لاعتبار الغلبة في هذا الباب، و أنّ المدار في صدق «السائمة» على الغلبة، فإذا كان الحيوان سائما في أغلب أوقات السنة، وجب فيه الزكاة، و إذا كان معلوفا كذلك لم تجب بأنّ في جملة من نصوص الباب فرض الزكاة على السائمة، و نفيها عن المعلوفة، فيستفاد منها أنّ الأمر دائر بين أمرين، لا ثالث لهما، فإمّا أن يكون سائما فيه الزكاة، أو معلوفا لا تجب الزكاة فيه، و حينئذ ففي الحيوان الذي يكون فى بعض السنة سائما، و في بعضها معلوفا، لا مناص من جعل العبرة في صدق أحد الأمرين على الحيوان بالغلبة، كما هو ظاهر و يتوجّه عليه:

أوّلا: أنّ اعتبار الغلبة لا ينهض بذلك، فان للحيوان السائم في بعض السنة و المعلوف في بعضها شقا ثالثا، و هو ما يتساوى فيه أيّام السّوم و التعليف،

بحيث لا يكون لأحدهما غلبة على الآخر، فهل تجب الزكاة في مثله أو لا تجب؟

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 324

و لا فرق (120) في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار، أو بالاضطرار، لمنع مانع من السّوم، من ثلج، أو مطر، أو ظالم غاصب، أو نحو ذلك، و لا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره، بإذنه أولا بإذنه، فإنّها تخرج بذلك كلّه عن السّوم، و كذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها العلف المجزوز (121)،

______________________________

و ثانيا: أنّ اعتبار السّوم في تمام الحول إنّما هو بدليل منفصل، و ليس في ما دلّ على وجوب الزكاة في السائمة و نفيه في المعلوفة ما يدلّ على اعتبار الإثبات و النفي في تمام الحول، ليكون المدار في نفي الزكاة عن المعلوفة على الغلبة، كما هو واضح.

(120) وفاقا لجملة من الفقهاء- قدس اللّه اسرارهم- «1» و الوجه في ذلك كلّه ظاهر، فإنّه لا يصدق على الحيوان حينئذ أنّه قد رعى طول الحول، بل إنّه يصدق عليه المعلوفة كذلك، كما لا يخفى.

(121) و لو كان العلف غير مزروع، فإنّ موضوع الزكاة فى النصوص هي «السائمة الرّاعية»، فمع تقديم العلف لها- و إن كان العلف غير مزروع- لا يصدق عليها

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 41.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 325

أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك (122). نعم، لا يخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه، إذا لم يكن مزروعا (123)؛

______________________________

«السّائمة»، كما هو ظاهر.

(122) لما سيأتي، من أنّ الملاك فى السّوم أن يكون الرّعي من العلف غير

المزروع، و أمّا المملوك منه بالزّرع، فرعي الحيوان منه لا يوجب صدق عنوان «السائمة» عرفا. نعم، المملوك بتبع الأرض، كالحشيش، و الدغل «1» الّذي ينبت في الأرض المملوكة، أيّام الرّبيع، أو عند نضوب الماء، فالرّعي منه لا يمنع من صدق «السائمة» عرفا.

(123) قد يستشكل عدم الخروج عن صدق السوم باستئجار المرعى، أو شرائه، فيما إذا لم يكن مزروعا، بدعوى: أنّ المناط في سقوط الزكاة في فرض عدم السوم إنّما هو كون مئونة حفظ الأنعام على المالك، و هذا المعنى- و هي المئونة- متحقّق في هذا الفرض أيضا، فيلزم منه سقوط الزكاة فيه أيضا. فيكون الملاك في السّوم هو رعيه ما لا يكون مملوكا للمالك، بأن لم تكن الأرض مزروعة، و إن كانت

______________________________

(1)- الدّغل- بالتحريك- كثرة النبت و اشتباكه (ابن منظور، محمّد بن المكرّم: لسان العرب/ نسقه و علّق عليه و وضع فهارسه: علي شيري، ج 4: ص 365).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

الأرض مستأجرة او مشتراة. و لكن هذه الدعوى ممّا لا يكاد يثبت بها الحكم الشرعي، فإنّ الأحكام الشرعيّة ممّا لا يثبت بأمثالها من الاستحسانات الذوقيّة، و لا سبيل لنا إلى إحراز مناطات الأحكام الشرعيّة أصلا. و الصحيح هو ما أفاده قدّس سرّه من عدم الخروج عن صدق السوم بذلك، فإنّ السّوم- بنظر العرف- إنّما يكون بالرّعي في أرض تكون النبات و الأعشاب الموجودة فيها غير مزروعة، بل كان ذلك بفعله تعالى، و يسمّى بالفارسيّة «خودرو»، بلا فرق في ذلك بين استئجار مثل هذه الأرض أو شرائها، و بين الرّعي فيها مجّانا.

و على الجملة، السّوم على الوجه المتعارف صادق في أمثال المقام عرفا، كما لا يخفى «1».

______________________________

(1)- و

قد يقال: «إنّ صحيحة زرارة المتقدّمة- و يعنى بها المعتبرة المتقدّمة في صفحة 321- تضمّنت حصر الصّدقة في السائمة المرسلة فى مرجها، و أنّ ما سوى ذلك ليس فيه شي ء. و المرج- كما عرفت- هي الأرض الواسعة الّتي فيها نبت كثير، فيختصّ الحكم بالرعي في الأرض المباحة، و لا تعمّ المملوكة، مثل البساتين و نحوها، عينا أو منفعة، فلا يصدق السّوم المأخوذ في لسان الشارع في هذه الموارد، فلا زكاة فيها» (مستند العروة الوثقى/ كتاب الزكاة، ج 1: صص 209- 210).

قلت: أمّا

أوّلا: إنّ تفسير المرج بما أقيد، و إن ورد في كلمات بعض اللغويّين، حيث قال: «المرج أرض واسعة فيها نبت كثير تمرج فيها الدواب» (- الفراهيدي، الخليل بن أحمد: العين/ تحقيق الدكتورين: مهدى المخزومي- إبراهيم السّامرّائي، ج: ص 120؛ الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة/ تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ج 11: ص 71 [ناقلا هذا الأخير ايّاه عن اللّيث]) إلّا أنّه قد ورد تفسيره- أيضا- ب «الموضع الّذي ترعى فيه الدوابّ» (الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: صحاح اللغة، ج 2: ص 240، ط دار العلم للملايين، بيروت)، و ب «الأرض ذات نبات و مرعى» (الفيّومي، أحمد بن محمّد: المصباح المنير، ج 2:

ص 689، ط بولاق- الثانية) و ب «الفضاء، و قيل: المرج: أرض ذات كلاء ترعى فيها

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 327

كما أنّها لا تخرج عنه بمصانعة الظالم على الرّعى في الأرض المباحة (124).

[الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل]

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل (125)، و لو في بعض الحول، بحيث لا يصدق عليها أنّها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول، و لا يضرّ إعمالها يوما أو يومين فى السنة، كما مرّ فى

السّوم.

______________________________

(124) لا ينبغي الإشكال في عدم الخروج بذلك، كما هو المشاهد عند أهل العرف في اطلاق السائمة على مثل ذلك. قال الشهيد رحمه اللّه في «الدّروس»: «و لو اشترى مرعى فالظاهر أنّه علف، أمّا استئجار الأرض للرعي، أو ما يأخذه الظالم على الكلاء، فلا «1»»

(125) بلا خلاف فيه ظاهرا «2»، بل عن «المدارك «3»»: «أنّ هذا الحكم مجمع عليه

______________________________

الدوابّ» (ابن منظور، محمّد بن مكرم: لسان العرب، ج 2: ص 364، ط دار صادر، بيروت) و في «تاج العروس» للزبيدى (ج 2: ص 99، ط الأولى، بولاق) و في «القاموس»: «المرج: الموضع ترعى فيه الدوابّ» (الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب:

القاموس المحيط، ج 1: ص 207). و عليه فلم ثبت أنّه خصوص الأرض الواسعة.

و ثانيا: إنّ الأرض الواسعة لا تختصّ بالأرض المباحة، بل يمكن أن تكون المملوكة عينا أو منفعة- أيضا- واسعة، كما هو ظاهر.

(1)- الشهيد، محمد بن مكّى: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 233، ط جامعة المدرسين، قم.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 32، ط إيران الحجريّة.

(3)- العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 79، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

بين العلماء كافّة، إلّا من شذّ من العامّة «1»». و يدلّ عليه جملة من النصوص، كقوله عليه السّلام في صحيح الفضلاء في حديث زكاة الإبل: «و ليس على العوامل شي ء، إنّما ذلك على السائمة الراعية «2»»، و في حديث زكاة البقر: «ليس على النيّف شي ء، و لا على الكسور شي ء، و لا على العوامل شي ء، و إنّما الصدقة على السائمة الراعية «3»»، و صحيح الفضلاء الثالث: «ليس

على العوامل من الإبل و البقر شي ء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية- الحديث «4»».

نعم، ورد في المقام ما يدلّ على ثبوت الزكاة في العوامل أيضا، و هي روايات ثلاث كلّها عن إسحاق بن عمار، ففي موثّق إسحاق بن عمّار قال:

«سألته عن الإبل تكون للجمّال، أو تكون في بعض الأمصار، أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة فى البريّة؟ فقال: نعم «5»،». و مثله: روايته الأخرى «6»، و مثلهما: روايته الثالثة، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ قال: «نعم، عليها زكاة «7»» و في «الوسائل «8»»: «ذكر الشيخ «9»: أنّ الأصل في هذه الأحاديث إسحاق بن عمار، يعنى أنّها حديث واحد، فلا

______________________________

(1)- مثل: مالك، و ربيعة، و مكحول، و قتادة، و داود (- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 474، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الأنعام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- المصدر، ح 7.

(6)- المصدر، ح 7.

(7)- المصدر، ح 8.

(8)- المصدر، ح 8.

(9)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: الاستبصار، ج 2: ص 24، ط النجف الأشرف؛ تهذيب الأحكام، ج 4: صص 41- 42، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

تعارض الأحاديث الكثيرة. ثمّ حملها على الاستحباب، مع أنّ الأوّل لا تصريح فيه بكونها عوامل و لا معلوفة. و يحتمل الحمل على التقيّة».

و اختار الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه الحمل على الاستحباب، فقال ما نصّه:

«أقول: و لكن حملها على الاستحباب أشبه ... «1»»

و الظاهر خروج هذا المورد من موارد الجمع العرفي، و هو حمل

الظاهر على النصّ أو الأظهر، بل العرف حاكم فيه بالتعارض، حيث إنّه يرى التعارض بين ما دلّ على ثبوت الزكاة و ما دلّ على نفيها، و حينئذ فلا يبقى مجال للحمل على الاستحباب، بل لا بدّ فيه من إعمال قواعد التعارض، و ما أفاده الشيخ قدّس سرّه من أنّ الأصل في هذه الأحاديث إسحاق بن عمّار، لا يكون موجبا لترجيح الطائفة الأخرى، كما لا يخفى.

و التحقيق أن يقال: إنّه- بناء على كون الشهرة من المرجّحات، كما اختاره بعضهم- فالترجيح للنصوص النافية للزكاة، لأنّ الشهرة بجانبها. و أمّا على تقدير نفي كون الشهرة من المرجّحات، فلا بدّ من حمل ما دلّ على ثبوت الزكاة على التقيّة، لوجود القائل به من العامّة و إن كان شاذّا «2»، و مخالفة العامّة و إن كانت في طول موافقة الكتاب من حيث الترجيح بها، إلّا أنّه لا مجال في المقام للعرض على الكتاب، إذ ليس فيه ما يكون بعمومه أو إطلاقه مقتضيا لثبوت الزكاة في كلّ شي ء، حتّى تكون الطائفة المثبتة للزكاة في العوامل موافقة لظاهر الكتاب، فإن ما يتوهّم أن يكون كذلك من الكتاب العزيز إنّما هو قوله: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ «3»، و لكن الآية الكريمة ليست في مقام البيان من جهة

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 34، ط إيران الحجريّة.

(2)- لاحظ الهامش من صفحة 328.

(3)- التوبة، 9: 103.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 330

[الشرط الرابع: مضيّ الحول عليها]

الشرط الرابع: مضيّ الحول عليها (126)،

______________________________

الأموال ليؤخذ بإطلاقها، و إنّما هو من جهة البيان بالإضافة إلى الملّاك.

ثمّ إنّه لا مانع من حمل العوامل في المقام على معناها اللغوي، و ليست هذه

الكلمة كالسائمة الّتي كان يلزم من حملها على المعني اللّغوي، اختصاص الحكم بالفرد النادر جدّا، فإنّ عنوان «السائمة» إنّما كان مأخوذا في موضوع وجوب الزكاة، بحيث كان الحكم بالوجوب دائرا مدارها وجودا و عدما، و هذا بخلاف عنوان «العاملة» فإنّه إنّما أخذ في موضوع ما لا يجب فيه الزكاة، بمعنى كون الخارج من أدلّة وجوب الزكاة إنّما هى العاملة، و لازم هذا، هو عدم ثبوت الزكاة فيما يكون مصداقا للعاملة و لو في بعض الازمنة، بمعنى أنّ ما لا يجب فيه الزكاة لا بدّ و أن يكون مصداقا للعاملة و لو موجبة جزئيّة، و لا يستلزم هذا عدم ثبوت الزكاة فيما تعمل يوما أو يومين مثلا، كي يلزم منه حمل أدلّة وجوب الزكاة على الفرض النادر، و ذلك لأنّ صدق العاملة، و لو موجبة جزئيّة و في بعضى الآنات، لا يكون إلّا باحد أمرين: إمّا بالاعداد للعمل مع التلبّس بذلك و لو فى مدّة قصيرة، أو بالتلبّس بالعمل بمقدار معتدّ به، و أمّا العمل يوما أو يومين مع عدم الإعداد له لذلك، فهو لا يوجب صدق العاملة عليه أصلا، كما هو الحال في الإنسان، الّذي يطلق عليه ما يسمّى في الفارسية ب «كارگر».

(126) الظاهر إنّه ممّا وقع الاتّفاق عليه نصّا و فتوى «1»، بل عليه دعوى الإجماع فى

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف، الحدائق الناضرة 12: ص 73، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 331

جامعة للشرائط (127)،

______________________________

الجميع «1»، و يدلّ عليه صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا- في حديث زكاة الغنم: «كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه، فإذا

حال عليه الحول وجب عليه- الحديث «2»» و أيضا في صحيحهم الأخر:

قالا عليهما السّلام: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء- إلى أن قالا:- و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه «3»»، و صحيح زرارة عن أحدهما عليه السّلام- في حديث- قال: «ما كان من هذه الأصناف الثلاثة: الإبل، و البقر، و الغنم، فليس فيها شي ء حتّى يحول عليها الحول منذ يوم ينتج «4»»، و نحوهما غيرهما «5».

(127) الأشهر، بل المشهور «6»، بل لعلّه المتسالم عليه «7» فيما بينهم اعتبار الشرائط في تمام الحول، بحيث لو اختلّ واحد منها قبل تمام الحول انتقض به وجوب الزكاة، و

______________________________

(1)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 49، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 486، ط إيران الحجريّة، المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2:

ص 507، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ النجفى، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 1: ص 97، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 8: زكاة الأنعام، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 9: زكاة الأنعام، ح 4.

(5)- المصدر/ باب 8: زكاة الأنعام، ح 2 [و] باب 9: زكاة الأنعام، ح 5.

(6)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 101، ط النجف الأشرف.

(7)- المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 553، مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 332

..........

______________________________

لا إشكال في ذلك فيما دلّ الدليل على اعتبار استمراره طول

الحول، كالسّوم، و ملك النصاب، و التمكّن من التصرّف فيه، و إنّما الإشكال في ذلك فيما لم يدلّ عليه دليل بالخصوص، كالبلوغ، و العقل، و الحرّية فإنّه- لو لا الدليل على استمرارها طول الحول- لكان القول بكفاية تحقّقها عند حلول الحول في محلّه. و كيف كان، فقد استدلّ له بعضهم بالتّسالم، إلّا أنّه ممّا لا يخلو عن مناقشة ظاهرة، فإنّ التسالم في أمثال المقام لا يكون من الأدلّة التعبديّة، بعد كونه معلوم المدرك بالإضافة إلى جملة منهم، حيث نراهم قد استدلّوا لذلك بوجوه معلومة.

و قد يستدلّ له: بأنّ الظاهر من أدلّة اعتبار الشرائط- ما عدا الحول- إنّما هو اعتبارها في الموضوع، أعني به المال الزكويّ، و حينئذ فيكون دليل اعتبار الحول واردا على المال المجتمع فيه جميع الشرائط، و لازم ذلك هو اعتبارها- أي الشرائط- في تمام الحول.

و يمكن المناقشة فيه: بأنّه لا كلام لنا في اعتبار الشرائط المذكورة في الموضوع، و إنّما الكلام في أنّ المعتبر فيه هل هو بلوغ المالك- مثلا- طوال الحول، أو أنّه يكفي فيه تحقّق البلوغ قبل الحول آنا مّا، و على هذا فلا يكفى في إثبات الدعوى المذكورة مجرّد الالتزام باعتبار الشرائط في الموضوع.

و بكلمة أخرى، لا بدّ- لإثبات الدعوى المذكورة- من إثبات كون الشرائط مأخوذة في الموضوع قبل ورود دليل الحول، بحيث يكون مفاد الدليل المذكور هو حولان الحول على المال الجامع للشرائط المذكورة، و هذا هو محلّ الكلام.

و يمكن أن يقال في الاستدلال لاعتبار الحول متأخّرا عن جميع الشرائط، بحيث يكون المعتبر هو استمرارها طوال الحول بأنّ الظاهر من أدلّة اعتبار الحول إنّما هو ترتّب الوجوب الفعلي على تمام الحول، لاشتمالها على القضيّة الشرطيّة التالية: «فإذا حال

عليه الحول وجب فيه»، و ظاهر الوجوب المعلّق على حولان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 333

و يكفي الدّخول في الشهر الثاني عشر (128)، فلا يعتبر تمامه، فبالدخول فيه يتحقّق الوجوب. بل الأقوى استقراره

______________________________

الحول هو الفعليّ منه، و هذا ممّا يدل على أنّ حولان الحول- أعني به مضيّ الحول على المال- إنّما هو في طول سائر الشرائط، بحيث يكون باقى الشرائط كلّها معدّات لحصول الوجوب، و أمّا مضيّ الحول فيكون موجبا لصيرورته فعليّا فهو شرط متأخّر عن جميع الشرائط.

و على الإجمال، المراد بحولان الحول إنّما هو مضيّ ما يقتضيه دوران كرة الأرض حول الشّمس من الزّمان على المال، أو بتعبير أوضح باللّغة الفارسيّة «گردش سال بر مال»، فإذا كان مضيّ هذا المقدار من الزمان على المال هو الشرط الأخير في باب الزكاة- كما لعلّه الظاهر من أدلّة اعتبار الحول- فلا محالة يستفاد منه اعتبار استمرار الشرائط كلّها من مبدأ الحول إلى تمامه.

(128) الظّاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه؛ إلّا ما يظهر من المحدّث الكاشاني «1» رحمه اللّه- و هو منفرد بذلك، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى- و في «المعتبر «2»»: «هو مذهب علمائنا»، و في «التذكرة «3»»: «و حولان الحول، هو مضيّ أحد عشر شهرا كاملة على المال، فإذا دخل الثانى عشر وجبت الزكاة، و إن لم تكمل أيّامه، بل تجب

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 73، ط النجف الأشرف.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 507، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 51، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الزكاة، ج 1، ص: 334

أيضا (129)، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه، لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأوّل، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه.

______________________________

بدخول الثاني عشر، عند علمائنا أجمع».

و يدلّ على ذلك صحيحة زرارة و محمد بن مسلم، أو حسنتهما- بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى حديث، قال زرارة: و قلت له: «رجل كانت له مأتا درهم، فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال: إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول، و وجبت عليه فيها الزكاة ... «1»»

(129) الحول- لغة و عرفا- إنّما هو عبارة عن السنة الكاملة، و هي اثنى عشر شهرا، فإذا كان ذلك معتبرا في موضوع الوجوب، كان تحقّق الوجوب بإكمال الشهر الثاني عشر لا محالة، غايته أنّه في خصوص الزكاة دلّ النّص المعتبر- كما تقدّم- على تحقّق الحول بالدخول فى الثاني عشر، و حينئذ يقع الكلام في مفادها، و الوجوه المتصوّرة في الرواية أربع:

الأوّل: أن تكون الألف و اللّام في قوله عليه السّلام في الرّواية المتقدّمة: «فقد حال عليها الحول ...» عهديّة، و يكون مدلول الرواية حينئذ هو ثبوت الحقيقة الشرعيّة للحول، و أنّه بحسب مصطلح الشرع عبارة عن إكمال أحد عشر شهرا و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

الدخول في الثاني عشر، و إن كان بحسب العرف و اللّغة عبارة عن إتمام الثاني عشر.

الثاني: أن تكون الرواية حاكمة على أدلّة اعتبار الشرائط، و على ما دلّ على وجوب

الزكاة بحلول الحول، بمعنى أنّها تكون متكفّلة بتنزيل أحد عشر شهرا منزلة الحول العرفيّ و اللّغوي في جميع الآثار، فيثبت الوجوب بالدخول في الثاني عشر، كما أنّه لا يعتبر استمرار الشرائط إلى أزيد من ذلك، بحيث لو اختلّ واحد منها بعد الدخول في الثاني عشر لم يضرّ ذلك بوجوب الزكاة، و مرجع هذا القول إلى الالتزام باستقرار الوجوب بالدخول في الثاني عشر و نسب «1» هذا إلى جماعة، بل قيل «2»: إنّه ظاهر فتاوى الأصحاب، بل كاد يكون صريح بعضهم «3» و اختاره صاحب «المدارك «4»» و «الرياض «5»» و «الكفاية «6»» و «الذخيرة «7»»، و قوّاه المصنّف قدّس سرّه أيضا.

الثالث: أن تكون حاكمة بالإضافة إلى خصوص ما دلّ على الوجوب مترتّبا على الحول، بمعنى أنّها تتكفّل بالتنزيل منزلة الحول في خصوص

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، ج 15: ص 98، ط النجف الأشرف؛ العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 32.

(2)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 65، ط جامعة المدرسين، قم؛ السبزواري، محمد باقر: ذخيرة المعاد، ص 428، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفى، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 98، ط النجف الأشرف.

(4)- العاملي، السيد محمّد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 73، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 66، ط جامعة المدرسين، قم.

(6)- السبزواري، محمّد باقر: كفاية الأحكام، ص 35، ط إيران الحجريّة.

(7)- السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة المعاد، ص 428، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

الوجوب، لا بالإضافة إلى أدلّة الشرائط، بل هي باقية على حالها، فيعتبر

استمرار الشرائط إلى تمام الثاني عشر بمقتضى ما دلّ على اعتبارها في تمام الحول، و عليه، فلا يثبت بالدخول في الثاني عشر، إلّا وجوب الزكاة وجوبا متزلزلا ببقاء الشرائط إلى تمام الثاني عشر، لا وجوبا مستقرّا. و نسب هذا إلى جماعة، منهم الشهيدان «1»، و المحقّق الثاني «2»، و غيرهم «3» حرمه.

الرّابع: أن تكون متكفّلة للتنزيل بالإضافة إلى خصوص موردها، و هو حرمة تفويت المال و إتلافه، بأن تكون دالّة على أنّ أحد عشر شهرا منزل منزلة الحول في حرمة الإتلاف، فكما يحرم إتلاف النصاب بعد تمام اثنى عشر شهرا، كذلك يحرم ذلك بالدخول في الثاني عشر. و اختار هذا القول صاحب «الوافي» «4» رحمه اللّه هذه هى الوجوه المتصوّرة في الرواية ثبوتا.

أمّا الوجه الأوّل، فهو أردؤها، فإنّه- مضافا إلى بعده في نفسه- مناف لما جرت السّيرة عليه- كما قيل- من عدم تزكية المال في السنة الواحدة إلّا مرة واحدة، فإنّ لازم الوجه المذكور إنّما هو احتساب الشهر الثاني عشر مبدءا للحول القادم، فيكون المال قد زكّي في سنة واحدة مرّتين، و هو خلاف ما جرت السيرة القطعيّة عليه.

______________________________

(1)- الشهيد الأوّل، محمد بن مكّي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 232، ط جامعة المدرسين، قم؛ البيان/ تحقيق: الشيخ محمد الحسّون، ص 284، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين:

مسالك الأفهام، ج 1: ص 371، نشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(2)- الكركي، المحقق الثاني، عليّ بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 10، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- العاملي، السيد محمد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 32؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 98، ط النجف الأشرف.

(4)- الفيض، محمّد محسن: الوافي، ج

6: ص 135، ط مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، أصبهان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

و يلحق بالأوّل الوجه الأخير، فإنّ القرينة قائمة على عدم اختصاص التنزيل بما هو مورد الرواية، و ذلك للتصريح في الرواية بأنّ حرمة التفويت- بالهبة و نحوها- بعد الدخول في الثاني عشر إنّما هو من جهة صيرورته مال الغير، لا أنّ ذلك من جهة تنزيل أحد عشر شهرا منزلة الحول الكامل تعبّدا. و بعبارة أخرى: الرّواية صريحة في أنّ المنع على طبق القاعدة و من جهة كون المال مال الغير، لا من جهة التعبّد المحض، و هذا لا يتمّ إلّا على تقدير التنزيل منزلة الحول في الوجوب، و ذلك هو قوله عليه السّلام: «إنّه حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء، بمنزلة من خرج ثمّ أفطر، إنّما لا يمنع الحال عليه، فأمّا ما لم يحل فله منعه، و لا يحلّ منع مال غيره فيما قد حلّ عليه ... «1»»، مضافا إلى التصريح به في الرواية بقوله:

«إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة- الحديث «2»»، الدالّ ذلك على أنّ حرمة التفويت إنّما هي من جهة تحقّق موضوعها، و هو وجوب الزكاة بالدخول في الثاني عشر، كما هو ظاهر.

و أمّا الوجه الثاني، فعلى تقدير الأخذ به لا بدّ من القول بلزوم عدّ الشهر الثاني عشر من الحول القادم، و لا يتوقّف هذا على القول بأنّ للحول في باب الزكاة معنى شرعيّا، و هو أحد عشر شهرا «3»، كما عن الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «4»، و ذلك،

لأنّ الرواية إذا كانت حاكمة على أدلّة الشرائط في تمام

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- القائل به الشهيد الثاني رحمه اللّه (مسالك الأفهام، ج 1: ص 371، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم).

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 30، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 338

..........

______________________________

الحول، و على ما دلّ على الوجوب مترتّبا على الحول، فلا محالة تكون حاكمة- أيضا- على ما دلّ على نفي الزكاة عن المال فى سنة واحدة مرّتين، بحيث تكون شارحة لذلك و معيّنة أنّ السّنة- هنا- عبارة عن أحد عشر، شهرا، فيلزم منه- حينئذ- عدّ الشهر الثاني عشر مبدأ للحول القادم.

و ما قيل: من مخالفته للسيرة القطعيّة، فهو ممنوع، لعدم قيام السيرة من الشيعة على ذلك، كما لا يخفى. و عليه، فلازم ما قوّاه المصنّف قدّس سرّه من استقرار الوجوب بمضيّ أحد عشر شهرا، إنّما هو عدّ الشهر الثاني عشر مبدءا للحول القادم. فما أفاده في المتن، من أنّ ابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمام الثاني عشر، لا يستقيم مع ما قوّاه، كما هو ظاهر.

و التحقيق أن يقال: إنّ الصحيح هو الوجه الثالث، و أنّ الثابت بأحد عشر شهرا إنّما هو الوجوب المتزلزل، و ذلك، لأنّ الرواية لو كانت متكفّلة بتنزيل أحد عشر شهرا منزلة الحول الكامل نفسه لكان الأوجه- حينئذ- هو الوجه الثاني، إلّا أنّها لا تدلّ إلّا على تنزيله منزلة حلول الحول الكامل، لا منزلة الحول الكامل نفسه، فلا محالة يكون التنزيل بلحاظ الأثر المترتّب على حلول الحول، و هو منحصر في

الوجوب، فإنّ ما يترتّب على حلول الحول بالخصوص إنّما هو وجوب الزكاة.

و على الإجمال، المستفاد من الرّواية بحسب المتفاهم العرفيّ إنّما هو تنزيل الدّخول في الشهر الثاني عشر منزلة حلول الحول، يعني تمام الشهر الثاني عشر، لا تنزيله منزله نفس الحول، فلا محالة يكون التنزيل بلحاظ الأثر المترتّب على حلول الحول، و هو الوجوب، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 339

[مسألة 9: لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدّخول في الثاني عشر]

[مسألة 9]: لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدّخول في الثاني عشر بطل الحول (130)، كما لو نقصت عن النصاب، أو لم يتمكّن من التصرّف فيها، أو عاوضها بغيرها و إن كان زكويّا من جنسها. فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلا، و مضيّ ستّة أشهر، فعاوضها بمثلها، و مضى عليه ستّة أشهر أخرى، لم تجب عليه الزكاة.

______________________________

(130) ما أفاده قدّس سرّه من بطلان الحول فيها عدا الفرض الأخير ظاهر، لما عرفت آنفا من اعتبار مضيّ حول كامل على المال، مستجمعا للشرائط، فإذا اختلّ بعضها في الفرض أثناء الحول لم تجب الزكاة، سواء أ كان الاختلال بأمر اختياري- كالبيع و التعويض- أو غير اختياريّ، كالتلف و نحوه، و سواء أ كان التعويض بجنسه الزكويّ أم بغير الزكويّ، و لا خلاف فيه. و أمّا الأخير- و هو ما لو عاوضها بغيرها- فقد نسب «1» الخلاف فيه إلى الشيخ قدّس سرّه في «المبسوط»، قال قدّس سرّه: «إذا بادل جنسا بجنس مخالف، مثل إبل ببقر، أو بقر بغنم، أو غنم بذهب، أو ذهب بفضّة، أو فضّة بذهب، استأنف الحول بالبدل، و انقطع حول الأوّل و إن بادل بجنسه لزمه، الزكاة، مثل ذهب بذهب، أو فضة بفضة أو غنم بغنم

... «2»»، و

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 76، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 101، ط النجف الأشرف.

(2)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 206.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

لم يوافقه على ذلك أحد فيما نعلم، بل فى «السرائر «1»» دعوى الإجماع على خلافه، إلّا فخر المحققين قدّس سرّه على ما في «شرح الإرشاد «2»»، قال قدّس سرّه، على ما حكي عنه: «إذا عاوض النصاب، بعد انعقاد الحول عليه مستجمعا للشرائط، بغير جنسه، و هو زكويّ أيضا، كما لو عارض أربعين شاة بثلاثين بقرة- مع وجود الشرائط في الاثنين- انقطع الحول، و ابتدأ حول الثاني من حين تملّكه، و إن عاوضه بجنسه، و قد انعقد عليه الحول أيضا مستجمعا للشرائط، لم ينقطع الحول، بل بني على الحول الأوّل، و هو قول الشيخ أبي جعفر الطّوسي قدّس سرّه للرواية. و إنّما شرطنا في المعارض عليه انعقاد الحول، لأنّه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة إجماعا. و كذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر، لم تجب الزكاة إجماعا، بل ينبغي أن تكون أربعين سائمة ستّة أشهر بأربعين سائمة مدّة ستّة أشهر ...» و كلامه قدّس سرّه و إن كان صريحا في الاستناد في ما ذهب إليه إلى الرواية، إلّا أنّ من الظاهر- كما اعترف به غير واحد من الأعلام «3»- عدم وجود نصّ يدل على ذلك بالخصوص، و بما أنّ مدّعيها مثل فخر المحققين قدّس سرّه فلذلك حملوا كلامه على إرادة المطلقات و العمومات من أدلّة الزكاة، كقوله عليه السّلام: «في

كلّ أربعين شاة شاة» مثلا، فإنّه يصدق حينئذ عليه أنّه كان مالكا للأربعين شاة- أي لكلّي الأربعين- طوال الحول، و لو كان ذلك الكلّي إلى ستة أشهر- مثلا- في ضمن فرد، و فيما بعد ذلك كان ضمن فرد اخر، إلّا أن تبدّل الفرد بفرد آخر من ذلك الكلي غير ضار بصدق

______________________________

(1)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 452، ط جامعة المدرسين، قم.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 102، ط النجف الاشرف.

(3)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 452، ط جامعة المدرسين، قم؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 31، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 341

بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة، و إن كانت بقصد الفرار من الزكاة (131).

______________________________

وجود كلّي الأربعين تمام الحول، و على هذا فيجب عليه الزكاة بمقتضى النصّ المتقدّم.

و يمكن المناقشة فيه بأنّ المستفاد من نصوص الحول، المتقدّم ذكرها، إنّما هو اعتبار بقاء النصاب في ملك مالكه جامعا للشرائط، حتّى يحول عليه الحول و هو في يده، و هذا المعنى مفقود في الفرض المذكور، إذ لا يصدق على الأربعين الثاني- مثلا- أنّه كان باقيا تحت يد مالكه جامعا للشرائط إلى تمام الحول، حيث إنّه لم يكن باقيا- كذلك- إلّا بمقدار ستّة أشهر مثلا، و المفروض أنّ ما كان يملكه من الأربعين في أوّل السنة قد خرج عن ملكه و عليه، فما أفاده المصنّف قدّس سرّه، كما هو المشهور «1»، بل لعلّه المتسالم عليه فيما بينهم «2»، هو الصّحيح.

(131) سيأتي الكلام في باب زكاة النقدين- إن شاء اللّه تعالى- إنّه إذا عملهما

حليّا قبل حلول الحول، فرارا من الزكاة، فهل يجب فيه الزكاة أو لا؟ و في المسألة هناك خلاف بينهم، فالمنسوب «3» إلى المشهور بين المتأخّرين، بل نسب ذلك بعضهم «4» إلى عامّة المتأخرين، هو السقوط، و نسب «5» إلى جماعة، منهم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 101، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 452، ط جامعة المدرسين، قم.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 96، ط النجف الأشرف.

(4)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 93، ط جامعة المدرسين، قم؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 185، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 54، ط إيران الحجريّة.

(5)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 93، ط جامعة المدرسين، قم؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 185، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 54، ط إيران الحجريّة.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 1، ص: 342

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 342

..........

______________________________

الصدوقان «6»، و المرتضى «7»، و الشيخ «8»، و غيرهم- قدّس اللّه أسرارهم- القول بالوجوب و النصوص مختلفة، فبعضها دالّ على القول الأوّل، و بعضها على الثاني، و لا مجال للجمع بينهما، بحمل ما دلّ على ثبوت الزكاة علي الاستحباب، لما أشرنا إليه غير مرّة، من أنّ

ما دلّ على ثبوت الزكاة و ما دلّ على عدمها ممّا يعدّ بنظر العرف من المتعارضين كما أنّ الجمع بينهما بحمل ما دلّ على ثبوت الزكاة على ما إذا كان جعل النقدين حليّا بعد حلول الحول، مستشهدا للجمع المذكور برواية محمد بن مسلم و زرارة المتقدّمة «9» الواردة في من كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه- أيضا- غير تامّ، فإنّه كالمصرّح به- في بعض ما دلّ على ثبوت الزكاة «10»- هو الوجوب فيما إذا كان ذلك قبل حلول الحول و بقصد الفرار، و مع هذا لا يمكن حمل الرّواية على ما إذا كان بعد حلول الحول.

______________________________

(6)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 157، ط جامعة المدرسين، قم؛ الصدوق، محمد بن عليّ بن الحسين: المقنع، ص 51، نشر مؤسّسة المطبوعات الدينيّة، قم.

(7)- الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 83، ط النجف الأشرف.

(8)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 77/ مسألة 90، ط جامعة المدرسين، قم؛ الجمل و العقود، ص 101.

(9)-- ص 334.

(10)- الظاهر أنّ المراد به صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرّجل يجعل لأهله الحلّي- إلى أن قال:- قلت له: فانّه فرّ به من الزكاة، فقال: «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» (الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 6).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 343

..........

______________________________

و عليه، فتقع المعارضة بين الطائفتين، و لا مجال هنا للعرض على الكتاب، إذ لا عموم أو إطلاق فيه، يقتضي ثبوت الزكاة

في كلّ شي ء، ليكون ما دلّ على الثبوت موافقا لظاهر الكتاب. و ما يتوهّم منه ذلك، و هو قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ- الآية «1»، مدفوع بأنّ الآية ليست في مقام البيان من جهة متعلّق الزكاة ليؤخذ بإطلاقها كما أنّه لا مجال فيه للترجيح بمخالفة العامة، لانتفائها في كلتا الطائفتين. و عليه، فإن قلنا بالتخيير عند التعارض فهو، و إلّا فمقتضى القاعدة هو التساقط، و الأصل هو عدم الوجوب، غير أنّه احتاط بعضهم- كالمصنّف قدّس سرّه- في المسألة بالإخراج هذا هو إجمال ما سيأتي من البحث حول المسألة، إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا ما يرجع الى المقام، فحيث إنه لم يرد فيه ما يدلّ على الثبوت في مورد قصد الفرار، و لا ما يدلّ على العدم فيه، فلا محالة يكون مقتضى الأصل فيه سقوط الزكاة. و لا مجال هنا للاحتياط، كما عن بعض المحشّين قدّس سرّه «2»، فإنّه على فرض التسليم به هناك لم يمكن إسرائه إلى المقام، إذ- مضافا إلى كونه قياسا أوّلا، و مع الفارق ثانيا- أنّ تبديل النقدين بالحليّ هناك لا يوجب خروج المادّة عن ملك الشخص، و إن تبدّلت به الصّورة، فيكون عين المال باقية، و إنّما الزائل صفة، و هذا بخلاف خروج النصاب عن ملك الشخص، كما في المقام، و تبديله بجنسه بقصد الفرار كتبديل الإبل بالغنم أو البقر. هذا، و قد كان الأنسب بالمحشي المذكور أنّ يعلّق بالاحتياط هناك دون العكس، كما فعله. و اللّه العالم.

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- لم يسعفني البحث بتعيين هذا القائل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 344

[مسألة 10: إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصّاب شي ء]

[مسألة 10]: إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصّاب شي ء،

فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن، و إن كان بتفريط منه و لو بالتأخير مع التمكن من الأداء ضمن بالنسبة (132).

______________________________

(132) الحكم المذكور- ظاهرا- ممّا لا خلاف فيه و لا إشكال «1»، و لكن إثباته بالدليل مشكل جدّا. فإنّه- تارة- يبحث في المسألة بالنظر إلى القواعد، و أخرى بالنظر إلى الرّواية. و أيضا تارة يفرض البحث في تلف تمام النّصاب، و أخرى في تلف بعضه.

أمّا البحث عنها بحسب القواعد، فمع فرض تلف تمام النّصاب، فإن قلنا بالملك المشاع، كان مقتضى القاعدة- حينئذ- هو الضّمان مع التفريط، و عدمه مع عدمه، و ذلك لأنّ المال- على هذا- إنّما يكون أمانة شرعيّة بيد المالك، و مقتضى القاعدة هو عدم ضمان الأمين عند عدم التفريط في الحفظ و الإيصال و مع فرض تلف بعض النّصاب، يحكم بالتقسيط- أي تقسيط التالف- على المالك و الفقير- مثلا- بالنسبة إذا لم يكن ذلك بتفريط منه، و مع التفريط يحكم بالضّمان و لا تقسيط.

و على القول بالكلّي في المعيّن، فإنّ تلف جميع النّصاب، كان حكمه- بحسب القاعدة- هو ما سبق، من الضّمان مع التفريط، و عدمه مع عدمه. و أمّا مع تلف

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 109، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 345

..........

______________________________

بعض النّصاب، فإن بقي منه بمقدار الفريضة، كان مقتضى القاعدة هو لزوم دفعه زكاة، و مع بقاء الأقلّ من الفريضة، يكون ضامنا للتالف من مقدار الفريضة على تقدير التفريط، و عدمه مع عدمه. و لا مجال للحكم بالتقسيط و الضّمان بالنسبة مطلقا على هذا المبنى.

و أمّا على تقدير كونه- أي التعلق- من قبيل حق الجناية

برقبة العبد، بمعنى تخيير المالك بين دفع الزكاة من نفس العين، و دفعها من مال آخر، فمع فرض تلف الجميع لا موجب لسقوط الزكاة، بل يتعيّن على المالك دفعها من مال آخر، و لو كان التلف بلا تفريط، و مع فرض تلف البعض، يكون عدم سقوط الزكاة بطريق أولى، كما هو ظاهر.

و هكذا الحال فيما إذا كان تعلّق الزكاة بالعين من قبيل حق الرّهانة، حيث أنّ الواجب على المالك- حينئذ- إنّما هو الكلّي في الذّمة، و تكون العين الخارجيّة بمثابة الوثيقة لما في ذمّته، و حينئذ فلا تسقط الزكاة مطلقا، لا مع تلف الكل و لا البعض، مع التفريط و بلا تفريط.

و كذلك الحال بناء على القول باشتغال الذمّة بماليّة شاة واحدة- مثلا- في من ملك أربعين شاة، فإن اشتغال الذمّة بذلك ممّا لا يرتفع إلا بأداء المقدار المذكور- أي ماليّة شاة واحدة- سواء تلف جميع النصاب أم بعضه، بتفريط كان ذلك أم لم يكن، إذ لا ربط للواجب بالعين أصلا، و إنّما يكون من الشارع الحكم على المكلّف بوجوب دفع هذا المقدار، من دون أن يوجب ذلك حقّا في العين أصلا.

هذا كلّه ما تقضيه القواعد في المقام، و أما النّصوص، فقد يستدلّ له بصحيح محمّد بن مسلم، أو حسنته- بابن هاشم-، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

بعث زكاة ماله لتقسّم، فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ قال عليه السّلام: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها إليه، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من

يده «1»».

بدعوى دلالتها على الضمان مع تفريط المالك بالتأخير في الأداء مع التمكّن من ذلك، بأن كان قد وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه، بل أرسلها إلى بلد آخر غير بلده فتلفت.

هذا، و لكن الاستدلال بها غير تامّ، و ذلك لأنّ الكلام هنا فى التلف قبل تعيّن الزكاة بتعيين المالك، و الرواية خاصة بالتلف بعد تعيّنها بالتعيين، بناء على أنّ التعيين مطلقا و لو قلنا بالحق في باب الزّكاة يوجب التعيّن و صيرورة المتعيّن مالا للفقير، أو متعلّقا لحقّه، كما سيأتي البحث عنه، إن شاء اللّه تعالى.

و على الإجمال، الرواية أجنبيّة عمّا نحن فيه، لاختصاصها بمورد تلف الزكاة المتعيّنة من ناحية المالك، و الكلام هنا في تلف النّصاب، أو بعض منه، قبل أن ينظر المالك فيه فيعيّن منه بمقدار الفريضة للزكاة، فلا يتمّ الاستدلال بها في المقام، كما لا يخفى.

و استدلّ له صاحب «الجواهر» «2» قدّس سرّه بمرسل ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرّجل يكون له إبل، أو بقر، أو غنم، أو متاع، فيحول عليه الحول، فتموت الإبل و البقر و الغنم، و يحترق المتاع؟ قال: ليس عليه شي ء «3»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين الزكاة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 109، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 347

..........

______________________________

و يتوجّه عليه- مضافا إلى ما قد يقال في مراسيل ابن أبي عمير، خلافا لما هو المشهور فيها و في مراسيل غيره، من عدم المعاملة معها معاملة المسانيد- أنّ الرواية دالّة على

عدم الضمان مع تلف الجميع بلا تفريط، و لا دلالة لها على حكم تلف البعض. على أنّ ظاهرها هو تعلّق الزكاة بالمال بنحو الكلّي في المعيّن، و لعلّ المرسلة تكون من جملة الشواهد للقول المذكور، و حينئذ فلا يستفاد منها الضّمان مع تلف بعض النصاب، إذا كان ذلك بتفريط، كما عرفت.

و بكلمة أخرى، لو كان المفروض في الرواية هو تعلّقها بالعين بنحو الملك المشاع، كان الحكم فيها بعدم الضمان مع تلف الجميع بلا تفريط واردا على طبق القاعدة قطعا، و لا يكون ذلك حكما تعبديّا على هذا الفرض، و مقتضى القاعدة- على فرض الملك المشاع- هو عدم الضّمان مع عدم التفريط مع تلف البعض، كما أفاده المصنف قدّس سرّه في المتن. و أمّا أنّه حيث لم يفرض ذلك، فيها كما لم يفرض أيضا كون الحكم المذكور تعبديّا، ليستفاد منه أنّ عدم الضمان إنّما هو في مورد عدم التفريط مطلقا، و أمّا مع التفريط فهو ضامن مطلقا، حتّى و لو تلف بعض النصاب، و حينئذ فمن الممكن أن يكون الحكم المذكور واردا على طبق القاعدة، فيما إذا بنينا على تعلّق الزكاة بنحو الكلّي في المعيّن، فإنّ مقتضى القاعدة على القول المذكور- كما أشرنا إليه آنفا- هو الضمان مع التفريط فيما إذا تلف جميع النصاب، و أمّا مع تلف البعض، و بقاء مقدار الفريضة، فلا موجب لعدم الضمان حتّى مع عدم التفريط، إذ لا بدّ له- حينئذ- من دفع المقدار الباقي، الّذي يكون مصداقا للفريضة، كما لا يخفى.

و موجز القول، انّ استفادة الحكم المذكور- و هو التقسيط مع تلف البعض إذا كان بتفريط منه- من الرواية، تبتني على افتراض أمرين: أحدهما كون الحكم

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الزكاة، ج 1، ص: 348

[مسألة 11: إذا ارتدّ الرجل المسلم]

[مسألة 11]: إذا ارتدّ الرجل المسلم، فإمّا أن يكون عن ملّة، أو عن فطرة، و على التقديرين، إمّا أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فإن كان بعده وجبت الزكاة (133)، سواء كان عن فطرة او ملّة، و لكن المتولّي لإخراجها الإمام، او نائبه (134).

______________________________

الوارد فيها على طبق القاعدة لا تعبديّا. و الأخر أن يكون المفروض فيها تعلق الزكاة بالعين بنحو الإشاعة. و كلا الفرضين غير ثابت لإمكان أن يكون الحكم فيها تعبديّا. و على فرض التسليم بكونه على طبق القاعدة، لم يثبت تعلّق الزكاة بنحو الإشاعة، بل من المحتمل أن يكون من قبيل الكلي فى المعيّن و مع التفريط تقسّط التالف على الفقير و المالك.

و المتحصّل من ذلك: أنّ اثبات ما أفاده المصنّف قدّس سرّه في المقام مشكل جدّا، و المتحصّل من جميع ذلك أنّ إثبات الحكم المذكور بالرّواية، و على طبق القاعدة مشكل جدّا، فينحصر المدرك فيه بالإجماع. و اللّه العالم، و هو الموفّق و العاصم.

(133) لا ينبغي الإشكال في وجوب الزكاة في الفرض المذكور على تقدير حصول شرائطه، و لا يبتني ذلك على القول بوجوبها على الكافر أيضا، إذ المفروض هو الارتداد بعد تمام الحول، كما هو ظاهر.

(134) أمّا في الملّي فلا ينبغي الإشكال فيه، حيث أن أمواله لا تنقل إلى ورثته، و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 349

..........

______________________________

على تقدير التسليم بعدم صحة تصدّيه للإخراج نفسه، فحيث كان تكليفه بالأداء معقولا، من جهة قدرته على الإخراج بالقدرة على مقدّمته، و هي الإسلام، بناء على أنّ الإسلام حينئذ لا يوجب سقوط الزكاة عنه، كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه. فإذا

امتنع عن ذلك و لم يتب، كان للحاكم أن يتصدّى للإخراج، من باب أنّ الحاكم ولي الممتنع، أو من باب النهي عن المنكر، و نحو ذلك.

و من هنا يظهر أنّ الإشكال المتقدّم في الكافر، في ولاية الحاكم الشرعي أعني به النائب العامّ للإمام عليه السّلام- و أمّا الإمام عليه السّلام نفسه فهو أعرف بوظيفته- على الإخراج من قبل الكافر غير جار في المقام. و خلاصة الإشكال هو عدم الدليل على تولّى الحاكم للإخراج هناك، بعد فرض عدم معقوليّة تكليف الكافر بالأداء أصلا، إذا المفروض هو عدم صحّة الأداء من الكافر حال كفره، و إذا أسلم سقط وجوب الزكاة عنه، كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه حسبما تقدّم ذلك، فحينئذ لا يمكن اعتبار قدرته على التوبة مصحّحا لتكليفه بالأداء من باب القدرة على المقدّمة، و هي الإسلام، فإنّ الإسلام مسقط للزّكاة على الفرض، و إذا امتنع في حقّه التكليف، بالأداء، لم يبق مجال لتصدّى الحاكم الشرعيّ، لا من باب أنّه وليّ الممتنع، و لا من باب النهي عن المنكر، لاختصاص الأوّل بما إذا امتنع المكلّف عن القيام بما كلّف به. و الثاني بما إذا لم ينته عن ارتكاب منكر بعد فرض تنجّز التكليف بحقّه. و أمّا في المقام فقد عرفت إمكان تكليفه بالأداء، فمع امتناعه عنه، يتصدّى الحاكم للإخراج، من باب انّه وليّ الممتنع، أو النهي عن المنكر.

و أمّا ما عن بعض الأعلام «1»- دام ظلّه- من إسراء الإشكال المذكور إلى المقام، فلم يظهر لنا وجهه، هذا في المرتدّ الملّي.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 102- 103، ط الثالثة، النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 350

و إن

كان في أثنائه، و كان عن فطرة، انقطع الحول، و لم تجب الزكاة، و استأنف الورثة الحول (135)، لأنّ تركته تنتقل إلى ورثته و إن كان عن ملّة، لم ينقطع، و وجبت بعد حول الحول (136)، لكن المتولّي الإمام عليه السّلام، أو نائبه إن لم يتب (137)، و إن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه، و أمّا

______________________________

و اما الفطريّ، فالظاهر أنّه لا مجال فيه لتولّي الحاكم الشرعيّ أصلا، بل المتولّي لذلك هم ورثته، كسائر ديونه المتعلّقة بأمواله، من جهة انتقال أمواله- و منها المال الزكويّ إلى ورثته، كما هو ظاهر.

(135) أمّا انقطاع الحول فظاهر، و كذلك استئناف الورثة الحول، غير أنّ الوارث إنّما يستأنف الحول إذا كانت حصته تبلغ النّصاب.

(136) لبقاء ماله على ملكه كسائر الكفّار.

(137) و قد عرفت آنفا عدم الوجه في الاشكال في ولاية الحاكم الشرعيّ على الإخراج في المرتدّ الملّي. لكنّه مبني على عدم شمول حديث الجبّ- على تقدير

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 351

لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجزئ عنه (138)؛ إلّا إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدّد النيّة، أو كان الفقير القابض عالما بالحال، فإنّه يجوز له الاحتساب عليه، لأنّه مشغول الذمة بها إذا قبضها مع العلم بالحال، و أتلفها، أو تلفت في يده (139)، و أمّا

______________________________

صحة السّند- لمثل المرتدّ الملّي، كما لعلّه المتسالم عليه فيما بينهم «1»، و إلّا فللإشكال فى الولاية في المقام مجالا واسعا، لعين الملاك الموجب له فيما سبق، كما لا يخفى على المتأمّل.

(138) بناء على اشتراطه بالإيمان، و قد عرفت الإشكال فيه، فيما سبق، فلاحظ.

(139) جواز الاحتساب منه إنّما يكون مع التوبة، و إلّا فأمره إلى الحاكم، و

له الاحتساب. و كأنّ المحقق النائيني «2» قدّس سرّه استظهر من العبارة جواز الاحتساب قبل التوبة، و لذلك علّق عليه بقوله: «بإذن الحاكم الشرعي، لا بدونه» و الظّاهر هو التفصيل بما ذكرناه، كما نبّه عليه غير واحد، فلاحظ.

______________________________

(1)- كما يظهر ذلك من عدم تعرّض الفقهاء- قدس اللّه أسرارهم- لموضوع الجبّ في المرتدّ.

فلاحظ.

(2)- الحاشية على العروة الوثقى [المطبوعة مع المتن]، ج 2: ص 11، مطبعة العرفان، صيدا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 352

المرأة فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقا (140).

[مسألة 12: لو كان مالكا للنّصاب لا أزيد- كأربعين شاة مثلا- فحال عليه أحوال]

[مسألة 12]: لو كان مالكا للنّصاب لا أزيد- كأربعين شاة مثلا- فحال عليه أحوال، فإن أخرج زكاته كلّ سنة من غيره تكرّرت، لعدم نقصانه حينئذ عن النّصاب (141)، و لو أخرجها منه، أو لم يخرج أصلا لم تجب إلّا زكاة سنة واحدة، لنقصانه حينئذ عنه. و لو كان عنده أزيد من النّصاب، كأن كان عنده خمسون شاة، و حال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها، وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النّصاب. فلو مضى عشر سنين- في المثال المفروض- وجب عشرة، و لو مضى أحد عشر سنة وجب أحد عشر شاة، و بعده لا يجب عليه شي ء لنقصانه عن الأربعين، و لو كان عنده ستّ و عشرون من الإبل، و مضى عليه سنتان، وجب عليه بنت. مخاض للسنة الأولى، و خمس

______________________________

(140) حتّى إذا كان الارتداد عن فطرة، و ذلك، لعدم انتقال ما لها إلى الورثة بالارتداد عن فطرة، كما هو ثابت في محلّه. و هي- لأجل قبول توبتها مطلقا حتّى و لو كان ارتدادها عن فطرة- تلحق بالمرتد الملّي فيما ذكر له من الأحكام.

(141) بناء على جواز إخراج

الزكاة من غير النّصاب الأمر واضح جدّا، فلو بقي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 353

شياه للثانية (142)، و إن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضا أربع شياه (143)، و هكذا إلى أن ينقص من خمسة فلا تجب.

______________________________

عنده النصاب أحوالا و أدّى زكاته عند كلّ حول من غير النّصاب، وجبت عليه الزكاة للأعوام العديدة، لفرض تحقّق الموضوع، و هو كون المال ملكا طلقا و قد حال عليه الحول، فإذا أخرج زكاته لسنة من عين النصاب لم تجب عليه للسنة الآتية لنقصان النصاب حينئذ، كما أنّه إذا بقي النصاب عنده أحوالا و لم يؤدّ زكاته، لم تجب عليه إلا زكاة سنة واحدة كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(142) لانتقاله إلى النصاب السابق، و هو خمسة و عشرون، و فيه خمس شياه، إلّا أنّه يتوقّف على أن لا تزيد قيمة بنت المخاض عن قيمة الإبل الواحد، بل تساويها او تنقص عنها، و إلّا لم يكن مالكا لخمس و عشرين من الإبل تامّا، كما هو ظاهر.

(143) الظاهر وجوب خمس شياه في السنة الثالثة أيضا، إذا كان في الإبل ما يسوى- بحسب القيمة- بنت مخاض و خمس شياه، فإنّه- على هذا- يكون الموجود عنده في السنة الثالثة خمسا و عشرين من الإبل لأنّ ما يسوى من الإبل ببنت مخاض و خمسة شياه يكون زكاة لسنتين، و يبقى للسنة الثالثة خمس و عشرين إبل، و فريضته خمس شياه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 354

[مسألة 13: إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد، إمّا بالنتاج، و إمّا بالشراء، أو الإرث، أو نحوها]

[مسألة 13]: إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد، إمّا بالنتاج، و إمّا بالشراء، أو الإرث، أو نحوها، فإن كان بعد تمام الحول السابق (144) قبل الدخول في

اللاحق فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع، إن كمل بها النّصاب اللاحق، و أمّا إن كان في أثناء الحول، فإمّا أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو، و لم يكن نصابا مستقلا و لا مكمّلا لنصاب آخر، و إمّا أن يكون نصابا مستقلّا، و إمّا أن يكون مكمّلا للنّصاب. أمّا فى القسم الأوّل، فلا شي ء عليه، كما لو كان له هذا المقدار ابتداء، و ذلك، كما لو كان عنده من الإبل خمسة فحصل له في أثناء الحول (145) أربعة أخرى، أو كان عنده أربعون شاة ثمّ حصل له أربعون في أثناء الحول.

______________________________

(144) كما لو ملك خمسا من الإبل فزادت خمسة، أو صارت الثلاثين أربعين في البقر، أو صارت الأربعين مائة و اثنتي و عشرين في الغنم، فإنّه في مثل الإبل، يخرج شاة واحدة للحول الأوّل، و شاتين للثاني، و في البقر للحول الأوّل يخرج تبعا و للثاني مسنّة. و في الغنم للحول الأوّل يخرج شاة واحدة، و للثاني شاتين، و هكذا. و الوجه ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 355

..........

______________________________

(145) كما أختاره العلّامة قدّس سرّه في جملة من كتبه «1»، و الشهيد الثاني «2» و صاحب «المدارك «3»» و غيرهم «4» و في «المنتهى»: «قيل: يجب فيها شاة ...» و احتمل المحقّق قدّس سرّه في «المعتبر «5»»، و جعله الشهيد قدّس سرّه في «الدروس» وجها «6» و قد يستدلّ له- كما عن العلّامة رحمه اللّه في «المنتهى»، و المحقق قدّس سرّه في «المعتبر «7»»- بعموم قوله عليه السّلام: «في كلّ أربعين شاة شاة ... «8»»- و يتوجّه عليه أنّه لا عموم له من هذه الجهة، بحيث يقتضي وجوب شاتين في

الثمانين، بلا فرق في ذلك بين ما إذا كان ذلك من أوّل الحول، أو كان عنده أربعون من الأوّل، و حصل له- فى رأس ستة أشهر مثلا- أربعون آخر، كما في محلّ الكلام.

و ممّا يشهد بذلك قوله عليه السّلام في صحيح الفضلاء- بعد ذكر العموم المتقدّم-:

«و ليس فيما دون الأربعين شي ء، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة ففيها مثل ذلك، شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 490، ط إيران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 101، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ قواعد الأحكام، ج 1:

ص 333، مؤسّسة النشر الاسلامي، قم؛ تحرير الأحكام، ص 61، ط إيران الحجريّة.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 372، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(3)- العاملي، السيد محمد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 76، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 104، ط النجف الأشرف.

(5)- المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: صص 509- 510، مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(6)- الشهيد الأوّل، محمد بن مكّي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 233، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(7)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: صص 509- 510، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(8)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 356

و أمّا في القسم الثاني، فلا يضمّ الجديد إلى السابق، بل يعتبر لكلّ منهما حول بانفراده (146)، كما لو كان عنده خمس من الإبل، ثمّ

بعد ستّة أشهر ملك خمسة أخرى، فبعد تمام السنة الأولى يخرج شاة، و بعد تمام السنة، للخمسة الجديدة، أيضا يخرج شاة، و هكذا ...

______________________________

شاتان ... «1»»، و قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن قيس أيضا: «ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي ء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة- الحديث «2»»، فإن الروايتين صريحتان- و لعلّ الثانية تكون أصرح- في عدم الاعتبار بالثمانين، و أنّ ما يجب فيه إنّما هو فريضة أربعين واحد، و هي شاة واحدة و موجز القول: أنّ المستفاد من الصحيحتين هو أنّ الثمانين من الغنم لا يكون إلّا مصداقا لنصاب واحد، و هو الأربعين، لا مصداقا لنصابين، بلا فرق في ذلك بين أن تكون الغنم ثمانين من أوّل الحول، او كان بلوغها ذلك من اثنائه، كما هو ظاهر.

(146) بلا خلاف أجده فيه «3»، بل الإجماع المدّعى في «الخلاف «4»» و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- المصدر.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 103، ط النجف الأشرف.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 22، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 357

و امّا في القسم الثالث، فيستأنف حولا واحدا، بعد انتهاء الحول الأوّل (147)، و ليس على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شي ء، و ذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر فملك في أثناء حولها أحد عشر، أو كان عنده ثمانون من الغنم فملك في أثناء حولها اثنتين و أربعين.

______________________________

«المنتهى «1»» و «الانتصار «2»» و غيرها «3» و كذلك الحال فيما لو كان عنده أربعون من البقر

فولدت أربعين أو ثلاثين، هذا فيما إذا كان الملك الجديد- إمّا بالنتاج، أو بالشّراء و غيرهما- نصابا مستقلّا. و كذلك الحال فيما لو كان مكمّلا لنصاب مستقل، كما لو كان سبع له من الإبل فولدت ثلاثا، فإنّ الثلاث بانضمامها إلى الاثنين من السبع الّتي كانت عنده يشكّل نصابا مستقلّا، و هو خمس من الإبل. و الوجه في الحكم في جميع هذه الأمثلة ظاهر، كما لا يخفى.

(147) في المسألة وجوه، و أقوال، يجدر بنا التعرّض لها، مع ما استدلّ به لكلّ واحد منها، بشي ء من التفصيل، و أليك ذلك:

الأوّل:

______________________________

(1)- العلّامة الحليّ، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 491، ط إيران الحجريّة.

(2)- الشريف المرتضى، علم الهدى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 84، ط النجف الأشرف.

(3)- العاملي، السيد محمّد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 76، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 358

..........

______________________________

سقوط حول الأمّهات- و نفرض الكلام في الزيادة بالنتاج- و اعتبار الحول للمجموع من حين الزيادة، فإذا كان عنده ثلاثون من البقر- مثلا- فملك- بعد ستّة أشهر مضين على ذلك- أحد عشر بقرة، اعتبر الحول من حين الزيادة، فيجب عليه- بعد مضيّ سنة على ذلك من حين الزيادة- مسنّة، فإنّها فريضة نصاب البقر إذا كانت أربعين «1».

و قد يستدلّ لذلك «2»: بأنّ المستفاد من دليل النّصاب اللّاحق- كالأربعين مثلا في نصاب البقر- إنّما هو مانعيّته عن اعتبار النّصاب السابق، بمعنى أنّ الاعتبار بالنّصاب السابق إنّما يكون مع عدم اندراجه تحت النّصاب اللاحق، و إلّا كان الاعتبار باللّاحق، و حينئذ ففي مثل المقام، حيث إنّ الثلاثين من البقر اندرجت تحت الأربعين في أثناء الحول- كما هو المفروض-

فلا محالة كان الاعتبار بالأربعين، و سقط نصاب الثلاثين عن الاعتبار، فإذا مضى على النّصاب اللاحق، من حين تحقّقه، حول كامل، وجب على المالك فريضة، و هي المسنّة في مفروض المثال.

و يتوجّه عليه، أنّ محتملات المسألة ثبوتا أحد أمور ثلاث:

الأوّل: أن يكون انضمام النّصاب السابق إلى ما يلحقه بالنّصاب اللّاحق مانعا عن الاعتبار بالسّابق مطلقا، بمعنى أنّ انضمام عشرة من البقر إلى الثّلاثين يكون مسقطا للاعتبار بالثلاثين، حتّى و لو كان الانضمام المذكور في بعض الحول لا في تمامه.

______________________________

(1)- استحسنه العلّامة الحلّي رحمه اللّه في «المنتهى» (ج 1: ص 490، ط إيران الحجريّة).

(2)- يستفاد ذلك ممّا ذكره الفقيه الهمداني قدّس سرّه بعنوان: «إن قلت: قد اعترفت ...» (- مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 32، ط إيران الحجريّة).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 359

..........

______________________________

الثّاني: أن تكون فعليّة تأثير النّصاب اللّاحق في فريضته مانعة عن فعليّة تأثير السابق في عرض ذلك، بمعنى أنّ الأربعين حينما يكون مؤثّرا بالفعل في إيجاب مسنة- كما هو الحال بعد تمام الحول- يكون مانعا عن تأثير الثّلاثين في إيجاب تبيع- مثلا- في ذلك الحين.

الثالث: أن تكون فعليّة تأثير النّصاب اللّاحق في فريضته مانعا عن تأثير النّصاب السابق، و لو لا في عرضه، بمعنى أنّ صيرورة فريضة النّصاب اللّاحق فعليّا في المستقبل تكون مانعة عن فعليّة فريضة النّصاب السّابق في الحال. هذه هى الوجوه المحتملة في المسألة، بحسب مقام الثبوت.

و أمّا بحسب مقام الإثبات، فالوجه الأوّل- مضافا إلى كونه خلاف الوجدان- ممّا يشهد بخلافه البرهان، إذ لازم ذلك هو عدم وجوب فريضة النّصاب السّابق في المثال التالي، و هو ما إذا كان عنده من ابتداء الحول ثلاثين

من البقر، فزادت عليها- في ما قبل تمام الحول باسبوع مثلا- أحد عشرة بقرة، مع أنّ من المتسالم عليه وجوب تبيع- و هو فريضة الثلاثين- في الفرض المذكور.

و كذلك الحال في الوجه الأخير، فإنّ غاية ما يستفاد من دليل نصاب اللّاحق هو أنّ كلا النصابين لا يمكن تأثيرهما في فريضتيهما في عرض واحد، كما هو مقتضى الوجه الثاني، و أمّا المانعيّة عن تأثير السابق مطلقا و لو لا في عرضه، كما هو الوجه الثالث، فهذا ممّا لا شاهد عليه أصلا، إذ لا وجه لاستفادة المعنى المذكور من دليل النّصاب اللّاحق أصلا، كما لا يخفى.

و عليه، فالمستفاد من دليل النّصاب اللّاحق إنّما هو عدم إمكان اجتماع تأثيره مع تأثير السّابق في عرض واحد، و أمّا عدم ذلك و لو لا في عرض واحد- كما في محل الكلام، حيث إنّ تأثير السابق مقدّم على تأثير اللاحق بستّة أشهر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 360

..........

______________________________

مثلا- فهذا غير مستفاد منه أصلا. نعم، بملاحظة ما ورد في الحديث «1»:

«لا ثنى «2» فى الصّدقة»، و قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا يزكّى المال الواحد، في عام واحد، من وجهين «3»» يقع التعارض، أو التزاحم بين دليلى النصابين في محل الكلام، حيث إنّ الأخذ بدليل كلا النصابين فيه يقتضي الثنى في الصّدقة، فإنّ الثلاثين في النّصف الثاني من الحول الأوّل تكون قد زكّيت مرّتين، مرّة بعنوان نصاب الثلاثين، و مرّة أخرى في ضمن الأربعين، و هو غير جائز، كما هو المفروض.

الثّاني:

ما عن العلّامة قدّس سرّه، من وجوب الزّكاة عند تمام كلّ من الحولين، أعني بهما حول الأمّهات، و حول الزّيادة، و لكن بهذه الكيفيّة: بأن يعطي- في

المثال المتقدّم- عند تمام حول الأمّهات، و ربع مسنّة عند تمام حول الزّيادة، فإنّ فريضة الأربعين هى المسنّة، فإذا كان مالكا للعشرة في أثناء الحول الأوّل، كما هو

______________________________

(1)- الهروي، أحمد بن محمّد: غريب الحديث، ج 1: ص 98، ط حيدرآباد (و في الهامش زاد في «ر» هو من حديث إبراهيم بن محمّد الفزاري، عن الأوزاعي، عن عبد اللّه بن حصين، عن النبي- صلّى اللّه عليه [و آله]).

و رواه- أيضا- في الغريبين/ تحقيق: محمود محمد الطناحي، ج 1: ص 300، القاهرة؛ الزمخشري، محمود بن عمر: الفائق، ج 1: ص 177، مطبعة عيسى البابي الحلبى و شركاه، القاهرة؛ ابن الأثير، المبارك بن محمد: النهاية/ تحقيق: طاهر أحمد الزاوي [و] محمود محمد الطناحي، ج 1: ص 224، القاهرة.

(2)- قال الهروي: «قال الأصمعي: هو مقصور، بكسر الثاء ك «الى»، يعني لا تؤخذ في السنّة مرّتين. و قال الكسائي في «الثنى» مثله» (غريب الحديث، ج 1: ص 98).

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 361

..........

______________________________

المفروض، كان ذلك ربع النّصاب فيجب عليه من الفريضة بنسبة الزيادة إلى أصل النّصاب، و هو الرّبع، و عند تمام الحول الثاني للامّهات يعطي بقيّة الفريضة، و هي ثلاثة أرباع المسنّة «1».

و يمكن أن يكون الوجه في ذلك هو الجمع بين دليلى النصابين، السّابق و اللّاحق، بعد فرض وقوع التّعارض أو التزاحم بينهما، بملاحظة ما دلّ على أنّ المال لا يزكّى في عام واحد من وجهين، فإنّه بهذا النحو من التقسيط يؤخذ بكلا الدليلين، من دون لزوم الزكاة في عام من وجهين،

كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أنّ الجمع المذكور ليس بجمع عرفيّ، فإنّ الظاهر من دليل النّصاب اللاحق، و هو «في أربعين من البقر مسنة»، هو أنّ الفريضة الواجبة تمام المسنّة، بحيث يكون وجوب كلّ جزء منها منضما إلى وجوب الجزء الآخر، و عليه فلا مجال للأخذ بالمدلول التضمني للدليل المذكور في مقام الجمع، بأن يقال:

إنّ وجوب المسنّة في الأربعين ممّا يدلّ بالتضمّن على وجوب ربعها- مثلا- في ربع الأربعين، و هي العشرة. و الحاصل، أنّ وجوب الفريضة، المترتّبة على حولان الحول على النّصاب اللاحق، وجوب ارتباطيّ غير قابل للتوزيع على أجزاء النصاب، و حينئذ فلا يكون الجمع المذكور جمعا عرفيّا، إذ لا شاهد عليه، و لو لم يكن الوجوب ارتباطيّا، و كان له مدلول تضمّني، لصحّ جعله شاهد الجمع، على النحو المتقدّم ذكره، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- قال قدّس سرّه في «القواعد»: «و لو ملك ثلاثين بقرة، و عشرا بعد ستة أشهر، فعند تمام حول الثلاثين تبيع، و عند تمام حول العشر ربع مسنّة، فإذا تمّ حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنّة، و إذا حال آخر على العشر فعليه ربع مسنّة، و هكذا ...» (ج 1:

ص 333). و نحوه في «نهاية الأحكام» (ج 2: ص 315، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 362

..........

______________________________

الثالث:

ما في المتن، من استيناف الحول للجميع، بعد تمام حول الأمّهات، بحيث لا يكون على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شي ء، و هو مختار صاحب «الجواهر «1»»، و الفقيه المحقّق الهمداني «2» قدّس سرّه. و نسب «3» ذلك أيضا إلى فخر المحقّقين «4»، و الشهيدين «5»، و أبى العباس، و الفاضل المقداد

«6»، و الكركي «7»، و الصيمريّ، و صاحب «المدارك «8»»، و الفاضل الخراساني «9»، و الفاضل البهبهاني، و صاحب «كشف الغطاء «10»»، و صاحب «الرياض «11»»، و صاحب «الحدائق «12»»- قدّس اللّه أسرارهم- و قد يستدلّ له بوجوه:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 105، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 32، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 105، ط النجف الأشرف.

(4)- فخر المحققين، محمّد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 174، ط العلمية، قم.

(5)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 233، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم [و] الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 372، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(6)- جمال الدين، مقداد بن عبد اللّه: التنقيح الرائع، ج 1: ص 304، نشر مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم.

(7)- الكركي، المحقق الثاني، عليّ بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 11، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(8)- العاملي، السيد محمّد الموسوي: مدارك الأحكام، ج 5: ص 77، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(9)- السبزواري، محمد باقر: كفاية الأحكام، ص 36، ط إيران الحجريّة؛ ذخيرة المعاد، ص 432، ط إيران الحجريّة.

(10)- كاشف الغطاء، الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 352، ط إيران الحجريّة.

(11)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 67، مؤسّسة النشر الاسلامي، قم.

(12)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 78، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 363

..........

______________________________

أحدها- ما عن صاحب «الجواهر» قدّس سرّه، من وجود المقتضي لوجوب زكاة الأمّهات بعد تمام حولها، فإنّه

لا مانع من شمول دليل النّصاب الأوّل و هو وجوب التبيع في ثلاثين من البقر له، و إذا وجب اخراج زكاة الثلاثين منفردا، امتنع ضمّها إلى العشرة و إخراج زكاة الأربعين بعد تمام حول الزّائد، و ذلك لقوله عليه السّلام: «لا ثنيا في الصدقة»، و قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد».

و ناقش في ذلك الفقيه المحقّق الهمداني «1» قدّس سرّه بما حاصله: إنّ المال إذا بلغ حدّ النصاب اللّاحق ترتّب على ذلك وجوب فريضة اللّاحق لا محالة، و ذلك ممّا يمنع عن وجوب فريضة النّصاب السّابق، فيكون عدم اندراج المال تحت دليل النّصاب اللّاحق من شرائط وجوب فريضة النّصاب السّابق، و من المعلوم لزوم استمرار الشرط المذكور- كسائر الشرائط الأخر- في تمام الحول، و حيث إنّه لم يتحقّق ذلك، لأجل اندراج المال تحت دليل النصاب اللاحق في أثناء الحول، فلا محالة لا يكون هناك مجال للقول بتحقّق المقتضي بالإضافة إلى النصاب السّابق.

و على الإجمال، إذا كان عدم الاندراج في دليل النصاب اللّاحق شرطا في وجوب فريضة النّصاب السّابق، و فرضنا اعتبار استمرار الشرائط تمام في الحول، كانت النتيجة حينئذ هي عدم وجود المقتضي لوجوب فريضة النّصاب السابق عند تمام حول الأمّهات، كما لا يخفى.

ثمّ أورد على ذلك، بما حاصله: إنّ الاندراج تحت دليل النّصاب اللاحق

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 32، ط الحجرية- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 364

..........

______________________________

لا يوجب إلغاء النصاب السابق رأسا، و إنّما يكون كلّ منهما مقتضيا لترتّب فريضته بعد تمام الحول، غايته أنّ فعليّة تأثير النّصاب اللّاحق تكون مانعة عن فعليّة تأثير السّابق، و

يترتّب على ذلك انّ النّصاب السّابق إنّما لا يؤثّر في وجوب فريضته بالفعل فيما إذا كان مندرجا تحت نصاب لاحق مؤثّر بالفعل، و الأمر في المقام ليس كذلك، فإنّه حين فعليّة تأثير السابق- و هو عند تمام حول الأمّهات- لا يكون النّصاب اللّاحق مؤثّرا بالفعل، لعدم تماميّة حوله، فلم يكن السابق مندرجا تحت لاحق مؤثّر بالفعل، و حينئذ فلا مانع من تأثير السّابق.

ثم إنّه قدّس سرّه أورد على هذا- أيضا- بأنّ المانع ليس هو فعليّة تأثير اللّاحق، بل مجرّد الاندراج تحت النّصاب اللّاحق، المقتضي لترتّب الفريضة الفعليّة عليه في زمان ما، و بعبارة واضحة، المانع إنّما هو الحكم الشأني للنصاب اللاحق دون الفعليّ، كما هو المستفاد من أدلّة النّصب المترتّبة بعضها على بعض، فإنّه متى ما كان المال مشمولا لدليل النّصاب اللّاحق امتنع شمول السّابق له. نعم، فعليّة تأثير اللّاحق مشروطة بحولان الحول، لا إنّ الخروج عن دليل النّصاب السابق مشروط بذلك.

و الحاصل، أنّ المستفاد من أدلّة النّصب هو أنّ مجرد بلوغ المال حدّ النصاب اللاحق يكون مانعا عن شمول دليل النصاب السابق له، و إن كان تأثير الثاني مشروطا بمثل الحول، و نحوه، و على هذا، فالمال- بعد طروّ الزيادة في أثناء الحول- قد خرج عن دليل النّصاب الأوّل، و معه لا مجال لإعطاء فريضته بعد تمام حول الأمّهات، بل لا بدّ من إخراج فريضة الثاني بعد تمام الحول، الّذي مبدأه من حين الزّيادة، كما لا يخفى.

و أجاب عن ذلك أيضا، بما حاصله إنّ عدم وجوب فريضة النّصاب الأوّل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 365

..........

______________________________

إنّما يكون باندراج المال تحت موضوع وجوب فريضة النّصاب اللاحق، و صيرورة المال موضوعا لذلك

إنّما تتوقّف على حولان الحول، إذ بعد تمام الحول يكون المال موضوعا لوجوب فريضة النّصاب الأوّل أو الثاني. و بكلمة أخرى النّصاب الأوّل، و الثاني، و هكذا ...، قبل مضيّ الحول عليه ليس بموضوع لحكم أصلا، لا الحكم الفعليّ، و لا الشأنيّ، و إنّما الموضوع للحكم النّصاب الّذي حال عليه الحول، و حينئذ فبعد تمام حول الأمّهات يكون الموضوع لفريضة النّصاب الأول متحقّقا، فتجب فريضته، و المفروض هو عدم تحقّق موضوع الثانى كي يمنع ذلك من وجوبها، لعدم مضيّ الحول على الأربعين مثلا- و هو ثاني نصابي البقر.

و الدّليل على ذلك هو ما صرّح به في جملة من النصوص، ففي صحيح الفضلاء، و التصريح بأنّ «كلّما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه «1»» و قريب منه ما في صحيح عبد اللّه بن سنان «2»، و خبر زرارة «3». و في بعضها التعبير عنه بأنّ «ما كان من هذه الأصناف الثلاثة: الإبل، و البقر، و الغنم، فليس فيها شي ء حتّى يحول عليها الحول «4»»، و في خبر ثالث لزرارة، عن أبى جعفر عليه السّلام: «لا يزكّى من الإبل و البقر و الغنم إلّا ما حال عليه الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنّه لم يكن «5»»، فتكون هذه قرينة على أنّ الموضوع في مثل قوله عليه السّلام: «في- أو «من»- كلّ أربعين شاة شاة «6»»، و «فى كلّ ثلاثين بقرة تبيع، و في أربعين مسنة «7»»، و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 9: زكاة الأنعام، ح 5.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر/ باب 8: زكاة الأنعام، ح 2.

(6)-

المصدر/ باب 6: زكاة الأنعام، ح 1.

(7)- المصدر/ باب 4: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 366

..........

______________________________

«في كلّ خمس- من الإبل- شاة «1»»، و غير ذلك ممّا ورد في النّصب، إنّما هي الإبل و البقر و الغنم الّتي قد حال عليها الحول. هذا ما أفاده قدّس سرّه في المقام.

و للمناقشة فيما أفاده قدّس سرّه أخيرا مجال واسع، أمّا:

أ) فلمنافاته لما هو المتسالم عليه بينهم حتّى عنده قدّس سرّه من اعتبار دخول جملة من الشرائط في الموضوع، فإذا لم يكن الموضوع إلّا خصوص ما حال عليه الحول، فما هو الموضوع- إذن- حتّى يعتبر فيه تلكم الشرائط في تمام الحول.

ب) لو سلّمنا بعدم الموضوعيّة إلّا بعد حول الحول، فهذا ممّا لا يقتضي ثبوت فريضة نصاب الأمّهات بعد تمام حولها، فإنّ ثبوت هذا يكون معارضا- أو مزاحما- بثبوت فريضة المجموع- من الأمّهات و الزّائد- بعد تمام الحول، الّذي مبدؤه حدوث الزّيادة، فإن ثبوت هذا الحكم في ظرفه، و موضوعيّة المال له في هذا الظرف يكون معارضا للحكم الأوّل، أو مزاحما له، و ذلك لعدم الاعتبار بالسّبق الزماني في إخراج المورد عن التعارض أو التزاحم، كما هو محرّر في محلّه من بحث الاصول.

ج) إنّ مبنى كلامه قدّس سرّه- كصاحب «الجواهر»، و غيره أيضا ممّن وافقهما على ذلك- إنّما هو على التعارض أو التزاحم بين دليلى النصابين، بملاحظة قولهم عليهم السّلام: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا ثنى فى الصّدقة «2»»، أو على التعارض بين خصوص دليل النّصاب اللّاحق و الروايتين المذكورتين، كما هو ظاهر شيخنا العلامة الأنصاري «3» قدّس سرّه

و صريح

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الانعام، ح 3. و بمضمونه روايات اخر في نفس الباب.

(2)- لاحظ مصدر الروايتين في هامش صفحة 360.

(3)- الأنصاري، الشيخ، مرتضى: رسالة الزكاة، ص 438، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 367

..........

______________________________

«المستند «1»»، و ستعرف الحال فيهما إن شاء اللّه تعالى، بما يظهر لك أنّ الروايتين لا توجبان شيئا من ذلك أصلا، لا التعارض، و لا التزاحم. و منه يظهر الحال في أصل الاستدلال، بعد ابتنائه على المعارضة أو المزاحمة- بين الطائفتين.

و الآخر: ما عن صاحب «الجواهر «2»» رحمه اللّه أيضا، من دعوى ظهور أدلّة النصاب المتأخّر في غير المفروض. و لا شكّ في أنّ مرجع هذه الدعوى إلى دعوى انصرافها إلى مورد تحقّق النّصاب اللّاحق من أوّل الحول، و أنّه لا يكفي في ذلك تحقّقه في أثناء الحول، كما في المقام. و هي دعوى لا شاهد عليها في مقام الإثبات، فللإنكار- هنا- مجال واسع.

ثالثها: إنّ المورد من موارد التزاحم، و الأسبقيّة زمانا من جملة المرجّحات في باب التزاحم، و حينئذ فيؤخذ بدليل النّصاب الأوّل بعد حول الأمّهات، بلا مزاحم.

و يتوجّه عليه منع الصغرى و الكبرى معا، أمّا:

1- فلأنّ تقريب التزاحم في المقام إنّما يكون بأحد وجهين:

أ) أن يقال: بعدم انحصاره بموارد العجز عن الجمع في الامتثال، و ذلك إذ لم يرد نصّ يتعبّدنا باختصاص مورده بما إذا كان المانع عن فعليّة كلا الحكمين هو العجز عن امتثالهما معا، و إنّما عدّ ذلك من موارد التزاحم باعتبار أنّ القدرة على المأمور به دخيل في موضوع التكاليف المولويّة- فيما لم تؤخذ في الموضوع شرعا- بحكم العقل، و بما

أنّ كلّا، من الحكمين الفعليّين يقتضي صرف قدرة المكلّف إلى متعلّقه، فلا محالة يتحقّق التزاحم بينهما، من جهة أنّ فعليّة كل منهما توجب

______________________________

(1)- النراقي، ملّا احمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 17، ط إيران الحجريّة.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 105، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 368

..........

______________________________

ارتفاع موضوع الآخر، فإنّه- على تقدير الفعليّة- يقتضي صرف القدرة إلى متعلّقه، فيكون المكلّف عاجزا شرعا عن الإتيان بالآخر، فالملاك للتزاحم إنّما هو ارتفاع موضوع كلّ من الحكمين بفعليّة الاخر، و هو متحقّق في المقام، فإنّه على تقدير فعليّة دليل النّصاب السابق لا يبقى موضوع لدليل النّصاب اللاحق، و ذلك لصيرورة مقدار من المال متعلّقا لحقّ الفقير، و حينئذ فيكون المجموع ناقصا عن حدّ النصاب اللّاحق.

مثلا: إذا كان عنده ستّ و عشرون من الإبل، و أخذنا فيه بالنّصاب السابق، و هو الخامس من نصب الإبل، و فريضته خمس شياه، كان المال الخالص للمالك، عدا ما هو المتعلّق لحقّ الفقراء، إنّما هو خمس و عشرون إبلا، للزوم إخراج واحد من ستّ و عشرين بدل الخمس شياه، و من المعلوم عدم وجوب بنت مخاض في خمس و عشرين من الإبل الباقية.

و بكلمة أخرى، إذا اخذنا بالنصاب الأول في مفروض المثال، لم يكن ملكه الطلق- كما هو المعتبر في تعلّق الزكاة- سوى خمس و عشرين إبلا، و هي ممّا لا تجب فيها بنت مخاض قطعا، و نتيجه ذلك أنّ تحكيم النّصاب السابق يكون رافعا لموضوع وجوب فريضة النصاب اللّاحق كما أنّا إذا أخذنا بالنّصاب اللّاحق، و حكمنا بإخراج بنت مخاض، كان ذلك رافعا لموضوع وجوب فريضة النصاب السابق، بناء على

زيادة قيمة بنت مخاض على قيمة الإبل الواحدة، فلم تكن الخمس و عشرين من الإبل ملكا طلقا، بل كان مقدار منه متعلّقا لحقّ الفقراء.

و الحاصل، و إنّ الأخذ بالنصاب السّابق كليّة- مع قطع النظر عن خصوص مسألتنا هذه و هي تقدّم حولان الحول على أحد النصابين قبل الاخر- يكون موجبا لارتفاع موضوع فريضة النّصاب اللّاحق، كما يكون الأخذ بالنصاب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 369

..........

______________________________

اللاحق رافعا لموضوع وجوب فريضته النصاب السابق، و حينئذ فيكون الدليلان متزاحمين لا محالة.

و يتوجّه عليه أنّ الموجب للتزاحم بين دليلي النصابين إن كان هو هذا، فلا شكّ في إمكان رفعه بالالتزام بتحكيم كلا الدليلين في عرض واحد، بأن يقال بوجوب خمس شياه و بنت مخاض- معا- في عرض واحد، و لا محذور في ذلك، هذا مع اشتراك كلا النصابين في الحول، و امّا في مثل المقام، الّذي يكون حول أحد النصابين فيه مقدّما على الآخر، فيمكن رفع ذلك أيضا، بالالتزام بإخراج المالك القيمة بدلا عن فريضة النّصاب الأوّل «1».

هذا، مضافا إلى عدم تماميّته فيما لو فرضناه مالكا لسبع و عشرين إبلا، مثلا، فإن تحكيم دليل النّصاب السابق فيه- حينئذ- لا يكون رافعا لموضوع وجوب فريضته اللّاحق أصلا، إذ يبقى عنده بعد ذلك ما هو ملك طلق، بمقدار النّصاب اللّاحق، و هو ستّ و عشرون إبلا.

ب) إنّ ملاك التزاحم هو تحقّق المقتضي لكلا الحكمين، مع عدم إمكان الجمع بينهما ذاتا أو عرضا، بخلاف التعارض الّذي ملاكه هو تحقّق المقتضي لاحدهما، لأجل العلم بكذب أحدهما، و في المقام، بما أنّ المقتضى لكلا الحكمين متحقّق، و إنّما المانع عن تحقّقهما و فعليّتهما معا في المجمع، هى جهة خارجيّة،

و ذلك لزوم تزكية المال الواحد من وجهين في عام واحد، و هو غير ثابت في الشريعة- كما مرّت الإشارة إليه- و عليه، فيكون المقام- لهذه الجهة- من موارد التزاحم، و

______________________________

(1)- فتأمّل، فإنّ نفس وجوب خمس شياه ممّا يوجب عدم كون مجموع الإبل ملكا طلقا، و هو معتبر في وجوب الزكاة، فارتفاع الموضوع بنفس الوجوب، لا بالامتثال و العمل، حتى يتمّ ما أفيد (منه عفي عنه).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 370

..........

______________________________

لا بدّ من الأخذ فيه بمرجّحات باب التزاحم.

و يتوجّه عليه: أنّ أصل المبنى و إن كان ممّا لا نمنع من الالتزام به، كما حرّرناه في محلّه من بحث الأصول، غير أنّ تطبيقه على مورد البحث ممّا لا يخلو عن إشكال، و ذلك لأنّ الطريق إلى إحراز المقتضي في متعلّقات الأحكام الشرعيّة منحصر بالأدلّة المتكفّلة بإثبات تلك الأحكام، بمعنى أنّه إذا كان مؤدّى الدليل حكما فعليّا، استكشفنا منه- بمقتضى ما بنى عليه أهل العدل، من تبعيّة الأحكام للمصالح و المفاسد- وجود المقتضي في متعلّقه، أو في نفس الجعل، على اختلاف الموارد. و لازمه هو عدم إمكان استكشاف المقتضي في المقام، فإنّه ممّا لا يمكن فيه فعليّة كلا الحكمين، كي نستكشف منه تحقّق المقتضي لكليهما. نعم، يتوقّف استكشافه في المقام على الأخذ بإطلاق المادّة، بأن يقال: إذا تزاحم وجوب إكرام العلماء مع وجوب إنقاذ الغريق- مثلا- كان مقتضى اطلاق المادّة، و هو «الإكرام»، كون الإكرام المزاحم لإنقاذ الغريق- أيضا- واجدا للملاك، كما أنّ مقتضى إطلاق «الإنقاذ» هو وجود الملاك في الإنقاد المزاحم للإكرام إلّا أنّ الأخذ بإطلاق المادّة غير صحيح، لاختصاصه بما إذا كان اعتبار القدرة عقليّا، لا شرعا، كما في

المقام، كما حرّر ذلك في محلّه، و قد فصّل القول فيه شيخنا المحقّق النائيني قدّس سرّه في بحث الأصول «1»، و عليه، فلا طريق لنا- إذن- إلى استكشاف المقتضي في المقام، كي بحكم باندراجه تحت كبرى التزاحم.

و على الإجمال، نحن لا نتحاشى عن التصديق بأنّ التزاحم في الأحكام كالتزاحم في الامور التكوينيّة إنّما يكون مورده ما إذا كان المقتضي لكلّ من المتزاحمين موجودا، إلّا أنّ تطبيقه على خصوص المقام ممّا لا يخلو عن إشكال،

______________________________

(1)- الخوئي، السيد ابو القاسم: أجود التقريرات، ج 1: ص 266، ط الثانية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 371

..........

______________________________

كما عرفت. هذا ما يرجع إلى منع الصغرى.

2- هو منع الكبرى، فلما أوضحناه في محلّه من بحث الاصول «1»، من أنّ الأسبقيّة الزمانيّة لا تكون من المرجّحات فى باب التزاحم أصلا. فلاحظ.

رابعها: إنّ المورد من موارد التعارض، و لكن يؤخذ فيه بدليل النّصاب السّابق، و إمّا للترجيح، أو للتخيير بعد فرض تكافؤهما.

و قبل التعرض لتحقيق الكلام في هذا الوجه، و أنّه هل هناك معارضة أو لا، يجدر بنا التنبيه على شي ء، و هو أنّ صريح عبارة «المستند»، و ظاهر عبارة شيخنا العلامة الانصاري قدّس سرّه في «الرسالة» إنّما هو فرض المعارضة بين دليل النّصاب اللاحق و بين ما دلّ على عدم إمكان تزكية المال من وجهين في عام واحد، و أليك نصّ عبارة الأخير منهما، قال رحمه اللّه: «و حينئذ، فلا اشكال في وجوب تبيع، إذا حال حول الثلاثين (كما في مفروض المثال المتقدّم)، و إنّما الإشكال فى مبدأ حول الأربعين، هل هو من حين الزّيادة، فيجب المسنّة في المثال المفروض بعد مضيّ ستّة أشهر من حول الثلاثين، لحلول حول

الأربعين؟

أو هو من حين كمال حول الثلاثين، لأنّ الثلاثين في حولها متعلّقة لزكاة ذلك الحول ...- إلى أن قال:- فلو تعلّق بها شي ء بعد ستّة أشهر، لزم تعلّق الزكاة بها في سنة مرّتين، و يردّه قوله عليه السّلام في رواية زكاة القرض على المقترض: «أنّه لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد «2»»، و هي ظاهرة فيما ذكرناه، فإنّه قدّس سرّه نفي الإشكال في صدر العبارة عن وجوب الأخذ بنصاب الأمّهات بعد تمام حولها،

______________________________

(1)- الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الأصول/ تقرير بحث سيّدنا الأستاذ- دام ظلّه-، ج 3: ص 53.

(2)- الانصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ص 438، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 372

..........

______________________________

و إنّما اعتبر الإشكال في مبدأ حول المجموع، من جهة أنّ فرض مبدأ الحول للمجموع من حين الزيادة يستلزم تنافي دليل النصاب اللّاحق، مع ما ورد في رواية زكاة القرض على المقترض.

و هذا منه قدّس سرّه عجيب، فإنّه يعتبر المؤسّس لفنّ الأصول، و المنقّح لمبانيه و مسالكه، و بطبيعة الجال الجري على ما أسّسه قدّس سرّه في هذا الفنّ يقتضي منه فرض المعارضة بين دليلي كلّ من النّصابين و بين ما ورد فى رواية زكاة القرض، كما لا يخفى. و أمّا الجواب عن أصل الاستدلال- مع قطع النظر عن هذه الملاحظة البسيطة- فسيظهر لك ذلك- إن شاء الله تعالى- عند تقريب الوجه المختار في المسألة.

الرابع:

ما احتمله شيخنا المحقّق الهمداني قدّس سرّه في تضاعيف كلماته «1»، و هو أنّ المالك لو كان عنده ستّ و عشرون إبلا من أوّل الحول، و بعد ستّة أشهر زادت الإبل بحيث بلغ المجموع ستّا و ثلاثين إبلا، وجب عليه- بعد

تمام حول الأمّهات- نصف ابنة مخاض، و أمّا النّصف الآخر منها، فهو مراعى باختلال شرائط فعليّة النصاب اللّاحق، فإن اختلّ ذلك في أثناء الحول، كشف عن كون الواجب- بعد تمام حول الأمّهات- هو بنت مخاض، و إلّا وجب عليه- بعد تمام حول المجموع من حين الزيادة- ابنة لبون، ففي مفروض المثال، يجب عليه إخراج نصف ابنة مخاض و ابنة لبون.

قلت: هذا الوجه مبنيّ على الأخذ بالمدلول التضمّني في مقام الجمع بين

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 32، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

الدليلين المتعارضين، فإن ما دلّ على وجوب ابنة مخاض في ستّ و عشرين بعد تمام الحول، دالّ بالتضمّن على وجوب نصفها في نصف الحول، إذ المفروض أنّه كان مالكا لستّ و عشرين الى نصف الحول، و هو مبدأ الزيادة، و قد عرفت- في جواب القول الثاني المنسوب إلى العلّامة رحمه اللّه- فساد ذلك، و أنّ المدلول التضمّني تابع في الحجيّة للمدلول المطابقي، فإذا سقط المدلول المطابقي لكلّ من دليلي النّصابين بالمعارضة، لم يكن هناك مجال للأخذ بالمدلول التضمّني و يجعل ذلك شاهدا للجمع بين المدلولين المطابقيّين.

و بكلمة أخرى، مقتضى المعارضة سقوط المدلول المطابقيّ لكلا الدليلين عن الحجّية، و هو يستلزم عدم حجيّة المدلول التضمّني أيضا، و حينئذ فكيف يؤخذ به في مقام المعارضة، و يجعل شاهدا للجمع بين المتعارضين، كما لا يخفى.

الخامس:

أن يؤخذ بنصاب الأمّهات بعد تمام حولها، و بنصاب المجموع أيضا بعد تمام حولها من حين الزيادة، فيؤخذ بكلا النصابين. و قد نسبه شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه إلى بعض مشايخه المعاصرين، قال: «و من الغريب ذهاب بعض

مشايخنا المعاصرين إلى هذا الاحتمال، قال: لا أرى له مبطلا، و لا إجماع على خلافه، و إن لم يصرّح أحد باختياره ... «1»». و هذا هو المتعيّن ظاهرا، و يبتني ذلك على دفع التعارض بين دليلى النصابين، ليمكن الأخذ بهما معا، كما هو مقتضى الوجه المذكور، فنقول:

إنّ وقوع المعارضة بينهما إنّما نشأ من ورود ما دلّ على عدم التعدّد في

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة الزكاة، ص 438، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 374

..........

______________________________

الصّدقة، من قوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا ثنى في الصّدقة «1»»، و قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد «2»»، أمّا الرّواية الأولى فلم نعثر عليها بالمقدار الّذي أمكننا الفحص عنه في مظانّها «3». و أمّا الثانية، فهى صحيحة زرارة أو حسنته- بابن هاشم- قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: «رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته على المقرض أو على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها- إن كانت موضوعة عنده حولا- على المقترض. قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟! قال: لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدّافع شي ء، لأنّه ليس في يده شي ء- الحديث «4»».

و يتوجّه على ذلك: أنّ الاستدلال بالرّواية للمقام في غير محلّه، فإنّ الرّواية أجنبيّة عن ذلك، إذ أنّها ليست بصدد بيان حكم تعبّدي، و أنّ المال الواحد، في عام واحد، لا يزكّى بعنوانين، و إنّما الظاهر منها كونها بصدد بيان أمر واقعي، و هو أنّ المال الواحد لا يزكّى من مالكين في عام واحد، بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، باعتبار عدم إمكان فرض مالكين له في

عام واحد، فالمراد بالوجهين في الرواية ليس هما العنوانان، بل المراد بذلك المالكان، أو ما يرجع إليه، كالمكانين، و نحوهما، و يشهد بذلك مورد الرواية، فإنّ من المعلوم لدى كلّ أحد يعرف شيئا ما من أحكام الشريعة أنّ الزكاة غير واجبة إلّا على المالك، و أنّه

______________________________

(1)- ذكرنا مصدر الحديث في هامش صفحة 360. لكن الرّواية- مع ذلك- لا اعتبار بها، لكونه مرسلة عاميّة، بل و حتّى على تقدير كونها مستندة، لكونها عامّية. فلاحظ.

(2)- ذكرنا مصدر الحديث في هامش صفحة 360.

(3)- ذكرنا مصدر الحديث في هامش صفحة 360.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب الزكاة عليه و من لا تجب عليه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 375

..........

______________________________

لا مجال لوجوبها على غير المالك أبدا، لا في عام واحد و لا في عامين. و حينئذ فحمل قوله عليه السّلام: «لا يزكى المال ...» على نفي زكاة المال، من جهة عنوان كونه مال المقترض، و من جهة المقرض في عام واحد يكون في غير محلّه، فإنّ عنوان المقرض ليس بالوجه و العنوان المحتمل كونه موجبا للزكاة في الشّريعة أصلا، كي تكون الرواية نافية لوجوب إخراج الزكاة من هذا الوجه، منضما إلى الإخراج من وجه آخر، و هو كونه مال المقترض، فان المقرض لا مال له إلّا في ذمّة المقترض، و لا يمكن تعلّق الزكاة بذلك و العين الموجودة هي ملك المقترض، كما هو المفروض.

و مع التنزّل عن ذلك، فالاستدلال بالرواية للمقام، و هو ما إذا لزم فيه من الأخذ بدليلي النصابين، الزكاة من وجهين في بعض العام الواحد- كالنّصف الثاني من حول الأمّهات فى مفروض مثالنا المتقدّم-

لا في تمام العام الواحد، موقوف على أن يكون لها إطلاق يشمل مورد الاشتراك في بعض العام أيضا، و هو ممنوع منه، و إثباته في غاية الإشكال، فإنّ غاية ما تدلّ الرّواية عليه هو نفي الزكاة من وجهين في تمام العام الواحد، و لا إطلاق لها يشمل ما إذا كانت الزكاة من وجهين فى بعض العام الواحد، كنصف السنة، كما فى المقام.

هذا كلّه على تقدير أن يراد بالعام في الرواية الحول المعتبر في وجوب الزكاة بأن تكون كلمة «فى» بمعنى لام السببيّة، فتدلّ على نفي الزكاة من وجهين لأجل حول واحد، كما فهمه المشهور، و أمّا إذا حملت الرواية على معنى آخر، بأن يكون المراد بها نفى الوجوبين- أي وجوب إخراج الزكاة من وجهين- في عام واحد، بحيث يكون العام الواحد ظرفا لوجوبين، فحينئذ و إن تمّ الاستدلال بها للمقام، فإنّه على تقدير الأخذ بنصاب الأمّهات بعد تمام حولها، و الأخذ بنصاب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 376

..........

______________________________

المجموع، من حين الزيادة، حوله بعد تمام حوله لزم من ذلك اجتماع وجوبين في عام واحد، أحدهما وجوب فريضة نصاب الأمّهات، و الآخر وجوب فريضة نصاب المجموع، فقد وجب عليه زكاتان في عام واحد، بمعنى أنّ الوجوبين اجتمعا في عام واحد، و هو ما تنفيه الرواية على هذا الاحتمال.

إلّا أنّ حمل الرواية على هذا المعنى خلاف الظاهر جدّا، فإن أحدا من الفقهاء- قدّس اللّه أسرارهم- لم يذهب إلى الاحتمال المذكور، و إنّما حملوا الرواية على المعنى الأوّل، و لذلك التزموا بالتعارض أو التزاحم في المقام، مضافا إلى بعض الشواهد الأخر القائم على خلاف الاحتمال المذكور. على أنّك قد عرفت آنفا كون الرواية بملاحظة

موردها أجنبيّة عن المقام، و إلّا لما انطبق الكلام المذكور، و هو قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال على مورد السؤال في الرواية. فلاحظ.

و المتحصّل من ذلك أنّه- بعد كون الرّواية أجنبيّة عن محلّ الكلام كما عرفت- لا يبقى مجال لاحتمال التعارض أو التزاحم بين الدليلين في المقام، و عليه فيؤخذ بكلا الدليلين، فالصحيح- إذن- هو الوجه الخامس، فتدبّر و تأمّل.

ثم إنّ بعض الأعلام «1»- أدام اللّه ظلّه- ذكر في المقام، ما حاصله أنّ الالتزام بالتعارض أو التزاحم بين النصابين لا يوجب رفع اليد عن الأخذ بالنّصاب السابق و طرح اللّاحق في محلّ الكلام، و هو ما إذا حصلت الزيادة في أثناء الحول، و ذلك لأنّ التزاحم أو التعارض إنّما يكون إذا كان الحولان لكلّ من النّصابين متباينين، و أمّا مع فرض الاشتراك بينهما، كما في محل الكلام، حيث أنّ النصاب الأوّل يشترك مع الثاني في نصف الحول- و هو النصف الثاني من حول الأمّهات، الّذي يعتبر النصف الأوّل بالإضافة إلى حول المجموع- فالمدار فيه

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 108- 109، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 377

..........

______________________________

على النّصاب الأوّل، بمعنى أنّ المعتبر عرفا إنّما هو التطبيق الأوّل، و هو انطباق دليل النّصاب السابق، و لا يرى العرف تعارضا أو تزاحما بين التطبيق المذكور و بين تطبيق النصاب الثاني أصلا.

و الشاهد على ذلك، أنّا لو فرضناه مالكا لخمس من الإبل فى أوّل شهر محرّم ففي رأس المحرّم الثاني- مثلا- يجب عليه شاة، لصدق حولان الحول عليها، و بعد شهر، بل بعد ساعة من رأس المحرّم الثاني يصدق عليه أنّها خمس من الإبل حال عليها

الحول فيجب فيها الزّكاة، و هكذا ...، أ فهل يرى العرف تعارضا أو تزاحما بين هذه التطبيقات، او أنّه يأخذ بالتطبيق الأوّل، و هو رأس المحرّم الثاني، و يحكم عليه بوجوب شاة واحدة؟ الظاهر من حال العرف هو الثاني، و ليس ذلك إلّا من جهة أنّ التطبيق الأوّل لا يبائن الثاني في الحول، و إنّما يشترك معه، و أنّ في مثله يكون المتعيّن هو الأخذ بالأوّل، دون مثل المتباينين الّذي يتحقّق به التعارض أو التزاحم بين التطبيقين. ثمّ قال ما لفظه: «و كأنّه إلى ذلك أشار في «الجواهر» بقوله رحمه اللّه: و لظهور أدلّة النّصاب المتأخر ...».

و يتوجّه عليه: أنّ مراده- دام ظلّه- ممّا استشهد به، إن كان هو صدق حولان الحول بعد كلّ شهر أو ساعة، بمعنى أنّه بعد هلال المحرّم الثاني يصدق عليه في كلّ ساعة أنّه مال، حال عليه الحول من المحرّم الأوّل إلى الثاني، فيردّه أن الثابت في محلّه في بحث الأصول هو أنّ الظاهر من الأمر بشي ء مترتّبا على موضوعه، إنّما هو كون المأمور به الطبيعيّ، بنحو صرف الوجود، فإذا قال: «أكرم زيدا إن جاءك»، كان متعلّق الأمر هو طبيعيّ الإكرام، بنحو صرف الوجود، المتحقّق بأوّل وجود، بحيث يكون هناك حكم واحد متعلق بالطبيعيّ على الوجه المذكور، بخلاف النّواهي فإنّها ظاهرة في انحلال النهي بعدد أفراد الموضوع، على الخلاف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 378

..........

______________________________

هناك في تعليل الاستظهار المذكور فبعضهم استند فيه إلى وجه عقليّ، و بعضهم إلى وجه آخر، و كيف كان، فالثابت هناك هو أنّ المتعلّق في باب الأوامر إنّما هو الطبيعيّ الملحوظ بنحو صرف الوجود، و عليه، ففي المقام، بعد تحقّق الموضوع-

و هو حولان الحول- يكون الحكم الفعليّ المترتّب عليه واحدا، و هو وجوب الزكاة، بنحو صرف الوجود، و حينئذ فعدم تعدّد الوجوب بتعدّد التطبيقات، من حيث صدق حولان الحول عليه في كلّ ساعة، تجب عليه الزكاة بوجوب آخر غير الوجوب الأوّل و هكذا ...، إنّما هو من جهة إحراز وحدة الحكم المترتّب على موضوعه، و لا دخل له بما أفاده- دام ظلّه.

و إن كان المراد بما أفاده معنى آخر، بأن يقال: إنّه يصدق على المال المذكور في رأس المحرّم الثاني حولان الحول، باعتبار كون المال ملكا له من أوّل المحرّم الأوّل، فإنّ هذا يعدّ تطبيقا للدّليل الحاكم بوجوب الزكاة في المال البالغ حدّ النصاب، و قد حال عليه الحول أيضا. و هناك تطبيق آخر للدّليل المذكور بعد مضيّ ساعة على هلال المحرّم الثاني، حيث يصدق حولان الحول أيضا، باعتبار فرض مبدأ الحول بعد مضيّ ساعة من أوّل المحرّم الأوّل، فإنّ تمام مثل هذا الحول إنّما يكون بمضيّ ساعة على رأس المحرّم الثاني، فيحكم بوجوب الزكاة ثانيا، و هكذا الحال بالإضافة إلى الساعات المتتالية ...

فيردّه أنّا إذا فرضنا انّ المولى العرفي الذي من تجب إطاعة أو أمره، حكم بأنّ: «كلّ من بقي فى البلد الفلاني سنة كاملة وجب إعطائه درهما»، فجاء زيد إلى ذلك البلد أوّل يوم من شهر محرّم مثلا، و أقام فيه إلى أوّل المحرّم من السنة الآتية، فلا شكّ في كون مثل هذا الشخص موضوعا لوجوب إعطاء الدرهم، و إذا مضت عليه ساعة بعد ذلك، أيضا يصدق عليه أنّه بقي في البلد المذكور سنة،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 379

..........

______________________________

فيجب إعطائه الدرهم، و هكذا ...، أ فهل من الأمر

المعقول القول بوجوب إعطائه الدرهم تلو الدرهم باعتبار كلّ ساعة تلو السّاعة؟!، بل باعتبار مضيّ زمان أقلّ من الساعة أيضا؟!، لا يظنّ بأحد أن يقول بذلك، و السّر في عدم المعقوليّة هو أنّ العرف يرى في مثل ذلك لزوم تبائن الحولين، بمعنى أنّ البقاء حولا كاملا إنّما يكون موضوعا مستقلا للحكم المذكور في فرض مباينته للحول الآخر، و أمّا مع اشتراكه معه فليس هناك إلّا موضوع واحد، و عليه، فلا مناص من القول بلزوم تبائن الحولين فى مثل المقام، و عدم كون الحولين المشتركين موضوعين مستقلّين. هذا هو الحال بالإضافة الى الدليل الواحد.

و أمّا مع فرض تعدّد الدليل، كما إذا فرضنا أنّ المولى أمر- في مفروض المثال- بإعطاء الدّرهم لكلّ من بقي سنة، و باعطاء درهمين لكلّ من اشتغل طول السّنة بطلب العلم في البلد المذكور، فبقي زيد فيه ستّة أشهر بلا اشتغال، ثمّ بعد ذلك اشتغل بطلب العلم إلى سنة كاملة، بحيث كان مدّة مكثه في البلد المذكور سنة كاملة و نصف سنة، و لكنّه كان في نصف سنة غير مشتغل بطلب العلم، فهل هذا لا يستحقّ إلّا درهما واحدا باعتبار سبق انطباق الأمر الأوّل عليه، إذ يصدق عليه- بعد مضي سنة على بقائه- أنّه بقي سنة فيجب إعطائه درهما فقط، و أمّا صدق بقائه فيه سنة مع الاشتغال، فهو متأخّر عن ذلك بستّة أشهر؟ أو أنّ له المطالبة بالدّرهمين، باعتبار بقائه سنة مع الاشتغال؟ الظاهر أنّه لم يثبت من العرف في مثل المقام اعتبار المغايرة بين الحولين، بحيث يؤخذ- مع فرض الاشتراك في السنة- بالتطبيق الأوّل. و من المعلوم أنّ محلّ كلامنا في المسألة إنّما هو من هذا القبيل، دون المثال الأوّل.

و على

الإجمال، لم يثبت من العرف اعتبار المباينة بين الحولين في تحقّق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 380

و يلحق بهذا القسم- على الأقوى (148)- ما لو كان الملك الجديد نصابا مستقلا و مكمّلا للنّصاب اللاحق، كما لو كان عنده من الإبل عشرون، فملك في الاثناء ستّة أخرى. أو كان عنده خمسة ثمّ ملك أحد و عشرين. و يحتمل إلحاقه بالقسم الثاني.

______________________________

الموضوعين للحكمين، بل الظاهر أنّهم يحكمون بتحقّق موضوع كلّ من الحكمين في مفروض المثال، حتّى مع فرض الاشتراك في الحولين، كما لا يخفى.

(148) ذكر الفقيه الهمداني «1» قدّس سرّه في المقام احتمالين:

أحدهما- احتمال إلحاق هذا القسم بالقسم الثاني، بأخذ حول مستقل للزّائد من حين الزّيادة، نظرا إلى أنّ انضمام كلّ من الأصل الى الزائد- المفروض كونه نصابا مستقلا و كونه مكمّلا مع الأصل للنّصاب اللّاحق- إنّما يوجب سقوط كل من النّصابين عن الاستقلاليّة، فيما إذا كان النصاب اللّاحق، المكمّل بضمّ الزائد إلى الأصل، جامعا لشرائط التأثير بالفعل، و أمّا إذا لم يكن كذلك، فلا مانع من تأثير كلّ من الجزءين عند حولان الحول عليه. فإذا فرضنا الأصل ستّة و ثلاثين إبلا، و الزائد أحد عشر، كان حولان الحول على الأصل موجبا لفعليّة فريضته، و هي ابنة لبون، كما أنّ حولان الحول على الزّائد يوجب فعليّة فريضته، و هي شاتان، فإنّ في كلّ خمس من الإبل شاة. نعم، إذا كان الكلّ- و هو ستّ و أربعون- جامعا للشرائط بالفعل، منع ذلك عن تأثير كلّ من الأصل و الزّائد في

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 33، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1،

ص: 381

..........

______________________________

فريضته بالاستقلال.

و الأخر- احتمال إلحاقه بالقسم الثالث، نظرا إلى أنّ العشرة بعد الستّ و العشرين لا تكون فريضتها شاتين، بحيث لو كان له ستّ و ثلاثون مثلا، كان عليه بنت مخاض، و شاتان. و الحاصل، إنّه متى اندرج الكلّ تحت نصاب كان المدار عليه، و لا عبرة حينئذ بفريضة ما اندرج تحته من الأجزاء، و حينئذ فلا يعطي للعشرة بعد ستّ و عشرين، أو ستّ و ثلاثين شاتين، كما يشهد به العفو عن الخمس بعد الستّ و عشرين، فإنّ ذلك دليل على أنّ الخمس إنّما يكون نصابا في الإبل قبل بلوغها الستّ و عشرين.

فإن قلت: مقتضي هذا الوجه إنّما هو سقوط حول الأصل أيضا، و أخذ الحول للمجموع من حين الزيادة، إذ المفروض عدم الاعتبار بفريضة الأجزاء، بعد فرض اندراج الكلّ تحت نصاب مفروض له في الشريعة شي ء معيّن، فكيف يعطى فريضة الأصل بعد تمام حوله؟!

قلت: هذا صحيح، إلّا أنّ المستفاد من قول الشارع- بعد بيان النصب-: «و كلّ ما لم يحل عليه الحول فلا شي ء عليه» هو أنّ المراد بالأعداد الّتي وضعت الزكاة عليها هي الأعداد الّتي حال عليها الحول، فالاصل- و هو ستّ و ثلاثون- و إن اندرج مع الزّائد تحت عدد ستّ و أربعين، إلّا أنّ هذا العدد ليس بموضوع لوجوب الزكاة قبل حولان الحول عليه، فهو قبل ذلك لا يكون بنصاب، كي يصدق عليه أنّ الكلّ مندرج تحت النصاب، حتّى تكون العبرة بفريضة هذا النصاب دون فريضة نصاب الأجزاء. و عليه، فيؤخذ بنصاب الأصل في الحول الأوّل، ثم يعتبر بعد ذلك حولا للمجموع، و بعد تمامه يؤخذ بنصاب الكلّ، كما هو الحال في القسم الثالث. هذا ما أفاده قدّس

سرّه لعلّه بتوضيح و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 382

..........

______________________________

تغيير، بحيث يتّضح ارتباطه بالكلام و انطباقه على المقام.

قلت: ما أفاده قدّس سرّه في المقام في وجه الحاق هذا القسم بالقسم الثالث- كما هو المختار عنده- لا يخرج عن كونه مجرّد دعوى بلا دليل و لا شاهد عليه، فمن هو الذي قال لنا: بأنّ العشرة بعد ستّ و عشرين، أو ستّ و ثلاثين لا تكون فريضتها شاتان، كما كان هو الحال فيهما قبل بلوغ الإبل ستّا و عشرين؟! و الصحيح أن يقال: إنّه لا إشكال في أنّ الخمسة بعد الستّ و عشرين- و نعني بالخمسة هنا ما دون العشرة- عفو، لقوله عليه السّلام، بعد بيان النصاب الخامس الإبل:

«فإذا زادت واحدة، ففيها ابنة مخاض، إلى خمس و ثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين، ففيها بنت لبون- الحديث «1»»، فيعلم من ذلك أنّ العدد بعد ستّ و عشرين، إلى خمس و ثلاثين، عفو، و أمّا الستّ و ثلاثين فالواجب فيها هو ابنة لبون، فهل وجوب ابنة لبون في ذلك يدلّ على عدم الاعتناء بالعشرة- بما هو كذلك- بعد الستّ و عشرين، بحيث إنّه ليس له أن يعطي شاتين، فيما لو كان لها حول غير حول الستّ و عشرين، و إنّما كان اللّازم هو إعطاء ابنة لبون للمجموع، أو لا يكون دليلا على ذلك؟ و الكلام كلّه يتمحّض في إثبات هذه الدلالة، فإن ثبت كان مقتضى القاعدة هو الإلحاق بالقسم الثالث، و إلّا فبالقسم الثاني.

و قد تصدّى الفقيه الهمداني قدّس سرّه لبيان قرينة تثبت الدلالة المذكورة، و حاصلها بتوضيح أنّ هذه الرّواية و ما

يشبهها لو لم تدلّ على عدم الاعتناء بالعشرة بعد ستّ و عشرين، بما هي عشرة، لزم منه تنزيل ما دلّ على أنّ في ستّ و عشرين بنت مخاض، و في ستّ و ثلاثين بنت لبون، و في ستّ و أربعين حقّة ...

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 383

..........

______________________________

و نحو ذلك «1»، أو مثل قوله عليه السّلام: «فإذا كثرت الإبل، ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون «2»»، و ما شاكل ذلك، على فروض نادرة التحقّق، و هي ما لو دخلت الجميع في ملكه دفعة واحدة، و إلّا فلو كان قد ملكها بالتدريج- كما هو المتعارف- لم يتحقّق مصداق لهذه الفروض إلّا نادرا، و ذلك، لأنّه لو كان ملكها تدريجا لاستقل كلّ خمس- مثلا- بفريضته، و هي شاة، فلو ملك في كلّ أسبوع- مثلا- خمسا أو ستّا، أو عشرا، أو خمس و عشرين حتى اجتمع عنده على النحو المذكور ألف إبل- مثلا- لم تكن فريضتها إلّا شياه، بعدد كلّ خمسة ملكها على التّدريج، عند تمام حول كلّ منها، و هذا- مضافا إلى ما تقدّم من لزوم حمل النصوص على فروض نادرة خارجا- خلاف ما جرت عليه السّيرة قطعا، إذ لم يعهد من الجباة و المصدّقين أن يؤمروا بأخذ الزكاة بالتّدريج على النحو المذكور. و هذه القرينة لا بأس بها، و مقتضاها دلالة النصوص المتقدّمة على عدم الاعتناء بالعشرة بما هي- بأن يؤمر باخراج شاتين، لكلّ خمسة منها شاة- فيما لو ملك العشرة في أثناء الحول، بعد أن كان مالكا لست و عشرين إبلا، كما لا يخفى

ذلك على المتأمّل.

ثمّ إنّ بعض الأعلام «3»- دام ظلّه- قوّى إلحاق الفرض المتقدّم بالقسم الثاني دون الثالث عملا بإطلاق دليل النصاب الخامس، في فرض ما إذا كان مالكا عشرين من الإبل في أوّل محرّم، و في أوّل رجب ملك سبعا من الإبل مثلا. و هذا عجيب، فإنّ الإطلاق حاله حال الأصل الأوّلي في المسألة، حيث لا يصحّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الأنعام.

(2)- نفس المصدر.

(3)- الحكيم، السيد محسن رحمه اللّه: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 110، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 384

[مسألة 14: لو أصدق زوجته نصابا، و حال عليه الحول]

[مسألة 14]: لو أصدق زوجته نصابا، و حال عليه الحول، وجب عليها الزّكاة (149).

______________________________

الاكتفاء به من دون فحص عمّا يوجب تقييده، و قد عرفت ما يقيّد به الإطلاق المذكور. فلاحظ.

ثمّ إنّ هذا كلّه مبنيّ على القول في القسم الثالث بعدم الأخذ فيه بكلا النصابين، و إلّا فعلى القول بالأخذ بهما- كما هو المختار على ما تقدّم بيانه- فلا ينبغي الإشكال في الأخذ بكلا النصابين في المقام، بمعنى أنّه بعد تمام حول الأصل- و هو ستّ و ثلاثين على الفرض- يعطى ابنة لبون، و بعد تمام حول الزائد- و هو عشرة- يعطي شاتين. فلاحظ، و تأمّل.

(149) بلا خلاف فيه و لا إشكال، كما في «الجواهر «1»» فإنّ النصاب ملك للزّوجة، فيجب عليها الزكاة، كما تجب على سائر أموالها إذا كان بنت زكويّة، و على سائر الملّاك. و إنّما وقع التعرّض منه قدّس سرّه للمسألة كغيره، مع أنّها- كما يبدو في بادى النظر- لا تستحقّ العناية بالذكر، نظرا إلى ما قد يتوهّم فيها من عدم وجوب الزكاة، لأجل كون الملك فيها متزلزلا

غير مستقرّ، باعتبار أنّ المرأة غير المدخول بها إذا طلّقت، استحقّت نصف، فإذا كان صداقها نصابا- كأربعين شاة مثلا- و حال عليها الحول، و المفروض عدم دخول الزوج بها، فحيث أنّ ملكها للنصاب متزلزل، لأنّها لو طلّقت لم تملك إلّا نصف النصاب المذكور، و يعتبر في

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 146، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 385

و لو طلّقها بعد الحول، قبل الدّخول، رجع نصفه إلى الزّوج، و وجب عليها زكاة المجموع في نصفها (150).

______________________________

وجوب الزكاة الملك المستقرّ للنّصاب. و الحاصل، أنّ ملك النّصاب متزلزل لكونه في معرض رجوع نصف منه إلى الزوج بالطلاق قبل الدخول.

هذا، و يندفع التوهّم المذكور، بأنّ ملك الزوجة غير المدخول بها- قبل طلاقها- لتمام المهر ملك طلق، مستقرّ، و هذا لا ينافي رجوع نصف المهر إلى الزوج إذا طلّقها قبل الدخول بها، فإنّ ذلك تملك جديد منه- اى الزوج- لنصف المهر، لا أنّه زوال لملكيّة الزوجة لنصف المهر. و عليه فلا وجه لعدم وجوب الزّكاة عليها، فيما إذا حال على المال الحول، و لم تكن بعد مدخولا بها، كما هو ظاهر.

(150) أمّا رجوع نصف المهر- و المقصود تملّك الزوج لنصفه- فممّا لا إشكال فيه، كما أنّ وجوب زكاة المجموع عليها- أيضا- ممّا لا ينبغى الإشكال فيه، لأنّه حال على النّصاب الحول و هو في ملكها، فوجبت الزكاة عليها، و خروج نصف النّصاب عن ملكها بعد وجوب الزكاة عليها لا يرفع وجوب الزّكاة عنها، و حينئذ فعلى الزوجة إخراج مجموع الزكاة من النصف الرّاجع إليها كما هو ظاهر.

نعم، قد يقال بوجوب أخذ نصف الزكاة من النصف الراجع إلى

الزّوج، و بعد إخراجه للنّصف المذكور- أي نصف الزكاة- يرجع الزوج على زوجته المطلّقة بما أخذ منه. حملا للمسألة على ما إذا باع أحد الشريكين نصف المال

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 386

..........

______________________________

المشاع بينه و بين شريكه، حيث إنّه ذهب بعضهم في المسألة المذكورة إلى أنّه يحمل النّصف فيه على النصف المشاع بين حصّتي الشريكين، فيكون المبيع هو نصف حصّة كلّ من الشريكين، و هو ربع المجموع، و يكون البيع بالنسبة إلى نصف حصّة الشريك فضوليّا.

و يتوجّه عليه أنّ الحكم في المقيس عليه غير واضح، فإنّه مبنيّ على اعتبار المبيع هو النّصف المملوك للبائع، و حيث أنّ كلّ جزء من المال يكون نصفه- بنحو الإشاعة- مملوكا للبائع، فلا محالة يكون المبيع مشاعا بين حصّته و حصّة الشريك الآخر. و لكنّ المبنى غير تامّ، فإنّ المبيع إنّما هو نصف المال، لا بوصف كونه مملوكا، و هو ينطبق على النّصف المملوك له لا محالة. نعم، في مقام تسليم المبيع، و إفراز الحصّة المبيعة لا بدّ من رضا الشريك الآخر به، و هذا أجنبيّ عن كون المعاملة على النصف فضوليّا بالإضافة إلى حصّة الشريك الآخر.

و على فرض التسليم بالمبنى، فقياس المقام به قياس مع الفارق، فإنّه- في المقام- لا يجب على المالك إعطاء الزكاة من عين المال، بل يجوز له إخراجها من مال آخر، فاذا أخرجت الزوجة شاة زكاة من النصف الرّاجع إليها، كان ذلك بمنزلة إخراج الزكاة من غير العين، فإنّ المملوك للفقراء، أو ما هو المتعلّق لحقّهم كان هو جزء من أربعين جزء من كلّ شاة، بما في ذلك الشياه الّتي أخذها الزّوج و هذا بخلاف مسألة بيع الشريك حصّته المشاعة،

فإنّه لا بدّ من دفع عين المال المبيع.

هذا إذا كان الطلاق قبل إخراج الزّكاة، و أمّا إذا كان بعد إخراجها من عين المال الزكويّ المجعول صداقا، كما إذا كان صداقها أربعين شاة، فأخرجت الزوجة منها شاة بعنوان الزكاة، فحيث كان المفروض هو جعل العين الشخصيّة صداقا،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 387

و لو تلف نصفها، يجب إخراج الزكاة من النصف الّذي رجع إلى الزوج (151)، و يرجع- بعد الإخراج- عليها بمقدار الزكاة. هذا إذا كان التلف بتفريط منها.

______________________________

فلا محالة يشترك الزوج مع الزوجة- بعد طلاقها- في كلّ شاة شاة بنحو الإشاعة، فإذا طلّقها و وجد العين- و هي الشاة التى أخرجتها الزوجة زكاة- تالفة، بإخراجها زكاة، كان للزّوج الرّجوع في حصّته منها إلى القيمة، أو المثل، إذا كان مثليّا.

(151) بعد فرض رجوع نصف المال الزكويّ إلى الزّوج، يتعيّن الزكاة- لا محالة- في النصف الراجع إلى الزّوجة، فإذا فرضنا تلفه بتمامه، و كان ذلك بتفريط منها، كان مقتضى القاعدة هو وجوب إخراج الزكاة من سائر أموالها لأنّها كانت مخيّرة في إخراجها من عين المال، و من غيره، و مع تلف العين يتعيّن عليها الإخراج من غيره. فما أفاده المصنّف قدّس سرّه من وجوب إخراجها من النصف الراجع إلى الزوج، ممّا لم نفهم له معنى صحيحا.

نعم، للسّاعي أن يأخذ الزّكاة من النصف الّذي رجع إلى الزّوج، لأنّه إنّما يتبع العين، فإذا أخذها منه، كان للزّوج- حينئذ- الرجوع إلى الزوجة المطلّقة بما أخذ منه، قيمة أو مثلا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 388

و أمّا إن تلف عندها بلا تفريط، فيخرج نصف الزكاة من النصف الّذي عند الزّوج (152)، لعدم ضمان

الزوجة حينئذ، لعدم تفريطها. نعم، يرجع الزوج حينئذ- أيضا- عليها، بمقدار ما أخرج.

[مسألة 15: إذا قال ربّ المال: «لم يحل على مالي الحول»]

[مسألة 15]: إذا قال ربّ المال: «لم يحل على مالي الحول» يسمع منه، بلا بيّنة و لا يمين (153). و كذا لو ادّعى الإخراج، أو قال: «تلف منّي ما أوجب النقص في النّصاب».

______________________________

(152) مقتضى القاعدة هو عدم وجوب الزّكاة حينئذ، لأنّه إذا كان التلف بلا تفريط- كما هو المفروض- فكما أنّه إذا كان التالف هو جميع المال لم يكن شي ء على الزّوجة، كذلك الحال في صورة تلف النصف الراجع إليها. و لا وجه لأخذ نصف الزكاة من الزّوج، فان الواجب إنّما كان في النّصف الّذي عند الزّوجة، كما عرفت في الفرض السابق، و حيث فرضنا أنّ التلف كان بلا تفريط منها، فلا محالة يسقط الزكاة عنها.

(153) بلا خلاف فيه ظاهرا «1». و تقتضيه القاعدة، فإنّ وجوب إقامة البيّنة، أو اليمين إنّما يختصّ بمورد الخصومة و إقامة الدّعوى. و ليس للزكاة مالك خاصّ، يتسنّى له إقامة الدّعوى على المالك. و لو ادّعى الفقير ذلك، فبما أنّ المالك هو كلّي

______________________________

(1)- النجفى، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 153، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 389

..........

______________________________

الفقير دون شخص معيّن، فللمالك أن لا يصغي إلى دعواه، و يطبّق الكلّي على فقير آخر. هذا ما تقتضيه القاعدة.

و أمّا بحسب الروايات، ففي صحيح بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «بعث أمير المؤمنين مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه، انطلق، و عليك بتقوى اللّه- إلى أن قال عليه السّلام:- ثمّ قل لهم: يا عباد اللّه، أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم

حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتأدّوه إلى وليّه، فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه- الحديث «1»» و نحوه غيره «2».

و هذا بإطلاقه يشمل ما إذا قال المالك: «لم يحل عليّ الحول»، أو قال: «تلف منّي ...» أو قال: «أدّيت زكاة مالي».

و قد يقال «3»: بأنّه لا إطلاق للرواية يشمل المقام، و القدر المتيقّن به ممّا تشمله الرواية هو ادّعاء عدم حلول الحول، دون غيره، و ذلك لأنّ السّاعي و المصدّق إنّما بعينيه الأموال الزكويّة، من الأنعام و غيرها، و يرى كثرتها بحدّ النّصاب، فلا يكون للمالك مجال لدعوى التلف- مثلا- و المسلّم به ممّا تشمله الرواية هو دعوى عدم حلول الحول.

و لكنّه باطل، لإطلاق الرواية من هذه الجهة. و لو سلّمنا بالمناقشة فيه، لكفتنا القاعدة حينئذ، و قد عرفت أنّ عدم وجوب إقامة البيّنة، أو اليمين بمقتضى

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5، 7.

(3)- قال في الدّروس: «و يصدّق المالك بغير يمين في عدم الحول ...» (الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 232، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم). و لعلّ الوجه في ذلك عدم إطلاق الرّواية لغير مورد نفي حلول الحول. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 390

[مسألة 16: إذا اشترى نصابا و كان للبائع الخيار]

[مسألة 16]: إذا اشترى نصابا و كان للبائع الخيار (154).

فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شي ء على المشتري، و يكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ، و إن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة، و حينئذ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع قيمة

ما أخرج و إن أخرجها من مال آخر، أخذ البائع تمام العين و إن كان قبل الإخراج، فللمشتري أن يخرجها من العين و يغرم للبائع ما أخرج، و أن يخرجها من مال آخر و يرجع العين بتمامها إلى البائع (155).

______________________________

القاعدة، كما لا يخفى.

(154) الوجه في عقد المسألة إنّما هو الرّد على من زعم عدم وجوب الزكاة في المال، إذا كان متعلّقا لحقّ الخيار، نظرا إلى أنّ الانتقال و الملكية إنّما تحصلان بعد انقضاء الخيار مطلقا، أو خصوص خيار البائع، ففي زمان الخيار لا يكون شرط وجوب الزكاة متحقّقا. فغرض المصنّف قدّس سرّه من عقد المسألة إنّما هو الإشارة إلى بطلان المذهبين. و لتحقيق الكلام في ذلك محلّ آخر.

(155) و الوجه في جميع ذلك ظاهر، فإنّ الزكاة إذا تعلّقت بالعين بنحو الحق، كما هو المختار، أو بنحو آخر، فلا محالة تكون العين راجعة- مع الحقّ المذكور- إلى البائع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 391

..........

______________________________

بالفسخ- فيما إذا كان ذلك قبل الإخراج. و حينئذ، فللمشتري- باعتبار كون العين متعلقا لحقّ الفقراء- أن يخرج الزكاة من نفس العين و يغرم للبائع ما أخرج، قيمة أو مثلا، و له أن يخرجها من مال آخر. و كذلك الحال على تقدير القول بتعلّقها بالعين بنحو الإشاعة، أو الكلّي فى المعيّن، فإنّ القائل بأحد القولين يلتزمون بجواز التبديل بمال آخر، بأن يخرج المالك زكاته من مال آخر، و حينئذ فيتخيّر في المقام بين الأمرين.

و نكتفي بهذا المقدار، حامدين للّه تعالى، و شاكرين لفواضل نعمائه، و سوابغ آلائه علينا، و يتلوه الجزء الثاني إن شاء اللّه تعالى، من فصل «زكاة النقدين» و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين

و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 393

فهرس الموضوعات

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 395

* كلمة سماحة آية اللّه العظمى السيّد محمّد الحسيني الروحاني قدّس سرّه 7

تقديم بين يدي الكتاب 1- الفقه (11- 27) الف- اللغة 11

ب- علماء القانون 12

ج- النصوص الإسلاميّة 14

د- عرف الإسلاميّين 16

1- تاريخ تدوين الفقه 19

2- المتعارف في تقدمة كتب الفقه 21

3- أنحاء تدوين كتب الفقه 25

4- الصلة بين الفقه و الاجتهاد 27

2- الاجتهاد (29- 70) 1- الاجتهاد لغة 29

2- الاجتهاد اصطلاحا 32

3- الصلة بين المعنيين: اللغوي و الاصطلاحي 33

4- مجال الاجتهاد الاصطلاحي 34

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 396

5- تاريخ الاجتهاد المصطلح 35

6- الاجتهاد المصطلح في عصر أصحاب الأئمّة عليهم السّلام 39

7- الاجتهاد عند سائر مذاهب الإسلاميّة 41

3- الكتاب (71- 73) كتاب الزكاة فصل في شرائط وجوب الزكاة (75- 233) الزكاة لغة و اصطلاحا 77

وجوب الزكاة ضروري، و الدليل عليه 80

كفر مانع الزكاة 82

المجعول في الزكاة حكم تكليفى أو وضعيّ 82

تعلّق الزكاة بالعين 84

صور تعلّق الزكاة بالعين ثبوتا 87

أدلّة الشركة الحقيقيّة و مناقشتها 90

الوجوه المانعة عن الشركة الحقيقيّة 96

أدلّة الكلّي في المعيّن و مناقشتها 105

تصوير الكلّي في المعيّن 105

ظهور كلمة «في» في الظرفيّة 114

سائر وجوه تعلّق الزكاة بالعين 117

شرائط وجوب الزكاة 119

اشتراط البلوغ 119

تأسيس الأصل في المسألة 119

حديث رفع القلم 122

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1،

ص: 397

اعتبار الحول من حين البلوغ 124

اشتراط العقل 136

تأسيس الأصل 136

اعتبار الحول من حين العقل 138

انقطاع الحول بعروض الجنون 138

اشتراط الحريّة 139

عدم الفرق بين اقسام العبد 143

اشتراط الملكيّة 146

اشتراط التمكّن من التصرّف 149

المال الغائب 156

المال المسروق، و المحجور و ... 158

الاعتبار في التمكّن بنظر العرف 159

الشكّ في التمكّن 160

اشتراط النصاب 162

استحباب إخراج الولي زكاة غلّات غير البالغ 162

استحباب إخراج زكاة مواشي غير البالغ 165

استحباب الزكاة في التجارة بمال غير البالغ 167

دخول الحمل في غير البالغ 169

متولّى الإخراج 169

استحباب اخراج زكاة التجارة بمال المجنون 171

وجوب الزكاة على المغمى عليه و السكران في الحول 172

الشكّ في تعلّق الزكاة حين البلوغ 173

الشكّ في البلوغ حين التعلّق 174

منافاة الخيار مع تعلق الزكاة 181

الأعيان الزكويّة المشتركة 183

الأعيان الموقوفة 184

التمكّن من تخليص الممنوع من التصرّف فيه 185

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 398

إمكان استيفاء الدين 191

زكاة القرض على المقترض 196

منذور الصدقة 199

استطاعة الحجّ بالنصاب 207

المال الغائب، و المدفون 214

عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة 218

وجوب الزكاة على الكافر 222

عدم صحّة الزكاة من الكافر 225

تصدّى الإمام 7 أو نائبه لأخذ الزكاة من الكافر 228

ضمان الكافر الزكاة عند اتلافها 229

سقوط الزكاة عن الكافر بالإسلام، و نصوص حديث الجب 230

شراء المسلم النصاب من الكافر بعد تعلّق الزكاة 233

فصل في الأجناس الّتي تتعلق بها الزّكاة (235- 259) انحصار الأموال الزكويّة في تسع 235

الزكوات المستحبّة 245

زكاة مال التجارة 247

زكاة الخيل الإناث 255

زكاة الرقيق 256

زكاة الأملاك و العقارات 257

تولد حيوان بين حيوانين 258

فصل في زكاة الأنعام الثلاثة (261- 391) نصاب الإبل 261

اجزاء ابن اللبون عن بنت مخاض 274

نصاب البقر 278

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 1، ص: 399

نصاب الغنم 283

البقر و الجاموس جنس واحد 290

لا فرق بين اقسام الإبل 291

اعتبار النصاب في المال المشترك 292

اعتبار النصاب في مجموع الأموال المتفرّقة 293

أقل أثنان الشاة الّتي تؤخذ زكاة 294

عدم وجوب دفع الزكاة من النصاب 300

العبرة بالفرد الأوسط 304

الخيار في الدفع للمالك لا السّاعي و لا الفقير 306

العبرة بوقت الأداء و بلد الإخراج 313

العبرة ببلد الإخراج عند تلف العين 315

جواز دفع الذكر عن الأنثى و بالعكس 316

دفع المريض عن الصحيح، او المعيب عن السليم 317

اشتراط السّوم 320

اشتراط أن لا تكون عوامل 327

اشتراط الحول 330

تحقّق الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر 333

اختلال بعض الشروط أثناء الحول 339

تلف بعض النصاب بعد الحول 344

ارتداد المالك 348

تكرّر الأحوال على النصاب 352

حصول الملك الجديد لمالك النصاب 354

إصداق الزوجة النصاب 384

دعوى المالك عدم حلول الحول 388

اشتراء النصاب بخيار 390

* الفهرس الموضوعات 393

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

الجزء الثاني

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و له الحمد و الشكر، و الصّلاة و السّلام على محمّد و آله أولى الأمر، و اللعن على أعدائهم معادن الفتنة و الشّر.

و بعد، فهذه صحف تتلو

ما سبقتها من صحائف نشرت- و للّه الحمد- منذ عهد قريب، و هي ترجع بسابق عهدها- كما أشرت إليه في مستهلّ الجزء الأوّل- إلى ما يقرب من أربعين عاما مضى، و كانت أمنيّتى التوسّع في بعض مباحثها، و خاصّة ما يرجع منها إلى «النقدين»، لكن سوء حظّي العاثر حيث أبعدني عن حواضر العلم، و ثقل المرجعيّة الّتي قام بها سيّدنا الاستاذ المعظّم- دام ظلّه- حالا دون تحقيق تلك الأمنيّة، فاكتفيت باجراء بعض التحويرات الجانبيّة عليها حذو ما جرى فى الجزع الأوّل، و أوكلت تحقيق الأمنيّة إلى مشيئة الباري عزّ و جلّ، الّذي لا رادّ لمشيئته تعالى و لا صادّ عنه، و عليه التوكل، و هو المستعان.

محمد صادق الجعفري

23 جمادى الأولى 1417 ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 9

[فصل في زكاة النقدين]

اشارة

[فصل]

في زكاة النقدين و هما الذهب و الفضّة،

[يشترط في وجوب الزكاة فيهما مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور]

اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور:

[الأوّل: النصاب]

الأوّل: النصاب، ففي الذهب نصابان:

الأوّل: عشرون دينارا (156)، و فيه نصف دينار، و الدينار مثقال شرعيّ، و هو ثلاثة أرباع الصيرفيّ، فعلى هذا النصاب الأوّل بالمثقال الصيرفيّ، خمسة عشر مثقالا، و زكاته ربع مثقال و ثمنه.

______________________________

(156) المراد بالدينار و الدرهم- هنا- هو الذهب و الفضّة بالوزن المعيّن، مع اشتراط المسكوكيّة فيه، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 10

..........

______________________________

ثمّ إنّه لا خلاف- ظاهرا- في أنّ النصاب الأوّل للذهب هو عشرون مثقالا، قال في «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه، نصّا و فتوى، بل الإجماع- بقسميه- عليه، و النصوص متواترة فيه ... «1»» و يدلّ على ذلك جملة من النصوص، كما ستأتي إن شاء اللّه تعالى. و خالف في ذلك جماعة، ففى «المعتبر «2»»: نسبة الخلاف في النصاب الأوّل إلى ابني بابويه «3» و جماعة من أصحاب الحديث منّا، فذهبوا إلى أنّه عبارة عن أربعين دينارا. و عن «الخلاف «4»» نسبته إلى قوم من أصحابنا. و الأوّل أشهر نصّا و فتوى «5»، أو هو مذهب الأكثر؛ بل قيل بكونه المشهور «6»،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 168، ط النجف الأشرف.

(2)- الحلّي، المحقّق، جعفر بن الحسين: المعتبر، ج 2: ص 523، نشر مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم- إيران.

(3)- الموجود في «المقنع» و «الهداية»، و «الفقيه» هو موافقة المشهور. المقنع، ص 50؛ الهداية، ص 43، ط مؤسّسة مطبوعات دار العلم، قم- إيران؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2:

ص 14، ط مكتبة الصدوق، طهران- إيران.

نعم، قال رحمه اللّه في «المقنع»- بعد ما وافق

القول المشهور- ما لفظه: «و قد روي: أنّه ليس على الذهب شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا، فإذا بلغ ففيه مثقال»؛ و لم يعقّبه بشي ء. (المصدر، ص 50).

(4)- الطوسي، الشيخ، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 84، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران.

(5)- الحلّي، المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 524، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمد علي البقّال، ج 1: ص 150، الطبعة الأولى، النجف الأشرف- العراق؛ النافع في مختصر الشرائع (بشرح «المهذّب البارع»)، ج 1: ص 514، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ العاملي، السيّد محمّد جواد:

مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 86.

(6)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: البيان/ تحقيق: الشيخ محمد الحسّون، ص 301، الطبعة الأولى، قم- إيران؛ الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع/ تحقيق: السيد-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 11

..........

______________________________

كما عن غير واحد «1»، بل عن غير واحد «2» دعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه الروايات المستفيضة، بل لعلّها المتواترة اجمالا، و هي تامّة دلالة و جهة، ففي صحيح الحسين بن يسار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ فقال: «في كلّ مائتى درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها، و فى الذهب، في كلّ عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه «3»»، و موثق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و من الذهب، من كلّ عشرين دينارا نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شي ء «4»»؛ و ما رواه الكلينى قدّس سرّه في الموثق، عن ابن فضّال، عن علي

بن عقبة، و عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال ... «5»»، و رواية يحيى بن أبي العلاء،

______________________________

- مهدي الرجائي، ج 1: ص 197، الطبعة الأولى، قم- إيران؛ جمال الدين، مقداد بن عبد اللّه (المعروف ب «الفاضل المقداد»): التنقيح الرّائع/ تحقيق: السيّد عبد اللطيف الحسيني، ج 1:

ص 308، نشر مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم- إيران.

(1)- ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمّد: المهذّب البارع، ج 1: ص 514، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 86؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 85، ط النجف الأشرف- العراق؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 169، ط النجف الاشرف- العراق.

(2)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 84، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ الحلّي، ابن إدريس، محمد بن منصور: السّرائر، ج 1: ص 446، نشر مؤسّسة النشر الاسلامي، قم- إيران؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع/ ضمن مجموعة «الجوامع الفقهيّة»، ص 567/ الطبعة الحجريّة، إيران.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «في عشرين دينارا نصف دينار «1»»، و رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في حديث، قال: «ليس في الذهب زكاة حتّى يبلغ عشرين مثقالا، و إذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال ... «2»»، و رواية

زرارة و بكير ابني أعين، أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول في الزكاة: «أمّا في الذهب فليس في أقلّ من عشرين دينارا شي ء، فإذا بلغت عشرين دينار ففيه نصف دينار ... «3»»، و غير ذلك ما يلاحظها المراجع في «وسائل الشيعة» (الباب الأوّل، من أبواب زكاة الذهب و الفضّة).

و استدلّ للقول الآخر بصحيحة الفضلاء- أو حسنتهم، بابراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «في الذهب، في كلّ أربعين مثقالا مثقال ...- إلى أن قال:- و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء «4»» و بصحيح زرارة- على رواية الشيخ رحمه اللّه في «التهذيب»- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما، و تسعة و ثلاثون دينارا، أ يزكيهما؟ فقال:

لا، ليس عليه شي ء من الزكاة، في الدّراهم، و لا في الدنانير، حتّى يتمّ أربعون دينارا، و الدراهم مائتي درهم ... «5»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 8.

(2)- المصدر، ح 10.

(3)- المصدر، ح 11.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 13؛ الطوسي، الشيخ، محمد بن الحسن: تهذيب الأحكام/ باب زكاة الذهب، ج 4: ص 50/ ح 17، ط النجف الأشرف.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 14؛ الطوسي، الشيخ، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام/ باب الزيادة في الزكاة، ج 4:

ص 92/ ح 1، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

أمّا الرواية الثانية، فقد يضعّف الاستدلال بها اختلاف متنها، فإنّها- على رواية

الصدوق قدّس سرّه في «الفقيه «1»»- هكذا، قال زرارة: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما، و تسعة عشر دينارا، أ يزكّيهما؟ ...»،

و لعلّ الصحيح هو ما في «الفقيه»، و حمل ما في «التهذيب»: «تسعة و ثلاثون درهما» على السهو من النسّاخ، كما لعلّه يشهد بذلك عدم تعرّض الشيخ قدّس سرّه للجواب عنها و لتوجيهها، و إنّما تعرّض لتوجيه الرواية الأولى فقط، حيث يظهر منه عدم اشتمال الرواية الثانية على ما يحتاج إلى التوجيه، و على كلّ، فمع الاختلاف في المتن تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار، من جهة الإجمال و التشويش؛ كما نبّه على ذلك الفقيه الهمداني قدّس سرّه «2».

و أمّا الأولى، فصدرها و إن كان غير مناف للمذهب المشهور، حيث إنّه لا يدلّ إلّا على أنّ في أربعين مثقالا مثقالا، و هو يجتمع مع كون النصاب الأوّل هو عشرين مثقالا، إذ عليه يكون فى الأربعين مثقالا مثقال أيضا، كما لا يخفى. إلّا أنّه ينافي ذلك ما في ذيلها، من قوله عليه السّلام: «و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء». و عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه ما لفظه: «أقول: لو لا مخالفة الإجماع، و إعراض المشهور عن هذه الرواية لكان الجمع بينها و بين غيرها من الروايات، بحمل الزكاة فيما دون الأربعين على الاستحباب، أولى من ارتكاب هذا النحو من التكلّفات، و إن كان هذا- أيضا- لا يخلو من إشكال، فإنّ الأخبار بظاهرها متعارضة، و المقام مقام الترجيح لا الجمع، و من الواضح: قصور هذه الرواية عن معارضة

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي، فقيه من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 12/ ح 1603، نشر مكتبة الصدوق، طهران-

إيران.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 51، الطبعة الحجريّة، إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 14

..........

______________________________

الروايات المشهورة بين الأصحاب- فتوى و رواية- من جميع الوجوه، فالأولى ردّ علمها إلى أهلها ... «1»».

أقول: ما أفاده قدّس سرّه من ترجيح الروايات المتقدّمة بالشهرة بين الأصحاب- قدّس اللّه أسرارهم- مبني على القول بأنّ الأشهريّة من المرجّحات في الروايتين المتعارضتين، كما هو محرّر في محلّه، و أمّا على القول بالعدم، فالصحيح في هذا المقام هو أن يقال: إنّ صحيحة الفضلاء رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده إلى علي بن فضال، و بعضهم لا يعتمد السند المذكور، و مع الغضّ عنه نقول: إنّه لا ينبغى الإشكال في حصول القطع- و لا أقل من الاطمينان- بثبوت الحكم فى الشريعة المقدّسة على طبق مفاد الروايات المتقدّمة، و ذلك: لما أشرنا إليه آنفا من كونها مستفيضة، بل إنّه لا يبعد القول بتواترها إجمالا، و حينئذ فيحصل لنا القطع أو الاطمينان بخلل في هذه الرواية المعارضة لتلك الروايات المستفيضة، فتحمل حينئذ على التقيّة، لموافقتها لمذهب بعض العامة «2» و لعلّ مذهب هذا البعض كان هو الشائع في ذلك العصر، فهذا الحمل ليس بملاك العمل بالأخبار العلاجيّة، بل إنّما هو بملاك القطع أو الاطمينان بخلل فى الرواية، و حيث إنّه يمكن فرض الخلل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 51، الطبعة الحجريّة، إيران.

(2)- قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم على أنّ الذهب إذا كان عشرين مثقالا، قيمتها مائتا درهم، أنّ الزكاة تجب فيها، إلّا ما حكي عن الحسن- و يعنى به الحسن البصري- أنّه قال:

لا زكاة فيها حتّى تبلغ أربعين»

(ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 599، افست دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان).

و قال ابن حزم: «حدّثنا حمام ... عن أشعث- هو ابن عبد الملك الحمراني- عن الحسن البصري، قال: ليس في أقل من أربعين دينارا شي ء» (ابن حزم، عليّ بن سعيد: المحلّى، ج 6: ص 73).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 15

و الثاني: أربعة دنانير (157)، و هي ثلاث مثا قيل صيرفيّة، و فيه ربع العشر، أي من أربعين واحد، فيكون فيه قيراطان، إذ كلّ دينار عشرون قيراطا، ثمّ إنّه إذا زاد أربعة فكذلك، و ليس قبل أن يبلغ عشرون دينارا شي ء، كما أنّه ليس بعد العشرين قبل أن يزيد أربعة شي ء، و كذا ليس بعد هذه الأربعة شي ء، إلّا إذا زاد أربعة أخرى، و هكذا ...

و الحاصل، أنّ فى العشرين دينارا ربع العشر، و هو نصف دينار، و كذا فى الزائد إلى أن يبلغ أربعة و عشرين، و فيها ربع عشره، و هو نصف دينار و قيراطان، و كذا فى الزائد إلى أن يبلغ ثمانية و عشرين، و فيها نصف دينار و أربع قيراطات، و هكذا ...

______________________________

فيها من ناحية جهة الصدور، فلا محالة تحمل على التقيّة، فلاحظ و تأمّل.

(157) يدلّ على النصاب الثاني في الذهب جملة من النصوص، منها: رواية على بن عقبة المتقدّمة «1» و فيها: «فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّ ما زاد أربعة»، و رواية ابي عيينة، عن

______________________________

(1)- صفحة 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 16

و على هذا فإذا أخرج- بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد- من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه (158)، و في بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جازت الزكاة العشرين دينارا، ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار «1»». ثمّ إنّ الدينار عبارة عن عشرين قيراطا، قال المحقّق الهمداني قدّس سرّه ما لفظه: «في القاموس «2»: القيراط و القرّاط- بكسرهما- يختلف وزنه بحسب البلاد؛ فبمكّة ربع سدس دينار، و بالعراق نصف عشره»، فما فى المتن و غيره، بل الشائع في عرف الفقهاء، من التعبير عن نصف دينار بعشرة قراريط، و عن عشره بقيراطين منزل على ما بالعراق ... «3»».

(158) لا يخفى، أنّ نسبة الفريضة في زكاة الذهب إلى كلّ من النصاب الأوّل و الثّاني إنّما هو نسبة الواحد إلى الأربعين، فنصف دينار من عشرين دينار نسبته إلى النصاب نسبة الواحد إلى الأربعين، كما أنّ قيراطين من أربعة دنانير بعد العشرين أيضا نسبتهما إلى النصاب نفس تلك النسبة، لما عرفت آنفا من أنّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملى، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 6.

(2)- الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج 2: ص 379، ط المصحّحة على النسخة الصلاحيّة الرسوليّة.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 17

و في الفضّة أيضا نصابان:

الأوّل: مائتا درهم، و فيها خمسة دراهم.

و الثاني: أربعون درهما، و فيها درهم (159)، و الدرهم نصف المثقال الصيرفيّ و ربع عشره، و على هذا، فالنّصاب الأوّل: مائة و

خمسة مثاقيل صيرفيّة، و الثاني أحد و عشرون مثقالا، و ليس فيما قبل النصاب الأوّل، و لا في ما بين النصابين شي ء، على ما مرّ.

______________________________

الدينار عبارة عن عشرين قيراطا. و على هذا، فلو أخرج زكاته- بعد التجاوز عن العشرين- بهذه النسبة من المجموع، كان قد أدّى زكاته، بل مع الزيادة عليه بقليل، كما في ما بين النصابين.

فإذا كان عنده ستّ و عشرون دينارا، فلو أخرج من المجموع بنسبة الواحد إلى الأربعين زاد ذلك لا محالة على ما لو أخرج نصف دينار للعشرين، و قيراطين للأربعة الزائدة عليه، و ذلك، لأنّه على الأوّل إذا كان عنده ستّ و عشرون دينارا، يخرج من الدينارين الزائدين على الأربع و العشرين- أيضا- مقدارا ما، بخلافه على الثّاني، كما لا يخفى.

(159) فى «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فى شي ء من ذلك- نصّا و فتوى- بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص يمكن دعوى تواترها عليه ... «1»»، و تدلّ

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 172، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

على ذلك النصوص التالية:

صحيح حمّاد، عن الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الذهب و الفضّة، ما أقلّ ما تكون فيه الزكاة؟ قال: «مائتا درهم، و عدلها من الذهب». قال: و سألته عن النيّف: الخمسة و العشرة؟ قال: «ليس عليه شي ء حتّى يبلغ أربعين، فيعطي من كلّ أربعين درهما درهم «1»»، و رواية رفاعة النخّاس، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إنّي رجل صائغ، أعمل بيدي، و إنّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة، ففيها زكاة؟ فقال: «إذا اجتمع مأتا درهم فحال عليها الحول فانّ عليها

الزكاة «2»»، و صحيح الحسين بن يسار (بشّار)، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة؟ فقال: «في كلّ مأتي درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها ... «3»»، و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «فى الفضّة إذا بلغت مأتي درهم خمسة دراهم، و ليس فيما دون المائتين شي ء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شي ء حتّى تبلغ الأربعين، و ليس في شي ء من الكسور شي ء حتّى تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير على هذا الحساب «4»»، و صحيح الفضلاء- أو حسنتهم- عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام- في حديث- قالا: «في الورق، في كلّ مأتين خمسة دراهم، و لا في أقل من مأتي درهم شي ء، و ليس فى النّيف شي ء حتّى يتمّ أربعون، فيكون فيه واحد «5»»، إلى غير ذلك من الروايات، ممّا يلاحظها المراجع في الباب الثاني من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 19

و الدرهم نصف المثقال الصيرفيّ و ربع عشره، و على هذا، فالنصاب الأوّل مائة و خمسة مثاقيل صيرفيّة، و الثّاني أحد و عشرون مثقالا، و ليس فيما قبل النصاب الأوّل و لا فيما بين النصابين شي ء على ما مرّ، و في الفضّة أيضا (160)- بعد بلوغ النصاب- إذا أخرج من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه، و قد يكون زاد خيرا قليلا.

______________________________

أبواب زكاة النقدين، من «وسائل

الشيعة».

ثمّ، إنّ المراد بالدينار- في هذا المقام و في كلّ المقامات- هو ما يكون فيه من الذهب ما يقدر بثمانية عشر حمّصة، سواء كانت تسمّى- عرفا- بالدينار، أم باسم آخر، و باية قيمة تعومل بها خارجا. كما أنّ المراد بالدرهم: نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره من الفضّة، بأيّ اسم سمّى، و باية قيمة كان. و على الجملة:

الدينار يراد به المقدار المعيّن من الذهب بلا زيادة و لا نقيصة، و كذلك الدرهم.

فتدبّر.

(160) كما مرّ ذلك في زكاة الذهب، و قد تقدّم بيان الوجه فيه هناك، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 20

[الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة]

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة (161)،

______________________________

(161) بلا خلاف فيه ظاهرا «1»، بل فى «المدارك «2»»: «هذا قول علمائنا أجمع»، و فى «الغنية «3»» و «الانتصار «4»» و «التذكرة «5»»: دعوى إجماع علماء الإماميّة عليه. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين- أو حسنته بابراهيم بن هاشم- عن أبي إبراهيم عليه السّلام، قال: قلت له: إنّه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته «6»)، فيبقى نحوا من سنة، أ نزكّيه؟ فقال: «لا، كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء، قال: قلت: و ما الرّكاز؟ قال:

الصامت المنقوش». ثمّ قال: «إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذّهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة «7»»، و موثّق جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه و أبى الحسن عليهما السّلام، انّه قال: «ليس فى التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدراهم «8»».

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 53، ط إيران الحجريّة.

(2)- الموسوي، السيّد

محمّد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 115، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 567، ط الحجريّة- إيران.

(4)- الشريف المرتضى، على بن الحسين: الانتصار، ص 80، ط النجف الأشرف.

(5)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 117، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(6)- في «الكافي»: «يجتمع عندي الشي ء فيبقى» (ج 3: ص 518، ط دار الكتب الإسلامية- طهران- إيران)، و فى «التهذيب»: «الشي ء الكثير قيمته فيبقى» (ج 4: ص 8، ط النجف الأشرف)، و فى «الاستبصار»: «الشي ء الكثير نحوا» (ج 2: ص 6، ط النجف الاشرف).

(7)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(8)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الذهب و الفضّة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

ثمّ إنّ ظاهر الرواية الأولى هو دخل عنوان «الرّكاز» في موضوع وجوب الزكاة، مع أنّه ليس كذلك قطعا، فإنّ المراد به: إمّا هو المعدن، كما هو أحد معانيه فى اللغة «1»، و هو بهذا المعنى موضوع للحكم في باب الخمس دون الزكاة. و إمّا القطع من الذهب و الفضّة الّتي تخرج من معدن واحد، كما فسّر به فى اللّغة أيضا «2»، و هو- أيضا- ليس بموضوع لوجوب الزكاة قطعا، و عليه، فلا بدّ من حمل الرّكاز على النقود، من الذهب و الفضّة، بنحو الاستعمال المجازي، أو ما يقرب من ذلك. كما أنّه لا بدّ و إن يراد بقوله عليه السّلام في تفسير الرّكاز: «الصامت «3» المنقوش» هو الإشارة إلى النقود الخارجيّة، و إلّا فلا موضوعيّة لهذا العنوان

في باب الزكاة، و إلّا لشمل ذلك غير النقود، من الذهب أو الفضّة المشتملة على نقش أيضا، كما يتّفق ذلك كثيرا. و على الإجمال، المعوّل في اعتبار السكّة فى الذهب و الفضّة إنّما هو على موثّق جميل. و تقريب الاستدلال به: أنّه دلّ على عدم ثبوت الزكاة فى الذهب و الفضّة إلّا ما كان منهما مصداقا للدرهم و الدينار؛ و من المعلوم أنّ الدرهم و الدينار لا يصدقان خارجا إلّا على الذهب و الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة، فيكون مفاد الرواية- حينئذ- إنّما هو اعتبار المسكوكيّة فى الذهب و الفضّة، و بذلك يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة الواردة في

______________________________

(1)- الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 10: ص 95، ط الدار المصريّة للتأليف و الترجمة؛ ابن منظور، محمّد بن مكرّم: لسان العرب، ج 5، ص 356، ط دار صادر- بيروت؛ الفيّومي، أحمد بن محمّد بن علي: المصباح المنير، ج 1: ص 281، ط 2، بولاق- مصر؛ الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: القاموس، ج 2: ص 177، ط مصر.

(2)- الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 10: ص 95، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة.

(3)- الصّامت: الذهب و الفضّة (الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: الصحاح، ج 1: ص 357، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت- لبنان).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 22

..........

______________________________

نصب الذهب و الفضّة، و ذلك لما أشرنا إليه إجمالا، من أنّ المراد بالدينار أو الدرهم في تلك النصوص إنّما هو الوزن الخاص، كما هو أصل الدينار فى اللّغة «1» و أمّا الدرهم فليس لها فى اللّغة العربيّة وضع، و إنّما هي كلمة معرّبة من اليونانيّة، و هي بمعنى: خمسين دانقا، و في عرف

المولّدين يطلق على النقود مطلقا، كما نصّ عليه في «أقرب الموارد «2»».

و ممّا يشهد بذلك: ما في بعض النصوص المتقدّمة «3»، من التعبير عن عشرين دينارا فى الذهب بعشرين مثقالا، ممّا يكشف عن كون الملحوظ فى النصوص المذكورة إنّما هو بلوغ الذهب الوزن المعيّن، كما لا يخفى على من لا حظها.

______________________________

(1)- الدينار: كلمة معرّبة باتفاق اللغويين ( «المغرب» للمطرزي و «لسان العرب» و «القاموس» و غيرها من كتب اللغة). و الدينار: وزن احدي و سبعين شعيرة، و نصف شعيرة تقريبا، بناء على أنّ الدانق ثماني حبّات و خمسا حبّة، و إن قيل: الدانق ثماني حبّات.

فالدينار: ثمان و ستّون و أربعة أسباع حبّة» (الفيّومي، أحمد بن محمّد بن علي: المصباح المنير، ج 1: ص 239، ط الثانية، بولاق- مصر).

(2)- الشرتوني، سعيد الخوري: أقرب الموارد، ج 1: ص 332.

اقول: ما ذكره لا يخلو عن خلط و اشتباه، فقد نصّ أئمّة اللغة- كما في «صحاح اللغة»، و «لسان العرب»، و «القاموس»، و غيرهما- على أنّه فارسي معرّب، لا يوناني. كما أنّ وزن الدرهم: ستّة دوانق، و هو نصف الدينار و خمسه، كما نصّ عليه فى «القاموس»، و «المصباح المنير»، و غيرهما. و قال الجوهري: «و الحبّة: سدس ثمن درهم، و هو جزء من ثمانية و أربعين جزءا من درهم» (الجوهري، اسماعيل بن حمّاد: الصحاح، ج 4: ص 1609، ط دار العلم للملايين، بيروت). و لعلّه اشتبه على الشرتوني الدانق بالحبّة. و اللّه العالم.

(3)- كما في موثق سماعة، و موثق عليّ بن عقبة، المتقدّمين في صفحة 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 23

سواء كان بسكّة الإسلام أو الكفر (162)، بكتابة أو غيرها، بقيت سكّتهما أو

صارا ممسوحين بالعارض (163)،

______________________________

(162) بلا خلاف فيه على الظاهر، لإطلاق الدليل، كما لا يخفى.

(163) الظاهر: أنّ موضوع الزكاة فى الذهب و الفضّة- كما يستفاد ذلك من الروايات- إنّما هو ما يكون مصداقا لما يسمّى فى اللغة المحدثة بال «عملة»، المرادفة في اللّغة الفارسيّة لكلمة «پول»، و من القريب جدّا: أن يكون قوام ذلك باحد أمرين، بنحو مانعة الخلوّ:

أحدهما: أن يكون الذهب و الفضّة مسكوكين بسكّة المعاملة.

و ثانيهما: أن يتعامل بهما خارجا، و إن لم يكونا مسكوكين؛ إمّا للمسح العارضي، أو لكونهما ممسوحين بالأصالة، و حيث أن المصنّف قدّس سرّه لم يمكنه الجزم بذلك، فلذلك احتاط في وجوب الزكاة في فرض كونهما ممسوحين بالأصالة، إلّا أنّ مقتضى ذلك هو الاحتياط في فرض الممسوحيّة بالعارض أيضا، مع أنّه قدّس سرّه أفتى فيه بوجوب الزكاة، و لعلّه مبني على جريان الاستصحاب، و هو موقوف على أمرين:

أحدهما: الالتزام بجريانه، في موارد الشبهات المفهوميّة، فى الحكم الشرعي، دون الموضوع الخارجي، كما هو المختار بنحو الموجبة الجزئيّة.

و الآخر: الالتزام بجريان الاستصحاب التعليقي في أمثال المورد، لا مطلقا،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 24

و أمّا إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما، إلّا إذا تعومل بهما، فتجب على الأحوط، كما أنّ الأحوط ذلك- أيضا- إذا ضربت للمعاملة و لم يتعامل بهما، أو تعومل بهما لكنّه لم يصل رواجهما (164) إلى حدّ يكون دراهم أو دنانير. و لو اتّخذ الدرهم أو الدينار للزينة، فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة

______________________________

كما هو الحقّ أيضا، على ما قرّرناه في محلّه، فإنّه قبل الممسوحيّة كان ممّا يجب فيه الزكاة معلّقا على تقدير حولان الحول عليه مع سائر الشرائط، و بعد

الممسوحيّة نشك في بقاء الحكم المذكور فنستصحب ذلك، فإنّه على تقدير أحد الأمرين يتمّ القول بوجوب الزكاة في الممسوح بالعارض، دون الممسوح بالأصالة. و لعلّ المصنّف قدّس سرّه يلتزم بكلا الأمرين، و لذلك افتى بالوجوب فى الممسوح بالعارض و احتاط فى الممسوح بالأصالة. و اللّه العالم.

(164) لا بدّ من تصحيح قوله: «لم يصل رواجهما إلى حدّ يكون دراهم أو دنانير» بحمله على عدم البلوغ حدّا يقطع معه بصدق الدرهم أو الدينار عليه، و إلّا فلا ينبغى الإشكال في عدم الوجوب، و لا مجال- حينئذ- للاحتياط أصلا، إذا لم يكن الذهب أو الفضّة مصداقا للدينار أو الدرهم، كما هو ظاهر. ثمّ إنّ منشأ الاحتياط هو ما أشرنا إليه آنفا، من قرب دعوى قوام الموضوع بالسكّة المعدّة للتعامل، و إن لم يتعامل بذلك خارجا أصلا، فضلا عمّا إذا تعومل بهما في الجملة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 25

و إلّا وجبت (165).

______________________________

(165) ينبغى الإشكال في عدم وجوب الزكاة إذا خرج الذهب أو الفضّة عن كونه دينارا أو درهما بجعله حليّا، بحيث يكون جعله «قلادة» و نحو ذلك مستلزما لإضافة شي ء، ك «الحلقة» و نحوها عليه، فيكون موجبا لخروجه عن المصداقيّة للدينار أو الدرهم، من جهة عدم التعامل به خارجا، و إنّما الكلام فيما إذا لم يكن كذلك، بأن لا يكون اتّخاذه حليّا موجبا للخروج عن كونه دينارا أو درهما، لبقاء التّعامل معهما بحاله، كما كان هو الحال قبل اتّخاذهما حليّا.

قال صاحب الجواهر رحمه اللّه: «ففي «الروضة» و شرحها للأصبهاني: لم يتغيّر الحكم، زاده الاتّخاذ أو نقّصه في القيمة، ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة، لإطلاق الأدلّة، و الاستصحاب الّذي به يرجّح الإطلاق المزبور

على ما دلّ على نفيها من الحليّ، و إن كان التعارض بينهما من وجه. بل يحكّم عليه، لأنّ الخاصّ و إن كان استصحابا يحكّم على العامّ و إن كان كتابا ... «1»».

قلت: إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة فى الدينار و الدّرهم- و قد مرّت الإشارة إلى بعضه- هو وجوب الزكاة فى مفروض الكلام، كما أنّ مقتضى إطلاق ما ستأتي الإشارة إليه قريبا- إن شاء اللّه تعالى- من النصوص النافية للزكاة عن الحليّ، هو عدم وجوب الزكاة فيه، و التعارض بينهما بالعموم من وجه.

فقد يقال- كما مرّ عن صاحب الجواهر رحمه اللّه- بتحكيم إطلاق الطائفة الأولى

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 182، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

الدالة على وجوب الزّكاة، مؤيّدا ذلك بالاستصحاب المقتضي للوجوب، بل تحكيما للاستصحاب على الإطلاق النّافي. و هو قابل للنقاش فيه- كما قيل «1»- إذ لا وجه لتحكيم إطلاق الدليل المثبت على اطلاق الدّليل النّافي، بعد فرض كون التعارض بينهما بالعموم من وجه. و الاستصحاب لا يكون مرجّحا لإطلاق الدليل المثبت، فضلا عن كونه محكّما على إطلاق الدليل النافي، فإنّه أصبح من الواضحات في علم أصول الفقه: أنّ الأصول العمليّة- و من جملتها الاستصحاب- إنّما تكون في طول الأدلّة الاجتهاديّة- و منها: الإطلاق- لا في عرضها، فمع وجود الإطلاقين المثبت و النّافي لا تصل النوبة إلى إجراء الأصل العمليّ. و هذا ظاهر.

و عن المحقّق الفقيه الهمداني رحمه اللّه «2» ترجيح الإطلاق النافي على المثبت، بما في بعض الأخبار النافية من التّعليل، كصحيحة يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحلّي، أ

يزكّى؟ فقال: «إذن لا يبقى منه شي ء «3»»، و خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن الزكاة في الحلّي، قال: «إذن لا يبقى «4»».

بدعوى اطّراد التعليل المذكور في جميع أخبار الحلّي، المشعر باختصاص تشريع الزكاة بالمال الّذي من شأنه الصّرف في النفقة و الصّدقة و نحوها، لا مثل الحليّ الّذي وضع للبقاء. و حاصل هذا الوجه هو: أنّ المستفاد من التعليل المذكور هو اختصاص مشروعيّة الزكاة بالمال الّذي يمكن صرفه و إخراج الزّكاة من عينه، و أمّا الّذي لا يمكن إخراجه من عينه، و إلّا خرج عن كونه حليّا- و هو المراد

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 53، ط إيران الحجرية.

(2)- المصدر، ص 53.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة/ باب 9 زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 27

..........

______________________________

بنفي بقاء شي ء منه- فلم تشرع الزكاة فيه.

و هذا الوجه فيه مجال للتأمّل، فإنّ التحلّي بعشرين دينارا مثلا- و هو أوّل نصاب الذهب- باتّخاذ الدنانير قلادة مثلا ممّا لا ينتفى، بإخراج الزكاة من عينه، بل يكون التحلّى بها باق بعد، غايته: أنّ التّحلي يكون- بعد الإخراج- بأقلّ من عشرين دينارا، و المانع إنّما هو انتفاء عنوان الحلّي مطلقا، لا المشروط. و خلاصة القول: أنّ التعليل بعدم بقاء شي ء منه ممّا لا تحقّق له. نعم، لو كان التعليل بأنّه ينقص منه شي ء لكان ذلك في محلّه.

و أفاد المحقّق الفقيه الهمداني رحمه اللّه «1» وجها اخر لتحكيم اطلاق الدليل النافي للزكاة عن الحلّي، و هو: «إشعار جملة منها- أي اخبار الحلّي- بأنّ لعنوان كونه حليّا- من حيث

هو- مدخليّة في وضع الزكاة عنه، و أنّ زكاته إعارته ...».

و لعلّ المراد بذلك هو ما يلي: أنّه لا تعارض- حقيقة- بين ما دلّ على وجوب الزكاة في الدينار و الدرهم، و بين ما دلّ على عدم وجوبها إذا اتّخذا حليّا، و أنّ القاعدة تقتضي تقديم الثاني، رغم أنّ النسبة بين الطائفتين هو العموم من وجه. و ذلك، لأنّ تقديم الطائفة الثانية إنّما يستوجب تقييد دليل وجوب الزكاة في الدينار و الدّرهم بغير ما إذا اتّخذا زينة، و لا محذور في التقييد المذكور، فإنّ تقييد الإطلاق ليس بعزيز، و هذا بخلاف تقديم الطائفة الأولى، فإنّه يوجب إلغاء الطائفة الثانية رأسا، فإنّ نفي الزكاة من الحلي عن غير الدرهم و الدّينار لا يرتبط بعنوان كونه حليّا، بل لانتفاء الموضوع، و هو الذهب و الفضّة المسكوكان، و إنّما يكون لعنوان «الحليّ» دخلا في نفي الزّكاة عنه، ما إذا كان الحلّي من الدينار و الدّرهم، حيث كان مقتضيا لثبوت الزكاة فيه لو لا انطباق عنوان

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 53، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

«الحلّي» عليه، إذن، المحافظة على مدخليّة العنوان المذكور في نفي الزكاة- كما هو مفاد الطّائفة الثانية- إنّما تكون بالالتزام بنفي الزكاة عن الحلّي المتّخذ من الدينار و الدرهم، و تقييد ما دلّ على ثبوت الزكاة فيهما بغير هذا الفرض، و إلّا لزم إلغاء العنوان المذكور، و هو مساوق لإلغاء الدليل الدّال على نفي الزكاة عن الحلّي رأسا، و إلغاء الدليل رأسا بغير موجب علميّ ممّا لا مجال له، بخلاف تقييد اطلاق الدليل، فإنّه غير عزيز، كما عرفت.

و لذلك

نظائر عديدة في «الفقه»، من جملتها: قوله عليه السّلام- في مصحّح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-: «كلّ طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله و خرئه «1»»، فان النسبة بينه و بين ما دلّ على نجاسة بول الحيوان غير مأكول اللّحم، مثل قوله عليه السّلام- في مصحّح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-:

«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه «2»» عموم من وجه، لكن تقديم ما دلّ على النجاسة يوجب الغاء عنوان «الطائر» عن الموضوعيّة، و اختصاص الطهارة بماكول اللّحم، من دون خصوصيّة للطائر و غيره فى الحكم المذكور، و هذا بخلاف تقديم دليل الطهارة فإنّه لا يوجب الغاء دليل النّجاسة، حيث يحكم بنجاسة خرء و بول غير مأكول اللحم من غير الطائر، فلا يلغى عنوان «غير مأكول اللحم» عن الموضوعيّة للحكم، كما هو ظاهر. و هذا الوجه لا بأس به، و لذلك نحتاط في وجوب الإخراج، لذهاب المشهور إلى ذلك.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: النجاسات، ح 1.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: النجاسات، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 29

[الثالث: مضيّ الحول]

الثالث: مضيّ الحول (166)

______________________________

(166) تقدّم الكلام في ما يدلّ على اعتبار الحول في وجوب الزكاة في زكاة الأنعام، فراجع و لاحظ. و يدلّ عليه في خصوص النقدين مصحّح زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل كان عنده مأتا درهم، غير درهم واحد، أحد عشر شهرا، ثمّ أصاب درهما بعد ذلك فى الشهر الثاني عشر، و كملت عنده مأتا درهم، عليه زكاتها؟ قال: «لا، حتّى يحول عليها الحول، و هي مأتا درهم، فإن

كانت مائة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن مضى شهر، فلا زكاة عليه حتّى يحول على المائتين الحول ... «1»»، و خبر زرارة و بكير ابني أعين- في حديث- أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إنّما الزكاة على الذهب و الفضّة الموضوع، إذا حال عليه الحول، ففيه الزكاة، و ما لم يحل عليه الحول فليس فيه شي ء «2»»، و صحيح رفاعة النخاس، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إنّي رجل صائغ اعمل بيدي، و إنّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة، ففيها زكاة؟ فقال: «إذا اجتمع مأتا درهم فحال عليها الحول، فإن عليها الزكاة «3»»، و نحوها غيرها «4» كما أنّه مرّ الكلام- أيضا- في زكاة الأنعام في تحقّق الحول بالدخول فى الشهر الثاني عشر، و في فرض نقصان المال عن النصاب قبل الحول، و كذا فرض تبدّله بغيره، من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 15: زكاة الذهب و الفضّة، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 2: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 15: زكاة الذهب و الفضّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 30

بالدخول في الشهر الثاني عشر، جامعا للشرائط، الّتي منها النصاب، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب، و كذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره، و كذا لو غيّر بالسبك (167)، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى، و إن كان الأحوط الإخراج على الأوّل، و لو سبك

______________________________

جنسه او غيره. فلاحظ.

(167) لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الزكاة إذا غيّر بالسبك قبل تمام

الحول، فإنّ من شرائط ثبوت الزكاة فى الذهب و الفضّة- كما عرفت ذلك آنفا- إنّما هو صدق الدينار أو الدرهم عليه، أي كونه مسكوكا يتعامل به، فإذا خرج عن ذلك في اثناء الحول سقط عنه وجوب الزكاة، بناء على اعتبار وجوب الشرائط في تمام الحول، كما مرّ الكلام فيه سابقا، مضافا إلى ورود النص في خصوص الفرض، ففي صحيح ابن يقطين المتقدّم «1»: «إذا أردت ذلك فاسبكه؛ فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة».

ثمّ إنّه إذا كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة، فالمشهور بين المتأخّرين- كما نسب إليهم «2»، بل عن «الرياض «3»» نسبته إلى عامتهم- هو

______________________________

(1)- صفحة 20.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 185، ط النجف الأشرف.

(3)- الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 93، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 31

..........

______________________________

سقوط الزكاة، و نسب إلى جماعة من المتقدّمين، كالصدوقين «4»، و المرتضى «5»، و الشيخ «6»، و ابن زهرة «7»، و ابن حمزة «8»، و الحلبي «9» في «إشارة السبق» القول بالوجوب. و اختار المصنّف قدّس سرّه القول الأوّل، و لذلك احتاط فى المسألة احتياطا استحبابيا. و الظاهر هو المذهب المشهور، و هو عدم وجوب الزكاة.

نعم، يكون ذلك مستحبّا. و الوجه فيه هو إنّ النصوص الواردة فى المقام إنّما تكون على طائفتين:

الأولى: النصوص الدالة على عدم الوجوب، و هى مستفيضة، كرواية عمر ابن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل فرّ بماله من الزكاة، فاشترى به أرضا أو دارا، أ عليه شي ء؟ فقال: «لا، و لو جعله حليا أو نقرا فلا

شي ء عليه، و ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حق اللّه الّذي يكون فيه «10»»، و رواية عليّ بن يقطين المرويّة فى «العلل» عن أبي إبراهيم عليه السّلام، قال: «لا تجب الزكاة فيما سبك، قلت: فإن كان سبكه فرارا من الزكاة!، قال: ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه، فلذلك لا يجب عليه الزكاة «11»»، و رواية هارون بن خارجة، عن أبي

______________________________

(4)- الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين: المقنع، ص 51، ط مؤسسة مطبوعات دار العلم، قم.

(5)- الشريف المرتضى، علي بن الحسين: الانتصار، ص 83، ط النجف الأشرف؛ جمل العلم و العمل، ص 124، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 210، ط المكتبة المرتضويّة، طهران؛ الخلاف، ج 2: ص 77 مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(7)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 567، ط الحجريّة- إيران.

(8)- ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 127، ط مكتبة آية اللّه النجفي المرعشي، قم.

(9)- الحلبي، عليّ بن الحسن: اشارة السبق، ص 109، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(10)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(11)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 32

..........

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهولاء القوم أعمالا، أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك المال حليّا، أراد أن يفرّ به من الزكاة، أ عليه زكاة؟

قال: «ليس على الحليّ زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان- في وضعه و منعه نفسه فضله- أكثر ممّا يخاف من الزكاة «1»». و من ذلك أيضا ما في ذيل صحيح

ابن يقطين المتقدّم «2»: «إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة»، حيث أنّه عليه السّلام بيّن له بذلك طريق الفرار من الزكاة.

الثانية: النصوص الدالّة على الوجوب، كصحيح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحلّي فيه زكاة؟ قال: «لا، إلّا ما فرّ به من الزكاة «3»»، و خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرّجل يجعل لأهله الحلىّ ...

- إلى أن قال:- قلت له: فإنّه فرّ به من الزكاة، قال: «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة «4»».

و عن الشيخ قدّس سرّه «5»: الجمع بينهما، بحمل الطائفة الثانية على ما بعد حلول الحول، مستشهدا له بما رواه في الموثق عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّ أباك قال: من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها، فقال: «صدق أبي، إنّ عليه أن يؤدي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء منه فيه». ثمّ قال لي: «أ رأيت

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 4.

(2)- صفحة 20.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 7.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 4: ص 9، ط النجف الأشرف:

الاستبصار، ج 2: ص 8، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 33

..........

______________________________

لو أنّ رجلا اغمي عليه يوما ثمّ مات فذهبت صلاته، أ كان عليه- و قد مات- أن يؤدّيها؟»

قلت: لا، قال: «إلّا أن يكون أفاق من نومه ... «1»».

و لا يخفى أنّ بعض النصوص المتقدّمة، كخبر معاوية بن عمار ممّا يأبى الحمل المذكور، فإنّه كالصّريح فى التفصيل بين الجعل حليّا للفرار فيجب فيه الزكاة، و بين جعله كذلك للتجمّل فلا تجب، فلا بدّ و أن يكون مورده قبل تمام الحول، بحيث لم تجب الزكاة لو لا قصد الفرار.

و عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2»، كما عن المحقّق في «الشرائع «3»»، و صاحب «المدارك «4»» و غيرهما، و عن الشيخ قدّس سرّه- أيضا- الجمع بينهما، بحمل الطائفة الأولى على الاستحباب. و لكنّك قد عرفت غير مرّة أنّ أمثال المقام ليس من موارد الجمع العرفي، بحمل الظاهر فيه على الأظهر أو النص، بل هو من موارد التعارض بالنظر العرفي، و عليه فالمرجع فيه إنّما يكون القواعد المقرّرة في باب التعارض، و حيث قد عرفت سابقا «5» أنّه لا مجال فى المقام للترجيح بموافقة الكتاب، و لا مخالفة العامّة، فلا محالة يدور الأمر فيه بين التخيير- بناء على القول به فى التعارض- أو التساقط- كما هو الصحيح- و الرجوع إلى الأصل، و مقتضاه: عدم الوجوب. نعم، لا بأس بالإخراج فى الفرض المذكور احتياطا استحبابيّا، و الوجه فيه ظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 5.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 54، ط إيران الحجريّة.

(3)- المحقّق الحلي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1:

ص 151.

(4)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 120، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(5)- ج 1: صص 339- 340.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 34

الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة و وجب الإخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير (168) إذا فرض نقص القيمة بالسبك.

______________________________

(168) الظاهر أنّ مراده قدّس سرّه من ذلك هو ما إذا أراد الإخراج بالقيمة، فإنّه عليه تكون قيمة الفريضة من الذهب المسبوك أقل من قيمتها حال كونه درهما أو دينارا- كما هو المفروض- فلا بدّ له حينئذ من إعطاء قيمة الفريضة في ذلك الحال، فإنّ المفروض كون السبك بعد حول الحول، فإذا كان نصف المثقال من الدينار- و هو فريضة العشرين دينارا- ممّا يساوي خمسة دراهم مثلا، و كان نصف المثقال من الدينار المذكور بعد سبكه يساوي أربعة دراهم و نصف مثلا، كان عليه اعطاء خمسة دراهم، إذا فرضنا أنّه يريد الإخراج من القيمة.

و يشكل الأمر حينئذ، من جهة أنّه إذا أراد أن يدفع الزكاة من نفس الذهب المسبوك المفروض كونه دينارا فى السابق، فهل يجوز له ذلك، أو لا؟ ذهب المصنّف قدّس سرّه إلى الجواز، كما سيصرّح به فيما بعد «1»، حيث يقول: «و يجوز الإخراج من الردّي، و إن كان تمام النصاب من الجيّد ...»، فإنّ نقص القيمة بالسبك لا يوجب إلّا كون المسبوك رديّا بالنسبة إلى غيره، و عليه فإذا جاز له ذلك فقد جاز له- أيضا- إخراج قيمته لا بملاحظة الدراهم أو الدنانير، إذ لا وجه لذلك بعد فرض جواز الإخراج من الذهب الردي مع كون النصاب جيدا.

______________________________

(1)- المسألة الثانية الآتية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 35

[مسألة 1: لا تجب الزكاة في الحليّ]

[مسألة 1]: لا تجب الزكاة في الحليّ (169)،

______________________________

و لم أجد من تعرّض للإشكال المذكور، و لعلّ في الأمر نكتة خفيت

علينا، و اللّه العالم، و هو العاصم.

(169) فى «المدارك «1»»: «أمّا سقوط الزكاة فى المحلّل، فقال العلّامة فى «التذكرة «2»»: إنّه قول علمائنا أجمع، و أكثر أهل العلم. و أمّا المحرّم، فقال فى «التذكرة»- أيضا-: «إنّه لا زكاة فيه عند علمائنا، لعموم قوله عليه السّلام: «لا زكاة في الحلّي»، و أطبق الجمهور «3» كافة على ايجاب الزكاة فيه ...»، و فى «الجواهر»:

«بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار، بل الإجماع بقسميه عليه ... «4»». و يدلّ على ذلك جملة من النصوص، كصحيح محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الحلي فيه زكاة؟ قال: «لا «5»،»، و مصحّح رفاعة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله بعضهم عن الحليّ فيه زكاة، فقال:

______________________________

(1)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 118، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم. و جملة: «و أكثر أهل العلم» من كلام صاحب المدارك رحمه اللّه.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: صص 129، 132، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(3)- لاحظ: ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: صص 605- 606؛ الجزيري، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: صص 601- 602، ط 3، افست دار احياء الكتاب العربي- بيروت. و فى المذاهب اختلاف فى الحكم، و تفصيل.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 183، ط النجف الأشرف.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الذهب و الفضّة، ح 3، 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 36

و لا في أواني

الذهب و الفضّة و إن بلغت ما بلغت (170)، بل قد عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم و الدينار اذا اتّخذا للزينة و خرجا عن رواج المعاملة بهما (171). نعم، في جملة من الأخبار أنّ زكاتها إعارتها (172).

______________________________

«لا، و لو بلغ مائة ألف «1»»، و خبر هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «ليس على الحلي زكاة «2»»، و غير ذلك «3».

(170) لما عرفت آنفا من اشتراط وجوب الزكاة فيهما بكونهما مسكوكين، فلا تثبت الزكاة في غير المسكوك منهما.

(171) و قد مرّ الكلام فيه، فلاحظ.

(172) كمرسل ابن ابي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «زكاة الحلي إعارته «4»»،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الذهب و الفضّة، ح 4.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 37

[مسألة 2: لا فرق في الذهب و الفضّة بين الجيد منها و الردي.]

[مسألة 2]: لا فرق في الذهب و الفضّة بين الجيد منها و الردي. (173)، بل تجب إذا كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديّا، و يجوز الإخراج من الردي و إن كان تمام النصاب من الجيّد (174)، لكن الأحوط خلافه، بل يخرج الجيد من الجيّد و يبعض

______________________________

و ما فى «الفقه الرضوي»: «ليس على الحلّي زكاة، و لكن تعيره مؤمنا إذا استعار منك فهو زكاة «1»».

(173) قال في «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم «2» إلى الأصحاب، مشعرا بالإجماع عليه ... «3»». و ذلك لإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة المسكوكين، مع بلوغهما النّصاب، فإن ذلك يشمل كل ما صدق عليه ذلك،

و إن لم يكن بجيّد، بعد فرض كون الجيّد و غيره من جنس واحد.

(174) كما صرّح بذلك في «المبسوط «4»»، و هو الصّحيح، لإطلاق الأدلّة، بناء على

______________________________

(1)- الفقه الرضوي، ص 198/ تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، ط المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السّلام، مشهد المقدّسة- إيران.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 93، ط النجف الأشرف.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 191، ط النجف الأشرف.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 15: ص 209، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 38

بالنسبة مع التبعض (175)، و إن أخرج الجيّد عن الجميع فهو

______________________________

ما هو المختار، من تعلّق الزكاة بالعين بنحو الحق، فإنّه عليه لا بدّ له من إخراج الحقّ المذكور، إمّا من العين نفسه، أو من غيرها؛ و لكن من جنس العين- كما هو المفروض فى المقام، فإنّ الردّي المخرج منه الزكاة من جنس الجيّد المفروض تعلّق الزكاة به- أو من غير جنسها- أيضا- و هو الإخراج بالقيمة.

نعم، بناء على القول بالإشاعة، أو الكليّ فى المعيّن، لا بدّ من إخراج الجيّد، إذا كان تمام النصاب من الجيّد، لأنّ الفقير مثلا- حينئذ- شريك مع المالك في الجيّد، فلا بدّ من إعطائه حقّه. و إذا فرضنا أنّ النّصاب مركّب من الجيّد و الردّي كان اللازم هو التقسيط في الإخراج بالنسبة، كما صرّح به بعضهم «1».

(175) كما نسب ذلك إلى المشهور «2» و يقتضيه القول بالإشاعة او الكلي في المعيّن في تعلّق الزكاة بالعين، كما مرّ. و الاحتياط المذكور لا بأس به.

______________________________

(1)- الشهيد الأوّل، محمد بن مكّى: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 236، ط مؤسّسة

النشر الاسلامي، قم- إيران؛ البيان/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 301؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 385، نشر مؤسّسة المعارف الاسلامية، قم- إيران.

حيث لم يعلّق على كلام المصنف قدّس سرّه في حكمه بذلك، ممّا يظهر منه موافقته إيّاه (المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 151، ط الأولى).

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 193، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 39

أحسن (176). نعم، لا يجوز دفع الجيّد عن الردي بالتقويم (177).

______________________________

(176) قال في «الشرائع»: «و فى الإخراج إن تطوّع بالأرغب، و إلّا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه «1»».

(177) لأنّه إذا كان نصف الدّينار الجيّد يسوى دينارا رديّا، و كان الواجب عليه فريضة هو الدّينار، فإذا أراد الإخراج من عين النّصاب كان عليه إعطاء الدّينار الواحد الجيّد إذا كان تمام النصاب جيّدا، أو الردّي إذا كان رديّا كذلك، أو التبعيض بالنسبة إذا كان النصاب مركّبا، على ما يقتضيه القول بالإشاعة أو الكلّي في المعيّن. و إن لم يرد الإخراج من عين النّصاب و أجزنا إخراج الدّينار الردّي مع كون تمام النّصاب جيّدا، كان له إخراج ذلك. و في هذين الفرضين تعتبر المماثلة الكميّة- لا محالة- بين الفريضة و بين ما هو المخرج، بالفتح. و أمّا إذا لم يرد الإخراج من عين النّصاب، و لا من المعين المسانخ له، و أراد الإخراج بالقيمة، جاز له إخراج الدينار المفروض عليه- مثلا- بقيمته، من الدراهم، أو من غير النقدين، على القول بجواز ذلك، و في مثل ذلك لا موضوع لاعتبار المماثلة. و ليس له- حينئذ-

الإخراج من العين المسانخ له- و هو الدّينار مثلا- لكن بالتقويم، بأن يقوم الدّينار الّذي يريد أن يخرجه- و نفرضه دينارا رديّا-

______________________________

(1)- المحقّق، الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1:

ص 151، ط الأولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 40

بأن يدفع نصف دينار جيد يسوي دينارا رديّا عن دينار، إلا إذا صالح (178) الفقير بقيمة في ذمّته، ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة، فإنّه لا مانع منه، كما لا مانع من دفع الدينار الردي عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك (179).

______________________________

بنصف دينار جيّد، و يخرج نصف دينار جيّد قيمة، و ذلك لعدم إطلاق أدلّة الإخراج بالقيمة لمثل ذلك، و هذا هو المشهور، على ما قاله بعضهم «1».

(178) بأن يصالح الفقير ما عليه من الفريضة بقيمة الفرد الأدنى، مثلا: إذا كان الدينار الجيّد يسوى عشرة دراهم، و الردّي خمسة دراهم، فصالح الفقير ما هو الواجب عليه- و هو الجيّد- بخمسة دراهم، و حينئذ جاز له أن يدفع نصف دينار جيّد، اداء لما صالح به الفقير عليه.

(179) أي: كان فرضه نصف دينار جيّد. و الوجه في ذلك يظهر مما مرّ، فإنّه إذا كان المخرج مسانخا لما هو الواجب عليه، اعتبر فيه- لا محالة- المماثلة الكميّة، أي المماثلة في المقدار، لكن بمعنى عدم كون المخرج أقلّ مقدارا من الواجب، لا مطلقا حتّى مع عدم الزيادة عليه، فإنّ الزيادة غير مانعة، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 94، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 41

[مسألة 3: تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة]

[مسألة 3]: تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة (180).

______________________________

(180) مفروض

المسألة: ما إذا كان الغشّ بحدّ يخرج به عن كونه ذهبا و فضّة عرفا، و أمّا إذا لم يكن الغش كذلك، بأن كان الخلط بالغير قليلا بحيث لا يخرجه عن مصداقيّة الذهب و الفضّة، فلا ينبغي الإشكال- حينئذ- في وجوب الزكاة. و المسألة ممّا لم يوجد الخلاف فيها، بل قيل: هي من الواضحات، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب، مشعرا بالإجماع عليه «1».

و قد يستشكل ذلك «2» بدعوى أنّ الدّينار من الذهب، و الدرهم من الفضّة المسكوكين تجب الزكاة فيهما، و المغشوش منهما الخارج عن صدق اسم الذهب أو الفضّة عليه عرفا يشكّ في كونه مصداقا لما تجب الزكاة فيه، للشك في صدق الدينار و الدّرهم عليه. و قد يتكلّف في دفعه «3» بدعوى أنّ المراد بالدّرهم و الدينار الفضّة و الذهب المسكوكين بسكّة المعاملة، و لو مع الغشّ.

و قد يتمسّك في ذلك برواية زيد الصّائغ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها: «بخارى»، فرأيت فيها دراهم تعمل، ثلث فضّة، و ثلث مسّا، و ثلث رصاصا، و كانت تجوز عندهم، و كنت أعملها و أنفقها، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بذلك، إذا كان تجوز عندهم، فقلت:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 195، ط النجف الأشرف.

(2)- المقدّس الأردبيليّ، مولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 98، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 195، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 55، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

42

..........

______________________________

أ رأيت إن حال عليه الحول و هي عندي، و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة، أزكّيها؟

قال: نعم، إنّما هو مالك ... «1»». و ضعف سندها- بزيد الصائغ و غيره- ممّا يدعى «2» انجباره بعمل الأصحاب.

و تحقيق القول في ذلك: أنّ مقتضى جملة من النّصوص «3» هو وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة مطلقا، من دون تقييد بالدينار و الدّرهم، و لكنّه في جملة أخرى من الروايات «4» قيّد الإطلاق المذكور بالدّينار و الدّرهم، و أنّه إنّما تجب الزكاة في الذهب و الفضّة إذا كانا دينارا و درهما، و حينئذ فحيث كان المخصّص المجمل مفهوما المردّد بين الأقل و الأكثر- و هو الدينار و الدّرهم- منفصلا، كان المرجع فيما يشك في اندراجه تحت المخصّص، هو العموم فيحكم- في محلّ الكلام- بوجوب الزكاة فى المغشوش الّذي يشك في صدق اسم «الدينار» و «الدرهم» عليه، نظير الأخذ بعموم «اكرم العلماء» فى العالم مرتكب الصغيرة، المخصّص ب «لا تكرم فسّاق العلماء» عند تردّد مفهوم «الفسق» بين خصوص مرتكب الكبيرة، أو الأعمّ منه و من مرتكب الصّغيرة.

هذا، و لا يخفى أنّ الاستدلال لاعتبار صدق الدينار و الدّرهم في وجوب الزكاة- تارة- يكون بقوله عليه السّلام: «ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدّراهم «5»»، و عليه فلا مجال للقول بوجوبها في المغشوش في محلّ الكلام،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 195، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1، 2، 5، 7، 10.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن

الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الذهب و الفضّة، ح 3، 5.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 43

إذا بلغ خالصهما النصاب (181)، و لو شكّ في بلوغه، و لا طريق

______________________________

ممّا يشكّ فيه في صدق الدينار و الدّرهم، نظرا إلى كون العموم أو الإطلاق مخصّصا أو مقيّدا من الأوّل، و لا مجال للرّجوع إلى العام في المشكوك فيه إذا كان التخصيص بالمتّصل. و أمّا إذا كان الاستدلال بمفهوم الحصر المستفاد من الكلام المذكور، بأن يكون المفهوم المذكور مخصّصا لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة فى الذهب و الفضّة، بأن كان التخصيص بالمنفصل، و جاز- حينئذ- الرجوع إلى العموم في مورد الشبهات المصداقيّة.

و ببيان آخر: تارة يكون المستند في تقييد العموم هو الحصر المستفاد من قوله عليه السّلام- في خبر جميل-: «ليس فى التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدّراهم»، و مقتضاه: عدم إمكان الرّجوع في الشبهة المصداقيّة إلى العموم، لكون العموم مخصّصا من الأوّل، حيث إنّه رتّب فيه وجوب الزكاة على الذهب أو الفضّة إذا كان دينارا أو درهما. و أمّا إذا كان المستند فيه هو المفهوم الملازم للحصر المذكور، و هو نفي الزكاة عن الذهب و الفضّة غير الدينار و الدّرهم، بأن قيّد عموم ما دلّ على وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة بذلك، فلا محالة كان ذلك من التخصيص بالمنفصل، و حينئذ جاز فيه الرّجوع إلى العموم في مورد الشبهة المصداقيّة للمخصّص، و هو الصّحيح؛ لأنّه فى الأوّل لا يكون مخصّصا، لكون المنطوق مثبتا للحكم في مورد الدينار و الدرهم، فلا ينافى ثبوته في مطلق الذهب و الفضّة، بل الموجب للتخصيص إنّما هو المفهوم النافي للحكم

عن غير الدينار و الدرهم، كما هو ظاهر.

(181) لوجوب الزكاة في الذهب و الفضّة بمقتضى الأدلّة الحاصرة للزكاة فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 44

للعلم بذلك- و لو للضرر- لم تجب (182). و في وجوب التصفية و نحوها للاختبار إشكال أحوطه ذلك، و إن كان عدمه لا يخلو عن قوّة (183).

______________________________

التسعة «1».

(182) إذا لم يمكن الاختبار، إمّا لعجز تكويني، كما إذا لم يكن ذلك في متناوله ليختبره، أو لعجز تشريعي، كما إذا كان اختباره موجبا لتضرّره بسبب النقص الوارد عليه من ذلك، لم يجب الاختبار. أمّا الأوّل فظاهر. و أما الثاني فلعموم دليل نفي الضرر «2».

(183) المشهور هو عدم وجوب الفحص فى الشبهة الموضوعيّة. قال فى «الجواهر «3»»: «أمّا لو شكّ فلا وجوب، للأصل و غيره، بل المعروف- أيضا-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: ما تجب الزكاة و ما تستحب فيه.

(2)- عدم وجوب الاختبار على تقدير الضّرر في الاختبار- على مبنى سيّدنا الأستاذ دام ظلّه في حديث نفي الضرر- واضح، فإنّ المنفي إنّما هو الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر، فينتفي به وجوب الزكاة المحتمل، الّذي ينشأ منه وجوب الاحتياط بالاختبار، باعتبار عدم المؤمّن عن التكليف المحتمل. و أمّا في مورد العجز التكويني فغير واضح، إلّا على تقدير كون وجوب الاختبار نفسيّا أو طريقا، و هو ممنوع منه.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 199، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 45

[مسألة 4: إذا كان عنده نصاب من الجيد]

[مسألة 4]: إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج

______________________________

عدم وجوب التصفية و نحوها للاختبار، بل عن «المسالك «1»»: لا قائل بالوجوب ...- إلى

ان قال قدّس سرّه، بعد الاستدلال لعدم الوجوب و المناقشة فيه:- و لعلّه لذلك مال بعض المحقّقين هنا إلى وجوب التعرّف بالتصفية أو غيرها. و هو قويّ جدّا، إن لم يكن إجماع على خلافه».

و العمدة ممّا استدلّ- أو يمكن الاستدلال- به لوجوب الاختبار هنا وجهان:

أحدهما: أن ما دلّ على وجوب الحجّ أو الزكاة أو الخمس بالملازمة العرفيّة يدلّ على وجوب الفحص عن الاستطاعة- مثلا- فى الحج، و النصاب فى الزكاة، و حصول الربح- مثلا- فى الخمس.

و المناقشة فيه: أنّه لو تمّ، فلا يكون ذلك في جميع الموارد، بداهة أنّه- تارة- يعلم بوجوب الزكاة عليه، لكنّه لا يعلم بالمقدار، لجهله بالنّصاب، و اخرى: لا يعلم اصلا بوجوب الزكاة عليه، لجهله أصلا ببلوغ المال النصاب و عدمه. فلو سلّمنا بالملازمة فإنّما يجب الاختبار فى الفرض الأوّل، دون الثاني الّذي لم يعلم بالوجوب أصلا، كما هو ظاهر.

و الآخر: أنّه يلزم من عدم الفحص في أمثال الموارد المذكورة عدم فعليّة الحكم الواقعي دائما، فلا محالة يحكم بوجوب الفحص فيها احترازا عن المحذور المذكور.

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 387، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 46

عنه من المغشوش (184)، إلّا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه

______________________________

و يناقش فيه: بأنّ العلم بذلك- في كثير من الموارد- حاصل بدون الفحص، كما إذا ربح، أو ورث ما لا كثيرا، دفعة واحدة، بحيث يعلم بتحقّق الاستطاعة، أو الزيادة على المئونة، فلا يتوقّف العلم بالحكم على الفحص دائما. على أنّ غاية ما يقتضيه عدم الفحص إنّما هو تأخير الحجّ- مثلا- عن أوّل عام الاستطاعة، أو تأخير حق السّادة أو الفقراء

عن العامّ الأوّل للربح، و لكن شمول دليل الوجوب للعامّ الأوّل بالإطلاق أو العموم، فعدم فعليّته بالنسبة إلى العام الأوّل، و فعليّته بالنسبة إلى الأعوام التالية ليس هو من عدم فعليّة الحكم الواقعيّ- المأخوذ فى الاستدلال- في شي ء، كما هو ظاهر.

و الإنصاف أنّه لا دليل على وجوب الفحص و الاختبار، و المحكّم هو إطلاق أدلّة البراءة. و لعلّ من احتاط فى المسألة فإنّما كان ينظر في ذلك إلى أحد الوجهين المتقدّمين. و اللّه العالم.

(184) قد تقدّم جواز إخراج الرديّ عن الجيّد، و أمّا إخراج المغشوش عن الخالص فلا يجوز، فإنّ الواجب هو إخراج نصف مثقال من الذهب- مثلا- زكاة، و إخراج نصف المثقال من المغشوش- لأجل خلط الذهب فيه بغيره- لا يكون إخراجا لما هو الواجب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 47

من الخالص (185)، و إن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه (186)؛ إلّا إذا دفعه بعنوان القيمة إذا كان للخليط قيمة (187).

______________________________

(185) و هذا ظاهر، فإنّه إذا ادّى ذلك كان قد أدّى ما هو الواجب عليه، و إن كان مصحوبا بزائد من غير الذهب أو الفضّة مثلا، حيث أن الزيادة غير مضرّة.

(186) لعدم ملاحظة الماليّة في هذا المقام، فان إخراج نصف مثقال من الذهب- مثلا- واجب، لا أنّ الواجب هو إخراج ما يكون بهذا المقدار بحسب الماليّة. و بكلمة أخرى يكون المخرج- في هذا الفرض- هو أقلّ من نصف مثقال من الذهب مثلا، مع كون الواجب عليه- فرضا- هو نصف مثقال، و هو لا يجزي، و إن كان هذا الذهب الّذي يقلّ وزنه عن نصف المثقال مساويا للنصف فى القيمة؛ و الحاصل: أنّ الإخراج من جنس النصاب لا بدّ

و أن يكون بمقدار الواجب وزنا، و لا يكفى كونه بمقداره قيمة، مع كونه أقلّ منه وزنا، كما هو المفروض.

(187) لما ذكرنا سابقا، من جواز إخراج الزكاة من غير جنس النصاب بعنوان القيمة، فإذا كان للخليط قيمة، و كانت قيمة الذهب مع الخليط- مثلا- مساوية لقيمة ما هو الواجب عليه إخراجه، فدفع المالك المغشوش بعنوان القيمة، جاز له ذلك.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 48

[مسألة 5: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش]

[مسألة 5]: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش، إلّا مع العلم على النحو المذكور (188).

[مسألة 6: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب، و شكّ في أنّه خالص أو مغشوش]

[مسألة 6]: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب، و شكّ في أنّه خالص أو مغشوش، فالأقوى (189) عدم وجوب الزكاة، و إن كان أحوط.

[مسألة 7: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب، أو الدنانير المغشوشة بالفضّة]

[مسألة 7]: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب، أو الدنانير المغشوشة بالفضّة، لم يجب عليه شي ء إلّا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب، فيجب في البالغ منهما أو فيهما، فإن علم الحال فهو، و إلّا وجبت التصفية (190)، و لو

______________________________

(188) يعلم الحكم فى المسألة ممّا سبق بيانه فى المسألة الرّابعة، فإنّها من فروعات تلك المسألة.

(189) لما سبق فى المسألة الثالثة، من أنّ المرجع في مورد الشكّ في تعلّق الزكاة البراءة، فلاحظ.

(190) مفروض المسألة هو العلم ببلوغ النّصاب إجمالا، مع عدم العلم تفصيلا بأنّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 49

علم أكثريّة أحدهما مردّدا، و لم يمكن العلم، وجب إخراج الأكثر من كلّ منهما (191)، فإذا كان عنده ألف، و تردّد بين أن يكون مقدار الفضّة فيها أربعمائة و الذهب ستمائة و بين العكس، أخرج عن ستمائة ذهبا و ستمائة فضّة، و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستمائة عن الذهب و أربعمائة عن الفضّة، بقصد ما فى الواقع.

______________________________

البالغ منهما هو الذهب، أو الفضّة، أو كلاهما. و لا مجال هنا للبراءة، للعلم فيه باشتغال الذمّة بالزكاة يقينا، و لا بدّ من إحراز الفراغ اليقيني منه؛ و من جملة مصاديق ما يوجب إحراز الفراغ التصفية، من دون أن يكون الأمر منحصرا به، فله أن يعطى بمقدار يحصل به اليقين بالفراغ، كما هو ظاهر.

(191) مفروض المسألة- كما يعلم من المثال- هو ما إذا كان المقدار الزائد- و هو المائتان في مفروض المثال- بمقدار النصاب على

كل تقدير، سواء أ كان الزائد من الذهب أم كان من الفضّة. و قد حكم قدّس سرّه في ذلك بوجوب إخراج الزكاة من المائتين الزائدتين مرّتين: مرّة بعنوان الذهب، و اخرى بعنوان الفضّة، و ذلك للعلم الإجمالي فيهما بوجوب زكاة الذهب أو الفضّة، و الخروج عن عهدة العلم الإجمالي المذكور، المفروض تنجّزه، إنّما يكون باخراج الزكاة كذلك «1».

______________________________

(1)- و قد يستظهر جواز الاقتصار على الأقلّ قيمة- فى المائتين- و هو الفضّة، فإنّ الزكاة و إن-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 50

[مسألة 8: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أن الغش ثلثها- مثلا- على التساوي في أفرادها]

[مسألة 8]: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أن الغش ثلثها- مثلا- على التساوي في أفرادها، يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص و أن يخرج سبعة و نصف من المغشوش (192)، و أما إذا كان الغش- بعد العلم بكونه ثلثا في

______________________________

(192) فإنّ المفروض هو أنّ ثلث الدراهم الثلاثمائة- على التساوي- غش، إذن فالثلث من المائتين- و هو أوّل نصاب الدرهم- المغشوش، يجبره الثلثان من المائة الزّائدة، فيكون عنده- في مفروض المثال- فضّة خالصة، بالغة حدّ النصاب الأوّل من نصابي الفضّة، و زكاتها خمسة دراهم خالصة، و نسبة خمسة دراهم

______________________________

- كانت حقّا متعلّقا بالعين الخارجيّة، إلّا أنّها على سبيل الشركة فى المالية، و للمالك ولاية التبديل و الإخراج من غير العين، بعنوان القيمة، فهو مخيّر بين الأمرين، أي: دفع العين و القيمة، فالحق و إن كان متعلّقا بالعين، إلّا أنّ الواجب هو الجامع بين الأمرين، و بما أن القيمة التي هي عدل الواجب التخييري مردّدة بين الأقل و الأكثر، لتردّدها بين قيمة الذهب التي هي أكثر، و الفضّة التي هي أقلّ، فلا علم باشتغال الذمة إلّا

بالمقدار المتيقّن، و هو الأقل، و أما الزائد عليه فتعلّق التكليف به مشكوك من أوّل الأمر، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة ...» (البروجردي، الشيخ مرتضى: مستند العروة الوثقى، ج 1: صص 304- 305).

و هذا الكلام مخدوش فيه بما سبق فى الكلام عن جواز إخراج الزكاة بالقيمة، من أنّ المستفاد من النصوص الدالّة على جواز التبديل هو انّ دفع القيمة من باب البدليّة عن الفريضة، لا أنّ الفريضة هو الجامع بين نفس العين و بين القيمة، فالواجب- أوّلا- هو إخراج العين نفسها، و لكنّه يجوز للمالك تبديلها- متى ما أراد الإخراج- بما يساوى قيمتها حين الإخراج، فإذا كان الواجب مردّدا بين الذهب و الفضّة لم يكن المورد من موارد الدوران بين الأقل و الأكثر، كما هو ظاهر (المرتقى، ج 1: ص 310).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 51

المجموع- لا على التساوي فيها، فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة، إمّا بإخراج الخالص، و إمّا بوجه آخر (193).

[مسألة 9: إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلّق به الزكاة و غاب]

[مسألة 9]: إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلّق به الزكاة و غاب، و

______________________________

خالصة إلى المائتين خالصة نسبة الواحد إلى الأربعين، و بنفس هذه النسبة تكون نسبة السبعة دراهم و نصف درهم المغشوشة إلى الثلاثمائة درهم المغشوشة. و هذا ظاهر.

(193) و لا يجزى- حينئذ- إخراج سبعة دراهم و نصف بعنوان الزكاة، و ذلك لعدم تساوى الغش فى الدراهم على الفرض، حيث يكون الغش في بعضها بالثلث، و بعضها بالربع ...، و حينئذ فلا يحرز كون سبعة دراهم و نصف من هذه الدراهم المغشوشة تعادل خمسة دراهم خالصة.

نعم، إذا فرضنا أنّ قيمة سبعة دراهم و نصف من هذا المغشوش تعادل قيمة خمسة دراهم خالصة جاز إعطاءها زكاة،

بعنوان إخراج الزكاة بالقيمة، المفروض فيه: هو التعادل بين الواجب و بين ما يعطيه المالك بحسب القيمة، دون التعادل بالكمّ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 52

بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب، لم تجب عليه (194)؛ إلّا إذا كان متمكّنا من التصرّف فيه طول الحول مع كونه غائبا.

______________________________

(194) تارة يفرض الكلام في مورد توكيل أحد- من العائلة أو غيرهم- على المال المذكور، بأن كان الوكيل مسلّطا على المال المذكور، متمكّنا من التصرّف فيه، فبما أن سلطنة الوكيل على التصرّف و تمكّنه منه بمثابة سلطنة الموكّل- بالكسر- على ذلك، فإذا حال على المال المذكور الحول، وجبت فيه الزكاة، لتحقّق ما هو شرط وجوبها.

و اخرى: لا يفرض مثل ذلك، بأن كان قد ترك المال عند العائلة بدون توكيل لأحد عليه، فكان المال قد خرج عن سلطنته عرفا، فبما أنّه يعتبر التمكّن من التصرّف تمام الحول في وجوب الزكاة- كما مرّ الكلام فيه- فلا محالة لا تجب عليه زكاة المال المذكور. هذا ما تقتضيه القواعد العامّة، و يعاضدها النصوص الخاصّة أيضا، فقد وردت فى المقام ثلاث روايات معتبرة سندا، و تامّة دلالة، و هي كالآتي:

1- موثّق اسحاق بن عمّار، عن أبى الحسن الماضى عليه السّلام، قال: قلت له: رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين، لسنتين، عليها زكاة؟ قال: «إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة «1»».

2- مرسل ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل وضع لعياله ألف

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

درهم نفقة، فحال عليها

الحول. قال: «إن كان مقيما زكّاه، و إن كان غائبا لم يزكّ «1»».

3- رواية ابي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يخلّف لأهله ثلاثة آلاف درهم، نفقة سنتين، عليه زكاة؟ قال: «إن كان شاهدا فعليها زكاة، و إن كان غائبا فليس فيها شي ء «2»».

فإنّ الظاهر من النصوص المذكورة هو: أنّ جهة السؤال فيها إنّما هو عدم تمكّن المالك من التصرّف فى المال طول الحول، باعتبار الانقطاع الّذي كان يحدث للمسافر في مثل تلكم الأزمان، بالنظر إلى فقد وسائل الارتباطات فيها.

و حينئذ فيكون مفادها مطابقا لما تقتضيه القاعدة فى المسألة، كما أشرنا إليه. و في «الجواهر «3»»: إنّ الحكم المذكور هو «المشهور شهرة عظيمة». و المخالف في المسألة ابن ادريس رحمه اللّه «4»، حيث ذهب إلى عدم الفرق بين الغيبة و الحضور فى وجوب الزكاة.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 202، ط النجف الأشرف.

(4)- ابن ادريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 447، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

قلت: ملاحظة عبارة «السّرائر» يعطى خلاف ما هو ظاهر المنسوب إليه، و إليك ذلك:

«قال بعض أصحابنا: و اذا خلّف الرجل دراهم أو دنانير، نفقة لعياله، لسنة، أو سنتين، او أكثر من ذلك، و كان مقدار ما تجب فيه الزكاة، و كان الرجل غائبا، لم تجب فيها زكاة، فإن كان حاضرا وجبت عليه فيها الزكاة، ذكر ذلك شيخنا ابو جعفر الطوسي رحمه اللّه في «نهايته» و هذا غير واضح؛ بل حكمه حكم الغائب، إن قدر على أخذه متى أراده بحيث متى رامه

أخذه، فإنّه يجب عليه فيه الزكاة، سواء كان نفقة، أو مودعا، أو كنزا، فإنّه ليس- بكونه نفقة- خرج عن ملكه، و لا فرق بينه و بين المال الذي له في يد وكيله، و مودعه، و خزانته ...» و هذا الكلام- كما تراه- ظاهر فى الحكم على طبق القاعدة، كما هو مختار المشهور.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 54

[مسألة 10: إذا كان عنده أموال زكويّة من أجناس مختلفة، و كان كلّها أو بعضها أقلّ من النصّاب]

[مسألة 10]: إذا كان عنده أموال زكويّة من أجناس مختلفة، و كان كلّها أو بعضها أقلّ من النصّاب، فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر (195). مثلا: إذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مائة و تسعون درهما، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم، و لا العكس.

______________________________

(195) فى «الحدائق «1»»: «اتّفق الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- على أن لا يضمّ أحد النقدين إلى الآخر، على وجه يكون النصاب مركّبا منهما، بل يجب لكلّ منهما نصابه المتقدّم ...». و فى «المدارك «2»»: «هذا قول علمائنا أجمع، و وافقنا عليه اكثر العامّة ... «3»». و فى «الجواهر «4»»: «إجماعا بقسميه ...».

و يدلّ عليه: أنّ المستفاد من الأدلّة هو اعتبار النصاب في وجوب الزكاة في كلّ من التسع، التي تجب الزكاة فيه، مستقلا، فكما أنّه يعتبر في وجوب الزكاة فى الغنم- مثلا- بلوغه النّصاب، و لا يكفى فيه النصاب المركّب منه و من البقر مثلا، كذلك الذهب و الفضّة، يعتبر في وجوب الزكاة في كلّ منهما بلوغه النصاب باستقلاله. فالحكم فى المسألة على طبق القاعدة، مضافا إلى أنّه مقتضى النصوص

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 91، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 127، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)-

ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 597- 598؛ ابن حزم، علي بن أحمد:

المحلى، ج 1: ص 81.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 304، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 55

[فصل في زكاة الغلّات الأربع]

اشارة

[فصل] في زكاة الغلّات الأربع و هي- كما عرفت- الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب؛ و في إلحاق السلت- الذي هو كالشعير في طبعه و برودته، و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- إشكال (196) فلا يترك الاحتياط

______________________________

الخاصّة أيضا، كصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما، و تسعة عشر دينارا، أ يزكّيها؟ فقال: «لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتّى يتمّ «1»»، و نحوها غيرها «2».

(196) أمّا وجوبها فى الغلات الأربع فممّا لا ينبغى الإشكال فيه، كما و لم يظهر ذلك من أحد فيما نعلم. و يدلّ عليه الروايات المستفيضة، بل المتواترة، و قد مرّت

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الانعام، ح 2؛ باب 2: زكاة الغلات، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 56

..........

______________________________

الإشارة إليها في ذكر الأجناس الّتي تتعلّق بها الزكاة، فلاحظ «1». إنّما الكلام في الحاق السلت بالشعير، و العلس بالحنطة و عدمه، فالمشهور «2»، بل فى «الغنية «3»» دعوى الإجماع عليه، عدم الإلحاق، و لذلك التزموا فيهما باستحباب الزكاة دون وجوبها، و المحكي «4» عن الشيخ «5»، و الحلّي «6»، و العلّامة في بعض كتبه «7»،

و الشهيدين «8»، و المحقّق الثّاني «9»، و الميسى- قدّس اللّه أسرارهم- هو الوجوب، إلحاقا لهما بالشعير و الحنطة. و استدلّوا له بتنصيص أهل اللغة على أنّ السلت نوع من الشعير، و العلس نوع من الحنطة، و إليك بعض ما جاء من ذلك ففى «القاموس «10»»: «السلت- بالضمّ- الشعير او ضرب منه. و فيه

______________________________

(1)- الجزء الأوّل: ص 234 فما بعد.

(2)- الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 191، ط مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم.

(3)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 566، ط الحجريّة- إيران.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 205، ط النجف الأشرف.

(5)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 217، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(6)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: صص 428- 429، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم- إيران.

(7)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 178، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ قواعد الأحكام، ج 1:، ص 342، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

و في «تحرير الأحكام» (ص 59، ط الحجرية- إيران): «استقرب عدم الوجوب فيهما». و قريب منه في «مختلف الشيعة» (ج 3: ص 187، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم). و فى «منتهى المطلب» (ص 474، ط الحجرية- إيران) استشكل ثبوت الزكاة فيهما.

(8)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكي: البيان/ تحقيق الشيخ محمّد الحسون، ص 283، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 390، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.

(9)- المحقّق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: صص 22- 23، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(10)- الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج 1: ص

150، ط 2، المطبعة الحسينيّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 57

..........

______________________________

- أيضا «1»-: العلس- محرّكة- القراد، و ضرب من البر، يكون حبتان في قشر، و هو طعام صنعاء»، و فى «المجمع «2»»: «السلت- بالضم فالسكون- ضرب من الشعير لا قشر فيه، كأنّه الحنطة، تكون فى الحجاز»، و عن الأزهري «3»:

«السلت: شعير لا قشر له، أجرد، يكون بالغور»، و قال: «العلس: ضرب من القمح يكون فى الكمام منه و حبّتان ... «4»»، و عن «الصحاح «5»»: «العلس:

ضرب من الحنطة تكون حبّتان في قشر، و هو طعام أهل صنعاء. و قال- أيضا-:

«السلت- بالضمّ- ضرب من الشعير ليس له قشر، كأنّه حنطة «6»»، و عن ابن الأثير فى «النهاية «7»»: «السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له. و قيل: هو نوع من الحنطة، و الأوّل أصحّ؛ لأنّ البيضاء الحنطة»، و عن «العين «8»»:

«السلت: شعير لا قشر له، أجرد، يكون بالغور، و أهل الحجاز يتبرّدون بسويقه فى الصيف». و عن «المغرب «9»»: «السلت- بالضمّ- شعير لا قشر له، يكون

______________________________

(1)- ج 2، ص 232.

(2)- الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين/ تحقيق السيّد أحمد الحسيني، ج 2: ص 205.

(3)- الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 12: ص 384، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة.

(4)- ج 2، ص 96.

(5)- الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: صحاح اللغة، ج 3: ص 952، ط دار العلم للملايين، بيروت.

(6)- ج 1، ص 253.

(7)- ابن الأثير، المبارك بن محمّد: النهاية/ تحقيق: محمود محمد الطناحى- طاهر أحمد الزاوي، ج 2: ص 388.

(8)- الفراهيدي، الخليل بن أحمد: العين/ تحقيق: الدكتور مهدى المخزومي- الدكتور إبراهيم السامرائي، ج 7: ص 237؛ ترتيب كتاب العين/ إعداد: الشيخ

محمّد حسن بكائي، ص 382، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(9)- المطرّزي، ناصر بن عبد السيّد: المغرب في ترتيب المعرّب، ص 230، ط دار الكتاب-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 58

..........

______________________________

يكون بالغور و الحجاز»، و عن «المقاييس «1»»: «السلت: ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر، و العرب تسميه العريان ...»، و نحوها في سائر معاجم اللغة.

و قد أجاب عن ذلك المحقّق الهمداني قدّس سرّه بما حاصله: أنّ الرجوع إلى قول اللغويين إنّما يصحّ فيما يخصّهم من اللغة، فإذا تجاوزوا عن ذلك إلى ما ليس من اختصاصاتهم- كما فى المقام- حيث أنّ الظاهر من كلامهم إنّهم ليسوا بصدد بيان المستعمل فيه للكلمة، بل بصدد بيان اتّحاد الماهيّتين، بعد وضوح المستعمل فيه لكل من السلت و العلس- لم يكن قولهم حجة في ذلك حينئذ، فلا يصحّ الرجوع إليهم، كما هو ظاهر «2».

و الّذي يقرب هذا القول امور:

الأوّل: ما في جملة من الروايات، من عدّ السلت في عداد العدس، و الذرّة، و الدخن، و السمسم و نحو ذلك، ممّا هو محمول عند المشهور على الاستحباب، بملاحظة النصوص الحاصرة للزكاة فى التسع، و هذا ممّا يؤيّد عدم كون السلت داخلا في مفهوم الشعير، بحيث يكون ذلك صادقا عليه عرفا، و قد مرّت الإشارة «3» إلى بعض تلك الروايات عند الكلام في انحصار الزكاة فى التسع، و سيجي ء الإشارة إليها- أيضا- قريبا، إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

- العربي- بيروت.

(1)- ابن فارس، أحمد: معجم مقاييس اللغة، ج 3: ص 93، ط 3، مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده- مصر.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 58، ط إيران الحجريّة.

(3)- الجزء الأوّل: صص

235- 236.- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 59

فيه، كالإشكال في العلس الذي هو كالحنطة، بل قيل: إنّه

______________________________

الثاني: اختلاف كلمات اللغويين فى المقام، فعن ابن دريد «1»: «السلت حبّ يشبه الشعير أو هو بعينه»، و قال «2»: «العلس- أيضا- حبّة سوداء، تختبز فى الجدب، أو تطبخ»، و عن «المحيط «3»»: «العلس: شجرة كالبر إلّا أنّه مقترن الحبّ، حبّتين حبّتين»، و عن «المغرب «4»»: «العلس- بفتحتين- عن الغوري و الجوهري: حبة سوداء، إذا أجدب الناس طحنوها و أكلوها. و قيل: هو مثل البرّ، إلّا أنّه عسر الاستنقاء، و هو طعام أهل صنعاء.

الثالث: ملاحظة نفس التعابير المتقدّمة- على الجملة- ممّا يدلّنا على أنّهم بصدد بيان اتّحاد الماهيّتين و الحقيقتين، لا بصدد بيان مفهوم الحنطة و الشعير، و مفهوم السلت و العلس.

و الحاصل: أنّ القطع أو الاطمينان بدخول السلت و العلس في مفهومي الشعير و الحنطة غير حاصل، و حينئذ فينتهى الأمر إلى الشك، و مقتضى الأصل العملي فيهما هو عدم الوجوب، للبراءة عن وجوب الزكاة، كما لا يخفى. نعم، لا بأس بالاحتياط الاستحبابي بالإخراج، و أمّا الاحتياط الوجوبي- كما فى المتن- فلا وجه له ظاهرا.

______________________________

(1)- ابن دريد، محمّد بن الحسن: جمهرة اللغة، ج 2: ص 17، ط 1، مطبعة حيدرآباد- الهند.

(2)- ج 3، ص 32.

(3)- الصاحب، إسماعيل بن عبّاد: المحيط فى اللغة/ تحقيق: الشيخ محمّد حسن آل ياسين، ج 1:

ص 366.

(4)- المطرزي، ناصر بن عبد السيّد: المغرب في ترتيب المعرّب، ص 325، ط دار الكتاب العربي- بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 60

نوع

منها في كلّ قشر حبّتان، و هو طعام أهل صنعاء، فلا يترك الاحتياط فيه أيضا. و لا تجب الزكاة في غيرها، و إن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض، ممّا يكال أو يوزن (197) من الحبوب، كالماش، و الذّرة، و الأرز، و الدخن، و

______________________________

(197) المشهور هو استحباب الزكاة فى التسع، و قد تقدّم منّا الكلام في ذلك مفصلا، عند تعرّض المصنّف قدّس سرّه لانحصار وجوب الزكاة فى التسع، و ذكرنا هناك أنّ استفادة استحباب الأمور المذكورة إنّما هو من رواية علي بن مهزيار «1»، حيث دلّت على رجحان الزكاة في مطلق المكيل، بالبيان المتقدّم هناك، و إلّا فمع قطع النظر عنها لا مجال للجمع بين الطائفتين، إذ ليس المقام من موارد الجمع العرفي، بل هو بنظر العرف من موارد التعارض. و عليه، فتماميّة المذهب المشهور موقوفة على الأخذ برواية ابن مهزيار، إلّا أنّها ضعيفة السند، فلا يمكن الأخذ بها إلّا بضميمة ما دلّ على التسامح في أدلّة السنن، و هي القاعدة المعروفة بقاعدة التسامح، بناء على أنّ القاعدة تثبت الاستحباب، و هو خلاف التحقيق المحقّق، كما حرّر في محلّه من بحث الأصول.

و أمّا ما استند إليه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2» في تقريب الاستحباب، من أنّ رجحان الصدقة بالذات، و إمكان إرادة استحبابها بعنوان الزكاة من هذه

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: ما تجب فيه و ما تستحب فيه، ح 6.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 20، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 61

نحوها، إلّا الخضر و البقول (198)، و حكم ما يستحبّ فيه حكم ما

يجب فيه (199)، في قدر النصاب، و كميّة ما يخرج منه، و غير ذلك.

[و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران:]

اشارة

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران:

______________________________

الأخبار، و لو على سبيل التورية، الّتي هي أنسب بحال الإمام عليه السّلام في موارد التقيّة، مع اعتضاده بفهم الأصحاب و فتواهم، كاف في اثبات استحبابها، بمعنى أنّ المراد بالزكاة فيها هو الصدقة، تورية، لمناسبة ذلك مع كون المورد من موارد التقيّة، فممّا لا نعرف له وجها صحيحا، كما لا يخفى.

(198) الظاهر عدم الخلاف فيه، و يدلّ عليه- مضافا إلى الأخبار الحاصرة للزكاة في تسعة أشياء- صحيح زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصدقة في كلّ شي ء أنبتت الأرض، إلّا الخضر و البقول، و كلّ شي ء يفسد من يومه «1»»، و نحوه غيره «2».

(199) بلا إشكال في ذلك على الظاهر، فإنّ مقتضى الجمع بين النصوص- بنحو من الأنحاء المتقدّمة آنفا- إنّما هو حمل ما دلّ على ثبوت الزكاة في مطلق الحبوب الّتي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 6.

(2)- المصدر، باب 11: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 62

[الأوّل: بلوغ النصاب]

الأوّل: بلوغ النصاب (200)، و هو بالمنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيّا- مائة و أربعة و أربعون منّا، إلّا خمسة و أربعين مثقالا؛ و بالمنّ التبريزي- الّذي هو ألف مثقال- مائة و أربعة و ثمانون منّا، و ربع منّ، و خمسة و عشرون مثقالا؛ و بحقّة النجف في زماننا سنة 1326 ه. ق- و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفيّا و ثلث مثقال- ثمان و زنات «1» و

خمس حقق و نصف، إلّا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال؛ و بعيار الإسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة و عشر حقق، و خمسة و ثلاثون مثقالا،

______________________________

تكال على الاستحباب، و حينئذ فما دلّ على قدر النصاب و كميّة ما يخرج منه يكون شاملا للموارد المستحبّة كشموله للأجناس الّتي تجب الزكاة فيها، بلا فرق بين الموردين أصلا، كما لا يخفى.

(200) لا ينبغى الإشكال في اعتبار الشرط المذكور، و النصوص البالغة حدّ التواتر دالّة عليه، كما سيمرّ عليك خلال البحث، إن شاء اللّه تعالى. بل هو ضروريّ المذهب، كما قيل «2». ثمّ إنّ النصاب المقدّر فى الروايات الكثيرة إنّما هو خمسة أوسق، و الوسق ستّون صاعا.

______________________________

(1)- الوزنة، بحقّة النجف الأشرف أربعة و عشرون حقّة.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 207، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

و يدلّ على الأمرين- مضافا إلى الاتّفاق فيهما «1» فتوى- جملة من النصوص، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «ما انبتت الأرض، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا؛ فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر ... «2»»، و صحيح سعد بن سعد الأشعري قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة، من البر، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟ فقال: «خمسة أوساق بوسق النّبي صلّى اللّه عليه و آله، فقلت: كم الوسق؟ قال: ستّون صاعا «3»»، و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في ما دون خمسة أوساق شي ء، و الوسق: ستّون صاعا «4»»، إلي غير ذلك من

الروايات الدالّة على ذلك «5»، و فيها المعتبرة و غيرها. و هناك جملة اخرى من النصوص دالّة على خصوص الأمر الأوّل، كصحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التمر و الزبيب، ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: «خمسة أوسق ... «6»»، و صحيح البزنطي، عن الرضا عليه السّلام- في حديث- قال: «ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوساق شي ء «7»»، ... و صحيحه الآخر، في حديث، قال: «و ليس في أقلّ من خمسة أوساق شي ء من الزكاة «8»».

______________________________

(1)- نصّا و فتوى (النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 207، ط النجف الأشرف- العراق).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر/ باب 1: زكاة الغلات.

(6)- المصدر، ح 3.

(7)- المصدر، ح 4.

(8)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 64

..........

______________________________

و أمّا ما ورد في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، من أنّ النصاب ستّون صاعا، قال: سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟

قال: «في ستّين صاعا «1»».

أو أنّ النصاب وسق، كما في مرسلة ابن سنان، قال: «سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة في كم تجب، فى الحنطة، و الشعير؟ فقال: «في وسق «2»»، أو أنّه وسقان؛ كخبر أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تجب الصدقة إلّا في وسقين، و الوسق ستّون صاعا «3»»، و خبره الآخر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يكون فى الحب، و لا فى النخل، و لا فى العنب زكاة، حتّى

تبلغ وسقين، و الوسق ستّون صاعا «4»»، أو أنّه لا تقدير فيه أصلا، كموثّق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السّلام- في حديث زكاة الحنطة و التمر- قال: قلت: إنّما أسألك عمّا خرج منه، قليلا كان أو كثيرا، أله حد يزكّى ما خرج منه؟ فقال: «زكّ ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا، من كل عشرة واحد، و من كلّ عشرة نصف واحد ... «5»»،

فهي- مضافا إلى ما في اسناد بعضها من الضعف- لا تنهض بمعارضة النصوص الكثيرة- الصحيحة و غيرها- المتقدّم ذكر جملة منها، و عليه، فهي إمّا أن تكون محمولة على الاستحباب، كما عن الشيخ قدّس سرّه «6» و جماعة «7». و إمّا أن يرد علمها

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 10.

(2)- المصدر/ باب 3: زكاة الغلات، ح 4.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 4: ص 18، ط النجف الأشرف:

الاستبصار، ج 2: ص 18، ط النجف الأشرف.

(7)- المجلسي الاول، محمّد تقى: روضة المتقين: ج 3: ص 98، ط المطبعة العلميّة، قم؛ المحقّق.-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 65

..........

______________________________

إلى أهلها- بعد الغض عمّا في سند البعض منها- بناء على ما هو المختار من أنّ أمثال هذه الموارد لا تكون بنظر العرف من موارد حمل الظاهر على النصّ أو الأظهر، بل هي بنظر هم من موارد التعارض، كما لا يخفى. و اللّه العالم.

ثمّ إنّ الصاع عبارة عن تسعة أرطال بالعراقي و ستّة بالمدني، بلا خلاف معتدّ به «1»، كما يدلّ عليه مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال: كتبت

إلى أبى الحسن عليه السّلام- على يدى أبي- جعلت فداك، إنّ أصحابنا اختلفوا فى الصاع، بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني، و بعضهم يقول: بصاع العراقي. قال:

فكتب إليّ: «الصاع ستّة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي. قال: و أخبرني أنّه يكون بالوزن الفا و مائة و سبعين وزنة «2»»، و خبر عليّ بن بلال قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة، و كم تدفع؟ قال: فكتب عليه السّلام: «ستّة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي «3»».

و الوجه في دلالة الخبر الثاني على ذلك هو: أنّ الأرطال المذكورة إنّما هي لبيان مقدار الصاع، فإنّه الواجب فى الفطرة، كما سيأتي إن شاء اللّه. و يدلّ عليه- أيضا- رواية «تحف العقول» عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون، قال: «و العشر من الحنطة و الشعير ...- إلى أن قال:- و الوسق ستّون صاعا، و الصاع

______________________________

- جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 534، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم؛ المقدّس الأردبيلي، أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 130، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 100، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 208، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

تسعة أرطال، و هو أربعة أمداد، و المدّ رطلان و ربع بالعراقي «1»»، قال: و قال الصادق عليه السّلام: «هو تسعة أرطال بالعراقي، و ستّة بالمدني «2»».

و على هذا، فيكون الحاصل من ضرب التسعة أرطال- بناء

على تقدير الصاع بالأرطال العراقيّة- فى الستّين صاعا، و ضرب المجموع فى الخمسة أوسق، الفين و سبعمائة رطل. و بناء على التقدير بالأرطال المدنية: ألف و ثمانمائة رطل.

ثمّ إنّ الرطل العراقي عبارة عن مائة و ثلاثين درهما، كما هو المشهور «3»، بل لم ينقل الخلاف المعتدّ به فيه من أحد «4». و يدلّ عليه مكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: اختلفت الروايات فى الفطرة، فكتبت إلى أبى الحسن عليه السّلام صاحب العسكر أسأله عن ذلك، فكتب: «إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك على أهل مكّة، و اليمن، و الطائف ... «5»- إلى أن قال:- تدفعه و زنا ستّة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، يكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما «6»». و حيث قد عرفت آنفا أنّ الرطل العراقي عبارة عن تسع الصاع، فإذا كان الصاع بالرطل المدني هو ألف و مائة و سبعون درهما، كان تسعه عبارة عن مائة و ثلاثون درهما، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ كل عشرة دراهم تساوى سبعة مثاقيل شرعيّة، كما مرّ ذلك في زكاة النقدين، فيكون الرطل العراقي بالمثقال الشرعي أحد و تسعون مثقالا، و المثقال

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 9.

(2)- المصدر، ح 10.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 113، ط النجف الأشرف.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 210، ط النجف الأشرف.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الغلات، ح 2.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 67

و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيرا (201)، كما أنّها تجب في الزائد عليه يسيرا كان أو كثيرا (202).

[الثاني: التملّك بالزراعة فيما يزرع]

الثاني: التملّك بالزراعة فيما يزرع (203)، أو انتقال الزرع إلى

______________________________

الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، و عليه فيكون الصاع بالمثقال الصيرفي ستمائة مثقال، و أربعة عشر مثقالا، و ربع مثقال. و حينئذ يبلغ النّصاب- و هو ثلاثمائة صاع- بالمثقال الصيرفي: مائة ألف مثقال، و أربعة و ثمانين ألف مثقال، و مائتين و خمسة و سبعين مثقالا، و هو ينطبق على ما ذكره المصنّف قدّس سرّه فى المتن، من التقدير بالمنّ الشاهي، و التبريزي، و حقّة النجف الأشرف، و حقّة الإسلامبول.

(201) كما هو مقتضى النصوص المتقدّمة، و مقتضى إطلاقها هو عدم الوجوب فى الناقص عنه و لو يسيرا.

(202) للإطلاق.

(203) ذهب جمع- بل ادّعى الاتّفاق عليه «1»- إلى اعتبار النموّ فى الملك، و لكن

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 538، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 68

ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة، و كذا في الثمرة كون الشجر ملكا له إلى وقت التعلّق، أو انتقالها إلى- ملكه منفردة أو مع الشجر- قبل وقته.

______________________________

اختلفت تعابيرهم عن ذلك. قال المحقّق في «الشرائع»: «و لا تجب الزكاة فى الغلات إلّا إذا ملكت بالزراعة، لا بغيره من الأسباب، كالابتياع، و الهبة ... «1»».

و قد قيل «2» في بيان مراده: إنّ الوجه فى التخصيص بالزراعة هو مجرّد التمثيل، و إلّا فالمقصود عدم توقّف مملوكيّة النماء على غير المقدّمات المعدّة لتكوّنه، بمعنى أنّ الغلّة في تكوّنها تحتاج إلى مقدّمات لا محالة، فإذا لم تكن مملوكيّتها موقوفة على غير المقدّمات

المذكورة، كما إذا توقّفت على الابتياع أو الاتهاب، فقد وجبت الزكاة فيها، فيشمل ذلك ما إذا كان مالكا بالزراعة، و ما إذا كانت له حصّة مقرّرة من الغلّة بإزاء عمله في عامل المزارعة، و المساقات، و نحو ذلك. و قال قدّس سرّه فى «المعتبر»: «لا تجب الزكاة فى الغلات إلّا إذا نمت فى الملك، فلا تثبت فيما يبتاع، و لا ما يستوهب، و عليه اتّفاق العلماء ... «3»»، و فى «المنتهى»: «لا تجب الزكاة فى الغلات الأربع إلّا إذا نمت في ملكه؛ فلو ابتاع غلة أو استوهب، أو ورث بعد

______________________________

- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 497، ط الحجريّة- إيران.

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 153.

(2)- الشهيد الثّاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 329، ط مؤسسة دار المعارف الإسلامية، قم- إيران. و التوضيح فى المتن الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 62، ط الحجريّة- إيران.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 538، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 69

..........

______________________________

بدوّ الصلاح، لم يجب عليه الزكاة، و هو قول العلماء كافة ... «1»». و كيف كان فالمحكيّ عن الأكثر هو التعبير عن الشرط المذكور بالنموّ فى الملك.

و ناقش في ذلك صاحب «المدارك» قدّس سرّه طردا، و عكسا: أمّا

الأوّل، ففيما إذا بنينا على ما ذهب إليه المحقّق قدّس سرّه و جماعة، من أنّ زمان تعلّق الوجوب بالغلّات الأربع إنّما هو من حين صدق الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، فإنّه- على هذا- لو تملّكها

الشخص قبل ذلك بقليل، بحيث كان صدق العناوين المذكورة في ملكه، كانت الزكاة واجبة عليه، مع عدم النموّ في ملكه أصلا، كما سيصرّح به المحقّق- أيضا- فيما بعد. و أمّا

الثّاني، فعلى المذهب المشهور من تعلّق الزكاة بها من حين بدوّ الصلاح، فإذا انتقلت عن ملكه بعد ذلك كان الواجب هو الزكاة على المنتقل عنه، مع أنّ النّمو في ملك المنتقل إليه.

و الحاصل، أنّه قد لا يكون نموّ فى الملك و مع ذلك تثبت الزكاة، فالتعريف غير منعكس، و قد يكون نموّ و لا زكاة، فهو غير مطّرد. ثمّ قال قدّس سرّه: «و كان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة قبل وقت بلوغها الحدّ الّذي يتعلّق به الزكاة، كما اقتضاه صريح كلام الفريقين ... «2»».

و قد اجيب عن ذلك- كما عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «3»- أمّا عن الأوّل، فبأنّه لا ينبغى الشك في اعتبار النموّ فى الملك في ثبوت الزكاة، و أنّه لا يكفى في ذلك مجرّد الملكيّة قبل وقت التعلّق، و لو بالابتياع أو الهبة و نحوهما، إذا لا يظنّ في حقّ

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 497، ط الحجريّة- إيران.

(2)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: صص 140- 141، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 63، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 70

..........

______________________________

أحد الالتزام بثبوت الزكاة فيما لو اشترى عنبا أو رطبا من السوق و جفّفهما، و لو كان مجرد المملوكيّة قبل التعلّق ممّا يكفي في ثبوتها لكان اللازم هو ثبوتها فى الفرض المذكور، كما لا يخفى.

و أمّا عن

الثاني، بأنّ النموّ المعتبر فى المقام ليس هو مطلق النموّ، كي يلزم منه عدم كون التعريف منعكسا، بل النموّ قبل وقت التعلّق، بأن تكون الغلّة ممّا كان لها النموّ في ملكه قبل تعلّق الزكاة بها، و حينئذ فلا يلزم عدم الانعكاس فى المثال المتقدّم، كما هو ظاهر.

و عن بعض الأعلام- دام ظلّه «1»-: إنّ الأولى هو الغاء الشرط المذكور مطلقا، فإنّ الغرض منه إن كان هو اعتبار ذلك في أصل ثبوت الزكاة، كان اشتراط الملكيّة في الزكاة بنحو عام- لا في خصوص الغلّات- كما مرّ الكلام فيه، ممّا يغني عن ذلك، فلا حاجة إلى التكرار في خصوص المقام، و إن كان المراد اعتبار ذلك حين التعلّق، فهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، لما تقدّم من لزوم اجتماع الشرائط بأسرها حين التعلّق. هذا، و التحقيق أن يقال: إنّ الفروض المتصوّرة فى المقام ثلاث:

الأوّل: ما إذا كان النموّ فى الملك، كما إذا كان مالكا للغلّة بالزراعة مثلا، أو كان مالكا للنخل أو الكرم، بحيث كان انعقاد الثمر في ملكه إلى أن صار تمرا أو زبيبا، و كان واجدا لسائر الشرائط أيضا.

الثاني: ما إذا انتقل من ملكه إلى آخر قبل تعلّق الزكاة به، و لكن بحيث لم يكن النموّ في ملك المنتقل إليه، كما إذا اشترى الرطب أو العنب و جفّفه، بناء على كون الاعتبار فى التعلّق بالتمريّة و الزبيبية، بلا فرق في ذلك بين ما إذا كان المنتقل

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 138، ط 3، النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 71

..........

______________________________

عنه- على تقدير عدم الانتقال- واجدا للشرائط، من البلوغ، و العقل، و البلوغ حدّ النصاب،

و نحو ذلك، أم لم يكن كذلك.

الثالث: ما إذا كان الانتقال إلى ملكه مقارنا لزمان التعلّق. فهذه صور ثلاث، و يختلف الحال في حكمها باختلاف المباني فى المسألة، فبناء على المذهب المشهور، من اعتبار النموّ فى الملك- بالمعنى المتقدّم- لا تثبت الزكاة في غير الفرض الأوّل، و أمّا بناء على مذهب صاحب «المدارك» قدّس سرّه فلا بدّ من الحكم بثبوتها فى الفرض الثانى- أيضا- إذ المفروض فيه هو تحقّق الملكيّة قبل زمان التعلّق، و لو لم يكن هناك نموّ فى الملك. و أمّا بناء على القول الثالث، و هو الغاء الشرط المذكور، اكتفاء بما دلّ على اشتراط الملكيّة حين التعلّق في وجوب الزكاة، فاللازم إنّما هو الحكم بثبوتها فى الفرض الثالث أيضا، و عليه، فما افيد من أنّ الأولى إنّما هو الغاء الشرط المذكور، حيث لا يترتّب على اعتباره ثمرة أصلا، ممّا لا يخفى فساده، مضافا إلى أنّا لا نظنّ بهذا القائل الالتزام بثبوت الزكاة في جميع الفروض المتقدّمة، و اللّه العالم.

هذا كلّه فيما يرجع إلى تحقيق أصل الشرط المذكور. و أمّا الدليل عليه، فقد استدلّ له المحقّق الهمداني قدّس سرّه «1»- بعد الإجماع- بانصراف أدلّة الزكاة إلى مثل الفرض الأوّل، و أنّه لا عموم أو إطلاق لها بحيث يشمل الفرض الثاني أيضا، و أمّا الأخير فلا زكاة فيه قطعا، كما لا يخفى. بل ذهب قدّس سرّه إلى أنّه لو لا الإجماع فى المسألة لا شكل الحكم بثبوت الزكاة فيما لو كان النموّ فى الملك قليلا، كما إذا اشترى الثمر قبل زمان التعلّق بقليل، بناء على أنّ زمان التعلّق هو من حين بدوّ الصلاح، بحيث كان معظم النموّ في ملك المنتقل عنه، و ذلك لانصراف

الأدلّة عن مثل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 63، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 72

[مسألة 1: في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف]

[مسألة 1]: في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف (204)،

______________________________

الفرض المذكور، كما لا يخفى.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 72

و يتوجّه عليه، أنّا لا نعقل وجها صحيحا لدعوى الانصراف فى الأدلّة، فضلا عن ظهورها في ذلك، و لم نعثر فيما أمكننا الوقوف عليه من الأقوال على ما يوضح لنا هذه الدعوى.

و الحاصل، أنّ الحكم فى المسألة و إن كان أمرا مشهورا فيما بينهم، بل ادّعى عليه الاتّفاق أيضا، إلّا أنّ التدليل عليه في غاية الإشكال، و اللّه العالم.

(204) الوجوه- أو الأقوال- فى المسألة أربع:

الأوّل: اعتبار بدوّ الصلاح في تعلّق الزكاة بالغلّات، و ذلك يكون باشتداد الحبّ فى الحنطة و الشعير، و بالاحمرار أو الاصفرار فى النخل، و صيرورة الثمر حصرما فى الزّبيب. و هذا هو المذهب المشهور «1»، بل فى «التنقيح «2»» ما يظهر منه دعوى التسالم بين الأصحاب عليه، و في محكي «المقتصر «3»»: «أنّ عليه الأصحاب».

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 43.

و قد حكي ذلك عن «المختلف» و «إيضاح النافع» و «جامع المقاصد» و «تعليق النافع» و «فوائد الشرائع» و «المصابيح» و غيرها.

(2)- السيوري، مقداد بن عبد اللّه: التنقيح الرائع، ج 1: ص 311، ط مكتبة آية اللّه المرعشي، قم- إيران.

(3)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/

كتاب الزكاة: ص 43.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

الثاني: اعتبار صدق أسماء المذكورات، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب في تعلّق الزكاة بها، و هو مذهب المحقّق قدّس سرّه «1»، و عن العلّامة قدّس سرّه في جملة من كتبه «2» حكايته عن بعض الأصحاب. و فى «المنتهى «3»» نسبه إلى خيرة والده رحمه اللّه.

الثالث: التفصيل بين الحنطة و الشعير، و بين التمر و الزبيب، باعتبار الزكاة فى الأوّلين من حين اشتداد الحبّ، و باعتبارها فى الأخيرين من حين صدق اسم التمر و الزبيب، و هذا الوجه لم يستبعده المحقّق الهمداني قدّس سرّه «4».

الرابع: التفصيل بين الحنطة و الشعير، و بين التمر و الزبيب بالالتزام بتعلّق الزكاة فى الأوّلين باشتداد الحبّ، و فى الثالث من حين صدق الاسم، و بتعلّقها فى الأخير من حين صيرورته عنبا لا زبيبا، كما فى الثالث، و فى «البيان «5»»: نسبة هذا إلى ابن الجنيد و المحقّق، و فى «المدارك «6»»: الميل إليه أيضا.

و قد استدلّ للمذهب الأوّل- و هو المنسوب إلى المشهور- بعدّة وجوه:

الأوّل: صدق اسم الحنطة و الشعير، بمجرّد اشتداد الحبّ، فتثبت الزكاة فيهما حينئذ بمقتضى اطلاق ما دلّ على ثبوتها فى الحنطة و الشعير، و بالإجماع المركّب

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 534، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم- إيران؛ شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد على: ج 1، ص 153.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 147، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم؛ مختلف الشيعة، ج 3: ص 186، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى

المطلب، ج 1: ص 499، ط الحجريّة- إيران.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 60، ط إيران الحجريّة.

(5)- الشهيد، محمّد بن مكّي: البيان/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 297، قم- إيران.

(6)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 138، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 74

..........

______________________________

يثبت ذلك فى البسر، و الرطب، و الحصرم، و العنب أيضا.

و يتوجّه عليه أوّلا: إنّ صدق الحنطة و الشعير بمجرّد الاشتداد أمر ممنوع منه، و لا اقل من الشك فيه. و ثانيا: إنّه على فرض التسليم به، فالظاهر هو انصراف الأسماء المذكورة فى المحاورات المتعارفة عن هذا المعنى، فلا يفهم من الأمر باعطاء منّ من الحنطة وجوب اعطاء الحبّ أوّل اشتداده، كما لا يخفى. و ثالثا: إنّه على فرض التسليم به فى الحنطة و الشعير، فلا مجال للقول بذلك فى التمر و الزبيب بالإجماع المركّب، إذ لم يعلم تحقّق الإجماع المذكور، بل قد يستظهر من كلام المحقّق فى «الشرائع «1»»- حيث جعل محلّ الخلاف التمر و الزبيب دون الحنطة و الشعير- عدم تحقّق الإجماع على ذلك، كما لا يخفى.

الثاني: عمومات وجوب الزكاة، خرج منها ما خرج و بقي الباقى. و قد يقال في تقريبه- كما في «مصباح الفقيه «2»»-: إنّ مقتضى العمومات إنّما هو ثبوت الزكاة في ما سقته السماء، مطلقا، من جميع الأجناس، غايته أنّ ما دلّ على انحصار الأجناس الزكويّة في تسع يكون مخصصا لتلك العمومات لا محالة، و بما أنّ المخصّص مجمل مفهوما، و أمره دائر بين الأقلّ و الأكثر، حيث يشكّ في دخول مثل البسر و الرطب و

الحصرم و العنب في مفهوم المخصّص، أو تحت العام، فلا محالة يتمسّك فيما شكّ فيه بالعموم، و إنّما يخرج عنه بالمقدار المتيقّن بخروجه عن تحت العام.

______________________________

(1)- قال قدّس سرّه: «و الحدّ الّذي تتعلّق به الزكاة من الأجناس: أن يسمّى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا. و قيل: بل إذا احمرّ ثمر النخل، أو اصفرّ، أو انعقد الحصرم ...» (المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 153.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 61، ط الحجرية- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

و يتوجّه عليه: أنّ الاستدلال المذكور- بعد فرض وجود العمومات على النهج المذكور- تام جدّا، إلّا أنّ الكلام في أصل ثبوت العمومات، فإنّ المراد بها إن كان هو عموم قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ... «1» فلا ينبغى الإشكال في عدم العموم لها، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، و إنّما هي بصدد بيان تشريع أصل الزكاة، كما لا يخفى. و إن كان المراد بها ما هو بمضمون قوله عليه السّلام: «ما سقته السماء ففيه العشر، و ما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر «2»»، فلا يخفى أنّه لم يقصد فيه من الموصول الإطلاق من هذه الجهة، و إنّما هي مسوقة لبيان المقدار من الزكاة فى الأجناس المفروض ثبوت الزكاة فيها.

و على الإجمال: ليس المسوق له هذه الروايات هو بيان ما تجب الزكاة فيه، بل بيان مقدار الزكاة فيما ثبت- بدليله- كونه من الأجناس الزكويّة، و حينئذ فلا مجال للأخذ بالإطلاق من هذه الجهة، كما لا يخفى.

الثالث: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام، قال: «ليس فى النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيبا «3»».

و تقريب الاستدلال به: أنّ المفروض فى الرواية إنّما هو عنوان العنب، و ظاهره كون العنوان المذكور بنفسه موضوعا لثبوت الصدقة- و هي الزكاة- فإذا ثبت ذلك فى العنب ثبت في غيره،- من الحصرم، و البسر، و الرطب أيضا- بالإجماع المركّب، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات.

(3)- المصدر/ باب 1: زكاة الغلات، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

و يتوجّه عليه: أنّ الرواية محتملة لمعنيين، لا مرجّح لأحدهما على الآخر، و نتيجة ذلك هي إجمالها، كما لا يخفى. أحدهما: أن يكون موضوع الحكم هو العنب، لكن فيما إذا بلغ خمسة أوساق على تقدير الزبيبيّة، بمعنى أنّ العنب الّذي يتحصّل منه خمسة أوساق من الزبيب هو الموضوع لوجوب الزكاة، و بهذا يثبت المذهب المشهور بالبيان المذكور فى الاستدلال. و الآخر: أن يكون الموضوع لوجوب الزكاة هو الزبيب، بحيث يكون الوجوب منوطا بما إذا كان خمسة أوساق من الزبيب بالفعل، فيكون موضوع الوجوب هو الزبيب، و حينئذ فلا يتمّ المذهب المشهور، و حيث أن كلّا من المعنيين مشتمل على مخالفة الظاهر من جهة، فإنّ المعنى الأوّل مخالف لظاهر جملة: «يكون خمسة أوساق زبيبا» الظاهر في فعليّة ذلك حين الوجوب، و حمله على إرادة الشأنيّة و بالقوّة، بمعنى أنّ العنب الّذي له شأنيّة تحصّل خمسة أوساق من الزبيب منه هو الموضوع لوجوب الزكاة مخالف لظاهر كلمة «يكون»، كما لا يخفى. كما أنّ المعنى الثاني، و إن كان مناسبا لظاهر الكلمة في الفعليّة،

إلّا أنّه لا يناسب أخذ العنب فى الرواية، الظاهر في موضوعيّته للحكم المذكور، فإنّ الزبيب إذا كان موضوعا للحكم لم يكن لذكر العنب مجال أصلا، و حينئذ فالجمع بين الأمرين- أي: بين كلمة «يكون»، و بين أخذ العنب موضوعا- لا يكون إلّا بحمل يكون على معنى «يصير»، و هو خلاف الظاهر أيضا، و المفروض أنّه لا مرجح لأحدهما على الآخر، فلا محالة يتساقط الاحتمالان بالتعارض، و معه لا يمكن الاستدلال بالرواية على أحد المذهبين، كما لا يخفى.

و ربما يقال «1»- في وجه دلالتها على المذهب المشهور-: بأنّ إسناد الصدقة

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 46.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

إلى النخل- في صدر الرواية- المراد به الثمرة مجازا، ممّا يدلّ على أنّ الزكاة ثابتة في ثمر النخل مطلقا، لا خصوص التمر، و هذا ممّا يكون مؤيدا لحمل الجملة- الّتي هي محلّ الكلام- على ما يوافق المذهب المشهور.

و الجواب عن ذلك: أنّه لو لم يكن هناك وجه اعتباري لإسناد الصدقة إلى النخل فى الصدر لكان لما ذكر مجال، غير أنّه يمكن القول بأن يكون الوجه في ذلك هو الإشارة إلى اعتبار كون النماء فى الملك في ثبوت الزكاة، كما مرّ الكلام فيه، و مع هذا الاحتمال لا يبقى مجال للجزم بأنّ الوجه فى الإسناد إنّما هو مجرّد الأخصريّة فى العبارة، من جهة أن أخصر تعبير عن ثبوت الزكاة في مطلق ثمر النخل إنّما هو باسناد الصدقة إلى نفس النخل، فإنّ هذا الاحتمال إنّما يبنى عليه إذا لم يكن هناك احتمال آخر في الرواية، و قد عرفت احتمالها لمعنى آخر.

كما أنّه على فرض التسليم بدلالة

الرواية على ثبوت الزكاة فى العنب إذا بلغ النصاب في حال صيرورته زبيبا، لا يمكن التعدّي من ذلك إلى غيره، من الحصرم، و البسر، و الرطب، بالإجماع المركّب، و ذلك لما أشرنا إليه آنفا: من أنّ التفكيك بين العنب و بين غيره ثابت، كما يظهر ذلك من كلام المحقّق قدّس سرّه، فكيف يمكن القول بثبوت الإجماع في هذا المقام.

الرابع: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يكون فى الحبّ، و لا فى النخل، و لا فى العنب زكاة حتّى تبلغ و سقين، و الوسق ستّون صاعا «1»».

و يتوجّه عليه- مضافا إلى ضعف الرواية سندا و دلالة، من جهة اشتمالها على ما لا نقول به من كون الوسقين نصابا- أنّ ثبوت ذلك فى العنب لا يقتضي الثبوت فى الباقي، لعدم إمكان الاسراء إلى الباقي، بعد ما عرفت من الإشكال في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: زكاة الغلات، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

تحقّق الإجماع المركّب فى المقام.

الخامس: صحيح سعد بن سعد الأشعري، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة، من البرّ، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟ فقال: «خمسة أوساق بوسق النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقلت: كم الوسق؟ قال: ستّون صاعا، قلت: و هل على العنب زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال: نعم، إذا أخرصه أخرج زكاته «1»».

و لا بدّ من جعل قوله عليه السّلام: «نعم، ...» جوابا لقول السائل: «و هل على العنب زكاة ...» و إلّا فلو كان جوابا عن الجملة الثانية، و هى: «أو إنّما تجب ...»

لما

صحّ التصديق، بالوجوب عند الخرص، أو بعبارة أصحّ: لم يصحّ تعليق التصديق بالسؤال على صورة الخرص، مع أنّ زمان الخرص متقدّم قطعا على زمان الزبيبيّة. نعم، لا يمكن حمل الخرص على الخرص المتعارف في وقت بدوّ الصلاح كما هو المشهور، و إلّا كان مقتضى الجواب هو ثبوت الزكاة من حين بدوّ الصلاح، و هو مناف للتصديق بثبوتها فى العنب، فلا بدّ من حمله على مجرّد التخمين، دون الخرص المتعارف خارجا، و حينئذ فتدلّ الرواية على أنّ العنب إذا خمّن و كان بمقدار النصاب وجب فيه الزكاة، إلّا أنّ الالتزام به في خصوص العنب لا يستوجب الالتزام به في غيره، لعدم تماميّة الإجماع المركّب فى المقام، كما تقدّم.

السادس: صحيحه الاخر، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة فى السنة فى ثلاثة أوقات، أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها. و عن الزكاة فى الحنطة، و الشعير، و التمر، و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

الزبيب، متى تجب على صاحبها؟ قال: إذا صرم و إذا خرص «1»».

و الجمع بين الصرام و الخرص ابتداء أمر مشكل، لتقدّم الخرص على زمان الصرام بكثير، فجعل كليهما شرطا للوجوب غير صحيح، إلّا أن يقال: إنّ الشرط للوجوب إنّما هو الجامع بين الأمرين، فإنّ كلا من الصرام و الخرص ممّا يشتركان في تبيين كميّة الثمرة، فكما أنّ الكميّة تكون معلومة عند الخرص، كذلك تكون معلومة بالصرام بسبب الكيل، فيكون شرط الوجوب إنّما هو معلوميّة كميّة الثمرة، و أنّها تبلغ حدّ النصاب، و حينئذ فتدلّ

الرواية على المذهب المشهور.

و المناقشة في ذلك «2»: باحتمال كونه «الحرص»، بالحاء المهملة، من «حرص المرعى»، إذا لم يترك فيه شيئا، فيتّحد مع الصرام فى المعنى، فاسدة جدّا، فإنّ الوارد فى الكتب المعتبرة- كما نبّه عليه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «3» و غيره- إنّما هو الخرص- بالخاء المعجمة- فلا ينبغى الاعتناء بالاحتمال المتقدّم، كما لا يخفى.

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنّ المعنى المتقدّم غير متعيّن، لاحتمال أن يكون زمان الوجوب هو وقت الصرام، و يكون ذكر «الخرص» لبيان شرط اخر، و هو بلوغ النصاب، فكأنّه عليه السّلام هكذا قال: «إذا صرم تجب الزكاة، و لكن فيما إذا علم البلوغ بحدّ النصاب، من جهة الخرص»، و حينئذ فيكون المراد بالخرص هو مجرّد التخمين فى المقدار، دون المعنى المتعارف الّذي وقته حين بدوّ الصلاح، كما تقدّم.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 218، ط النجف الأشرف.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 61، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 80

فالمشهور على أنّه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما، و في ثمر النخل حين اصفراره و احمراره، و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما، و ذهب جماعة إلى أن المدار صدق أسماء المذكورات، من الحنطة و الشعير و التمر، و صدق اسم العنب في الزبيب، و هذا القول لا يخلو عن قوّة، و إن كان القول الأوّل أحوط (205)،

______________________________

السابع: إنّ الثابت من التدبّر فى الأخبار و الآثار، و كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- هو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه

عليه و آله كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمارها، ليتميّز بذلك مقدار الصدقة المفروضة فيها، و لو لا أنّ حق الفقير كان متعلقا بها من حين بدوّ الصلاح- الّذي هو وقت الخرص- لم يكن يترتّب على الخرص، قبل صيرورتها تمرا، فائدة يعتدّ بها، بل كان تعدّيا و تضييقا على المالك، لا عن استحقاق.

و ما يمكن أن يقال في توجيه ذلك: من أنّ فائدته الحفظ من الخيانة عند تعلّق الحقّ به، أي بعد صيرورته تمرا و زبيبا، فهو ممّا لا ينبغى الاصغاء إليه، فإنّه قبل تعلّق الحقّ بالمال للمالك أن يتصرّف فيه كيف شاء، و لو بصرف جميعه- كما لا يخفى- فلا فائدة في ضبط المقدار عليه من هذا الحين أصلا.

و الحاصل، أنّ التسالم بين الفريقين على جواز الخرص فى الجملة، هو العمدة فيما يستدلّ به فى المقام للمذهب المشهور، فالأقوى هو المذهب المشهور، خلافا للمصنّف قدّس سرّه. و بملاحظة ما ذكرناه- استدلالا و جوابا- يظهر المستند لباقى الوجوه أو الأقوال المتقدّمة في صدر المسألة، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 81

بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا، إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط.

[مسألة 2: وقت تعلّق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف]

[مسألة 2]: وقت تعلّق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف، إلّا أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات (206)، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب، لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس، فلا زكاة.

______________________________

(205) لا خفاء في أنّ المذهب المشهور أوفق بالاحتياط، و أمّا المذهب الاخر، فقد يكون هو الأوفق بالاحتياط، كما إذا لم يكن المالك حال بدوّ الصلاح بالغا، فبلغ حال صدق الاسم، فإنّ مقتضى الاحتياط فيه هو الزكاة، كما هو

مقتضى المذهب غير المشهور فلاحظ.

(206) قال العلّامة قدّس سرّه فى «المنتهى «1»»: «إنّما يعتبر الأوساق عند الجفاف، فلو بلغ الرطب النصاب، أو العنب لم يعتبر ذلك، و اعتبر النصاب عند جفافه، تمرا أو زبيبا، و هو اجماع». و قال فى «التذكرة «2»»: «و النصاب المعتبر- و هو خمسة أوسق- إنّما يعتبر وقت جفاف التمر و يبس العنب و الغلة، فلو كان الرطب خمسة

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 497، ط الحجريّة- إيران.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 148، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 82

[مسألة 3: في مثل البربن و شبهه من الدقل المدار فيه على تقديره يابسا]

[مسألة 3]: في مثل البربن و شبهه من الدقل- الّذي يؤكل رطبا، و إذا لم يؤكل إلى أن يجف يقلّ تمره، أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضا- المدار فيه على تقديره يابسا (207)، و تتعلّق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه.

______________________________

أوسق- أو العنب أو الغلّة- و لو جفت تمرا، أو زبيبا، أو حنطة، أو شعيرا نقص، فلا زكاة إجماعا، و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا ...». و كيف كان فالحكم المذكور- بناء على القول بأنّ وقت التعلّق إنّما هو زمان صدق اسماء المذكورات- واضح جدّا، و امّا بناء على المذهب المشهور، و هو كون زمان التعلّق وقت بدوّ الصلاح- كما هو المختار- فغير خال عن الإشكال، بداهة الفرق بين الوقتين، فإذا كان زمان الوجوب هو وقت بدوّ الصلاح، كان اللازم هو اعتبار النّصاب في ذلك الوقت، لا وقت اليبس، الّذي يوجب النقص لا محالة، و لا دليل- حينئذ- على اعتبار النصاب زمان

اليبس، سوى ما عرفت من دعوى الإجماع فى المسألة. نعم، يمكن الاستدلال له بصحيح سليمان بن خالد المتقدّم «1»، حيث إنّه دلّ على أنّ الاعتبار في بلوغ النصاب- فى العنب- بحال الزبيبيّة، إلّا أنّ التعدّي عن ذلك إلى غيره يكون بمعونة الإجماع، و هو لا يخلو عن الإشكال، كما لا يخفى وجهه.

(207) بناء على المذهب المشهور، و هو تعلّق الزكاة بالغلّة و التمر و الزبيب من حين

______________________________

(1)- صفحة 75.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 83

..........

______________________________

بدوّ الصلاح، و بناء على التسليم بأنّ المناط في اعتبار النصاب- حتّى على هذا المذهب- هو اليابس من المذكورات، فلا اشكال فيما افاده قدّس سرّه فى الفرضين الأوّلين، و هو اعتبار النصاب في حال التمريّة في ما يؤكل رطبا، و فيما يقلّ لو بقى و لم يؤكل. و امّا الفرض الثالث، و هو ما لا يصدق على اليابس منه عنوان التمر، فلا يخلو الحكم المذكور عن إشكال، فان المستفاد من صحيح سليمان بن خالد المتقدّم «1»، الدالّ على أنّ الاعتبار فى النصاب بحال الجفاف، إنّما هو كون موضوع الزكاة حصّة خاصة، و هي الّتي يصدق عليها عنوان «التمر» في فرض الجفاف، فإذا لم يكن الأمر كذلك، كان الالتزام بثبوت الزكاة فيه في غاية الإشكال. و عن «المدارك «2»»: «و لو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم «التمر» أو «الزبيب»، اتّجه سقوط الزكاة فيه مطلقا ...». و عن بعض الأعلام- دام ظلّه- «3»: إنّ ذلك لا يقتضي المنع من الأخذ بإطلاق دليل وجوب الزكاة في غير العنب- كالتمر- مثلا، و ذلك لأنّ سراية الحكم المذكور، المستفاد من الرواية، من العنب إلى غيره إنّما هو بالإجماع،

فإذا كان لدليل الزكاة اطلاق بالإضافة إلى «الرطب» مثلا، و إن لم يكن- على تقدير الجفاف- ممّا يصدق عليه التمر، كان المتيقّن- حينئذ- هو الأخذ بالإطلاق المذكور. على أنّ ذلك لا يمنع من الالتزام به حتّى فى «العنب» الّذي هو مورد الرواية، إذ صحيح سليمان لا يصلح لتقييد أدلّة الوجوب بما يكون زبيبا، غاية الأمر، أنّ التقدير فيه بحال الزبيب لا يشمل ما لا يكون زبيبا، فيبقى ذلك تحت إطلاقات أدلّة الوجوب.

______________________________

(1)- صفحة 75.

(2)- العاملي، السيّد محمد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 136، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 143، ط الثالثة، النجف الأشرف- العراق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 84

[مسألة 4: إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤمن]

[مسألة 4]: إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات- بسرا، أو رطبا، أو حصرما، أو عنبا- بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤمن، وجب عليه ضمان حصّة الفقير (208)، كما أنّه لو أراد

______________________________

و يمكن توجيه كلام «المدارك» بأنّ المطلقات مقيّدة بعنوان «الزّبيب» و «التمر»، فمع عدم صدق العنوانين المذكورين لا موجب للقول بثبوت الزكاة.

(208) سيأتي الكلام فى المؤن إن شاء اللّه تعالى، و أنّها هل تكون مستثناة أو لا؟ و بناء على استثنائها، كما هو مختاره قدّس سرّه فيما سيجي ء قريبا، فلو أراد المالك التصرّف فى البسر، أو الحصرم و غيرهما من المذكورات فى المتن بالمقدار الزائد على ما تعارف عدّه من المؤن، فعلى المذهب المشهور، و هو تعلّق الزكاة بها حين بدوّ الصلاح، لا ينبغى الإشكال في كون التصرّف واقعا بعد تعلّق حقّ الفقير بالمال، فإذا بنينا في تلك المسألة على الملكيّة بنحو الإشاعة، كان المالك ضامنا لمقدار حصّة

الفقير فيما صرفه زائدا على ما يعدّ من المؤمن بحسب المتعارف. و أمّا بناء على القول بالملك بنحو الكلي فى المعين- كما هو المختار عنده، كما سيجي ء إن شاء اللّه- فلا وجه للقول بالضمان حينئذ، و ذلك لتعيّن حقّ الفقير حينئذ فى المقدار الباقى- إذا كان ممّا يفى بحقّه- كما هو مقتضى المبنى المذكور، كما لا يخفى.

و أمّا بناء على القول بتعلّق حقّ الفقير بالعين بنحو حقّ الجناية المتعلّق برقبة العبد، فإن كان الحقّ متعلّقا بالمجموع كان الحال فيه هو الحال فى الملك بنحو الكليّ فى المعين، حيث لا مجال فيه للضمان بعد بقاء ما يفي بحق الفقير من العين. و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 85

الاقتطاف كذلك بتمامها، وجب عليه أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب (209).

______________________________

إن كان متعلّقا بالجميع كان الحال فيه هو الحال فى الملكيّة بنحو الإشاعة، و ذلك لما استفدناه من النصوص، الدالّة على الضمان في فرض التلف عن تفريط، أن التصرّف في متعلّق الحقّ فى المقام يوجب الضمان أيضا، و لا يشترط في ثبوت ضمان «اليد» فى المقام وقوع التصرف في ملك الغير، كما هو ظاهر. و أمّا بناء على سائر الأقوال فى كيفية تعلق الزكاة بالمال، من القول باشتغال الذمّة و نحوه، فعدم الضمان في مفروض المسألة في غاية الظهور.

ثمّ إنّ التعبير الوارد فى المتن: «وجب عليه ضمان حصّة الفقير ...» يوهم أنّ المقصود كون الواجب- حينئذ- هو إيقاع عقد الضمان، و ليس كذلك، بل المراد به هو ثبوت الضمان فى الفرض المذكور، فلا يخفى ما فى التعبير المذكور من القصور.

و أمّا قوله: «فيما يحسب من المؤن ...» فهو قيد لقوله: «المتعارف

...»، و المعنى أنّ المصرف إذا كان زائدا على ما تعاف عدّه من المؤن، كما أشرنا الى ذلك آنفا في تفسير العبارة، و على هذا فلا قصور فيها، كما قيل «1».

(209) بناء على كون وقت التعلّق هو من حين بدوّ الصّلاح؛ فلو اقتطف الثمر بتمامه لزمه اداء الزكاة حينئذ، إذا فرضنا أنّه في حال اليبس بحدّ النصاب، و ذلك لأنّ

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 143، ط الثالثة، النجف الأشرف- العراق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 86

[مسألة 5: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس]

[مسألة 5]: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس، لم يجب عليه القبول (210)، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما- مثلا- فإنّه يجب على الساعي القبول (211).

______________________________

القول بوجوب الإخراج عند اليبس- مع سبق زمان التعلّق- إنّما هو في فرض عدم الاقتطاف و بقاء الثمرة، و أمّا مع اقتطافها بتمامها فلا وجه لتأخير الإخراج، لا سيّما مع احتمال ضياع حقّ الفقير رأسا.

(210) بناء على جواز الخرص- كما مرّ، و سيجي ء ذلك أيضا إن شاء اللّه تعالى- فإذا كانت الثمرة مخروصة على المالك، و طلب الساعي من المالك الزكاة، لم يجب عليه القبول، لأنّ زمان وجوب الإخراج هو وقت الحصاد و الصّرم، كما سيأتي ذلك- إن شاء اللّه تعالى- فى المسألة التالية، الّتي تعرّض فيها قدّس سرّه لوقت وجوب الإخراج. و العين حال الخرص و إن كانت متعلّقة لحق الفقير مثلا، إلّا أنّه لم يحن- على الفرض- وقت وجوب اداءه، فلا موجب للقبول.

(211) لا إشكال في جواز تصدّي المالك لإخراج الزكاة بسرا او حصرما، بناء على المذهب المشهور في

وقت تعلّق الزكاة، و هذا الجواز إنّما هو ثابت بمقتضى القاعدة، و لا حاجة في إثباته إلى الدليل، و ذلك لأنّ الحقّ إذا كان متعلّقا بالمال

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 87

[مسألة 6: وقت الإخراج- الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه]

[مسألة 6]: وقت الإخراج- الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخّرها عنه ضمن- عند تصفية الغلة، و اجتذاذ التمر، و اقتطاف الزبيب (212)، فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلّق.

______________________________

من ذلك الحين، كان للمالك التخلّص منه أيّ وقت شاء، كما أنّه إذا جاز للمالك الإخراج وجب على الساعي القبول، إذ ليس هناك ما يرخّصه فى الامتناع عنه و يجوّز له التأخير في ذلك.

نعم، قد يقال: إنّ في قبوله إضرارا بحقّ الفقير، نظرا إلى أنّ الزبيب أو التمر أنفع بحاله، فلا يجوز للساعي ذلك حينئذ، و لعلّ هذا هو منشأ الإشكال الّذي علّقه بعض المحشّين قدّس سرّه «1» على المتن؛ إلّا أنّه يتوجّه عليه أنّ تحقّق الإضرار بالنسبة إلى الفقير أنّما هو فرع ثبوت الحقّ له في بقاء البسر أو الحصرم إلى أن يصير تمرا أو رطبا، أو يصير عنبا أو زبيبا، و إذا كان ثبوت مثل هذا الحقّ له أوّل الكلام- كما هو كذلك- فإنّ غاية ما ثبت بالدليل إنّما هو تعلّق حقّه بالثمر من حين بدوّ الصلاح، و أمّا الزائد على ذلك فلم يثبت، و حينئذ فصدق الإضرار بحقّه، بقبول الساعي فى الفرض المذكور، يكون في محلّ المنع، كما لا يخفى.

(212) فسّر وقت وجوب الأداء- أو وجوب الإخراج- بتفاسير ثلاث:

______________________________

(1)- المحقّق النائيني قدّس سرّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 88

..........

______________________________

الأوّل: الوقت الّذي يجب على المالك الأداء فيه، و لا يجوز له التأخير

عنه.

الثّاني: الوقت الّذي يجوز للساعي المطالبة فيه.

الثّالث: الوقت الّذي لو أخّر المالك الزكاة عنه مع التمكّن لضمن.

أمّا الأوّل، فالظاهر أنّه وقت التصفية فى الغلّة، و فى التمر و الزبيب بعد حصول اليبس و الجفاف، و يدلّ على ذلك ما تقدّم من قضيّة خرص الثمر على أصحابها، كما جرت عليه سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله، على ما مرّت الإشارة إليه؛ فإنّ ذلك دليل واضح على جواز تأخير المالك الأداء إلى ما بعد اليبس و الجفاف، كما هو الثابت من سيرته صلّى اللّه عليه و آله في أخذ الصدقات، و لو لا جواز التأخير عن وقت ثبوت الزكاة- و هو من حين بدوّ الصلاح- كما استفدناه من قضيّة الخرص كما تقدّم، لم يكن للخرّاصين مجرّد الخرص فقط، من دون أخذهم مقدار الحقّ المفروض، كما لا يخفى. و يترتّب على هذا أنّ الوقت الّذي يجوز للساعي المطالبة فيه إنّما هو الوقت الّذي يجب فيه على المالك الأداء، إذ ليست وظيفة الساعي سوى التصدّي من قبل وليّ الأمر لأخذ حقّ الفقراء، فإذا كان الوقت الّذي يجب فيه على المالك اعطاء حقّ الفقراء هو زمان التصفية مثلا، فكيف يجوز للساعي حينئذ التصدّي للأخذ، بمطالبته المالك بحقّهم قبل ذلك! كما هو ظاهر.

و على الإجمال، فزمان جواز مطالبة الساعي يتبع زمان وجوب الأداء على المالك، فإذا استفدنا من قضيّة الخرص أنّ وجوب الأداء متأخّر عن زمان تعلّق الزكاة بالمال، فلا محالة يكون زمان جواز المطالبة متأخّرا- أيضا- عن زمان التعلّق.

و أمّا المعنى الثالث، و هو الوقت الّذي لو أخّر المالك عنه مع التمكّن يكون ضامنا، فهو عبارة عن الوقت الّذي تيسّر له دفع الزكاة إلى من يستحقّه- بعد

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 89

[مسألة 7: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي]

[مسألة 7]: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي (213)، مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

[مسألة 8]: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ، منه]

[مسألة 8]: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ، منه (214)،

______________________________

فرض تعلّق الوجوب بماله- فلم يدفعها إليه اختيارا، كما يستفاد ذلك من حسن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث زكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو له ضامن حتّى يدفعها إليه، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده «1»».

(213) تقدّم أن الجابي إنّما يكون له حق المطالبة فى الغلة بعد التصفية، و فى التمر و الزبيب بعد اليبس و الجفاف، و حيث أنّ أمر إعطاء الزكاة بيد المالك كما دلّت عليه النصوص، فلا محالة يجوز له الأداء قبل الجذاذ، بلا حاجة إلى المقاسمة.

(214) تقدّم الكلام على ذلك فى المسألة الخامسة. و لعلّ تعرضه قدّس سرّه له ثانيا لأجل الفرع التالي.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 90

أو من قيمته (215).

______________________________

(215) أمّا إخراجها بقيمته من النقدين، فالظاهر كونه ممّا لا خلاف فيه «1»، بل ادّعى الإجماع عليه في كلام غير واحد «2»، بل قيل «3»: بنفي الخلاف فيه من غير الإسكافي. و يدلّ على ذلك صحيح البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

هل يجوز- جعلت فداك- أن يخرج [خ ل اخرج] عمّا يجب فى الحرث، من الحنطة، و الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم، قيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا

أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجابه عليه السّلام: «أيّما تيسّر يخرج «4»».

و أمّا من غير النقدين، فينبغي التفصيل في ذلك بين الأجناس الّتي يمكن صرفها بأنفسها في إحدى الجهات المقرّرة لمصرف الزكاة فيها، كالجصّ و الآجر لبناء المساجد، و القناطر و نحوهما، فيجوز التبديل بها، و ذلك للقطع بعدم مدخليّة المعاملة في جواز التبديل بها، بحيث يجوز للمالك التبديل بها بالمعاوضة بينها و بين ما يخرجه زكاة، أو ببيع ما يخرجه زكاة و شراء الجصّ و الآجر بثمن ذلك، و لا يجوز تبديلها بها ابتداء، بحيث يخرج الزكاة من الجصّ او الآجر مثلا.

و أمّا الأجناس الّتي لا تصرف بأنفسها في تلك الجهات، فجواز التبديل بها، بإخراج الزكاة منها ابتداء محلّ إشكال. و قد تقدّم الكلام في ذلك سابقا، عند

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 126، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 82. و لاحظ:

المرتقى، ج 1: ص 303.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 38، ط إيران الحجريّة.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 91

[مسألة 9: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين من أيّ جنس كان]

[مسألة 9]: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين (216) من أيّ جنس كان، بل يجوز أن تكون من المنافع، كسكنى الدار مثلا، و تسليمها بتسليم العين إلى الفقير.

[مسألة 10: لا تتكرّر زكاة الغلات بتكرّر السنين إذ بقيت أحوالا]

[مسألة 10]: لا تتكرّر زكاة الغلات (217) بتكرّر السنين إذ بقيت أحوالا، فإذا زكّى الحنطة ثم احتكرها سنين لم يجب عليه شي ء، و كذا التمر و غيره.

______________________________

تعرّضه قدّس سرّه لجواز التبديل بالقيمة في زكاة الأنعام، فراجع «1»، و لاحظ.

(216) هذا مبني على القول بجواز الإخراج بالقيمة السوقيّة مطلقا، سواء أ كان بدفع القيمة من النقدين أم من غيرهما، و قد عرفت الحال فيه آنفا، و فيما سبق أيضا، فلاحظ.

(217) و عليه دعوى الإجماع فتوى و نصّا، كما عن «الجواهر «2»». و يدلّ عليه مصحّح زرارة و عبيد بن زرارة جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي ء، و إن حال عليه الحول عنده، إلّا أن يحوّل مالا، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه، و إلّا فلا

______________________________

(1)- الجزء الأوّل: صص 306- 309.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 223، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 92

[مسألة 11: مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر]

[مسألة 11]: مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر (218)، فيما سقي بالماء الجاري، أو بماء السماء، أو بمصّ عروقه من الأرض، كالنخل و الشجر، بل الزرع- أيضا- في بعض الأمكنة، و نصف العشر فيما سقي بالدلو، و الرّشاء، و النواضح، و

______________________________

شي ء عليه، و إن ثبت ذلك ألف عام، إذا كان بعينه، فإنّما عليه صدقة العشر، فإذا أدّاها مرّة واحدة فلا شي ء عليه حتى يحوّل مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده «1»».

(218) بلا خلاف فيه «2»، بل عليه «3»- عن غير واحد- دعوى الإجماع. و يدلّ عليه جملة من النصوص، الّتي

قيل بحقّها إنّها أخبار مستفيضة «4» إن لم تكن متواترة «5»، كصحيح زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «فى الزكاة، ما كان يعالج بالرّشاء، و الدلاء، و النضح «6»، ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الغلات، ح 1.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 150، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(3)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 95.

(4)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 122، ط النجف الأشرف.

(5)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 69، ط إيران الحجريّة.

(6)- الرشاء: الحبل، و قيل حبل الدّلو، و الجمع أرشية. و النضح: الماء ينضح به الزرع، أي يسقى بالناضح. و الناضح: البعير يستقى عليه (اقرب الموارد).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 93

..........

______________________________

علاج، بنهر، أو عين، او بعل «1»، او سماء، ففيه العشر كاملا «2»»، و صحيح الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «فى الصدقة، فيما سقت السماء و الأنهار، إذا كانت سيحا «3» أو كان بعلا العشر، و ما سقت السواقي و الدوالي، أو سقي بالغرب «4» فنصف العشر «5»»، و صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستّون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرّشاء و الدّوالي و النواضح «6» ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء، أو السيح، أو كان بعلا، فيه

العشر تاما ... «7»»، و غير ذلك «8».

ثمّ إنّ عبائر الأصحاب- قدس اللّه أسرارهم- في هذا المقام مختلفة، فربما يقال «9»: إنّ المناط في ذلك إنّما هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة- من دولاب و نحوه- و عدمه، فلا عبرة بغير ذلك من الأعمال، كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها. و جعل بعضهم المعيار في ذلك احتياج إيصال الماء

______________________________

(1)- البعل: ما شرب بعروقه. (اقرب الموارد)

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلات، ح 5.

(3)- ساح الماء يسيح، سيحا و سيحانا: جرى على وجه الأرض، فهو ماء سائح و مسيح. (اقرب الموارد).

(4)- الغرب: الدلو العظيمة. (اقرب الموارد)

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلات، ح 2.

(6)- الناضح: البعير يستقى عليه، و الناضحة: الناقة يستقى عليها، و الجمع: نواضح.

(أقرب الموارد)

(7)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

(8)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات.

(9)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 237، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 94

..........

______________________________

إلى الزّرع إلى العلاج و استغنائه عنه»، و فى «المنتهى «1»»- بعد جعل المعيار افتقار السقي إلى المئونة و عدمه- دعوى إجماع فقهاء الإسلام عليه». و كيف كان، فالظاهر: أنّ وصول الماء إلى الزرع إذا كان بمعونة دلو و نحو ذلك، فالواجب في مثل ذلك نصف العشر، و أمّا إذا لم يكن كذلك، بأن كان سقيه من السماء، أو بماء النهر و العين، و إن كان ذلك متوقّفا على حفر ساقية و رفع الموانع عن وصول الماء، أو

كان بعلا، بأن كان الزرع ممّا يمصّ بعروقه الماء من الأرض، فالواجب فيه هو العشر. و على الإجمال، المناط في هذا المقام، إنّما هو كون وصول الماء إلى الزرع بآلة، كالرشاء، و الدلو و نحوهما، و حينئذ ففيه نصف العشر، و إن لم يكن كذلك، و إن كان متوقّفا على بعض الأعمال، من حفر، و رفع للموانع المكانية و غيرها، كان فيه العشر.

ثمّ إن موارد الشك في اندراجه تحت أيّ النوعين ليست بقليلة، و المرجع في تلك الموارد إنّما هو أصالة البراءة عمّا زاد على نصف العشر.

ثمّ إنّ قوله قدّس سرّه: «و نصف العشر فيما سقي بالدلو، و الرّشاء، و النواضح ...» لا يدلّ على أنّ كلّ واحد من المذكورات قدّس سرّه، و هي الدلو، و الرشاء، و النواضح، ممّا يكون قسيما للآخر، بل المقصود بذلك بيان كون النضح- و هو رشّ الماء على الأرض- موقوفا على الآلة و الرشا- و هو الحبل- و النواضح، و هي جمع الناضحة، المراد بها الحيوان الّذي يستقى به، فقد يكون النضح موقوفا على جميع هذه الأمور، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 498، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 95

الدوالي، و نحوها من العلاجات، و لو سقي بالأمرين، فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر، و في نصفه الاخر نصف العشر (219)،

______________________________

(219) لا خلاف «1» في (بل عن بعضهم «2» دعوى الإجماع عليه أيضا) أنّ الانفراد بالعشر أو بنصفه يتبع الأكثريّة، فإن كان سقيه سيحا، أو بعلا، أو عذيا أكثر، ففيه العشر، و إلّا ففيه نصف العشر، و إذا تساوى الأمران، يؤخذ من نصفه العشر، و

من نصفه الآخر نصف العشر، بلا خلاف «3»، و عن غير واحد الإجماع عليه «4»، و استدلوا له- مضافا إلى الإجماع- بحسنة معاوية بن شريح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «فيما سقت السماء و الأنهار، أو كان بعلا، فالعشر، فأمّا ما سقت السواقي و الدوالي فنصف العشر. فقلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي، ثم يزيد الماء و تسقى سيحا؟ فقال: إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت: نعم، قال: النصف و النصف، نصف بنصف العشر و نصف بالعشر. فقلت: الأرض تسقى بالدوالي، ثمّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا، قال: و كم تسقي السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة، أربعين ليلة، و قد مكث قبل ذلك فى الأرض ستّة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 238، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع، ص 567 (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط إيران الحجريّة؛ العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 151، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 238، ط النجف الأشرف.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 539، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 498، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 96

..........

______________________________

أشهر، سبعة أشهر، قال: نصف العشر «1»».

و حيث إنّهم اعتبروا الحكم بالعشر أو بنصفه تابعا للأكثريّة، و التزموا بالتنصيف على الوجه المتقدّم في فرض التساوي، فلذلك التجئوا إلى البحث عن الميزان و المقياس فى الأكثريّة، و ذكروا لذلك وجوها «2»:

الأوّل: أنّ المراد

بها مطلق الأكثريّة الحقيقيّة، الحاصلة بزيادة واحد، بناء على كون الاعتبار بالعدد، فإذا فرضنا أنّ السقي بأحدهما كان ثلاثين، و بالآخر واحد و ثلاثين، كان الحكم تابعا للثاني، لكونه أكثر.

الثاني «3»: الأكثرية العرفيّة، بأن يكون التفاوت بينهما مقدارا يعتدّ به بنظر العرف، بحيث لو سئل عن سقي الزرع بالدوالي أو سيحا لقيل: بهما، و لكن السيح- مثلا- أغلب.

الثالث «4»: الغلبة الّتي تكون ما يقابلها نادرا ملحقا بالعدم، و قد ذكروا لكلّ من ذلك وجها.

و الصحيح أن يقال: إنّ اللازم في هذا الباب إنّما هو أخذ الرواية المتقدّمة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الغلات، ح 1.

(2)- العاملى، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 148، ط مؤسّسة آل البيت عليه السّلام، قم؛ ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 448، ط مؤسّسة النشر الإسلامى، قم؛ المقدّس الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 118، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم؛ الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 110، ط مؤسّسة النشر الإسلامى، قم.

و قال قدّس سرّه: إنّه المتبادر من كلّ من عبّر عنه بالأغلبيّة. و قال بعضهم: إنّه ظاهرا الأكثر (مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 96).

(3)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 152، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 239، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 97

و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (220)، و لو شكّ في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي

______________________________

بنظر الاعتبار، و بملاحظتها نرى إنّه

لم يعتبر فيها التساوي و الأكثريّة أصلا، بل المستفاد منها: أنّه إذا صدق على الزرع أنّه ممّا سقي بالأمرين، سواء أ كان ذلك بنحو التساوي أم كان بأحدهما أكثر عرفا، و لكن كان السقي بكل منهما صادقا عليه، فالحكم فيه هو إخراج العشر من نصفه، و نصف العشر من النصف الآخر، و أمّا إذا لم يكن الأمر كذلك، بأن كان لا يصدق عليه إلّا السقي بأحد الأمرين، إمّا لأجل عدم السقي بالآخر، أو لكونه نادرا بمرتبة لا يوجب صدق السقي به على الزرع، فالحكم يتبع ما يصدق عليه منهما حينئذ. و هذا هو مختار صاحب «الجواهر» قدّس سرّه، بل أنّه قدّس سرّه وجّه كلمات الأصحاب- قدّس اللّه أسرارهم- بما لا ينافيه أيضا. و كيف كان، فالصحيح هو هذا، و ما أفاده المصنّف قدّس سرّه- أيضا- منزّل على ذلك، حيث إنّه اعتبر فى التنصيف على النحو المتقدّم صدق السقي بكليهما على نحو الاشتراك، من دون اعتبار خصوص التساوي. و أمّا مع غلبة أحدهما، بحيث لم يكن السقي بالآخر صادقا عليه، فالحكم تابع لما يصدق، كما هو ظاهر.

(220) كما تبيّن لك الوجه في ذلك.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 98

الأقلّ (221)، و الأحوط الأكثر.

[مسألة 12: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي]

[مسألة 12]: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي، و مع ذلك سقي بها، من غير أن يؤثر في زيادة الثمر، فالظاهر وجوب العشر (222)، و كذا لو كان سقيه بالدوالي و سقي بالنهر و نحوه، من غير أن يؤثر فيه، فالواجب نصف العشر.

[مسألة 13: الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه]

[مسألة 13]: الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه (223)، إلّا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى

______________________________

(221) لأصالة البراءة عن الزائد، عند الدوران بين الأقل و الأكثر، و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو الأكثر.

(222) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المدار على التأثير، فإذا كان المؤثّر هو السّيح و نحوه ترتّب عليه حكمه. هذا، و لكن فرض المسألة مشكل جدّا، بداهة أنّ الماء إمّا أن يؤثّر أو يضرّ، و لا يوجد شقّ ثالث، و هو ما لا ينفع و لا يضرّ، ففرض الصغرى مشكل، و إن كان الحكم كبرويّا ممّا لا إشكال فيه.

(223) و السرّ فيه يظهر بملاحظة ما تقدّم، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 99

الدوالي أصلا، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة، فحينئذ يتبعهما الحكم.

[مسألة 14: لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثا أو لغرض- فزرعه آخر]

[مسألة 14]: لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثا أو لغرض- فزرعه آخر، و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر (224)، و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض

______________________________

(224) و ذلك لما عرفت، من أنّ المناط في وجوب نصف العشر، إنّما هو كون وصول الماء إلى الزرع بآلة، و بتعبير آخر: كون رشّ الأرض بالماء- بالدلو و نحوه- لأجل الزرع، فإذا لم يكن بهذا القصد، فلا موجب- حينئذ لإخراج نصف العشر منه، كما هو ظاهر. و حاصل الكلام: أنّ المستفاد من النصوص إنّما هو وجوب نصف العشر عند كون السقي بالدوالي و ما شاكلها اختيار بالغرض الزرع، فإذا انتفى ذلك، لم يكن موجب لإخراج نصف العشر. و منه يظهر الوجه في حكمه قدّس سرّه بالعشر فى الفرع التالي.

هذا و يمكن القول: بأنّ هذا الكلام متّجه لو

لا أنّه جعل فى النصوص في مقابل السقي بالدوالي ...» السقي بماء السماء، أو السقي سيحا، ممّا ليس للزارع فيه خيار، حيث أنّه يعلم منه- بمقتضى المقابلة- أنّ المناط ليس هو كون السقي بالدوالي بغرض الزرع، بل على صدق السقي بالدوالي و إن لم يكن ذلك اختياريا، لعدم كون إخراج الماء بغرض سقي الزرع و نحوه، فتأمّل. و الأظهر في جميع الفروع الأربع التي أشار إليها المصنّف قدّس سرّه هو وجوب نصف العشر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 100

آخر غير الزرع، ثمّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه (225)، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي، و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد و جرى على أرض أخرى.

[مسألة 15: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة]

[مسألة 15]: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة، بل ما يأخذه باسم الخراج أيضا (226)،

______________________________

(225) حاصل الكلام، أنّ استخراج الماء بالدوالي إذا كان لغرض الزرع و لو كان ممّا يشرب بعروقه، ففي مثله يجب نصف العشر، و أمّا إذا لم يكن بهذا الغرض فلا.

نعم، إذا أخرجه لزرع، و لكن زاد بحيث جرى على أرض أخرى، فسقي به زرعا آخر، وجب حينئذ نصف العشر، كما هو ظاهر.

(226) المقاسمة- في عرف الفقهاء «1»- عبارة عمّا يضعه السلطان بحصّة من حاصلها، على الأراضى الخراجيّة، أي الأراضي الّتي تكون ملكا للسلطان، المعبّر عنها اليوم بالأراضي الأميريّة؛ و أما الخراج فهو ما يأخذه من الأراضي الخراجيّة بعنوان أجرة الأرض و نحو ذلك. و لا إشكال و لا خلاف «2» في

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 123، ط النجف الأشرف.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12:

ص 123، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن؛ جواهر الكلام، ج 15: ص 223، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

وجوب الزكاة بعد إخراج المقاسمة، بل ادّعي «1» عليه الإجماع. و يدلّ على ذلك مصحّح أبي بصير و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، أنّهما قالا له: هذه الأرض الّتي يزارع أهلها، ما ترى فيها؟ فقال: «كلّ أرض دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها، فعليك ممّا أخرج اللّه منها الّذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك، بعد مقاسمته لك «2»»، و خبر صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج، و ما سار فيها أهل بيته، فقال: «من أسلم طوعا تركت أرضه في يده ...- إلى أن قال:- و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالّذي يرى، كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، و على المتقبّلين- سوى قبالة الأرض- العشر، و نصف العشر، في حصصهم ... «3»».

و أمّا الخراج، و هو ما يأخذه السلطان بعنوان الأجرة، بحيث تكون المحاصيل كلّها راجعة إلى مالك الزرع، فاستثناؤه- أيضا- و إن كان بحكم المقاسمة في كلماتهم، فإنّ الفقهاء- قدّس اللّه أسرارهم- عبّروا عن ذلك بحصّة السلطان، و هي تشمل كلا القسمين، كما لا يخفى؛ إلّا أنّ الاستدلال له مشكل جدّا، و ظاهر الخبرين المتقدّمين اختصاص الاستثناء بالمقاسمة فقط، و ذلك لقوله عليه السّلام فى الخبر الأوّل: «إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك، بعد مقاسمته لك»، و وقوع السؤال فيه

بلفظ «يزارع» الظاهر في أنّ للسلطان حصّة من حاصل الأرض، و قوله عليه السّلام

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 540، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 155، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الغلات، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 102

..........

______________________________

فى الخبر الثاني «في حصصهم» الظاهر في أنّ المخرج إنّما كان من حاصل الأرض، و لأجل ذلك كان العشر أو نصف العشر في حصّة مالك الزرع، دون الحصّة الّتي تدفع إلى السلطان بعنوان قبالة الأرض، و على هذا فاستثناء ما عدا المقاسمة محل إشكال جدّا. نعم، بناء على استثناء المؤن- كما سيأتي- يكون الخراج من المؤن، فيستثنى بعنوان المئونة، لا بعنوانه، أو بعنوان حصّة السلطان.

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب الزكاة بعد إخراج المقاسمة، أو مطلق الخراج- على الخلاف- فيما إذا كان الباقي بمقدار النصاب، و لا خلاف في ذلك ظاهرا، بل عن جملة من الأصحاب- قدّس اللّه أسرارهم- كالمحقّق فى «المعتبر «1»»، و العلّامة فى «التذكرة «2»» دعوى الإجماع عليه، بل فى «الحدائق «3»»- بعد دعوى إجماع الأصحاب عليه-: «و هو المشهور بين الجمهور- أيضا-»، و يدلّ عليه الخبران المتقدّمان.

و بإزاء ذلك جملة من الروايات تدلّ على عدم وجوب الزكاة مطلقا بعد إخراج الخراج، كصحيح رفاعة بسند الشيخ قدّس سرّه. قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل له الضيعة، فيؤدّي خراجها، هل عليه فيها عشر؟ قال: «لا «4»»، و روايته الأخرى بسند الكليني قدّس سرّه عنه عليه

السّلام أيضا، قال: سألته عن الرجل يرث الأرض- أو يشتريها- فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه عشر؟ قال: «لا «5»»، و

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 540، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2) العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 155، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 127، ط النجف الأشرف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10 زكاة الغلات، ح 2.

(5)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 103

..........

______________________________

رواية سهل بن اليسع، إنّه حيث أنشأ «سهل آباد»، سأل أبا الحسن عليه السّلام عمّا يخرج منها، ما عليه؟ فقال: «إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء، و إن لم يأخذ السلطان منك شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها «1»».

و هذه الروايات- بظاهرها- تدلّ على عدم ثبوت الزكاة في حاصل الأراضي الّتي يأخذ خراجها السلطان، فتكون منافية للروايتين المتقدّمتين، بل منافية لما لعلّ المذهب قد استقرّ عليه، و يظهر من كلمات بعضهم أنّها موافقة لمذهب أبي حنيفة- على ما نسب إليه- فقط، دون بقيّة المذاهب من العامّة «2»، و كيف كان فبالإمكان توجيه الطائفتين بما يرتفع به المنافاة عن البين، بأحد وجهين:

الأوّل: أنّها إنّما تدلّ على عدم ثبوت الزكاة فيما أخذ السلطان الخراج منه، مطلقا، و الروايتان المتقدّمتان إنّما تدلّان على ثبوتها في الباقي بعد دفع الخراج و المقاسمة، فتكون نسبتهما إلى الروايات النافية للزكاة مطلقا نسبة الخاصّ إلى العام، فلا محالة يقيّد العام بالخاص، عملا بقانون الإطلاق و التقييد، فتكون النتيجة- إذن- هي وجوب الزكاة بعد الخراج أو المقاسمة. و

لكن للمناقشة في هذا الوجه مجال واسع، فإنّ الظاهر من بعض الروايات النافية أنّ ما يأخذ عليه السلطان الخراج ليس بداخل في موضوع وجوب الزكاة رأسا، فكأنّه من الأموال الّتي لا زكاة عليها، و حينئذ فتكون معارضة للروايتين المتقدّمتين، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الغلات، ح 1.

(2)- ابن قدامة، عبد اللّه بن احمد: المغني، ج 2: ص 590، افست دار الكتاب العربي، بيروت؛ الجزيرى، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: ص 616، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 104

بل ما يأخذه العمّال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما (227) إذا لم يتمكّن من الامتناع جهرا و سرّا، فلا يضمن حينئذ حصّة الفقراء

______________________________

الثاني: إنّه لا شاهد على أنّ مورد الروايات النافية هي الأراضى الخراجيّة، بل لعلّ في بعضها ما يشهد بخلاف ذلك، كصيغة السؤال الوارد في رواية رفاعة:

«سألته عن الرجل يرث الأرض، أو يشتريها ...»، فإن التعبير بالإرث أو بالاشتراء، مع كون الأرض خراجيّة، ممّا لا يجتمعان، و حمله على إرث حق الانتفاع، أو شراء ذلك، بعيد عن ظاهر اللفظ عرفا، كما لا يخفى. و على هذا، فيكون الّذي يأخذه السلطان- مع عدم كون الأرض خراجيّة- إنّما هو بعنوان الزكاة، و قد ورد في جملة من الروايات «1» ما يدلّ على جواز احتساب ما يأخذه الجائر زكاة. و على هذا، فعدم وجوب الزكاة في مورد الروايات النافية لا ينافي وجوبها فى الروايتين المتقدّمتين الواردتين فى الأراضى الخراجيّة، كما لا يخفى، و اللّه العالم.

(227) قال فى «المسالك «2»»: «فلا يستثنى الزائد، إلّا أن يأخذه قهرا، بحيث لا يتمكّن من

منعه سرّا أو جهرا، فلا يضمن حصّة الفقراء من الزائد ...». و الظاهر أنّ ذلك هو المعروف عنهم فيما إذا أخذ الزائد منه قهرا، مع عدم تمكّنه من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 20: المستحقّين للزكاة.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: صص 393- 394، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 105

من الزائد. و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاما؛ و أمّا إذا كان شخصيّا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها، بل الأحوط الضمان فيه مطلقا و إن كان الظلم عاما، و أمّا إذا أخذ من نفس الغلّة قهرا فلا ضمان، إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.

[مسألة 16: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعا، من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة]

[مسألة 16]: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعا، من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة (228)،

______________________________

المنع، كما يظهر ذلك من كلام المحقّق الهمداني قدّس سرّه «1»، حيث نفى الإشكال فيه، إلّا أنّ استثناء ذلك مبني على القول باستثناء المؤن- و سيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه- فإنّ الزائد على هذا يكون من جملة مئونة الزرع عرفا، و أمّا على تقدير استشكال استثنائها لا يبقى مجال لعدم ضمان حصّة الفقير فى الفروض المذكورة. و نعني بالضمان وجوب إخراج الفريضة من المجموع، الشامل للزائد المأخوذ ظلما.

(228) استثناء المؤن يتصوّر بوجهين:

الأوّل: أن يخرج ما يقابل المئونة، و يعتبر النصاب فى المقدار الباقي، بحيث لا يجب إخراج الزكاة من المقدار الّذي يقابل المئونة أصلا.

الثاني: أن يعتبر في وجوب الزكاة بلوغ المجموع النصاب، بلا استثناء لما قابل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه،

ج 3/ كتاب للزكاة: ص 64، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 106

..........

______________________________

المئونة، إلّا أنّه يقسّط المئونة- بالنسبة- على حقّ الفقراء، مثلا: إذا كان مجموع ماله ستّة أوسق، و كانت المئونة بمقدار وسق مثلا، فلا محالة تكون نسبة ما قابل المئونة إلى مجموع المال نسبة الواحد إلى الست، أي سدس المجموع، و حينئذ فإذا فرضنا أنّ الواجب فيه هو العشر، نقص من حق الفقير عشر السدس، فيعطى عشر ستّة أوسق، ناقصا منه عشر السدس، و يردّ ذلك مع تسعة أعشار السدس الباقية إلى المالك. و لا يخفى أنّ مقتضى الأصل العملي فى المسألة ممّا يختلف باختلاف الصورتين، ففي الصورة الأولى يكون مقتضى الأصل العملي فى المسألة- بعد اليأس عن الدليل- هو استثناء المئونة، لأنّ الأصل البراءة عن الزكاة فيما قابل المئونة، و فى الثانية ينعكس الأمر و يكون مقتضى الأصل هو عدم الاستثناء، فإنّ الأصل براءة الفقير عن وجوب أداء ما يقسّط عليه من المئونة. و بكلمة أخرى يكون مقتضى الأصل فى المثال المتقدّم إنّما هو اعطاء عشر ستّة أوسق إلى الفقير كاملا، بدون نقص عشر السدس منه أصلا. إذا عرفت ذلك، فنقول:

المشهور- كما ادّعاه غير واحد «1»- إنّما هو الاستثناء، و فى «مفتاح الكرامة «2»»- بعد نقل القول به عن كثير من كتب القدماء و المتأخّرين- قال:

«بل لو ادّعي مدّع الإجماع لكان في محلّه، كما هو ظاهر «الغنية «3»»، أو صريحها

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 191، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 142، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين:

الروضة البهيّة، ج 1: ص 168، ط إيران الحجريّة.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 99.

(3) ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع، ص 567، (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

...». و خالف فيه الشيخ قدّس سرّه، قال فى «الخلاف «1»»: كلّ مئونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على رب المال، و به قال جميع الفقهاء، إلّا عطاء، فإنّه قال:

المئونة على ربّ المال و المساكين بالحصّة ...»، و قال في موضع من «المبسوط «2»»: «كلّ مئونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال، دون المساكين ...»، و مثلهما المحكي عن أبي سعيد في «جامعه «3»». و لكن في «نهاية «4»» الشيخ، و موضع اخر من «المبسوط «5»»: القول بموافقة المذهب المشهور.

و كيف كان ففى المسألة قولان: استثناء المؤن كلّها، و هو المشهور، و قول بعدم استثنائها، و هو المحكي عمّن عرفته آنفا، و وافقهم في ذلك جماعة من المتأخّرين، كالشهيد الثاني في «فوائد القواعد «6»»، و سبطه فى «المدارك «7»»، و نجله في «شرح الاستبصار «8»»، و صاحب «الذخيرة «9»»، و قوّاه- أيضا-

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 67، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 217، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(3)- ابن سعيد، يحيى: الجامع للشرائع، ص 134، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: النهاية، ص 178، ط دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان.

(5)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط: ج 1: ص 214، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5:

ص 142، ط مؤسسة آل البيت عليه السّلام، قم.

قال السيّد الأمين قدّس سرّه: له «حاشية على قواعد العلامة، حقّق فيها المهم من المباحث، و مشى فيها مشى الحاشية المشهورة بالبخاريّة للشهيد الأوّل، غالب المباحث فيها بينه و بينه، برز منها مجلّد إلى آخر كتاب التجارة» (الأمين، السيد محسن: أعيان الشيعة، ج 7:

ص 155، ط دار التعارف للمطبوعات، بيروت- لبنان).

(7)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 142، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(8)- مبلغ علمي أنّه لم يطبع هذا الكتاب بعد، و اللّه العالم.

(9)- السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة المعاد، صص 242- 243، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 108

..........

______________________________

شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه «1» في صدر كلامه، و إن كان ربّما مال إلى المذهب المشهور في ذيله «2». و استدلّ للقول بعدم الاستثناء بوجوه:

الأوّل: الأخبار الواردة في بيان الفريضة فى الغلّات، من العشر أو نصف العشر، الظاهر شمولها لما قابل المئونة أيضا، و أظهرها: مصحّح محمّد بن مسلم و أبي بصير المتقدّم «3» الوارد في استثناء المقاسمة، حيث إنّه صريح في عدم استثناء ما عدا المقاسمة. و قريب منه فى الظهور صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب ما بلغ خمسة أوسق- و الوسق ستّون صاعا- فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر، و ما كان يسقى منه بالرّشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء، أو السيح، أو كان بعلا، ففيه العشر تاما، و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء إلّا في هذه الأربعة أشياء «4»»، فإنّ مقتضى عدم استثناء الروايتين للمؤن، مع

كونهما في مقام البيان من هذه الجهة، كما يشهد بذلك استثناء المقاسمة فى الأولى، و اشتراط بلوغ النصاب فى الثانية، هو عدم ثبوت الاستثناء فى الشريعة، كما لا يخفى.

نعم، الاستدلال بسائر المطلقات المتضمّنة للعشر أو نصف العشر للمقام ممّا لا يخلو عن مناقشة ظاهرة، نظرا لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، بل الظاهر سوقها مقام بيان المقدار الواجب الّذي هو متعلّق حقّ الفقير، من دون بيان لمحلّ هذا الحقّ، و أنّه الغلّة بعد استثناء المؤن منها أو قبله، كما يشهد بذلك

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، ص 228، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم- إيران.

(2)- كتاب الزكاة، ص 233.

(3)- صفحه 101.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 109

..........

______________________________

عدم التعرّض فيها لاستثناء المقاسمة، أو لاعتبار بلوغ النصاب، كما لا يخفى.

الثاني: خبر محمّد بن علي بن شجاع النيشابوري، أنّه سأل أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى، فأخذ منه العشر، عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا، و بقي في يده ستّون كرّا، ما الّذي يجب لك من ذلك، و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟

فوقع عليه السّلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «1»»، حيث أنّه صريح في أخذ العشر من جميع المال، من دون استثناء ما صرفه في عمارة الضيعة من ذلك، و قد أقرّه الإمام عليه السّلام- أيضا- على ذلك.

و يتوجّه عليه: أنّ الظاهر من متن الرواية كون السؤال فيها مسوقا للاستفهام عن إجزاء ما يأخذه عامل السلطان بعنوان الزكاة،

كما يشهد به قوله:

«و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟» و كذلك الاستفهام عن ثبوت الخمس فى المال المفروض، و الإمام عليه السّلام بالنسبة إلى الشقّ الأوّل من السؤال أجابه بالإجزاء، و من الظاهر أنّ سيرة عمّال السلاطين و إن كانت جارية على عدم استثناء المئونة في مقام أخذ الزكوات- كما هو مذهب المخالفين- إلّا أنّ جواب الإمام عليه السّلام لا يكون تقريرا لعملهم، و هو أخذ الزائد على الواجب، حتّى تدلّ الرواية على عدم الاستثناء. نعم، إذا كان المأخوذ أقلّ من الواجب كان تقريرا لعملهم لا محالة، كما هو ظاهر.

الثالث: أنّ السرّ في جعل الشارع العشر في ما سقي سيحا، أو بعلا، أو عذيا «2»، و نصفه فيما سقي بالدوالي و الرّشا و النواضح، هو اشتمال الثاني على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الغلات، ح 2.

(2)- العذي- بالكسر-: الزرع لا يسقيه إلّا المطر. (أقرب الموارد).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 110

..........

______________________________

مئونة زائدة دون الأوّل، فيكشف عن أنّ الشارع إنّما لاحظ المئونة في مقام التشريع، فلذلك أسقط نصف العشر فيما سقي بالدوالي ...، و حينئذ فلا يبقى مجال- بعد- للقول باستثناء المؤن بعد فرض مراعاة الشارع هذه الجهة في أصل التشريع.

و يتوجّه عليه: أنّ عقولنا لا تنهض بإدراك أسرار الشريعة، و ما تنطوى عليه أحكامها المقرّرة من حكم و مصالح، و مع هذا العجز و القصور كيف يمكننا الجزم بأن السّر في إسقاط الشارع نصف العشر فيما سقي بالدوالي و نحوه إنّما هو ملاحظة المئونة، بمعنى أنّه أسقط هذا المقدار في مقام تشريع الزكاة بإزاء المئونة الّتي يبذلها المالك في سبيل زرعه، لئلّا يبقى

بعد ذلك مجال لاستثناء المؤن، إذ من الممكن أن يكون السرّ فيه شيئا اخر غير هذا. و على الإجمال، الأحكام الشرعيّة لا تناط بمثل هذه الاستحسانات و الاعتبارات الظنيّة، بل الوهميّة، فلاحظ.

و استدلّ للمذهب المشهور- أيضا- بوجوه:

الأوّل: الأصل، بدعوى أنّه مع الشك في استثناء المؤن و عدمه يكون مقتضى أصالة البراءة عن الزكاة فيما قابل المئونة هو الاستثناء.

و يتوجّه عليه أوّلا: ما عرفت من اختلاف مقتضى الأصل العملي فى المقام بتبع الاختلاف في كيفيّة استثناء المئونة، فعلى أحد الوجهين يكون مقتضاه هو الاستثناء، و على الآخر منهما يكون هو عدم الاستثناء. و ثانيا: أنّ الاستدلال بالأصل العملي لاستثناء المئونة في مقابل الأدلّة المتقدّمة القائمة على عدم الاستثناء في غير محلّه، كما لا يخفى.

الثاني: قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

الآية «1»، بتقريب: أنّ عفو المال- كما يظهر من بعض أهل اللغة «2»- هو ما يفضل عن النفقة، و قيل «3» ما فضل عن قوت السنة، و كيف كان فلا يطلق العفو على ما يقابل المئونة، و حينئذ فتدلّ الآية الكريمة على استثناء المئونة في مقام أخذ الزكاة.

و يتوجّه عليه أوّلا: أنّ الآية- على تقدير التسليم بما تقدّم- تكون أجنبيّة عن المقام، فإنّها تقتضى استثناء مئونة المالك، مع أنّ الكلام في استثناء مئونة الزرع و دعوى «4»: أنّ مئونة الزرع من جملة مئونة مالك الزرع، أو أنّه يستفاد حكمها من ذلك بالأولويّة، فإنّ استثناء مئونة المالك يقتضي استثناء مئونة الزرع بالفحوى، ممنوعة، و ذلك: لأنّ الإجماع و الاتّفاق قائمان على عدم استثناء مئونة المالك في إخراج الزكاة، بل إنّه لم ينقل الخلاف

في ذلك من أحد، فالآية الكريمة، على فرض التسليم بظهورها في استثناء مئونة المالك، لا بدّ من صرفها إلى غير ذلك بمقتضى القرينة القطعيّة، كما لا يخفى.

و ثانيا: إنّها تدلّ على لزوم كون المأخوذ عفوا، لأكون المأخوذ منه عفوا، و حينئذ فلا تدلّ على استثناء المئونة، إذ لو كان ما يؤخذ منه- من العشر أو نصفه- زائدا على المئونة- كان ذلك مصداقا للعفو لا محالة و إن لم تحسب المئونة. و على الإجمال: لا تلازم بين اعتبار كون المخرج عفوا غير واقع بإزاء المئونة و النفقة، و

______________________________

(1)- الأعراف، 7: 199.

(2)- الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: الصحاح، ج 6: ص 2432، ط دار العلم للملايين، بيروت؛ ابن منظور، محمّد بن مكرّم: لسان العرب، ج 15: ص 75، ط دار صادر، بيروت.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 66، ط إيران الحجريّة.

(4)- الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين، ج 1: ص 299/ تحقيق: السيد احمد الحسيني.

ناسبا ذلك إلى رواية عن الإمام الباقر عليه السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

بين استثناء المئونة، كما هو ظاهر.

الثالث: إنّ النصاب مشترك فيه بين المالك و الفقير، فلا يختصّ أحدهما بالخسارة، بل تكون مشتركة بينهما، كما في سائر الأموال المشتركة.

و يتوجّه عليه: أنّ الالتزام بالشركة الحقيقية مشكل جدّا، كما أشرنا إليه فيما تقدّم، و سيجي ء ذلك- أيضا- إن شاء اللّه تعالى، مضافا إلى أنّه لا يقتضي إلّا استثناء المؤن المتاخّرة عن زمان تعلّق حقّ الفقراء، لا جميع المؤن، فيكون الدليل أخصّ من الدعوى، و لا مجال لتتميمه بالإجماع المركّب، لوجود القول بالتفصيل.

الرابع: إنّ الزكاة فى الغلات إنّما تجب فى النماء، و هو غير

صادق إلّا بعد استثناء المؤن، فإنّ ما يقابل المئونة لا يصدق عليه النماء.

و يتوجّه عليه: إنّ هذا عين الدعوى، فإنّه إذا ثبت استثناء المؤن كان لازم ذلك هو وجوب الزكاة في ما يصدق عليه عنوان النماء، و إلّا فلا.

الخامس: مصحّح الفضلاء عن أبي جعفر عليه السّلام- فى حديث- قال: «لا يترك للحارس أجرا معلوما، و يترك من النخل معى فارة «1»، و أمّ جعرور «2»، و يترك للحارس يكون فى الحائط العذق، و العذقان، و الثلاثة، لحفظه إيّاه «3»»، بتقريب:

أنّ استثناء ما يعطى للحارس- بضميمة عموم التعليل بالحفظ- يقتضي استثناء المؤن، كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أخصيّة الدليل من المدعى، لاختصاصه بالمؤن اللاحقة على

______________________________

(1)- تمر ردي ء بالحجاز (الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 10: ص 345، ط بولاق، مصر).

(2)- تمر ردي ء، قال الأصمعي: هو ضرب من الدقل، يحمل شيئا صغارا لا خير فيه» (الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 3: ص 103، ط بولاق، مصر).

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الغلات، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

زمان تعلّق الوجوب بالمال، و تتميمه في غيرها بالإجماع المركّب غير صحيح، لوجود القول بالتفصيل فى المسألة.

السادس: ما عن المحقّق الفقيه الهمداني قدّس سرّه «1»، و حاصله: أنّ المسألة من المسائل العامّة البلوى، الّتي لا يمكن أن يغفلها الرواة و أصحاب الائمّة عليهم السّلام، و هذا ممّا لا ينبغي الشك فيه، كما أنّه لا شكّ في اشتهار القول بالاستثناء فى الأزمنة المتأخّرة، مع وهن جميع ما استدلّوا به لذلك، كما عرفته آنفا؛ كما أنّه لا شكّ- أيضا- في عدم استثنائها عند المخالفين، و حينئذ، فلا يخلو الحال بالنسبة

إلى العصور السابقة كعصر أصحاب الائمّة عليهم السّلام، و العصور التابعة له من أحد أمرين:

فإمّا أن يكون المشتهر فيما بينهم هو الاستثناء، أو يكون المشهور بينهم هو عدم الاستثناء، و هم مستندون في ذلك أيّا كان الأمر إلى ما كان قد بلغهم بهذا الشأن عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، لا إلى ما ذهب إليه المخالفون من القول بعدم الاستثناء، و لا إلى الوجوه الاعتباريّة الّتي يمكن تلفيقها للاستدلال على الاستثناء. و حيث إنّه من المستبعد جدّا أن يشتهر القول بعدم الاستثناء في تلك العصور ثمّ يتبدّل الأمر بعد ذلك فتكون الشهرة على الاستثناء، فلا محالة يطمئنّ النفس بكون الشهرة في تلكم العصور- أيضا- على الاستثناء، و قد عرفت أنّه لا يمكن أن يكون المنشأ للشهرة في ذلك العصر إلّا ما وصلهم عن الأئمّة عليه السّلام، ممّا يدلّ على ذلك، إذن نستكشف من ذلك كلّه أنّ رأي المعصوم عليه السّلام كان على الاستثناء.

و هذا الوجه و إن لم يمكن دعمه بالبرهان و الدليل، و إنّما هو أشبه شي ء بما اصطلح عليه القوم من تسميته بالوجه الفقهي، غير أنّه يمكن الركون إليه، بضميمة سائر المؤيّدات، من قيام الشهرة على الاستثناء مع عدم وجود الدليل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 67، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 114

كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب- أيضا- بعد خروجها (229)،

______________________________

الصحيح عليه، و من استثناء مئونة القرية في عبارة «الفقيه «1»» و «المقنع «2»»، و هي- بحسب ما يغلب على الظن- تعبير عن متون الأخبار، بل قيل: إنّها كانت مرجعا للفقهاء، عند اعوازهم النصوص، فهذا كلّه ممّا يمكن أن

يستكشف منه رأي المعصوم عليه السّلام بطريق الحدس، بل عن الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «3»: «أنّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم عليه السّلام من فتوى الأصحاب في شي ء من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه ...» و ما ذكره قدّس سرّه وجه حسن، و لكنّه لا يفيد العلم بالحكم، و مع الغضّ عنه ينبغي القول باستثناء المئونة اللّاحقة، لصراحة مصحّح محمّد بن مسلم المتقدّم «4» في ذلك، و أمّا ما عداه فلم يقم عليه دليل لفظي، كما عرفت.

(229) بعد البناء على استثناء المؤن فى الجملة، يقع الكلام في كيفيّة ذلك، و أنّ النصاب هل يعتبر بعد استثناء المؤن، أو أنّه يعتبر فيه بلوغ المجموع النصاب، بحيث لو كان مجموع الغلة بمقدار النصاب وجبت الزكاة حينئذ فيما زاد على ما يقابل المئونة؟ وجهان، بل قولان، و هناك قول آخر بالتفصيل بين المئونة السابقة على زمان التعلّق- كالحرث و السقي- فيعتبر النصاب بعد وضعها، و اللاحقة له-

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 35، ط مكتبة الصدوق، طهران.

(2) الصدوق، محمّد بن علي: المقنع، ص 13 (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط إيران الحجريّة.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 67، ط إيران الحجريّة.

(4)- صفحة 101.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

كالجذاد و الحصاد ...- فيعتبر ذلك قبل وضعها.

و الأشهر، بل المشهور- كما عن «الجواهر «1»»- هو الأوّل، و عليه، فلو كانت الغلّة بالغة حدّ النصاب، إلّا أنّها تنقص عن ذلك بعد وضع المئونة لم تجب الزكاة فيها حينئذ. و استدلّ له بوجوه:

الأوّل: الأصل، بتقريب أنّ مقتضى أصالة البراءة فيما نقص عن مقدار النصاب- بعد وضع

ما يقابل المئونة- إنّما هو عدم وجوب الزكاة، حيث إنّا نشكّ في وجوب ذلك، فينفى بالأصل لا محالة، كما هو ظاهر.

و قد يقال «2»: إنّه لا مجال للأصل بعد وجود الدليل الاجتهاديّ، و مقتضاه هو وجوب الزكاة ببلوغ الغلّة النّصاب قبل استثناء المئونة. بيانه إنّ مقتضى العمومات الدالّة على وجوب العشر أو نصف العشر- كمصحّح الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «فى الصدقة، فيما سقت السماء و الأنهار، إذا كانت سيحا أو كان بعلا العشر، و ما سقت السّواقي و الدّوالي، أو سقي بالغرب، فنصف العشر «3»»، و صحيح زرارة و بكير جميعا عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «في الزكاة، ما كان يعالج بالرّشا و الدوالي و النضح، ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير علاج، بنهر، أو عين، أو بعل، أو سماء، ففيه العشر كاملا «4»»- هو وجوب الزكاة في الغلّة قليلا كانت أو كثيرا، و لكنّها تخصّصت بما دلّ على اعتبار النّصاب، إلا أنّه لم يعلم المراد من أدلّة اعتبار النصاب، و هل انّ المعتبر هو النصاب بعد إخراج المئونة أو ما كان كذلك قبل إخراج المئونة، فهو من قبيل المخصّص المردّد بين الأقل و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 233، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 67، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات، ح 2.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

الأكثر، و اللازم فيه هو الاقتصار على القدر المتيقّن به، و هو الأقلّ، و يرجع فيما عداه إلى العموم،

و حينئذ ففى المقام يقتصر في تخصيص العمومات على اعتبار النّصاب قبل إخراج المئونة، و فيما لم يكن بمقدار النّصاب بعد إخراج المؤن، يؤخذ بالعمومات القاضية بوجوب الزكاة.

و الجواب عنه: أنّ المسألة ليست من صغريات ما ذكر، فإن ما ذكر إنّما هو في المخصّص المنفصل المردّد بين الأقلّ و الأكثر، و مسألتنا هذه إنّما هي من دوران المخصّص المتّصل المردّد بين الأقلّ و الأكثر، و في مثله لا مجال للأخذ بالعام في مورد الشك، لإجماله. بيان ذلك: أنّ جملة من العمومات الدالّة على وجوب الزكاة فى الغلّة مقيّدة باعتبار النصاب فيها بنحو التقييد بالمتّصل، كصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق ... «1»»، و نحوه غيره «2». فالمسألة نظير ما إذا دلّ الدليل على وجوب إكرام العلماء العدول، فإذا شكّ فى العدالة و تردّد أمرها بين أن تكون هي اجتناب مطلق المعاصي، و أن تكون خصوص الاجتناب عن الكبائر، لم يكن مجال للأخذ بعموم الدليل المذكور في مرتكب الصغيرة، كما هو ظاهر، و محرّر في محلّه. و كذلك الحال فى المقام، فالمرجع- إذن- في مورد الشك هو الأصل، دون العمومات.

الثاني: أنّ الظاهر من قوله عليه السّلام- في صحيح زرارة-: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر. و ما كان يسقى بالرشا و الدوالي و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلّات، ح 5.

(2) المصدر، ح 1، 3، 8، 10، 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2،

ص: 117

..........

______________________________

النواضح، ففيه العشر ... «1»» و نحوه غيره «2» إنّ العشر أو نصف العشر إنّما يجب في مجموع الثلاثمائة صاع، و هذا إنّما يستقيم مع إخراج المئونة أوّلا و اعتبار بلوغ النصاب بعد ذلك، إذ لو كان الاعتبار بالنصاب قبل المئونة لم يخرج العشر أو نصفه من مجموع الثلاثمائة، كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أنّ هذا الاحتمال فى الرواية مبنيّ على أن يكون الموضوع فى الرواية مقيّدا بخروج المئونة منه، بأن تكون الغلّة خمسة أوسق- و هي الّتي يجب فيها العشر أو نصفه- بعد إخراج المئونة منه، و هو ليس بأولى من احتمال اخر معاكس له، بأن يقيّد إطلاق قوله عليه السّلام: «ففيه العشر» أو «ففيه نصف العشر» بإخراج المئونة أوّلا، ثمّ إخراج العشر أو نصفه، مع إبقاء قوله عليه السّلام: «ما بلغ خمسة أوساق ...» على اطلاقه، و عدم تقييده باخراج المئونة، فيكون الاعتبار بالنصاب قبل إخراج المئونة. و الحاصل، أنّ الأمر دائر بين تقييد أحد الإطلاقين، و ليس أحدهما بأولى من الآخر، كما لا يخفى. فالعمدة فى المقام- إذن- هو الأصل العمليّ.

و استدلّ للقول الثاني، و هو مختار «التذكرة «3»» و «المدارك «4»»، و «الذخيرة «5»» بظهور الأدلّة في سببيّة بلوغ ما أنبتت الأرض خمسة أوسق، في وجوب العشر بالنسبة إلى كلّ جزء من أجزاء النصاب، و قد علم بما دلّ على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات، ح 2.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 154، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- العاملي، السيّد محمّد، مدارك الأحكام: ج 5، ص 145، ط مؤسّسة آل البيت عليهم

السّلام، قم.

(5)- السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة الأحكام، ص 443، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 118

..........

______________________________

استثناء المئونة، عدم وجوبه في جميع أجزاء النصاب، فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى ما يقابل المئونة، و يعمل في ما بقي على حسب ما يقتضيه سببيّة النصاب الوجوب «1».

و يتوجّه عليه: ما عرفت، من معارضة هذا الظاهر بظهور آخر، و هو ظهور قوله عليه السّلام: «ففيه العشر»، و قوله: «ففيه نصف العشر» في إرادة عشر- أو نصف عشر- مجموع خمسة أوسق، لا خصوص ما يبقى منه بعد المئونة، و مع تعارض الظهورين، و عدم الترجيح لأحدهما على الآخر، تصبح الرواية مجملة.

و استدلّ للقول بالتفصيل بين المئونة السابقة على تعلّق الوجوب فيعتبر النصاب بعده، و بين المؤن اللاحقة له فيعتبر النصاب قبله- و اختاره في «جامع المقاصد «2»» و «المسالك «3»»، و «الروضة «4»»:- بإطلاق الحكم بوجوب العشر- أو نصف العشر- في ما بلغ خمسة أوسق، فإنّ ظاهر قوله عليه السّلام: «ففيه العشر»، و كذا قوله: «ففيه نصف العشر» إرادة عشر- أو نصف عشر- جميع الخمسة أوسق، فإنّ مقتضاه الحكم بسببيّة بلوغ النصاب لوجوب إخراج العشر أو نصفه مطلقا، و حيث علم أنّه لا تجب الزكاة فيما قابل المئونة، فلا محالة اقتضى ابقاء ذلك الحكم على ظاهره تقييد بلوغ النصاب بكونه بعد إخراج مثل البذر، و أجرة الحرث، و

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه/ كتاب الزكاة، ج 3: ص 68، ط إيران الحجريّة.

و لعلّ أصل الاستدلال من المرحوم صاحب الجواهر قدّس سرّه و إنّما اوضحه المحقّق الهمداني قدّس سرّه (جواهر الكلام، ج 15: ص 233، ط النجف الأشرف).

(2)- المحقّق الثاني، علي

بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 21، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 393، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم- إيران.

(4)- الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهيّة، ج 1: ص 168، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 119

و إن كان الأحوط اعتباره، بل الأحوط عدم إخراج المؤن خصوصا اللاحقة (230)،

______________________________

غيرهما من المؤن السابقة على الوجوب، و أمّا المؤن اللّاحقة- كالحصاد و نحوه- فليس إخراجها من الوسط منافيا لاعتبار النصاب قبله، بل هو من مقتضيات الشركة الّتي اقتضاها إطلاق قوله عليه السّلام: «ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر».

و أنت خبير بأنّ الاستدلال المذكور مبنيّ على القول بالإشاعة و الشركة الحقيقية في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين، و قد عرفت بما لا مزيد عليه «1» ضعف القول المذكور، و عدم التزام فقيه بما يترتّب على القول المذكور من اللّوازم.

إذن، فالصّحيح هو المذهب المشهور، من اعتبار النصاب بعد المؤن مطلقا، بلا فرق بين المؤن السابقة على زمان الوجوب و اللّاحقة له. فتأمّل جيّدا.

(230) فقد عرفت فيما سبق: أنّ القول باستثناء المؤن اللّاحقة أولى من القول باستثناء المؤن السابقة، نظرا إلى وجود الدليل اللفظيّ الدالّ على استثناء اللّاحقة، و هو مصحّح محمّد بن مسلم المتقدّم «2»، و هذا بخلاف المؤن السابقة حيث لم يقم على استثنائها دليل لفظيّ، بل كان اعتبار ذلك بوجه غير برهانيّ، كما سبق. و عليه، فالأولويّة فى الاحتياط في عدم إخراج المؤن السابقة دون اللّاحقة، كما ذكره المصنّف قدّس سرّه.

______________________________

(1)- فى الجزء الأوّل من هذا الكتاب، فراجع، و لاحظ.

(2)- صفحة 101.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

120

و المراد بالمئونة كلّ ما يحتاج إليه الزرع و الشجر، من أجرة الفلّاح و الحارث، و الساقي، و أجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و أجرة الحفظ، و الحصاد، و الجذاذ، و تجفيف الثمرة، و إصلاح موضع التشميس و حفر النهر، و غير ذلك (231)، كتفاوت نقص الآلات و العوامل، حتّى ثياب المالك و نحوها، و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع عليهما بالنسبة.

______________________________

(231) ما يصرف لأجل الزراعة و تحصيل الغلّة على أقسام، منها: ما يصرف لتصير الأرض مستعدّة للزرع و المحاصيل، من دون أن يتكرّر ذلك في كلّ سنة، و ذلك كحفر النهر و القناة، و منه قيمة الأرض المشتراة للزراعة. و منها ما يتكرّر ذلك في كلّ سنة، و لكن لا يوجب خسرانا ماليّا على المالك، بل يكون ذلك من قبيل عدم الانتفاع في مقابله. و بعبارة اخرى، يكون فوت المنفعة لا الخسران، و ذلك كالعمل الصادر من المالك، و الآلات، و العوامل المصروفة، بما لا يوجب نقصا في تلك الآلات و العوامل.

و منها: ما يتكرّر في كلّ سنة، مع إيجابه الخسران بحقّ المالك، و لا شبهة في أنّ المئونة المستثناة- على فرض القول باستثنائها- لا تشمل القسمين الأوّلين، لأنّ المئونة- عرفا، أو انصرافا- عبارة عمّا يتكرّر صرفه في كلّ سنة، مع إيجابه الخسران على المالك. و عليه فتختصّ المئونة المستثناة بالقسم الثالث فقط.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 121

[مسألة 17: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى، أو المال الّذي لا زكاة فيه من المؤن]

[مسألة 17]: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى، أو المال الّذي لا زكاة فيه من المؤن (232)، و المناط قيمة يوم تلفه، و هو وقت الزرع.

______________________________

(232) البحث فى

المسألة من جهتين:

إحداهما: في أنّه هل يحسب عين البذر من المئونة أو تحسب قيمته.

و الاخرى: إنّه- على تقدير القيمة- فهل العبرة بقيمة يوم التلف- و هو يوم الزرع- أو قيمة يوم الشراء، لو كان قد اشتراه.

أمّا الجهة الأولى، فقد اختلفت فيه كلماتهم، ففى «المسالك»: «و عين البذر إن كان من ماله المزكّى، و لو اشتراه تخيّر بين استثناء ثمنه و عينه «1»»، و فى «البيان»:

«لو اشترى بذرا، فالأقرب أنّ المخرج أكثر الأمرين، من الثمن و القدر. و يحتمل إخراج القدر خاصّة، لأنّه مثليّ، أمّا لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت، و لم يكن قد عاوض عليه، فإنّ المثلي معتبر قطعا «2»». و في «الجواهر «3»»: «و ممّا يمكن أن يكون محلا للنظر- أيضا- ما سمعته من التخيير في إخراج ثمن البذر أو قدره إذا كان قد اشتراه، خصوصا إذا لم يكن قد اشتراه للبذر، بل اشتراه للقوت ثمّ بدا له

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 393، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم- إيران.

(2)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: البيان، ص 295، ط المؤسسة الثقافية للإمام المهدي- عجّل اللّه تعالى فرجه- قم- إيران.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 236، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 122

..........

______________________________

فبذره، إذ الّذي يعدّ أنّه من مئونة الزرع، و صار هو سببا لإتلافه، عين البذر لا ثمنه، و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر. و بالجملة: التخيير المزبور لا يخلو من نظر، أو منع».

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ البذر- بعنوانه- لم يرد ما يدلّ على استثنائه، كي يقع البحث فيه عن

استثنائه بعينه أو بقيمته، و إنّما ذلك بعنوان كلّي المئونة، و بما أنّ المؤن- عامّة- تلاحظ بعنوان ما لها من الماليّة و القيمة، و ذلك لعدم إمكان استثناء أعيانها غالبا، إذ لا يكون- بحسب الغالب- الحاصل عين البذر، حتّى في مثل الحنطة و الشعير، فضلا عن التمر و الزّبيب، حيث يكون فى الأوّل من الأخيرين بغرس «التالّ» غالبا، و فى الثاني- و هو شجر الكرم- لا يكون غرسه بالبذر دائما، و هذا فضلا عن سائر المؤن فى المقام، كأجرة الحارس، و الحارث، و السّاقي ...، و في سائر الأجناس الزكويّة. و عليه، فالبذر لكونه من المئونة لا يختصّ بحكم خاصّ، بل يلاحظ كسائر المؤن من حيث القيمة، و يحسب بماله من الماليّة.

ثمّ إنّه إذا اشترى البذر بأزيد من قيمة المثل، فإن كان مضطرّا إلى ذلك، كان الزائد على قيمة المثل- أيضا- من جملة المؤن الّتي يتوقّف عليها الزرع، و إلّا لم يكن وجه لاحتساب الزّائد من المئونة.

و أمّا الجهة الثانية، فالّذي تقتضيه القواعد هو استثناء قيمته يوم التلف، و هو يوم الزّرع، و قد عرفت أنّ استثناء البذر بعنوان المئونة، فلا يلاحظ إلّا بماله من القيمة و الماليّة، و ليس المقام مثل باب الدين و الضّمان، حتّى يجري فيه البحث عن أنّ مقتضى القاعدة فيه هو المثل بالمثل، أو التخيير بين المثل و القيمة.

فلاحظ و تدبّر.

ثمّ إنّ مراد المصنّف قدّس سرّه من قوله: «من المؤن» إن كان هو عدم وجوب الزكاة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 123

[مسألة 18]: أجرة العامل من المؤن، و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل]

[مسألة 18]: أجرة العامل من المؤن (233)، و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل، و كذا إذا عمل ولده أو زوجته

بلا أجرة، و كذا إذا تبرّع به أجنبيّ، و كذا لا يحسب أجرة الأرض الّتي يكون مالكا لها (234)، و لا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.

______________________________

في ذلك، أي كان المقصود استثناء ذلك ممّا يجب فيه الزّكاة، كان لما ذكره قدّس سرّه من القيدين، و هما: «إذا كان من ماله المزكّى، أو المال الّذي لا زكاة فيه» وجه. و أمّا إذا كان المقصود منه عدم دخله في اعتبار النّصاب اللّازم في وجوب الزّكاة، بأن كان اللّازم هو اعتبار النّصاب فيما عدا البذر، بحيث لا يكون للبذر دخلا فيه، لم يكن- حينئذ- لذكر القيدين وجه صحيح، حيث إنّ عدم دخل البذر فى النصاب المعتبر لا يتوقّف على كونه من المال المزكّى، أو كونه ممّا لا تجب الزكاة فيه، بأن كان قد اشتراه مثلا. فلاحظ و تأمّل.

(233) أمّا كون أجرة العامل من المئونة فظاهر، لما ذكرناه من أنّ المئونة- عرفا أو انصرافا- عبارة عمّا يتكرّر كلّ سنة، و يكون موجبا للخسران بحقّ المالك. و منه يظهر الوجه في عدم احتساب عمل المالك و غيره- ممّا ذكره المصنّف قدّس سرّه- من المئونة، لعدم كون ذلك موجبا للخسران بحقّ المالك، بل هو من قبيل فوت المنفعة.

(234) أمّا عدم احتساب أجرة الأرض فى الفرض المذكور، فلما ذكرناه من كون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 124

[مسألة 19: لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة]

[مسألة 19]: لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة (235)، و كذا لو ضمن النخل و الشجر، بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر (236)، كما أنّه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.

______________________________

المراد بالمئونة- عرفا أو انصرافا- هو ما يتكرّر كلّ سنة، و ثمن الأرض المشتراة- مثلا-

للزراعة ليس ممّا يتكرّر كذلك، و أمّا العوامل المملوكة فهي لا توجب خسرانا بحقّ المالك، و قد عرفت دخله في صدق المئونة عرفا أو انصرافا. نعم، بشرط أن لا يوجب العمل فيها نقصا، و إلّا كان النقص المذكور من المئونة، لكونه خسارة بحق المالك، كما هو ظاهر.

(235) بما أنّه لم يقم دليل لفظي على استثناء المئونة ليؤخذ بإطلاقها، فالمتيقّن به منه هو ما يخسره المالك للزراعة الشخصيّة، أو الثمر المعيّن، كثمن الزّرع، أو الشجر، أو النخل، فإنّه مما يخسره المالك للزّرع أو الثمر المعيّن المعلوم. و منه يظهر الحال في ضمان النخل و الشجر.

(236) فإنّ ذلك و إن كان خسارة على المالك، إلّا أنّه لم يخسره لتحصيل الزرع الخاصّ، أو الثمرة المعنيّة. و بعبارة أخرى: المئونة عبارة عن الخسارة المتكرّرة كلّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 125

[مسألة 20: لو كان مع الزكويّ غيره فالمئونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين]

[مسألة 20]: لو كان مع الزكويّ غيره فالمئونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين (237)، و إذا كان المقصود بالذات غير الزكويّ، ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل، لم يحسب من المؤن، و إذا كان بالعكس حسب منها.

______________________________

سنة، و معنى ذلك: أن يكون الخسران لأجل الزرع الخاصّ أو الثمر الخاصّ في كلّ سنة، و لا يكون منه ثمن الأرض و النخل و الشجر كما هو ظاهر. و أمّا ثمن العوامل، فلكونه- فى الحقيقة- بإزاء استيفاء المنافع منها، فلا يعدّ خسارة بحقّ المالك.

(237) المئونة المصروفة لتحصيل الزرع، إن قصد بصرفها تحصيل الزرع الزكويّ المخصوص، عدّت مئونة له، فإنّها خسران متوجّه إلى المالك في سبيل تحصيله، لما عرفت من أنّ المئونة المستثناة هو خصوص المصروف في سبيل تحصيل الزرع، أو الثمر الخاصّ. و إذا حصل

له أحيانا زرع آخر لم يكن مقصودا به في صرف المئونة، كان ذلك من قبيل الفوائد المترتّبة عليه، و لم يوجب ذلك صيرورة المصروف مئونة بالنسبة إليه.

و إن كانت المئونة المصروفة ممّا قصد بها تحصيل زرع غير زكويّ، و حصل له- اتفاقا- زرع زكويّ، من دون أن يكون هذا الأخير مقصودا في صرف المئونة، لم يحسب المصروف مئونة بالنسبة إلى الزكويّ، لعدم كون تحصيله هو المقصود بصرف المئونة، كما هو المفروض. و حاصل الكلام: أنّ المصروف إنّما يعدّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 126

[مسألة 21: الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكويّ و غيره]

[مسألة 21]: الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكويّ و غيره (238).

______________________________

مئونة للزّرع، إذا كان ذلك الزرع متوقّفا عليه، و كانت الخسارة لأجله، و أمّا إذا انتفع به- اتفاقا- منفعة غير مقصودة، عدّ ذلك انتفاعا بالمال المصروف، من دون أن تكون الخسارة بالمال المصروف لأجل تلك المنفعة، كي يعدّ مئونة بالنسبة إليه. و لذلك لو فرضنا أنّ قصده حين صرف المال إنّما كان هو الزرع غير الزكويّ، ثمّ بعد الفراغ منه بدا له و طرأ بالنسبة إليه قصد الزرع الزكويّ، فبما أنّه لم يتحمّل الخسارة لأجل الزرع الزكويّ لم تحسب الخسارة المذكورة، و لم تستثن من الزرع الزكويّ.

و أمّا إذا كانا- أي الزكويّ و غيره- كلاهما مقصودين حين صرف المال، عدّ ذلك- لا محالة- مئونة بالنسبة إليهما معا، و لازمه هو توزيع المئونة عليهما، كما أفاده المصنّف قدّس سرّه.

(238) هذا مبنيّ على عدّ الخراج من المئونة، و القول باستثنائها مطلقا، و إلّا فعلى تقدير عدم كونه من المئونة، أو عدم القول باستثنائها بقول مطلق، يشكل الأمر في ذلك، كما تقدّم، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الزكاة، ج 2، ص: 127

[مسألة 22: إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة، لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى]

[مسألة 22]: إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة، لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى (239)، و إن كان الأحوط التوزيع على السنين.

[مسألة 23: إذا شكّ في كون شي ء من المؤن أولا لم يحسب منها]

[مسألة 23]: إذا شكّ في كون شي ء من المؤن أولا لم يحسب منها (240).

______________________________

(239) تقدّم أنّ ماله الدخل فى الزرع أو الثمر سنين عديدة كحفر النهر- مثلا- بما أنّه يرجع إلى عمارة الأرض، لا الخسارة لأجل الزرع، أو الثمر المعيّن الخاص، لم يكن ذلك من المئونة المستثناة، إلّا أنّه لا بدّ من تقييد ذلك بما إذا لم يكن المصروف ممّا يتوقّف عليه الزّرع أو الثمر في السنة الأولى، و إن فرضنا تأثيره و دخله فى السنين التالية- أيضا- كاستعمال الأدوية الكيماويّة لدفع الآفات الزراعيّة، من الجراد و نحوه، ممّا يكون مفيدا لأكثر من سنة، حيث أنّ مثل هذا يعدّ خسارة بالنسبة إلى الزرع أو الثمر فى السنة الأولى، فتكون مستثناة لا محالة. و لا وجه للاحتياط- كما عن المصنّف قدّس سرّه- بتوزيعه على السنين، كما هو ظاهر.

و بما ذكرناه يظهر الإشكال فيما تقدم منّا، من القول بعدم استثناء مئونة حفر النهر و القناة. فلاحظ.

(240) امّا الشبهة المفهوميّة، فالمرجع فيها- نظرا لإجمال المخصّص المنفصل- هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 128

[مسألة 24: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد]

[مسألة 24]: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد (241)، فيضمّ الثمار بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك، بعد إن كانت الثمرتان لعام واحد، و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر. و على هذا، فإذا بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه، ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو أكثر، و إن كان الّذي أدرك أوّلا أقلّ من النصاب ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب، فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع، و كذا إذا

______________________________

عمومات وجوب الزكاة، كقوله عليه السّلام:

«ما أنبتت الأرض ... ففيه العشر «1»». و أمّا الشبهة الموضوعيّة فسيأتي الكلام فيها، إن شاء اللّه تعالى.

(241) الحكم المذكور ممّا نفى عنه معرفة الخلاف «2»، أو وجدان الخلاف فيه «3»، بل ادّعي عليه إجماع المسلمين «4». و يقتضيه إطلاق الأدلّة.

و ربّما يتوهّم اعتبار وحدة زمان الإدراك، استنادا إلى انصراف الأدلّة إلى

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5، و نحوه غيره من روايات الباب.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 499، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 243، ط النجف الأشرف.

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 161، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 129

كان نخل يطلع في عام مرتين يضمّ الثاني إلى الأوّل، لأنّهما ثمرة سنة واحدة (242)، لكن لا يخلو عن إشكال، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين، كما قيل.

______________________________

مثل ذلك.

و لكنّه مدفوع بأنّه لا وجه لدعوى الانصراف فى الأدلّة، بل مقتضى إطلاقها هو عدم لزوم الاتّحاد بمعنى: اجتماع الزرع أو الثمرة في صبرة واحدة مثلا، و لا بمعنى اجتماع النخيل أو الزرع في مكان واحد، كبستان و نحوه، و لا بمعنى اتّحاد زمان الإدراك. و يؤيّد الإطلاق المذكور إجماع الكلّ على عدم اعتبار شي ء من ذلك، بعد أن كان الجميع مملوكا لشخص واحد.

(242) قال المحقّق قدّس سرّه: «إذا كان له نخل تطلع مرّة، و أخرى تطلع مرّتين، قيل:

لا يضمّ الثاني إلى الأوّل، لأنّه في حكم ثمرة سنتين، و قيل: يضمّ، و هو الأشبه «1»».

و نسب ذلك إلى المشهور، بل

الأشهر «2»، و نسبه بعضهم «3» إلى أكثر الأصحاب. و خالف في ذلك الشيخ قدّس سرّه، قال: «و النّخل إذا حمل في سنة واحدة دفعتين، كان لكلّ حمل حكم نفسه لا يضمّ بعضه إلى بعض، لأنّها في حكم

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1:

صص 154- 155.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 105.

(3)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 152، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 130

[مسألة 25: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة]

[مسألة 25]: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة، لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنّه فرضه (243)، و إن كان بمقدار لو جفّ

______________________________

سنتين «1»»، و وافقه فى الخلاف ابن حمزة «2».

و التحقيق أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق ...، ففيه العشر «3»»، إن قلنا: بأنّ المراد منه هو ما دخل فى الملك بالإنبات من الأرض مطلقا، شمل ذلك الثمرة فى السنة الواحدة- مرّة كانت أم مرّتين- و فى السنتين أيضا، غاية الأمر يحكم- بمقتضى الإجماع القطعي- بخروج الثمرة فى السنة الثانية، بمعنى أنّها لا تضمّ إلى ما في السنة الأولى، بل إنّها تجعل موضوعا مستقلا. و إن قلنا: أنّ المراد به ما أنبت من الأرض نبتة واحدة، كانت النبتة الثانية فى السنة الواحدة- لا محالة- موضوعا مستقلّا لوجوب الزكاة، و لم تضمّ إلى الاولى، لكونه إنباتا جديدا غير الإنبات الأوّل.

هذا، و لا يبعد دعوى ظهور النصوص فى المعنى الثاني، و معه يكون الحكم بعدم الضّم- كما

عن الشيخ و ابن حمزة رحمهما اللّه- هو الأوجه. و مع الشك في ذلك مقتضى الأصل البراءة.

(243) أمّا عدم جواز الدفع بعنوان الفريضة فى الصّور المذكورة فواضح،

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 215، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(2)- ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 127، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم- إيران.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 131

كان بقدر ما عليه من التمر، و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به.

نعم، يجوز دفعه على وجه القيمة، و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزئ عنه دفع العنب إلّا على وجه القيمة، و كذا العكس فيهما. نعم، لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه (244)، الرطب فريضة، و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة، و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر و الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز (245)، لكن الأحوط دفعه

______________________________

فإنّ المدفوع- على الفرض- خارج عن النّصاب، فلا يكون بمتعلّق الزكاة أصلا.

و أمّا جواز ذلك بعنوان القيمة، فهو مبنيّ على جواز إخراج الزكاة- قيمة لا عينا- من غير النقدين، و قد سبق الإشكال في ذلك، بل إنّا لم نستبعد عدم جوازه.

(244) ما أفاده قدّس سرّه مبنيّ على أنّ وقت تعلّق الوجوب هو حين بدوّ الصلاح فى الغلّات الأربع، و هو خلاف ما قوّاه سابقا، من أنّ وقته حين صدق اسم التمر عليه. فلاحظ.

(245) لا ريب في جواز ذلك، إنّما الكلام في كون المدفوع- حينئذ- هو بعينه

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 132

من باب القيمة أيضا، لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده، و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى أو شعير آخر.

[مسألة 26: إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة]

[مسألة 26]: إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة، لا يكون من الربا، بل هو من باب الوفاء (246).

______________________________

مصداق الفريضة أولا؟ بناء على كونها من قبيل حق الجناية- كما هو المختار- يكون المدفوع هو مصداق الفريضة نفسها، كما دلّت على ذلك معتبرة عبد الرحمن البصريّ «1» و قد مرّ الكلام عليها فى الجزء الأوّل من الكتاب «2»، و أمّا على القول بالإشاعة، أو الكليّ فى المعيّن، فلا مجال لفرض المدفوع مصداقا للفريضة، بل لا بدّ و أن يكون ذلك من باب القيمة.

و من هنا من يستشكل الإخراج بالقيمة من غير النقدين، لا محالة يستشكل ما أفاده المصنّف قدّس سرّه فى المقام.

(246) إذا أدّى المالك زكاة ماله من عين ما تعلّقت الزكاة به، من الحنطة و الشعير و ... فلا ينبغى الإشكال في جواز دفع الزيادة عن المقدار الواجب، فإذا فرضنا- مثلا- أنّ الواجب عليه كان خمسة أمنان من الحنطة، كان له أن يدفع ستّة أمنان

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- صفحة 93- 94.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

من عين الحنطة الّتي تعلّقت الزكاة بها، على أن يكون الزائد على قدر الواجب هبة. و كذلك الحال فيما لو ادّى من غيرها و لكن من جنسها، بأن أدّاها من حنطة أخرى، بناء على اختصاص حرمة الرّبا بالبيع و القرض، و عدم عمومها لمطلق المعاوضات، فإنّ دفع الزائد

إن كان بعنوان الهبة، بأن كان تطبيق الواجب على ما هو بمقداره من المدفوع معاوضة، و كان دفع الزائد عليه هبة، فالأمر فيه- حينئذ- واضح، و إن لم يكن كذلك، بل كان من قبيل المعاوضة للواجب الّذي هو خمسة أمنان من الحنطة في مورد الفرض، بستّة أمنان من حنطة أخرى، لم يكن فيه إشكال أيضا، نظرا إلى اختصاص حرمة الربا بالبيع و القرض، و تبديل الواجب- في محلّ الكلام- بغيره بزيادة و إن كان هو- فى الحقيقة- نوع معاوضة، لكنّه غير داخل تحت عنواني البيع و القرض، كي تحرم الزيادة فيه.

و إنّما الإشكال في ذلك إذا بنينا على عموم الرّبا المحرّم لمطلق المعاوضات، و كلام المصنّف قدّس سرّه فى المسألة مبنيّ على هذا الفرض، فهل يجوز التبديل بزيادة أو لا يجوز؟

ربما يقال «1» بعدم الإشكال فيه، لأنّ تطبيق الواجب على المدفوع إلى الفقير مثلا، و إن كان هو- فى الحقيقة- نوع من المعاوضة- كما أشرنا إليه- إلّا أنّ عموم أخبار حرمة الرّبا فى المعاوضات منصرف عن مثل هذه المعاوضة، و لذلك لا مانع من إعطاء الزيادة بعنوان الوفاء.

و خالف في ذلك جماعة، منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه، فلم يستصوبوا الانصراف المذكور، و من هنا لم يرتض صاحب الجواهر قدّس سرّه فى المسألة

______________________________

(1)- اليزدي، السيد محمّد كاظم: ملحقات العروة الوثقى، ج 2: ص 10، ط مطبعة الحيدري، طهران- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

الجواز «1».

و ينبغي القول: إنّ هناك روايتين قد يستشعر منهما جواز الزيادة في مقام الوفاء، و هما: مصحّح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا، ثمّ يعطي (يقضي) سودا

(و زنا)، و قد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ، و تطيب به نفسه أن يجعل له فضلها، فقال: «لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط. و لو وهبها له كلّها صلح «2»»، و خبر خالد بن الحجّاج، قال:

سألته عن الرجل كانت لى عليه مائة درهم عددا، قضانيها مائة وزنا، قال:

«لا بأس ما لم يشترط». قال: و قال: «جاء الربا من قبل الشروط، إنّما يفسده الشروط «3»».

و بإزائهما روايتان صريحتان في عدم الجواز، و هما: مصحّح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: و سئل عن الرجل يشترى الحنطة فلا يجد صاحبها إلّا شعيرا، أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: «إنّما أصلهما واحد، و كان عليّ عليه السّلام

______________________________

(1)- قال في الجواهر: «و ان كانت- أي الزيادة- عينيّة، كما لو دفع اثنى عشر من عليه عشرة، ففي كون المجموع وفاء كالحكمي، بناء على أنّه معاوضة عمّا فى الذمة. غايته، كونه متفاضلا، و هو جائز بالشرط، و هو عدم الشرط، أو يكون الزائد بمنزلة الهبة، فيلزم حكمها، من جواز الرجوع فيه على بعض الوجوه الآتية، التفاتا إلى أنّ الثابت فى الذمة إنّما هو مقدار الحقّ، فالزائد تبرّع خالص، و إحسان محض، و عطيّة منفردة، احتمالان، قد اعترف فى «المسالك» بأنّه لم يقف فيه على شي ء، لكن قال: لعلّ الثّاني أوجه، خصوصا مع حصول الشك في انتقال الملك. ثمّ قال قدّس سرّه: قلت: لكن يشكل مع عدم تعيين الوفاء منها، كما أنّه يشكل جعله من المعاوضة عمّا فى الذّمة، بناء على عموم الرّبا. فلا ريب في أنّ الأحوط في الربوي تعيين الوفاء، ثمّ هبة الزائد ...» (النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 25:

صص 13- 14، ط النجف الأشرف).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: الصرف، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 135

[مسألة 27: لو مات الزارع- مثلا- بعد زمان تعلّق الوجوب]

[مسألة 27]: لو مات الزارع- مثلا- بعد زمان تعلّق الوجوب، وجبت الزكاة (247) مع بلوغ النصاب، أمّا لو مات

______________________________

يعدّ الشعير بالحنطة «1»»، و صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عن الرجل يبيع الطعام الأكرار، فلا يكون عنده ما يتمّ له ما باعه، فيقول له: خذ منّي مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتّى تستوفى ما نقص من الكيل. قال:

«لا يصلح، لأنّ أصل الشعير من الحنطة، و لكن يردّ عليه الدراهم بحساب ما ينقص من الكيل «2»».

و هاتان الروايتان صريحتان- كما قلنا- في جريان الربا فى الزيادة في باب الوفاء، و لأجل ذلك نقول بعدم الجواز بعنوان الوفاء، و العجب من المصنّف قدّس سرّه، مع تعرّضه- في ملحقات العروة «3»- للروايتين، و الالتزام بمفادهما، كيف أفتى قدّس سرّه فى الكتاب بعدم كون الزيادة من الرّبا إذا كان دفع الزائد بعنوان الوفاء.

(247) الحكم- كما أفاده قدّس سرّه- واضح، فإنّه إذا كان الموت بعد زمان تعلّق الوجوب

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: الربا، ح 4.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- قال قدّس سرّه: «و الأقوى عدم كونه ربا، إذا لم يكن بعنوان المعاوضة، من صلح أو غيره، بل كان بعنوان الوفاء بالمجموع، و إن كان راجعا إلى التعاوض، لانصراف الأخبار عنه ...- إلى أن قال:- لكن مع ذلك مشكل، لأنّ الظاهر من بعض الأخبار كونه ربا، ففي صحيح الحلبي ...» (اليزدي، السيّد محمّد كاظم: العروة الوثقى، ج

2: صص 10- 11، ط مطبعة الحيدري، طهران- إيران).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 136

قبله و انتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجب على كلّ زكاة نصيبه، و إن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.

[مسألة 28: لو مات الزراع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين]

[مسألة 28]: لو مات الزراع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين، فإمّا أن يكون الدين مستغرقا أو لا. ثمّ إمّا أن يكون الموت بعد تعلّق الوجوب أو قبله، بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا (248)، فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب إخراجها، سواء كان الدين مستغرقا أم لا، فلا يجب التحاص مع

______________________________

مع فرض بلوغ المال النّصاب، فقد تعلّق به وجوب الزكاة قبل انتقاله إلى الورثة، فيجب إخراج الزكاة منه، قبل تقسيمه بين الورثة. و إذا كان الموت قبل زمان التعلّق، فيكون المال قد انتقل منه إلى الورثة قبل تعلّق الوجوب به، فلم يكن المالك حال حياته قد وجبت الزكاة عليه، لعدم حلول زمان التعلّق على الفرض، و بعد انتقاله إلى الورثة، يكون تعلّق الوجوب به منوطا ببلوغ نصيب كلّ منهم النّصاب، فان بلغ وجبت، و إلّا فلا.

(248) صور المسألة- كما فى المتن- ثلاث:

الأولى: ما إذا كان الموت بعد زمان التعلّق، سواء كان ذلك ببدوّ الصلاح

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

- كما هو المذهب المشهور- أم بصدق الاسم، كما هو مختار جماعة، مع فرض عدم وفاء التركة بالزكاة و الدين معا. و قد اختار المصنف قدّس سرّه في هذه الصورة وجوب إخراج الزكاة كاملة حتّى مع

استغراق الدين، من دون تحاص مع الغرماء. و ينبغي أن يعلم أنّه ليس فى المسألة نصّ خاص أو عام، بل البحث فيها يكون حسب القواعد العامّة، و تفصيل الكلام فى المقام:

إنّه بناء على القول بالشركة الحقيقية، أو تعلّق حق الفقراء بالمال بنحو الكلّي فى المعيّن- كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه في ما سيجي ء إن شاء اللّه- فالحكم هو كما أفاده قدّس سرّه، فإن ما يكون بمقدار الفريضة مملوك للفقراء من حين حياة المالك، فإنّ المفروض تحقّق الموت بعد زمان التعلّق، فهذا المقدار يكون خارجا عن ملكه في حال حياته، و حينئذ فلا مجال لتعلّق حق الغرماء به بعد الموت، كما هو ظاهر.

و أمّا إذا لم نلتزم بالملك في باب الزكاة، لا بنحو الإشاعة، و لا بنحو الكلّي فى المعين، بل قلنا: بأنّ المتعلّق بالمال إنّما هو نوع حق، إمّا بنحو حقّ الرهانة، أو بنحو حقّ الجناية، فعلى الأوّل و هو كون الحق من قبيل حق الرهانة يقع التزاحم لا محالة بين حقّ الفقراء و حقّ الغرماء، فقد يقال حينئذ: بتقديم الزكاة، نظرا إلى أنّ من جملة المرجّحات في مورد التزاحم إنّما هو السبق الزماني، و بما أنّ الحق الناشئ من ناحية وجوب الزكاة متعلّق بالعين حال حياة المالك، بخلاف حقّ الغرماء فإنّه متعلّق بها بعد الموت، فلا محالة يتقدّم الزكاة على الدين، فبعد إخراج الزكاة كاملة يقع التحاص بين الغرماء، لعدم وفاء التركة بجميع الدين، كما هو المفروض.

و يتوجّه عليه: أنّ المحرّر في محلّه عدم كون السبق الزماني مرجّحا لأحد المتزاحمين على الآخر، كما حقّق ذلك في بحث الأصول، فلا يمكن الالتزام بتقديم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 138

..........

______________________________

الزكاة

على الدين، استنادا إلى الوجه المذكور. و ربما يقال: بأنّ تعلّق حقّ الفقراء بالعين يوجب قصر سلطنة الوارث لا محالة بالإضافة إلى المقدار الّذي تعلّق به الحق المذكور، و حينئذ فلا مجال لتعلّق حقّ آخر- كحقّ الغرماء مثلا- به بعد موت المالك، فإن قصر السلطنة قد تحقّق من الأوّل، و تعلّق حقّ آخر لا يحدث فيه شيئا جديدا، فلا محالة لا يكون حقّ الغرماء مزاحما لحقّ الفقراء.

و هذا الوجه غريب جدّا، فإن قصر السلطنة المتحقّق من ناحية تعلّق حقّ الفقراء بالعين مرجعه إلى لزوم صرف المال إلى جهة من له الحق، و كون منافعه عائدة إليه، و هذا لا يمنع من قصر السلطنة بالإضافة إلى جهة اخرى، بحيث يلزم صرف المال في تلك الجهة و عود منافعه إليها. و الحاصل، أنّ تعلّق حقّ آخر بالمال يكون محدثا لشي ء جديد، لا أنّه لا يزيد على ما أحدثه الحقّ الأوّل، كما قيل.

و على هذا، فالتزاحم بين الحكمين واقع لا محالة، و المرجع في باب التزاحم- حسب القاعدة العقليّة المقرّرة عند عدم الترجيح- و إن كان هو التخيير، إلّا أنّ من المقطوع به في باب الأموال خلافه، فإنّا نقطع بعدم التخيير في هذه الموارد، و حينئذ فبمقتضى القاعدة المصطلح عليها عند بعضهم ب «قاعدة العدل و الإنصاف» لا محالة نحكم بالتحاص مع الغرماء، فيرد النقص على الجميع بالنسبة، كما هو شأن التحاص عند عدم وفاء المال بالدين مثلا. هذا كلّه بناء على كون الحقّ من قبيل حق الرهانة.

و أمّا بناء على كون الحقّ من قبيل حق الجناية، فقد يقال «1»: إنّ وجوب

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 169، ط الثالثة، النجف الأشرف- العراق.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 139

الغرماء، لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين. نعم، لو تلفت في حياته بالتفريط و صارت في الذمة، وجب التحاص (249) بين أرباب

______________________________

الزكاة على هذا لا يكون مانعا عن اعطاء المال إلى الغرماء، فإنّ المفروض تعلّق الحقّ الناشئ من قبل وجوب الزكاة برقبة المال، فعلى من له الحق- كالفقير- أن يتبع العين، كما هو الحال في حقّ الجناية المتعلّق برقبة العبد، الغير المانع من بيعه.

هذا، و لكن الظاهر بحسب المرتكز العرفي أنّ وجوب دفع المال إلى الغرماء مع وجوب دفعه إلى الفقير ممّا لا يجتمعان، فالعرف يرى تزاحما- لا محالة- بين الحكمين، و عليه، فيكون الحال فيه هو الحال بناء على كونه من قبيل حق الرهانة، فلا فرق- إذن- فى الحكم بين الوجهين، كما عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «1».

و لا يقاس المقام بباب البيع، فإنّ الحق و إن كان يتبع العبد الجاني هناك، إلّا أنّ المشتري يثبت له الخيار إذا لم يكن عالما بالحال، و مع علمه بذلك لا خيار له، لكونه قد أقدم على الضّرر. فلاحظ.

هذا كلّه في فرض عدم وفاء التركة بالزكاة و الدّين معا، و لو كان ذلك لأجل استغراق الدين لجميع التركة، و أمّا مع عدمه، بحيث يبقى من التركة بمقدار الزكاة فالأمر فيه ظاهر، حيث إنّه لا تزاحم حينئذ فى البين أصلا، كما لا يخفى.

(249) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المناط في تقديم الزكاة لو كانت هي جهة أسبقيّة حقّ الفقراء زمانا، نظرا إلى أنّ تعلّقه بالعين إنّما كان حال الحياة، فهو منتف في هذا الفرض، فإن تلف المال الزكوي يوجب اشتغال ذمة المالك بمقدار الفريضة،

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج

3/ كتاب الزكاة: ص 73، ط إيران الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 140

الزكاة و بين الغرماء، كسائر الديون و إن كان الموت قبل التعلّق و بعد الظهور (250)، فإن كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر، فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب و عدمه، و إن لم يؤدّوا إلى وقت التعلّق، ففي الوجوب و عدمه إشكال، و الأحوط الإخراج، مع الغرامة للديّان أو استرضائهم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 140

______________________________

فيكون حال الزكاة الدين في عدم تعلّقها بالعين إلا بعد الموت، و حينئذ فلا أسبقيّة تقتضي ترجيح الزكاة على الدين، كما لا يخفى. هذا، و لكنّك قد عرفت آنفا أنّ الصحيح هو الحكم بالتحاصّ مع الغرماء مطلقا، فلاحظ.

(250) هذه هي الصورة الثانية من الصور الثلاث فى المسألة، و لا ينبغى الإشكال- فيما لو أدّى الورثة الدين من مال اخر، قبل زمان التعلّق- في تعلّق الزكاة بحصّة كلّ واحد منهم على تقدير بلوغها النصاب، و هذا ظاهر لا سترة عليه، و إنّما البحث فيما لو لم يؤدّ الورثة ذلك، فالكلام- تارة- يقع فى الدين المستوعب، أي فيما إذا لم تكن التركة وافية بأداء الدين و الزكاة معا، و لو كانت وافية بأداء الدين فقط، إذ لا فرق بين الفرضين- أعني بهما: ما إذا كانت التركة وافية بالدين فقط، و ما إذا لم تكن التركة وافية بالدّين أيضا- في هذا البحث، و حينئذ فإن بنينا على أنّ التركة تنتقل

بالموت إلى ملك الوارث، غاية الأمر أنّه يتعلّق بها- بالموت-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

حقّ من الديّان يمنع الورثة من التصرّف فى المال، فلا محالة لا يبقى حينئذ مجال لتعلّق الزكاة أصلا، فإنّه يشترط فيه- كما تقدّم- أن يكون الملك طلقا، و هو مفقود فى المقام، كما هو ظاهر. و أمّا إذا بنينا على عدم الانتقال إلى ملك الورثة فيما لو كان على الميّت دين، بل إنّ المال يبقى على ملك المورّث إلى أن يعطى دينه، و لو كان الدين بمقدار درهم و التركة بمقدار ألف وسق مثلا، فضلا عمّا إذا كان الدين مستوعبا، فحينئذ يكون عدم وجوب الزكاة أوضح، أمّا وجوبها على الميّت فغير ممكن لأجل الموت، و لا يعقل حدوث تكليف جديد بالإضافة إلى الميّت، و أمّا بالإضافة إلى الورثة، فلعدم الملك المفروض كونه شرطا في تعلّق الزكاة بلا إشكال، كما مرّ تفصيله، و على كلّ حال فلا مجال للقول بتعلّق الزكاة على هذا التقدير.

نعم، يمكن توجيه القول بتعلّق الزكاة على تقدير الاستيعاب، بأن يقال: إنّه بناء على انتقال التركة بالموت إلى الوارث- كما هو الصحيح- غايته تعلّق حقّ الديّان بها، لا مانع من وجوب الزكاة سوى عدم كون الملك طلقا، من جهة حقّ الديّان، و بما أنّ الورثة قادرون على أداء الدين من غير التركة، فهذه القدرة الشأنيّة على التصرّف فى المال المذكور بأداء الدين من مال آخر تكفي في تعلّق الزكاة بها، كما فيما لو أمكن تخليص المغصوب أو المسروق بسهولة، على ما مرّ الكلام فيه، إذ لا يعتبر في ذلك القدرة الفعليّة على التصرّف. و لعلّ منشأ الإشكال المذكور فى المتن في هذا الفرض إنّما

هو الإشكال في كفاية القدرة بالواسطة، أو بتعبير اخر: الشك في كفاية القدرة الشأنيّة في تعلّق الزكاة.

و أمّا ما قيل: من أنّ المنشأ فيه لعلّه هو التوقّف في انتقال التركة بالموت إلى الورثة، أو التوقّف في أنّ حقّ الديّان- بناء على انتقال التركة- يكون مانعا من

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

تعلّق الزكاة، فهو بعيد جدّا، فإنّ الظاهر منه قدّس سرّه هو البناء على الانتقال و مانعيّة الحقّ المذكور عن تعلّق الزكاة، كما لا يخفى على المتأمّل في كلامه فى الفرض الثالث. و عليه، فالظاهر: أنّ منشأ الإشكال هو ما ذكرناه، فلاحظ. هذا كلّه على تقدير استيعاب الدين.

و أمّا إذا لم يكن كذلك، بأن كانت التركة وافية بأداء كلّ من الدين و الزكاة، فالظاهر أنّه لا مانع من تعلّق الزكاة بغير ما يقابل الدين من التركة، إذ هو ملك طلق للوارث. نعم، بناء على عدم الانتقال و لو مع الدين اليسير، كما هو ظاهر إطلاق كلام جملة من الأعلام قدّس سرّهم كما قيل، لا مجال للزكاة، لكن المبنى ضعيف جدّا، كما هو محرّر في محلّه.

نعم، يمكن الإشكال في تعلّق الزكاة على هذا الفرض بوجه اخر، و حاصله:

أنّه يشترط في تعلّق الزكاة أن يكون المال الزكويّ بشخصه مملوكا ملكا طلقا، و هذا مفقود فى المقام، فإنّ المملوك للوارث بالملك الطلق ليس هو إلّا الزائد على ما يقابل الدين، و حيث إنّه لم يتعيّن فى الخارج ما يكون في مقابل الدين، فلا محالة لم يتعيّن المال الزكوي ليكون بشخصه مملوكا للوارث، حتّى يجب الزكاة عليه. و الجواب عنه، كما افيد: هو أنّ المال الزكويّ بشخصه ملك للوارث، و إنّما الغير المشخّص هو

ما يستحقّه الديّان من التركة، فإنّه بالموت ينتقل جميع التركة إلى الوارث، غايته أنّ ملكه فيما يقابل الدين غير طلق، و هذا لا يستوجب صدق ممنوعيّة المالك عن التصرّف فى المال الزكويّ، الموجب لعدم كونه ملكا طلقا له، نظير ما إذا جعل المالك لزيد شيئا في أمواله- بنذر أو عهد و نحو ذلك- فهل يوجب هذا- عرفا- ممنوعيّته عن التصرّف في أمواله، بحيث يقال: إنّها ليست ملكا طلقا له؟، الظاهر أنّه- بملاحظة أحوال العرف- يتبيّن لنا خلافه، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 143

و أمّا إن كان قبل الظهور (251) وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة، بناء على انتقال التركة إلى الوارث و عدم تعلّق الدّين بنمائها الحاصل قبل أدائه، و أنّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به.

[مسألة 29]: إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا،- مع الأرض

______________________________

و الحاصل، أنّ الإبهام و الترديد إنّما هو في متعلّق حقّ الديّان، و لكونه من قبيل الكليّ فى المعيّن، فهو لا يوجب عدم طلقيّة الملك إلّا فى المصداق المنحصر، كما إذا لم يبق من المال إلّا بمقدار حقّ الديّان، كما هو ظاهر.

(251) هذه هي الصورة الثالثة من صور المسألة، و الوجه فيما افاده المصنّف قدّس سرّه فيها ظاهر، فإنّ متعلّق حقّ الديّان- على فرض الاستيعاب- إنّما هو خصوص أصل التركة، دون النماء المتجدّد بعد انتقال التركة إلى الوارث، كما هو المفروض، فإنّ هذا النماء لا يكون بمتعلّق حقّ الديّان أصلا، و عليه فلا مانع من تعلّق الزكاة به على تقدير بلوغ نصيب كلّ من الورثة النصاب. هذا في فرض استيعاب الدين، و أمّا في غيره فالأمر فيه أوضح، كما

لا يخفى.

و أمّا ما عن الفقيه الهمداني «1»، من تعلّق الحقّ بالتركة و النماء المتجدّد معا، حتّى على فرض عدم استيعاب الدّين، فهو ممّا لا نرى له وجها محصّلا، و اللّه العالم.

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 73، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 144

أو بدونها- قبل تعلّق الزكاة، فالزكاة عليه بعد التعلّق، مع اجتماع الشرائط (252)، و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء، و إذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع (253)، فإن علم بأدائه، أو شكّ في ذلك، ليس عليه شي ء (254)، و إن علم بعدم أدائه فالبيع

______________________________

(252) لا إشكال فيما أفاده قدّس سرّه، لأنّه مال انتقل إليه قبل تعلّق الوجوب به، و كان في زمان التعلّق ملكا للمشتري كما هو ظاهر، سوى ما قد يمكن أن يورد عليه من الإشكال، من جهة اشتراط الزكاة بالنموّ فى الملك، كما ذهب إليه جماعة، منهم الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه، على ما مرّ، و قد عرفت- فيما مضى- ضعفه، فلاحظ.

(253) و الوجه فيه ظاهر.

(254) ما أفاده في فرض العلم بالأداء ظاهر، و أمّا في فرض الشك فيه، فقد يقال:

إنّ الوجه في صحّة البيع حينئذ و عدم توقّفها على اجازة الحاكم إنّما هو من جهة قاعدة اليد، فإنّ مقتضاها الحكم بكون المبيع مملوكا للبائع بملك طلق، فالمعاملة الواقعة على المال المذكور محكوم عليها بالصحّة ظاهرا، من جهة استنادها إلى اليد، الّتي هي من الأمارات الشرعيّة على الملكيّة. هذا، و يمكن المناقشة فيه بأنّ اليد- المفروض كونها أمارة شرعيّة على الملكيّة- ليست مثل هذه اليد المعلومة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة،

ج 2، ص: 145

بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي (255)، فإن أجازه الحاكم

______________________________

الحال سابقا، حيث إنّا نعلم- وجدانا- بأنّ يد البائع على المال المذكور قبل زمان إخراج الزكاة إنّما كانت يد أمانة، نظرا إلى أنّ مقدارا منه كان مملوكا للفقراء، بنحو الشركة الحقيقيّة، أو الكليّ فى المعيّن، أو أنّه كان متعلّقا لحقّ الفقير، و مثل هذه اليد المعلومة الحال لا تكون أمارة شرعيّة على الملكيّة، فيكون الشكّ- حينئذ- في ردّ المالك الأمانة إلى أهلها و عدمه، و مقتضى الاستصحاب هو العدم. و نظيره: ما إذا علمنا بأنّ اليد على مال معيّن كانت يد عدوانية سابقا، و لكن شككنا- بعد ذلك في ملكيّته للمال المذكور، لاحتمال تملّكه له بالوجه المشروع، فإنّه لا يمكن- حينئذ- أن يعامل معه معاملة الملكيّة، استنادا إلى اليد، كما هو ظاهر.

هذا و قد فصّلنا الكلام في أصل المسألة، مع الإشكالات الواردة عليه في محلّه. و قد بنينا هناك على جريان قاعدة اليد في أمثال المقام، و مع الغضّ عنه، يمكن توجيه صحّة المعاملة: بأصالة الصحّة في فعل البائع، حيث يشكّ في أنّه هل كان له الولاية على البيع ليكون بيعه صحيحا بالنسبة إلى الجميع أو لا، و مقتضى حمل فعل المسلم على الصحّة هو الحكم بصحّة البيع المذكور، كما لا يخفى.

(255) هذا مبنيّ على القول بالإشاعة أو الكليّ فى المعيّن، كما هو مختاره قدّس سرّه فيما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى، و أمّا بناء على القول بثبوت الحقّ بنحو حقّ الرهانة، فالبيع بتمامه يكون فضوليّا، فإنّ المفروض كون تعلّق الحقّ المذكور مانعا عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 146

الشرعي (256) طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة، و إن

دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه، و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع، و لو أدّى البائع الزكاة بعد

______________________________

وقوع المعاملة عليه، و بناء على كون الحقّ من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- فالظاهر إنّما هو صحّة المعاملة بالإضافة إلى الجميع، غايته: أنّ الساعي يتبع العين، كما أشرنا إلى ذلك في أوائل البحث. هذا ما تقتضيه القواعد. و أمّا بالنظر إلى النصوص، فالمستفاد من صحيحة عبد الرحمن البصري هو صحّة البيع بالنسبة إلى الجميع، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله- أو شاته- عامين، فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها، و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع «1»»، و عليه فمن يقول بالشركة الحقيقيّة، أو الكليّ فى المعيّن، أو بكونها بنحو حقّ الرهانة، لا بدّ له من ارتكاب التأويل فى الرّواية. و منه يظهر الحال فى الفرع الآتي.

(256) الحاكم الشرعي وليّ الفقير، فله أن يجيز البيع بالنسبة إلى حصّته، و يطالب المشتري بالثمن، و بعد أداء المشتري ذلك إلى الحاكم، يرجع به على البائع إذا كان قد دفعه إليه، و له أن لا يجيز البيع، و يأخذ من المبيع مقدار الزكاة، كما دلّ عن ذلك الصحيح المتقدّم ذكره، فيرجع المشتري بثمنه على البائع إذا كان قد أدّى إليه

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 147

البيع، ففي استقرار ملك المشتري، و عدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم، إشكال (257).

[مسألة 30: إذا تعدّد أنواع التمر- مثلا- و كان بعضها جيّدا أو أجود و بعضها الآخر ردي أو أردأ]

[مسألة 30]: إذا تعدّد أنواع التمر- مثلا- و كان بعضها جيّدا

أو أجود و بعضها الآخر ردي أو أردأ، فالأحوط الأخذ من كلّ

______________________________

الثمن كاملا، و ما أفاده قدّس سرّه على تقدير عدم الإجازة، مبني على أنّ المالك و إن كان له حقّ تبديل العين- في مقام دفع الزكاة- بشي ء آخر، إلّا أنّ المشتري ليس له ذلك، فللحاكم الولاية حينئذ، و له أخذ الزكاة من نفس المبيع و أن لا يرضى بالأخذ من غيره.

(257) هذه المسألة من فروع المسألة المعروفة في باب الفضولي بمسألة: «من باع شيئا ثمّ ملك»، فقد وقع النزاع فيه هناك فى الحاجة إلى الإجازة بعد فرض صيرورة نفس الفضول مالكا و عدمها، ففى المقام، حيث أنّ البائع لم يكن مالكا لمقدار حصّة الفقير كان البيع بالنسبة إليه فضوليّا لا محالة، فإذا أدّى الزكاة بعد البيع من مال آخر، بناء على ما هو المقرّر فى الشريعة من جواز أداء الزكاة من غير العين، صار مالكا للمقدار المذكور، فمن يقول في تلك المسألة بلزوم الإجازة لا بدّ له- في صحّة البيع بالنسبة إلى المقدار المذكور- من إجازة البائع. و عليه، فمنشأ الإشكال فى المقام إنّما هو توقّفه قدّس سرّه في تلك المسألة. و منه يظهر: أنّ الصحيح فى العبارة أن يقال: «من البائع»، بدل: «من الحاكم»

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 148

نوع بحصّته (258)، و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد، و إن كان مشتملا على الأجود، و لا يجوز دفع الردي عن الجيّد و الأجود على الأحوط.

______________________________

(258) قال العلّامة قدّس سرّه فى «التذكرة»: «الثمرة إن كانت- كلّها- جنسا واحدا أخذ منه، سواء كان جيّدا كالبرديّ «1»، و هو أجود نخل الحجاز، او رديئا، كالجعرور «2»، و مصران الفأرة «3»، و

عذق ابن حبيق «4» و لا يطالب بغيره. و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصّته، لينتفى الضرر عن المالك بأخذ الجيّد، و عن الفقراء بأخذ الردىّ، و هو قول عامّة أهل العلم «5». و قال مالك و الشافعي «6»: «إذا تعدّدت الأنواع أخذ من الوسط. و الأولى: أخذ عشر كلّ

______________________________

(1)- ضرب من أجود التمر (أقرب الموارد).

(2)- أمّ جعرور: تمر ردي. قال الأصمعي: «هو ضرب من الدقل، يحمل شيئا صغارا لا خير فيه» (الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 3: ص 103، ط بولاق- مصر).

(3)- ضرب من ردي التمر (أقرب الموارد). و هو الّذي يقال له: «معى فارة»- أيضا.

(4)- قال الفيّومي: «و يطلق العذق على أنواع من التمر، و منه: عذق ابن الحبيق، و عذق ابن طاب، و عذق ابن زيد. قاله ابو حاتم» (الفيّومي، أحمد بن محمّد: المصباح المنير، ج 1:

ص 474، ط الثانية، بولاق- مصر).

(5)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 573؛ المقدسي، عبد الرحمن بن أبي عمر:

الشرح الكبير، ج 2: ص 573، ط افست دار الكتاب العربي، بيروت؛ ابن رشد، محمّد بن أحمد: بداية المجتهد، ج 1: ص 274، ط مكتبة الكليّات الأزهريّة، مصر.

(6)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 573؛ المقدسي، عبد الرحمن بن أبي عمر:

الشرح الكبير، ج 2: 573، افست دار الكتاب العربي، بيروت؛ الشيخ خليل: جواهر الإكليل في مذهب الإمام مالك، ج 1: ص 126، ط افست دار المعرفة، بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 149

..........

______________________________

واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء «1»».

و ينبغي أن يقال: إنّ الكلام فى المسألة- تارة- يكون بالنظر إلى القواعد العامّة، و أخرى

بالنّظر إلى الأدلّة الخاصّة.

أمّا بحسب القواعد، فالحال فيه يختلف باختلاف المباني في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين، فعلى القول بالشركة الحقيقيّة فى العين، لا بدّ من التأدية من كلّ نوع بحصّته كما ذكره العلّامة قدّس سرّه، و لا يجوز أن يؤدّي الجيّد فقط، مع اشتمال العين على الجيّد أو الأجود. و السرّ في ذلك ظاهر، فإنّ الفقير شريك مع المالك- بنسبة العشر أو نصف العشر- في كلّ نوع من الأنواع، كما أشار إليه العلّامة قدّس سرّه بكلامه المتقدّم ذكره.

و على القول بالكليّ فى المعيّن، كما اختاره المصنّف قدّس سرّه، على ما سيجي ء منه ذلك إن شاء اللّه تعالى، فقد يقال بإمكان تأدية الردي عن الجيّد أو الأجود، فضلا عن الجيّد بدل الأجود. و ذلك لأنّ الفقير شريك مع المالك بنحو الكلي فى المعيّن، فيما يصدق عليه عنوان التمر، أو الحنطة، أو الشعير ...، و أمّا الخصوصيّات المنوّعة أو المصنّفة، الموجبة للجودة، و الرداءة و نحو ذلك، فلا شركة له مع المالك فيها. و لأجل ذلك ربما يستشكل ما احتاطه المصنّف قدّس سرّه، من عدم جواز دفع الردي عن الجيّد و الأجود، بناء على مختاره في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين.

و يمكن توجيه الاحتياط المذكور- على حسب القواعد- بأن يقال: إنّ مقتضى الانصراف هو أن يكون المؤدّى مسانخا فى الخصوصيّة لما تعلّق به الزكاة، فإذا كان ما تعلّق به الزكاة جيّدا- مثلا- لم يجز دفع الردي ء و إخراجه بدلا عنه.

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 161، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 150

..........

______________________________

و مثله على القول بتعلّق الزكاة بالعين من قبيل حق

الرّهانة، فإنّه حقّ تعلّق بالمال، و لا بدّ من الخروج عن عهدة الحقّ المذكور بما يكون مصداقا لطبيعي التمر، لا أكثر من ذلك. اللّهمّ إلّا أن يدّعى الانصراف فيه إلى ما يسانخ متعلّق الحقّ فى الخصوصيّات أيضا. و كذلك الحال على القول بكونها متعلّقة بالعين على نحو حقّ الجناية- كما هو المختار- وجها و انصرافا.

و أمّا بحسب الأدلّة الخاصّة، فقد استدلّ العلّامة قدّس سرّه «1» لعدم جواز إخراج الردي، بقوله تعالى: وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ- الآية «2»

و هذه الآية الكريمة- في حدّ نفسها- لا ارتباط لها بما هو المدّعى، فإنّ المنهيّ عنه فيها إنّما هو الإنفاق من الخبيث، و الردي- لغة- ليس بمصداق للخبيث؛ إلّا أنّه فسّر الخبيث فى الرّوايات بما يوجب انطباق الخبيث على الردي، ففي خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جل: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ- الآية قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إذا أمر بالنخل أن يزكّى، يجي ء قوم بألوان من التمر، و هو من أردى التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرا، يقال له: «الجعرور» و «المعافارة» قليلة اللّحاء «3»، عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل: وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 162، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(2)- البقرة،

2: 267.

(3)- لحاء التمرة: ما كسا النواة (المعجم الوسيط).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 151

[مسألة 31: الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين]

[مسألة 31]: الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين (259)، لكن لا

______________________________

فِيهِ ...، و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين «1»»، و نحوه: خبر عبد اللّه بن سنان «2»، و رفاعة «3»، و اسحاق بن عمّار «4».

هذا، و لكن لا يخفى عليك: أنّ الاستدلال بالرواية- و لو بضميمة الروايات المفسّرة للخبيث- إنّما يختصّ بدفع الأردإ عن الجيّد أو الأجود، فلا يجوز ذلك، بالنظر إلى الآية الكريمة. و أمّا عدم دفع الجيّد عن الأجود منه، فلا يستفاد من الآية الكريمة، كما هو ظاهر.

و أمّا عدم جواز دفع الرديّ- لا الأردإ- عن الجيّد أو الأجود، فلم يعلم ذلك من الآية الكريمة و لو بضميمة النصوص المفسّرة لها، فإنّ المنهيّ عنه فى الرّوايات إنّما هو «الجعرور» و «المعى فارة» و هما من أردإ أنواع التمر، و لم يرد نصّ في الردي، و المفروض أنّ الآية الكريمة- في حدّ نفسها- غير قابلة للاستدلال بها. و لذلك كان مقتضى الاحتياط هو عدم جواز دفع الردي عن الجيّد.

(259) قد مرّ الكلام في ذلك مفصّلا و مستدلّا فى الجزء الأوّل من الكتاب، و بيّنا هناك ما هو المختار فى المسألة، فلا طائل فى الإعادة، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 19: زكاة الغلّات، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 152

على وجه الإشاعة، بل على وجه الكليّ في المعيّن، و حينئذ لو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ (260)، إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده، بخلاف ما إذا باع

الكلّ فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليّا محتاجا إلى الإجارة من الحاكم- على ما مرّ- و لا يكفى غرمه على الأداء من غيره (261) في استقرار البيع، على الأحوط.

[مسألة 32: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم]

[مسألة 32]: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم (262)،

______________________________

(260) قد مرّ الكلام- أيضا- فى الفروع المترتّبة على المباني و الأقوال فى المسألة.

فراجع و لاحظ.

(261) مقتضى القاعدة و إن كان هو عدم كفاية العزم، على فرض كون المعاملة فضولا، و لكن الوجه فى الاحتياط دون الفتوى هو ما ربما يمكن أن يقال: إنّ ما دلّ على جواز الإفراز- كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى فى المسألة الرابع و الثلاثين- يدلّ على كفاية العزم على الأداء أيضا.

(262) قال فى «الجواهر «1»»: بلا خلاف أجده بيننا، بل فى «الخلاف «2»» و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 254، ط النجف الأشرف.

(2)- الطوسى، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 61، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 153

..........

______________________________

«المعتبر «1»» و غيرهما «2»: الإجماع عليه، بل فى الأوّل: أنّ الشافعيّ، و عطاء، و الزهري، و مالك، و أبا ثور «3» ذكروا أنّه إجماع الصّحابة».

قلت: المراد بالجواز هو الحجيّة، و نفوذ الخرص، بحيث يترتّب عليه آثاره، لا الجواز التكليفي في مقابل المنع، إذ لا يحتمل الحرمة تكليفا فى المقام، كما هو ظاهر. و جواز الخرص- بالمعنى المذكور- فى الجملة ممّا لا ينبغى الشكّ فيه، لكونه موجبا للاطمينان، الّذي هو علم عاديّ عند العرف و حجّة عند العقلاء، بعد ملاحظة حال الخارصين في زمان المشرّع الأعظم صلى اللّه عليه و آله، و فى الأزمان الّتي

وليته، حيث كان بناء الخارصين على الأخذ بالاحتمال المتيقّن به، لا أعلى الاحتمالات. و عليه فالخرص- فى الجملة- الموجب للاطمينان لا شكّ في حجيّته، و لا مجال للبحث عنه.

إنّما البحث و الكلام في جهات ثلاث:

الأولى: هل إنّ الخرص أمارة شرعا، بحيث يترتّب عليه من الآثار ما يترتّب على سائر الأمارات الشرعيّة، من دون أن يناط حجيّته و نفوذه بحصول الاطمينان منه؟

الثانية: إنّ الخرص هل يكون معاملة و مصالحة، و يترتّب على ذلك أنّه يكون له موضوعيّة، فلا يتصوّر له كشف خلاف أبدا، أو أنّه ليس معاملة، بل يكون طريقا إلى إحراز المقدار و الكميّة، فإذا انكشف الخلاف- بعد ذلك-

______________________________

(1)- ليس فى «المعتبر» ما يدلّ على ذلك صريحا. و لعلّ من نسب ذلك إليه- ك «الجواهر» و «مفتاح الكرامة»- اعتمد على ظاهر كلامه قدّس سرّه.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 107.

(3)- ابن قدامة، عبد اللّه بن احمد: المغني، ج 2: ص 568؛ المقدسي، عبد الرحمن ابن أبي عمر:

الشرح الكبير، ج 2: ص 568.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 154

..........

______________________________

فرضا، بأن تبيّن كون حقّ الفقراء- مثلا- أكثر من المقدار المخروص، كان على المالك إخراجه؟

الثالثة: إنّه- على تقدير كونه معاملة- فمن هما طرفا هذه المعاملة و المصالحة؟

أمّا الجهة الأولى، فقد استدلّ لحجيّة الخرص بوجوه:

الأوّل «1»: دليل نفي الضّرر، و نفي العسر و الحرج، بتقريب: أنّه يلزم من عدم حجيّة قول الخارص الضّرر على المالك، أو وقوعه فى العسر و الحرج، و هما منفيّان فى الشريعة. بيان الملازمة: أنّه لو لا حجيّة قول الخارص لزم منه عدم جواز تصرّف المالك فى الثّمر من حين بدوّ صلاحه- و هو زمان

الخرص كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى- إلى زمان الجفاف، و هو صيرورته تمرا أو زبيبا- و هو زمان إخراج الزكاة- لأنّ ذلك يستلزم التصرّف في حقّ الفقراء، فلا يجوز للمالك أكله، أو تقديمه إلى ضيوفه، أو إهدائه إلى أصدقائه، و هو ضرر بحقّ المالك، و حرج عليه، و هما منفيّان فى الشريعة، كما قلنا.

و يتوجّه عليه أوّلا: أنّ عدم جواز التصرّف كذلك- بناء على عدم حجّية الخرص- إنّما يكون على بعض المباني و الأقوال في كيفيّة تعلّق الزكاة بالمال، لا مطلقا، فالدليل يكون أخصّ من المدّعي لا محالة.

بيانه: إنّه على القول بالشركة الحقيقية في باب الزكاة يتّجه الدليل المذكور، كما هو ظاهر. و أمّا على سائر المباني و الأقوال، كالقول بالكليّ فى المعيّن، أو كونه بنحو حقّ الجناية، و نحو ذلك فلا مانع من التصرّف إذا كان يبقى من المال بمقدار

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 74، ط إيران الحجريّة.

و نسبه قدّس سرّه إلى محكي «المعتبر»، و لم أجده فى كتاب «المعتبر». و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

ما هو متعلّق لحقّ الفقراء. و قد عرفت فيما سبق أنّ مبنى الشركة الحقيقيّة ضعيف.

و ثانيا: أنّ الملازمة ممنوع منها حتّى على القول بالشركة الحقيقيّة، فإنّها إنّما تبتني على عدم جواز إخراج الزكاة بعد بدوّ الصّلاح و قبل الجفاف، أي قبل صيرورة الرطب تمرا، و العنب زبيبا، و أمّا إذا قلنا بجواز ذلك- كما هو المختار، و قد سبق بيانه- فلا موجب لمنع المالك عن التصرّف حينئذ، إذ له أن يخرج حقّ الفقراء، ثمّ يتصرّف فى المال كيف شاء.

الثانى: بجملة من الروايات «1»

جلّها ضعاف السند، عدا روايتين منها، و هما صحيحا سعد بن سعد الأشعرى، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام- في حديث- قال:

سألته عن الزكاة فى الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، متى تجب على صاحبها؟

قال: «إذا صرم، و إذا خرص «2»»، و قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام، عن العنب، هل عليه زكاة، أو إنّما تجب إذا صيّره زبيبا؟ قال: «نعم، إذا خرصه أخرج زكاته «3»».

و الروايتان و إن لم تكونا واردتين لبيان أماريّة الخرص، بل لبيان وقت الوجوب، لكنّهما تدلّان على ذلك، و أنّه- أي الخرص- كان أمرا متعارفا عند النّاس، و قد أمضاه الشارع، و يترتّب على ذلك- لا محالة- آثار الأمارة الشرعيّة.

إلا أنّهما لا تدلّان على كون الخرص معاملة و معاوضة خاصّة، و لا على كونه ممّا يترتّب عليه المعاملة الخاصّة، بل غاية ما يستفاد من الروايتين إنّما هو كون الخرص أمارة عند العرف و العقلاء، و قد أمضاها الشارع أيضا، و إذن فلا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 19: زكاة الغلات.

(2)- المصدر/ باب 12: زكاة الغلات، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 156

بل و الزرع (263) على المالك، و فائدته جواز

______________________________

مجال للبحث عن الجهة الثالثة من الجهات الثلاث، الّتي تقدّمت الإشارة إليها، إذ هي متفرّعة على كون الخرص معاملة خاصّة، أو ممّا يترتّب عليه المعاملة.

(263) كما هو المشهور، على ما في «تخليص التخليص «1»»، و اختاره الشيخ قدّس سرّه في «الخلاف «2»»، مدّعيا الإجماع عليه، و المحقّق الثاني قدّس سرّه في «جامع المقاصد «3»»، و صاحب «كشف الغطاء «4»». و اقتصر فيه بعضهم- كما فى «المعتبر «5»»، و

«المنتهى «6»»، و «التحرير «7»»، و غيرها «8»- على النخل و الكرم، اقتصارا في ما خالف القواعد على مورد النّص، و لبعض الوجوه الاستحسانيّة الأخر «9».

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 107.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: صص 60- 61، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- المحقّق، عليّ بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 23، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(4)- كاشف الغطاء، الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 348، ط الحجريّة- إيران.

(5)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 535، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(6)- العلامة الحلّى، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 501، ط الحجريّة- إيران.

(7)- العلامة الحلّى، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ج 1: ص 63، ط الحجريّة- إيران.

(8)- العلامة الحلّى، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 342، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم- إيران؛ الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: صص 215- 216، ط المكتبة المرتضويّة، طهران- إيران.

(9)- مثل «إنّ الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه، و تبدّده، و عدم اجتماعه، و قلّة التطلع على مقدار كل سنبلة منه، بخلاف النخل، فان ثمرته ظاهرة مجتمعة تمكّن الخارص من إدراك كلّ عذق منها، و كذا الكرم»، و مثل: «إنّ الحاجة بالنخل و الكرم ماسّة إلى-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 157

التصرّف (264) للمالك، بشرط قبوله (265)، كيف شاء، و وقته بعد

______________________________

و الحقّ- كما اختاره المصنّف قدّس سرّه أيضا- هو التعميم للزرع أيضا، لصحيح سعد بن سعد الأشعري الأوّل، المتقدّم «1».

(264) هذا، بناء على كون الخرص معاملة خاصّة ظاهر، و لكنّه غير ثابت كما عرفت، و

عليه فيكون الحكم بجواز التصرّف و عدمه على طبق القواعد العامّة، فعلى القول بالشركة الحقيقية في باب الزكاة، لا يجوز التصرّف من المالك بعد الخرص، كما كان لم يجز له ذلك قبله أيضا. و مثله بناء على القول فيها بأنّها من قبيل تعلّق حقّ الرهانة بالمال، حيث لا يجوز للمالك التصرّف، لا قبل الخرص و لا بعده. و أمّا على القول فيها بالكليّ فى المعيّن، يجوز للمالك التصرّف بما يبقى معه مقدار حقّ الفقراء، بلا فرق في ذلك بين ما قبل الخرص و ما بعده. و أمّا بناء على كونها من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- فيجوز للمالك التصرّف في جميعه مطلقا، قبل الخرص و بعده.

(265) إذا كان جواز التصرّف مبنيّا على كون الخرص معاملة خاصّة كان الشرط

______________________________

- الخرص، لاحتياج أربابها إلى تناولها رطبة غالبا قبل الجذاذ و الاقتطاف، بخلاف الزرع، فإنّ الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدّا» (العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: صص 501- 502، ط الحجريّة- إيران).

(1)- صفحة 155.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 158

بدوّ الصلاح و تعلّق الوجوب (266)، بل الأقوى جوازه من المالك، بنفسه (267) إذا كان من أهل الخبرة، أو بغيره من عدل

______________________________

المذكور في محلّه. و حيث قد عرفت أنّه لا دليل على كونه كذلك، و إنّما يكون مبنى جواز التصرّف- إثباتا و نفيا، مطلقا أو بالتفصيل- هي القواعد العامّة، لم يكن للشرط المذكور محلّ أصلا.

(266) كما نصّ عليه جماعة «1»، بل عن المحقّق البهبهاني قدّس سرّه في شرح «المفاتيح» دعوى ظهور الإجماع عليه «2».

و ينبغي أن يقال: إنّا إذا قلنا بكون الخرص مجرّد أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة-

كما هو الصّحيح، على ما عرفت- فلا موجب لتوقيت ذلك بوقت خاصّ، بل يجوز الخرص- على هذا- قبل بدوّ الصلاح و بعده. و الحاصل، أنّه كلّما كان الخرص متعارفا- بحسب الوقت- خارجا، جاز ذلك، سواء كان قبل تعلّق الوجوب أم بعده. نعم، إذا قلنا بكونه معاملة، فلا بدّ من توقيته بزمان الوجوب، و هو بدوّ الصّلاح، كما عرفت ذلك سابقا، إذ قبل بدوّ الصلاح لا وجوب للزكاة، لتقع المعاملة على حقّ الفقراء.

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 107.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 74، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 159

أو عدلين (268)،

______________________________

(267) قال فى «الجواهر «1»»: «بل قد يقوى جوازه من المالك إذا كان عارفا، و خصوصا مع تعذّر الرجوع إلى الوليّ العام، كما عن الفاضلين «2»، و الشهيد، و المقداد، و الصيمري: النصّ عليه».

و ينبغى القول بأنّه: إذا كان الخرص مجرّد أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة- كما هو الصّحيح- لم يكن هناك فرق بين الخارص، و أن يكون هو المالك أو غيره شريطة أن يكون من أهل الخبرة. و أمّا على القول بكونه معاملة خاصّة، فلا بدّ من الأخذ بما هو القدر المتيقّن به من النّصوص، و هو أن يكون الخارص هو غير المالك.

(268) لا دليل على اعتبار العدالة فى الخارص، لا بناء على كونه أمارة شرعية على تعيين مقدار الزكاة، و لا على تقدير كونه معاملة خاصّة، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 257، ط النجف الأشرف.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب: ج 1: ص

501، ط إيران الحجريّة؛ تحرير الأحكام، ص 64، ط إيران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 168، ط مؤسسة آل البيت عليه السّلام، قم؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 538، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

قال في «مفتاح الكرامة»: «و فيه- أي فى «المعتبر»- أيضا- و «التذكرة»، و «التحرير»، و «البيان»، و «الموجز الحاوي»، و «كشف الالتباس»: لو لم يكن ساع جاز للمالك أن يخرج عدلا يخرصه، و لو خرص بنفسه جاز إذا كان عارفا» (مفتاح الكرامة، ج 3: ص 108).

أقول: لم أجد النصّ المذكور في ما عدا الكتابين الأخيرين، كما لم يحضرني عاجلا الكتابين الآخرين حتّى ألاحظهما. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 160

و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم (269)، أو وكيله مع التمكّن.

و لا يشترط فيه الصيغة (270) فإنّه معاملة خاصّة، و إن كان لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى، ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له، و إن نقص كان عليه (271). و يجوز لكلّ من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش (272)، و لو توافق المالك و الخارص

______________________________

(269) يأتى الكلام- إن شاء اللّه تعالى- في ولاية الحاكم على ذلك.

(270) قد عرفت أنّه لا دليل على كون الخرص معاملة خاصّة، بل غاية ما يستفاد من الدليل هو كونه مجرّد أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة.

(271) هذا إنّما يكون على تقدير أن يكون الخرص معاملة خاصّة، و قد عرفت عدم الدّليل عليه.

(272) بناء على كون الخرص معاملة، لا محالة يجري فيه خيار الغبن، لعدم اختصاص أدلّته بالبيع، كما حقّق ذلك في محلّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2،

ص: 161

على القسمة رطبا جاز (273)، و يجوز للحاكم (274)، أو وكيله، بيع نصيب الفقراء، من المالك أو غيره.

[مسألة 33: إذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها]

[مسألة 33]: إذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها، يكون الربح للفقراء بالنسبة (275)، و إن خسر يكون خسرانها عليه.

______________________________

(273) قد عرفت سابقا أنّ وقت وجوب الزكاة إنّما هو حين بدوّ الصلاح، و أنّه يجوز له إخراج الزكاة في ذلك الوقت، و أمّا تأخيره إلى حين صيرورة الرطب تمرا، و العنب زبيبا و نحو ذلك، إنّما هو إرفاق بحقّ المالك، و عليه، فإذا كان الخرص أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة، كان للمالك إخراج الزكاة رطبا، بلا حاجة له إلى التوافق مع الخارص.

(274) يأتي الكلام- إن شاء اللّه تعالى- البحث عن ولاية الحاكم على ذلك.

(275) تارة يقع الكلام فى المسألة بالنظر إلى القواعد، و أخرى بالنظر إلى النصوص الخاصّة. أمّا الأوّل، فتفصيل القول فيه أنّ تعلّق الزكاة إن كان بنحو الشركة الحقيقيّة، فلا محالة يكون البيع فضوليّا بالنسبة إلى مقدار حقّ الفقراء، و حينئذ فإن أجازه الحاكم- و هو الوليّ العام- أو وكيلهم الخاصّ، صحّت المعاملة، و كان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

الربح و الخسران عليهما، غير أنّه يمكن الإشكال في إجازة الحاكم على تقدير كون المعاملة موجبة للخسارة، و ذلك: لأنّه مأمور بملاحظة حقوق الفقراء و عدم تفريطه بها، و الإجازة مع الخسران تفريط- لا محالة- بحقّ الفقراء.

و كذلك الحال إذا قلنا بأنّ الزكاة من قبيل تعلّق حقّ الرهانة بالمال، فإنّ البيع بالنسبة إلى الجميع يكون فضوليّا، فإنّ أجازه من له الإذن صحّ و إلّا فلا، و لكن لا يقسّط الرّبح أو الخسران عليهما، لأنّ متعلّق حقّ

الفقراء- على هذا المبنى- إنّما هو الكلّي فى الذّمة. و أمّا بناء على كونها من قبيل الكلي فى المعيّن، فالبيع بالنسبة إلى مقدار حقّ الفقراء يكون فضوليّا، يحتاج إلى إجازة من له ذلك، و على تقدير الإجازة يكون الربح بالنسبة إلى مقدار حقّ الفقراء لهم، و الخسران عليهم، كما هو ظاهر.

نعم، بناء على كون تعلّقها بالمال من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- تكون المعاملة بالنسبة إلى الجميع صحيحة، بلا حاجة إلى الإجازة من أحد. هذا ما تقضيه القواعد فى المسألة.

و أمّا الثاني، و هو ما تقتضيه الأدلّة الخاصّة، فقد دلّت صحيحة عبد الرحمن البصري، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله، أو شاته، عامين، فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها، و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع «1»» على صحّة المعاملة بالنسبة إلى الجميع.

و أمّا ما أفاده المصنّف قدّس سرّه من كون الربح للفقراء و المالك بالنسبة، و الخسران على المالك، فلم يدلّ عليه دليل، إلّا رواية عليّ بن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها؟

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الانعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 163

[مسألة 34: يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها]

[مسألة 34]: يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها (276)،

______________________________

قال: «اعزلها ...- إلى أن قال عليه السّلام:- و إن فإن لم تعزلها، فاتجرت و اتجرت بها في جملة مالك، فلها تقسيطها من الربح، و لا وضيعة عليها «1»، غير أنّ الرواية ضعيفة سندا، و الشهرة غير قائمة على طبق مفادها لتكون جابرة

لضعفها، بعد التسليم بكبرى انجبار الضعف بذلك، بل الشهرة على خلافها، ممّا يدلّ ذلك على إعراض المشهور عنها. فالصّحيح- إذن- هو صحّة المعاملة عندنا بالنظر إلى كلّ من القواعد العامّة و الأدلّة الخاصّة.

(276) موضوع البحث في كلام الفقهاء هو تبديل متعلّق حقّ الفقراء، و تعيينه في مال معيّن، سواء كان من عين المال الزكويّ، أو مال اخر. و المراد بالجواز في عنوان المسألة هو الأعمّ من الجواز التكليفي و الوضعي.

و يدلّ عليه جملة من النصوص، كصحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا أخرج الزكاة من ماله، ثمّ سمّاها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شي ء عليه «2»، و موثق يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا، مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة، فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال: نعم،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقّين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 164

..........

______________________________

لا يضرّك «1»». و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: فى الرجل يخرج زكاته، فيقسّم بعضها و يبقى بعض، يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر؟ قال: «لا بأس «2»»، و مصحّح عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، إنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد، فقد برئ منها «3»». هذا ما

تقتضيه النصوص، و قد أشرنا إلى ما هو العمدة منها. و مع قطع النظر عنها فمقتضى القاعدة هو عدم الجواز، تكليفا و وضعا، بناء على القول بالإشاعة، فإنّ مقتضاه عدم جواز تصرّف بعض الشركاء فى المال المشترك بدون الإذن من سائر الشركاء، كما أنّ مقتضاه: هو عدم تحقّق الإفراز إلّا عن رضا الطرفين المشتركين، كما هو ظاهر، كما هو الحال بناء على القول بتعلّق الحقّ بنحو حقّ الرهانة، فإنّ التصرّف بدون إذن صاحب الحقّ غير جائز، كما أنّ حصر متعلّق الحقّ بمقدار معيّن من المال- بعد فرض كون الجميع متعلّقا له- لا يكون إلّا عن رضا صاحب الحقّ. و أمّا بناء على القول بالكلّي فى المعيّن- كما هو مختاره قدّس سرّه- فيجوز التصرّف في ما عدا مقدار الزكاة تكليفا، كما مرّ ذلك. و أمّا وضعا فلا، إذ لا دليل على تعيّن مقدار الزّكاة بتعيين المالك. و كذلك الحال على تقدير كون الحق بنحو حقّ الجناية- كما هو المختار- فإنّ مقتضى القاعدة إنّما هو الجواز تكليفا، و ذلك لأنّه- بناء على هذا- يجوز للمالك التصرّف في جميع المال تكليفا، إلّا أنّ الجواز الوضعي، و هو تعيّن متعلّق الحقّ في مقدار معيّن فلا دليل عليه. هذا ما تقتضيه القواعد.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 53: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 165

من العين أو من مال آخر (277)، مع عدم المستحقّ، بل مع وجوده (278) أيضا، على الأقوى، و فائدته (279) صيرورة المعزول ملكا

______________________________

(277) ربما يقال: بلزوم كون العزل من العين، لا من

مال آخر، بدعوى أنّ الظاهر من قوله عليه السّلام في صحيح أبي بصير المتقدّم: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ...»

هو ذلك. و على تقدير التنزّل عنه، و البناء على إجمال الرواية من هذه الناحية، فلا شكّ في أنّ القدر المتيقّن به من جواز العزل هو ذلك، و لا دليل على جواز العزل مطلقا.

و يندفع ذلك بأنّه- بعد العلم بجواز إخراج الزكاة من غير المال الزكوي، بل تعين ذلك في بعض الموارد، كما في نصب الإبل الخمس الأوّل- لا يبقى ظهور للرواية فيما ذكر، بل يكون معناه هو إخراج الواجب الماليّ، أعمّ من أن يكون ذلك من نفس المال الزكويّ، أو من غيره. و كذلك الحال في سائر نصوص المسألة. فالصحيح هو ما اختاره المصنّف قدّس سرّه.

(278) القدر المتيقّن به من جواز العزل هو مع عدم المستحق، و أمّا مع الوجود، فيدلّ على جواز العزل حينئذ صريح موثّق يونس بن يعقوب المتقدّم.

(279) بناء على القول بالشركة الحقيقيّة، و القول بالكليّ فى المعيّن، تكون فائدة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 166

للمستحقّين قهرا، حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف، و يكون أمانة في يده (280)، و حينئذ لا يضمنه إلّا مع التفريط، أو التأخير مع وجود المستحقّ (281)،

______________________________

العزل هو تعيّن الزكاة فى المعزول، و أمّا بناء على القول بكونه من قبيل حقّ الجناية، فلا يوجب العزل صيرورة المال المعزول ملكا للمستحقّين. و كذلك الحال على القول بكونه من قبيل حقّ الرهانة، كما هو ظاهر.

(280) بناء على الإشاعة و الشركة الحقيقية، و كذلك على القول بالكلي فى المعيّن، يكون المال المعزول أمانة شرعيّة تحت يد المالك، فيضمنه- لا محالة- مع التفريط، لا

بدونه، لأنّ الأمين غير ضامن إلّا مع التعدّي و التفريط، و أمّا على المختار، من كون تعلّق الزكاة بالعين بنحو حقّ الجناية، فلا يوجب العزل صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين، بل غايته أن يكون متعلّق حقّه هو المعزول، لا غير، و عليه، فلا يضمنه و لو مع التفريط، و إن أثم، لأنّ إتلاف المال يوجب الضمان، لا الأعمّ منه و من إتلاف الحقّ، كما حقّق ذلك في محلّه. و مثله القول بكونه من قبيل حقّ الرهانة.

نعم، مقتضى الروايتين- الآتيتين في الفرع التالي- إنّما هو الضمان، حتّى على القول بكون الحقّ من قبيل حقّ الجناية أو الرهانة أيضا، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 167

و هل يجوز (282) للمالك إبدالها بعد عزلها؟ إشكال، و إن كان

______________________________

(281) و يدلّ عليه مصحّح محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم، فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال عليه السّلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده ... «1»»، و صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال عليه السّلام: «ليس على الرسول، و لا على المؤدّي ضمان. قلت:

فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال عليه السّلام: لا، و لكن إن (اذا) عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2»»، و بهما يخرج عن إطلاق صحيح أبي بصير المتقدّم «3» الدالّ على عدم

الضّمان.

(282) الأقوى هو عدم جواز الإبدال، سواء قلنا- في باب الزكاة- بالملك، بنحو الإشاعة أو الكلي فى المعيّن، أم قلنا بالحقّ، بنحو حقّ الجناية- كما هو المختار- أو غيره. و ذلك لأنّ إذن الشارع فى العزل إنّما أوجب تعيّن الملك- أو الحقّ- فى المعزول، و أمّا جواز، التصرّف في ذلك بالإبدال فلم يثبت من الشارع، و مقتضى الأصل و القاعدة هو عدم جوازه، و عليه، فلا وجه لما افاده قدّس سرّه من الإشكال، بل الأقوى هو عدم جواز الإبدال، لما عرفت.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- صفحة 163.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 168

الأظهر عدم الجواز، ثمّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقّين (283)، متّصلا كان أو منفصلا.

______________________________

(283) هذا على مذهبه قدّس سرّه من القول بالكليّ فى المعيّن، و كذلك على القول بالإشاعة و الشركة الحقيقيّة. و أما بناء على المختار، فلم يكن المستحقّون مالكين للمال، حتّى يكون نمائه راجعا إليهم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 169

[فصل في ما يستحبّ فيه الزكاة]

اشارة

[فصل] في ما يستحبّ فيه الزكاة و هو- على ما أشير إليه سابقا- أمور:

[الأوّل: مال التجارة]

اشارة

الأوّل: مال التجارة (284)،

______________________________

(284) تقدّم «1» أنّ الظاهر إنّما هو وجوب الزكاة في مال التجارة، خلافا للمذهب المشهور، و قد مرّ تفصيل الكلام فيه هناك، فلاحظ. و يقع الكلام فعلا في تحقيق الموضوع للحكم، الأعمّ من الوجوب أو الاستحباب، فعن جماعة «2»،

______________________________

(1)- لاحظ الجزء الأوّل من كتابنا هذا.

(2)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 238، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم؛ المحقّق الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 549، نشر مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1، ص 400، ط مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 170

..........

______________________________

منهم المصنّف قدّس سرّه: إنّ الموضوع إنّما هو عنوان «مال التجارة»، و لا شكّ في صدق العنوان المذكور بمجرّد إعداد المال التجارة، و إن لم يتجر به بالفعل، و على هذا فلا يفرق الحال فيه بين أن يكون انتقال المال إليه بعقد معاوضة، أو بغيره من موجبات الانتقال، القهري و الاختياري، كالهبة، و الإرث و نحوهما، و لا بين أن يكون الإعداد للتجارة مقارنا لزمان الانتقال أو متأخّرا عنه. و ذهب جماعة «1»، بل ربما نسب إلى المشهور «2»، بل إلى علمائنا «3»، و اختاره المحقّق الهمدانى قدّس سرّه أيضا، الى أنّ الموضوع إنّما هو المال الّذي وقعت التجارة عليه بالفعل، فلا يكفي في وجوب الزكاة أو استحبابها مجرّد الإعداد للتجارة، بل لا بدّ في ذلك من تحقّق الاتّجار الفعليّ به.

و استدلّ لهذا القول- مضافا إلى دعوى انصراف «مال التجارة» إلى ما وقع الاتّجار به بالفعل-

بأنّ مقتضى نصوص المسألة هو ذلك، كالمستفيضة الواردة فيمن كسد عليه متاعة؛ كمصحّح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه ... «4»، و خبر أبى الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه ... الخبر «5»، فإنّ الموضوع فيهما إنّما هو المال الّذي وقعت التجارة عليه بالفعل. و كخبر خالدين الحجّاج الكوفي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة، فقال: «ما كان من تجارة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 259، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 70، ط إيران الحجريّة.

(3)- الموسوى العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 165، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما يستحبّ فيه، ح 3.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 171

..........

______________________________

في يدك فيها فضل، ليس يمنعك من بيعها ... «1»»، و مقطوعة محمّد بن مسلم، قال:

«كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول «2»»، فإنّ المستفاد من الخبرين الأخيرين الاتّجار الفعلي، كما هو ظاهر.

و يدلّ على ذلك- أيضا- الروايات المستفيضة الواردة في مال اليتيم، كمصحّح محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على مال اليتيم زكاة؟

قال: «لا، إلّا أن يتجر به، أو تعمل به «3»، و خبر سعيد السّمان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، إلّا أن يتجر به، فإن اتّجر

به فالربح لليتيم ... «4»»، و خبر أبى العطارد الخيّاط، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به، فقال: «إذا حركته فعليك زكاته ... «5»»، و غير ذلك ممّا يلاحظه المراجع في «وسائل الشيعة» (باب 2: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه).

و موجز القول: أنّ النصوص المذكورة إنّما وقع السؤال فيها عن الأمر الواقع خارجا، و هو تحقّق الاتّجار بالمال، أو أنّ الحكم رتّب فيها على ما وقع عليه البيع و الشراء، و تعلّق به الاتّجار، و لا مجال للتعدّي عنه إلى ما أعدّ للتّجارة، كما لا يخفى.

و استدلّ للقول الآخر، و هو كفاية الإعداد للتجارة، في وجوب الزكاة أو

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما يستحبّ فيه، ح 5.

(2)- المصدر، ح 8.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 172

..........

______________________________

استحبابه، بوجوه:

أحدها: إنّه يصدق- بذلك- عليه عرفا «مال التجارة «1»».

و يتوجّه عليه: أنّ موضوع الحكم فى النصوص لو كان هو عنوان «مال التجارة» لكان لمثل هذا الكلام وجه، لكنّك قد عرفت: أنّ النصوص المستدلّ بها هي النصوص الواردة في مورد التجارة بمال اليتيم بالخصوص، أو التجارة بقول مطلق، و ليس في شي ء منها عنوان «مال التجارة»، كي يتكلّم في صدقه عرفا بالإعداد للتجارة و عدمه، كما لا يخفى.

و ثانيها: موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس على الرقيق زكاة، إلّا رقيق يبتغي به التجارة، فإنّه من المال

الّذي يزكّى «2»، بتقريب أنّها تدلّ على وجوب الزكاة فى الرقيق الّذي يقصد به التجارة، مطلقا، سواء وقع عليه التجارة بالفعل أيضا، أم لا. و الحاصل، دلالة الرواية على كفاية قصد التجارة- و هو المعنيّ بابتغاء التجارة- في وجوب الزكاة.

و ناقش فى الاستدلال به المحقّق الهمداني قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: إنّ الرّواية لا إطلاق لها بالنسبة إلى العقد الإثباتي، و هو المستثنى، لعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة، و إنّما إطلاقها في العقد السلبي، لكونها مسوقة للبيان من هذه الجهة فقط، فالاستدلال بالرواية للمدّعى ساقط.

و الآخر: إنّ الرواية ظاهرة في بيان ما جرى و يجرى عليه عمل النّخاسين، من تملكهم الرقيق للاتجار به، لا للاستفادة منهم فى الخدمات، فقوله عليه السّلام: «رقيق

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 290، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: ما تجب فيه الزكاة و ما تستجب فيه، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 173

..........

______________________________

يبتغي به التجارة» يدلّ على أنّ تملكه بالشراء إنّما كان لأجل أن يبيعه، لا لأجل أن يستخدمه في شئونه «1»، فلا دلالة لها على كفاية الإعداد للتجارة.

و يندفع الوجه الأوّل بأنّه إنكار- فى الحقيقية- لمفهوم الاستثناء، و هو ممّا لا مجال لإنكاره، كما حقّق ذلك في محلّه من بحث الأصول.

و أمّا الوجه الثاني، فلا بأس به.

ثالثها: رواية شعيب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كلّ شي ء جرّ عليك المال فزكّه، و كلّ شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به «2»، بدعوى ظهور الرّواية في وجوب الزكاة- أو استحبابه- في كلّ شي ء يصلح لأنّ يجرّ المال، و معناه كفاية

الإعداد، فإنّ ما ينوي به التجارة- و هو المقصود بالإعداد- ممّا يصلح لأنّ يجرّ المال.

و يتوجّه عليه أوّلا: أنّ التعبير بلفظ الماضي، و هو «جرّ» يدلّ على وقوع التجارة على المال، و حصول الرّبح فيها أيضا، فهي على خلاف المدّعى أدلّ.

هذا، بناء على أن يكون «المال» فى الرواية مفعولا به لكلمة «جرّ».

و ثانيا: إنّ كلمة «المال» فى الرواية إن كانت مفعولا به للفعل، و هو «جرّ» كانت الرّواية دالّة على خلاف المدّعى، كما عرفت. و إن كانت فاعلا، و كان المفعول محذوفا و مقدّرا في الكلام، كانت الرواية أجنبيّة عن المقام رأسا، نظرا إلى أنّها- حينئذ- ترتبط بما سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- من القول بالزكاة في أرباح التجارات، بلا اعتبار للحول فيها، زائدا على الحول المعتبر في أصل المال.

و ثالثا: إنّه لو سلّمنا بأنّ الكلمة مفعول به، لم يكن العموم مرادا قطعا، فإنّه

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 76، ط إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 174

..........

______________________________

غرس الإنسان شجرا- مثلا- يتوخى منه الاستفادة، يصدق على ذلك أنّه ممّا جرّ عليه المال، فهل يمكن لأحد القول بوجوب الزكاة أو استحبابها في ذلك؟!

و عليه، فلا بدّ من تقييد عموم «كلّ شي ء»، فإمّا أن يقيّد ذلك بما وقعت التجارة عليه بالفعل، أو يقيّد بما نوى به التجارة و أعدّه لذلك، و لا مرجّح للثاني على الأوّل، فتصير الرواية- إذن- مجملة.

بل يمكن دعوى ملائمة التعبير فى الرواية مع التقييد بوقوع التجارة عليه، دون التقييد بما إذا أعدّ لذلك. بيانه: أنّ المتداول

في باب المحاورة هو أنّهم إذا كانوا في مقام بيان حكم موضوع خاصّ بخصوصيّة خارجيّة، بيّنوا ذلك بصورة التوصيف، فقالوا- مثلا-: «المال الّذي يكون كذا و كذا، حكمه كذا و كذا». و أمّا إذا كانت الخصوصيّة من قبيل القصد و الإرادة و نحوهما من الأمور القلبيّة، بيّنوا ذلك بصورة الاشتراط، فقالوا- مثلا-: «المال إذا قصد به، أو أريد به كذا ...،

حكمه كذا ...»، و حيث إنّ التعبير فى الرّواية إنّما هو بصورة التوصيف، فان جملة:

«جرّ عليك ...» صفة لشي ء، فلا محالة يناسب ذلك- بمقتضى ما ذكرنا- التقييد بوقوع التجارة و المعاملة عليه.

رابعها: رواية سمرة بن جندب، قال: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن نخرج الصّدقة ممّا يعدّ للبيع «1»، و بالنيّة يصير معدّا للبيع «2».

و الرّواية ساقطة جدّا، فإنّ حال سمرة بن جندب معلوم، لا يحتاج إلى بيان.

هذه هي الوجوه الّتي استدلّ بها لكفاية الإعداد للتجارة في ثبوت الزكاة،

______________________________

(1)- سنن أبي داود، ج 2: ص 95/ ح 1562؛ سنن البيهقي، ج 4: صص 46- 147.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 206، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 175

و هو المال الّذي تملّكه الشخص و أعدّه للتجارة و الاكتساب به، سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة، أو بمثل الهبة، أو الصلح المجاني، أو الإرث على الأقوى، و اعتبر بعضهم: كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة. و سواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده، و إن اعتبر بعضهم الأوّل (285)، فالأقوى أنّه مطلق المال الذي أعدّ للتجارة، فمن حين قصد الإعداد يدخل في هذا العنوان،

و لو كان قصده حين التملّك- بالمعاوضة أو بغيرها- الاقتناء و الأخذ للقنية. و لا فرق فيه (286)، بين أن يكون ممّا

______________________________

وجوبا أو استحبابا، و قد عرفت أنّها غير ناهضة بذلك، و أنّ الصّحيح هو ما دلّت عليه النصوص المتقدّمة، من كون الموضوع هو المال الّذي وقع عليه التجارة بالفعل، إذن، فما اعتبره البعض- كما جاء ذلك فى المتن- من كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة، هو الصّحيح.

(285) فان الاشتراء بقصد الاقتناء و الانتفاع بالمال- دون قصد الاسترباح بالمال- لا يكون مصداقا للاتجار بالمال عرفا، كما هو ظاهر.

(286) لإطلاق الدّليل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 176

يتعلّق به الزكاة الماليّة- وجوبا، أو استحبابا- و بين غيره، كالتجارة بالخضراوات مثلا، و لا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع (287)، كما لو استأجر دارا بنيّة التجارة.

______________________________

(287) كما عن الشهيدين رحمهما اللّه الأوّل «1» و الثاني «2».

و قد يستدلّ له بخبر محمّد بن مسلم، أنّه قال: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول «3»»، بدعوى أنّ المال- بإطلاقه- يشمل المنافع الّتي تقع موردا للمعاملة و المعاوضة، كما إذا استأجر دارا بنيّة التجارة و الاسترباح.

و يتوجّه عليه: أنّ ظاهر الرواية هو أعيان الأموال، و لا تشمل المنافع، فإنّ الظاهر من المال- عرفا- إنّما هو ذلك، مضافا إلى أن تقييده بالعمل به يوجب اختصاصه بالأعيان، فإنّ المعاملة- حتّى في مورد الإجارة الّتي قيل بحقّها: إنّها تمليك المنفعة- إنّما تقع على الأعيان، دون المنافع، ففي مورد الإجارة- مثلا- يكون مورد المعاملة هو العين، فإنّ العين تستأجر، و يكون المستأجر مالكا لمنافعها، لا أنّ المنافع تكون هي المستأجرة. و خلاصة القول: إنّ المعاملة دائما تقع

على الأعيان، و لكن نتيجة المعاملة- تارة- تكون هي تملك المنفعة.

______________________________

(1)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكيّ: البيان/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 309، ط قم.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 399، ط مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستجب فيه، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 177

[يشترط فيه أمور]
اشارة

و يشترط فيه أمور:

[الأوّل: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين]

الأوّل: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين (288)،

______________________________

هذا، مضافا إلى أنّ قوله فى الرواية: «إذا حال عليه الحول» ممّا يوجب الاختصاص بالأعيان، فإنّ المنافع تدريجيّة، لا يتصوّر في حقّها البقاء حولا.

اللّهم إلّا أن يراد به الانتفاع بها، و هو كما ترى.

هذا كلّه، مع الغضّ عن أنّ الرواية مقطوعة، و لم يثبت أنّها مرويّة عن المعصوم عليه السّلام، أو أنّها اجتهاد من محمّد بن مسلم في كلام المعصوم عليه السّلام.

فالصّحيح هو خروج المنافع عن موضوع النصوص الواردة فى التجارة، كما عن صاحب «الجواهر قدّس سرّه «1»»، حيث أنّه ناقش في استفادة ذلك من الأدلّة، بقوله: «ضرورة ظهورها فى الأمتعة و نحوها، كما نصّ على ذلك بعض مشايخنا، بل هو الظاهر من «المقنعة «2»» و غيرها».

(288) فى «الحدائق «3»»: «و هو مجمع عليه من الخاصّة و العامّة «4»». و فى «الجواهر «5»»: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر «التذكرة «6»» و غيرها

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 263، ط النجف الأشرف.

(2)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 247، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 146، ط النجف الأشرف.

(4)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 597.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 265، ط النجف الأشرف.

(6)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 220، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 178

..........

______________________________

الإجماع عليه، بل عن صريح «نهاية الأحكام «1»» ذلك، بل فى «المعتبر «2»»، و محكي «المنتهى «3»»، و «كشف الالتباس»

و غيرها: إنّه قول علماء الإسلام».

و استدلّ له بوجوه:

منها: الإجماع المقطوع به و المعلوم.

و منها: المطلقات الدالّة على مشروعيّة زكاة مال التجارة، وجوبا أو استحبابا، فإنّ ماليّة المال في مورد التّجارة محفوظة- مع تبدّل عينه- غالبا في ضمن النقدين، بمعنى أنّها- أي الماليّة- تكون محفوظة في ضمن الأبدال، الّتي هي- غالبا- من جنس النقدين، فإنّ الاتّجار بمبادلة المال بالمال من غير النقدين نادر جدّا، و عليه فالمطلقات الدالّة على ثبوت الزكاة في مال التجارة، مع فرض كونها في مقام البيان، إذا لم يبيّن فيها النّصاب، فلا محالة ينسبق إلى الذهن منها:

أنّ الزكاة الثابتة إنّما هي الثابتة فى النّقدين المستعملين فى التجارة، و أنّ المعتبر في زكاة مال التجارة إنّما هو نصاب زكاة النقدين.

و عن بعض الأعلام قدّس سرّه «4»: «نعم، قد يتمسّك بإطلاق ما دلّ على أنّه لا زكاة فى الذهب إذا لم يبلغ عشرين دينارا، و لا فى الفضّة إذا لم تبلغ مائتي درهم، الشامل للزكاة الواجبة و المستحبّة، و يتمّ الحكم في غيره بعدم القول بالفصل.

لكن فى ثبوت الإطلاق إشكالا ...».

و الإشكال المذكور في غير محلّه، لما عرفت من أنّ المراد بالمطلقات هي

______________________________

(1)- الحلّي، الحسن بن يوسف: نهاية الأحكام، ج 2: ص 364، ط مؤسّسة إسماعيليان، قم.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 546، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 507، ط الحجريّة- إيران.

(4)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 201، ط الثالثة، النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 179

فلا زكاة في ما لا يبلغه، و الظاهر أنّه كالنقدين في النصاب

الثاني (289) أيضا.

______________________________

مطلقات زكاة مال التجارة، لا مطلقات زكاة الذهب و الفضّة، و التمسّك بالإطلاق- بالبيان المتقدّم ذكره- ممّا لا مجال لإنكاره. فلاحظ.

و منها: خبر اسحاق بن عمّار، عن أبي ابراهيم عليه السّلام، قال: قلت له: تسعون و مائة درهم و تسعة عشر دينارا، أ عليها فى الزكاة شي ء؟ فقال: «إذا اجتمع الذهب و الفضّة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة، لأنّ عين المال الدّراهم، و كلّ ما خلا الدراهم، من ذهب أو متاع، فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم، فى الزكاة و الدّيات «1»»، و عدم العمل بصدر الرواية لا يوجب سقوط الاعتبار بذيلها، الدالّ على حكم المقام. هذا، و لعلّ منشأ الإجماع و التسالم فى المسألة هو ما في ذيل الخبر المذكور. و اللّه العالم.

(289) فإنّ مقتضى ما تقدّم، من اعتبار نصاب النقدين في زكاة مال التجارة، هو عدم الفرق بين النصاب الأوّل و الثّاني. قال فى «الجواهر «2»»: «بل الظاهر من النّص و الفتوى و معقد الإجماع أنّها على حسب النقدين فى النصاب الثاني أيضا، فلا زكاة فيما لا يبلغه بعد النصاب الأوّل، كما صرّح به جماعة. فما عن «فوائد القواعد»: من أنه لم يقف على دليل يدلّ على اعتبار النصاب الثاني، و أنّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 7.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 266، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 180

[الثّاني: مضيّ الحول عليه]

الثّاني: مضيّ الحول عليه (290)

______________________________

العامّة صرّحوا باعتبار الأوّل، في غير محلّه. و لقد أجاد فى «المدارك «1»» في ردّه:

بأنّ الدليل على اعتبار الأوّل هو بعينه الدّليل على اعتبار الثاني.

و الجمهور إنّما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين، كما ذكره فى «التذكرة «2»».

(290) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع- بقسميه- عليه، كما فى «الجواهر «3»». و فى «المعتبر «4»» و «المنتهى «5»» حكايته عن علماء الإسلام. و يدلّ عليه: مصحّح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى متاعا ...- إلى أن قال- و سألته عن الرّجل توضع عنده الأموال يعمل بها، فقال: «إذا حال عليه الحول فليزكّها «6»»، و خبره الآخر: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول «7»».

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 168، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 220، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 270، ط النجف الأشرف.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 544، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(5)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 507، ط الحجريّة- إيران.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 3.

(7)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 181

من حين قصد التكسب (291).

[الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول]

الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول (292)، فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم، و إن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه.

[الرّابع: بقاء رأس المال بعينه طول الحول]

الرّابع: بقاء رأس المال بعينه طول الحول (293).

______________________________

(291) هذا على قول من يرى: أن موضوع الحكم هو ما قصد به التجارة و أعدّ له، كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه، كما تقدّم. و أمّا على اعتبار موضوع الحكم هو ما وقع الاتّجار به فعلا- كما هو الصّحيح- اعتبر مضيّ الحول عليه من ذلك الحين لا محالة.

(292) هذا مبنيّ على القول بأنّ موضوع الحكم هو ما قصد به الاكتساب، كما هو مختاره قدّس سرّه، و أمّا بناء على اعتبار موضوع الحكم هو ما وقع الاتّجار به بالفعل، كان اللّازم هو تبديل صيغة الشرط الثالث كما يلي بقاء الاتّجار الواقع على المال طول الحول، فلو زال ذلك بفسخ، أو إقالة و نحوهما، لم تجب- أو لم تستحب- الزكاة فيه. ثمّ إنّ اعتبار بقاء ذلك طول الحول، كاعتبار سائر الشرائط كذلك- أيضا- ممّا سيأتي الكلام عليه قريبا، إن شاء اللّه تعالى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 182

[الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول]

الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول (294)،

______________________________

(293) موضوع الحكم- كما عرفت فيما سبق- إنّما هو «ما اتّجر به» أو «مال عمل به»، و هذا مناف لاعتبار بقاءه- بعينه- طول الحول، فإنّ الاتّجار بالمال يستلزم تبدّله لا محالة. نعم، لا بدّ من بقاءه بقيمته، فإنّ الزكاة إنّما تتعلّق بالرّبح، فلو نقصت القيمة لم يكن موضوع لوجوب الزكاة. و ما دلّ من النصوص على اعتبار بقاء رأس المال إنّما يراد به ذلك، كما سيأتي في الشرط الرّابع.

و إذا اعتبرنا فى الموضوع كفاية الإعداد للتجارة، أو قصد الاكتساب- أيضا- لم يتّجه الشرط المذكور، فإنّ ما يقصد به الاتجار و الاكتساب لا يجتمع مع اشتراط بقاءه- بعينه- حولا

كاملا، كما هو ظاهر.

إذن، فهذا الشرط بالنحو الذي ذكره المصنّف قدّس سرّه، ممّا لا أساس له.

(294) بإجماع من فقهاء الإماميّة «1»، و عند علمائنا أجمع «2» و ما يقرب من ذلك. و المراد منه- كما قيل «3»-: هو أن لا ينقص قيمته السوقيّة عن رأس ماله، و إلّا فقد لا يوجد راغب- في يوم، أو يومين، أو أيّام- لهذا المال، و إن زيدت قيمته السوقيّة.

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 550، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 508، ط الحجريّة- إيران؛ تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 209، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 77، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

و اشتراطه على طبق القاعدة، فإنّ موضوع الحكم هو المال الّذي اتّجر به و عمل به، و اعتبار الحول إنّما هو فى الموضوع المذكور، فلا بدّ من بقاء ماليّة المال المذكور- لا عينه كما عرفت- طول الحول، و إلّا ارتفع الموضوع، فلم يكن مجالا للشرط، و هو مضيّ الحول. و عليه فاعتبار بقاء الموضوع طول الحول يقتضي عدم ورود النقص فى الماليّة عليه، و إلّا كان ذلك موجبا لارتفاع الموضوع، كما هو ظاهر.

و يدلّ عليه- مضافا إلى ذلك- جملة من النصوص المعتبرة، كصحيحة اسماعيل بن عبد الخالق، قال: سأله سعيد الأعرج و أنا أسمع، فقال: إنّا نكبس الزيت و السّمن نطلب به التجارة، فربّما مكث عندنا السّنة و السّنتين، هل عليه زكاة؟ فقال: «إن كنت تربح فيه شيئا، أو تجد رأس مالك، فعليك

زكاته، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة، فليس عليك زكاة حتّى يصير ذهبا أو فضّة، فإذا صار ذهبا أو فضّة، فزكّه للسنة الّتي اتّجرت فيها «1»»، و مصحّح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغى به رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة، بعد ما أمسكه بعد رأس المال «2»»، و مثلهما غيرهما «3».

ثمّ إنّ المستفاد من النّصوص هو وجوب الزكاة فيما إذا طلب- طول الحول- برأس المال أو زيادة، خرج منه ما إذا طلب بأقلّ من رأس المال، فإنّه- حينئذ-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 184

..........

______________________________

لا تجب عليه الزكاة.

نعم، مقتضى المفهوم من خبر أبى الرّبيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة، أو حتّى يبيعه؟ فقال: «إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة «1»» هو عدم وجوب الزكاة فيما إذا طلب برأس المال لا بزيادة، و هو مناف لما دلّت عليه النّصوص المتقدّمة، إلّا أنّ مفهوم الخبر- بإطلاقه- يدلّ على ذلك، و بالنّصوص المتقدّمة، الدالّة على وجوب الزكاة في ما إذا طلب برأس المال، يخرج عن هذا الإطلاق في ما إذا طلب برأس المال، فينحصر

المفهوم بمورد الطلب بأقلّ من رأس المال.

ثمّ إنّ المراد بالطلب برأس المال أو بزيادة- كما أشرنا إليه- ليس هو الطلب الفعلي، بمعنى وجود الراغب في شراء المال برأس المال أو بزيادة، فإنّ وجود الراغب فى الشراء بالفعل خلاف الغالب، بل المراد به كون المال ممّا يسوى بذلك، بحيث لو وجد هناك راغب في شراءه لاشتراه برأس المال أو بزيادة.

ثمّ إنّه هل يعتبر تحقّق الشرط المذكور طوال الحول، بحيث لو كان قد طلب بأقل من رأس المال في بعض الحول، و لو كان الزمان قليلا جدّا، انتفى وجوب الزكاة، أو إنّه يعتبر تحقّقه حال حولان الحول؟ مقتضى ظاهر اشتراط وجوب الزكاة،- أو استحبابها- بذلك هو الثاني، فيكفى تحقّق الشرط المذكور عند حلول الحول، و هو زمان وجوب الزكاة، أو استحبابها، فإنّ الظاهر من دليل الاشتراط إنّما هو الاشتراط بنحو الشرط المقارن، و أمّا الشرط المتقدّم، أو المتأخّر فهو على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

خلاف الظاهر، لا يصار إلى واحد منهما إلّا بدليل. و فتوى العلماء- قدّس اللّه أسرارهم- بلا خلاف يعتدّ به «1» على الأوّل. و هذا الكلام جار- أيضا- في ما سبق من الشروط.

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ منشأ الوجهين: هو أنّ الموضوع للحكم إذا كان هو" مال التجارة"، و الشروط الأربعة أو الخمسة- و منها حولان الحول- تكون شرطا له في عرض واحد، بأن يكون مفاد الأدلّة هو وجوب- أو استحباب- زكاة المال، إذا حال عليه الحول، و كان بمقدار النصاب، و طلب برأس المال أو بزيادة ...،

كانت النتيجة هي كفاية تحقّق الشروط عند حولان الحول، و لم يعتبر استدامتها طول الحول في ثبوت الحكم.

و أمّا إذا كان الموضوع هو مال التجارة، المقيّد بكونه مطلوبا برأس المال أو بزيادة، و ...، إذا حال عليه الحول، بأن يكون حولان الحول شرطا في طول سائر الشروط، فلا بدّ من اجتماع الشروط طوال الحول، بحيث يكون انتفاء واحد منها في بعض الحول- و لو كان ذلك يسيرا جدّا- موجبا لانتفاء الحكم.

هذا، و الظاهر من الأدلّة هو الأوّل، فإنّ جميع تلكم الشروط- و منها حولان الحول- إنّما جعل شرطا للحكم في عرض واحد، فيكفي تحقّق الشروط المذكورة حال ثبوت الحكم، و هو عند حولان الحول، كما هو مقتضى الحال في جميع الشروط المقارنة، وفاقا للمحقّق الهمداني قدّس سرّه «2»، و عدم تعرّضهم- قدس اللّه أسرارهم- لتحقيق المطلب لا يدلّ على مخالفتهم في ذلك، و إنّما هو من جهة ذهابهم إلى استحباب زكاة مال التجارة، فكان الأمر في ذلك عندهم هيّنا،

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 77، ط إيران الحجريّة.

(2)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 186

فلو كان رأس مال مائة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة- و لو حبّة من قيراط- يوما منها، سقطت الزكاة. و المراد برأس المال (295) الثمن المقابل للمتاع، و قدر الزكاة فيه (296) ربع العشر، كما في النقدين، و الأقوى تعلّقها بالعين (297)

______________________________

فافتوا بانتفاء الاستحباب باختلال بعض الشروط في بعض الحول.

(295) تقدّم أنّ مقتضى كون المال مال التجارة هو تبدّله، فيكون متعلّق الزكاة فيه- لا محالة- هي الأبدال، المعبّر عنها بالماليّة و القيمة، و هو المراد ب «رأس المال».

و

أمّا التفسير المذكور في كلام المصنّف قدّس سرّه له، فلم نعرف له وجها صحيحا، بداهة: أنّ الثمن المقابل للمتاع ما لم يصل إلى يد المالك فهو ملك للمشتري، و بعد وصوله إليه و صيرورته بدلا عن المتاع ليس هو بثمن؛ بل هو عبارة أخرى عن ماليّة ما باعه، انتقل إليه من المشتري. فالأظهر هو تفسير رأس المال بالماليّة و القيمة. فلاحظ.

(296) كما مرّ الكلام في ذلك.

(297) بناء على القول بوجوب زكاة مال التجارة يمكن الالتزام بذلك، و أمّا القائل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 187

كما في الزكاة الواجبة، و إذا كان المتاع عروضا (298) فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر.

______________________________

باستحبابها- كما هو المشهور، و عليه المصنّف قدّس سرّه أيضا- فلا مجال له في ذلك، فإنّه لا يتصوّر الجمع بين تعلّق الزكاة بالعين بنحو الشركة الحقيقيّة، أو الكلّى فى المعيّن- و الثاني هو مختار المصنّف قدّس سرّه- و بين القول باستحبابها، فإنّ لازم تعلّق الزكاة بالعين بأحد النحوين هو وجوب التخلّص منه، بتسليم حقّ الفقير إليه، لا أنّه يستحب ذلك. نعم، بناء على كونه من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- لا ينافى ذلك استحباب الزكاة، لأنّ الحق يكون على نحوين: أحدهما: ما يجب أداءه و الخروج منه، و الآخر: ما يستحبّ ذلك، و لتكن زكاة مال التجارة من قبيل الثاني، بناء على القول باستحبابها.

(298) قد عرفت فيما سبق أنّ النّصاب المعتبر في زكاة مال التجارة إنّما هو باعتبار ماليّته، فيكون النصاب- لا محالة- بلحاظ تقويم مال التجارة بأحد النقدين:

الدينار أو الدّرهم؛ لأنّهما هما الأصل الممحّض فى الماليّة، فإن كان التقويم بكلّ من الدينار أو الدّرهم، مع فرض

التساوي بين نصابيهما في مقدار الماليّة، فلا إشكال فى المسألة، و أمّا مع الاختلاف، كما إذا كان التقويم بالدرهم موجبا لبلوغه حدّ نصاب الفضّة- مثلا- و أمّا تقويمه بالدينار لم يكن بالغا حدّ نصاب الذهب، فهل يكفي في ثبوت الزكاة- استحبابا، أو وجوبا- بلوغه حدّ النصاب الأدنى، أو أنّه يعتبر بلوغه الأعلى أيضا به.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

الّذي ينبغي أن يقال: إنّه حيث لم يكن هناك اطلاق للأدلّة، لعدم الدليل اللّفظي على اعتبار نصاب النقدين فى المقام- كما عرفت- و إنّما استفيد ذلك من التسالم بين الفقهاء- قدّس اللّه أسرارهم-، و من السكوت في ما دلّ على ثبوت الزكاة في مال التجارة عن تحديد النصاب فيه، مع كون الأدلّة في مقام البيان من هذه الجهة، كما مرّ الكلام فيه. و عليه، فحيث لا إطلاق فى المسألة، لا بدّ من الاقتصار فيها على ما هو المتيقّن به، و هو ما إذا بلغ حدّ النصاب الأعلى، و مع عدم بلوغه ذلك يشك- لا محالة- في ثبوت الزكاة، و مقتضى الأصل البراءة «1».

و قد يفصّل بين ما إذا كان رأس ماله- أي مال التجارة- نقدا، كالدرهم أو الدينار، فيعتبر النّصاب المفروض فيه و إن كان أدنى، و بين ما لم يكن كذلك، فيعتبر فيه الأعلى.

و الوجه في ذلك: أنّه إذا كان رأس ماله الدرهم مثلا، و بلغ نصاب الدّراهم، و إن كان لم يبلغ نصاب الدّينار، فحيث كان المستفاد من الأدلّة هو أنّ زكاة مال التجارة هي زكاة النقدين، فلا محالة يقطع العرف- حينئذ- بأنّه لا يردّ الدرهم إلى الدّينار ليعتبر فيه نصاب الدينار، بل يؤخذ فيه بنصاب الدّرهم نفسه، و هذا

بخلاف ما إذا كان رأس ماله متاعا، فإنّه بعد ردّه إلى النّقدين، إذا كان قد بلغ نصاب كلا النقدين، بأن كانت قيمته عشرين دينارا و مائتى درهم مثلا، ثبت فيه الزكاة، و أمّا اذا بلغ أحدهما- و هو الدرهم دون الدينار مثلا- كان مقتضى الأصل هو عدم ثبوت الزكاة ما دام لم يبلغ النصاب الأعلى. و هذا التفصيل ممّا لا بأس به.

______________________________

(1)- بناء على المذهب المشهور، و هو استحباب زكاة مال التجارة، لا مجال للبراءة فى المسألة، كما هو ظاهر. نعم، استصحاب العدم- بناء على جريانه فى الأحكام الكليّة- في محلّه.

فتأمّل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 189

[مسألة 1: إذا كان مال التجارة من النصب الّتي تجب فيها الزكاة]

[مسألة 1]: إذا كان مال التجارة من النصب الّتي تجب فيها الزكاة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين دينارا، أو نحو ذلك؛ فإنّ اجتمعت شرائط كلتيهما وجب (299) إخراج الواجبة و سقطت زكاة التجارة، و إن اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الأخرى.

______________________________

(299) بناء على وجوب زكاة مال التجارة- كما استقربناه- فمع اجتماع شرائط كلتيهما، كما إذا بقيت العين الّتي هي رأس ماله سنة كاملة، و كانت بمقدار النّصاب أيضا، فبما أنّه مال التجارة و قد مضى عليه الحول تجب الزكاة فيه، و لكونه ذهبا مسكوكا، أو غنما بقي عنده سنة كاملة، مع كونه بمقدار النصاب، تجب فيه زكاة النقدين، أو الأنعام، فهل تجب عليه زكاتين، أو زكاة واحدة، تعيينا أو تخييرا؟

الكلام في ذلك- تارة- بالنظر إلى ما تقتضيه القواعد العامّة، و أخرى:

بالنظر إلى الدّليل الخاص.

أمّا بالنظر إلى القواعد العامة، فقد يقال: باندراج المورد تحت كبرى التعارض، فإنّه- بعد العلم بعدم وجوب الزكاتين فى المال الواحد، و عدم تشريع

وجوبهما معا- لا محالة يقع التعارض بين دليل وجوب زكاة مال التجارة و بين دليل زكاة الأنعام، أو النقدين، و مقتضى القاعدة- حينئذ- هو تساقط كلا الدّليلين، كما هو محرّر و مقرّر في محلّه من بحث أصول الفقه. إلّا أنّه حيث إنّا نعلم قطعا بجعل أحدهما لا محالة، إذ لا نحتمل- في مورد التعارض- عدم جعل كلا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

الحكمين المتعارضين، يدور الأمر- إذن- بين أن يكون المجعول هو أحد الوجوبين تعيينا، أو تخييرا، و حينئذ يكون المورد من صغريات دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و مقتضى الأصل هو عدم التعيين، فتكون النتيجة هو التخيير.

و ربّما يقال: باندراج المورد تحت كبرى التزاحم، و مقتضى القاعدة فيه هو الأخذ بالمرجّحات، و مع فقدها يثبت التخيير لا محالة.

و قد يقال: إنّ المورد داخل تحت كبرى «مسألة تداخل الأسباب» فمن يبنى فيها على التّداخل يلتزم في المقام بوجوب زكاة واحدة، و من لا يرى ذلك، فعليه أن يلتزم فى المقام بوجوب زكاتين.

هذا، و الظّاهر هو عدم تماميّة شي ء ممّا ذكر، أمّا التّعارض، فلأنّه لا منافاة بين دليل وجوب زكاة مال التجارة و ما دلّ على وجوب الزكاة بحلول الحول على الأجناس الزكويّة، لو لا النصّ الخاصّ الدالّ على عدم وجوب زكاتين في عام واحد، و سيأتي الكلام عليه إن شاء اللّه تعالى، و البحث- فعلا- بحسب القواعد العامّة، فإذا لم يكن هناك تناف بين الدّليلين، لم يكن موجب لفرض المعارضة بينهما، كما هو ظاهر.

و أمّا التزاحم، فلأنّ تقريب التزاحم فى المقام إنّما يكون بأحد وجهين:

الأوّل: أن يقال بعدم انحصار التزاحم بمورد العجز عن امتثال كلا التكليفين، كما هو المعروف،

من تعريفهم التزاحم- في مقابل التعارض- بما كان التنافي فيه بين الحكمين في مقام الامتثال، دون الجعل كما فى التعارض، و أنّ منشأ التنافي في مقام الامتثال هو عجز المكلّف عن امتثال كلا التكليفين، و القدرة على الامتثال شرط في فعليّة التكليف لا محالة، فلذلك يحصل التنافي بين الحكمين في مقام الفعليّة، فإنّه على القول بانحصار التزاحم بذلك يخرج المورد- لا محالة- عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

كبرى التزاحم، لفرض قدرة المكلّف على امتثال كلا الحكمين، كما هو ظاهر. إلّا أنّه لا موجب لحصره في مورد العجز عن الامتثال، حيث لم يرد هناك دليل تعبديّ يوجب الحصر المذكور، بل نقول: إنّ الوجه في عدّ مورد العجز عن الامتثال من التزاحم هو أنّ القدرة على المأمور به- فيما لم تؤخذ في لسان الدليل شرعا- دخيلة فى فعليّة الحكم عقلا، و حيث إنّ القدرة على كلّ واحد من الأمرين في حدّ نفسه موجودة، فيكون التكليف به- في حدّ نفسه- فعليّا، و التكليف الفعليّ بشي ء يقتضي صرف القدرة من المكلّف في متعلّق التكليف المذكور، فلا محالة يقتضي كلّ من التكليفين صرف القدرة في متعلّقه، فيكون رافعا لموضوع الآخر، لايجابه انتفاء القدرة على متعلّق الآخر، و القدرة دخيلة فى الموضوع، كما هو معلوم، و التكليف الآخر- أيضا- كذلك فيتحقّق التزاحم بينهما، فالملاك- إذن- فى التزاحم إنّما هو رافعيّة كلّ من التكليفين لموضوع الآخر، و عليه فكلّ مورد كان أحد التكليفين- بحسب مقام الفعليّة- رافعا لموضوع الآخر، تحقّق التزاحم بينهما لا محالة.

فإذا كان تقريب التزاحم كذلك، فمن المعلوم أنّه لا ينطبق على المقام، لعدم ايجاب شي ء من الدليلين ارتفاع موضوع الآخر، فإنّ إخراج زكاة

مال التجارة باعتبار ماليّته لا يوجب عدم القدرة على إخراج زكاة الغنم- مثلا- بعنوان كونه عينا زكويّة لا باعتبار ماليّته، و كذلك الحال في إخراج الزكاة باعتبار ماليّة الذهب أو الفضّة، فإنّه لا يوجب عدم القدرة على إخراج زكاة أعينهما بعنوان زكاة النقدين، و هكذا ...، فالتقريب المذكور للتزاحم و إن كان يوجب تعميمه لأوسع من موارد العجز عن الامتثال، بحيث يشمل مطلق موارد رفع أحد التكليفين موضوع الآخر؛ إلّا أنّه- مع ذلك- لا يوجب اندراج المسألة تحت

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 192

..........

______________________________

كبرى التزاحم، كما عرفت.

الثّاني: أن يقال: إنّ ملاك التزاحم إنّما هو تحقّق المقتضى لكلا الحكمين، مع عدم إمكان الجمع بينهما ذاتا أو عرضا، بمعنى أنّه مع استيفاء أحدهما لا يمكن استيفاء الأخر، في قبال التعارض الّذي ملاكه هو تحقّق المقتضى لأحدهما، لا لكليهما، من جهة العلم بكذب أحدهما.

و هذا المبنى في باب التزاحم، و إن كنّا لا نتضايق من الالتزام به، كما حقّقناه في محلّه من بحث أصول الفقه، و إن كان لا يترتّب عليه أحكام التزاحم المصطلح، من الترتب و التخيير، كما بيّناه في محلّه؛ إلّا أنّه غير منطبق- أيضا- على المقام، فإن انطباقه متوقّف على عدم إمكان استيفاء كلا المقتضيين ذاتا أو عرضا، و كلاهما منتف، و ذلك لعدم وجود ما يدلّ على عدم امكان استيفائهما ذاتا، بمعنى أنّهما- بحسب ذاتيهما- يمنعان من استيفاء كلا المقتضيين، بل لا بدّ للمكلّف من استيفاء أحدهما. و أمّا امتناع اجتماعهما عرضا فهو متوقّف على المنع الخارجي من اجتماع الحكمين، و هو ما يدّعى دلالته على عدم وجوب تزكية المال الواحد من وجهين في عام واحد، و سيجي ء الكلام

عليه، إن شاء اللّه تعالى، عند البحث عن المسألة من وجهة النّص الخاصّ.

و أمّا عدم اندراج المورد تحت كبرى مسألة تداخل الأسباب، فلأنّ تلك المسألة- موضوعا- تختصّ بما إذا تعدّد السّبب مع وحدة المسبّب، و هو منتف فى المقام، بل المسبّب فيه- كالسّبب- متعدّد، فإنّ الواجب في زكاة مال التجارة إنّما هو الإخراج من ماليّة المال، و الواجب في غيره من الأعيان الزكويّة إنّما هو الإخراج من عينها، فلم يكن المسبّب واحدا كي يبحث فيه عن تداخل الأسباب و عدمه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

و المتحصّل من جميع ذلك أنّه- بحسب القواعد- لا مانع من الالتزام بوجوب الزكاتين، و عدم سقوط إحداهما، لا تعيينا و لا تخييرا.

و أمّا بالنظر إلى الدليل الخاصّ، فقد يقال: إنّ مقتضى ما دلّ على عدم مشروعيّة زكاتين في عام واحد، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ثنى فى الصدقة «1»»، و قوله عليه السّلام- في صحيح زرارة-: «لا يزكّى المال الواحد، في عام واحد، من وجهين «2»» هو عدم وجوب الزكاتين فى المقام، فيقع التعارض أو التزاحم، و مقتضى القاعدة هو التخيير، كما ذكرناه فيما مرّ «3».

هذا، و لكن الكلام المذكور ساقط من أساسه، فإنّ الحديث الأوّل عامّي، مع أنّه لم يرو في شي ء من مجاميع العامّة الحديثيّة، فلا يمكن الاستناد إليه. و أمّا صحيح زرارة فقد ذكرنا «4» أنّه أجنبي عن الكلام المذكور رأسا، بمعنى أنّه لا دلالة له على ما ذكروه، من عدم تزكية المال الواحد، في عام واحد، بعنوانين و من جهتين، بل المستفاد من الرّواية- بقرينة موردها-: أنّها تنفى وجوب زكاتين في مال واحد على مالكين- أو ما

يكون بحكمه، ككون المال في مكانين مثلا- في عام واحد، بنحو السّالبة بانتفاء الموضوع، بمعنى أنّه حيث لا يمكن أن يكون مال واحد في عام واحد لمالكين كلّ منهما مالك له استقلالا لا بنحو الاشتراك، فلذلك لا تجب زكاتان كذلك في عام واحد، فهي أجنبيّة- بالكليّة- عن الاستدلال بها لما ذكروه، فهي لا توجب- لا تعارضا و لا تزاحما- بين أدلّة الزكاة فى المقام.

______________________________

(1)- مرّت الإشارة إلى مصدر الحديث فى الجزء الأوّل من كتابنا (ص 356)، فلاحظ.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(3)- <> صفحة 190.

(4)- <> ج 1: صص 370- 371.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

فراجع و لاحظ.

هذا على تقدير القول بوجوب زكاة مال التجارة واضح. و أمّا على تقدير القول بالاستحباب- كما هو المشهور، و اختاره المصنّف قدّس سرّه أيضا- ففى «الخلاف «1»» نفي الخلاف في سقوط زكاة التجارة، بل عن جماعة «2» دعوى الإجماع عليه. و علّلوه- كما فى «الجواهر «3»»- بأنّ الواجب مقدّم على النّدب. ثمّ ناقشهم قدّس سرّه في ذلك بقوله: «و فيه: إنّ ذلك عند التزاحم في الأداء، بعد معلوميّة وجوب الواجب و ندبيّة المندوب، لا فيما نحن فيه، الّذي مرجعه إلى معلوميّة عدم مشروعيّة أحدهما ...».

و ما أفاده قدّس سرّه هو الصّحيح، بناء على ما هو المشهور المستفاد من قوله عليه السّلام:

«لا يزكّى المال في عام واحد من وجهين» حيث أنّه- على هذا- يقع التعارض أو التزاحم- بالمعنى الّذي قرّبناه، و هو عدم إمكان استيفاء كلتا المصلحتين بين دليلي الحكمين، و إن كان أحدهما استحبابيّا و الآخر وجوبيّا.

______________________________

(1)- الطوسي،

محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 104، ط مؤسّسة النشر الإسلامى، قم.

(2)- الشهيد، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 239، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 223، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 509، ط إيران الحجريّة؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 549، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 279، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 195

[مسألة 2: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة]

[مسألة 2]: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة، سقط كلتا الزكاتين (300)، بمعنى أنّه قطع حول كلتيهما، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول، فلا بدّ أن يبتدئ الحول من حين تملّك الثانية.

______________________________

(300) بناء على اشتراط بقاء شخص المال طول الحول في زكاة مال التجارة الأمر واضح، فإنّه لا تجب زكاة مال التجارة بالنسبة إلى الأربعين سائمة الأولى، لعدم بقاء عين السلعة طول الحول، كما لا تجب الزكاة الماليّ فيها- أيضا-، لعدم بقاءها في ملكه حولا كاملا.

و أمّا بناء على عدم اشتراط ذلك في وجوب زكاة مال التّجارة، و اشتراط بقاء ماليّة المال الّذي وقعت التجارة عليه حولا كاملا، كما استقربناه و اخترناه، فلا محالة يقع الكلام في وجه سقوط زكاة مال التجارة حينئذ.

و تحقيق الكلام فى المسألة: أنّه بناء على المشهور فى معنى قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال الواحد في عام واحد من وجهين»، و هو نفي وجوب تزكية المال الواحد بعنوانين، كما هو مفاد قوله صلّى اللّه عليه و آله- على

تقدير صدق الخبر-: «لا ثنى في الصّدقة»- تارة- يبنى على موضوعيّة «العام الواحد» فى الحكم، بمعنى أنّه مع اشتراك العنوانين و الوجهين في تمام الحول، يمتنع حينئذ ثبوت الزكاتين، و أمّا مع الاشتراك في بعض الحول فلا، و عليه فإذا فرضنا: أنّ المعاوضة وقعت على رأس ستّة أشهر- مثلا- و بقيت الأربعين السائمة الثانية إلى الشهر الثاني عشر، فبما أنّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

حول مال التجارة قد تحقّق، و المفروض في وجوب زكاته إنّما هو بقاء الماليّة لا عين المال، و هو متحقّق فى الفرض، فلا محالة يحكم بوجوب زكاة مال التّجارة فى الشهر الثاني عشر، و بعد مضي ستّة أشهر أخرى يحكم بوجوب زكاة الأربعين غنما الثانية بعنوان زكاة المال، لأنّه مالك للنّصاب- و هو أربعين غنما- حولا كاملا. و الاشتراك بين الزكاتين في بعض الحول- و هو الستّة أشهر الأولى- و إن كان واقعا، إلّا أنّا فرضناه غير ضارّ بثبوت الزكاتين، و إنّما يمنع من ثبوت الزكاتين الاشتراك في تمام الحول.

و أمّا إذا بنينا على أنّه لا موضوعيّة للعام الواحد فى الحكم المذكور، بل كان المستفاد من الرواية هو عدم صلاحيّة الزمان الواحد لثبوت زكاتين، و لو كان شهرا واحدا، و حينئذ يشكل الأمر فى المسألة، لاشتراك زكاة مال التجارة مع الزكاة المالي في بعض الحول، و هو بمقدار ستّة أشهر في فرضنا المتقدّم ذكره.

هذا، و الظاهر من الرواية هو المعنى الأوّل، فلا إشكال كما عرفت. و على تقدير أن يكون المراد منها هو المعنى الثاني، فهل يكون المقام من مصاديق باب التعارض بين دليل زكاة مال التجارة، و بين دليل وجوب الزكاة الماليّ، أو يكون

المقام من موارد التزاحم بين الحكمين.

إذا قلنا: إنّ مفاد قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال في عام واحد من وجهين» هو عدم جعل الشارع الحكمين، فلا محالة يكون المقام من موارد التعارض، للعلم الإجمالي بعدم جعل أحد الحكمين، و كذب أحد الدليلين، و مقتضى القاعدة- حينئذ- هو التساقط، إلّا أنّه حيث يعلم فيه بجعل أحد الحكمين قطعا، و لكنّه غير متعيّن، فلا محالة يثبت التخيير.

و أمّا إذا قلنا: إنّ مفاد القول المذكور هو أنّ استيفاء كلتا المصلحتين

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 197

[مسألة 3: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع بلوغه النصاب- على ربّ المال]

[مسألة 3]: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع بلوغه النصاب- على ربّ المال (301)،

______________________________

المستفادتين من اطلاق كلّ من الدليلين غير ممكن، بل إنّه مع استيفاء المكلّف إحداهما لا يبقى مجال لاستيفائه الأخرى، فلا محالة يندرج المورد تحت كبرى التزاحم. و الترجيح حينئذ لدليل زكاة مال التجارة، للأسبقيّة الزمانيّة، الّتي هي من المرجّحات في باب التزاحم.

و الإشكال المذكور في مرجحيّة الأسبقيّة زمانا، و هو: أنّ الأمر بحفظ القدرة للتكليف اللّاحق بملاك وجوب المقدّمة المفوّتة للملاك الملزم في ظرفه، أمر فعليّ، فيزاحم الأمر الفعليّ الآخر، غير وارد فى المقام، لاختصاصه بما إذا كان زمان امتثال أحد التكليفين متأخّرا عن زمان امتثال الآخر، مع التقارن بين موضوعيهما، بأن كانت الشرائط الدخيلة في موضوع كلّ من التكليفين متحقّقة بنحو التقارن، و إنّما كان التأخّر الزماني بينهما بالنسبة إلى الامتثال، و ليس الأمر فى المقام كذلك، إذا المفروض هو أنّ من جملة شرائط وجوب الزكاة المالي هو حولان الحول، و هو غير متحقّق فعلا، عند حلول حول مال التجارة، كما هو ظاهر.

و عليه فلا مزاحم للتكليف بزكاة

مال التجارة، فيقدّم لا محالة، بلا فرق بين كونه وجوبيّا كما هو المختار، أو ندبا كما هو المشهور. فتحصل من جميع ما ذكرناه:

أنّه لا وجه لسقوط زكاة مال التجارة.

(301) وقع الكلام بينهم في أنّ الربح الحاصل بالتجارة، هل هو ممّا يتعلّق به الزكاة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 198

..........

______________________________

مستقلا، أو أنّه يكون تابعا في ذلك لرأس المال، أو أنّه لا يتعلّق به الزكاة، لا استقلالا و لا مع رأس المال؟ فقد يقال بالأوّل، لكونه مالا حاصلا بالتجارة، فيشمله ما دلّ على ثبوت الزكاة في مال التجارة.

و قد يقال بالثاني، لأنّ نظر العرف- و نظره متّبع- إلى أنّه تابع لرأس المال، فلا ينظر إلى الربح نظرة استقلال.

و قد يقال بالثالث، لأنّ موضوع الحكم المذكور- كما مرّت الإشارة إليه- هو المال الذي اتّجر به و عمل به، و هو غير صادق على الربح، فإنّه ليس ممّا اتّجر به، و إن كان حاصلا بالتجارة، كما هو ظاهر.

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ المدار في هذا المقام إنّما هو على نظر العرف، و لأجله ينبغى التفصيل بين أقسام الرّبح الحاصل، فما كان منه من قبيل زيادة القيمة السوقيّة للمال، من دون أن يكون هناك زيادة عينيّة، فالعرف يراه تابعا لأصل رأس المال، و لا يراه شيئا آخر في مقابل رأس المال. و أمّا ما كان منه من قبيل الزيادة العينيّة، و الثمرة الخارجيّة المنفصلة عن رأس المال، كما إذا كان رأس ماله غنما فولدت غنما، فإنّ العرف- حينئذ- يرى الربح مالا مستقلا و موضوعا آخر غير رأس المال، فيعتبر- في تعلّق الزكاة به- تحقّق الشرائط فيه مستقلا.

ثمّ إنّ التفصيل بين القسمين إنّما هو فيما

إذا لم يقع الربح مورد المعاملة و الاتّجار به، و إلّا ثبت فيه الزكاة حتّى ما كان منه من قبيل القسم الأوّل، كما إذا فرضنا أنّه بدّل رأس ماله- الّذي زادت قيمته السوقيّة- بنقد، ثمّ اتّجر به، أي بالنقد المذكور، فإنّه لا ينبغى الإشكال في ثبوت الزكاة فى الربح أيضا، مع تحقّق شرائطه، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 199

و يضمّ إليه حصّته من الربح، و يستحبّ زكاته (302)- أيضا- إذا بلغ النصاب و تمّ حوله، بل لا يبعد كفاية (303) مضيّ حول الأصل. و ليس في حصّة العامل من الربح زكاة (304)، إلّا إذا بلغ النصاب، مع اجتماع الشرائط، لكن ليس له التأدية من العين، إلّا بإذن المالك، أو بعد القسمة.

______________________________

(302) مقتضى هذا الكلام هو ملاحظة الربح استقلالا، و هو مناف لما سبق منه قدّس سرّه من قوله: «و يضمّ إليه حصّته من الربح».

(303) بناء على ملاحظة الربح موضوعا مستقلا، يعتبر في ثبوت الزكاة فيه تحقّق شرائطه- و منها الحول- بالنسبة إلى الربح مستقلا، و عليه فلا وجه لكفاية مضيّ حول الأصل.

(304) ثبوت الزكاة في حصّة العامل متوقّف على تحقّق أمرين:

أحدهما: أن تكون الحصّة مملوكة له لا على سبيل الأجرة.

و الآخر: أن لا يكون ممنوعا من التصرّف فى العين قبل القسمة. و كلاهما منتف. أمّا الأوّل، فلأنّه إنّما يملك الحصّة بعنوان أجرة العمل، و الأجرة إنّما تكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 200

[مسألة 4: الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين]

[مسألة 4]: الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين (305)،

______________________________

مملوكة للعامل بعد أخذها، و قبل الأخذ لا ملك، و لا زكاة إلّا في ملك. و أمّا الثاني، فلكونه ممنوعا من التصرّف فى

المال قبل القسمة، و يعتبر في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف فيه.

إذن، فالأظهر هو عدم ثبوت الزكاة في حصّة العامل.

(305) قال فى «الجواهر «1»»: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن «التذكرة «2»» و ظاهر «الخلاف «3»» الإجماع عليه».

و يستدلّ له: بأنّ الزكاة متعلّقة بالعين، و لو كان ذلك باعتبار ماليّتها و الدين متعلّق بالذّمة، فلا تنافى بين الأمرين، فلا يكون الدين مانعا عن ثبوت الزكاة.

و ربّما يستدلّ له «4»: بالنصوص الدالّة على كون زكاة القرض على المقترض «5»، بدعوى: أنّ مقتضى إطلاقها هو وجوب الزكاة على المقترض، و إن لم يكن عنده سوى ما اقترضه، إذا كان بمقدار النّصاب.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 289، ط النجف الأشرف.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 226، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف: ج 2، ص 108، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

و كان من حق العبارة أن يقول: بل عن ظاهر التذكرة، و صريح الخلاف الإجماع عليه، كما لا يخفى على من لاحظ الكتابين.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 83، ط إيران الحجريّة.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: من تجب الزكاة عليه و من لا تجب عليه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 201

..........

______________________________

و أيضا- بالنسبة إلى زكاة المال- يستدلّ له بمصحّح زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام، و ضريس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، إنّهما قالا: «أيّما رجل كان له مال موضوع حتّى يحول عليه الحول، فإنّه يزكّيه، و إن كان عليه من الدّين أو أكثر منه، فليزكّ ما

في يده «1»»

هذا، و الظاهر هو مانعيّة الدين من وجوب الزكاة، خلافا لما هو المشهور، أو المتّفق عليه. و أمّا الوجوه الّتي استدلّ بها لعدم المانعيّة فهي عليلة:

أمّا دعوى كون الزكاة متعلّقة بالعين، و الدين متعلّق بالذمّة. فيردّها أنّ الدين و إن كان كذلك، إلّا أنّه حيث كان وجوب أداء الدين مستلزما للتصرّف فى العين، و متوقّفا على ذلك، كان الواجب عقلا- إذا لم نقل بوجوب المقدّمة شرعا- هو وفاء الدين من عين المال المذكور، و بناء على القول بوجوبها شرعا، نلتزم بوجوب الوفاء من عين المال شرعا، فيقع التّعارض بين دليل وجوب أداء الدين- بناء على القول بوجوب المقدّمة شرعا- و دليل وجوب الزكاة. و بناء على عدم وجوب المقدّمة شرعا، يقع التزاحم بين الدليلين لا محالة. و الثاني هو الأشبه، و عليه فمع عدم الترجيح لأحد المتزاحمين على الآخر، يحكم بالتخيير في مقام الامتثال، فدعوى عدم المنافاة بين الحكمين، غير مسموعة.

و أمّا النصوص الدالّة على أنّ زكاة القرض على المقترض، فلا إطلاق لها لما إذا لم يكن عند المقترض سوى ما اقترضه من المال، كما هو المفروض، و ذلك لعدم كونها مسوقة لبيان هذه الجهة، و إنّما هي مسوقة لدفع ما ربما يتوهّم من أنّ المدين لا تجب عليه الزكاة، لأنّه كيف يجتمع الدين مع وجوب الزكاة!

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10 من تجب الزكاة عليه و من لا تجب عليه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 202

سواء كان مطالبا به أو لا، ما دامت عينها موجودة، بل لا يصحّ (306) وفاؤه بها بدفع تمام النصاب. نعم، مع تلفها و صيرورتها في الذمة

حالها حال سائر الديون، و أما زكاة التجارة (307)

______________________________

فالنصوص دفعت هذا التوهّم: بأنّه لا منافاة بين الأمرين في حدّ نفسه، و لا إطلاق لها لمورد المنافاة، كما فى الفرض. و كذلك يقال في صحيح زرارة و ضريس. و يشهد به قوله عليه السّلام فيه: «و إن كان أكثر ...»، إذ لو كانت الرواية ناظرة إلى مورد المزاحمة لم يكن موجب لافتراض زيادة الدين، بل كان ثبوت الدين بمقدار ما في يده كافيا في تحقّق المزاحمة، كما هو ظاهر.

فتحصل من ذلك: أنّ المسألة من موارد التزاحم، و لا بدّ من تحكيم قواعد التزاحم فيها.

هذا كلّه في فرض مطالبة الدائن، و أمّا مع عدم المطالبة فعدم التنافي و التزاحم بين الحكمين في غاية الوضوح.

(306) لأنّ تعلّق الزكاة بالعين يمنعه من التصرّف في متعلّق حقّ الفقراء، إلّا بأدائه إليهم.

(307) إذا قلنا بوجوب زكاة مال التجارة، مع المطالبة، بالدين، وقع التزاحم- لا محالة- بين الحكمين، و مقتضى القاعدة فيه- مع عدم الترجيح- هو التخيير. و أمّا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 203

فالدين المطالب به مقدّم عليها، حيث إنّها مستحبّة، سواء قلنا بتعلّقها بالعين أو بالقيمة، و أمّا مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضا، بل مع المطالبة (308)- أيضا- إذا أدّاها صحّت و أجزأت، و إن كان آثما من حيث ترك الواجب.

[مسألة 5: إذا كان مال التجارة أحد النصب الماليّة و اختلف مبدأ حولهما]

[مسألة 5]: إذا كان مال التجارة أحد النصب الماليّة و اختلف مبدأ حولهما، فإن تقدم حول المالية سقطت (309) الزكاة للتجارة،

______________________________

إذا قلنا باستحبابها، كان الدين مقدّما عليها، كما هو واضح. و أمّا مع عدم المطالبة، فيجوز تقديم زكاة مال التجارة لأنّ حكمها فعليّ، بخلاف وجوب أداء الدين، فإنّه ليس بفعليّ.

(308) هذا

مبنيّ على امكان الترتب، فإنّه بعصيان الأمر بأداء الدين يبقى الأمر بالزكاة على فعليّته. و لكنّه مبنيّ على جريان الترتب بين الواجبين، المشروط أحدهما بالقدرة شرعا، كوجوب الزكاة في محلّ الكلام، و هو محلّ إشكال و منع، كما حقّق ذلك في محلّه من بحث أصول الفقه.

(309) بناء على عدم تعلّق زكاتين بمال واحد، في عام واحد، بمعنى عدم صلاحيّة الزّمان الواحد- و لو كان بمقدار شهر مثلا- لزكاتين، و نتيجة ذلك هو عدم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 204

و إن انعكس، فإن أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت (310)، و إلّا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط (311) مال التجارة.

[مسألة 6: لو كان رأس المال أقل من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول]

[مسألة 6]: لو كان رأس المال أقل من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول، استأنف (312) الحول عند بلوغه.

______________________________

إمكان تعلّق زكاتين بمال واحد، مع اشتراكهما و لو في بعض الحول، فإنّه حينئذ تجب زكاة المال، لكونها أسبق زمانا من زكاة التجارة، و الأسبقيّة من المرجّحات كما تقدّم، و حينئذ فيسقط زكاة مال التجارة.

(310) لعدم بقاء الموضوع للماليّة، من جهة نقص النصاب في أثناء الحول.

(311) فإن قلنا بوجوب زكاة مال التجارة وقع التزاحم بين دليلي الزكاتين، و مقتضى القاعدة فيه- عند عدم المرجّح- هو التخيير، و إلّا قدّمت الماليّة، لعدم مزاحمة الاستحباب مع الوجوب. لكن قد عرفت عدم الفرق فى التزاحم بين الوجوب و الاستحباب، بناء على ما هو المفروض، من أنّه لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، حيث لا فرق- حينئذ- بين كون التزكية بأحد الوجهين استحبابيّا و عدمه. فتدبّر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 205

[مسألة 7: إذا كان له تجارتان، و لكلّ منهما رأس مال]

[مسألة 7]: إذا كان له تجارتان، و لكلّ منهما رأس مال (313) فلكلّ منهما شروطه و حكمه، فإن حصلت في إحداهما دون الأخرى استحبت فيها فقط، و لا يجبر خسران إحداهما بربح الأخرى.

[الثّاني: ممّا يستحبّ فيه الزكاة: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته]

الثّاني: ممّا يستحبّ فيه الزكاة: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض

______________________________

(312) لاعتبار النصاب في تمام الحول، فلا يكفي بلوغه حدّ النصاب في بعض الحول، كما تقدّم.

(313) كما إذا كان له تجارة الصوف- مثلا- و تجارة السّمن، بأن كان لكلّ من التجارتين رأس مال على حدة، فإن حصلت الشروط لكلتا التجارتين، وجبت الزكاتان أو استحبّتا- على الخلاف- و أمّا إذا حصلت الشروط لإحداهما فقط، ثبت حكمه فقط، وجوبا أو استحبابا. و لأجل تعدّد الموضوع لا مجال لجبران خسارة إحدى التجارتين بالأخرى.

و أمّا إذا كان له تجارة واحدة، بأن كان رأس المال للتجارة واحدا، و إن اتّجر به في أشياء عديدة، بأن اشترى برأس ماله أجناسا مختلفة، كما هو المتعارف في بائعي الجملة و المفرد من العطّارين، و البقّالين ...، فحينئذ يعتبر حصول الشروط للتجارة الواحدة، و تكون الخسارة- حينئذ- في بعض الأجناس، منجبرا- لا محالة- بالربح في البعض الآخر، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 206

الأرض، عدا الغلّات الأربع فإنّها واجبة فيها، و عدا الخضر، كالبقل، و الفواكه، و الباذنجان، و الخيار، و البطّيخ، و نحوها، ففي صحيحة زرارة: «عفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الخضر، قلت: و ما الخضر؟ قال عليه السّلام: كلّ شي ء لا يكون له بقاء: البقل، و البطّيخ، و الفواكه و شبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد ... «1»» و حكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحب فيه

الزكاة، حكم الغلّات الأربع، في قدر النصاب، و قدر ما يخرج منها، و في السقي، و الزرع، و نحو ذلك.

[الثالث: الخيل الإناث]

الثالث: الخيل الإناث، بشرط أن تكون سائمة، و يحول عليها الحول، و لا بأس بكونها عوامل، ففي العتاق منها- و هي الّتي تولّدت من عربيّين- كلّ سنة ديناران، هما مثقال و نصف صيرفيّ، و في البراذين كلّ سنة دينار، ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، و الظاهر ثبوتها حتّى مع الاشتراك، فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.

[الرابع: حاصل العقار المتّخذ للنماء]

الرابع: حاصل العقار المتّخذ للنماء، من البساتين، و الدكاكين،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 207

و المساكن، و الحمّامات، و الخانات، و نحوها. و الظاهر اشتراط النصاب و الحول، و القدر المخرج ربع العشر مثل النقدين.

[الخامس: الحلّي]

الخامس: الحلّي، و زكاته إعارته لمؤمن.

[السادس: المال الغائب، أو المدفون الّذي لا يتمكّن من التصرّف فيه]

السادس: المال الغائب، أو المدفون الّذي لا يتمكّن من التصرّف فيه، إذا حال عليه حولان أو أحوال، فيستحبّ زكاته لسنة واحدة بعد التمكّن.

[السابع: إذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة]

السابع: إذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة، فإنّه يستحبّ إخراج زكاته بعد الحول (314).

______________________________

(314) تقدّم الكلام فى الموارد المذكورة على سبيل الإجمال. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 209

[ [فصل في أصناف المستحقّين للزكاة]

اشارة

[فصل] في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها ثمانية (315):

______________________________

(315) بنصّ القرآن الكريم «1»، و إجماع المسلمين، كما عن بعضهم «2»، و فى «الشرائع «3»»: عدّها سبعة، بجعل الفقير و المسكين صنفا واحدا، و هو مخالف لما عرفت، مضافا إلى مخالفته لبعض النصوص الروائيّة «4»، الدالّة على أن الاصناف ثمانية.

______________________________

(1)- و هو قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة، 9: 60).

(2)- النراقي، ملا أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 44، ط إيران الحجريّة. و لاحظ: العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 130.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 159.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزّكاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 210

[الأوّل و الثاني: الفقير و المسكين]

اشارة

الأوّل و الثاني: الفقير و المسكين (316).

______________________________

(316) وقع الخلاف بينهم في اتّحادهما معنى و تغايرهما، و الظاهر هو عدم ترتّب ثمرة على البحث عنه في خصوص المقام، إلا على تقدير وجوب البسط على الأصناف، و هو خلاف التحقيق، كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه تعالى. نعم، البحث عن ذلك قد يثمر في مثل باب الكفّارات، و النذر، و الوقف، و نحو ذلك.

و تحقيق القول فيه أنّ المعنى اللغوي لهاتين الكلمتين و إن كان من المتلازمين، حيث أنّ الفقر- لغة «1»- بمعنى الحاجة، و هي تلازم الذلّة، كما أنّ المسكين من المسكنة، بمعنى الذلّة، إلّا أنّ المستفاد من بعض النصوص إنّما هو كون المسكين أخصّ من الفقير،

فالمسكين إنّما هو الفقير الّذي بلغ به الفقر إلى حدّ السؤال، فهو صنف خاصّ من الفقير، و هذا هو المشهور نصّا و فتوى «2». و يدلّ عليه صحيح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ- الآية، قال عليه السّلام: «الفقير الّذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم ... «3»، و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: أنّه سأله عن الفقير و المسكين، فقال: «الفقير الّذي لا يسأل، و

______________________________

(1)- الفراهيدي، الخليل بن أحمد: العين، ج 5: ص 150، ط الثانية، مؤسسة دار الهجرة، قم؛ الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 9: ص 113، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة؛ ابن منظور، محمد بن مكرّم: لسان العرب، ج 5: ص 60، ط دار صادر، بيروت؛ الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 3: 473، ط بولاق، مصر.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 211

..........

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 211

______________________________

المسكين الذي هو أجهد منه، الذي يسأل «1»».

ثمّ إنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه قال في «المسالك» ما لفظه: «اعلم إنّ الفقراء و المساكين متى ذكر أحدهما خاصّة دخل الآخر فيه، بغير خلاف. نصّ على ذلك جماعة، منهم الشيخ «2»

و العلّامة «3» كما في آية الكفّارة المخصوصة بالمسكين، فيدخل فيه الفقير، و إنّما الخلاف فيما لو جمعا، كما في آية الزكاة لا غير. و الأصحّ أنّهما حينئذ متغايران، لنصّ أهل اللغة «4» و صحيح أبي بصير ... «5»».

و استشكل ذلك «6» غير واحد «7» بأنّ هذا بعد ثبوت التغاير بين اللفظين مشكل، لأنّ إطلاق لفظ أحدهما و إرادة ما يعمّ الآخر مجاز، لا يصار إليه إلّا مع القرينة، و مع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته.

و أجاب المحقّق الهمداني قدّس سرّه عن الإشكال المذكور، بما حاصله «8»: أنّ الافتراق في مورد الاجتماع إنّما هو من جهة انصراف لفظ المسكين عرفا إلى ما هو أخصّ من الفقير، و هو الّذي ألجأته الحاجة إلى السؤال، و هذا لا ينافى اجتماعهما في مورد الافتراق، بأن يراد من خصوص المسكين- حينما ينفرد

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط: ج 1، ص 246، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

(3)- الحلّي، الحسن بن يوسف: نهاية الاحكام، ج 2: ص 379 ط مؤسسة إسماعيليان، قم.

(4)- الجوهري، اسماعيل بن حماد: صحاح اللغة، ج 2: ص 782، ط دار الملايين- بيروت.

(5)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 409، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم- إيران.

(6)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

(7)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 192، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم؛ البحراني الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 155، ط النجف الأشرف.

(8)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 85،

ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 212

و الثاني أسوأ حالا (317) من الأوّل. و الفقير الشرعيّ من لا يملك مئونة السنة له و لعياله (318) و الغنيّ الشرعيّ بخلافه.

______________________________

بالذكر، كما في آية الكفّارات «1» مثلا- مطلق الفقير، لأجل مناسبة الحكم و الموضوع و نحوها، من القرائن المانعة عن الانصراف إلى ما كان ينصرف إليه عرفا في فرض الاجتماع، ففي مثل آية الكفّارة مناسبة الحكم و الموضوع- نظرا إلى أنّ التصدّق إنّما يناسب كون المتصدّق عليه محتاجا و لا دخل للسؤال فيه أصلا- قاضية بإرادة مطلق الفقير من المساكين، كما هو ظاهر.

(317) كما هو المشهور نصّا و فتوى «2»، و دلّ عليه الخبران المتقدّمان أيضا، و ما عن بعضهم «3»، من القول: بأنّ الفقير أسوأ حالا من المسكين، فهو خلاف المشهور، و الخبران حجّة عليه. فلاحظ.

(318) الأقوال فى المسألة ثلاثة:

______________________________

(1)- و هي قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً- الآية (المجادلة، 58: 4).

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

(3)- ابن ادريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 456، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 128، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي؛ الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 246، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران؛ الجمل و العقود، ص 103، ط جامعة مشهد؛ ابن البرّاج، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 169، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم ايران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 213

..........

______________________________

الأوّل: ما فى المتن، و هو المنسوب

إلى الشهرة بين المتأخّرين «1»، بل مطلقا، كما ادّعي «2»، بل عن بعضهم «3»: نسبته إلى عامّة أصحابنا، و نسب ذلك- أيضا- إلى الشافعي «4»، و مالك «5» من العامّة، و هو مختار الشيخ قدّس سرّه، في أحد قوليه.

و استدلّ له بصحيح أبي بصير، أو حسنته بابن هاشم، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟! قال: زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من ستّة، فهذا يأخذها، و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا، و عنده ما تجب فيه الزكاة، أن يأخذ الزكاة «6»»، و رواية على بن اسماعيل الدغشي، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن السائل- و عنده قوت يوم- أ يحلّ له أن يسأل، و إن أعطي شيئا من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟

قال: «يأخذ- و عنده قوت شهر- ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة «7»»، و مرسل المفيد قدّس سرّه فى المقنعة عن يونس بن عمار، قال: سمعت

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 304، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 131.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 304، ط النجف الأشرف.

(4)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 7: ص 315، افست دار الكتاب العربى، لبنان؛ ابن قدامة المقدسى، محمّد بن أحمد: الشرح الكبير، ج 2: ص 693، افست دار الكتاب العربي، لبنان.

(5)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني،

ج 2: ص 523، افست دار الكتاب العربي، لبنان؛ ابن قدامة المقدسي، محمّد بن أحمد: الشرح الكبير، ج 2: ص 693، افست دار الكتاب العربي، لبنان؛ الجزيري، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: ص 622، افست دار احياء التراث العربي، لبنان.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(7)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 214

..........

______________________________

أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و يجب الفطرة على من عنده قوت السنة ... «1»»

الثاني: ما عن الشيخ قدّس سرّه- أيضا- «2»، من «أنّ الضابط من يملك نصابا من الأثمان- أي النقدين- أو قيمة، فاضلا عن مسكنه و خادمه ...»، و نسب ذلك

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8 المستحقين للزكاة، ح 10.

(2)- هذه عبارة العلامة قدّس سرّه فى «التذكرة»، حيث قال: «و القول الثاني للشيخ أنّ الضابط ...» (ج 5: ص 240، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

و قال فى «المنتهى»: «فقال الشيخ فى «الخلاف»: الغنىّ من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمته، و جعله فى «المبسوط» قولا لبعض أصحابنا ...» (ج 2: ص 517، ط إيران الحجريّة). و تابعه فى ذلك جملة ممّن تأخّر عنه قدّس سرّه «مدارك الأحكام» للسيّد العاملي (ج 5: ص 193، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم)؛ «مجمع الفائدة و البرهان» للمقدّس الأردبيلي (ج 4، ص 150، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم)؛ «مصباح الفقيه» للفقيه الهمداني (ج 3/ كتاب الزكاة: ص 86، ط إيران الحجريّة)؛ و غير ذلك.

هذا، و لكن الأمر ليس كذلك في كلّ

من كتابي الشيخ قدّس سرّه «المبسوط» و «الخلاف»، و إليك كلامه قدّس سرّه في كتاب «المبسوط»، قال: «و الغنى الّذي يحرم معه أخذ الصدقة، أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزم كفايته على الدّوام ...- إلى أن قال:- و في أصحابنا من قال: إن ملك نصابا تجب عليه فيه الزكاة كان غنيّا و تحرم عليه الصدقة، و ذلك قول أبي حنيفة ...» (ج 1: ص 257). و قال في كتاب «الخلاف»: «حدّ الغنى الّذي يحرم معه الزكاة عليه أن يكون له كسب يعود عليه بقدر كفايته لنفقته، و نفقة من تلزمه النفقة عليه، أو له عقار يعود عليه ذلك القدر، أو مال يكتسب به ذلك القدر ...- إلى أن قال:- و ذهب أبو حنيفة إلى أن حدّ الغنى الّذي يحرم به الصدقة أن يملك نصابا تجب فيه الصدقة، إمّا مائتي درهم، أو عشرين دينارا ...- إلى أن قال:- و ذهب قوم من أصحابنا إلى أن من ملك النصاب حرمت عليه الزكاة ...» (ج 4: ص 238، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم).

و العجب من العلامة قدّس سرّه حيث قال في كتابه «مختلف الشيعة» ما لفظه: «مسألة: الغنيّ الّذي يحرم عليه أخذ الصدقة باعتبار الفقر، هو أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من تلزمه كفايته على الدوام ...- إلى أن قال:- هكذا قاله الشيخ فى «المبسوط» ...». ثمّ قال:

«قال- أي الشيخ-: و في أصحابنا من قال: إنّ من ملك نصابا يجب عليه فيه الزكاة كان غنيّا تحرم عليه الصدقة» (ج 3: ص 214، ط مؤسسة النشر الإسلامي- قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 215

..........

______________________________

الى أبي حنيفة «1» أيضا.

و استدلّ له

بالنبويّ العاميّ، المرويّ مضمونه في نصوصنا- أيضا-، كما في عن «الجواهر «2»» أنّه صلى اللّه عليه و آله قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أنّ اللّه قد فرض عليهم خمس صلوات فى اليوم و الليلة، فإن هم اطاعوا لذلك فاعلمهم: أنّ اللّه فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم «3»، بتقريب: أنّ الغني- بمقتضى هذه الرواية- هو من وجب عليه الزكاة، فإذا كان مالكا للنصاب من الأثمان أو القيمة، وجبت عليه الزكاة، فهو غني، فلا يجوز له أن يعطي من الزكاة.

و يرد على الاستدلال به أوّلا: أنّ الخبر ضعيف السند لكونه عاميّا، مرسلا.

و ثانيا: أنّه لا اختصاص للرواية بما إذا كان الشخص مالكا لإحدى النصب الزكويّة من الأثمان- أي النقدين- كما هو المدّعى، بل هي- على تقدير التسليم باعتبارها- عامّة لكلّ من يملك نصبا من الأموال الزكويّة، بلا فرق في ذلك بين كون النصاب المذكور من الأثمان أو من غيرها.

______________________________

(1)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 524، افست دار الكتاب العربي، لبنان؛ المغني، ج 7: ص 315؛ القرطبي، محمّد بن أحمد: بداية المجتهد، ج 1: ص 285، ط مكتبة الكلّيات الأزهريّة، مصر.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 306، ط النجف الأشرف.

(3)- البخاري: الصحيح، ج 2: ص 147، ط اليونينيّة؛ مسلم: الصحيح، ج 1/ كتاب الإيمان:

باب الدعاء إلى الشهادتين، ص 50/ ح 19؛ أبوا داود: السنن، ج 2/ كتاب الزكاة: باب زكاة السائمة، ح 1584؛ الترمذي: السنن،

ج 3/ كتاب الزكاة: الباب 6، ح 625؛ النسائي:

السنن، ج 5: ص 2، ط المكتبة التجاريّة، مصر؛ البيهقي: السنن، ج 4: ص 101، ط حيدرآباد- الهند.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 216

..........

______________________________

و الحاصل، أنّ مفاد الرواية هو وجوب الزكاة على من يملك نصبا من الأموال الزكويّة، و تدلّ على جواز اعطاء الزكاة له بالتقريب المتقدّم، و هو أجنبيّ عن المدّعى، و هو عدم جواز إعطاء الزكاة لمن يملك نصابا من خصوص الأثمان، أو ما يساويه بحسب القيمة.

و ثالثا: إنّه- بناء على ما تحقّق في محلّه- من أنّ الدين لا يمنع عن تعلّق الزكاة بالعين، فقد يكون مالك النصاب مشغول الذمّة بثمنه أو أضعاف أضعافه، مع كونه محتاجا بالفعل إلى نفقة أكثر من قيمة النصاب، فإنّ مثل هذا لا يمكن أن يكون من الأغنياء، لا عرفا و لا شرعا، بل لا ينبغي الإشكال في فقره، و عليه، فلا بدّ من حمل الخبر- بعد فرض الغمض عن السند- على المورد الغالب.

فلاحظ.

و استدلّ له أيضا «1»: بالتنافي بين وجوب دفع الزكاة عليه و جواز أخذها له. و يرد عليه: عدم المنافاة بين الأمرين أصلا، كما لا يخفى.

الثالث: ما عن «المفاتيح «2»»، حاكيا له عن الشيخ فى «المبسوط «3»»، من أنّ الفقير من لم يقدر على كفايته و كفاية من يلزمه من عياله عادة، على الدوام. و هذا القول ممّا لم يظهر لنا دليله، مع كونه خلاف المذهب المشهور، و هو مردود- أيضا- بالأخبار المتظافرة المتقدّمة. فالصحيح هو المذهب المشهور، و هو أنّ الفقير من لا يملك ما يقوم بكفايته و كفاية عياله حولا، كما اختاره المصنّف قدّس سرّه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام،

ج 15: ص 306، ط النجف الأشرف.

(2)- الكاشاني، محمّد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 204، ط مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 256، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 217

فمن كان عنده ضيعة، أو عقار، أو مواش، أو نحو ذلك، تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة، لا يجوز له أخذ الزكاة، و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمئونته (319)، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله، و إن كان لسنة واحدة (320)؛ و أمّا إذا كان اقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها، و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية، و نقص عنه- بعد صرف بعضه في أثناء السنة- يجوز له الأخذ، و لا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتّى يتمّ ما عنده، ففي كلّ وقت ليس عنده مقدار الكفاية

______________________________

(319) بلا إشكال، كما تقتضيه النصوص المتقدّمة «1»، لكونه غنيّا بالقوّة.

(320) لا بدّ و أن يكون المفروض حينئذ هو عدم كون النقد أو الجنس رأس المال، و إلّا كان الاعتبار بكفاية ربحه بمئونة سنته، لا كفاية نفسه كذلك، كما أفاده قدّس سرّه فى الفرع السّابق، و الوجه فيه ظاهر، فإنّ الفقير- كما دلّت عليه النصوص- إنّما هو من لا يملك قوّة سنته، و هذا غنيّ بالفعل، لكونه- حسب الفرض- مالكا له.

______________________________

(1)- صفحة 213- 214.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 218

المذكورة يجوز له الأخذ (321)، و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصّل منهما مقدار مئونته، و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا

لم يفعل تكاسلا (322).

______________________________

(321) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المعتبر إنّما هو الفقر حال الدفع و الإعطاء، فإذا كان الفقير الشرعي- على ما دلّت عليه النصوص السابقة- عبارة عمّن لا يملك مئونة سنة واحدة، فلا محالة يحسب مبدأ السنة من حين الإعطاء، فلو فرضناه مالكا لذلك، ثمّ صرف منه بمقدار ينقص به ما عنده عن مئونة السنة، جاز له- حينئذ- أخذ الزكاة، لصدق عنوان الفقير عليه بالفعل.

(322) صور المسألة ثلاث:

الأولى: ما إذا كان ذو الصنعة أو الكسب مشغولا بذلك بالفعل، و هذا لا يجوز له الأخذ من الزكاة، بلا خلاف فيه على الظاهر، بل لعلّه من المجمع عليه، كما استقر به بعضهم «1». و يدلّ عليه صحيح زرارة- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف، و لا لذى مرّة سويّ قويّ، فتنزّهوا عنها «2»»، و صحيحه الآخر المرويّ عنه في «معانى الأخبار»، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ، و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 312، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 219

..........

______________________________

لا لذى مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ. قلنا: ما معنى هذا؟ قال: لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها «1»».

الثانية: ما إذا لم تساعده الظروف، أو بعض العوامل الخارجيّة الأخر في بعض السنة- كاختلاف فصول السنة مثلا- على الاشتغال بصنعته أو كسبه، مع اشتغاله فى البعض الآخر من السنة،

فقد يقال فيه بجواز أخذه الزكاة، فقد استشكل فى «الجواهر «2»»: كون القدرة على الكسب اللائق بحاله الوافي بمئونته، ما لم يكن بالفعل مشغولا بحرفته و كسبه، مانعا عن جواز تناول الزكاة، بل قوّى عدمه، نظرا إلى عدم خروجه- بذلك- عن حدّ الفقير الّذي وضع له الزكاة. و لكنّه لا يخلو عن اشكال، فإنّ الرّوايات المتقدّمة تكون مفسّرة لا محالة للنصوص الدالّة على اعتبار الفقر في أخذ الزكاة، فتكون النتيجة- بعد ضمّها إليها- هي أنّ المحترف، و من كان ذو مرّة سوّي، فهو ليس من الفقير، فلا يجوز له أخذ الزكاة. و بالأخير: إنّه- بمقتضى النصوص المتقدّمة- تكون هذا الصورة خارجة عن موارد جواز اخذ الزكاة، كما لا يخفى.

و عن شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه ما لفظه: «و لو ترك المحترف الحرفة فاحتاج في زمان لا يقدر عليها، كما لو ترك العمل نهارا فاحتاج ليلا، و كما لو ترك البنّاء عمل البناء فى الصيف فاحتاج فى الشتاء، مع عدم حصول ذلك العمل له، فيه إشكال، من صدق الفقر عليه، و أنّه لا يقدر فى الحال على ما يكفّ به نفسه عن الزكاة، فيعمّه أدلّة جواز الأخذ. و من صدق المحترف و ذي المرّة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 8.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 312- 314، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 220

..........

______________________________

السّوي عليه، فيشمله أدلّة المنع، و هو الأقوى، لعدم معلوميّة صدق الفقير عليه، و إلّا لصدق على المحبوس الغنيّ، و لم يجعل ابن السبيل قسيما للفقير فى الكتاب و السنة». ثمّ قال: «لكن الإنصاف: إنّه

لو لم ينعقد الإجماع على الخلاف قوى القول بجواز الدفع إلى كل محتاج في آن حاجته، و إن عرض له في زمان يسير و لو بسوء اختياره ... «1»».

و فيه ما لا يخفى من وجوه النظر، أمّا:

أوّلا: فلأنّه يصدق عليه أنّه ذو مرّة سويّ، كما اعترف به قدّس سرّه، و هو ممّن لا يجوز له- بمقتضى النصوص- أخذ الزّكاة و لا ينافيه صدق عنوان «الفقير» عليه عرفا، فإنّ من يجوز له أخذ الزكاة- بملاحظة النصوص- ليس هو الفقير فقط، بل الفقير الّذي لا يكون ذو مرّة سويّ.

و ثانيا: إن جعل «ابن السبيل»- فى الآية الكريمة- قسيما للفقير إنّما هو لأجل بعض الخصوصيّات المعتبرة فيه دون الفقير، كما ستأتى الإشارة إليه إن شاء اللّه تعالى، و إلّا فإنّه من المعلوم أنّ المعتبر في «ابن السّبيل» هو الغنى، و كونه مالكا لمئونة سنته فما زاد، كما لا يخفى.

و ثالثا: إنّ حصول الإجماع على الخلاف غير متحقّق، كما لا يخفى ذلك على الناظر المتتبّع. و عليه فالصّحيح: الاستناد- فى المنع عن أخذ الزكاة،- إلى ما ذكرناه. فلاحظ.

هذا، و يمكن المناقشة في شمول النصوص المانعة لمثل المقام، بأنّ «المحترف»، و «ذو المرّة السويّ» ممّا فسّرا في بعض النّصوص، بما يمنع تلكم النصوص عن

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، صص 270- 271، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 221

[مسألة 1: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمئونته لكن عينه تكفيه]

[مسألة 1]: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمئونته لكن عينه تكفيه، لا يجب عليه صرفها في مئونته، بل يجوز له ابقاؤه للاتّجار به و أخذ البقيّة من الزكاة (323)،

______________________________

شمول المقام، و هو صحيح زرارة، المرويّ فى «معانى

الأخبار» عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ. قلنا: ما معنى هذا؟ قال: لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها «1»».

إذ من المعلوم: هو عدم قدرة الشخص- في مفروض الكلام- على كفّ نفسه عن أخذ الزّكاة.

الثالثة: ما إذا كان قادرا على الصنعة أو الكسب اللائق بحاله، الوافى بمئونته، و كان الاشتغال الفعلي بذلك ميسورا له- أيضا- إلّا أنّه ترك الاشتغال تكاسلا و من جهة البطالة، و الظاهر أنّ جواز أخذ الزكاة فى الصورة المذكورة أشدّ إشكالا منه فى الصورة السابقة.

(323) الضابط فى الخروج عن حدّ الفقر فى الكاسب إنّما هو قيام الربح بمئونته، لا قيام أصل رأس المال بذلك، لا مستقلا، و لا منضما إلى الربح، و يدلّ عليه جملة من النصوص، كموثق سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 222

..........

______________________________

لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: «نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة، فخرج له من غلّته دارهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا «1»»؛ و خبر إسماعيل عبد العزيز، عن أبيه، قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال له أبو بصير: إنّ لنا صديقا- إلى أن قال:- و

له دار تسوى بأربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقى على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى أربعة سوى علف الجمل، و له عيال، أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: «نعم، قال: و له هذا العروض؟! فقال: يا أبا محمّد، فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع خادمه الّذي يقيه الحرّ و البرد، و يصون وجهه و وجه عياله، أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوّته، بل يأخذ الزكاة، فهي له حلال، و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله «2»»، و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم، و له عيال، و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال: «لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقيّة من الزكاة، و يتصرّف بهذه لا ينفقها «3»»، و خبر هارون بن حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يروى عن النّبي صلى اللّه عليه و آله، أنّه قال: لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذى مرّة سوىّ، فقال: «لا تصلح لغنيّ، قال: فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال، فإن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 12: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 223

..........

______________________________

أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها؟

قال: فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله «1»»، و خبر أبي بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف، و له عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمّد، أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم، قال: كم يفضل؟ قال: لا أدري، قال: إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة. قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى، قال: قلت: كيف يصنع؟ قال: يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم، و يبقي منها شيئا يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالنّاس «2»».

و المستفاد من النصوص- كما يلاحظها المتأمّل- إنّما هو عدم الاعتداد بكفاية رأس المال له و لعياله فى الخروج عن حدّ الفقر، ما دام لم يكفه الربح، كما هو ظاهر. نعم، مقتضى خبر أبي بصير عدم جواز الأخذ من الزكاة فيما إذا كان الفاضل من الربح بمقدار نصف القوت و جوازه في ما إذا كان بأقلّ منه، و هذا مخالف لمقتضى النصوص المتقدّمة، بل هو على خلاف الإجماع- كما عن بعضهم «3»- حيث إنّ مقتضى النصوص المتقدّمة، و فتوى الأصحاب، هو عدم جواز الأخذ في فرض كفاية الربح و إن لم يفضل منه أصلا، فلا بدّ من حمله على أنّ المراد من الفاضل بمقدار نصف القوت، ما يكون داخلا فى المئونة، غايته أن المئونة قد تكون قوتا، و قد تكون غيره، كبعض المصارف الاتّفاقيّة غير المعلومة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 312، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

الطارئة أثناء الحول، و عليه فاعتبار زيادة نصف القوت إنّما هو بلحاظ ما ذكر، لا لأجل اعتبار الفضل- بالمقدار المذكور- في عدم جواز الأخذ من الزكاة، كي يكون ذلك على خلاف النصوص و الفتاوى. كما أنّ ما في ذيله من السؤال عن كيفيّة تصرفه فى الزكاة المفروضة عليه، و جواب الإمام عليه السّلام إيّاه بصرف مقدار منها فى التوسعة على عياله و إيصال البقيّة إلى غيرهم ممّا لا محذور فيه أصلا، فإنّ المراد بالزكاة فى الرواية هي الزكاة المستحبّة في مال التجارة و لا محذور فيما ذكر في مثلها أصلا. فتأمّل «1».

نعم، ربما يقال بالتنافي بين الرّوايات المذكورة و بين موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما، فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال: إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أمّا صاحب الخمسين فانّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها، و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه «2»»، و نحوه مصحّح أبي بصير «3»، فإنّ مفهوم الصدر إنّما هو عدم جواز الأخذ من الزكاة إذا كان رأس المال ممّا فيه الكفاية له و لعياله. هذا، و لكنّه لا بدّ من حمل الخبرين- بقرينة المقابلة مع المحترف- على أنّ السبعمائة لم

تكن رأس المال، فلا منافاة حينئذ بين الطائفتين، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- أقول: هذا الحمل مناف لظاهر السؤال: «فعليه في ماله زكاة تلزمه ...» الظاهر فى الوجوب، لقوله: «تلزمه»، مضافا إلى أنّه لا يوجّه به الخبر على مذهب من يقول بوجوب الزكاة في مال التجارة ....

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 225

و كذا لو كان صاحب صنعة (324) تقوم آلاتها، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمئونته، و لكن لا يكفيه الحاصل منهما، لا يجب عليه بيعها و صرف العوض فى المئونة، بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقيّة المئونة.

[مسألة 2: يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة]

[مسألة 2]: يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة (325)، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة، و كذا فى الكاسب الّذي لا يفي كسبه بمئونة سنته، أو صاحب الضيعة الّتي لا تفي حاصلها، أو التاجر الّذي لا يفي ربح تجارته بمئونة سنته، و لا يلزم الاقتصار على اعطاء التتمّة، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل يجوز جعله غنيّا عرفيّا.

______________________________

(324) لا فرق بين الفرعين فى الحكم، كما يستفاد ذلك من النصوص المتقدّمة، و يدلّ على الحكم في خصوص صاحب الضيعة موثق سماعة الأوّل، المتقدّم «1»، فلاحظ.

(325) المشهور «2» هو جواز إعطاء الفقير أزيد من مقدار مئونة السنة، دفعة

______________________________

(1)- صص 221- 222.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 160، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 315، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

واحدة، و

كذا إعطاء الكاسب الّذي لا يفي ربح تجارته بمئونته أزيد من المتمّم لمئونة سنته، دفعة واحدة، و استدلّ له بإطلاق النصوص المرخّصة فى الإعطاء بحدّ الإغناء، كصحيح سعيد بن غزوان- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تعطيه من الزكاة حتّى تغنيه «1»»، و مثله: روايته الأخرى- الّتي رواها الشيخ قدّس سرّه فى «التهذيب»- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته: كم يعطى الرّجل الواحد من الزكاة؟ قال: «أعطه من الزكاة حتّى تغنيه «2»»، و موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «إذا أعطيت فاغنه «3»»، و موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبى الحسن موسى عليه السّلام، قال: قلت له: أعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال: «نعم، و زده، قلت: أعطه مائة؟ قال: نعم، و اغنه إن قدرت على أن تغنيه «4»»، و قريب منه موثّقته الأخرى «5»، و رواية عاصم بن حميد، عن أبي بصير، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ شيخا من أصحابنا يقال له: عمر، سأل عيسى بن أعين- و هو محتاج- فقال عيسى بن أعين: أما إنّ عندي من الزكاة و لكن لا أعطيك منها، فقال له: و لم؟! فقال له: لأنّي رأيتك اشتريت لحما و تمرا، فقال: إنّما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما، و بدانقين تمرا، ثمّ رجعت بدانقين لحاجة، قال:

فوضع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده على جبهته ساعة ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر في أموال الأغنياء، ثمّ نظر فى الفقراء، فجعل في أموال

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/

باب 24: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى، فليعطه ما يأكل، و يشرب، و يتزوّج، و يتصدّق، و يحجّ «1»».

و استدلّ للقول الآخر بوجهين:

الأوّل: إنّ الزكاة إنّما شرّعت لسدّ حاجة الفقراء و رفع الفاقة عنهم، و لا يقتضي هذا استحقاق الفقير أكثر من مقدار مئونته، بل يقتضي عدمه، فإنّ مقتضى الملاك المذكور إنّما هو إعطاء الفقير من الزكاة بمقدار يخرج به عن حدّ الفقر، و هو إنّما يكون باعطائه بمقدار مئونة سنته، و أمّا الزائد على ذلك فلا. و الحاصل، أنّ مصرف الزكاة إذا كانوا هم الفقراء- مثلا- و فرضنا أنّ الملاك في تشريعها إنّما هو رفع حاجتهم و سدّ فاقتهم، فلا محالة يكون مقتضى ذلك إنّما هو جواز الإعطاء إلى حدّ يرتفع به الفقر و الحاجة و الفاقة، و هو إنّما يكون بالإعطاء بمقدار مئونة سنة واحدة. و يؤيّد ذلك: ما دلّ من الروايات على أنّ «اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الّذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم «2»».

الثاني: الروايات المتقدّمة «3» الواردة فى ذى الكسب القاصر، الدّالة على أنّه يجوز له أخذ التتمّة من الزكاة، ففي صحيح معاوية بن وهب: «و يأخذ البقيّة من الزكاة»، و في خبر هارون بن حمزة، قال عليه السّلام: «فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله»، و في موثّق سماعة: «إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها

بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 1: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

(3)- صص 221- 222.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 228

..........

______________________________

ليأخذها لعياله»، و غير ذلك ممّا يستفاد منه عدم جواز أخذ أكثر من التتمّة دفعة واحدة.

و ممّا يؤيّد ذلك: رواية علي بن إسماعيل الدغشي المتقدّمة «1»، الدالّة على أنّ الفقير الّذي عنده قوت شهر أو شهرين له أن يأخذ من الزكاة، معلّلا ذلك:

بأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة، حيث يفهم من التعليل عدم استحقاقه لما زاد عن مئونة سنته، كما لا يخفى.

و تحقيق الكلام في مقامين:

الأوّل: ما تقتضيه القاعدة بالنظر إلى الأدلّة العامّة.

لا ينبغى الإشكال في أنّ القاعدة، بالنظر إلى الأدلّة العامة الدالّة على جواز اعطاء الفقير الزكاة، تقتضي ما ذهب إليه المشهور، فإنّها إنّما دلّت على أنّ الفقير من جملة مصارف الزكاة، من دون تقييد فيها للمقدار المعطى بحدّ معين؛ و بكلمة واضحة، لا يستفاد منها أكثر من تحديد المعطى له بالفقر، دون تحديد المعطى- بالفتح- بعدم زيادته على مئونة السنة، كما هو ظاهر.

الثاني: ما هو مقتضى الأدلّة الخاصّة.

قد تقدّم الاستدلال بجملة من الروايات لكلّ من القولين، إلّا أنّ دقيق النظر يقضى بأن يقال: إن ما استدلّ به للقول بعدم جواز الإعطاء بأزيد من مئونة السنة من النصوص ممّا يقبل المناقشة في دلالتها، نظرا إلى أنّ النصوص الواردة في ذى الكسب القاصر، الدالّة على جواز أخذه التتمّة من الزكاة، كقوله عليه السّلام: «و يأخذ البقيّة ...»، و نحو ذلك غير ناظرة؛ إلّا إلى جهة معيّنة و هي جواز أخذ

التتمّة من الزكاة، و ليست هي في مقام بيان ما هو الجائز من جميع الجهات، ليكون مفاد

______________________________

(1)- ص 213.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 229

..........

______________________________

النصوص- بحسب سوقها مساق التحديد- عدم جواز أخذ الزائد على ذلك، كما لا يخفى. و على الإجمال، الروايات المذكورة لا دلالة لها على المدّعى، بل غاية ما فى الباب هو الإشعار بذلك، كما صرّح بذلك الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه أيضا «1».

فالصحيح فى الاستدلال لهذا القول هو الاستدلال الوجه الأوّل من الوجهين.

و أمّا ما استدلّ به للمذهب المشهور، فما قيل «2» في مقام الجمع بينه و بين الطائفة المعارضة له وجهان:

أحدهما: إنّ المراد بالغني فى النصوص الدالّة على جواز الإعطاء إلى حدّ الإغناء إنّما هو المعنى المصطلح عليه لهذه الكلمة في نظر الشارع، و هو المقابل للفقر الشرعي المسوّغ لأخذ الزكاة، أعني به: غير القادر على مئونة سنته فعلا و قوّة؛ و ذلك، بملاحظة النصوص «3» الدالّة على تفسير الفقر المأخوذ في جملة مصارف الزكاة، و عليه، فالروايات الدالّة على عدم جواز الزائد على مقدار المئونة تكون مؤيّدة و موافقة المضمون مع الدالّة على عدم جواز الزائد على مقدار المئونة تكون مؤيّدة و موافقة المضمون مع الدالّة على جواز الإعطاء بحدّ الإغناء، لأنّ إعطاء المتمّم لمئونة السنة يوجب الغنى شرعا، لا أنّها تكون منافية لها، كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أنّه لا دليل على التصرّف فى النصوص المذكورة، بحمل «الغنى» فيها على المعنى الشرعي و صرفه عن المعنى اللغوي و العرفي، بمجرّد تفسير الفقر في طائفة اخرى من النصوص، و ذلك: فإنّ من الممكن أن يكون الفقر المسوّغ لأخذ الزكاة هو عدم القدرة على مئونة السنة،

و مع ذلك يجوز

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 90، ط إيران الحجريّة.

(2)- المصدر.

(3)- تقدّمت في صفحة 210.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

إعطاءه من الزكاة بحدّ يحصل له الغنى العرفيّ، الّذي يكون ذلك باعطائه أكثر من مئونة السنة جزما، كما هو ظاهر، فمجرّد كون الفقر المأخوذ فى المقام عبارة عن عدم التمكّن من مئونة السنة لا يكون دليلا على أنّ الغنى المأخوذ فى النصوص المتقدّمة إنّما هو ما يقابل هذا الفقر، دون الغنى العرفيّ.

و ثانيهما: إنّ ما دلّ على عدم جواز الأخذ زائدا على مقدار المئونة لا يقاوم- بحسب الدلالة- النصوص الدالّة على جواز الإعطاء بحدّ الإغناء، فإنّ المقابلة بينهما إمّا أن يكون من تقابل الإشعار و الدلالة، أو من تقابل الظهور و النصّ، و ذلك: لأنّ ما دلّ على الإعطاء بحدّ الإغناء نصّ- أو قريب منه- فى الدلالة على جواز الأخذ زائدا على مقدار المئونة، مؤيّدا بما في خبر أبي بصير «1» من جواز الإعطاء للحجّ و التصدّق، ممّا هو خارج عن المئونة، كما لا يخفى. و حينئذ فلا بدّ من حمل ما دلّ على عدم الجواز على الكراهة، و نحو ذلك من المحامل، تحكيما للدلالة و النص على الإشعار و الظهور.

و التحقيق أن يقال: أمّا فيما دلّ على جواز الإعطاء بحدّ الإغناء، فبأنّ المراد بالغنى فيه إنّما هو الغنى بالمعنى الشرعيّ دون العرفيّ، و لكن لا بتقريب يرد عليه ما تقدّم، بل بتقريب اخر، و حاصله: أنّ المفروض في نفس هذه الروايات إنّما هو عنوان الفقر، باعتبار أنّ موردها إنّما هو إعطاء الفقير من الزكاة، و حيث أنّ الفقير هو من

لا يقدر على مئونة سنته، فلا محالة يكون المراد باعطاءه إلى حدّ الإغناء الإعطاء إلى الحدّ المخرج له عن الفقر بالمعنى المذكور، فيكون المراد الغنى بالمعنى المقابل للفقر باصطلاح الشارع لا محالة، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- تقدّم في صفحة 224- 225.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 231

و إن كان الأحوط الاقتصار (326).

______________________________

و أمّا خبر أبي بصير، فمن البعيد- بعد الوقوف على الملاك الموجب لتشريع الزكاة و هو سدّ عوز الفقراء و دفع حاجتهم- حمله على ظاهره، فلا بدّ و أن يصرف عن ذلك، بأن يراد- بالصدقة المذكورة فيه- التصدّق الّذي يكون تركه منافيا لشأن الشخص و مقامه، فإنّ مثل هذا ممّا يعد من المئونة عرفا، كما لا يخفى.

و يراد بالحجّ خصوص ما إذا استقرّ الحجّ عليه، و لم يتمكّن من ذلك بالفعل لزوال الاستطاعة عنه، و عدم القدرة على الحجّ متسكعا، فإنّ ذلك- حينئذ- لعلّه من المئونة بنظر العرف أيضا. و على الإجمال، المحامل المذكورة و إن كانت على خلاف الظاهر الأوّلي بلا اشكال، إلّا أنّه لا بدّ لنا من المصير إليها بعد العلم بأنّ إعطاء الزكاة بمقدار يفي بالصدقة و الحجّ الاستحبابيّين ممّا يتنافى و ملاك وجوب الزكاة فى الشريعة المقدّسة، كما لا يخفى.

و المتحصّل من ذلك كلّه هو عدم جواز الإعطاء بأزيد من مقدار مئونة لسنة، للوجه الأوّل من الوجهين اللّذين استدلّ بهما لهذا القول، كما تقدّم. و أمّا الوجه الثاني، فقد عرفت المناقشة فيه آنفا، فلاحظ.

(326) قد عرفت أنّه الظاهر من الأدلّة العامّة، بملاحظة ملاك تشريع الحكم المستفاد منها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 232

نعم، لو أعطاه دفعات لا يجوز- بعد أن حصل (327) عنده

مئونة السنة- أن يعطى شيئا و لو قليلا، ما دام كذلك.

[مسألة 3: دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله]

[مسألة 3]: دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله- و لو لعزّه و شرفه- لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها (328)، بل و لو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها، و كذا الثياب و الألبسة الصيفيّة و الشتوية، السفريّة و الحضريّة.

______________________________

(327) لصيرورته غنيّا بذلك، مع أنّ المعتبر فى المعطى إليه هو الفقر حال الإعطاء، كما لا يخفى.

(328) فى «الجواهر «1»»: «بلا خلاف فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه»، و يدلّ عليه جملة من النصوص، كموثّق سماعة المتقدّم «2»، الدالّ على جواز أخذ صاحب الدار و الخادم من الزكاة، و مصحّح ابن أذينة، عن غير واحد، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: أنّهما سئلا عن الرّجل يكون له دار و خادم أو عبد، أ يقبل الزكاة؟ قالا: «نعم، إنّ الدار و الخادم ليسا بمال «3»»، و خبر عبد العزيز بن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام: ج 15: ص 318، ط النجف الأشرف.

(2)- صفحة 221- 222.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 9: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 233

و لو كانت للتجمّل (329)، و أثاث البيت، من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج إليه، فلا يجب بيعها فى المئونة، بل لو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها (330)، و كذا يجوز أخذها لشراء الدار، و الخادم، و فرس الركوب، و الكتب العلميّة و نحوها، مع الحاجة إليها؛ نعم، لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله وجب صرفه

في

______________________________

المهتدى المتقدّم «1»، فإنّ المستفاد من مجموع النصوص المذكورة هو: إنّ ما كانت الحاجة ماسّة إليه من لوازم المعيشة، و لو كان ذلك باعتبار دخله فى الحفاظ على عزّه و شرفه اللذين يلزمه أن يصونهما، لم يكن مانعا من أخذ الزكاة.

(329) إن أريد من التجمّل ما يحتاج إليه حفظا لشرفه فهو، و قد عرفت الوجه فيه، و إلّا فلا وجه له، كما لا يخفى.

(330) لصيرورة ذلك من جمله النفقة حينئذ.

______________________________

(1)- صفحة 222.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 234

المئونة (331)، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته، و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته، وجب بيعه (332).

______________________________

(331) علّق بعض المحشّين «1» على قوله: «وجب صرفه ...» ما نصّه: «لا يجب عليه ذلك؛ نعم، إن كان الزائد يفى بمئونة سنته حرم عليه الزكاة، و كذا الكلام فى الدار».

هذا و لا يخفى أنّ المراد بالوجوب في كلام المصنّف قدّس سرّه ليس هو الوجوب التكليفي الشرعيّ، كي يرد عليه أنّه حينئذ يحرم عليه أخذ الزكاة، لا أنّه يجب عليه الصرف فى المئونة، لأنّ مصرف الزكاة هو الفقير، و هو من لا يجد مئونة سنته فعلا و لا قوّة، و هذا ليس كذلك.

بل المراد به الوجوب المقدميّ العقليّ لحفظ النفس من الهلكة، بعد فرض عدم وجود طريق آخر- من الزكاة و نحوها- إلى ذلك.

(332) و لعلّ الوجه في ذلك، ما في رواية عبد العزيز المتقدّمة «2»: «... فتأمرني أن آمره أن يبيع داره و هي عزّه، و مسقط رأسه ...»، الظاهر في كون الملاك في استثناء الدار إنّما هو كون عزّا للمرء و شرفا، و على هذا، فالمستثنى إنّما يكون بالمقدار الّذي يكون بيعه

موجبا لزوال العزّ، فإذا فرضنا أنّ بيع الزائد من مقدار الحاجة في دار واحدة- كما إذا كان الزائد منفصلا- لا ينافى عزّ المرء و شرفه،

______________________________

(1)- الفقيه المرحوم السيّد عبد الهادي الشيرازي قدّس سرّه.

(2)- تقدّمت في صفحة 222.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 235

بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة، فالأحوط (333) بيعها و شراء الأدون، و كذا فى العبد، و الجارية، و الفرس.

[مسألة 4: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه]

[مسألة 4]: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه، كما لو كان قادرا على الاحتطاب و الاحتشاش غير اللائقين بحاله،

______________________________

لم يكن حينئذ دليلا على استثنائه، كما لا يخفى.

و للمناقشة فيه مجال واسع، فإنّ الظاهر من مصحّح ابن اذينة المتقدّم «1» إنّما هو استثناء الدار و الخادم على وجه الإطلاق، و لا وجه لرفع اليد عنه، كما هو ظاهر و حينئذ فإذا كان خبر عبد العزيز حجّة و لو بانجباره بعمل المشهور كان مقيّدا- لا محالة- بالصحيحة، و إلّا فالعمل بالصحيحة. هذا و لعلّه الوجه في ذهاب بعض المحشّين قدّس سرّه إلى عدم الوجوب، و اللّه العالم.

(333) الحكم في هذا الفرع هو الحكم فى الفرع السابق عليه- إشكالا و جوابا- و التفريق بين الفرعين إنّما هو من «المدارك»، حيث استظهر عدم جواز الأخذ من الزكاة فى الفرع السابق، و لكنّه استظهر في هذا الفرع الجواز «2»، و لا وجه له، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- ص 232.

(2)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 201، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 236

يجوز له أخذ الزكاة (334). و كذا إذا كان عسرا و مشقّة-

من جهة كبر، أو مرض، أو ضعف- فلا يجب (335) عليه التكسّب حينئذ.

______________________________

(334) الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه «1»، و الوجه فيه هو أنّ المستفاد من نصوص استثناء العبد، و الخادم المتقدّمة «2» أنّ المراد بالتمكّن هو التمكّن العرفي، فمن لم يقدر على الكسب اللائق بحاله، عدّ عاجزا و غير متمكّن من الإعاشة بغير الزكاة و أمثالها عرفا، و إن لم يكن كذلك عقلا. هذا مضافا إلى التسالم القطعيّ بين الفقهاء قدّس سرّه على ذلك، و لا مجال للاستدلال «3» له بدليل نفي الحرج، لأنّه لا وجوب للاكتساب شرعا كي يرفع ذلك بدليل نفي الحرج، و إنّما وجوبه عقلي مقدّمة لوجوب الإنفاق على العيال أو حفظ نفسه.

على أنّ نفي وجوب الاكتساب بدليل نفي الحرج لا يثبت الفقر الّذي هو موضوع استحقاق الزكاة، فإنّ غاية ما يترتّب على دليل نفي الحرج هو عدم وجوب الاكتساب، لا عدم التمكّن منه، ليثبت الفقر الّذي هو عدم التمكّن من المئونة فعلا و قوّة، كما هو ظاهر.

(335) لصدق الفقير عليه، بعد ما عرفت من أنّ المراد به هو غير المتمكّن من مئونة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 312، ط النجف الأشرف.

(2)- صص 233- 233.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 88، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 237

[مسألة 5: إذا كان صاحب حرفة و صنعة، و لكن لا يمكنه الاشتغال بها]

[مسألة 5]: إذا كان صاحب حرفة و صنعة، و لكن لا يمكنه الاشتغال بها، من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب جاز (336) له أخذ الزكاة.

[مسألة 6: إذا لم يكن له حرفة، و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة]

[مسألة 6]: إذا لم يكن له حرفة، و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة، ففي وجوب التعلّم (337) و حرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال، و الأحوط التعلّم، و ترك الأخذ بعده؛ نعم، ما دام مشتغلا بالتعلّم لا مانع من أخذها.

______________________________

السنة عرفا، لا عقلا؛ و إلّا فقلّ ما يوجد فقير فى العالم لا يقدر على الكسب مطلقا.

(336) لصدق عنوان الفقير عليه قطعا، و ما دلّ على حرمة الزكاة على «المحترف»، و «ذو مرّة سوىّ»- كما تقدّمت الإشارة إليه- غير شامل للفرض، و ذلك لما في ذيل بعضها، من تحديد موضوع جواز الأخذ بمن لا يقدر على كفّ نفسه عن الزكاة، فيعلم من ذلك أنّ مجرد صدق عنوان «المحترف» ما لم يكن قادرا على كفّ نفسه عن الزكاة- كما فى المقام- غير مانع عن أخذ الزكاة، كما هو ظاهر.

(337) بناء على أنّ المانع من أخذ الزكاة هو الأعمّ من القدرة الفعليّة و بالقوّة على المعيشة- كما هو المستفاد من نصوص المحترف المتقدّمة- لا إشكال في حرمة أخذ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 238

[مسألة 7: من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلّا في يوم أو أسبوع مثلا]

[مسألة 7]: من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلّا في يوم أو أسبوع مثلا، و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة، فتركه و بقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب، لا يبعد (338) جواز أخذه، و إن قلنا إنّه عاص بالترك في ذلك اليوم أو الأسبوع، لصدق الفقير عليه حينئذ.

______________________________

الزكاة عليه، بعد مضيّ زمان يمكن التعلّم فيه، و ذلك لصدق كونه قادرا على كفّ نفسه عن الزكاة فى الزمان المذكور، فيحرم عليه الزكاة لا محالة، فإذا حرم ذلك وجب عليه التعلّم بالفعل مقدّمة

لحفظ نفسه من الهلكة، و كذلك حفظ نفس من تجب عليه نفقتهم، فيكون وجوب التعلّم حينئذ وجوبا مقدميّا. نعم، لا مانع من أخذ الزكاة في زمان التعلّم إذا لم يجد طريقا آخر، لعدم كونه قادرا على الكفّ فيه لا فعلا و لا قوّة، و هذا بخلاف ما بعد زمان التعلّم، فإنّه في هذا الحال يكون قادرا بالقوّة على ذلك، كما لا يخفى.

(338) المأخوذ فى النصوص و إن كان هو عنوان «المحترف» و نحوه، و لكنّه- كما عرفت- إنّما لا يجوز له اخذ الزكاة بملاك كونه قادرا على كفّ نفسه عنها، و عليه فبما أنّه- على تقدير ترك الاكتساب- لا يكون قادرا على الكفّ، فلا محالة يصدق عليه «الفقير»، فيجوز له أخذ الزكاة، و هذا ظاهر؛ إلّا أنّ ما أفاده قدّس سرّه من العصيان بترك الاكتساب، غير ظاهر الوجه، فإنّ وجوب الاكتساب عقليّ،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 239

[مسألة 8: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه]

[مسألة 8]: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه، يجوز (339) له أخذ الزكاة، إذا كان ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفاية.

______________________________

بملاك حفظ النفس- كما عرفت- لا شرعيّ. و لذلك يجوز للشخص أن يجعل نفسه فقيرا يأخذ الزكاة كما يجوز له أن يدرج نفسه في موضوع «الغنى» فلا يحلّ له أخذ الزكاة.

(339) إذا اشتغل القادر على التكسّب بما يجب عليه تعلّمه عينا، أو كفاية لكن مع عدم قيام من به الكفاية بذلك، فالظاهر هو جواز الأخذ من الزكاة حينئذ، و ذلك لما عرفت من أنّ المانع عن جواز الأخذ إنّما هو القدرة على كفّ النفس عن الزكاة، و هي أعمّ من القدرة العقليّة و الشرعيّة، فإذا وجب التعلّم عينا كان ذلك

موجبا لزوال قدرته على الكفّ شرعا، فيكون بذلك موضوعا لجواز الأخذ من الزكاة.

و قد يقال: بأنّ وجوب التعلّم مزاحم فى المقام بوجوب التكسّب مقدّمة لحفظ النفس، فمع عدم الترجيح يسقط كلاهما عن الفعليّة لا محالة، و يتحقّق به موضوع حرمة الأخذ، و هو عنوان القادر على الكفّ، فإنّ المانع عنه إنّما كان وجوب التعلّم، فإذا سقط وجوب التعلّم بالمزاحمة مع وجوب التكسّب صار الحكم المذكور فعليّا لا محالة.

و يتوجّه عليه، أنّ وجوب حفظ النفس أو حرمة الهلاك لا يقتضي وجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 240

و كذا إذا كان ممّا يستحب تعلّمه، كالتفقّه فى الدين اجتهادا و تقليدا (340). و إن كان ممّا لا يجب و لا يستحب، كالفلسفة، و النجوم، و الرياضيات و العروض، و العلوم الأدبيّه لمن لا يريد التفقّه فى الدين، فلا يجوز أخذه.

______________________________

التكسّب، مقدّمة، و ذلك لعدم توقّف الحفظ على خصوص التكسّب غالبا، لإمكان ذلك بسدّ الرمق بأقلّ قوت ممكن، و لو بالالتقاط من حشيش الأرض أو غير ذلك من طرق تحصيل ما يسدّ به الرمق، و عليه فلا توقّف له على خصوص التكسّب ليكون وجوبه مزاحما لوجوب التعلّم، كما لا يخفى. مضافا إلى أن فعليّة وجوب التعلّم توجب انتفاء القدرة على التعيّش، فيجوز له أخذ الزكاة، فيحصل بذلك حفظ النفس، بلا حاجة إلى التكسب أصلا.

و على الإجمال، إذا كان وجوب التعلّم موجبا لحفظ النفس- بالبيان آنف الذكر- لم يكن مثله مزاحما بوجوب التكسّب باعتبار توقّف حفظ النفس عليه، بل معدما لموضوعه، و ما كان كذلك لا يكون مزاحما بالآخر، كما هو ظاهر.

(340) أو كان واجبا كفاية. و الظاهر هو الجواز في هذا الفرع و الفرع

التالي، كالفرع السابق عليهما، وفاقا لبعض المحشّين قدّس سرّه «1»، و الوجه فيه: ما أشار إليه الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2»، و حاصله أنّ ما دلّ على مانعيّة القدرة على التكسّب

______________________________

(1)- الفقيه السيّد عبد الهادي الشيرازي رحمه اللّه.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

عن أخذ الزكاة غير شامل للمقام، فإنّ العمدة في ذلك إنّما هي الرواية الواردة فى المحترف، و الّتي حدّد في ذيلها موضوع جواز الأخذ بغير القادر على كفّ نفسه عن أخذ الزكاة، و من الواضح أنّ المراد بغير القادر إنّما هو من يكون كذلك بنظر العرف دون غير القادر عليه بالدّقة العقليّة، و معلوم أنّ من اشتغل بطلب العلم بحيث لم يمكنه تحصيل قوته عن طريق التكسّب يكون من مصاديق غير القادر عرفا، و إن كان الاشتغال المذكور مباحا، فضلا عمّا إذا كان ذلك مستحبا.

و ممّا يؤيّد ذلك الاتّفاق- نصّا و فتوى «1»- على جواز أخذ من يقصر كسبه عن مئونته من الزكاة، حتّى مع فرض قدرته على كسب آخر لائق بحاله، و يكون ربحه وافيا بمئونته، فإنّ هذا ممّا يكشف عن أنّ المناط في صدق القدرة و عدمها إنّما هو نظر أهل العرف دون التعمّق العقليّ، و التدقيق الفلسفيّ.

و على الإجمال، النصوص الدالّة على حرمة الأخذ بالنسبة إلى الغنيّ إنّما تقتضي ذلك في حقّ من يكون كذلك بالفعل أو بالقوّة القريبة منه، لا مطلق من يكون غنيّا بالقوة و لو كان بنظر أهل العرف من مصاديق الفقير، كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ محل الكلام في جواز الأخذ من الزكاة فى المسائل

الثلاث، نفيا و إثباتا، إنّما هو في خصوص الأخذ من سهم الفقراء، و إلّا فالأخذ من غير ذلك، كسهم سبيل اللّه- مثلا- فلا ينبغي الإشكال في جوازه، إذا كان ممّا ينطبق عليه عنوان «في سبيل اللّه»- مثلا- فتدبّر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 315، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 242

[مسألة 9: لو شكّ في أنّ ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا]

[مسألة 9]: لو شكّ في أنّ ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ، و مع سبق العدم و حدوث ما يشكّ في كفايته يجوز، عملا بالأصل فى الصورتين (341).

[مسألة 10: المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به]

[مسألة 10]: المدّعي للفقر (342) إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، و إن جهل الأمران، فمع سبق فقره يعطى من غير يمين، و مع سبق الغنى، أو الجهل بالحالة السابقة، فالأحوط عدم الإعطاء؛ إلّا مع الظنّ بالصدق، خصوصا فى الصورة الأولى.

______________________________

(341) و الوجه فيه ظاهر، لاستصحاب الفقر، أو الغنى، إذا كان أحد الأمرين متيقّنا به سابقا. و علّق على هذا بعض المحشّين «1» بقوله: «و فيه إشكال» و لم نعرف وجها صحيحا للاستشكال أصلا، و اللّه العالم.

(342) في «مصباح الفقيه «2»» و غيره «3»: «على المشهور»، بل فى «الجواهر»: بلا خلاف معتدّ به أجده «4»، بل فى «المدارك»: هو المعروف من مذهب

______________________________

(1)- السيّد العلّامة البروجردي طاب ثراه.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 91، ط إيران الحجريّة.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 163، ط النجف الأشرف.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 320، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 243

..........

______________________________

الأصحاب «1»، بل عن ظاهر المصنّف فى «المعتبر «2»»، و العلّامة في كتبه الثلاثة «3»: أنّه موضع وفاق ...»، و استدلّ له بوجوه:

الأوّل: إنّه مقتضى الأصل، و هو أصالة عدم المال. و يتوجّه عليه أنّ موضوع الجواز إنّما هو الفقر، و هو عنوان بسيط منتزع من عدم المال في ظرف الحاجة، فمجرّد استصحاب عدم المال لا يحقّق موضوع الجواز،

إلّا على القول بحجّية الأصل المثبت.

الثاني: ما عن المحقّق فى «المعتبر» من أنّه مسلم، ادّعى أمرا ممكنا، و لم يظهر ما ينافي دعواه «4»، فكان قوله مقبولا، و مرجعه إلى قبول قول المدّعي و حجّيته إذا كان بلا معارض. و يتوجّه عليه: أنّ قبول الدعوى بلا معارض ليس مدلولا لنصّ خاصّ، أو ممّا قام عليه الإجماع، ليؤخذ بإطلاقه و لو كان ذلك بلحاظ المورد، و إنّما هو مستفاد من النصوص الخاصّة بباب المرافعات و المخاصمات، و ثبوت الإطلاق لدليله بحيث يشمل المقام- مثلا- أوّل الكلام. و ممّا يشهد به عدم قبول قول مدعي الاجتهاد إذا كان بلا معارض قطعا، كما لا يخفى.

الثالث: أصالة العدالة، بناء على أنّ العدالة عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور ما يوجب الفسق، فيكون الأصل الأوليّ في كلّ مسلم العدالة، بعد دفع فسقه المشكوك فيه بالأصل، و العادل مسموع الكلمة بمقتضى أدلّة حجّيته. و يتوجّه عليه ما ثبت في محلّه، من بطلان المبنى المذكور، و أنّ العدالة إمّا هي الملكة، أو أنّها

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 201، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 568، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 244، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ تحرير الأحكام، ص 69، ط إيران الحجريّة؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 256، ط إيران الحجريّة.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 568، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

عبارة عن الاستقامة العلميّة في جادّة الشرع، و

هي- بهذا المعنى- لا تكاد تثبت بالأصل.

الرابع: النّصوص الّتي يمكن استفادة ذلك منها؛ مثل ما ورد في من جعل جاريته هديا للكعبة، كخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه أبى الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة، فقال: «إنّ أبي أتاه رجل قد جعل جاريته هديا للكعبة، فقال: قوّم الجارية أو بعها، ثمّ مر مناديا ينادى على الحجر فينادى:

ألا من قصرت به نفقته، أو قطع به طريقه، أو نفذ به طعامه، فليأت فلان ابن فلان، و مره أن يعطي أوّلا فأوّلا حتّى ينفد ثمن الجارية «1»»، و قريب منه غيره «2»، و خبر العزرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام- و هما جالسان على الصفا- فسألهما، فقالا: «إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه «3»»، و خبر عامر بن جذاعة قال: جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: يا أبا عبد اللّه، قرض الى ميسرة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «إلى غلة تدرك؟

قال: لا، قال: إلى تجارة تؤب؟ قال: لا، و اللّه، قال: فإلى عقدة تباع؟ قال: لا، و اللّه، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: فأنت ممّن جعل اللّه له في أموالنا حقّا، ثمّ دعى بكيس فيه دراهم، فأدخل يده فيه، فناوله منه قبضة، ثمّ قال: اتقّ اللّه، و لا تسرف ... «4»».

و للمناقشة في ذلك مجال واسع، فإنّ الظاهر من النصوص المذكورة هو أنّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 22: مقدّمات الطواف، ح 7.

(2)- المصدر.

(3)- المصدر/ باب 1: المستحقّين للزكاة،

ح 6.

(4)- المصدر/ باب 7: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 245

[مسألة 11: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة]

[مسألة 11]: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حيّا أو ميّتا (343)،

______________________________

قبول قول مدّعي الفقر لا لخصوصيّة فى الدعوى المذكورة، بل لأجل أنّه من مصاديق الأمور الّتي لا يعلم بها إلّا من قبل الشخص نفسه، فلو أنّه طولب مدّعى الفقر مثلا بالبيّنة و نحوها لزم منه تعطيل الأحكام المترتّبة على موضوع الفقر، كما لا يخفى.

و على هذا فالصحيح: الاستدلال له بالسيرة القائمة بين المتشرّعة على قبول الدعوى المذكورة عند عدم ظهور كذب مدّعيها، و لا مجال لإنكار مثل هذه السيرة، إذ لو لزم تحقيق فقر المدعى من الطرق الشرعيّة المقرّرة لقلّت موارد صرف الزكوات المشروعة للترفيه عن الفقراء و دفع حاجاتهم، إذ قلّ من يمكن إثبات فقره بالبيّنة، و الروايات المتقدّمة شاهدة بذلك أيضا، كما لا يخفى.

ثمّ أنّه على تقدير القول بعدم قبول قول مدّعي الفقر، فهل يقبل ذلك منه إذا كان عدلا؟ بناء على حجيّة العدل الواحد فى الموضوعات؛ الظاهر العدم، فانّ المتيقّن به من حجيّة قول العدل الواحد فى الموضوعات هو ما إذا كم يكن قوله موجبا لجلب نفع إليه، و لا إطلاق- أو عموم- لدليله يشمل المقام، كما لا يخفى.

(343) أمّا الحّي الفقير، فلا ينبغي الإشكال في جواز احتساب دينه زكاة، بلا خلاف، كما فى «الجواهر «1»»، و يقتضيه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 363، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 246

لكن يشترط (344) فى الميّت

أن لا يكون له تركة تفى بدينه، و إلّا لا يجوز.

______________________________

سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام، عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم «1»،» و خبر عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: إنّ عثمان بن عمران قال له: إنّي رجل موسر، و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان، لا تردّه، فإنّ ردّه عند اللّه عظيم «2»»، و غيرهما «3»

(344) كما عن جماعة «4»، و يقتضيه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 46: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 49: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر، ح 16.

(4)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 252، ط المكتبة المرتضويّة، طهران؛ ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة/ تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، ص 130، نشر مكتبة آية اللّه المرعشي، قم؛ الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 241، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ البيان/ تحقيق الشيخ فارس الحسّون، ص 314، نشر بنياد فرهنگى الإمام المهدي، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5:

ص 282، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ تحرير الأحكام، ص 68، ط إيران الحجريّة؛-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 247

..........

______________________________

أبا الحسن

عليه السّلام، عن رجل عارف فاضل توفّى، و ترك عليه دينا قد ابتلي به، لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضي عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: «نعم «1»،» و ظاهره أنّ الميّت لم يخلف شيئا من المال. و رواية يونس بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة «2»»، حيث إنّه عليه السّلام جعل الاحتساب من الزكاة في فرض موته قبل اليسار؛ و مصحّح زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل حلّت عليه الزكاة، و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدّي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال: «إن كان أبوه أورثه مالا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا، لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه «3»»، و هذه الرواية صريحة فى المدّعى.

و بملاحظة النصوص المتقدّمة لا مجال للقول بجواز الاحتساب مطلقا، حتّى و لو ترك الميّت ما يفى بقرضه، كما عن جماعة آخرين «4»، عملا بعموم ما دلّ على

______________________________

- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 228، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ ابن الجنيد، محمّد بن أحمد ( «المختلف»، ج 3: ص 212، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم).

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 46: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 49: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر/ باب

18: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 212، ط مؤسسة النشر الإسلامى.

قم؛ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 188، ط دار الكتاب العربي، بيروت؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 576، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم؛ شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 161.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 248

نعم، لو كان له تركة، لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة، أو غيرهم- فالظاهر الجواز (345).

______________________________

جواز احتساب الدين على الميّت من الزكاة «1»، لو قلنا بالعموم، كما هو ظاهر.

(345) كما ذهب إليه بعضهم «2»، اقتصارا في تقييد المطلق على محلّ اليقين، كما فى «الجواهر «3»»؛ و لكنّ الوجه المذكور غير تامّ، فإنّ النصوص المعتبرة- كما تقدّم- خاصّة بصورة فقدان التركة، فلا إطلاق لها لصورة وجودها، كي يقال بلزوم الاقتصار في تقييده على محلّ اليقين، مضافا إلى أنّ هذا الكلام غير جار فى المقيّد أو المخصّص اللفظي، كما هو المعلوم.

نعم، وجّه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «4» الجواز فى الفرض المذكور، بما حاصله: أنّ منصرف الآية الكريمة في نفسها- أو ظاهرها- في اعتبار الغارمين مصرفا للزكاة، هو الاختصاص بالأحياء، كما هو الحال فى الفقراء و المساكين، و إنّما جوّزنا احتساب الدين على الفقير الميّت من الزكاة بالرّوايات الخاصّة، و هي غير شاملة لصورة وجود التركة للميّت، إلّا أنّه يمكن القول بأنّ المستفاد من الآية

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 49/ المستحقين للزكاة، ح 8؛ باب 46/ المستحقين للزكاة، ح 4.

(2)- كاشف الغطاء، الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 355، ط إيران الحجريّة؛ الشهيد الثاني، زين

الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 418، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 366، ط النجف الأشرف.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 101، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 249

[مسألة 12: لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة،]

[مسألة 12]: لا يجب إعلام الفقير (346) أنّ المدفوع إليه زكاة، بل لو كان ممّن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحقّ، يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة ظاهرا، و الزكاة واقعا.

______________________________

الكريمة بملاحظة مجموع الأخبار الواردة، هو أنّ الملاك في إعطاء الزكاة للغارمين إنّما هو الحاجة إلى الزكاة في أداء الدين، بلا فرق بين الأحياء منهم و الأموات، و حينئذ فمع عدم إمكان الاستيفاء من التركة يتحقّق الحاجة إلى الزكاة، فيجوز الاحتساب عليه من الزكاة، و هذا الوجه ممّا لا بأس به.

(346) إذا كان الفقير لا يأبى عن أخذ الزكاة و لا يترفع عنه، غير أنّه يحسن بحاله عدم إظهار أنّ المدفوع إليه زكاة، بأن كان عدم الإعلام بكونه زكاة أوفق بحاله و أحسن في نظره، فلا ينبغى الشك في جواز الدفع إليه- حينئذ- بدون الإعلام بكونه زكاة. و مضافا إلى أنّ ذلك على طبق الأصل و مقتضى القاعدة، يدلّ عليه مصحح أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل من أصحابنا يستحيى أن يأخذ من الزكاة، فأعطيه من الزكاة و لا أسمّي له أنّها من الزكاة، فقال: «أعطه و لا تسمّ له، و لا تذلّ المؤمن «1»».

و أمّا إذا كان ممّن يأبى عن الزكاة و يترفع عن أخذها، بحيث إنه لو علم بالحال لم ينو التملّك، يمكن القول: بأنّ مقتضى القاعدة حينئذ

هو عدم جواز

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 58/ المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

الإعطاء على وجه الصلة ظاهرا، بمعنى عدم كفاية ذلك في إسقاط ما هو الواجب على المكلّف، فإنّ الأداء إنّما يكون بتملّك الفقير- مثلا- المال المدفوع إليه، و التملّك- كالتمليك- أمر قصديّ، فإذا عرفنا من حاله أنّه بحال لو علم أنّ المدفوع إليه زكاة لما تملّكه و أبى عن ذلك، لم يتحقّق بذلك صرف الزكاة في موردها و هو الفقير- مثلا- كما لا يخفى.

و الفرق بين هذه الصورة و السابقة عليها هو أنّ الفقير فى الأولى يتملّك المدفوع إليه بالوجه الّذي نواه الدافع، فإذا كان الدفع إليه بقصد الزكاة فقد تملّكه الفقير بذلك القصد لا محالة، و هذا بخلاف الصورة الثانية، فإنّ الفقير فيها إنّما يتملّك المال المدفوع بغير نيّة الزكاة، كما هو المفروض.

و فى «الجواهر»: جواز ذلك، بل قال قدّس سرّه «1»: «بل الظاهر استحبابه، بل عن «التذكرة «2»» أنّه لا يعرف فيه خلاف». و استشهد قدّس سرّه له برواية أبي بصير المتقدّمة، ثمّ قال: «لكن قال محمّد بن مسلم فى الحسن كالصحيح: قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل يكون محتاجا فيبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض، فتعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه، و هي منّا صدقة؟ فقال: «لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، و إن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه ... «3»».

و علّق صاحب الجواهر قدّس سرّه على الرواية، بقوله «4»: «إلّا أنّه لم نجد عاملا به

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر

الكلام، ج 15: ص 324، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 287، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 58: المستحقين للزكاة، ح 2.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 325، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 251

بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز (347) إذا لم يقصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة (348)،

______________________________

على ظاهره، و إن كان قد يظهر من «الدروس «1»» نوع توقّف فى الحكم من جهته، لأنّه اقتصر- بعد ذكر مثل ما هنا- على ذكر الخبر المزبور من غير تعرّض للتأويل، و حمله فى «المدارك «2»» على الكراهة».

قلت: إذا حملنا الرواية على الصورة الثانية، و هي إباء الفقير من قبول الزكاة، بحيث لو كان قد انكشف له الحال و تبيّن له أنّ المدفوع إليه زكاة لما تملّكه، لم يكن هناك أيّ مانع من العمل بالرواية، و لم يعلم الإجماع على خلاف ظاهرها. نعم، فى الصورة الأولى- كما ذكرنا- لا موجب للإعلام، نصّا و إجماعا.

(347) لم يظهر الوجه المسوّغ للكذب مع إمكان التورية، اللّهمّ إلّا أن يكون هناك مصلحة واجبة أهمّ من مفسدة حرمة الكذب.

(348) كما هو الحال فى الصورة الثانية المتقدّم ذكرها.

______________________________

(1)- الشهيد، محمّد بن مكّى: الدروس الشرعيّة، ج 1: صص 240- 241، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم. و نصّ العبارة كما يلي: «و لو تعفّف المستحقّ، ففي رواية هو كمن يمتنع من أداء ما يجب عليه (!)، و يحمل على الكراهيّة»، و هو- كما ترى- مخالف لما جاء فى «الجواهر»، و اللّه العالم.

(2)- العاملي، السيّد

محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 204، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 252

بل قصد مجرّد التملّك (349).

[مسألة 13: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا]

[مسألة 13]: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا، فان كانت العين باقية ارتجعها (350)، و كذا مع تلفها، إذا كان

______________________________

(349) القابض إنّما يتملّك بالوجوه الّتي ينويها الدافع حيث يراها منطبقة عليه، و ليس هناك تملّك مطلق، حتّى فى الصّدقات المجّانية، حيث إنّ الفقير إنّما يتملّكها- إذا كانت معلومة عنده- بوجه الصّدقة، و مع عدم علمه بالوجه المقصود للدّافع، يتملّكها- لا محالة- بالوجه المقصود، لعلمه بأنّ الدافع يراه منطبقا عليه، من جهة إقدامه على الدفع إليه.

(350) إذا كانت الزكاة متعيّنة بالعزل- كما هو الحال في موارد الدفع إلى الفقير و نحوه، حيث إنّه يكون مسبوقا لا محالة بالعزل، ثمّ يكون الدفع- و كانت العين باقية، وجب على المالك استرجاعها، و دفعها إلى مستحقّها، فإنّه يجب على المالك أداء زكاة ماله، المفروض تعيّنها فى العين الباقية؛ و قد سبق أنّه مع تعيّن الزكاة بالعزل لا يجوز التبديل، فلا مناص للمالك في أداء الزكاة من استرجاعه العين الباقية، لفرض بقائها- بعد- على ملك الدّافع.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 253

القابض عالما بكونها زكاة (351)، و إن كان جاهلا بحرمتها للغني (352) بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة، فإنّه لا ضمان عليه (353)،

______________________________

(351) القابض ضامن فى الفرض المذكور بمقتضى عموم قاعدة: «على اليد ...» و قاعدة: «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»، فيكون حكم هذا الفرض هو حكم صورة بقاء العين.

(352) فإنّ الجهل بذلك يجعل القابض معذورا- تكليفا- فى القبض، إذا كان

جهله عن قصور، و لكنّه لا يمنع من شمول قاعدة «على اليد ...» بعمومها للمورد، كما هو ظاهر.

(353) مقتضى عموم قاعدة «على اليد ...» و قاعدة الإتلاف هو الضّمان؛ غاية الأمر، أنّه إذا أدّاها كان له الرّجوع على المالك، لكونه مغرورا من ناحيته، لأنّ المالك سلّطه على المال بدون إعلامه ايّاه بكونه زكاة، فتخيّل القابض كونه هديّة مثلا. و المغرور يرجع إلى من غرّه. فقول المصنف قدّس سرّه: «لا ضمان عليه» يعنى به عدم استقرار الضمان عليه، لا نفيه مطلقا. و أمّا إذا أدّاها المالك فليس له الرجوع إلى القابض.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 254

و لو تعذّر الارتجاع، أو تلفت بلا ضمان أو معه، و لم يتمكّن الدافع من أخذ العوض، كان ضامنا، فعليه الزكاة مرّة أخرى (354).

______________________________

و إذا فرضنا أنّ القابض لم يكن مغرورا، بل كان تصرّفه فى المال بظاهر، من الأصل و نحوه، فإن قلنا بتقديم الظاهر على اليد، لم يكن القابض ضامنا، و إلّا كان ضامنا بقاعدة اليد، و الإتلاف، من دون أن يكون له حق الرجوع على المالك في ما لو أدّاها.

هذا كلّه فى الجهل البسيط، و أمّا إذا كان القابض جاهلا بالزكاة بالجهل المركّب، بأن اعتقد- ببعض القرائن و الشواهد- أنّ المدفوع إليه ليس بزكاة، فهو ضامن لا محالة بمقتضى قاعدة «على اليد ...»، و قاعدة الإتلاف.

(354) بناء على تعيّن الزكاة، بالعزل ينبغي التفصيل فى المسألة بين ما إذا كان الدفع من المالك، اعتمادا على حجّة شرعيّة كالبيّنة و نحوها، فإنّه- حينئذ- لا ضمان عليه، و لا تجب عليه الزكاة مرّة أخرى، و فاقا لجمع من الفقهاء «1»- قدّس اللّه أسرارهم- و إلّا كان ضامنا.

و هذا بناء على القول بالشركة، أو الكليّ فى المعيّن ظاهر، فإنّ المال حينئذ يكون أمانة شرعيّة بيد المالك، و الأمين غير ضامن إلّا مع التفريط، و مع اعتماده فى الدفع على حجّة شرعيّة لا تفريط، و هذا بخلاف ما إذا كان دفعه بلا اعتماد منه على حجّة شرعيّة، فإنّه يكون ضامنا بمقتضى عموم

______________________________

(1)- منهم: العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 527، ط إيران الحجريّة؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 569، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 255

نعم، لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه، لا ضمان عليه (355)، و لا على المالك الدافع إليه.

______________________________

قاعدة «على اليد ...»؛ و أمّا بناء على المختار، من تعلّق الزكاة بالعين بنحو حقّ الجناية، فمع عدم الاعتماد فى الدفع على حجّة شرعيّة، لا مجال للاستناد فى القول بضمان المالك إلى عموم قاعدة «على اليد ...»؛ لأنّ القاعدة أنّما تقتضى ضمان الأموال خاصّة، لا الأعمّ منها و ممّا هو متعلّق الحقّ. إلّا أنّ المستفاد من النصوص الخاصّة هو الضمان مع التفريط، و يدلّ على ذلك مصحّح محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ... «1»»، و نحوه مصحّح زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس على الرّسول، و

لا على المؤدّي ضمان»، قلت: فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن [إذا] عرف لها أهلا فعطبت، أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2»».

(355) بما أنّ المجتهد وليّ الفقير، فلا محالة يكون الدفع إليه- أو إلى المأذون منه-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 256

[مسألة 14: لو دفع الزكاة إلى غنيّ، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمّدا]

[مسألة 14]: لو دفع الزكاة إلى غنيّ، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمّدا، استرجعها (356) مع البقاء، أو عوضها مع التلف و علم القابض، و مع عدم الإمكان يكون عليه مرّة أخرى، و لا فرق في

______________________________

موجبا لسقوط الزكاة عن المالك، و أمّا عدم ضمان المجتهد أو المأذون منه، فلأنّ الفعل- حينئذ بمقتضى الولاية- يكون بحجّة شرعيّة، و قد تقدّم أنّ الاعتماد على الحجّة الشرعيّة مانع من صدق عنوان «التفريط» المستتبع ذلك للحكم بالضّمان.

(356) تارة يقع الكلام فى المسألة على ضوء اختيار أنّ تعلّق الزكاة بالعين من قبيل الكلّي فى المعيّن- كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه-، و أخرى على ضوء كونه من قبيل حقّ الجناية، كما هو المختار.

أمّا على الأوّل، فبما أن تعيين الكلّي و تطبيقه على مصداقه بيد المالك، فإذا دفع الزكاة إلى من ليس أهل لها- كالغنيّ مثلا- فلم تقع الزكاة في موقعها، فمع بقاء العين يسترجعها ليصرفها في مورده، و هو الفقير مثلا. و مع تلف العين، و علم القابض بكونه زكاة، يكون ضامنا لها، بقاعدة «على اليد ...» و الإتلاف. و مع جهله بذلك، فإن كان جهله مستندا إلى تغرير المالك، كان له الرجوع عليه- فيما لو أدّاها- عملا

بقاعدة «المغرور يرجع إلى من غرّه»، و إن كان جهله بذلك جهلا مركّبا، بأن كان قد اعتقد- لقرائن كانت هناك- أنّ المدفوع إليه ليس بزكاة، فهو لها ضامن، بقاعدة «على اليد ...» و الإتلاف. و إن كان جهله بسيطا، و كان تصرّفه فى المال اعتمادا على أصل و نحوه، فإن قدّمنا ذلك على اليد لم يكن ضامنا،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 257

ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها، و كذا فى المسألة السّابقة (357)، و كذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق- إن قلنا باشتراط العدالة- أو ممّن تجب نفقته عليه، أو هاشميّ، إذا كان الدافع من غير قبيله.

______________________________

و إلّا كان ضامنا بقاعدة «على اليد ...».

و أمّا على الثّاني، فحيث أنّ المال المذكور لم يتعيّن للزكاة بالعزل مثلا، و المفروض أنّه قد دفعه إلى غير أهله، فلم يقع المال بيد أهله، فمع بقاء العين يسترجعها، و مع تلفها لا يكون القابض ضامنا، لفرض كونه مسلّطا على المال بإذن المالك، فلم تكن يده عليه يد ضمان. و أمّا الدافع فيجب عليه- حينئذ- أداء المال مرّة أخرى، لأنّ ما أدّاه بقصد الزكاة لم يقع و ما وقع لم يقصد. و هذا بناء على أنّ الزكاة عنوان لمقدار من المال الّذي يصرف في محلّه، كالفقير مثلا. و بكلمة أخرى، إنّ العزل الموجب للتعيين إنّما هو عزل مقدار من المال- بمقدار فريضة الزكاة- المفروض وصوله إلى من هو مصرفه، كالفقير مثلا؛ و أمّا عزل المقدار الّذي لا يصل إلى الفقير، بل إلى الغنيّ- كما في مفروض المسألة- فلا يوجب التعيين أصلا. و أمّا بناء على أنّ الزكاة عبارة عن حصّة من المال

تفرز بقصد أن تكون زكاة، فالمدفوع منه إلى غير أهله، و إن كان مصداقا للزكاة إلّا أنّه حيث كان لم يقع في محلّه كان عليه الأداء مرّة أخرى.

(357) بناء على أنّ الزكاة لا تتعيّن بتعيين المالك، و إذا كان هناك فرق بين المعزولة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 258

[مسألة 15]: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا]

[مسألة 15]: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا، أو باعتقاد أنّه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمروا، أو نحو ذلك، صحّ و أجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد، بل كان من باب الاشتباه فى التطبيق (358). و لا يجوز استرجاعه حينئذ، و إن

______________________________

و غيرها فإنّما هو فى الحكم بالضمان على تقدير التفريط و التلف، و سيأتى الكلام عليه إن شاء اللّه تعالى.

(358) إذا كانت الأمور المذكورة ملحوظة بنحو الضميمة، بأن كان المقصود هو إعطاء الزكاة للشخص المعيّن، لكنّه انضمّ إليه اعتقاده بانطباق عنوان «العادل»، أو «العالم» و نحو ذلك عليه، صحّ و أجزأ، و لم يجز استرجاع ما دفعه إليه، و ذلك لحصول المأمور به، و هو صرف الزكاة في مورد الفقير مثلا؛ غايته، حصول التّخلف في أمر منضم إليه، و هو اعتقاد انطباق العناوين المذكورة عليه. و أمّا إذا كانت ملحوظة بنحو التقييد، بأن كان قصد الدافع هو تمليك المدفوع إليه بقيد كونه مصداقا للعناوين المذكورة، فمع التخلّف، و عدم انطباقها عليه يكون، ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد، فلم يصحّ، و لم يجزى، و وجب عليه استرجاع العين إذا كانت باقية.

هذا، و قد ذهب بعضهم «1» إلى الصّحة في كلا الفرضين المتقدّمين، بدعوى أنّ

______________________________

(1)- منهم المحقّق، السيّد ابو القاسم الخوئي

رحمة اللّه، في تعليقته على الكتاب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 259

كانت العين باقية. و أمّا إذا كان على وجه التقييد فيجوز، كما يجوز نيّتها مجدّدا، مع بقاء العين، أو تلفها إذا كان ضامنا، بأن كان عالما باشتباه الدافع و تقييده (359).

______________________________

التقييد ممّا لا أثر له في أمثال المقام، و ذلك من جهة أنّ الواجب على المكلّف إنّما كان هو صرف الزكاة في محلّه، و من جملته الفقير، و قد تحقّق ذلك قطعا، فإنّه من الأمور التكوينيّة دون الأمور القصديّة، فصرف الزكاة في مورد الفقير- و هو من جملة ما هو الواجب عليه- متحقّق في كلا الفرضين قطعا، و المفروض حصول ذلك باختياره أيضا، و التخلّف حقيقة إنّما هو فى الدّاعي، حيث إنّه إنّما أعطى المال بداعى كونه مصداقا للعناوين المذكورة فبان عدمه، و هذا لا يضرّ بالصحّة و الإجزاء، بعد انطباق المأمور به على المأتيّ به حقيقة.

و ذهب بعض آخر إلى الصّحة و الإجزاء فى المثالين: الأوّل و الثاني، دون الثالث. أمّا الصّحة و الإجزاء فى الأوّلين، فلمّا ذكر، من أنّ اعتقاد انطباق العناوين المذكورة إنّما أمر انضماميّ، حصل التخلّف فيه، فلا يضرّ بالصّحة. و أمّا عدم الصّحة فى الأخير، فلأنّ قصد الدافع لم يكن- فى الحقيقة- مركّبا، كما فى الأولين، بل هو قصد واحد مقيّد، فمع التخلّف يكون ما وقع لم يقصد، فلم يتحقّق التمليك في مورده.

(359) الظاهر أنّ مراده قدّس سرّه بعلم القابض بالتقييد، هو اعترافه بأنّ المفهوم من ظاهر حال الدافع إليه هو التقييد، بأنّ أعطاه مقيّدا بكونه زيدا مثلا، و إلّا لم يكن لعلم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 260

[الثالث: العاملون عليها]

الثالث:

العاملون عليها، و هم المنصوبون من قبل الإمام عليه السّلام (360) أو نائبه الخاصّ أو العام، لأخذ الزكوات، و ضبطها، و حسابها، و إيصالها إليه أو إلى الفقراء، على حسب إذنه.

______________________________

القابض و جهله دخلا فى الحكم بالضّمان.

(360) بلا إشكال، و يقتضيه قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا- الآية «1»، و الرّوايات «2»، إنّما الكلام في أنّ العامل حين ما يكون عاملا، هل يكون ذلك من قبيل المناصب المجعولة له، كمنصب القضاوة و نحو ذلك، و حينئذ فيكون من جملة مصارف الزكاة، فيستحقّها، من دون أن يكون ذلك من باب الأجرة على عمله، بل عمله مجّاني، كعمل القاضى المنصوب و نحوه، و إنّما يكون مستحقّا للزكاة على حدّ سائر المصارف الثمانية. أو أنّ العامل أجير، و أنّ ماله من الزكاة بعنوان الأجرة على عمله؟ فعلى الأوّل يكون العامل داخلا في جملة مستحقّي الزكاة، و على الثّاني يعطى له من الزكاة بعنوان الأجرة على عمله «3»، و إذا لم يقدّر له أجرة يستحق- لا محالة- أجرة المثل على عمله.

______________________________

(1)- التوبة، 9: 60.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة.

(3)- و فى «التذكرة»: «قال أبو حنيفة: يعطى عوضا و أجرة، لا زكاة، لأنّه لا يعطى إلّا مع العمل، و لو فرّقها الإمام أو المالك لم يكن له شي ء، و الزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا. و لأنّه يأخذها مع الغنى و الصدقة لا تحلّ لغنيّ» (العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

و ربّما يستدلّ «1» للأوّل بوجوه:

الأوّل: أنّ اعتبار شروط خاصّة فيه- كما سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى- ممّا يكشف عن

كون العمالة فى المقام يراد بها الولاية الخاصّة، و إلّا فلا شبهة في جواز استيجار كلّ من يؤمّن الغرض و إن كان فاقدا لتلكم الشروط، كما فى استيجار من يرعى غنم الفقراء- مثلا- حيث لا يعتبر فيه مثل تلكم الشروط.

الثاني: أنّ الولاية فى المقام على حدّها في سائر الموارد يراد بها النّظارة على العمل، لا نفس العمل، و العامل- هنا- له النظارة على العمل لا محالة، و ليست النظارة ممّا يبذل بإزائها المال، و إنّما يبذل بإزاء العمل، فلا تكون العمالة ممّا يبذل بإزائها الأجرة.

الثالث: إنّ ظاهر الآية الكريمة هو: أنّ إعطاء الزكاة للعاملين إنّما هو على حدّ إعطائها لغيرهم، و هو تمليكهم ايّاها بعنوان الصّدقة، و الصّدقة عبارة عن التمليك المجّاني، و هذا ينافي أن يكون إعطاء الزكاة لهم بعنوان الأجرة.

و التحقيق أن يقال: إنّه ينبغي البحث في أنّ عمل العامل هل هو من باب الوكالة و النيابة عن الإمام عليه السّلام، أو المنصوبون من قبله عليه السّلام، عموما أو خصوصا، أو من قبيل ما يستحقّ بإزاءه الأجرة، كما في غير العامل من سائر الأجراء، و حيث إنّه ليس فى النّصوص ما يمكن استظهار أحد الأمرين منه، فلا بدّ من الاتّجاه نحو نظائر المقام من الأمور العرفيّة، و لا شكّ في أنّ من يعيّن من قبل الملّاك بعنوان المباشر لأملاكهم- و يسمّى فى العرف الدارج العراقي

______________________________

- الفقهاء، ج 5: ص 246، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم). و لاحظ: «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» لعلاء الدين ابو بكر بن مسعود بن أحمد الكاشاني (ج 2: ص 44).

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 242- 243، ط الثالثة، النجف الأشرف.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 262

فإنّ العامل يستحقّ منها (361) سهما في مقابل عمله، و إن كان

______________________________

ب «سرگال»، و لعلّه معرّب «سركار»- يعتبر ذلك له منصب لا بأس بأن يعبّر عنه بالوكالة و النيابة، و ليس مجرّد أجير يتقاضى الأجرة بإزاء عمله.

نعم، له النظارة و الأمر و النهي، إلّا أنّ ذلك من قبيل الغايات المترتّبة على المنصب المذكور؛ و بالنتيجة، يكون ذلك من قبيل الدّواعي لجعل ذلك المنصب له، لا أنّ حقيقة الولاية هي النّظارة. و على هذا، فالمقام من هذا النّوع، بمعنى كون العاملين وكلاء و نوّابا في عملهم من قبل الإمام عليه السّلام، أو المنصوبين من قبله عليه السّلام.

(361) لا شبهة- سواء كان عمل العاملين من باب الوكالة و النيابة، أم كان ممّا يأخذ العامل بإزائه الأجرة- في أن المأخوذ فيه هو خصوصيّة المجّانية، كما هو الحال فى القاضي، و المؤذّن، و نحوهما، و حينئذ فمع الشروع فى العمل يدخل في جملة مستحقي الزكاة، و لذلك عبّر بعضهم «1» عمّا يأخذه «العاملون» من الزكاة ب «نوع من الأجر» و ذلك لظاهر الآية الكريمة حيث جعل العاملين فيها في رديف «الفقراء» و غيرهم ممّن يملّكون الزّكاة مجّانا و بعنوان الصّدقة. و على هذا، فإن كان ما يعطى العامل من الزكاة بعنوان الأجرة على عمله- كما يراه البعض- فليس معناه أنّه من باب الإجارة المصطلحة الّتي هي من جملة المعاوضات، كما هو ظاهر عبارة المصنف قدّس سرّه، لكونه خلاف ظاهر الآية الكريمة، كما عرفت.

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: المختلف، ج 3: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 263

غنيّا (362). و لا

يلزم استئجاره من الأوّل، أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة (363)، بل يجوز أيضا أن لا يعيّن و يعطيه بعد ذلك ما يراه. و يشترط فيهم: التكليف (364)، بالبلوغ، و العقل، و الإيمان،

______________________________

(362) قال الشيخ قدّس سرّه فى «الخلاف «1»»: «خمسة أصناف من أهل الصدقات، لا يعطون إلّا مع الفقر، بلا خلاف، و هم: الفقراء، و المساكين، و الرقاب، و الغارم في مصلحة نفسه، و ابن السبيل المنشئ لسفره. و أمّا العامل يعطى مع الفقر و الغنى بلا خلاف». و هو الظّاهر من الآية الكريمة، لجعل «العاملين» فيها في عداد مصارف الزكاة، في مقابل الفقراء و المساكين. و سيأتى الكلام- إن شاء اللّه تعالى- في اعتبار الفقر فيما ذكره الشيخ قدّس سرّه.

(363) لا وجه لذلك، بعد ما عرفت من أنّ المأخوذ فى العمل فى المقام هو خصوصيّة المجّانية، لظاهر الآية الكريمة، و عليه فعلى تقدير كون المأخوذ أجرة فليس هو من قبيل الإجارة أو الجعالة التى هي من المعاملات.

(364) بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال، كما فى «الجواهر «2»»، معلّلا ذلك: «بأنّها

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن، الخلاف: ج 4، ص 237، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 334، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 264

بل العدالة (365)،

______________________________

نيابة عن الإمام عليه السّلام فى الولاية على قبض مال الفقراء، و هما- أي الصبيّ و المجنون- قاصران عن ذلك».

قلت: لو لا الإجماع فى المسألة لكان لدعوى عدم اعتبار البلوغ فى المقام مجال واسع، بعد فرض حصول الغرض بفعل غير البالغ، فإنّه إذا كان ممّن يتأتى منه العمالة في أخذ الزكوات، و

ضبطها، و حسابها، و ايصالها ...، كغيره من البالغين، بل و قد يكون أحسن منهم، لم يكن وجه لاعتبار البلوغ فى العاملين.

(365) المستفاد من قول أمير المؤمنين عليه السّلام- في وصيّته لمن كان يستعمله على الصّدقات-: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه، رافقا بمال المسلمين حتّى يوصله إلى وليّه فيقسّمه بينهم، و لا توكل بها إلّا ناصحا شفيقا، و أمينا حفيظا، غير معنف و لا مجحف ... «1»»، هو اعتبار الأمانة و الوثاقة فى العامل، فإن كان المراد باعتبار الإيمان و العدالة هو ذلك فهو، و إلّا فلا دليل على اعتبارهما.

هذا و يمكن القول بأنّ قوله عليه السّلام: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه» ظاهر في اعتبار الإيمان بالمعنى الخاصّ، بأن يكون المراد بذلك من ترضى دينه، و حينئذ فيكون المستفاد من مجموع الجملتين هو اعتبار الإيمان- بالمعنى الخاصّ- و الأمانة فى العامل، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 265

و الحريّة (366) أيضا، على الأحوط.

______________________________

(366) قال فى «الجواهر»: «و في اعتبار الحرّية خلاف و تردّد؛ من أنّ العامل يملك نصيبا من الزكاة و العبد لا يملك، و مولاه لم يعمل، و هو خيرة الشيخ «1» على ما قيل. و من حصول الغرض بعمله، و كون العمالة نوعا من الإجارة و العبد صالح لذلك مع إذن سيّده، و قوّاه فى «المختلف «2»» و مال إليه المصنّف فى «المعتبر «3»»، و نفى عنه البأس فى «المدارك «4»» ... «5»».

قلت: إن كان الوجه في اعتبار الحرّية هو عدم صلاحيّة العبد للتملّك، مع أنّ العامل يتملّك

سهمه من الزكاة، فيتوجّه عليه: أنّ إعطاء العاملين نصيبهم من الزكاة ليس من باب التمليك، مع أنّ عمل العبد إذا كان بإذن مولاه- فى الحقيقة- هو عمل مولاه، فلا مانع من أن يكون نصيبه من الزكاة لمولاه.

و إن كان الوجه فيه هو إطلاق ما دلّ على عدم جواز إعطاء الزكاة للمملوك، كقوله عليه السّلام في رواية اسحاق بن عمّار: «و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا «6»»، و في خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: سألته

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 248، ط نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: المختلف، ج 3: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 571، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(4)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 213، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- النجفي، محمّد بن الحسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 336، ط النجف الأشرف.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 44: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 266

نعم، لا بأس بالمكاتب (367). و يشترط أيضا معرفة المسائل (368) المتعلّقة بعملهم، اجتهادا أو تقليدا، و أن لا يكونوا من بني هاشم (369).

______________________________

عن المملوك يعطى من الزكاة شيئا؟ فقال: «لا، «1»»، و نحوهما غيرهما «2».

فيتوجّه عليه أنّه يمكن دعوى- كما ادّعي أيضا «3»- ظهور هذه الروايات في إعطاء العبد من سهم الفقراء من الزكاة، فلا إطلاق لها يشمل العاملين أيضا.

(367) بلا ريب- كما فى «الجواهر «4»»-، لكونه متلبّسا بالحريّة، فلا مانع من صيرورته عاملا.

(368) و هذا

بديهيّ، فإنّه مع الجهل بها غير صالح للعمالة، لعدم إمكانه من القيام بها على الوجه الصّحيح. نعم، لا يعتبر كونه مجتهدا فقيها، كما هو ظاهر.

(369) بلا خلاف أجده فيه، كما فى «الجواهر «5»»، و يدلّ عليه صحيح العيص بن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 44: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 1 و 4.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه ج 3/ كتاب الزكاة: ص 95، ط إيران الحجريّة.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 336، ط النجف الأشرف.

(5)- المصدر، ص 335.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 267

نعم، يجوز استئجارهم (370) من بيت المال أو غيره، كما يجوز عملهم تبرّعا (371). و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة (372) مع بسط يد نائب الإمام عليه السّلام في بعض الأقطار. نعم،

______________________________

القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: لنا هذا السهم الّذي جعل اللّه عزّ و جل للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلب (هاشم) إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم ... «1»».

(370) لا ينبغى الإشكال في ذلك، لعموم ولاية الإمام عليه السّلام أو المنصوب من قبله عليه السّلام عموما أو خصوصا، و عموم دليل نفوذ عقد الإجارة. و أمّا الاستئجار من بيت المال، فلكونه معدّا لمصالح المسلمين، و جباية الزكاة من جملة ذلك.

(371) لا ينبغى الريب فيه أيضا، كما لا يخفى.

(372) لعموم الأدلّة، و اشتمال

بعض نصوص الباب «2» على كلمة «الإمام» لا يوجب التقييد، لكونه من باب أنّ الولاية بالأصالة له عليه السّلام، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 1، 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 268

يسقط (373) بالنسبة إلى من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته و إيصالها إلى نائب الإمام عليه السّلام، أو إلى الفقراء بنفسه.

[الرابع: المؤلّفة قلوبهم من الكفّار]

الرابع: المؤلّفة قلوبهم من الكفّار (374)، الّذين يراد من إعطائهم ألفتهم و ميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين، فى الجهاد مع الكفّار أو الدفاع.

______________________________

(373) لعدم صدق العنوان المذكور على المالك الّذي يخرج زكاته بنفسه، و يوصلها إلى نائب الإمام عليه السّلام، أو الفقراء، كما هو ظاهر.

(374) الأقوال فى المسألة ثلاث:

الأوّل: اختصاص المؤلّفة بالكفّار، و هو اختيار «المبسوط» و «الخلاف «1»»، بل ربما نسب «2» إلى المشهور. قال فى «المبسوط»: «و المؤلّفة قلوبهم عندنا: الكفّار الّذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام، و يتألّفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك، و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام ... «3»»، و قريب منه ما عن المحقّق قدّس سرّه فى «الشرائع «4»».

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 233، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 175، ط النجف الأشرف.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 249، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 161.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

الثاني: الاختصاص بالمسلمين ضعاف الإيمان، و اختاره صاحب «الحدائق

«1»»، و يلحق به ما استظهر من كلام ابن الجنيد من اختصاصه بالمنافقين، حيث قال في محكيّ كلامه: «المؤلّفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه، و أعان المسلمين و إمامهم بيده، و كان معهم، إلّا قلبه ... «2»».

و قد استدلّ لهذا القول بجملة من النصوص، كمصحّح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ- الآية، قال:

«هم قوم وحّدوا اللّه عزّ و جلّ، و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، و شهدوا أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد صلى اللّه عليه و آله، فأمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلى اللّه عليه و آله أن يتألّفهم بالمال و العطاء، لكي يحسن إسلامهم، و يثبتوا على دينهم الّذي دخلوا فيه، و أقرّوا به، و إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش و سائر مضر، منهم ابو سفيان بن حرب، و عينية بن حصين الفزاري و اشباههم من الناس ... «3»»، و خبره الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام أيضا، قال: «المؤلّفة قلوبهم، قوم وحّدوا اللّه، و خلعوا عبادة [من يعبد] من دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يتألّفهم و يعرّفهم لكي ما يعرفوا، و يعلّمهم «4»»، و مرسل موسى بن بكر، عن رجل، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما كانت المؤلّفة قلوبهم- قطّ- أكثر منهم اليوم، و هم قوم وحّدوا اللّه، و خرجوا من الشرك

و لم تدخل

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 177، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: المختلف، ج 3: ص 200، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الكلينيّ الرازي، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 2: ص 411، ط المكتبة الإسلاميّة، طهران.

(4)- المصدر، صص 410- 411.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

معرفة «محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» قلوبهم، و ما جاء به، فتألّفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و تألّفهم المؤمنون بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لكي ما يعرفوا «1»»، و مرسل عليّ بن إبراهيم القميّ في تفسيره: «... و المؤلّفة قلوبهم، قال: هم وحّدوا اللّه، و خلعوا عبادة من دون اللّه، و لم يدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتألّفهم، و يعلّمهم و يعرّفهم كي ما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا فى الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا ... «2»».

الثالث: ما عن المصنّف قدّس سرّه، و هو المنقول عن المفيد رحمه اللّه، و جماعة؛ قال المفيد رحمه اللّه: «المؤلّفة قلوبهم ضربان: مسلمون و مشركون «3»»، و اختاره العلّامة رحمه اللّه في جملة في كتبه «4»، و عن «السرائر «5»»، و «النافع «6»»: تقسيم المؤلّفة قلوبهم إلى مؤلّفة الكفر و مؤلّفة الإسلام.

و الظاهر، أنّه لا يترتّب على البحث المذكور أيّة ثمرة عمليّة، و إنّما هو مجرّد بحث علميّ، و ذلك فإنّ ما يمكن فرضه ثمرة للبحث المذكور إنّما هو سقوط سهم المؤلّفة قلوبهم في عصر الغيبة على التفسير الأوّل المنسوب إلى المشهور دون التفسيرين الآخرين، نظرا

إلى أنّ الجهاد غير مشروع في مثل هذا العصر،

______________________________

(1)- الكليني الرازي، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 2: ص 412، ط المكتبة الإسلامية، طهران.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 7.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 573، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ص 68، ط إيران الحجريّة؛ منتهى المطلب، ج 2: ص 520، ط إيران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 251، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 457، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(6)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 339، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 271

و من المؤلّفة قلوبهم: الضعفاء العقول (375) من المسلمين، لتقوية اعتقادهم، أو لإمالتهم الى المعاونة فى الجهاد أو الدفاع.

______________________________

فلا موضوع لاستمالة الكفّار إلى الجهاد أصلا، غير أنّه من الواضح أنّ هذه الثمرة إنّما تتمّ بناء على القول بوجوب البسط في باب الزكاة، و أمّا بناء على أنّ المذكورات في آية الصدقة إنّما هي من مصارف الزكاة- كما هو التحقيق، بل لعلّه عليه الاتّفاق كما سيجي ء ذلك إن شاء اللّه- فلا مجال لها أصلا، كما لا يخفي. كما أن جعل الثمرة له هو جواز إعطاء الزكاة للكافر على التفسير الأوّل و الأخير و عدمه على الثاني، أيضا في غير محلّه، و ذلك لأنّه بناء على اختصاص المؤلّفة قلوبهم بالمسلمين ضعاف الإيمان، يجوز إعطاء الكافر من الزكاة من سهم سبيل اللّه، كما أنّه بناء على الاختصاص بالكفّار يجوز إعطاء ضعفاء الإيمان من

المسلمين من السهم المذكور، فلا يوجب الاختلاف في تفسير المؤلّفة قلوبهم تضييقا فى المسألة.

هذا، و التحقيق هو ما ذهب إليه، المصنّف قدّس سرّه، و ذلك: فإنّ ما استدل به للقول الثاني من النصوص المتقدّمة غير دالّ على حصر المؤلّفة قلوبهم بأولئك، و إنّما تدلّ على أنّهم من جملة المؤلّفة قلوبهم. نعم، إشعارها بذلك ممّا لا يخفى، إلّا أنّ الإشعار غير مفيد، كما هو ظاهر.

(375) علّق عليه بعض أجلّة المحشّين رحمه اللّه «1» بقوله: «بل ضعفاء الاعتقاد الّذين

______________________________

(1)- المرحوم السيّد البروجردي طاب ثراه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 272

[الخامس: الرّقاب]

اشارة

الخامس: الرّقاب، و هم ثلاثة أصناف (376).

______________________________

دخلوا فى الإسلام و لم يثبت في قلوبهم»، العقول و هو في محلّه و لعلّ مراد المصنّف قدّس سرّه من «ضعفاء العقول»، هم الضعفاء فى الاعتقاد، بنحو من المسامحة و العناية.

(376) مقتضى إطلاق الآية الكريمة: وَ فِي الرِّقٰابِ ...، و كذا جملة من النصوص «1»، لا سيّما موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة ماله، ألف درهم، فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الدراهم الّتي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك ... «2»». إنّما هو جواز صرف الزكاة في مطلق فكّ الرقاب، بلا اختصاص له بالأصناف الثلاثة؛ إلّا أنّه بإزاء المطلقات المذكورة، رواية عمرو، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة، يشتري بها نسمة و يعتقها، قال: «إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم. ثمّ مكث مليّا، ثمّ قال: إلّا أن يكون عبدا

______________________________

(1)- كموثق سماعة (وسائل الشيعة/ باب 12: المستحقين للزكاة، ح 3)، و خبر ايّوب بن الحر (وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 3)، و خبر أبي محمّد الوابشى (وسائل الشيعة/ باب 19: المستحقين للزكاة، ح 1).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه «1»»، و هي تدلّ على عدم جواز فكّ الرقبة من الزكاة مطلقا. و ما يمكن أن يوجّه به الرواية مع المطلقات المتقدّم ذكرها أمران:

الأوّل: تقييد المطلقات بالرواية المقيّدة، حسبما يقتضيه قانون الإطلاق و التقييد المتبع في غير المقام.

الثاني: حمل النهي فى الرواية المتقدمة على الكراهة، بأن يكون الاقتصار على صرف الزكاة في شراء العبد مع عدم كونه مسلما أو فى الشدة- أمرا مكروها، و يكون البسط مستحبّا، كما يناسبه التعبير فيها بقوله عليه السّلام: إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم ...»، فلا تدلّ الرواية على عدم جواز صرف الزكاة في فكّ مطلق الرقبة، مع توزيع الباقي على سائر مصارفها. و الحاصل، أنّ المستفاد من الرواية- بمقتضى التعبير المذكور- هو كراهة الاقتصار في صرف جميع الزكاة على فكّ الرقبة، ما لم يكن هناك مزيّة مقتضية له، ككون العبد فى الشدة و نحو ذلك، لا أنّه لا يجوز صرف الزكاة في فكّ مطلق الرقبة، فإنّ مثل هذا التعبير لا يجتمع، و عدم كون مطلق فكّ الرقاب من مصارف الزكاة، كما لا يخفى.

و كيف كان، فالظاهر هو عدم التقييد، وفاقا للمفيد «2» قدّس سرّه و العلّامة «3» قدّس سرّه و ولده «4»، و غير واحد من المتأخّرين «5» رحمه اللّه، كما عن الفقيه المحقّق

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 241، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 349، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(4)- فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 196، ط المطبعة العلميّة، قم.

(5)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 217، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 274

..........

______________________________

الهمداني قدّس سرّه «1» و ابن إدريس «2»، لاطلاق الآية الكريمة، و غير واحد من النصوص، و ضعف السند الرواية المقيّدة، و مع أنّ لسان الرواية المقيّدة الكراهة، كما عرفت، فلاحظ.

تنبيه: قال فى «المدرك»- بعد ذكر الرواية المقيدة المتقدّمة- ما لفظه: «و هذه الرواية أوردها الشيخ فى الصحيح عن عمرو بن أبي نصر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3»، و علّق عليه المحقّق الهمداني قدّس سرّه بقوله «4»: «أقول: الظاهر أنّ روايتها عن عمرو بن أبي نصر اشتباه نشأ من تحريف النساخ، كما نبّه عليه فى «الحدائق «5»»، حيث ذكر: أنّ هذه الرواية رواها الشيخ فى «التهذيب «6»»، عن «الكافي «7»» عن عمرو بن أبي نصر، مع أنّ الموجود فى «الكافي»: عن عمرو، عن أبي بصير. و قد اغترّ صاحب «المدارك» بنقل صاحب «التهذيب «8»» لها بهذه الكيفيّة فنظمها فى الصحيح ...».

______________________________

- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 414، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 183، ط النجف الأشرف.

(1)- الفقيه همداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص

96، ط إيران الحجريّة.

(2)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 457، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الموسوي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 217، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الفقيه الهمدانى، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 96، ط إيران الحجريّة.

(5)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 182، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسى، الشيخ محمّد بن الحسن، التهذيب: ج 4: ص 100/ ح 16، ط النجف الأشرف.

(7)- الكلينى الرازي، محمّد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 3: ص 557/ ح 2، ط المكتبة الإسلاميّة، طهران.

(8)- الموجود فى «التهذيب» المطبوع فى النجف الأشرف، هو كما في نسخة الكافي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 275

[الأوّل: المكاتب العاجز]

الأوّل: المكاتب العاجز، عن أداء مال الكتابة (377)، مطلقا كان أو مشروطا، و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم، ففي جواز اعطائه قبل حلوله إشكال (378).

______________________________

(377) بلا خلاف فيه ظاهرا «1»، بل ربما ادّعي استفاضة نقل الإجماع عليه، كما عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2». و يدلّ عليه- مضافا إلى الإطلاقات- مرسل أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، قال: سئل الصادق عليه السّلام عن مكاتب عجز عن مكاتبته، و قد أدّى بعضها، قال: «يؤدّى عنه من مال الصدقة، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: وَ فِي الرِّقٰابِ- الآية «3»، و مقتضى الإطلاق هو عدم الفرق بين المكاتب المشروط و المطلق.

ثمّ إنّه لا دليل على اعتبار العجز فى المكاتب عن أداء مال الكتابة، سوى ما استفادة القوم من نصوص مشروعيّة الزكاة من أنّها إنّما شرعت لسدّ الحاجة و رفع الشدّة، و مع عدم العجز لا حاجة حتّى تسدّ بالزكاة، و

الرواية قاصرة- لضعفها بالإرسال- عن إثبات ذلك.

(378) ذهب بعضهم إلى عدم جواز الإعطاء قبل حلول النجم، بدعوى عدم صدق

______________________________

(1)- فى «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فى الأوّل- و يعنى به: المكاتب- بيننا و بين العامّة» (جواهر الكلام، ج 15: ص 344، ط النجف الأشرف).

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه/ ج 3: كتاب الزكاة، ص 96، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 44، المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 276

و يتخيّر بين الدفع إلى كلّ من المولى و العبد (379)، لكن إن دفع إلى المولى، و اتّفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة فى المشروط فردّ إلى الرّقّ، يسترجع منه (380)، كما إنّه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فكّ رقبته، لاستغنائه- بإبراء، أو تبرّع أجنبيّ- يسترجع منه. نعم، يجوز الاحتساب- حينئذ- من باب سهم

______________________________

عنوان «العجز»، المأخوذ فى النصّ قبل حلول النجم «1»، و الاحتياط من المصنّف قدّس سرّه مبنيّ على ذلك، و لكن الظاهر صدق ذلك بمجرّد الاطمينان- فعلا- من عدم التمكّن من أداء ذلك في وقته، كما لا يخفى.

(379) لإطلاق الآية الكريمة، فإنّ ظاهرها إنّما هو صرف الزكاة في فكّ الرقاب، سواء كان ذلك بالدفع إلى المولى، أم إلى العبد، و الغرض إنّما هو صرف الزكاة في هذا السبيل.

(380) لما عرفت من لزوم الصرف في فكّ الرقبة، فإذا لم يقع الصرف في هذا السبيل، وجب الاسترجاع لا محالة، كما هو ظاهر، و منه يظهر الحال فى الفرع التالي له.

______________________________

(1)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: صص 219- 220، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 277

الفقراء، إذا كان فقيرا (381). و لو ادّعى العبد أنّه مكاتب، أو أنّه عاجز، فإن علم صدقه، أو أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا ففي قبول قوله إشكال، و الأحوط عدم القبول (382)، سواء صدّقه المولى أو كذّبه، كما أنّ في قبول قول المولى، مع عدم العلم و البيّنة، أيضا كذلك، سواء صدّقه العبد، أو كذّبه (383). و يجوز إعطاء المكاتب

______________________________

(381) فشمله إطلاق الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ- الآية.

(382) و علّق عليه المحقّق النائيني قدّس سرّه في تعليقته بقوله: «الأقوى قبول قول كلّ منهما مع تصديق الآخر له»، و هو مبني على قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به» المقرّرة في محلّها، فإذا أقرّ المالك بوقوع الإجارة- مثلا- على ماله الخاص، و صدّقه المستأجر، أو العكس، كان ذلك مسموعا منه، و ترتّب عليه آثار وقوع الإجارة الصحيحة، و أمثال هذه الموارد خارجة عن كبرى «عدم قبول الإقرار منه إذا كان له لا عليه»، و تمام الكلام في محلّه.

(383) و الوجه فيه ظاهر ممّا سبق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 278

من سهم الفقراء إذا كان عاجزا عن التكسّب للأداء (384)، و لا يشترط إذن المولى فى الدفع إلى المكاتب، سواء كان من باب «الرقاب»، أو من باب الفقر (385).

[الثّاني: العبد تحت الشدّة]

الثّاني: العبد تحت الشدّة (386)، و المرجع في صدق الشدّة العرف (387) فيشتري و يعتق، خصوصا إذا كان مؤمنا في يد

______________________________

(384) لاطلاق الأدلّة.

(385) لاطلاق الأدلّة.

(386) بلا خلاف فيه ظاهرا، بل إنّه ممّا ادّعي عليه الإجماع في كلام غير واحد «1»، و يدلّ عليه- مضافا إلى الإطلاقات- خبر أبي بصير المتقدّم «2»: «... إلّا أن يكون عبدا

مسلما في ضرورة، فيشتريه و يعتقه»، فإنّ المراد بالضرورة هي الشدّة.

(387) كما هو القانون المتبع فى تحديد المفاهيم المأخوذة فى نصوص الكتاب و السنة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد بن حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 344، ط النجف الأشرف.

(2)- ص 273.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 279

غير مؤمن (388).

[الثالث: مطلق عتق العبد]

الثالث: مطلق عتق العبد، مع عدم وجود المستحق للزكاة (389)، و نيّة الزكاة- في هذا و السابق- عند دفع الثمن إلى البائع، و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق (390).

______________________________

(388) فإنّه إذا جاز الشراء من الزكاة في فرض الشدّة مطلقا، فلا ريب في أنّ الشّدة مع فرض العبد مؤمنا و المولى غير مؤمن تكون أعظم و آكد، كما لا يخفى.

(389) عن «المعتبر «1»»: «عليه فقهاء الأصحاب ...»، و يدلّ عليه موثّق عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة ما له ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الألف الدراهم الّتي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ فقال عليه السّلام: «نعم، لا بأس بذلك «2»».

(390) مقتضى الأدلّة في هذا و السابق- بل هو مقتضى القاعدة الأولّية أيضا- عدم تحقّق العتق بمجرّد الشراء، بل لا بدّ من ذلك بعد الشراء، و على هذا، فحيث كان

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 575، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقّين للزكاة، ح 2.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول،

1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 280

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 280

[السادس: الغارمون]

اشارة

السادس: الغارمون، و هم الّذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها (391)،

______________________________

المصرف هو فكّ الرقاب، فلا بدّ من نيّة الزكاة حين العتق- أيضا- و لا يكفي مجرّد النيّة حين البيع.

(391) أمّا جواز صرف الزكاة فى الغارمين فى الجملة، فممّا لا خلاف فيه، بنصّ الكتاب الكريم: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ... وَ الْغٰارِمِينَ- الآية، كما أنّه لا ينبغى الخلاف ظاهرا في اعتبار عجزه عن أداء الدين، لما هو المستفاد من أدلّة تشريع الزكاة؛ من عدم تشريعها إلا لسدّ خلّة المحتاجين و رفع حاجتهم، فتكون الآية الكريمة منصرفة إلى مورد العجز عن الأداء؛ أو للإجماع و التسالم على اعتبار العجز من الأداء «1».

نعم، وقع الخلاف فيما بين الأصحاب قدّس سرّه في أنّ النسبة بين عنوان الفقر- كما اعتبره بعضهم «2» في كلامه- و عنوان العجز عن الأداء، كما اعتبره آخرون «3»،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 356، ط النجف الأشرف.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 235، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 258، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الشهيد، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 241، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 251، ط المكتبة المرتضويّة، طهران؛ الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 163، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 189، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الزكاة، ج 2، ص: 281

..........

______________________________

هل هو العموم من وجه، بمعنى أنّ الفقر في مصطلحهم- كما مرّت الإشارة إليه- عبارة عن عدم القدرة على مئونة السنة فعلا أو قوّة، فقد يجتمع ذلك مع العجز عن أداء الدين، و قد يفترقان، بأن يكون قادرا على مئونة سنته و عاجزا عن أداء الذين، كما إذا كان عليه دين كثير، من أروش الجنايات و الغرامات و الديات و نحوها، أو أنّه لا يكون عاجزا عن أداء الدين، و لكن ليس له القدرة على مئونة سنته، كما هو واضح. أو أنّه يصدق عنوان «الفقير» على العاجز عن أداء الدين و لو كان واجدا لمئونة سنته، فعلا أو قوّة.

و هذا البحث لا ثمرة له في محلّ الكلام، و إنّما هو مجرد بحث علمي، فإنّه لا إشكال فى أنّ المعتبر في صرف الزكاة فى الغارمين إنّما هو العجز دون عدم القدرة على مؤنة السنة، و ذلك لعدم الدليل على أكثر من ذلك، فإنّ غاية ما فى الباب إنّما هو انصراف الدليل- بمقتضى ما هو المستفاد من أدلّة تشريع الزكاة- إلى فرض العجز عن الأداء، أو للإجماع و التسالم على ذلك، كما لا يخفى. نعم، قد تظهر الثمرة العمليّة في بعض الفروع، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

هذا، و لكن الظاهر هو صدق عنوان «الفقير» عرفا بمجرّد العجز عن الأداء و لو كان مالكا لقوت سنته، كما هو الملاحظ في استعمالات أهل العرف خارجا. و قد يقال: إنّه على هذا لا معنى لذكر الغارمين بعد الفقير فى الآية الكريمة، و لكنّه مدفوع بأن إفراده بالذكر إنّما هو لما فيهم من الخصوصيّة، منها: كون صرف الزكاة فى «الفقير» من هذه الجهة ممّا

لا يتوقّف على وجود الفقير، بل يجوز ذلك مع فقده أيضا، كما في فرض موت المديون العاجز عن الأداء، و هذا بخلاف سهم الفقراء فإنّه لا يجوز دفعه إلّا إلى الفقير الحيّ دون الميّت، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 282

و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم (392). و يشترط أن لا يكون الدين مصروفا فى المعصية، و إلّا لم يقض من هذا السهم (393)،

______________________________

(392) لعدم الدليل على اعتبار «الفقر» بالمعنى المذكور، بل مقتضى إطلاق الآية الكريمة هو عدمه، كما أشرنا إليه، فلاحظ.

(393) بلا خلاف فيه ظاهرا «1»، بل فى «التذكرة «2»» و «المنتهى «3»» دعوى الإجماع عليه، و قد استدلّ له بوجوه:

الأوّل: انصراف الدليل إلى غير مورد الصرف فى المعصية، و منشئوه ما علم من أنّ الزكاة إنّما شرّعت إرفاقا بالفقراء، فلا تناسب مورد الصرف فى المعصية.

الثاني: إنّ في وفاء الدين المذكور من الزكاة إغراء بالقبيح، و هو قبيح.

الثالث: خبر محمّد بن سليمان، المروي فى «الكافي» في باب الديون، عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمّد، قال: سأل الرضا عليه السّلام رجل و أنا أسمع، فقال له: جعلت فداك، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ- الآية «4»، أخبرني عن هذه النظرة الّتي ذكرها اللّه عزّ و جلّ في كتابه،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 357، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 256، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 521، ط إيران الحجريّة.

(4)- البقرة، 2: 280.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الزكاة، ج 2، ص: 283

..........

______________________________

لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بدّ له من أن ينظر، و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله، و ليس له غلّة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محلّه، و لا مال غائب ينتظر قدومه، قال: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهى خبره إلى الإمام عليه السّلام فيقضي عنه ما عليه من الدين، من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، فإن كان قد أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء له على الإمام عليه السّلام، قلت: فما لهذا الرجل الّذي ائتمنه، و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّه عزّ و جلّ، أم في معصيته؟ فقال: يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر «1»».

أمّا الوجه الأوّل فلا بأس به، إلّا أنّ مقتضاه التفصيل بين صورة توبة المديون و عدمها، فإنّه إذا تاب جاز صرف الزكاة في دينه، فإنّ الإرفاق بمثل هذا الشخص ليس أمرا منكرا كما لا يخفى، بخلاف ما إذا لم يتب، فإنّ صرف الزكاة- مع كونها مشرعة للإرفاق بحال الفقراء- في مثل هذا الدين غير مناسب، كما عرفت.

و أمّا الثاني، فإن كان راجعا إلى دعوى الانصراف- كما فى الوجه الأوّل- كان مقتضاه هو التفصيل المتقدّم، و إلّا فلا مجال للاعتماد على مثل هذه الوجوه الاستحسانيّة. و أمّا الرواية، فهي و إن كانت مطلقة من حيث التوبة و عدمها، إلّا أنّها ضعيفة السند، و العمل بها إنّما يكون لأحد أمرين:

الأوّل: اعتماد جميع ما فى «الكافي» من الروايات، كما عليه بعضهم.

الثّاني: انجبار ضعفه بعمل الأصحاب.

أمّا الأوّل، فهو محل المناقشة كبرويّا، كما أنّ الثّاني- مضافا إلى هذه المناقشة فيه- يمكن

المناقشة الصغرويّة فيه أيضا، فإنّه بعد الاستدلال للمسألة بالوجهين

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: الدين، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 284

و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء (394)، سواء تاب عن المعصية أو لم يتب، بناء على عدم اشتراط العدالة فى الفقير (395)، و كونه

______________________________

الأولين أيضا، لم يمكن الجزم باستناد المشهور إلى الرواية، كما هو ظاهر. و كأنّ المصنّف قدّس سرّه اعتمد الرواية، و لذلك لم يفصّل في كلامه بين فرض تحقّق التوبة و عدمها، فلاحظ.

(394) هذا من جملة الموارد الّتي تظهر فيه الثمرة العمليّة للخلاف المتقدّم، فإنّه بناء على صدق الفقر بمجرّد العجز عن الأداء- كما هو المختار- يجوز الدفع من سهم الفقراء دائما، لكن مع التوبة، فإنّه مع عدمها لا يجوز دفع الزكاة إلى فقير كان فقره لأجل المعصية، للانصراف، أو الوجه العقلي الآخر، بخلاف ما إذا كانت النسبة هي العموم من وجه، فإنّه لا يجوز ذلك إلّا مع تحقّق عنوان الفقر فيه، كما لا يخفى.

(395) إنّ المصنّف قدّس سرّه- كما يظهر منه، على ما أشرنا إليه أيضا- و إن كان قد اعتمد الرواية فى الفرع السابق، و لذلك لم يفصّل بين مورد التوبة و عدمها، إلّا أنّه لا مجال لاعتمادها في هذا الفرع، لاختصاص الرواية بمورد سهم الغارمين، فالمعتمد فى المقام إنّما هو أحد الوجهين الآخرين، و مقتضى كلّ منهما هو التفصيل غير أنّه- كما قلنا- لا اعتبار بالثاني منهما إذا لم يكن راجعا إلى الأوّل. و قد يبدو عجيبا من السيّد العلّامة البروجردي قدّس سرّه حيث إنّه استشكل في تعليقته الصرف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

285

مالكا لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الّذي لا يفي كسبه، أو ما عنده، به (396)، و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (397). و لو شكّ في أنّه صرف في المعصية أم لا، فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم، و إن كان الأحوط خلافه (398).

______________________________

مع عدم التوبة هنا، و لم يستشكله فى الفرع المتقدّم. و لكنّه يمكن توجيه ذلك بما أشرنا إليه، من أنّ عدم التفصيل هناك إنّما كان لأجل الاعتماد على الرواية، بخلاف المقام، كما هو ظاهر.

(396) هذا مبنيّ على صدق الفقير على العاجز عن أداء الذين، و لو كان مالكا لقوت سنته.

(397) بناء على انطباقه عليه، لكن ينبغى التفصيل فيه بين موارد التوبة و عدمها، كما تقدّم.

(398) المحكيّ «1» عن الشيخ في «النهاية» المنع عند الشك فى الصرف، و ربما نسب «2» الميل إليه إلى المشهور، و نسب القول بالجواز إلى الأكثر، بل إلى

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 360، ط النجف الأشرف.

و لكنّي لم أعثر عليه فى كتاب «النهاية» المطبوعة بدار الكتاب العربي (بيروت- لبنان).

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 99، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

المشهور. و لا ينبغى الشك في أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة إنّما هو عدم الجواز، نظرا إلى أنّ الشبهة مصداقيّة، لا يجوز التمسّك بالعموم في مثلها، و حيث لم يثبت أنّ المعصية فى المقام عنوان وجوديّ، و الطاعة عدميّ، و هو غير المعصية. أو أنّ الطاعة بمعنى المشروعيّة، و المعصية عدمها، فلا مجال للرجوع حينئذ إلى استصحاب العدم الأزليّ لتنقيح موضوع العام، كما لا

يخفى.

إلّا أنّ مقتضى أصالة الصحّة إنّما هو حمل فعل المسلم على كونه مشروعا، و هو بنفسه موضوع لجواز الصرف من دون أن يكون الأصل مثبتا، فإنّ الطاعة المذكورة فى الرواية إنّما يراد بها المشروعيّة، فإذا أثبتناها بالأصل المذكور ترتّب عليه جواز الصرف من الزكاة فى الموارد المذكورة، كما لا يخفى.

و قد يستدلّ للمنع بما في ذيل خبر محمّد بن سليمان المتقدّم «1»: «قلت: فما لهذا الرجل الّذي ائتمنه ...»، و لكنّه فاسد، أمّا أوّلا: فلضعف السند، كما تقدّم. و ثانيا:

عدم دلالتها على ذلك، فإنّها ناظرة إلى بيان حال صاحب الدين، و أنّه حيث لم يكن يعلم بأنّ المديون قد صرف المال فى المعصية أو فى الطاعة، فلا تقصير له فى الدين، إذا كان المديون قد صرف المال خارجا فى المعصية، فالسؤال بهذا التعبير إنّما هو لدفع ما قد يبدو في بادئ النظر من تقصير الدائن، و أنّه لا بدّ له أن يجوز عن حقّه، و لذلك حكم الإمام عليه السّلام على المديون بالسعي في ردّ المال إليه، فالرواية ناظرة إلى الدائن، و ليست ناظرة إلى بيان حال الدافع للزكاة من حيث أنّه لم يكن يعلم بالصرف فى المعصية، كما لا يخفى.

و المتحصّل من ذلك كلّه، إنّما هو جواز الصرف في فرض الشك، عملا باصالة الصحة، و عليه فالاحتياط الوارد فى المتن استحبابيّ.

______________________________

(1)- ص 282.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 287

نعم، لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه فى المعصية (399)، و لو كان معذورا فى الصرف فى المعصية- لجهل، أو اضطرار، أو نسيان، أو نحو ذلك- لا بأس باعطائه (400)؛ و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف، لصغر،

أو جنون. و لا فرق فى الجاهل بين بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم (401).

[مسألة 16: لا فرق بين أقسام الدين]

[مسألة 16]: لا فرق بين أقسام الدين، من قرض، أو ثمن مبيع، أو ضمان مال، أو عوض صلح، أو نحو ذلك، كما لو كان من

______________________________

(399) لعلمه بعدم كونه مستحقّا للمال المذكور، فإنّ الدين فى المعصية ليس أداءه من مصارف الزكاة على الفرض.

(400) لعدم تحقّق المعصية فى الفروض المذكورة، فلم يكن الدين مصروفا فى المعصية.

(401) أمّا الجاهل بالموضوع فمعذور، و أمّا الجاهل بالحكم فلا بدّ من تقييده بالقاصر، و إلّا فالمقصّر عاص لا يجوز أداء دينه من الزكاة، كما سينبّه عليه المصنّف قدّس سرّه فيما يأتي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 288

باب غرامة اتلاف (402)، فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا، و لم يتمكّن من أداء العوض، جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان (403).

[مسألة 17: اذا كان دينه مؤجّلا]

[مسألة 17]: اذا كان دينه مؤجّلا، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله، و إن كان الأقوى الجواز (404).

______________________________

(402) فإنّ المذكور فى الآية إنّما هو عنوان «الغارمين» لا خصوص عنوان «الدين»، و هذا بإطلاقه يشمل جميع الموارد المذكورة. نعم، لو كان المأخوذ فى الآية الكريمة هو عنوان «الدين» لأمكن الاستشكال فى التعميم المذكور فى المتن.

(403) وجه التقييد بغير فرض العمد و العدوان ظاهر، فإنّه مع فرض العمد و العدوان يكون الدين فى المعصية، و قدم تقدّم عدم جواز صرف الزكاة فيه.

(404) القول بجواز الإعطاء قبل حلول الأجل مبنيّ على صدق عنوان العجز عن الأداء، فإذا لم يتمكّن من أداء الدين قبل حلول وقت الأداء لم يصدق العجز عن الأداء، و ذلك لأنّ المقسم للعجز عن الأداء و التمكّن منه إنّما هو حال الأداء، ففي وقت الأداء إمّا أن

يكون متمكّنا أو عاجزا، و عليه فقبل حلول الأجل لا يصدق عليه أنّه عاجز، فلا يجوز إعطاؤه من السهم المذكور. نعم، لو كان عالما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 289

[مسألة 18: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج]

[مسألة 18]: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان الديّان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم، و إن لم يكن مطالبا فالأحوط عدم إعطائه (405).

[مسألة 19: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه]

[مسألة 19]: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه (406)؛ إلّا إذا كان فقيرا، فإنّه يجوز احتسابه

______________________________

- أو بأصل معتبر- بعجزه عن الأداء بعد حلول الأجل صدق عليه أنّه عاجز، فيجوز إعطاؤه من سهم الغارمين، و لذلك قوىّ المصنّف قدّس سرّه الجواز.

(405) قد عرفت أنّ جواز الإعطاء من السهم المذكور موقوف على كونه عاجزا عن أداء الدين، فلا محالة يختصّ الجواز فى المقام بفرض المطالبة، إذ مع عدمها لا يصدق في حقّه العجز عن الأداء عرفا، إذ ليس هو بملزم به بالفعل كي يكون عاجزا عنه، بل له أن يؤدّيه فى المستقبل، و المفروض هو تمكّنه من الأداء آنذاك، و لا أقلّ من انصراف الدليل عنه.

(406) لعدم تملّكه لها بالقبض، بعد العلم بأنّ الدفع إليه إنّما كان بعنوان الزكاة من سهم الغارمين، مع فرض عدم كونه مصرفا لها، لكون الدين الثابت عليه دينا في معصية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 290

عليه من سهم الفقراء (407)، و كذا إذا تبيّن أنّه غير مديون، و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين (408).

[مسألة 20: لو ادّعى أنّه مديون]

[مسألة 20]: لو ادّعى أنّه مديون، فإن أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا فالأحوط عدم تصديقه (409)، و إن صدّقه الغريم، فضلا عمّا لو كذّبه، أو لم يصدّقه.

______________________________

(407) تقدّم أنّه لا يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء إلّا مع التوبة، و بدونها لا يجوز، فراجع و لاحظ.

(408) و الوجه فيه ظاهر ممّا تقدّم.

(409) ذهب المحقّق قدّس سرّه فى «الشرائع «1»» إلى تصديق الغريم فيما لو تجرّدت دعواه من تصديق الدائن و إنكاره أيضا، فضلا عمّا إذا صدّقه، و ذهب صاحب «المدارك» قدّس سرّه

«2»، و واقفه على ذلك غيره، إلى عدم القبول، إلّا بالبيّنة. و كيف كان فالظاهر ابتناء القبول و عدمه- في فرض تصديق الغريم إيّاه- على أن

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 162.

(2)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 230، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 291

[مسألة 21: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره]

[مسألة 21]: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره، ارتجع منه (410).

______________________________

يكون الغالب- بحسب الخارج- إنّما هو الدّين الّذي لا سبيل إليه إلّا قول المديون مع تصديق الغريم إيّاه، فلو لم يقبل منه لزم من ذلك محرومية جلّ الغارمين من الزكاة، و هو مناف لتشريع الزكاة للصرف فى الجهة المذكورة، و عليه، فإن أمكننا إثبات الغالبيّة الخارجيّة على الوجه المذكور فهو، و إلّا فلا دليل على التصديق من دون إشهاد عليه.

و أمّا ما يستدلّ به للمسألة بجميع فروضها، من أنّ الأصل فى المسلم هو العدالة، فيقبل قول الغارم، فمندفع أوّلا: بأنّ العدالة، إمّا هي عبارة عن الملكة، أو الاستقامة العمليّة في جادة الشرع، و على كلا التقديرين فهي ليست من مقتضيات الإسلام، لتكون هي الأصل الأوّلي فى المسلم. و ثانيا: إنّ قبول قول العدل الواحد فى الموضوعات إنّما هو محلّ الكلام، كما هو محرّر في محلّه. نعم، هذا كلّه في غير الديون المهمّة، الّتي تكون في مجالات التجارة، فإنّها- عادة- لا تخلو عن سند إثبات، فلا يكون عدم تصديق المديون فيها موجبا لتعطيل السهم المذكور، كما هو ظاهر.

(410) لأنّ للمالك الولاية على صرفها فى الأصناف، بل له الولاية على الخصوصيّات الخارجيّة،

كأن يعطى الزكاة لأحد و يمنعها عن غيره، من دون خصوصيّة شرعية في هذا الاختيار أصلا، و عليه فإذا كان إعطاؤها له بعنوان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 292

[مسألة 22: المناط هو الصرف فى المعصية أو الطاعة، لا القصد من حين الاستدانة]

[مسألة 22]: المناط هو الصرف فى المعصية أو الطاعة، لا القصد من حين الاستدانة، فلو استدان للطاعة فصرف فى المعصية لم يعط من هذا السهم، و فى العكس بالعكس (411).

[مسألة 23: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين]

[مسألة 23]: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها، أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة، ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال (412)،

______________________________

سهم الغارمين لم يكن قد ملّكه ذلك ملكا طلقا، فلا محالة كان تصرّفه فى المال المذكور في غير الجهة المذكورة غصبا و محرّما، فيكون ضامنا له، كما هو ظاهر.

(411) لأنّ المنصرف عنه أدلّة الزكاة إنّما هو الدين المصروف فى المعصية، لا الدين المنويّ به- حين الاستدانة- الصرف فى المعصية. و كذلك الحال فى الوجه العقلي الآخر المتقدّم ذكره لاختصاص الحكم بالدين المصروف في غير المعصية، بناء على الاعتماد عليه.

(412) قد عرفت آنفا انصراف الأدلّة إلى مورد عجز الغريم عن أداء الدين، و عدم شمولها لمورد تمكّنه من ذلك، و لا إشكال في عدم صدق العجز عند عدم المطالبة، أو إمكان الاستقراض من محلّ آخر، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 293

و إن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن، أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محلّ اخر، ثمّ قضائه بعد التمكّن.

[مسألة 24: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة]

[مسألة 24]: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة (413).

______________________________

(413) بلا خلاف فيه، كما فى «الحدائق «1»»، و غيره «2»، و الوجه فيه: أنّ للمالك تطبيق مقدار الزكاة على أيّ مال شاء، و لا يحب عليه إعطاء خصوص مال معيّن، كما مرّ ذلك، و عليه، فله أن يطبّق ذلك على ما له في ذمّة الغارم من الدّين، بعد فرض كونه مصرفا لها. و يدلّ عليه- مضافا إلى ذلك- جملة من النصوص؛ كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج،

قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه و احتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم «3»،» و خبر عقبة بن خالد، قال: دخلت أنا، و المعلّى، و عثمان بن عمران على أبي عبد اللّه عليه السّلام فلما رآنا قال: «مرحبا بكم وجوه تحبنا و نحبّها، جعلكم اللّه معنا فى الدنيا و الآخرة، فقال له عثمان: جعلت فداك، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: نعم، فمه؟ قال: إنّي رجل موسر، فقال له: بارك اللّه لك في يسارك، قال: و يجي ء الرجل فيسألني الشي ء، و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 195، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 363، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 46: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 294

بل يجوز أن يحتسب (414) ما عنده من الزكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصّة، و إن لم يقبضها المديون و لم يوكل في قبضها.

______________________________

عشر و الصدقة بعشر، و ما ذا عليك- إذا كنت كما تقول موسرا- أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزّكاة، يا عثمان، لا تردّه، فان ردّه عند اللّه عظيم «1»»، و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، فقال: «إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه

من دين، من عرض، من دار، أو متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ما له عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة، أو يحتسب بها، فإن لم يكن عند الفقير وفاء، و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا، فليعطه من زكاته، و لا يقاصّه بشي ء من الزّكاة «2».

(414) الاحتساب من الزكاة إنّما يتصوّر بنحوين:

الأوّل: تطبيق الفريضة على ما في ذمّة الغارم، و هو الّذي مرّ الكلام فيه آنفا.

الثّاني: تمليك الغارم المال ابتداء، ثمّ أخذه منه مقاصّة بعنوان الوفاء بالدّين، و هذا و إن كان على خلاف القاعدة، فإنّه ما دام لم يقبض الفقير الزكاة لم تكون ملكا له، فكيف يجوز جعله وفاء لدين الغارم!، إلّا أنّ النّص- و هو موثق سماعة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 46: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 295

و لا يجب (415) عليه إعلام المديون بالاحتساب عليه، أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصة.

______________________________

المتقدّم «1»- قد دلّ على جواز ذلك، و به يخرج عما هو مقتضى القاعدة.

ثمّ إنّ المصنّف قدّس سرّه ذكر في هذا المقام أنّ المالك إنّما يحتسب ما عنده من الزّكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصّة، و من المعلوم أنّه إذا احتسبها وفاء للدين صارت ملكه لا محالة، و بعده لا يعقل الأخذ مقاصّه، كما نبّه عليه العلّامة البروجردي قدّس سرّه في تعليقته أيضا؛ و على الإجمال: إذا احتسبها وفاء للدين صارت الزكاة بذلك ملكا له و حينئذ فلا يعقل التقاص، فإنّه إنّما يتحقّق بأخذ مال الغير لا

مال نفسه، كما هو ظاهر.

و يمكن توجيه ذلك، بأنّ يراد به تمليك الغارم ابتداء، و لكن بداعي أخذه منه مقاصّة، المنطبق عليه عنوان «وفاء الدّين»، فقوله: «وفاء للدين» بيان لما هو الدّاعي إلى الاحتساب على النهج المذكور.

(415) لورود النصّ المعتبر بذلك، و معه لا موجب لاستبعاده، نظرا إلى مخالفته للقواعد الأوليّة، كما عن بعضهم «2»، فلاحظ.

______________________________

(1)- ص 294.

(2)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 225، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 296

[مسألة 25: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة]

[مسألة 25]: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة، يجوز (416) له وفاؤه عنه بما عنده منها، و لو بدون اطلاع الغارم.

[مسألة 26: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة]

[مسألة 26]: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له (417) إعطاؤه لوفاء دينه، أو الوفاء عنه،

______________________________

(416) كما دلّ على ذلك خبر محمّد بن سليمان، المتقدّم «1»، و نحوه مرسل القميّ رحمه اللّه، في تفسيره، عن العالم عليه السّلام: «و الغارمين قد وقعت عليهم ديون، أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات «2»». و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين اطّلاع الغارم و عدمه.

(417) بلا خلاف فيه ظاهرا «3»، و يدلّ عليه حسنة زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل حلّت عليه الزّكاة، و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال: «إن كان أورثه مالا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه عنه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا، لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه

______________________________

(1)- صص 282- 283.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 366، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 297

و إن لم يجز (418) اعطاؤه لنفقته.

[مسألة 27: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة]

[مسألة 27]: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة، جاز (419) له إحالته على الغارم، ثمّ يحسب عليه.

______________________________

على هذا الحال أجزأت عنه «1»»، و موثّق اسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل على أبيه دين، و لابنه مئونة، أ يعطي أباه من زكاته يقضي

دينه؟ قال: نعم، و من أحق من أبيه! «2»».

(418) كما سيأتي ذلك- إن شاء اللّه تعالى- عند ذكره قدّس سرّه لأوصاف المستحقّين، فانتظر.

(419) إذا فرضنا أنّ عمروا- المفروض كونه مستحقّا للزكاة- مدين لزيد بعشرة دنانير- مثلا- و كان زيد مدينا لمن عليه الزكاة بذلك المقدار أيضا، جاز لزيد حينئذ إحالة من عليه الزكاة على عمرو المستحق، فيكون صاحب الزكاة مالكا لعشرة دنانير في ذمّة الفقير المستحق للزكاة، و حينئذ فيجوز احتسابه عليه زكاة، فتبرأ ذمّته لا محالة، كما تبرأ ذمّة زيد أيضا. و الوجه فيه- بعد ما ثبت من مشروعيّة الحوالة- إنّما هو ما مرّت الاشارة إليه فى المسألة الرّابعة و العشرين فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 18: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 298

بل يجوز (420) له أن يحسب ما على الديّان وفاء عمّا في ذمّة الغارم، و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد إلا حالة.

[مسألة 28: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا]

[مسألة 28]: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا، لمصلحة مقتضية لذلك، مع عدم تمكّنه من الأداء، و إن كان قادرا على قوت سنته، يجوز (421) الإعطاء من هذا السهم، و إن كان

______________________________

(420) فيكون المستحق للزكاة مالكا في ذمّة الديّان بمقدار ما كان يملكه في ذمّته، فيحصل التهاتر، و تبرأ كلتا الذّمتين، إلّا أنّه لا بدّ من تقييده بما إذا كانا من جنس واحد، كما نبّه عليه العلّامة البروجردي قدّس سرّه في تعليقته، إذ على تقدير الاختلاف، كما إذا كان المستحق مدينا بعشرة دنانير، و ملك في ذمّة الدائن من قبل من عليه الزّكاة عشرة أمنان من الحنطة، و هي تساوى بحسب القيمة

ذلك، فإنّه لا مجال لبراءة ذمّتيهما بالتهاتر، كما هو ظاهر.

ثمّ أنّ الوجه فى الاحتياط المذكور في كلامه قدّس سرّه، هو مجرّد احتمال عدم كون الاحتساب- في مثل الفرض- بمثابة الإعطاء و الأداء، و إلّا فكما يجوز الأداء إلى الدّائن يجوز احتساب ما في ذمّته لمن عليه الزّكاة منها أيضا، فتأمّل.

(421) قد عرفت فيما سبق أنّه لا فرق في جواز الإعطاء من السهم المذكور بين أقسام الدين، من كونه ثمن مبيع، أو قرض، أو ضمان مال و نحو ذلك. نعم، لا بدّ و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 299

المضمون عنه غنيّا (422).

[مسألة 29: لو استدان لإصلاح ذات البين]

[مسألة 29]: لو استدان لإصلاح ذات البين، كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله، و كاد أن تقع بسببه الفتنة، فاستدان للفصل، فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم، و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامة، و أمّا تمكّن من الأداء فمشكل (423).

______________________________

أن يكون الضمان لأجل مصلحة عقلائيّة، و إلّا كان الإعطاء من السهم المذكور غير جائز، بعد فرض عدم كون الضمان مبنيّا على وجه عقلائي صحيح، فإنّه حينئذ يكون ك: لا ضمان.

(422) لإطلاق ما دلّ على جواز صرف الزكاة فى الغارمين، كما لا يخفى.

(423) الوجه في إفراد المسألة بالذكر مع وضوح حكمها إنّما هو لأجل حكم صورة تمكّن الغارم من الأداء، فقد ذهب بعضهم «1» إلى جواز الإعطاء من السهم

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 251، ط المكتبة المرتضوية، طهران. و فى «الحدائق»: «و بذلك صرّح كثير من الأصحاب ممّن تأخر عنه، منهم العلّامة في أكثر كتبه، و ابن حمزة ...» (البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة،

ج 12: ص 194، ط النجف الأشرف).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 300

نعم، لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه، و إن كان لا يخلو عن إشكال (424) أيضا؛

______________________________

المذكور مطلقا، حتّى مع التمكّن، فيما إذا كان الدين لا لأجل مصلحة نفسه، بل للمصلحة العامّة. و استدلّ له بعموم الآية الكريمة، و بما روي عن النّبي صلى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلّا لخمسة: لغاز في سبيل اللّه، أو لعامل عليها، أو لغارم ... «1»».

أمّا عموم الآية الكريمة، فلا مجال له، بعد ما عرفت آنفا، من انصرافها إلى مورد العجز عن الأداء، بلا فرق في ذلك بين كون الدين لمصلحة نفسه أو للمصلحة العامة. و أما الخبر فهو عاميّ ضعيف السند، لا ينبغى الاعتماد عليه، و الموجود في أصولنا مجرّد عن الاستثناء «2» و عليه، فالحقّ هو عدم الجواز مع التمكّن.

(424) وجه الإشكال هو أن ما يكون مصداقا لسبيل اللّه ليس هو الاستدانة، و إنّما هو صرف المال الّذي استحصله بالدين فى الأمور المذكورة، فلا ينطبق عنوان «سبيل اللّه» على نفس الدين، ليكون وفاءه من الزكاة من سهم سبيل اللّه.

______________________________

(1)- أبو داود، سليمان: السنن، ج 2: ص 119/ ح 1635؛ البيهقي: السنن، ج 7: ص 15، ط حيدرآباد- الهند.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 362، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 301

إلّا إذا كان من قصده (425) حين الاستدانة ذلك.

[السابع: سبيل اللّه]

السابع: سبيل اللّه، و هو جميع سبل الخير (426)، كبناء القناطر، و المدارس، و الخانات، و المساجد و تعميرها، و تخليص المؤمنين من يد الظالمين، و

نحو ذلك من المصالح، كإصلاح ذات البين، و رفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين؛ و كذا إعانة الحجّاج و الزائرين، و إكرام العلماء و المشتغلين، مع عدم تمكّنهم من الحجّ و الزيارة، و الاشتغال و نحوها من أموالهم. بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة، مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة، بل مع تمكّنه أيضا، لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه.

______________________________

(425) فإنّه يصدق على نفس الاستدانة العنوان المذكور، فيصحّ وفائه من السهم المذكور.

(426) لا إشكال و لا خلاف في صرف الزّكاة فى الجهة المذكورة فى الجملة، كما يدلّ عليه صريح الآية الكريمة: ... وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ- الآية «1»، إنّما الكلام فيه من جهات:

______________________________

(1)- التوبة، 9: 60.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 302

..........

______________________________

الأولى: أنّه نسب إلى «المقنعة «1»»، و «النهاية «2»»، و «المراسم «3»»، و غيرها «4» اختصاص ذلك بالجهاد فقط، فالمراد بسبيل اللّه إنّما يكون هو الجهاد خاصّة. و نسب «5» إلى الأكثر، بل المشهور، بل إلى عامّة المتأخّرين، و عن غير واحد «6»: دعوى الإجماع عليه، أنّه يعمّ سبل الخير كلّها، فيدخل فيه المذكورات فى المتن أيضا.

و الظّاهر هو المذهب المشهور، و يدلّ عليه- مضافا إلى إطلاق الآية الكريمة، مع عدم ظهور مقيّد له بالجهاد خاصّة، و عدم كون سبيل اللّه ظاهرا فيه بنحو الحقيقة، الشرعيّة أو عند المتشرّعة- خبر علي بن إبراهيم، في تفسيره، عن العالم عليه السّلام قال: «و في سبيل اللّه، قوم يخرجون فى الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام عليه السّلام

أن يعطيهم من مال الصدقات حتّى يقووا على الحجّ و الجهاد ... «7»»، و رواية عليّ بن يقطين، أنّه قال لابن الحسن الأوّل عليه السّلام: يكون عندي المال من الزكاة، فأحجّ به مواليّ و أرقابي؟ قال: «نعم، لا بأس «8»»، و

______________________________

(1)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 241، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(2)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: النهاية، ص 184، ط دار الكتاب العربي، بيروت.

(3)- سلّار، حمزة بن عبد العزيز الديلمي: المراسم/ تحقيق محمود البستاني، ص 133.

(4)- الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين: الفقيه، ج 2: ص 6، ط مكتبة الصدوق، طهران؛ الحلبي، عليّ بن الحسن: إشارة السبق، ص 112، ط مؤسّسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 4، ص 268، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 236، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع: ص 568، ط إيران الحجريّة (ضمن المجموعة «الجوامع الفقهيّة»).

(7)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 7.

(8)- المصدر/ باب 42: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 303

..........

______________________________

خبر الحسين بن عمر، قال: قلت للصادق عليه السّلام: إنّ رجلا أوصى إلى شي ء في سبيل اللّه، فقال لي: «اصرفه فى الحجّ، فإني لا أعلم شيئا في سبيل اللّه تعالى أفضل من الحجّ «1»»، و نحوها غيرها «2».

و استدلّ للقول الآخر: بالانصراف (أي انصراف إطلاق الآية الكريمة)، و خبر يونس بن يعقوب، قال: إنّ رجلا كان بهمدان، ذكر أنّ أباه مات، و كان لا يعرف هذا الأمر، فأوصى بوصيّة عند الموت، و أوصى

أن يعطى شي ء في سبيل اللّه، فسئل عنه أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف يفعل به، فأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر، فقال: «لو أنّ رجلا أوصى إليّ بوصيّة أن أضع في يهوديّ، أو نصرانيّ لوضعته فيهما، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ- الآية «3»، فأنظر إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني بعض الثغور- فابعثوا به إليه «4»».

أمّا الانصراف، فلا سبيل إلى إثبات كونه من غير البدويّ، و أمّا الخبر، فقد أجيب عنه بأنّ المتّبع في باب الوصية إنّما هو عرف الموصى، فإذا كان ممّن لا يعرف هذا الأمر، كما هو المفروض، فقد كان «سبيل اللّه» عنده هو الجهاد خاصّة، كما هو المنسوب إلى العامّة، و لأجل ذلك حكم عليه السّلام- أيضا- بصرفه فى الجهاد.

مضافا إلى احتمال أن يكون التخصيص بالجهاد- فى الخبر- من جهة كونه أفضل الأفراد، كما لا يخفى.

الثانية: إنّه- بناء على عدم الاختصاص بالجهاد- لا يعمّ جميع الأمور

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 33: الوصايا، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 42: المستحقّين للزكاة [و] باب 33: الوصايا.

(3)- البقرة، 2: 181.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 33: الوصايا، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 304

..........

______________________________

الخيريّة القربيّة حتّى ما كان الخير فيه شخصيّا، كصلاة اللّيل، و صلاة جعفر، و نحوهما من أفعال الخير الشخصيّة، بل الظاهر اختصاصه بالأمور القربية المشتملة على المصالح العامّة الدينية- كما نبّه عليه العلامة السيّد البروجردي قدّس سرّه فى تعليقته- و الوجه فيه: أنّ المستفاد من ملاحظة أدلّة تشريع الزّكاة، مع ما فيها من مزيد الاهتمام و

الحثّ على دفع الزكاة و عدم التملّص و التخلّص منها، أنّ تشريعها إنّما كان بلحاظ تأمين المنافع و المصالح العامّة للمسلمين، و هذا يناسب اختصاص صرف السهم المذكور فى الأمور القربيّة المشتملة على المصالح الدينيّة العامّة، كتعمير المساجد، و القناطر، و المدارس، و تأسيسها، و الحجّ ...، لا مطلقا، كما لا يخفى.

الثالثة: إنّهم اختلفوا في اعتبار الحاجة و الفقر في جواز الإعطاء من السّهم المذكور، فذهب بعضهم إلى ذلك، مستدلّا له: بأنّ الزكاة إنّما شرّعت لرفع حاجة المحتاجين و سدّ خلّتهم، فلا يجوز صرفها في غير مورد الحاجة و الفقر. و بعموم قوله صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ».

و لا يخفى وجه الإشكال فيهما، فإنّ تشريع الزّكاة لرفع حاجة المحتاجين لا يقتضي اعتبار الحاجة و الفقر في جميع المصارف المذكورة فى الآية الكريمة، فإنّ في بعضها لا يكون الفقر معتبرا قطعا، كما مرّت الإشارة إليه. و عليه، فالوجه فى التعابير المتقدّمة الواردة في أدلّة الزكاة إنّما هو ملاحظة الغالب خارجا، حيث أنّ الغلبة في مصرفها إنّما تكون لرفع حاجة الفقراء و المعوزين، فالإطلاق إنّما هو بهذا اللحاظ.

و أمّا قوله صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ ...» فالمظاهر منه نفي كون الغنيّ مالكا لها، فيدلّ على اعتبار الفقر في مورد يقصد به تملّك المدفوع إليه الزكاة، و أمّا فى المقام،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 305

..........

______________________________

فالظاهر منه أنّ المدفوع إليه لا يكون مالكا للسهم المذكور، بل المالك لها إنّما هي الجهة الخاصّة. و على الإجمال: الخبر إنّما ينفي تملّك الغنيّ للزكاة، و فى المقام لا يقصد من إعطاء الزكاة التملّك، فإنّ الظاهر من الآية الكريمة إنّما هو جواز

إعطاء السهم المذكور على وجه لا يكون المدفوع إليه مالكا. فلاحظ.

و للفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه فى المقام كلام لا بأس بإيراده، قال قدّس سرّه: «و لكن لا يخفى عليك، أنّ صرف الزكاة في معونة الزوّار و الحجيج و الغزاة يتصوّر على أنحاء:

أحدها: أن يكون ما يصرفه إليهم بمنزلة الأجرة على عملهم، كما لو لم يكن لمن يباشر العمل بنفسه داع إلى فعل الحجّ، أو الجهاد، أو نحوه، و لكن رأى المتولي للصرف و المصلحة في إيجاد هذه الأفعال، من باب تشييد الدين، أو تعظيم الشعائر، أو غير ذلك من المصالح، فبعثهم على الفعل، بجعل الأجرة لهم، أو بذل النفقة عليهم من الصدقات، على أن يعملوا هذا العمل.

الثاني: أن يصرفه فيمن يريد بنفسه الحجّ و الجهاد، فيعينه ببذل الزاد و الراحلة و السلاح و نحوها.

الثالث: ما يصرفه فى التسبيلات العامّة، من مثل المضايف و السّقايات الواقعة فى الطرق، الّتي يأكل و يشرب منها عامّة المستطرقين. أمّا القسم الأوّل و الثالث، فلا ينبغى الاستشكال في عدم اشتراط الفقر و الحاجة فيمن يتناوله، فإنّ مصرف الزكاة في هذين القسمين- فى الحقيقة- هي نفس تلك المصالح الّتي صرفت الزكاة فيها، لا خصوص الأشخاص الذين وصل إليهم شي ء منها. و أمّا القسم الثاني، الّذي هو فى الحقيقة صرف إلى من يعمل الخيرات لا في نفس عمل الخير، و إن كان هذا الصرف- أيضا- باعتبار كونه إعانة على البرّ و التقوى يعدّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 306

[الثامن: ابن السبيل]

اشارة

الثامن: ابن السبيل، و هو المسافر (427) الّذي نفذت نفقته، أو

______________________________

من السبيل، فهذا هو الّذي وقع فيه الإشكال على تقدير عدم كون المصروف إليه محتاجا إلى تناوله،

و الاحتياط فيه ممّا لا ينبغي تركه ... «1»».

هذا و قد عرفت آنفا عدم الدليل على اعتبار الفقر و الحاجة فى القسم الثاني الّذي هو محلّ الخلاف، فالاحتياط المذكور في كلامه قدّس سرّه ممّا لا بأس بتركه، و اللّه العالم.

(427) لا مجال لاستشكال كون ابن السّبيل مصرفا للزكاة فى الجملة، لصراحة الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ... وَ ابْنِ السَّبِيلِ- الآية «2» في ذلك، مضافا إلى ذلك ما رواه الشيخ قدّس سرّه باسناده عن علي بن إبراهيم في تفسيره- و الظاهر أنّه صحيح- عن العالم عليه السّلام- في حديث-: «و ابن السبيل، أبناء الطريق الّذين يكونون فى الأسفار، في طاعة اللّه، فيقطع عليهم و يذهب ما لهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات «3»».

ثمّ إنّ المتفاهم من هذه الكلمة عرفا، إنّما هو المنقطع عن أهله فى الطّريق، المعبّر عنه بالفارسية ب «سر راهى»، و ليس هو عبارة عن خصوص المسافر، أي من يصدق عليه العنوان المذكور شرعا، على الوجه المقرّر في صدق السفر

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 102، ط إيران الحجريّة.

(2)- التوبة، 9: 60.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقين للزكاة، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 307

تلفت راحلته، بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنيّا في وطنه، بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة، أو بيع ما يملكه، أو نحو ذلك (428). و بشرط أن لا يكون سفره في معصية (429)،

______________________________

الشرعي. نعم، عنوان «نفاذ النفقة» أو «تلف الراحلة»، و نحو ذلك مأخوذ في مفهومه، حيث إنّ الانقطاع لا يكون إلّا بذلك، كما هو

ظاهر.

(428) فإنّه مع التمكّن من ذلك لا يصدق عليه الانقطاع فى الطريق، المفروض كونه، مأخوذا في مفهوم ابن السبيل، كما أشرنا إليه آنفا. نعم، لا بدّ من تقييد التمكّن بما لا يستلزم المشقّة و الحرج، بحيث لا يتحمّل ذلك إلّا مع الإلجاء و الاضطرار، فإنّه في فرض استلزامه لذلك لا يكون مانعا عن صدق الانقطاع، كما لا يخفى.

(429) فى «المدارك»: «لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدفع إلى المسافر من سهم ابن السبيل إذا كان سفره معصية ... «1»»، و يدلّ عليه- مضافا إلى الخبر المتقدّم- ما تقدّم في جواز إعطاء الزكاة للغارم، في اشتراط عدم كون الدين فى المعصية؛ من انصراف الأدلّة عن مورد المعصية. أو الوجه العقليّ الّذي أشرنا إليه هناك.

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 236، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 308

فيدفع إليه قدر الكفاية (430) اللائقة بحاله، من الملبوس و المأكول و المركوب، أو ثمنها، أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده، بعد قضاء وطره من سفره، أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة و البيع أو نحوهما. و لو فضل ممّا أعطى شي ء، و لو بالتضييق على نفسه، أعاده (431)، على الأقوى.

______________________________

ثمّ إنّ المأخوذ في موضوع الجواز فى الخبر المتقدّم، و إن كان هو عنوان «الطاعة»، إلّا أنّ المراد به هو المشروعيّة و كون السفر مباحا، في قبال سفر المعصية، لا أن يكون ذلك ممّا ينطبق عليه عنوان قربيّ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لا بدّ من تقييد الحكم بعدم التوبة و الارتداع، فلو ارتدع عن المعصية، و كان الباقي بمقدار يصدق عليه السفر استقلالا، جاز

إعطاءه من الزكاة، كما هو ظاهر.

(430) المستظهر من الآية الكريمة إنّما هو كون جهة ابن السبيل مصرفا للزكاة، نظير الغارمين، و الرقاب، و سبيل اللّه، فالّذي يجوز دفعه من الزكاة الى «ابن السبيل» إنّما هو بالقدر الّذي يخرجه عن الانقطاع، بأن يوصله إلى محلّه، أو إلى مكان يمكنه الاستدانة أو البيع و نحوهما، مع ملاحظة حاله، ضعة و رفعة.

(431) كما عليه الأكثر، بل المشهور، كما في «الجواهر «1»». و نسب إلى الشيخ قدّس سرّه فى

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 376، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 309

..........

______________________________

«الخلاف «1»»: عدم الإعادة. و كيف كان، فالمسألة عندهم مبتنية على اشتراك ابن السبيل مع الفقير و عدمه، فعلى القول بالاشتراك، فكما لا يجب على الفقير إعادة ما فضل عن مئونة سنته و لو كان ذلك بالتقتير، كذلك لا تجب الإعادة على ابن السّبيل.

و الظاهر هو الفرق بين الأمرين، فإنّ الفقير إنّما يملك ما يدفع إليه من سهم الفقراء، و المفروض أنّ جهة فقره إنّما تكون داعية للمالك إلى تمليكه المقدار المذكور، فإذا وفّره على نفسه بالتقتير، لم يكن هناك موجب لإعادة الزائد إلى المالك. و هذا بخلاف المقام، فإنّ التمليك له إنّما هو بعنوان كونه ابن السّبيل، فأيّ مقدار من المال كان دخيلا في رفع العنوان المذكور فقد ملّكه صاحب الزكاة، و أمّا الزائد على ذلك فلا سبب لدخوله في ملكه. و الحاصل، أنّ الفقر هناك إنّما يكون داعيا إلى تمليك مقدار من المال للشخص، بخلاف المقام، فإنّه مقيّد بكون المتملّك ابن السّبيل، فملكيّته لما يدفع إليه يكون مراعى بالصرف في حاجته، فإذا فضل منه شي ء،

لم يكن الشخص- حينئذ- مصداقا لابن السبيل، فلم يكن سبب لتملّكه المقدار الفاضل، كما لا يخفى.

و من هنا يظهر الخلل فيما استدل «2» به لعدم الإعادة، من أنّه يملكه بالقبض، فما يفضل منه بعد الوصول إلى بلده ليس إلّا كما يفضل في يد الفقير من مال الصدقة بعد صيرورته غنيّا.

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 235، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 104، ط إيران الحجريّة.

و قد ذكره قدّس سرّه توضيحا لاستدلال الشيخ قدّس سرّه فى «الخلاف».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 310

من غير فرق بين النقد، و الدّابة، و الثياب، و نحوها (432)، فيدفعه إلى الحاكم (433)، و يعلمه بأنّه من الزّكاة؛ و أمّا لو كان في وطنه، و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه فليس من

______________________________

(432) قال فى «المسالك»: «لا فرق في ذلك- أي في وجوب الرد- بين النقدين و الدابة و المتاع ... «1»». و علّق عليه فى «الجواهر»: «و كأنّه أشار إلى ما عن «نهاية «2»» الفاضل، من أنّه لا يسترد منه الدابة، لأنّه ملكها بالاعطاء، بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب. و الآلات بها ... «3»». و لكن الفرق ضعيف، لما تقدّم من كون الملكيّة مراعى بالصرف في جهة حاجته، فإذا فضل منه شي ء، أو سلم نفس المدفوع إليه- كما فى الدابّة و الثياب و نحوهما- عاد إلى ما كان عليه من الصدقة، كما هو ظاهر.

(433) و ذلك فإنّ الحاكم هو ولي الفقراء في أخذ الزكوات من أصحابها، فإذا كان ما يفضل في يده فى الصدقة- و مصرفها الفقراء-

لزمه الدفع إلى وليّ الفقراء، ليصرفه فى الموارد المقرّرة له.

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: صص 420- 421، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: نهاية الأحكام، ج 2: ص 419، ط مؤسسة إسماعيليان، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمد بن الحسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 377، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 311

ابن السبيل (434). نعم، لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز اعطاؤه من هذا السهم، و إن لم يتجدّد نفاذ نفقته (435)، بل كان أصل ماله قاصرا، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل. نعم، لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء (436).

[مسألة 30: إذا علم استحقاق شخص للزكاة، و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف]

[مسألة 30]: إذا علم استحقاق شخص للزكاة، و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة، من غير

______________________________

(434) لعدم صدق عنوان ابن السّبيل عليه- عرفا- مع عدم تلبّسه بالسفر.

(435) الظاهر هو عدم اعتبار تجدّد النفاذ في صدق العنوان المذكور، فلو كانت النفقة قاصرة من الأوّل، و تلبّس بالسفر، صدق عليه ذلك، و جاز إعطاءه من السهم المذكور.

(436) و وجهه ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 312

تعيين للصّنف (437)، بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.

[مسألة 31: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا- لجهة راجحة، أو مطلقا]

[مسألة 31]: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا- لجهة راجحة، أو مطلقا (438)- ينعقد نذره، فإن سها فأعطى فقيرا آخر أجزأ (439)، و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية، بل لو كان

______________________________

(437) بناء على عدم وجوب البسط لا دليل على اعتبار التعيين، و الأصل البراءة، فيكفى الإتيان بداعي العنوان الواقعي المنطبق عليه. و الزكاة و إن كان قربيّا، لكنّه لا دليل على وجوب قصد الوجه، أو التمييز فى العبادة، كما حقّق ذلك في محلّه.

(438) بناء على اعتبار الرجحان في متعلّق النذر، الظاهر عدم انعقاده في فرض عدم الجهة الراجحة، فما أفاده قدّس سرّه من الانعقاد مطلقا ممّا لم يظهر الوجه فيه.

(439) فان الامتثال بإعطاء الزكاة إلى الفقير قد تحقّق على الفرض، فلا موضوع للزّكاة، و إعدام الموضوع و إن كان غير جائز لأجل النّذر؛ إلّا أنّه حيث كان ذلك سهوا، فلا معصية، و حيث إنّ الفقير قد ملك الزكاة، فلا مجال لاسترداده، و إن كانت العين باقية، لأنّها أصبحت كسائر أمواله.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 313

ملتفتا إلى نذره و أعطى غيره

متعمّدا أجزأ أيضا (440)، و إن كان آثما في مخالفة النّذر، و تجب عليه الكفّارة، و لا يجوز استرداده أيضا، لأنّه قد ملك بالقبض.

[مسألة 32: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا]

[مسألة 32]: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا،

______________________________

(440) فإنّ مرجع النّذر ليس هو حصر المصرف فى الفقير المعيّن، لكون ذلك خلاف الكتاب و السّنة، حيث اعتبر فيهما الفقير- بما هو فقير من دون اختصاص له بشخص معيّن- من جملة مصارف الزكاة، فلا ينعقد مثل هذا النذر، بل النّذر إنّما يوجب عليه إعطاء الزكاة إلى الفقير المنذور له، فإذا خالف النذر المذكور اختيارا عمدا أثم، و وجبت عليه كفّارة حنث النّذر، لأنّه لا موضوع للزكاة بعد ذلك، إلّا أنّه لا يضرّ بالامتثال لوجوب الزكاة بعد وقوعها في محلّها.

فهو من قبيل الواجب فى الواجب، فإنّه- قبل النذر- كان مخيّرا في تطبيق المأمور به- أو كان راجحا ذلك، فيما إذا فرضنا جهة راجحة في اعطاءها الفقير الخاص- على الفقير المعيّن، فصار ذلك واجبا بالنذر، كما في نذر الإتيان بالفريضة في أوّل وقتها، فإن مخالفة مثل ذلك اختيارا و إن كان حراما، و موجبا الكفّارة، لكنّه لا يوجب بطلان الفريضة فى غير الوقت المذكور، كما هو ظاهر.

و منه يظهر الوجه في عدم جواز الاسترداد، فإنّ الفقير المدفوع إليه- حيث إنّه لم يخرج بالنذر عن كونه مصرفا للزكاة- كان قد ملك الزكاة- لا محالة- بالقبض، فلا مجال- إذن- لاستردادها منه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 314

ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه، جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية (441)، و أمّا إذا شكّ في وجوبها عليه و عدمه، فأعطى احتياطا، ثم تبيّن له عدمه، فالظاهر عدم جواز الاسترجاع (442)، و إن

كانت العين باقية.

______________________________

(441) إذا كان الفقير عالما بالحال، أي عالما بأنّه لا تجب الزكاة على الدافع، و أنّه اعتقد ذلك خطأ، جاز للمالك- حينئذ- استرجاع العين مع بقائها، و استرجاع بدلها- مثلا أو قيمة- مع تلفها، لعلمه بأنّه غير مالك للمال المذكور، فكان يده على المال يد ضمان لا محالة.

و أمّا إذا كان جاهلا بالحال، فمع بقاء العين يجوز للمالك الاسترداد، فإنّه إنّما أعطى المال بعنوان الزّكاة، لا بعنوان آخر، كالهبة، و الصّدقة و نحو ذلك، و المفروض هو عدم وجوب ذلك عليه واقعا، فالتمليك إنّما كان بعنوان لم يتحقّق، فلم يدخل المال في ملك المدفوع إليه، فللمالك استرجاعه مع بقاء العين. نعم، مع التلف لا مجال للاسترجاع، فإنّه مغرور من قبل المالك، حيث سلّطه على المال، فلا مجال للضّمان حينئذ.

(442) لأنّ معنى الاحتياط هو أن يقصد بذلك الصدقة الواجبة رجاء باحتمال وجوبها عليه، فعلى كلّ تقدير المقصود يكون هو الصّدقة، و المفروض أنّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 315

..........

______________________________

المدفوع إليه هو مورد الصدقة لكونه فقيرا، و إن لم تكن واجبة عليه، فإذن يكون المال ملكا للمدفوع إليه، إن كانت الصدقة واجبة واقعا و إن لم تكن كذلك، و حينئذ فلا موجب لتجويز استرجاع العين مع بقائها، فضلا عن مورد التلف، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 317

[فصل في أوصاف المستحقّين]

اشارة

[فصل] في أوصاف المستحقّين) و هي أمور:

[الأوّل: الإيمان]

اشارة

الأوّل: الإيمان (443)، فلا يعطى الكافر (444) بجميع أقسامه.

______________________________

(443) المراد به الإيمان بالمعنى الأخصّ، و هو الولاية، كما ستأتي الإشارة إليه قريبا.

(444) الظاهر كونه ممّا لا خلاف فيه، بل فى «الجواهر»: «يمكن دعوى كونه من ضروريّات المذهب أو الدّين «1»»، و هو و إن لم يكن موردا للنصوص المانعة، بالخصوص، لاختصاصها- كما سنشير إليها إن شاء اللّه تعالى- بالمخالف، فتدلّ على اعتبار الإيمان بالمعنى الأخصّ، إلّا أنّه يستفاد منها عدم جواز الإعطاء للكافر بالطريق الأولى، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 378، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 318

و لا لمن يعتقد خلاف الحق (445) من فرق المسلمين، حتّى

______________________________

(445) لا خلاف فيه ظاهرا بين الأصحاب رحمهم اللّه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه متواتر كالنصوص، كما فى «الجواهر «1»»، و يشهد به جملة من النّصوص، كمصحّح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحروريّة، و المرجئة، و العثمانيّة، و القدريّة، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر، و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها، أو صوم، أو زكاة، أو حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك، غير الزكاة، و لا بدّ أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية «2»»، و صحيح بريد العجلى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية

فإنّه يؤجر عليه، إلّا الزكاة، لأنّه يضعها في غير مواضعها؛ لأنّها لأهل الولاية ... «3»»، و صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري، عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟ قال: «لا، و لا زكاة الفطرة «4»»، و نحوها غيرها «5».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 378، ط النجف الأشرف.

(2)- الحر العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 5: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 3 [و] باب 5: المستحقّين للزكاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 319

المستضعفين (446) منهم؛ إلّا من سهم المؤلّفة قلوبهم (447)، و سهم سبيل اللّه فى الجملة (448)، و مع عدم وجود المؤمن و المؤلّفة، و سبيل اللّه، يحفظ إلى حال التمكّن (449).

______________________________

(446) لإطلاق النصوص المتقدّمة بالنسبة إليهم، لعدم إحراز إيمانهم.

(447) لما مرّ، من أنّ المراد بهم ألا عمّ من الكفّار الّذين يستمالون بالزكاة إلى الإسلام أو معاونة المسلمين، و من المسلمين ضعاف العقيدة، فراجع.

(448) كما إذا أعطى- فى الحقيقة- بعنوان الأجرة على العمل، من حيث قيامه ببعض مصالح المسلمين العامّة؛ كالغزو، و حفظ الطرق، و سدّ الثغور، و نحو ذلك.

و أمّا إذا كان الصّرف فى المصالح العامّة الخيريّة الدينيّة، و انطبق على المخالف، كما إذا عمّر مسجدا- مثلا- فصلّى فيه المخالف، فلا شبهة في ذلك.

(449) المشهور- كما نسب إليهم «1»- هو ذلك، بل فى «الجواهر»: «بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ... «2»». و قد يستدلّ لذلك بخبر إبراهيم

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 206، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد

حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 381، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 320

[مسألة 1: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين]

[مسألة 1]: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين (450)،

______________________________

الأوسي، عن الرضا عليه السّلام، قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوما، فأتاه رجل، فقال: إنّي رجل من أهل الرّي، ولي زكاة، فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا، فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟! فقال: بلى، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إنّي لا أعرف لها أحدا؟ فقال: فانتظر بها سنة، قال: فإن لم أصب لها أحدا، قال: فانتظر بها سنتين، حتّى بلغ أربعين سنة، ثمّ قال له: إن لم تصب له أحدا، فصرّها صرارا، و أطرحها فى البحر، فإنّ اللّه تعالى حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا «1»».

و لكن الخبر ضعيف السّند، مضافا إلى ما في دلالته من الإشكال، فإنّ إلقاء المال فى البحر أمر مستهجن في نفسه، عقلا و عرفا. فلا بدّ من توجيه الرواية بأنّ المراد هو بيان أنّ إعدام المال أولى من صرفه إلى الناصب.

و مقتضى القواعد إنّما هو سقوط الفريضة في مثل هذا الفرض، إذ لا يعقل اعتبار الملكيّة أو الحق- على الخلاف فى المجعول في باب الزكاة، كما تقدّم- لمال، مع عدم وجود من له الملك أو الحقّ، كما هو ظاهر.

(450) بلا خلاف فيه «2»، بل عن غير واحد «3» دعوى الإجماع عليه، و يشهد به

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: المستحقّين للزكاة، ح 8.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 207، ط النجف الأشرف.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 383، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 321

..........

______________________________

الأخبار المستفيضة؛ كمصحّح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟ قال: «نعم، حتّى ينشئوا، أو يبلغوا و يسألوا، من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم، فقلت: إنّهم لا يعرفون، قال:

يحفظ فيهم ميّتهم و يحبّب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثوا أن يهتمّوا بدين أبيهم، و إذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم «4»»، و خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ذريّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطي أبوهم، حتّى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطو «5»»، و خبر عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: قلت لأبى الحسن عليه السّلام: رجل مسلم مملوك، و مولاه رجل مسلم، و له مال يزكّيه، و للمملوك ولد حرّ صغير، أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال:

«لا بأس به «6»».

بل يمكن القول بجواز الإعطاء- بمقتضى الأدلّة العامّة- فيما إذا كان الطفل بمرتبة من التّمييز بحيث يصدق عليه عنوان «المؤمن»، أو «أهل الولاية» و نحو ذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر/ باب 45: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 322

و مجانينهم (451)،

______________________________

(451) قد يفرض الكلام فى المجنون الّذي لم يمسّ جنونه باعتقاديّاته أصلا، و هذا لا إشكال في جواز إعطاءه من الزّكاة، إذا أقرّ بالولاية، لصدق العناوين المأخوذة في موضوع الجواز عليه، كما هو ظاهر. و قد يفرض ذلك

في غيره، و القول بجواز إعطاء هذا القسم من مجانين المؤمنين، كما عن المصنّف قدّس سرّه و غيره «1»- بعد اشتراط الجواز بالإيمان- غير واضح.

و قد يقال: إنّ اشتراط الإيمان إنّما هو فى الموضوع القابل لأن يتصف به و بمقابله، و أمّا المجنون الّذي يكون هو و الجدار سواء، فلا مجال للاشتراط بالإيمان في مثله، فالنصوص الدالّة على اعتباره منصرفة عنه. و لكن يتوجّه عليه أنّ الانصراف بدويّ، فلا يضربا لاطلاق، و إلّا كان لازم ذلك هو جواز اعطاء المجانين مطلقا، من دون تقييد لهم بمجانين المؤمنين.

و ربما يقال: بأنّه إذا كان الإيمان شرطا في جواز دفع الزكاة إليه، كان القول بعدم الجواز فى المجنون في محلّه، و هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ الكفر و النصب فى الشخص مانع، فإنّه حيث لم يحرز المانع فى المجنون، جاز إعطاء الزكاة له.

و يتوجّه عليه: أنّ ظاهر النصوص الدالّة على اعتبار الإيمان هو الاشتراط.

فلاحظ.

و الإنصاف- كما فى «المستند «2»»-: أنّه إن تمّ الإجماع على جواز الإعطاء

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 242، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- النراقي، أحمد بن محمّد مهدي: مستند الشيعة، ج 2: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 323

من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى، و لا بين المميّز و غيره (452)؛ إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم (453)، و إمّا بالصرف عليهم، مباشرة أو بتوسّط أمين، إن لم يكن لهم وليّ شرعى من الأب و الجدّ و القيّم.

______________________________

للمجانين فهو، و إلّا كان للنظر فى الحكم مجال واسع.

(452) لإطلاق الأدلّة، حتّى و لو كان الدّليل على الحكم فى

البعض- كما فى المجانين- هو الإجماع، كما عرفت، لإطلاق معقد الإجماع. فتأمّل.

(453) أمّا جواز الأمرين: التمليك، و الصرف في باب الزكاة، فهو ممّا لا ينبغى الإشكال فيه، إذ لا دليل على لزوم التمليك، فإنّ المستفاد من الأدلّة هو أن الغرض من تشريع الزكاة هو صرفها في موارده المقرّرة له، من دون خصوصيّة للتمليك في ذلك، كما لا يخفى.

و أمّا اشتراط إذن الوليّ فى الصرف عليهم، فهو ممّا لا دليل عليه، فإنّ المقدار الثابت بالأدلّة إنّما هو عدم ثبوت السلطنة للأطفال على التصرّفات الاعتباريّة، من التمليك و نحوه، فيلزم أن يكون ذلك بإذن الوليّ؛ و أمّا التصرّفات غير الاعتباريّة فلا دليل على اعتبار إذن الوليّ في وقوعها و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 324

[مسألة 2: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا]

[مسألة 2]: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا (454)، و إن كان يحجر عليه بعد ذلك.

______________________________

صدورها، و عليه فالظاهر، أنّه لا ينبغى الإشكال في جواز الصرف عليهم بلا توسّط إذن الوليّ، حيث لا يحتمل الخلاف ظاهرا في جواز إشباع الطفل الجائع- مثلا- من دون حاجة إلى إذن وليّه، كما لا يخفى.

بل يمكن القول بأنّ اشتراط التمليك فى المقام بالدفع إلى خصوص الوليّ ممّا لا دليل عليه، فإنّ حديث «رفع القلم» متكفّل برفع المؤاخذة، المفروض تعميمها إلى المؤاخذة الدنيويّة و الأخرويّة بمقتضى القرائن المذكورة في محلّه، فلا محالة يختصّ المرفوع بالحديث المذكور بما كان من قبيل الالتزامات و التعهدات، و لا يشمل مثل التملك المجّاني، كالهبة أو الزكاة و نحو ذلك، إذ لا تعهّد و لا التزام فى البين و بالنتيجة لا مؤاخذة، لتكون مرفوعة عن الصبيّ بحديث الرّفع.

و على الإجمال، المرفوع بالحديث المذكور إنّما هو التزامات الصبيّ

و تعهداته- أي معاملاته- بمعنى عدم ترتّب الأثر المترقّب عليها، فلا يدلّ حينئذ على عدم صحّة تملّك الطفل بدون إذن الوليّ، كما هو ظاهر.

(454) لقدرته و سلطنته على ذلك، فإنّه محجور بالإضافة إلى تصرّفاته- الاعتباريّة المعامليّة و غير الاعتباريّة- في ما يملكه، و أمّا تملّكه لشي ء، الّذي هو غير داخل في جملة التصرّفات الاعتباريّة- كما عرفت آنفا- فهو غير محجور عليه فيه، و بعد الدخول في ملكه يكون كسائر أمواله، لا محالة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 325

كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل اللّه (455)، بل من سهم الفقراء- أيضا- على الأظهر من كونه كسائر السّهام، أعم من التمليك و الصّرف.

[مسألة 3: الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن]

[مسألة 3]: الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن (456)، خصوصا إذا كان هو الأب.

______________________________

(455) إذا كان ممّن ينطبق عليه العنوان المذكور، بأن كان الصرف عليه داخلا فى جملة المصالح العامة الدينيّة.

(456) بعد اشتراط الإيمان فى المدفوع إليه، فقد يشكل الأمر فى الإلحاق، نظرا إلى عدم الدّليل عليه. و ما قد يقال: من الإلحاق بأشرف الأبوين، إلحاقا للإيمان بالإسلام، فهو من القياس الباطل. و قد يقال: بأنّ اعتبار الإيمان إنّما هو فى الموضوع القابل لأن يتّصف به، و الصبيّ خارج عن ذلك، فلا دليل على اعتبار الإيمان فيه، فيؤخذ بإطلاق ما دلّ على أنّها للفقير. و لكنّه باطل، فإنّ الإطلاق المذكور مقيّد بما دلّ على اعتبار الإيمان، و انصرافه إلى المورد القابل انصراف بدوي لا يعبأ به. و لو لا النص الخاصّ لقلنا بعدم جواز إعطاء الزكاة للصبيّ المتولّد من مؤمنين، لعدم اتّصافه بالإيمان. و التبعيّة فى المقام غير ثابتة، و إنّما هي في باب الإسلام. على

أنّه لو تمّ ذلك لزمّ جواز الإعطاء إلى الصبيّ و لو لم يكن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 326

نعم، لو كان الجدّ مؤمنا و الأب غير مؤمن ففيه إشكال (457)، و الأحوط عدم الإعطاء.

______________________________

أبواه مؤمنين أيضا، كما لا يخفى.

و دعوى أنّ في بعض نصوص جواز إعطاء الزكاة للصبيان، مأخوذ عنوان «المسلم»، كما في خبر أبي خديجة المتقدّم: «ذريّة الرّجل المسلم ...»، مدفوعة بأنّ المراد بالإسلام في هذا المقام إنّما هو الإيمان، و يشهد بذلك قوله عليه السّلام فى الرّاوي:

«يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم ...»، و معلوم أنّ الأب إنّما كان يعطى إذا كان مؤمنا بلا خلاف. هذا مع أنّه لو سلمت الدعوى لزم جواز اعطاء المتولّد من مخالفين أيضا، لصدق عنوان «ذريّة المسلم» حينئذ، مع أنّ أحدا لم يلتزم بذلك.

و الّذي يمكن أن يقال: إنّه فيما أنّه إذا كان الأب مؤمنا، يصدق عليه «ابن المؤمن»، فيشمله النصوص المتقدّمة فى الصبيّ، نظرا إلى أنّ المفروض في موردها إنّما هو إيمان الأب، فجواز إعطاء الصبيّ المتولّد من أب مؤمن إنّما هو بملاحظة النصوص الخاصّة الواردة فى الصبيّ.

و أمّا إذا كانت الأمّ مؤمنة، أو كان الأبوان- معا- غير مؤمنين، فلا دليل على جواز إعطاء الزكاة للمتولّد منهما.

(457) لصدق كونه «ابن المسلم» و «ابن المؤمن» بالاعتبارين، إلّا أنّ الأوّل أظهر.

و لذلك استشكل المصنف قدّس سرّه جواز الإعطاء.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 327

[مسألة 4: لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين- فضلا عن غيرهم- من هذا السهم]

[مسألة 4]: لا يعطى ابن الزنا (458) من المؤمنين- فضلا عن غيرهم- من هذا السهم.

[مسألة 5: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته]

[مسألة 5]: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته أعادها (459)،

______________________________

(458) و الوجه فيه هو انصراف النصوص إلى الأولاد الشرعيّين، فإنّ المنصرف إليه ل «ذريّة الرجل المسلم»- كما في خبر أبي خديجة- أو قوله: «و للمملوك ولد حرّ ...»، و قوله: «أن يعطى ابن عبده»- كما في خبر عبد الرحمن بن الحجّاج- هو المنسوب إلى المؤمن على الوجه الشرعي الصّحيح، و لو لا ذلك لما كان هناك وجه للمنع، بعد فرض تكوّنه من المؤمن حقيقة.

و منه يظهر الحال في ابن الزنا من غير المؤمنين، فإنّه لا يجوز إعطاء الزكاة للابن الشرعي من المخالفين و الكافرين، فضلا عن ابن الزّنا، الّذي هو محلّ الإشكال فى المؤمن، كما عرفت.

(459) قال في «المدارك»: «هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا «1»»، بل لعلّه إجماعيّ «2». و يدلّ عليه مصحّح الفضلاء، و صحيح بريد العجلى، المتقدّمان «3».

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 242، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 386، ط النجف الأشرف.

(3)- ص 318.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 328

بخلاف الصّلاة و الصوم (460)؛ إذا جاء بهما على و فتى مذهبه (461)، بل و كذا الحجّ، و إن كان قد ترك منه ركنا عندنا (462)، على الأصحّ. نعم، لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن، ثمّ استبصر أجزأ (463)، و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.

______________________________

(460) لما في النصوص المتقدّمة من التصريح بذلك.

(461) لأنّه منصرف النصوص.

(462) لإطلاق النصوص المتقدّمة في عدم وجوب إعادة الحجّ، حتّى و لو

ترك ركنا على مذهبنا.

(463) و ذلك للتعليل فى النصوص المتقدّمة بقوله عليه السّلام: «لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية»، كما في مصحّح الفضلاء، و قريب منه ما في صحيح بريد، فإنّ ظاهر التعليل اختصاص الحكم المذكور- و هو وجوب إعادة الزكاة- بما إذا دفعها إلى أهل نحلته لا إلى المؤمن، فإنّه على الثاني لم يضعها في غير موضعها على الفرض، و قديما قيل: إنّ العلة معمّمة للحكم تارة، و مخصّصة له

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 329

[مسألة 6: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ]

[مسألة 6]: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ (464)، إذا كان على وجه التمليك، و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف.

[مسألة 7: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين]

[مسألة 7]: استشكل بعض العلماء (465) في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين، الّذين لا يعرفون اللّه إلا بهذا اللّفظ، أو النبيّ، أو الأئمّة، كلّا أو بعضا، أو شيئا من المعارف الخمس، و استقرب عدم الإجزاء.

______________________________

أخرى. و عليه فالاحتياط فى المسألة استحبابيّ.

و لعلّ الوجه فيه هو احتمال أن يكون ذلك لبيان الحكمة، لا العلّة، و اللّه العالم.

(464) إذا كانت الزكاة من الأمور العباديّة- كما هو الصّحيح كما يأتي إن شاء اللّه تعالى- اعتبرت القربة في إيتاء الزكاة، و الإيتاء- تارة- يكون بالدفع إذا كان على وجه التمليك، فيعتبر القربة- لا محالة- عند الدفع إلى الوليّ، و أخرى بالصّرف، فيعتبر القربة عنده.

(465) قال فى «الحدائق»: «نعم، يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول، ممّن لا يعرفون اللّه سبحانه إلّا بهذه الترجمة، حتّى لو سئل عنه، من هو؟

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 330

بل ذكر بعض آخر (466): أنّه لا يكفي معرفة الأئمة عليهم السّلام بأسمائهم، بل لا بدّ في كلّ واحد، أن يعرف أنّه من هو؟، و ابن من؟، فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره، و أن يعرف الترتيب في خلافتهم، و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفى الإقرار الإجماليّ بأنّى مسلم، مؤمن، اثنا عشريّ.

______________________________

لربما قال: محمّد أو عليّ، و لا يعرف الأئمّة عليهم السّلام كمّلا، و لا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا، فضلا عن التصديق بها. و الظاهر أنّ

مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم و إن حكم بإسلامهم، و إجراء أحكام الإسلام عليهم فى الدنيا، و أمّا فى الآخرة فهم من المرجئين لأمر اللّه، إمّا يعذّبهم و إمّا يتوب عليهم. و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال، لاشتراط ذلك بالإيمان، و هو غير ثابت، و ليس ذلك كالنكاح و الميراث و نحوهما، فإنّ الشرط فيها الإسلام، و هو حاصل. و بالجملة فالأقرب عندي عدم جواز إعطائهم «1»».

(466) قال فى «المستند»- بعد نقل ما اختاره صاحب «الحدائق» رحمه اللّه، المتقدّم ذكره- ما لفظه: «أقول: و هو كذلك، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر، و من كان من أهل الولاية، و من لم يعرف الأئمّة عليهم السّلام، أو واحدا منهم، أو

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 206، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 331

و ما ذكروه مشكل جدّا، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجماليّ (467)، و إن لم يعرف أسمائهم- أيضا- فضلا عن أسماء آبائهم، و الترتيب في خلافتهم، لكنّ هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنّه من المؤمنين الاثنى عشريّين؛ و أمّا إذا كان بمجرّد الدّعوى، و لم يعلم

______________________________

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، لا يصدق عليه أنّه يعرف صاحب هذا الأمر، و لا يعلم أنّه من أهل الولاية، و أنّه العارف. بل و كذلك لو عرف الكلّ بأسمائهم فقط، يعني مجرّد اللفظ، و لم يعرف أنّه من هو؟ و ابن من؟، إذ لا يصدق عليه أنّه يعرفه، و لا يتميّز عن غيره. و الحاصل، أنّه يشترط معرفته، بحيث يعيّنه في شخصه، و يميّزه عن غيره، و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته، أم لا؟ فهل يشترط فى الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر: نعم، إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة، و لا يكفي الإقرار الإجماليّ بأنّي مسلم، مؤمن، اثنا عشريّ ... «1»».

(467) للسيرة القطعيّة، و لذلك لم يستشكل أحد من القدماء و المتأخرين- عدا من عرفت- في إعطاء الزكاة لضعاف العقول من عامّة المؤمنين، مع أنّ كثيرا منهم لا يعرفون إلّا القليل من أسمائهم و أوصافهم، و ليس ذلك إلّا لأجل صدق العناوين المأخوذة فى النصوص، مثل عنوان «العارف» أو «من أهل الولاية» و نحو ذلك عليهم.

______________________________

(1)- النراقي، أحمد بن محمّد مهدي: مستند الشيعة، ج 2: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 332

صدقه و كذبه، فيجب الفحص عنه (468).

______________________________

(468) و في «كشف الغطاء»: «و يكفي في ثبوت وصف الإيمان ادّعاءه، و كونه مندرجا في سلك أهله ... «1»».

و ربّما يستدلّ له بأنّ ذلك ممّا لا يعلم إلّا من قبله، فيجب قبول الدّعوى. و يتوجّه عليه، أنّ الكبرى، و هي حجّية كل دعوى لا يمكن العلم بها إلّا من قبل مدّعيها، غير ثابتة، مضافا إلى منع الصغرى، و أنّ المعرفة بالإيمان أمر ميسّر، إذن فدعوى الإيمان- كغيرها من الدعاوي- لا تقبل إلّا ببيّنة و برهان، فالمتّجه هو وجوب الفحص.

نعم، لا تعتبر العلم بمطابقة الظاهر للباطن، أو بتعبير آخر: إحراز أنّ ما يقرّبه الشخص لسانا هو ما يعتقده و يؤمن به قلبا. قال فى «المستند»: «و لو علمنا أنّه يعرف النبيّ و الأئمّة بأسمائهم الشريفة، و أنسابهم المنيفة، و ترتيبهم، و أقرّ بما يجب الإقرار به في حقّهم، فهل يجب الفحص عن حاله،

أنّه هل هو مجرّد إقرار، أو مذعن بما يعترف به و معتقد له؟ لا يجب، لأنّه خلاف سيرة العلماء ... «2»».

و هو الحقّ، لأنّ الثابت من سيرتهم عليهم السّلام هو المعاملة مع المقطوع بنفاقه، معاملة المؤمن و المسلم، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 355، ط إيران الحجريّة.

(2)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 333

[مسألة 8: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزّكاة ثمّ تبيّن خلافه]

[مسألة 8]: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزّكاة ثمّ تبيّن خلافه، فالأقوى عدم الإجزاء (469).

[الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم]

اشارة

الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم (470) و إغراء بالقبيح (471)، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها فى

______________________________

(469) تقدّم الكلام في نظير المسألة، و هو ما لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كونه غنيّا، ما ينفع فى المقام، فراجع المسألة الثالثة عشرة من الفصل السابق.

(470) و هو يتوقّف على حرمة الإعانة على الإثم كبرويّا، و صدقها على المقام صغرويّا. و الأوّل و إن كان مسلّما به، إلّا أن الثّاني ممنوع منه، فإنّ صدق الإعانة إنّما يكون بأحد أمرين: إمّا الإتيان بآخر مقدّمة للحرام بحيث يترتّب عليها الحرام، و إمّا بالإتيان بالمقدّمة بقصد التّوصل بها إلى الحرام، و مع انتفاء الأمرين لا تصدق الإعانة بالإثم، كما حقّقنا ذلك في البحث عن المكاسب المحرّمة، في مسألة بيع العنب ممّن يعمله خمرا. و عليه ففى المقام، حيث لا يكون إعطاء الزكاة المقدّمة الأخيرة للحرام، كما أنّه ليس بقصد الصرف فى الحرام، فلا موجب للمنع من إعطاء الزكاة في مفروض المسألة، كما لا يخفى.

(471) لا يجوز إعطاء الزكاة إذا كان إغراء بالقبيح قطعا؛ فإذا كان إعطاء الزكاة للغارم- و هو من جملة مصارف الزكاة- ممنوعا منه شرعا إذا كان الدين فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 334

المعاصي، خصوصا إذا كان تركه ردعا له عنها (472)، و الأقوى عدم اشتراط العدالة (473)،

______________________________

المعصية- كما تقدّم- فكيف يحتمل رضاه بإعطائها لمن يكون ذلك موجبا لإغرائه بالمعصية!، فلا كلام- إذن- في كبرى المسألة، فإن كان هناك كلام ففى الصغرى، و هي صدق الإغراء بالقبيح بمجرّد إعطاء الزكاة له. فتأمل.

(472)

إذا كان ترك إعطاء الزكاة له مصداقا للنهي عن المنكر، وجب عدم الإعطاء، إذ لا فرق في وجوب النهي عن المنكر بين الرفع و الدّفع، فإنّ المستفاد من أدلّته إنّما هو لزوم الحيلولة بين الفعل و فاعله، من دون فرق في ذلك بين الحدوث و البقاء.

(473) كما اعتبرها كثيرون من القدماء «1»، و ظاهر المرتضى «2»، و عن أبى الصّلاح «3»، و ابن إدريس «4»، و ابن البرّاج «5»، و ابن حمزة «6»، و الشيخ «7»،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 388، ط النجف الأشرف.

(2)- المرتضى، عليّ بن الحسين: جمل العلم و العمل (في ضمن «رسائل الشريف المرتضى»/ المجموعة الثالثة): ص 79، ط قم.

(3)- ابو الصلاح، تقي الدين: الكافي، ص 172، ط مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، أصفهان.

(4)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 459، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(5)- ابن البرّاج، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 169، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(6)- ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 129، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم.

(7)- الطوسي، الشيخ محمّد حسن: المبسوط، ج 1: ص 247، منشورات المكتبة المرتضويّة،-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

و ظاهر المفيد «1»، اعتبارها و عن ابن زهرة دعوى الإجماع على ذلك «2»، و هو ظاهر كلام المرتضى رحمه اللّه «3» أيضا.

و فى «الجواهر»: «أكثر المتأخّرين على عدم اعتبارها «4»»، و حكاه فى «الخلاف» عن بعض الأصحاب «5».

و استدلّ للقول الأوّل «6» بالإجماع، و بالاحتياط، و أنّ اليقين ببراءة الذّمة لا تحصل إلّا بذلك، و بما تضمّن النهي- فى الكتاب و السنّة- عن معونة الفسّاق

و العصاة و تقويتهم.

و يتوجّه عليه أمّا الإجماع، فلا يعدو كونه إجماعا منقولا، لا يعتمد عليه.

و أمّا الاحتياط، فلا مجال له، بعد وجود المطلقات- من الآيات و الأخبار- الدالّة على جواز إعطاء الفقراء، المقتصر على تقييدهم بالإيمان فقط ...

و أمّا النهي عن معونة الفسّاق و العصاة، فإنّما هو عمّا يكون إعانة على الإثم و الفسق، و إعطاء الزكاة للفاسق ليسدّ به خلّته إنّما هو إعانة له على نفسه، لا على فسقة و معصيته.

و على الجملة، إطلاق النصوص هو المرجع فى المسألة، هذا، مع أنّ اعتبار ذلك فى الفقير ممّا يوجب سدّ باب إعطاء الزكاة له، إذ لا يوجد- أو قلّ ما

______________________________

- طهران؛ الجمل و العقود، ص 103، ط جامعة مشهد؛ الخلاف، ج 4: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الاقتصاد، ص 282، ط مكتبة جامع چهلستون، طهران.

(1)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة: ص 242، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- ابن زهرة، حمزة بن على: غنية النزوع، ص 568، (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط إيران الحجريّة.

(3)- المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار: ص 82، ط النجف الأشرف.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 389، ط النجف الأشرف.

(5)- الطوسي، الشيخ محمّد حسن: الخلاف، ج 4: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(6)- المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 82، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 336

و لا عدم ارتكاب الكبائر (474)، و لا عدم كونه شارب الخمر، فيجوز دفعها إلى الفسّاق، و مرتكبي الكبائر، و شاربي الخمر، بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان،

______________________________

يوجد- فقير عادل، و هو مناف لتشريع الزكاة لرفع حاجة الفقراء و سدّ خلّتهم.

(474)

قال فى «الجواهر»: «و إن كنّا لم نعرف من حكي عنه هذا القول، إلّا ابن الجنيد، و المرتضى في ظاهره، أو محتمله ... «1»»، قال ابن الجنيد: «لا يجوز إعطاء شارب خمر، أو مقيم على كبيرة، منها شيئا «2»».

و استدلّ له بمضمرة داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر، يعطى من الزكاة شيئا، قال: «لا، «3»» بدعوى عدم القول بالفصل بينه و بين سائر الكبائر.

و الرواية ضعيفة سندا، بالإضافة إلى إضمارها، حيث لم يصرّح فيها بالمسئول عنه. على أنّه يمكن القول بأنّ المراد ب «شارب الخمر» الّذي هو مورد السؤال فى الرّواية هو المدمن له، دون من يشربه أحيانا، فإنّ هذا العنوان لا يصدق- عرفا- عليه.

كما أنّ دعوى عدم إعطاءها للمتجاهر بفسقه، بعد ما عرفت من الإطلاقات، غير مسموعة، و إن كان الاحتياط الاستحبابي في محلّه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 392، ط النجف الأشرف.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 207، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 337

و إن كان الأحوط اشتراطها، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر. نعم، يشترط العدالة فى العاملين (475) على الأحوط، و لا يشترط فى المؤلّفة قلوبهم (476)، بل و لا في سهم سبيل اللّه (477)، بل و لا فى الرقاب، و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

______________________________

(475) اعتبار العدالة فى العاملين هو الأقوى، و قد ادّعى غير واحد «1» الإجماع على ذلك. فإن تسليط الفاسق على مال الفقير- مثلا- غير جائز قطعا. مضافا إلى ما في صحيح بريد

بن معاوية: «فإذا قبضته، فلا توكل به إلا ناصحا، شفيقا، أمينا، حفيظا ... «2»».

(476) فإنّ المؤلّفة قلوبهم- بما تقدّم من المراد بهم- ممّا ينافى اعتبار كلّ من الايمان و العدالة فيهم، فلاحظ.

(477) للإطلاق، الّذي لم يثبت تقييده إلّا في بعض الأصناف.

______________________________

(1)- الشهيد، محمد بن مكي: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 242، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم- ايران؛ الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1، ص 208، ط مجمع الذخائر الاسلامية، قم- ايران، ابن فهد، احمد بن محمد: المهذّب البارع، ج 1، ص 535، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم- ايران.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 338

[مسألة 9: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل]

[مسألة 9]: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالأحوج (478)، و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهم، المختلف ذلك بحسب المقامات.

[الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي]

اشارة

الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي، كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا، من الذكور و الإناث، و الزوجة الدائمة الّتي لهم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب

______________________________

(478) فإنّ المستفاد من بعض النصوص هو رجحان ملاحظة الترجيح في إعطاء الزكاة، كخبر عبد اللّه بن عجلان السكوني: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي ربما قسّمت الشي ء بين أصحابي، أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ فقال عليه السّلام: «أعطهم على الهجرة فى الدين، و الفقه، و العقل «1»»، و صحيح ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الزكاة يفضّل بعض من يعطى، ممّن لا يسأل، على غيره؟ فقال عليه السّلام: «نعم، ففضّل الّذي لا يسأل على الّذي يسأل «2»».

و على الإجمال، حيث كان الخيار في إعطاء الزكاة و صرفها إلى المالك، و فهمنا من هذه النصوص رجحان ملاحظة الترجيح فى الجملة، تمّ- حينئذ- ما أفاده قدّس سرّه، و إن لم يكن الترجيح بخصوص الأمور المذكورة مصرّحا به في النصوص.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 25: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 339

الشّرعية، و المملوك، سواء كان آبقا أو مطيعا، فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق (479).

______________________________

(479) عن غير واحد «1» دعوى الإجماع عليه، و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام؛ قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب، و الأم، و الولد، و المملوك

و المرأة، و ذلك لأنّهم عياله لازمون له «2»»، و خبر إسحاق ابن عمّار، عن أبى الحسن موسى عليه السّلام- في حديث- قال: «قلت: فمن ذا الّذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال: أبوك، و أمّك. قلت: أبي و أمّي! قال: الوالدان و الولد «3»».

ثمّ إنّ مقتضى التعليل فى الصحيح: «لأنّهم عياله لازمون له» هو التعدّي من الأب و ألام إلى الأجداد و الجدّات من الطرفين، لعموم العلّة، و كذلك الحال في أولاد الاولاد، إن شككنا في صدق الولد عليهم، لا سيّما في أولاد البنت، و إن كان التشكيك فيه في غير محلّه عندنا، كما لا يخفى. و أمّا المملوك، فلعدم كونه قابلا للتملّك، سواء كان آبقا أم كان مطيعا، فلا محالة يدخل في ملك سيّده، و هو غنيّ.

مضافا إلى النصّ الخاص. ثمّ إنّ هناك ما يعارض الروايتين المتقدّمتين، و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 394، ط النجف الأشرف؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 265، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ تحرير الأحكام، ص 69، ط إيران الحجريّة؛ الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 245، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 340

بل و لا للتوسعة (480)، على الأحوط، و إن كان لا يبعد جوازه (481)، إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم.

______________________________

سنتعرّض له، مع وجه الجمع بينها، فى الفرع التالي، إن شاء

اللّه تعالى.

ثمّ إنّه قد يتوهّم أنّ هذا الاشتراط على طبق القاعدة، من دون حاجة إلى الاستدلال له بالنصوص الخاصّة، بل إنّه يكفينا في ذلك الأدلّة العامّة الّتي اعتبرت الزكاة للفقراء و المسلمين ... نظرا إلى أنّ وجوب نفقته على المزكّي يكون مخرجا له عن الفقر، فيكون غنيّا «1»، و حينئذ فلا يجوز إعطاء الزكاة إيّاه.

و يندفع ذلك بأنّ مجرّد الحكم التكليفي بوجوب الإنفاق لا يخرج واجب النفقة عن حدّ الفقر إلى الغنى، و عليه فمجرّد وجوب النفقة على المزكّي لا يوجب خروج واجبي النفقة عن حدّ الفقر، كما هو ظاهر.

(480) المراد بالتوسعة الّتي هي من مراتب الإنفاق الواجب، لا التوسعة، بمعنى الزيادة على المقدار المتعارف من الإنفاق، فإنّ إعطاء الزكاة للتوسعة- بهذا المعنى- من سهم الفقراء غير جائز قطعا.

(481) عن الشهيد الثاني رحمه اللّه: جواز اعطاء الزكاة للتوسعة إلى من تجب نفقته على

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 581، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

المزكّى «1»، و نسب ذلك بعضهم «2» إلى القيل، و حاصل ذلك هو أنّ المزكي إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم، كما إذا لم يتمكّن من أزيد من أقلّ الواجب فى الإنفاق، كسدّ الرمق من الطعام بلا إدام، و من الكسوة بمقدار ستر العورة، و نحو ذلك جاز له أن يعطيهم من الزكاة، بمقدار يلحقهم بالمتعارف فى المعيشة.

و الوجه في ذلك هو أنّ الموجود فى المقام طوائف ثلاث من الرّوايات:

الأولى: الروايات المانعة عن اعطاء الزكاة لواجب النفقة، و قد مرّت الإشارة إليها آنفا.

الثانية: مكاتبة عمران بن اسماعيل ابن عمران القمّي، قال: كتبت إلى أبى

الحسن الثالث عليه السّلام: إنّ لي ولدا رجالا و نساء، أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب عليه السّلام: إنّ ذلك جائز لك «3»»، و مرسل محمّد بن جزك، قال: سألت الصّادق عليه السّلام: أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي، قال: «نعم، لا بأس «4»».

الثالثة: مصحّح اسحاق بن عمّار: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل له ثمانمائة درهم، و لابن له مأتا درهم، و له عشر من العيال، و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا، و ليست له حرفة بيده إنّما يستبضعها، فتغيب عنه الأشهر، ثمّ يأكل من فضلها، أ ترى له- إذا حضرت الزكاة- أن يخرجها من ماله، فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم، و لكن يخرج منها الشي ء الدرهم «5»»، و

______________________________

(1)- قال قدّس سرّه: «نعم، يجوز دفعها إليه في توسعته الزائدة على قدر الواجب، بحيث لا يخرج إلى حدّ يتجاوز- عادة- نفقه أمثاله» (مسالك الأفهام، ج 1: ص 423، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم).

(2)- الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 178، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقّين للزكاة، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ج 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 342

..........

______________________________

موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرّجل يكون له ألف درهم يعمل بها، و قد وجب عليه فيها الزكاة، و يكون فضله الّذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعه لأدمهم، و إنّما هو ما يقوتهم فى الطعام و الكسوة، قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا، قلّ أو كثر،

فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير اسراف، و لا يأكل هو منه، فإنّه ربّ فقير أسرف من غنيّ ... «1»»، و نحوهما خبر أبي خديجة «2».

و الظاهر، أنّه لا تعارض بين الطائفتين الأوليين، فإن ما دلّ على عدم جواز الإعطاء إلى واجبي النفقة إنّما هو في فرض فعليّة وجوب النفقة، و هو فرض كون المزكّى قادرا على الإنفاق، و ذلك بقرينة التعليل بقوله عليه السّلام: «لأنّهم عياله لازمون له». و أمّا ما دلّ على الجواز فهو مختصّ- ظاهرا- بفرض عدم قدرته على الإنفاق، و لا أقلّ من إطلاقه، فيتقيد- لا محالة- بالطائفة الأولى، كما هو ظاهر.

و نتيجة ذلك: أنّه- مع عدم التمكّن من الإنفاق بالمقدار المتعارف، بحيث لا يقدر إلّا على الطعام بلا إدام و نحو ذلك- يجوز للمزكّي إعطاء الزكاة إلى من تجب نفقته عليه للتوسعة عليهم.

و أظهر من ذلك، ما إذا كانت التوسعة غير واجبة على المزكّي حتّى مع التمكّن، كما إذا كانت فى الحاجيّات الكمالية دون الضروريّة، فإنّ ذلك غير واجب على المزكّي لعدم دخوله فى النفقة، فلا مانع من إعطاء الزكاة لأجل ذلك،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 343

..........

______________________________

بمقتضى الإطلاقات الأوليّة، و عدم وجود المقيّد له، بعد ما عرفت من اختصاص دليل المنع بموارد وجوب النفقة و لزومها.

و يؤيّد ما ذكرناه، من جواز الإعطاء للتوسعة، الطائفة الثالثة الواردة في زكاة مال التجارة، لا أنّه يستدلّ بها، إذ لا حاجة إلى ذلك بعد الاستدلال

له بما قدّمناه، و عليه فلا مجال للمناقشة فيها «1»: بأن دلالتها على جواز الإعطاء- بل رجحانه- في مورد زكاة مال التجارة، المفروض استحبابها، لا تستلزم الجواز في مورد الزكاة الواجبة، إذ من الممكن أن يكون الوجه في ذلك هو رجحان التوسعة على العيال باعطاء الزكاة لهم استحبابا، و معلوم أنّ هذا غير متمش فى الزكاة الواجبة. و ذلك لعدم الاستدلال بهذه الروايات أصلا، و إنّما نعتمد عليها كمؤيد و مقرّب لما استدللنا به، مضافا إلى ما عرفت سابقا من أنّ الظاهر إنّما هو وجوب زكاة مال التجارة، فلا مجال حينئذ للمناقشة المذكورة أصلا.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من وجه الجمع بين الطائفتين الأوليين أولى ممّا ذكره بعضهم، من حمل رواية عمران بن اسماعيل بن عمران على كون السؤال عن إيصال زكاة الغير إلى من تجب نفقتهم عليه، لا عن إعطاء زكاة مال نفسه إليهم، و حمل مرسل محمّد بن جزك على الاستشارة منه عليه السّلام فى الوصيّة لهم بعشر ماله، لا على السؤال عن إعطاء الزكاة لهم. و ذلك لأنّ كلا الحملين خلاف الظاهر، و لا سيّما الثاني منهما، فإنّه لا مجال لذلك بملاحظة ما هو شأن الإمام الّذي هو بيان الأحكام من الحلال و الحرام، و بملاحظة مضمون الرواية أيضا، كما لا يخفى على المتأمّل.

هذا، و قد يقال بلزوم طرح الروايتين الدالّتين على الجواز، لإعراض المشهور عنهما. و لكنّه لم يثبت إعراضهم عنه، و لذلك تصدّوا للتوجيه بحملهما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 400، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 344

نعم، يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم (482)، لا

عليه، كالزوجة للوالد، أو الولد، أو المملوك لهما مثلا.

______________________________

على بعض الوجوه غير المنافية للروايات المانعة؛ على أنّ إعراض المشهور- في حدّ نفسه- لا يوجب الوهن فى الرّواية، كما حقّق ذلك في محلّه.

كما أنّه قد يقال بعدم صراحة الروايتين في كون الزكاة من سهم الفقراء، فلعلّها كانت من سائر السهام الّتي لا تنافي مع وجوب النفقة، كسهم سبيل اللّه مثلا. و يتوجّه عليه أنّ ظاهرهما هو كونها من سهم الفقراء، و لا أقل من إطلاقهما بالإضافة إلى سهم الفقراء، كما لا يخفى.

و المتحصّل من ذلك كلّه أنّ الأقوى إنّما هو جواز الإعطاء لواجبي النفقة للتوسعة، إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم.

(482) كما صرّح به فى «المدارك «1»»، و اختاره صاحب «الجواهر» قدّس سرّه «2» لإطلاق الأدلّة، و اختصاص دليل المنع بغير ذلك. نعم، قد يتوهّم إطلاقه- أي إطلاق دليل المنع- بالإضافة إلى المقام، بدعوى أنّ ظاهر صحيح ابن الحجاج المتقدّم «3» (خمسة لا يعطون ...) إنّما هو عدم جواز الإعطاء لمن كان أبا أو أمّا، و لو بالنسبة

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 246، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

و لكنّه قدّس سرّه فصّل في ذلك بين الزوجة و بين غيرها، قال: «الأصحّ عدم الجواز فى الزوجة، لأنّ نفقتها كالعوض، و الجواز في غيرها ...».

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 398- 399، ط النجف الأشرف.

(3)- ص 339.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 345

[مسألة 10: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر]

[مسألة 10]: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر، و أمّا من غيره من السهام، كسهم العاملين إذا كان منهم، أو الغارمين، أو المؤلّفة

قلوبهم، أو سبيل اللّه، أو ابن السبيل، أو الرقاب، إذا كان من أحد المذكورات، فلا مانع منه (483).

______________________________

إلى غير المزكّي، فلا يجوز الاعطاء- مثلا- لمن كانت زوجة و لو لغير المزكّي، و هكذا ....

إلّا أنّه توهّم باطل للغاية، فإنّ الظاهر إنّما هو المنع فيما إذا كان المدفوع إليه أب المزكّي، أو أمّه و نحو ذلك، كما يشهد به التعليل فى الذّيل، و إلّا لما جاز إعطاء الزكاة لأحد إلّا نادرا، إذ قلّ من يوجد فى العالم و لا يكون أبا أو أمّا، و نحو ذلك.

(483) بلا إشكال فيه «1» و لا خلاف ظاهرا، بل عن بعضهم «2»: إنّه مقطوع به بين الأصحاب. و الوجه فيه إنّما هو إطلاق الأدلّة، و عدم شمول دليل المنع لذلك، فإنّ مقتضى التعليل- في صحيح ابن الحجّاج، المتقدّم «3»- إنّما هو اختصاص المنع بصورة الإعطاء من سهم الفقراء، و بعنوان الإنفاق، و لا يشمل الإعطاء من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 405، ط النجف الأشرف.

(2) السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة المعاد، ص 459، ط إيران الحجريّة.

(3)- صفحة 339.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 346

[مسألة 11: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزّكاة من غير من تجب عليه]

[مسألة 11]: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزّكاة من غير من تجب عليه، إذا لم يكن قادرا (484) على إنفاقه، أو كان قادرا، و لكن لم يكن باذلا (485)؛ و أمّا إذا كان باذلا فيشكل الدفع

______________________________

سائر السّهام أصلا، إذا فرض انطباق عناوينها المأخوذة فى الآية الكريمة على الشخص. مضافا إلى ورود النصّ الخاص في قضاء دين الأب من سهم الغارمين، كحسن زرارة، و موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّمين «1»، و كذلك في اشترائه من سهم

الرقاب، كما رواية الوابشي «2». مضافا إلى أنّ إعطاء الزكاة في بعض هذه الموارد- كما فى الرقاب، و الغارمين- إنّما هو من باب الصّرف، دون التمليك، ليتنافى ذلك وجوب النفقة.

(484) كما صرّح به غير واحد من الأصحاب «3»، و يقتضيه إطلاق الأدلّة بلا مقيّد له، فإنّ دليل المنع مقيّد بصورة فعليّة وجوب الإنفاق، و هو فرض القدرة على الإنفاق، كما تقدّم.

(485) الحكم في هذا الفرع يظهر ممّا سنذكره- إن شاء اللّه تعالى- فى الفرع التالي، و هو جواز الإعطاء من الزكاة، مع قدرة المنفق، و بذله.

______________________________

(1)- صفحة 339.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 19: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 519، ط إيران الحجريّة؛ الشهيد، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 242، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 347

إليه، و إن كان فقيرا، كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شي ء (486).

______________________________

(486) المحكيّ من جماعة «1» المنع، لحصول الكفاية، الموجب لصدق الغني. و لإطلاق بعض نصوص المنع من إعطاء واجب النفقة الشامل للمقام، كصحيح ابن الحجاج المتقدّم «2»، و رواية زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال فى الزكاة:

«يعطى منها الأخ، و الأخت، و العمّ، و الخال، و الخالة، و لا يعطى الجدّ و الجدّة «3»».

و التحقيق: أنّ وجوب الإنفاق في غير الزوجة و المملوك لا يزيد على كونه تكليفا في حقّ المنفق، و مجرّد التكليف بذلك مع بذله خارجا لا يكون مخرجا لواجبي النفقة عن الفقر إلى الغنى، كما يشهد به ما لو تبرّع أحد بنفقة شخص، فإنّ ذلك لا يخرجه عن كونه

فقيرا، كما هو ظاهر. و على هذا، فلا مجال لاستشكال جواز دفع الزّكاة إليه، بعد كونه فقيرا عرفا. و قياس هذا بالمالك لقوت سنة بالقوة، كالمحترف و ذي الصنعة، في غير محلّه، فإنّ المراد به هو من يكون مالكا لشي ء يدرّ عليه بمئونة سنته بالتّدريج، و ليس المقام من ذلك.

و على الإجمال، الخارج عن موضوع جواز أخذ الزكاة إنّما هو الغنيّ، الّذي هو عبارة عن المالك لقوت سنته بالفعل، أو بالقوة القريبة؛ كالمحترف و ذى الصنعة، و واجب النفقة- مع فرض قدرة المنفق و بذله- خارج عن ذلك عرفا، بلا اشكال.

______________________________

(1)- الأردبيلي، أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 178، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- ص 339.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 348

بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (487)، بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على

______________________________

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى صحيح ابن الحجاج عن أبى الحسن الأوّل عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة، فيوسع به، إن كانوا لا يوسّعون عليه فى كلّ ما يحتاج إليه؟

فقال: «لا بأس «1»،» هو عدم الجواز، بتقريب أنّ المركوز في ذهن السّائل إنّما كان هو عدم الجواز إذا كانوا يقومون بالتوسعة، فلذلك قيّد السؤال بصورة عدم قيامهم بذلك، و الإمام عليه السّلام قد قرّره على ذلك، فتدلّ على أنّه مع قدرة المنفق و بذله يخرج واجبو النفقة عن الفقر عرفا، فلم يجز لهم أخذ الزكاة حينئذ.

و منه يظهر الحال فى

الفرع السّابق، فإنّه إذا كان البذل مخرجا له عن الفقر، فمع امتناع المنفق عنه يجب عليه إجباره على ذلك، مع الإمكان بلا مشقة، فإنّه- على الفرض- متمكّن بقوة قريبة من تحصيل مئونة سنته، فيكون كالمحترف و ذى الصنعة في عدم جواز أخذ الزكاة لهما. نعم، مع عدم إمكان الإجبار، أو مع المشقّة، أو استلزامه لبعض الأمور الّتي تعافه النفوس الكريمة، يجوز له أخذ الزّكاة، و لو قلنا بأنّ البذل يخرجه عن عنوان الفقير، كما هو ظاهر.

(487) فإنّ نفقة الزوجة على الزوج إنّما تكون من قبيل الحقّ المالي، و ليست هي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 349

البذل إذا كان ممتنعا منه (488)، بل الأحوط (489) عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم، مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة

______________________________

مجرّد تكليف الزوج شرعا بالإنفاق عليها، كما هو الحال فى الأبوين و الأولاد ...،

فلا محالة تكون الزوجة- بذلك- خارجة عن مصداق الفقير و تكون مصداقا للغنيّ بالقوّة لا محالة، كما لو كان شخص مالكا لمقدار من المال يفى بمئونته في ذمّة أحد و كان باذلا له، فإنّه لا يحتمل فيه القول بجواز أخذه من الزكاة أصلا.

(488) فإنّ الامتناع- مع إمكان الإجبار- لا يوجب انتفاء الغنى بالقوّة، كامتناع المديون مع إمكان إجباره على الأداء. نعم، إذا كان فى الإجبار صعوبة لا يقدم عليها عرفا، كان الامتناع- حينئذ- موجبا لانتفاء الغنى، كما هو ظاهر.

(489) قد يقال: إنّه إذا كان البذل موجبا لصدق الغنى لم يجز دفع الزكاة إليهم للتوسعة كما لم يجز ذلك للإنفاق، و إذا لم يكن موجبا لذلك جاز الدفع

للأمرين معا. و الظّاهر أنّ المراد بالتوسعة فى المقام، إنّما هي في ما لا تجب على المنفق، و عليه فلا مانع من أخذ واجبي النفقة الزكاة لها من غير المنفق، كما تقدّم ذلك في أوّل المسألة. و أمّا التوسعة فيما يجب ذلك على المنفق، أي التوسعة الّتي تكون من مراتب الإنفاق الواجب، فقد مرّ الكلام فيها في فرض عدم قدرة المنفق، أو عدم بذله، فى الأمر الثالث، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 350

[مسألة 12: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها]

[مسألة 12]: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها (490)، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، و سواء كان للإنفاق أو للتوسعة. و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه. نعم، لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج- من جهة الشرط، أو نحوه- لا يجوز الدفع إليها، مع يسار الزوج (491).

______________________________

و عليه، فالبذل للتوسعة فيما هو من مراتب الإنفاق الواجب مانع عن جواز إعطاء الزكاة، و أمّا البذل للتوسعة فيما لا يجب على المنفق، فلا مانع من ذلك، فالاعتراض مندفع.

(490) لعدم وجوب نفقة الزوجة غير الدائمة على الزوج، و منه يظهر الحال فى الفرع التالي، و هو جواز الإعطاء إلى الزوجة الدائمة إذا سقط وجوب نفقتها بالشرط و نحوه، لصدق «الفقير» عليها حينئذ.

(491) لكن مجرّد اليسار غير كاف، فيما لو امتنع، و تعذر إجباره عليه، بل لا بدّ من اليسار و البذل، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 351

[مسألة 13: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز]

[مسألة 13]: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز، لتمكّنها من تحصيلها بتركه (492).

[مسألة 14: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج]

[مسألة 14]: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج، و إن أنفقها عليه (493)، و كذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من

______________________________

(492) الوجه فيه ظاهر، لعدم صدق «الفقير» عليها مع تمكّنها من تحصيل النفقة بترك النشوز فإنّ نفقة الزوجة تكون بمنزلة الحقّ، فهي- إذن- بمثابة المحترف القادر على الكسب، فهى غنيّة بالقوّة، متمكّنة من تركها النشوز اختيارا، و أخذ حقّها بالطاعة فلا يصدق عليها- حينئذ- عنوان «الفقير». قال المحقّق قدّس سرّه فى «المعتبر»: «لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المسكنة- مطيعة كانت أم عاصية- لتمكّنها من النفقة ... «1»».

(493) لإطلاق الأدلّة، مع عدم المقيّد له، لعدم وجوب نفقة الزوج على زوجته، فلا يكون الزوج عيالا لازما لزوجته كما هو الحال فى العكس، على ما دلّ على ذلك صحيح ابن الحجاج المتقدّم. ثمّ إنّه بعد فرض تملك الزوج الزكاة المدفوعة إليه من قبل زوجته، يكون حال المدفوع إليه حال سائر أملاكه، حيث يجوز له التصرّف فيه كيف شاء، حتّى و لو كان ذلك في نفقة زوجته، أو ولده. و عن ابن بابويه قدّس سرّه

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 582، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 352

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 352

الأسباب الخارجيّة (494).

[مسألة 15: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته]

[مسألة 15]: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته (495) له،

______________________________

المنع من ذلك مطلقا «1»، كما عن الإسكافي المنع من جواز الإنفاق عليها و على

ولدها، دون أصل الدفع «2»، و كلاهما غير ظاهر الوجه.

(494) لإطلاق ما دلّ على وجوب اعطاء الزكاة للفقير، مع عدم المقيّد له، لما عرفت.

(495) عليه الإجماع، كما عن «المدارك «3»». و يقتضيه إطلاق الأدلّة. و أمّا رواية أبي خديجة: «لا يعطى الزكاة أحدا ممّن يعول ... «4»»، فمع الغضّ عن ضعف السند، محمولة على واجب النفقة، أو على الاستحباب، لما يستفاد من التعليل في صحيح ابن الحجّاج المتقدّم «5»؛ من كون المانع من دفع الزكاة إنّما هو وجوب النفقة و لزومها عليه، المفروض انتفاء ذلك فى المقام، حيث إنّ العيلولة تبرعيّة.

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي: المقنع، ص 52، ط مؤسسة دار العلم، قم؛ الهداية، ص 43، الطبعة المشار إليها.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 212، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 248، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقّين للزكاة، ح 6.

(5)- ص 339.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 353

فضلا عن غيره للإنفاق أو للتوسعة، من غير فرق بين القريب الّذي لا تجب نفقته عليه- كالأخ و أولاده، و العمّ و الخال و أولادهم- و بين الأجنبي (496)، و من غير فرق بين كونه وارثا له- لعدم الولد مثلا- و عدمه (497).

[مسألة 16: يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب]

[مسألة 16]: يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب (498)، مع

______________________________

(496) لا خلاف فيه ظاهرا، بل فى «الجواهر «1»» الإجماع عليه بقسميه للإطلاق.

(497) أشار قدّس سرّه بذلك إلى ما عن بعض العامّة «2» من المنع عنه، في فرض كون القريب وارثا، بناء على أنّه على الوارث نفقة المورّث، و هو باطل

قطعا، إذ لم تثبت هذه الكليّة عندنا أصلا، كما هو ظاهر.

(498) في موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبى الحسن موسى عليه السّلام: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة، أ فأعطيهم منها؟ قال: «مستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم ... «3»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 403، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن قدامة، محمّد بن عبد اللّه: المغني، ج 2: ص 512، ط دار الكتاب العربي، بيروت.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 354

حاجتهم و فقرهم، و عدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه، ففى الخبر: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال عليه السّلام: على ذى الرحم الكاشح (499).

و في آخر: لا صدقة و ذو رحم محتاج (500).

______________________________

(499) كما في ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، أيّ الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرّحم الكاشح «1»» «2».

(500) كما في مرسل الفقيه: قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج «3»». و يؤيّده رواية «الاحتجاج»، عن الحميرى، عن صاحب الزّمان- عجل اللّه تعالى فرجه- و فيها: «فإن ذهب إلى قول العالم عليه السّلام: لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج، فليقسّم ... «4»».

______________________________

(1)- في مجمع البحرين: «الكاشح، هو الّذي يضمر لك العداوة و يطوى عليها كشحه، أي:

باطنه، من قولهم: كشح له بالعداوة، إذا أضمرها له. و إن شئت قلت: هو العدوّ الذي أعرض عنك و ولّاك كشحه» (الطريحي: مجمع البحرين، ج 2: ص 407، ط

المكتبة المرتضويّة، طهران).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 20: الصدقة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 355

[مسألة 17: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج]

[مسألة 17]: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج (501)، و كذا العكس.

[مسألة 18: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده، للإنفاق على زوجته أو خادمه]

[مسألة 18]: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده، للإنفاق على زوجته أو خادمه، من سهم الفقراء (502)، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلميّة، من سهم سبيل اللّه (503).

[مسألة 19: لا فرق- في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه- بين أن يكون قادرا على إنفاقه، أو عاجزا]

[مسألة 19]: لا فرق- في عدم جواز دفع الزكاة إلى من

______________________________

(501) لعدم كون ذلك من النفقة الواجبة، فيكون الإعطاء لهذا الأمر جائزا بمقتضى الإطلاق.

(502) لعدم دخولهم فى واجبي النفقة، فيجوز الإعطاء لهم من الزكاة، بمقتضى الإطلاق.

(503) و الوجه فيه ظاهر، بناء على ما تقدّم، من أنّ المانع في واجبي النفقة إنّما هو في إعطائهم من خصوص سهم الفقراء، لا من سائر السّهام، فيجوز له الدفع إليه من سهم سبيل اللّه لشراء الكتب العلميّة، بناء على كونها من مصاديق سبيل اللّه، كما مرّت الإشارة إليه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 356

تجب نفقته عليه- بين أن يكون قادرا على إنفاقه، أو عاجزا (504)؛ كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السّهام (505)، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضا، و

______________________________

(504) لا وجه للمنع في فرض العجز عن الإنفاق، فإنّ المانع منه- كما يستفاد من التعليل في صحيح ابن الحجّاج المتقدّم «1»- إنّما هو وجوب النفقة و لزومها عليه، و من المعلوم أنّ ذلك مشروط بالقدرة، فمع العجز عنه يسقط الوجوب لا محالة، فلا يصدق التعليل المذكور في حقّه، و حينئذ فلا موجب للمنع من إعطاء الزكاة إلى من كان تجب نفقته عليه على فرض القدرة. و قد عرفت فيما تقدّم أنّ ما دلّ على جواز الإعطاء إلى واجبي النفقة إمّا هو مختص بصورة عجز المنفق، أو محمول عليها، بمقتضى حمل المطلق على المقيّد، فلاحظ.

(505) مع

انطباق عناوين سائر السّهام عليهم، لا موجب للمنع عن إعطائهم من سائر السّهام، للإطلاق، و فرض اختصاص المقيّد- و هي النصوص المانعة عن إعطاء الزكاة لواجبي النفقة- بالإعطاء من سهم الفقراء، لكن ذلك لا يوجب سقوط وجوب النفقة عنه، و هذا هو المراد من قوله قدّس سرّه: «فلا يجوز الإنفاق عليهم ...».

______________________________

(1)- ص 337.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 357

إن كان يجوز لغير الإنفاق. و كذا لا فرق- على الظّاهر الأحوط- بين إتمام ما يجب عليه، و بين إعطاء تمامه (506)، و إن حكي عن جماعة أنّه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقيّة، كما لو عجز عن إكسائهم، أو عن إدامهم، لإطلاق بعض الأخبار الواردة فى التوسعة، بدعوى شمولها للتتمّة، لأنّها- أيضا- نوع من التوسعة، لكنّه مشكل، فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.

______________________________

نعم، في من تجب نفقته على المزكّي بملاك الفقر، فإنّه بإعطائهم الزكاة من سائر السهام المنطبقة عليهم يرتفع فقرهم لا محالة، فيسقط عن المزكّي- حينئذ- وجوب النفقة، لا في مثل الزوجة، حيث لا يعتبر في وجوب نفقتها على زوجها فقرها، فإذا أعطاها من سائر السهام المنطبقة عليها، لم يغن ذلك عن الإنفاق الواجب عليه، بل تجب نفقتها على زوجها بعد ذلك أيضا، كما هو ظاهر.

(506) حاصل كلام المصنّف قدّس سرّه، هو: أنّه لا فرق- في عدم جواز إعطاء الزكاة إلى واجب النفقة- بين إعطاء تمام النفقة من الزكاة، و بين إتمامها بالزكاة. نعم، حكي عن جماعة «1»: أنّ المنفق إذا عجز عن تمام النفقة الواجبة جاز له إعطاء البقيّة من الزكاة، تمسّكا بإطلاق ما دلّ على جواز إعطاء المنفق للتوسعة، فإنّ إتمام الباقي

______________________________

(1)-

النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 51، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

- أيضا- نوع توسعة. ثمّ استشكل قدّس سرّه الوجه المذكور، نظرا إلى أنّ التوسعة إنّما تكون فى المقدار الزائد على المئونة، فلا يصدق على التتمّة التوسعة عرفا، فإذا جاز الإعطاء للتوسعة لم يكن معنى ذلك جواز إعطاء التتمّة أيضا. ثمّ احتاط أخيرا فى المسألة بترك الإعطاء.

و في كلامه قدّس سرّه مواضع للنظر، أمّا:

أوّلا: فلما عرفت سابقا، من جواز إعطاء التتمّة من الزكاة مع فرض عجز المنفق، و قد عرفت الوجه فيه هناك أيضا.

و ثانيا: إنّ ما استدل به الجماعة لما ذهبوا إليه، من جواز إعطاء التتمّة من الزكاة عند عجز المنفق، ليس هو الاطلاق، و إنّما هو النصوص «1» الصريحة في عجز المنفق، كما يلاحظه المتأمل في مصحّح إسحاق بن عمار، و موثق سماعة المتقدّمين «2».

نعم، صحيح ابن الحجّاج، عن أبى الحسن الأوّل عليه السّلام، قال: سألته عن الرّجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس «3»،» وارد بعنوان التوسعة، كما لا يخفى.

و ثالثا: إنّ المنع عن صدق التوسعة على التتمّة في غير محلّه، لإطلاق ذلك عليها في مصحّح إسحاق بن عمار المتقدّم «4»، فلاحظ.

______________________________

(1)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 51، ط إيران الحجريّة.

(2)- صفحة 221- 226.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(4)- ص 226.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 359

[مسألة 20: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير]

[مسألة 20]: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير (507)، إذا لم

يكن ذلك الغير باذلا لنفقته، إمّا لفقره أو لغيره، سواء كان العبد آبقا (508) أو مطيعا.

[الرابع: أن لا يكون هاشميّا]

اشارة

الرابع: أن لا يكون هاشميّا، إذا كانت الزكاة من غيره، مع عدم الاضطرار (509).

______________________________

(507) أمّا مع الفقر، فلعدم وجوب النفقة عليه حينئذ، فيجوز الصرف من الزكاة على المملوك لأجل نفقته؛ و أمّا إذا لم يكن عدم البذل لجهة الفقر، فلعدم خروجه عن الفقر بمجرّد وجوب نفقته على مولاه، إذ ليس ذلك حقّ مالي على مولاه، كالزوجة بالنسبة إلى زوجها، بل حكمه حكم الحيوانات المملوكة، كما لا يخفى.

(508) إذا كان عدم البذل لأجل إباقه، فبما أنّ العبد قادر- بتركه الإباق- على مقدّمة قريبة لحصول النفقة، فلا محالة يكون حكمه حكم المحترف القادر على تحصيل نفقته، و حينئذ يشكل دفع الزكاة إليه للإنفاق.

(509) في «جواهر الكلام «1»»: «بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل و بين

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 407، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

المسلمين «1» بل الإجماع عليه بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما متواتر «2»، كالنّصوص الّتي اعترف غير واحد «3» بكونها كذلك، و ممّا يدلّ على ذلك صحيح عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فسألوه أن يستعملهم على الصدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الّذي جعل اللّه تعالى للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

يا بني عبد المطلب (هاشم)، إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم، و لكنّي وعدت الشفاعة ...- إلى أن قال:- أ تروني مؤثرا عليكم

غيركم «4»»، و مصحّح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام، قالا: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ الصدقة أوساخ أيدي النّاس، و إنّ اللّه قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب «5»»، و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،

______________________________

(1)- ابن قدامة، محمّد بن عبد اللّه: المغني، ج 2: ص 655، ط دار الكتاب العربي، بيروت؛ ابن حزم، عليّ بن أحمد: المحلّى، ج 6: ص 146؛ الشوكاني، محمّد: نيل الأوطار، ج 4: ص 240؛ الكاساني، أبو بكر: بدائع الصنائع، ج 2: ص 49.

(2)- المرتضى، علي بن الحسين: الانتصار: ص 84، ط النجف الأشرف؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 583، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ ابن فهد، أحمد بن محمّد: المهذب البارع، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 268، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 524، ط إيران الحجريّة؛ الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الاحكام، ج 5:

ص 250، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5، ص 181، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 250، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 181، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ البحراني: الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 215، ط النجف الأشرف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقّين للزكاة،

ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 361

و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السّهام، حتّى سهم العاملين و سبيل اللّه (510).

______________________________

قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم «1»»، و خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة الّتي حرّمت على بني هاشم، ما هي؟ فقال: «هي الزكاة،» قلت: أ فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال: «نعم، «2»».

(510) المعروف هو ذلك، و يدلّ عليه صحيح عيص بن القاسم المتقدّم. نعم، في خصوص سهم سبيل اللّه ينبغى التفصيل بين ما إذا كان المصرف- فى الحقيقة- هي الجهة و كان الشخص بمنزلة الأجير، فالظاهر عدم الإشكال في جواز إعطائه من زكاة غير الهاشمي، كالبنّاء الهاشمي الّذي يستأجر لبناء المسجد، إذا كان ما يصرف على البناء من سهم سبيل اللّه، إذ لا يظنّ بأحد استشكال ذلك، و بين ما لا يكون كذلك، كما إذا دفع من سهم سبيل اللّه إلى الهاشمي ليقوم بارشاد العوام- مثلا- إلى وظائفهم و أحكامهم الشرعيّة، مع عدم قيامه بذلك لو لا إعطائه منه، فإنّ هذا- فى الحقيقة- هو الّذي صار مصرفا للزكاة، فيصدق عليه أنّ زكاة غير الهاشمي صار حلالا للهاشمي، فيشمله دليل المنع (إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم) و عليه فإطلاق المنع من سهم سبيل اللّه- كما عن المنصّف قدّس سرّه- لا وجه له.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقّين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 362

نعم، لا بأس (511) بتصرّفه

في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه. أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له (512)، من غير فرق بين السّهام أيضا، حتّى سهم العاملين، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم.

______________________________

(511) و الوجه في ذلك إنّما هو قيام السّيرة على تصرّفهم في ذلك كتصرّف غيرهم، من دون فحص عن أنّ الصّارف على ذلك من سهم سبيل اللّه، هل كان هاشميّا أو لا.

(512) المسألة ممّا أدّعي عليها الإجماع، و النّصوص الواردة فيها مستفيضة «1»؛ منها: خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدّم «2»، و حينئذ فلا ينظر إلى سندها بعد استفاضتها، على أنّ فيها ما لا بأس بسنده، كصحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدّم، لكن بطريق الكليني رحمه اللّه، فقد رواه عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن الهاشمي، و كلّهم ثقات، فإنّ من البعيد جدّا أن لا يكون واحد ممن عبّر عنهم ب «غير واحد» الّذي يطلق على اثنين فما فوق، غير موثق. نعم، في طريق الشيخ، القاسم بن محمّد، و هو مشترك بين الموثق و غيره.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 407، ط النجف الأشرف.

(2)- صفحة 254.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 363

و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له، مع الاضطرار إليها (513)، و عدم كفاية الخمس، و سائر الوجوه؛

______________________________

و مثل ما رواه الشيخ قدّس سرّه- أيضا- بإسناده إلى ابن فضّال، عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: صدقات بني هاشم بعضهم على بعضهم تحلّ لهم، فقال: «نعم، إنّ صدقة الرسول صلى اللّه عليه و

آله تحلّ لجميع الناس، من بني هاشم و غيرهم، و صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم، و لا تحلّ لهم صدقات إنسان غريب «1»»، بناء على تصحيح طريق الشيخ إلى ابن فضّال، كما هو المعروف. و مقتضى اطلاق هذه النصوص هو عدم الفرق بين السّهام.

(513) لا إشكال و لا خلاف في جواز أخذ الهاشمى زكاة غيره- فى الجملة- عند الاضطرار، بل ادّعي الإجماع عليه، صريحا «2» و ظاهرا «3»، و يشهد له موثق زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم»، ثمّ قال: «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم، إلّا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 6.

(2)- الطوسي، محمّد حسن: الخلاف، ج 4: ص 232، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار: ص 85، ط النجف الأشرف؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع (ضمن «الجوامع الفقهيّة»): ص 506، ط إيران الحجريّة.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 526؛ تذكرة الفقهاء، ج 5:

ص 269، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ ابن ادريس؛ محمّد بن منصور: السرائر، ج 1:

ص 461، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

أن لا يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة «1»».

إنّما الكلام في الاضطرار المسوّغ لأخذ الزّكاة، فالمصرّح به في كلام جماعة، بل هو المشهور- كما يظهر ذلك لمن لاحظ كلماتهم- إنّه عبارة عن عدم

التمكّن من الخمس. و استدلّ بعضهم لذلك ببعض الوجوه الاستحسانيّة، مضافا إلى الإجماع.

قال السيّد قدّس سرّه فى «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ الصدقة إنّما تحرم على بني هاشم إذا تمكّنوا من الخمس الّذي جعل لهم عوضا عن الصدقة، فإذا حرموه حلّت الصدقة لهم، و باقى الفقهاء يخالفون في ذلك، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردّد، و يقوّى هذا المذهب بظاهر الأخبار بأنّ اللّه تعالى حرّم الصدقة على بني هاشم و عوّضهم بالخمس عنها، فإذا سقط ما عوّضوا به لم تحرم عليهم الصدقة ... «2»»، و قال فى «المعتبر» بعد كلام له: «لنا: إنّ المنع إنّما هو لاستغنائهم بأوفر المالين، فمع تعذره يحلّ لهم الآخر ... «3»». و مقتضى كلام هؤلاء إنّما هو جواز الأخذ بمجرّد عدم التمكّن من خصوص الخمس، أو عدم الاكتفاء به، دون سائر الوجوه- كالزكاة مثلا- إلّا أنّه لا ينبغى الشك في ضعف ما استدلّوا به لذلك.

فإنّ الإجماع- مع استدلال غير واحد فى المسألة ببعض الوجوه الاستحسانيّة- ممّا لا يطمئن بكونه إجماعا تعبديّا؛ كما أن الشهرة- بنفسها- لا تكون دليلا على الحكم، و أمّا الوجوه الاستحسانيّة- ممّا مرّت الإشارة إلى بعضها- فهي قاصرة عن إثبات الحكم بنفسها كليّة، كما لا يخفى، و على هذا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 85، ط النجف الأشرف.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 586، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

فالمتّبع إنّما هو الموثّق المتقدّم.

و حينئذ فقد يقال: إنّ مورد الاستدلال فيه إنّما هو

الصدر إلى قوله عليه السّلام: «ما كان فيه سعتهم ...»، و أنّ الكلام بعد ذلك كان كلاما منفصلا عن الأوّل، صدر لأمر ما، و ليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة، و معلوم أنّ الصدر لا يدلّ إلّا على جواز أخذ الزكاة مع عدم التمكّن من الخمس.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّا لا نعرف وجها للاستدلال بالصّدر، فإنّ الظاهر أنّ صدر الرواية بصدد بيان كفاية الخمس لحاجات الهاشميين، لو أنّ الناس اتّبعوا طريق العدل، و امتثلوا هذا الواجب، فهو ناظر إلى أنّه- في مقام تشريع الخمس- قد أخذ حاجات الهاشميين بعين الاعتبار، فشرع لهم فى الأموال ما يكفيهم و يكون فيه سعتهم، بحيث لا يحتاجون بعد ذلك الى شي ء، و هذا لا ربط له بجواز الأخذ من الزكاة عند عدم التمكّن من الخمس.

نعم، الّذي يمكن الاستدلال به للمقام إنّما هو ذيل الرّواية، و هو يدلّ على أنّ الزكاة لا تحلّ لهم إلّا إذا بلغت الحاجة بهم إلى حلّ أكل الميتة لهم، فحليّة أخذ الزّكاة إنّما تكون عند الاضطرار بحدّ يجوز أكل الميتة فيه، لا مجرّد عدم التمكّن من الخمس، بل و من سائر الوجوه أيضا، بحيث لا يتمكّن من سدّ الرمق بالخمس و لا بغيره من الوجوه، كما اختاره المصنّف قدّس سرّه أيضا.

و ما يقال: من أنّ هذا في غنى عن البيان، فإنّ حلّية الشي ء عند الاضطرار من الواضحات، لقوله عليه السّلام: «ما من شي ء حرّمه اللّه إلّا و أحلّه في حال الضرورة «1»»، فلا يجوز حمل الرواية عليه، مدفوع بالفرق بين الحلّية فى خصوص المقام، و الحلّية بملاك الاضطرار في سائر الموارد:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: الإيمان، ح

18.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 366

و لكن الأحوط- حينئذ- الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما، مع الإمكان (514)

______________________________

و بكلمة أخرى: بحسب مقام الثبوت، يتصوّر الحلّية عند الاضطرار على نحوين:

الأوّل: الحلّية مع الضّمان فيما إذا كان الشي ء المتصرّف فيه اضطرارا مال الغير.

الثانى: مع عدم الضّمان، و ما لا يحتاج إلى البيان إنّما هو خصوص الأوّل دون الثانى. و الظاهر دلالة الخبر على الحلّية بالمعنى الثاني، بحيث لا يكون الهاشمي ضامنا للزكاة عند ارتفاع الضرورة.

و عليه فلا قصور في دلالة الخبر؛ إلّا أنّه بملاحظة الشهرة، بل دعوى الإجماع على الخلاف، منضما إلى الوجوه الاستحسانيّة المتقدّم ذكرها، يكون الفتوى بمفاد الخبر مشكلا، فالأحوط- وجوبا- هو ما دلّ عليه الخبر، و اللّه العالم.

(514) نسب ذلك إلى ابن فهد «1» و غيره «2»، و عن بعضهم «3» تقييد ذلك بما إذا

______________________________

(1)- ابن فهد، أحمد بن محمّد: المهذّب البارع، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

و لكنّه قدّس سرّه اعتبره أحوط.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 163؛ السيوري، مقداد بن عبد اللّه: التنقيح الرّائع، ج 1: صص 325- 326، ط مكتبة آية اللّه المرعشي طاب ثراه، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 526، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 411، ط النجف الأشرف. ناسبا-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 367

..........

______________________________

لم يتوقّع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه ما يكمل قوت السنة، و عن ثالث «1» إنّه يأخذ كفاية السنة، إلّا أن يرجى حصول الخمس فى الأثناء، و هناك أقوال أخر.

إلّا

ان الّذي يمكن استفادته من الخبر المتقدّم، إنّما هو جواز إعطائه بالمقدار الّذي يجوز لغير الهاشمي من كونه بمقدار مئونة سنته، أو بحدّ الإغناء، على الخلاف. و ذلك فإنّ قوله عليه السّلام: «... و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة» إنّما يدلّ- بمقتضى المفهوم- على أنّه- على تقدير عدم وجدانه شيئا- تحلّ له الصّدقة، بالنحو الّذي دلّت عليه الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ- الآية.

و بكلمة أخرى: ظاهر هذه الجملة إنّما هو ارتفاع المانع عن ثبوت الحلّية المستفادة من الآية الكريمة للهاشمي بالاضطرار، فإذا أثبتنا- و لو بضميمة النصوص الخاصّة- على أنّ المقدار الّذي يحلّ للفقراء إنّما هو مقدار خاص، كمئونة السنة أو أكثر- على الخلاف المتقدّم- ثبت ذلك للهاشمي أيضا.

نعم، لو أنّه عليه السّلام كان كرّر الحكم ثانيا، فقال كما يلي: «و يكون ممّن يحلّ له الميتة، فتحلّ له الصدقة» لكان ظاهرا في أنّ الحلّية الثابتة للزكاة إنّما هي من سنخ الحلّية الثابتة للميتة المقدّرة بمقدار الضرورة، لا تلك الحلّية المستفادة من آية الصدقة، إلّا أنّ عدم تكرار الحكم فى الخبر، و الاكتفاء في مقام البيان بمفهوم قوله:

«و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد ...» ظاهر في خلاف ذلك، كما تقدّم.

و عليه، فالظاهر هو جواز إعطائه بمقدار مئونة سنته، بناء على المختار من عدم جواز إعطاء الفقير أكثر من ذلك، كما مرّ.

______________________________

- إيّاه إلى المحقّق الثاني رحمه اللّه في حاشيته على كتاب «شرائع الاسلام» و «الإرشاد».

(1)- المحقّق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: صص 33- 34، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

368

[مسألة 21: المحرّم من صدقات غير الهاشمى عليه انما هو زكاة المال الواجبة]

[مسألة 21]: المحرّم من صدقات غير الهاشمى عليه انما هو زكاة المال الواجبة (515).

______________________________

(515) كما هو مذهب جماعة، منهم العلّامة فى «القواعد «1»»، و المحقّق الثاني فى «جامع المقاصد «2»» و الشهيد الثاني فى «الروضة» و «المسالك «3»»، و صاحب المدارك «4». و نسب إلى آخرين، منهم السيّد «5»، و الشيخ «6»، و المحقّق «7»، و العلّامة في جملة من كتبه «8»: القول بعموم الحكم لمطلق الصدقة الواجبة.

و الّذي ينبغى أن يقال: إنّ النصوص الواردة في هذا المقام على طوائف ثلاث:

الأولى: ما دلّت على حرمة الصدقة على بني هاشم بقول مطلق؛ كقوله عليه السّلام

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 351، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- المحقّق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 33، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهيّة، ج 1: ص 174، ط إيران الحجريّة، سنة 1322 ق؛ مسالك الأفهام، ج 1: ص 424، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(4)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 255، ط مؤسسة آل بيت عليهم السّلام، قم.

(5)- المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 85، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 259، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(7)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 164.

(8)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 218، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ تذكرة الفقهاء: ج 5، ص 268، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب: ج 1، ص 524، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2،

ص: 369

..........

______________________________

في صحيح عيص المتقدّم «1»، و في مصحّح الفضلاء المتقدّم «2» أيضا، و في صحيح ابن سنان المتقدّم «3»، و غير ذلك كما يلاحظه المراجع في «وسائل الشيعة» (باب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة).

الثانية: ما دلّت على الجواز بقول مطلق، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: «لو حرمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة، لأنّ كلّ ماء بين مكّة و المدينة فهو صدقة «4»».

الثالثة: الروايات المفصّلة، كخبر زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن الصدقة الّتي حرّمت عليهم؟ فقال: «هي الزكاة المفروضة، و لم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض «5»»، و خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة الّتي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال:

«هي الزكاة ... «6»»، و مصحّح جعفر بن ابراهيم الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة؛ هذه المياه عامّتها صدقة «7»».

و لا شكّ في أنّه لو كانت روايتا زيد الشحام و إسماعيل بن الفضل الهاشمي معتبرتين سندا لصارتا شاهد جمع بين الطائفتين المطلقتين، غير أنّ ضعف سنديهما

______________________________

(1)- ص 360.

(2)- ص 360.

(3)- ص 361.

(4)- الحرّ العاملى، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 31: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(6)- المصدر، ح 5.

(7)- المصدر/ باب 31: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 370

..........

______________________________

مانع

عن ذلك، و أمّا مصحّح جعفر بن إبراهيم الهاشمي، فقد يقال «1» في وجه اختصاصه بالزّكاة: إنّ قوله عليه السّلام: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على النّاس ...»

ظاهر فى الاختصاص بالزكاة، فإنّها الواجبة بقول مطلق، فكأنّها واجبة على جميع النّاس، بخلاف مثل الكفّارات، فإنّ وجوبها عند أسبابها الخاصّة ممّا يجعلها من الواجبة على نوع خاص من الناس لا جميعهم.

و لكن يمكن الخروج عنه بأنّ الجهة المسوق لها الكلام في الرواية إنّما هي التفصيل بين الواجب و غيره، و أمّا إضافة الواجب إلى النّاس فالظاهر عدم العناية بها أصلا، و إنّما جي ء بها فى الذكر استطرادا، لأجل عدم دخل ذلك في مورد الكلام، و عليه فلا يمكن استظهار الاختصاص بالزكاة من ملاحظة إضافة الوجوب- فى الخبر- إلى جميع النّاس، بعد فرض عدم كون هذه الإضافة منظورا إليها أصلا، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه قد يقال «2»: إنّه على فرض التسليم بعموم الرواية للصدقة الواجبة فالظاهر خروج المنذورة، و الموصى بها، و الصدقة بمجهول المالك، و نحوها، ممّا لم يتعلّق الوجوب فيه بالصدقة، و إنّما تعلّق بعنوان اخر، و كانت الصدقة بعنوانها موضوعا للأمر الندبي لا غير، فانّ الوجوب فى الصدقة المنذورة تعلّق بالوفاء بالنذر، و فى الموصى بها بالعمل على الوصيّة، و في مجهول المالك بالنيابة عن المالك، و عنوان الصدقة- في هذه الموارد- ليس إلّا موضوعا للأمر الندبيّ، و لذلك يقصد في مقام التقرب الأمر النّدبي المتعلّق بعنوان الصدقة، حتّى في مجهول

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 308، ط الثالثة، النجف الأشرف.

(2)- المصدر، ص 309.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 371

و زكاة الفطرة (516). و أمّا الزكاة

المندوبة- و لو زكاة مال التجارة- و سائر الصدقات المندوبة فليست محرمه عليه، بل لا تحرم الصدقات الواجبة- ما عدا الزكاتين- عليه أيضا؛ كالصدقات المنذورة، و الموصى بها للفقراء، و الكفّارات، و نحوها كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين، و أمّا إذا كان المالك المجهول الّذي يدفع عنه الصدقة هاشميّا فلا إشكال أصلا، و لكن الأحوط

______________________________

المالك، و لأجل ذلك كان هذا نحوا من الإيصال إليه.

و لكن لا يخفى أنّ مرجع هذه الدّعوى إلى الانصراف، و دعوى الانصراف من الدعاوي الّتي لا مئونة فيها إثباتا و نفيا في كثير من الموارد.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مصحّح الهاشمي، بملاحظة ما قيل فيه ممّا تقدّم، بضميمة خبري زيد الشحام و اسماعيل، و ملاحظه فتوى جماعة من الأعلام- قدّس اللّه أسرارهم- على طبق ذلك، ممّا يوجب قوة الظن باختصاص الصدقة الممنوع منها بالزكاة. و لا سيّما و أنّ خبر اسماعيل قد روي بطريق الكليني رحمه اللّه، و يمكن القول بصحّة الطريق المذكور، و لذلك يكون الفتوى بعموم المنع للصدقات الواجبة مشكلا، و إنّما هو أوفق بالاحتياط، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل.

(516) الظاهر أنّه اتفاقيّ بين الأصحاب- قدس اللّه أسرارهم- و يدلّ عليه عموم ما دلّ على المنع من الزّكاة، الشامل لها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 372

- فى الواجبة- (517) عدم الدفع إليه، و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة (518)، خصوصا مثل زكاة مال التجارة (519).

[مسألة 22: يثبت كونه هاشميّا بالبينّة، و الشياع]

[مسألة 22]: يثبت كونه هاشميّا بالبينّة، و الشياع (520)

______________________________

(517) و قد عرفت الوجه فيه آنفا، فلاحظ.

(518) الاحتياط بعدم دفع مطلق الصدقة استحبابي، و منشؤه: ما ربما احتمل- بل قيل به- من

المنع عن مطلق الصّدقة، نظرا إلى إطلاق تحريم الصدقات على بني هاشم، و قد عرفت الحال في ذلك آنفا، فلاحظ.

(519) كأن وجه الخصوصيّة فيه إنّما هو وجود القول بوجوبها، فتكون من الزكاة المفروضة، المحرّمة على بني هاشم و قد عرفت فيما تقدّم أنّ الظاهر- عندنا- هو وجوبها، فلاحظ.

(520) أمّا ثبوته بالبيّنة فظاهر، لعموم دليل حجيّتها بالنسبة إلى الموضوعات، و أمّا الشياع، فالمنسوب إلى المشهور هو ذلك، و لكن لا يقيّد ذلك بما إذا حصل منه العلم، فإنّ المفيد منه للقطع- بل الاطمينان- حجّة، بملاك حجّية القطع أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 373

و لا يكفي مجرّد دعواه (521)، و إن حرم دفع الزكاة إليه، مؤاخذة

______________________________

الاطمينان، بل يكتفى بالظني منه أيضا، و ذلك لما أفاده شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه في نظير ذلك فى «الفوائد»، ما حاصله: أنّ اعتبار اليقين بالخصوص فى الموضوعات، الّتي يلزم فيها من الاقتصار في ترتّب الحكم عليها على خصوص مورد اليقين، رفع اليد عن الحكم المذكور فى الغالب غير ثابت قطعا، بل يكتفي في مثل ذلك بمجرّد الظنّ، بل الاحتمال أيضا، و إلّا لزم منه رفع اليد عن الحكم في غالب الموارد، و ذلك كما فى الضّرر، فإنّه لو اقتصر فيه على اليقين به- مع عدم حصوله غالبا إلّا بعد الوقوع فيه- مستلزم لرفع اليد عن دليل نفي الضّرر فى الغالب، و حينئذ فيكتفى فيه بالخوف و احتماله أيضا، كما هو ظاهر.

و المقام من هذا القبيل، فإنّ الاقتصار في ثبوت الهاشميّة على مورد العلم- أي خصوص ما إذا كان الشياع علميّا- يوجب الوقوع فى المخالفة الكثيرة لدليل حرمة الصدقة على الهاشميّ، إذ قلّ ما يقوم الشياع

العلميّ في حقّ أحد على كونه هاشميّا، و عليه فلا بدّ فيه من الاكتفاء بالشياع الظنيّ- أيضا- كما لا يخفى.

(521) لعدم كونه من الأمور الّتي لا يعلم إلّا من قبل المدّعي، و لا مثل الفقر الّذي قامت السيرة على حجيّة دعواه فيه، إذ لو توقّف ذلك على الثبوت العلمي، أو البيّنة، لزم منه عدم جواز إعطاء الزكاة إلّا للقليل النادر من الفقراء، إذ قلّ من يمكن في حقّه الثبوت بأحد الأمرين، و هذا بخلاف كونه هاشميّا، حيث أنّه لا يلزم من ردّ دعواه المجرّدة شيئا من ذلك، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 374

له بإقراره (522)، و لو ادّعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة، لا لقبول قوله، بل لأصالة العدم (523) عند الشك في كونه منهم أم لا، و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.

______________________________

(522) و فيه تأمّل، إذ الإقرار إنّما يمنع من العمل بالحجّة بالإضافة إلى الأحكام الّتي تكون للمقرّ، لا بالإضافة إلى المالك و إفراغ ذمّته بذلك؛ بل الظاهر، أنّ الوجه فيه إنّما هو كون الدفع إليه حينئذ مصداقا للإعانة على الإثم و اغراء بالقبيح، في ما إذا كان المدفوع إليه يصرفه فيه في حوائجه، و ذلك لأنّه مع إقراره بكونه هاشميّا يقرّ لا محالة بحرمة تصرّفه فى الزّكاة، فمع إقراره بحرمة ذلك عليه يكون دفعها إليه إغراء بالقبيح و إعانة له على الإثم. و أمّا إذا لم يكن ممّن يصرفها في حوائجه، كان حينئذ دفع الزكاة إليه إتلافا و تضييعا لها.

و على الإجمال، لا يجوز دفع الزكاة إليه مطلقا، سواء أ كان ممّن يصرفها في حوائجه، أم لم يكن كذلك، كما لا يخفى.

(523) لا يخفى

أنّ حجّية الأصل المذكور مبتنية على حجّية الاستصحاب الجاري فى الأعدام الأزليّة، كما هو المقرّر في محلّه. و أمّا ما قيل «1»: من أنّ الوجه في حجّيته إنّما هو اتّفاق العلماء على العمل به في جميع أبواب الفقه، من النكاح، و الإرث، و الوصيّة، و البيع، و غير ذلك، فلا عبرة به، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 312، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 375

[مسألة 23: يشكل اعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشميّ بالزنا]

[مسألة 23]: يشكل اعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشميّ بالزنا، فالأحوط عدم إعطائه (524)، و كذا الخمس، فيقتصر فيه على زكاة الهاشميّ.

______________________________

(524) الظاهر أنّ الوجه في دعوى الجواز هو الانصراف إلى الولد الشرعيّ. و لكنّه غير ظاهر، فما دلّ على المنع من زكاة غير الهاشميّ له- بعد فرض صدق الولد عليه حقيقة، لغة، و عرفا، و شرعا- محكّم. و عدم ترتّب بعض أحكام الولد بدليل لا يقتضي نفي الأحكام مطلقا، لعدم الدليل عليه.

هذا ما وفّقنا اللّه- سبحانه و تعالى- لتحريره حامدين له عزّ شأنه أن منّ علينا بذلك، و شاكرين لفواضل نعمائه، و سوابغ آلائه. و يتلوه الجزء الثالث، إن شاء اللّه تعالى، و يبدأ من قوله قدّس سرّه:

«فصل في بقيّة أحكام الزكاة»، و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 377

فهرس الموضوعات

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 379

* كلمة المؤلّف 7

فصل في زكاة النقدين (9- 54) نصاب الذهب 9

نصاب الفضّة 17

اشتراط كون النقدين مسكوكين 20

اتّخاذ النقدين زينة 24

اشتراط مضيّ الحول 29

عدم وجوب الزكاة في المسبوك 30

عدم وجوب الزكاة في الحلّي 35

عدم الفرق بين الجيّد و الردي 37

حكم الدراهم و الدنانير المغشوشة 41

وجوب الاختبار في المغشوش مع الشكّ في البلوغ 44

عدم إجزاء المغشوش عن الجيّد 46

غشّ أحد النقدين بالآخر 48

كيفيّته زكاة الدراهم المغشوشة 50

ما تركه المسافر نفقة لأهله 51

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 380

فصل في زكات الغلّات الأربع (55- 168) زكاة

الغلّات الأربع 55

حكم السلت و العلس 56

حكم ما تستحبّ فيه الزكاة و حكم ما تجب فيه واحد 60

اعتبار النصاب في زكاة الغلّات 62

يشترط في زكاة الغلّات التملّك بالزراعة 67

وقت تعلّق الزكاة بالغلّات 72

اعتبار بلوغ النصاب فى الرطب حال الجفاف 81

تصرّف المالك فى العين بعد التعلّق 84

عدم وجوب الإخراج بعد الخرص بطلب الساعي 86

وقت الأداء في الغلّات 87

جواز المقاسمة و الدفع قبل الجذاذ 89

إخراج الزكاة بالقيمة 91

جواز الدفع من غير النقدين و حكم تكرار الزكاة 91

مقدار الزكاة في الغلّات 92

حكم ما إذا سقي الزرع بالأمرين 95

السقي بالدوالي مع الحاجة إليه 98

استثناء ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة أو الخراج 100

عدم وجوب الزكاة فى الأراضي الخراجيّة 101

استثناء ما يأخذه العمّال ظلما 104

استثناء المؤن من الزكاة 105

اعتبار النصاب بعد استثناء المؤن 114

المراد بالمئونة 120

استثناء قيمة البذر 121

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 381

فروع في استثناء المؤن 123

حكم الشكّ في كون الشي ء من المئونة 127

حكم النخيل و الزروع فى الأمكنة المتباعدة 128

حكم دفع الرطب أو العنب بعنوان زكاة التمر أو الزبيب 130

إذا ادّى الزكاة من جنس ما عليه بزيادة من باب القيمة 132

إذا مات الزارع بعد تعلّق الوجوب 135

إذا مات المالك و عليه دين 136

شراء النخل أو الزرع قبل تعلّق الزكاة أو بعده 143

اختلاف أنواع الثمر في الجودة و الرداءة 147

كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين 151

جواز الخرص للساعي من قبل الحاكم 152

فائدة الخرص 157

اعتبار العدالة في الخارص 159

الاتّجار بالمال الّذي فيه

الزكاة قبل أدائها 161

جواز عزل الزكاة 163

جواز عزل مع وجود المستحق و عدمه و فائدته 165

حكم التبديل بعد العزل 167

فصل في ما يستحبّ فيه الزكاة (169- 207) تحديد مال التجارة 169

شرائط تعلّق الزكاة بمال التجارة 177

إذا كان مال التجارة من النصب الزكويّة 189

معاوضة أحد النصب الزكويّة بمثله أثناء الحول 195

الزكاة في مال المضاربة 197

الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين 200

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 382

بعض أحكام مال التجارة 203

جملة ممّا يستحبّ فيه الزكاة 205

فصل في أصناف المستحقّين للزكاة (209- 315) في أصناف المستحقّين للزكاة 209

الفقير و المسكين 210

المراد بالفقير 212

حكم القادر على الاكتساب 218

حكم من لا يقوم ربحه بمئونته و تكفيه عين رأس ماله 221

إعطاء الفقير أزيد من مقدار المئونة دفعة 225

إعطاء الفقير أزيد من مئونة السنة دفعة 231

بعض ما يدخل فى المئونة 232

القدرة على التكسّب غير اللائق بحاله 235

صاحب الحرفة أو الصنعة الّتي لا يمكنه الاشتغال بها 237

طالب العلم مع القدرة على الاكتساب 239

تصديق مدّعى الفقر 242

احتساب الدين الّذي على الفقير من الزكاة 245

عدم وجوب إعلام الفقير بأنّ المدفوع إليه زكاة 249

الكذب في مقام المصلحة 251

انكشاف غنى القابض للزكاة 252

في دفع الزكاة إلى الغنيّ جاهلا أو متعمّدا 256

دفع الزكاة إلى الفقير باعتقاد علمه أو عدالته 258

العاملون عليها 260

شرائط الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا 263

الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ 268

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 383

وَ فِي الرِّقٰابِ 272

إعطاء الزكاة للمكاتب 275

ادعاء العبد كونه مكاتبا أو عاجزا 277

الغارمون و تحديدهم 280

ما يشترط في إعطاء الزكاة للغارم 282

جواز إعطاء الغارم من سهم سبيل اللّه 284

صور العذر فى الصرف فى المعصية 287

الدين المؤجّل، و الكسوب القادر على الأداء تدريجا 288

فروع في صرف الزكاة فى الغارمين 291

إذا كان الغارم مدينا لمن عليه الزكاة 293

إذا كان ديّان الغارم مدينا لمن عليه الزكاة 297

إذا كان دين الغارم لمصلحة 299

المراد من سبيل اللّه 301

المراد من ابن السبيل 306

مقدار ما يعطى لابن السبيل من الزكاة 308

غير القادر على الإنشاء السفر مع لزومه ليس من ابن السبيل 311

إذا دفع الزكاة ثمّ انكشف عدم وجوبها عليه 313

فصل في أوصاف المستحقّين (317- 375) في أوصاف المستحقّين 317

اعتبار الإيمان في مستحقّ الزكاة 317

إعطاء الزكاة لأطفال المؤمنين و مجانينهم 320

حكم الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره 324

إعطاء ابن الزنا من المؤمنين، و إعطاء غير المؤمن أهل نحلته 327

وقت النيّة في دفع الزكاة للأطفال و المجانين 329

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 384

إعطاء الزكاة لعوام الشيعة الجاهلين 329

دفع الزكاة لفسّاق المؤمنين 333

عدم اشتراط العدالة فى الفقير 334

اشتراط العدالة فى العاملين 337

عدم جواز دفع الزكاة لواجبي النفقة على المزكّي للتوسعة 338

فروع في دفع الزكاة إلى واجبي النفقة 345

جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته على غير المزكّي 346

عدم جواز دفع الزكاة إلى زوجة الموسر الباذل و الممتنع منه 348

جواز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها 350

حكم دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة مع سقوط نفقتها بالنشوز 351

جواز دفع الزكاة إلى من يعوله المزكّي

تبرّعا 352

جواز دفع الوالد الزكاة إلى ولده للتزويج أو للصرف 355

عدم جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة للإنفاق من جميع السهام 355

إعطاء الزكاة لمملوك الغير 359

عدم جواز دفع زكاة غير الهاشميّ للهاشميّ 359

جواز دفع زكاة الهاشميّ للهاشميّ 362

جواز أخذ الهاشميّ زكاة غيره عند الاضطرار 363

بيان ما هو المحرّم من صدقات غير الهاشميّ على الهاشميّ 368

طريق ثبوت كون المدفوع إليه هاشميّا 372

قبول ادّعاء نفي الهاشميّة 374

حكم إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشميّ بالزنا 375

* فهرس الموضوعات 377

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

[الجزء الثالث]

[كلمة التقديم]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الّذي نحمده على السّراء و الضّراء، و نضرع إليه فى الشدّة و الرخاء، و نسأله اليسر بعد العسر، و الفرج بعد الضرّ، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون في كلّ مصيبة أصابتنا.

و نصلّي و نسلّم على سيّد رسله و خاتم أنبيائه محمّد و آله الطيّبين الطاهرين الأئمّة المعصومين، الذين هم نعم العزاء لنا في كلّ فادحة، و خير أسوة و سلوة في كلّ مصيبة.

و لعنة اللّه على اعدائهم أجمعين الّذين بهم بدأ الشرّ و انتشر، و على أيديهم دام حكم الجور و استمرّ، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

*** و كان من قضاء اللّه الّذي لا رادّ لقضائه أن اكون أنا الّذي انعى كلا العلمين الّذين تألّف هذا الكتاب من دورس أحدهما الّتي ألقاها علينا و كتابة الآخر، و الّذين كنت اعتزّ بأوّلهما الّذي كان لي و لشقيقي الراحل استاذا بارّا

و معلّما عطوفا علّمني و فقّهني بدروسه، و أبا رءوفا ثقفني و هذّبني بصحبته الّتي امتدّت أكثر من ثلاثة عقود من سنى عمري. نعم، قدّر لي أن أنعى سيّدي الاستاذ، رضي اللّه عنه و أرضاه، صاحب هذه البحوث الفقهيّة الّتي هي إحدى حلقات دروسه الّتي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 8

كان يلقيها صباحا و مساء، علينا نحن تلامذته و ابناؤه فى الفقه و الاصول، سواء الّذين اقرّوا له بهذا الفضل أو أخفوه او أخفيت لهم لحاجة في نفسوهم قضوها، أو في نفوس الآخرين.

و أن أنعى شقيقى العلّامة الجعفري، تغمّده اللّه برحمته الّذي دوّن دروسه و حوّلها من علم مسموع إلى كتابة يقرؤها القريب و البعيد، قدّر لي أن أنعاهما معا في مفتتح الجزء الثّالث من كتاب الزّكاة.

استأثر اللّه بالاستاذ عند ما بدئ بطبعه، و بالتلميذ المقرّر، و الكتاب قد كمل طبعه إلّا لمسات يسيرة، و لم يقدّر لهما أن يرياه، في حياتهما هذه الدنيا، و قد نجز طبعه، و أرجو اللّه سبحانه أن يسرّهما، و هما قد حضيا بلقاء ربّهما، بما يجعل اللّه فيه الخير الكثير لطلّاب العلم و المتفقّهين فى الدّين، و أن ينفع به و بأمثاله من الآثار العلميّة الّتي خلّفها سيّدي الاستاذ النّفع العام الشّامل، سواء الّذي دوّنه شقيقي العلّامة الجعفري، أو الّذي خلّفه أخي العلّامة الشهيد السيّد عبد الصاحب الحكيم، الّذي فجعت به و بأخوته و آله البررة قبلهما، اسكنهم اللّه فسيح جنّته و واسع رحمته و مغفرته، و أخذ بالقتلة و الأعوان، و الحماة و الأنصار أخذ عزيز مقتدر، و سيجمع اللّه بين أولئك و هؤلاء يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللّعنة، و

لهم سوء الدار.

*** و من الفرض عليّ أن المّ بالحياة العلمية لسيّدي الاستاذ و لو بعرض موجز، و بترجمة لشقيقي العلّامة الجعفري و آثاره و لو بترجمة قصيرة، و لكنّي الآن و أنا أقرب ما اكون إلى سكنى القبور بجسمي بعد أن قاربت السّبعين، و أبعد ما أكون عن الاستعداد للعرض على اللّه، فإن عاملني بمغفرته و رحمته فنعم الربّ الرءوف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 9

الرحيم، و ان أخذني بأعمالي فنعم الحكم العدل، و للّه الأمر من قبل و من بعد.

أقول: أنا و الحال هذه، و قد ضاعف من عجزي و ضعفي ما المّ بي من هذين الحادثين الفادحين، اللّذين أخذا مني الجناحين الّذين كنت أجد في نفسي ان أحدهما كاف للنّهوض بي إن قصّ جناحاي، فكيف و قد أخذا معا منّي، و لكنّ الأمل باللّه وحده على كلّ حال، و علمه الاتّكال، و بقي لي أن أنعاهما معا، و بقي لي أن اعترف بالعجز عن كلّ من الأمرين، عن الترجمة الّتي تؤدّي بعض حقوق سيّدي الأستاذ، و الترجمة لشقيقي العلّامة الجعفري فأعتذر إلى الكرام عذر قاصر لا مقصّر، عاجز لا متعاجز، و أرجو منهم قبول العذر و غفران العجز و الضعف، و حسبي في ذلك أن أكون أنا الّذي انعاهما معا لم نفصل بين فقدهما إلّا عام واحد، و لم يجمع بين نعييهما إلّا مناسبة واحدة، فقد استأثر اللّه بسيّدي الأستاذ في شهر ربيع الاوّل من العام الماضي سنة 1418 ه ق و بشقيقي في جمادى الأولى من العام الحالي، عام 1419 ه. ق.

و قد كانت منيّة كلّ منهما مشابهة لمنيّة الآخر في ظروفها و ملابساتها، فقد فاجأهما

الموت بغير سابق إنذار، و كانت اللحظات الظرف الزمني الّذي ظهرت فيه علامة الموت، الغامضة و الواضحة، فالموت السّريع، و هذا ما يجعل النّفس تذهب في تفسير ذلك كلّ مذهب، معقول و غير معقول، مقبول و مردود. و اللّه سبحانه هو الّذي يحكم بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، فإلى اللّه المشتكى، و عليه المعوّل فى الشدّة و الرخاء، و نضرع إليه عزّ و جلّ أن يجعل نفوسنا تأخذ بالظنّ الحسن دون سيّئه، و تمتلئ بالمحبّة و الألفة دون البغضاء و الشنئان.

***

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 10

و بعد، فلم يكن الّذي قلته إلّا نفثة مصدور، و آهة مفجوع موجوع، أرجو- بعد اللّه سبحانه و أوليائه الطاهرين، صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين- أن يسلّيني و يعزّيني فيها كلّ صديق، أنا و كلّ من اصيب بهذين المصابين، و فيهم من هم أقرب و أمسّ، و أن يغفرها لي كلّ من لا يجد الحاجة إلى ابداء ذلك. و لي في هذه الشهور الّتي تخصّ سيّدة نساء العالمين الصّديقة الطاهرة، سلام اللّه عليها، و الّتي تعبد إلينا نحن شيعتها ذكرى آلامها و أحزانها، و ما أصابها و أدّى إلى استشهادها، و هي في مقتبل عمرها، خير عزاء و سلوان، و من اللّه اسأل و إليه أبتهل، أن يتغمّد اللّه الفقيدين برحمته، و أن يلهم ابناءهما و آلهما و ذويهما الصبر، و أن يجعل لهم في ذلك الأجر فى الدنيا و حسن ثواب الآخرة، إنّه نعم المولى و نعم النصير.

محمد رضا الجعفري الثلاثاء 1/ ج 2/ 1419 30/ 6/ 1376

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 11

بِسْمِ اللّٰهِ

الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

أحمده حمد المستعين بقدرته، و أشكره شكر المستزيد لنعمته، و أصلّي و أسلّم على محمّد سيّد بريّته، و على وصيّه سيّد عترته، و الأئمّة المعصومين من ذريّته، و اللعن على ناصبي العداوة لهم من شرار أمّته.

و بعد، هذه هي الصحيفة الثالثة الّتي- بحمد اللّه و منّه- ما سبقتها، و هي- كأخواتها- حصيلة توفيقي للمشاركة فى المحاضرات الّتي ألقاها سماحة سيّدنا الأستاذ المعظّم طيّب اللّه ثراه، و جعل الجنّة مستقرّه و مأواه، في بلد باب مدينة علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حاضرة علوم الإسلام، و جامعة الشيعة الكبرى، النجف الأشرف. و قد نشرت كما كانت سطرت في حينها دون أن اوفّق للمقارنة بينها و بين ما كان قد استجدّ لسيّدنا الاستاذ طاب ثراه من رأي و نظر حول بعض المسائل، و قد كنت أوكلت- في مقدّمة الجزء الثاني- تحقّق أمنيّاتي و أمالي إلى مشيئة اللّه عزّ و جلّ فى المستقبل، و ما كنت اظنّ أن تقديره تعالى سوف يسبق تدبير عبده، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، و الحمد للّه الّذي لا يحمد على مكروه سواه.

محمد صادق الجعفري 27 صفر الخير 1419 ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 13

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[فصل في بقيّة أحكام الزكاة]

اشارة

[فصل] في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل:

[الأولى: الأفضل- بل الأحوط- نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع الشرائط في زمن الغيبة]

الأولى: الأفضل- بل الأحوط (525)- نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع الشرائط في زمن الغيبة، لا سيّما إذا طلبها، لأنّه أعرف بمواقعها.

______________________________

(525) نسب «1» إلى المفيد «2» و الحلبي «3» قدّس سرّهما: وجوب الدفع إلى الإمام عليه السّلام مع

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 222، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 417، ط النجف الأشرف.

(2)- المفيد، محمّد بن محمّد: المقنعة، ص 252، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(3)- الحلبي، تقي الدين: الكافى، ص 172، ط مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام العامّة، أصفهان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 14

لكن الأقوى عدم وجوبه (526)

______________________________

حضوره، و إلى الفقيه الجامع الشرائط مع غيبته، و إلى ابن زهرة «1»: الاقتصار على وجوب الدفع إليه عليه السّلام مع حضوره. و عن القاضي «2»: وجوب الدفع إلى الإمام عليه السّلام عند ظهوره، و في غيبته يجوز للمالك التصدّي لتفريق الزكاة، و ستأتي الإشارة إلى ما يمكن أن يستدلّ به للوجوب، مع ما يرد عليه من المناقشة، عند تعرّض المصنّف قدّس سرّه له قريبا، إن شاء اللّه تعالى.

و حيث أنّ الصّحيح- كما قوّاه المصنّف قدّس سرّه أيضا- هو عدم الوجوب، فالقول بالاستحباب مبنيّ على ثبوت قاعدة التسامح، ثمّ تعميمها لفتوى الفقيه أيضا، لفتوى جمع من الفقهاء بالاستحباب، و كلاهما محلّ المنع، و حينئذ فالأحوط استحبابا إنّما هو الدفع إلى الفقيه في زمن الغيبة.

(526) كما هو المشهور «3»، و ذهب بعضهم- كما أشرنا إليه- إلى وجوبه. و قد استدل له بوجهين:

الأوّل «4»: قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ

صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... «5»، فإنّ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع لا محالة.

______________________________

(1)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 568 (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، الحجريّة.

(2)- القاضي، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 171، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، ط النجف الأشرف- العراق.

(4)- المفيد، محمد بن محمد: المقنعة، ص 252، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- التوبة، 9: 103.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 15

..........

______________________________

الثاني «1»: سيرة النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك سيرة مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة و السّلام حيث قد جرت على إرسال عامل الصدقات و جباية ما يكون منها فى النواحي، و كان عليه السّلام قد سنّ لهم آدابا و أحكاما في كيفيّة جبايتهم، كما في «نهج البلاغة» «2».

أمّا الآية الكريمة، فقد اجيب «3» عن الاستدلال بها، بعدم معلوميّة ورودها فى الزّكاة، لاحتمال أن يكون المراد بالصدقة فيها هي الكفّارة، الّتي جاء بها المتخلّفون عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقد روي عن ابن عبّاس أنّه قال: «جاءوا بأموالهم- يعني أبا لبابة و أصحابه- حين أطلقوا، فقالوا: يا رسول اللّه، هذه أموالنا فتصدّق بها عنّا و استغفر لنا، قال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فانزل اللّه: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ... «4»»، و يشهد بذلك: إضافة التزكية و التطهير فى الآية الكريمة إلى الأشخاص، و مع احتمال هذا المعنى- و إن كان هناك من الروايات «5» ما يدلّ على ورودها فى الزكاة- يسقط الاستدلال بها، كما لا يخفى.

و أمّا السّيرة، فمن الممكن أن يقال فيها: إنّ ذلك إنّما كان من شئون

قيام الحكم الإسلامي، و أنّه إنّما كان يجب على المسلمين دفع الزكاة إلى وليّ الأمر،

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، ص: 222، ط النجف الأشرف، النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15، ص: 416، ط النجف الأشرف.

(2)- نهج البلاغة، الوصيّة رقم 25 [و] عهده عليه السّلام، رقم 26.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 418، ط النجف الأشرف.

(4)- الطبري، محمّد بن جرير: جامع البيان، ج 11: صص 13- 14، افست طبعة بولاق؛ الفخر الرازي: التفسير الكبير، ج 16: ص 178، افست دار الكتب العلميّة.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 16

..........

______________________________

لا مطلق الإمام عليه السّلام، كما يشهد بذلك خبر جابر قال: أقبل رجل إلى ابي جعفر عليه السّلام- و أنا حاضر- فقال: رحمك اللّه، اقبض منّي هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها، فإنّها زكاة مالي، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «بل خذها أنت فضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين، و في إخوانك من المسلمين، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا، فإنّه يقسّم بالسوية، و يعدل في خلق الرحمن، البرّ منهم و الفاجر ... «1»».

و استدلّ للمشهور بوجوه:

الأوّل: الأصل، لكون المورد من موارد الدوران بين التعيين و التخيير، فينفى خصوصيّة التعيين بالأصل. فتأمّل «2».

الثاني: مطلقات باب الزكاة، و لا مجال للاستدلال بها، إذ ليس لنا في هذا الباب من المطلقات ما يكون دالّا على ذلك، فإنّها بين ما يكون في مقام بيان أصل التشريع، و بين ما يكون في بيان تعيين مصرف الزكاة و غيرها من الخصوصيّات،

و ليس فيها ما يكون مسوقا لبيان هذه الجهة، كما لا يخفى.

الثالث: قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... «3». و لا يخفى ما فى الاستدلال بذلك، لورود جملة من الروايات في تفسير الآية الكريمة و قد دلّت على أنّها في غير الزّكاة، ففي موثق

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: المستحقين الزكاة، ح 1.

(2)- لعلّ الوجه فيه: أنّ المورد من مصاديق دوران الأمر بين التعيين و التخيير في مقام الإطاعة و الامتثال، كما في دوران الأمر بين تعيّن الإطاعة التفضيليّة مع الإمكان أو التخيير بينها و بين الإطاعة الإجماليّة، و الأصل في مثله يقتضي التعيين، كما حقّق ذلك في بحث الأصول.

(3)- البقرة، 2: 271.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 17

..........

______________________________

اسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في قول اللّه تعالى: وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ- فقال: «هي سوى الزكاة، إنّ الزكاة علانية غير سرّ «1»»، و نحوه: مرسل ابن بكير «2»، و المفيد فى «المقنعة «3»»، و رواية العياشي عن الحلبي «4».

و الإنصاف: الاستدلال له بالروايات الكثيرة الواردة في أبواب مختلفة، كخبر الوابشي «5» في جواز شراء الأب المملوك من الزكاة»، و ما ورد في شراء العبيد المسلمين تحت الشدّة «6»، و ما ورد في جواز قضاء الدين من الزكاة اذا لم يكن قد صرفه فى المعصية «7»، و كذلك النصوص الواردة في جواز الاعطاء بحدّ الاغناء «8»، و ما ورد في جواز اعطاء الزكاة للأقارب و استحباب تفضيل بعضهم على بعض «9»، و ما ورد في جواز قضاء دين

الأب و نحوه من واجبي النفقة من الزكاة «10»، و ما ورد في جواز تفضيل بعض المستحقّين على بعض «11» و غير ذلك، ممّا هو مورث للقطع بالحكم، بل إنّ جملة منها صريحة الدلالة على ذلك، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 54: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر، ح 9.

(5)- المصدر، باب 19: المستحقين الزكاة، ح 1.

(6)- المصدر، باب 43: المستحقين للزكاة.

(7)- المصدر، باب 46: المستحقين للزكاة.

(8)- المصدر، باب 24: المستحقين للزكاة.

(9)- المصدر، باب 15: المستحقين للزكاة.

(10)- المصدر، باب 18: المستحقين للزكاة.

(11)- المصدر، باب 25: المستحقين للزكاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 18

فيجوز للمالك مباشرة- أو بالاستنابة (527) و التوكيل- تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها.

______________________________

(527) قد يقال: إنّ الزكاة من الأمور العباديّة و الاستنابة فيها على خلاف القاعدة و يحتاج ذلك إلى دليل، و أنّ هذا هو الموجب لتعرّضه قدّس سرّه للفرع المذكور.

و لكن الظاهر عدم الإشكال في ذلك، لجملة من النصوص الدالّة على ذلك، كصحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فى الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها، قال: «يجري له مثل ما يجري للمعطى و لا ينقص المعطي من أجره شيئا «1»»، و موثق ابن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّن يلي صدقة العشر (على) من لا بأس به، فقال: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها «2»»، و موثق سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها بين أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟

قال: «نعم، «3»» و

مصحح الحسين بن عثمان عن أبي ابراهيم عليه السّلام، في رجل أعطي مالا يفرّقه فيمن يحل له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي لغيره «4»». و ظاهره أنّ المال من الزكاة، كما لا يخفى. و مصحّح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعطي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 35: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، باب 40: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 19

نعم، لو طلبها الفقيه (528) على وجه الإيجاب، بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعا، و كان مقلّدا له، يجب عليه الدفع إليه، من حيث أنّه تكليفه الشرعي، لا لمجرّد طلبه، و إن كان أحوط، كما ذكرنا.

______________________________

الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة؟ قال:

«لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطى غيره ... «1»».

و الوجه في دلالة الأخبار المذكورة على جواز الاستنابة ظاهر، حيث إنّها ممّا اخذت مفروغا عنها في جملة منها، فكأنّ جواز ذلك في نظر الرواة كان من المسلّمات و الإمام عليه السّلام أيضا قرّرهم على ما هم عليه من الرأي و العقيدة.

مضافا إلى أنّ موثّق ابن يقطين لعلّه ممّا يدلّ على ذلك بصراحة كما لا يخفى.

(528) فروض المسألة ثلاث:

الأوّل: أن يكون طلب الفقيه من باب الفتوى، لكونه- حسب اجتهاده- قد توصّل إلى وجوب دفع الزكاة إلى الإمام عليه السّلام أو نائبه، كما هو مذهب المفيد و الحلبي قدّس سرّ هما، على ما تقدّم.

و لا ينبغى الإشكال- حينئذ- في وجوب الدفع إليه- حينئذ- على خصوص مقلّديه، كما هو ظاهر.

الثاني: أن يكون طلبه من باب الحكم الشخصي، بمعنى: كونه يرعى أمور جملة من مستحقّي الزكاة- كالمرجع الّذي يرعى شئون الحوزة العلميّة في مثل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 20

بخلاف ما إذا طلبها الإمام عليه السّلام في زمان الحضور، فإنّه يجب الدفع إليه بمجرّد طلبه، من حيث وجوب طاعته في كلّ ما يأمر (529).

______________________________

زماننا، فيطلب الزكاة من الملّاك لا من جهة أنّه يفتي بوجوب الدفع إلى الفقيه، بل من جهة أنّه شخصا قد تصدّى لرعاية شئون الحوزة العلميّة مثلا، فيرى لزاما على نفسه- بحسب رأيه الشخصي- جلب الصدقات و الوجوه البريّة إلى نفسه، لتأمين الغرض المذكور. و الظاهر إنّه لا دليل على وجوب الدّفع إليه حينئذ، إذ لا دليل على وجوب متابعة الفقيه في أحكامه المبتنية على المصالح الشخصيّة، دون المصالح العامّة. و لا يخفى أنّا لا نقصد بالمصالح الشخصيّة المصالح غير المشروعة الناشئة عن دواعى الهوى، بل المقصود بها المصالح المشروعة، و لكن لا من حيث اقتضاء الصالح العام بل الصالح الشخصي، مع كونه مشروعا أيضا.

الثالث: الطلب بنحو الحكم من جهة اقتضاء المصلحة العامّة، كما إذا اقتضت المصلحة العامّة دفع الزكاة إلى الفقيه فحكم بذلك، و لا ينبغى الإشكال حينئذ في نفوذ حكمه على من يرى- اجتهادا و تقليدا- نفوذ حكم الفقيه في أمثال هذه الموارد و إن لم يكن مقلّدا له. نعم، لا اشكال في أن الدفع إليه فى الفرض الثاني أحوط، كما فى المتن.

(529) لإطلاق قوله تعالى: أَطِيعُوا اللّٰهَ

وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... «1».

______________________________

(1)- النساء، 4: 59.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 21

[الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية]

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية، بل يجوز التخصيص ببعضها (530)؛ كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت، و لا مراعاة أقلّ الجمع الذي هو الثلاثة، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد، من صنف واحد.

______________________________

(530) الظاهر كونه ممّا لا خلاف فيه «1»، بل الإجماع بقسميه عليه «2»، و فى «التذكرة»: نسبته إلى علمائنا أجمع أهل «3»، و ذهب إليه جمع من علماء العامّة، و بعض ائمّة مذاهبهم «4» و يدلّ عليه: مصحّح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- إنّه قال لعمرو بن عبيد في احتجاجه عليه: «ما تقول فى الصدقة؟ فقرأ عليه الآية: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا إلى آخر الآية، قال: نعم، فكيف تقسّمها؟ قال: أقسّمها على ثمانية أجزاء، فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا، قال: و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلا أو رجلين أو ثلاثة، جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم، قال: و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال: نعم، قال: فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في كلّ ما قلت في سيرته، كان

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 224، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 428، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 428، ط النجف الأشرف.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: التذكرة، ج 5: ص

336، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 528؛ ابن قدامة المقدسى، محمّد بن أحمد:

الشرح الكبير، ج 2: ص 705.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 22

لكن يستحب البسط على الأصناف (531) مع سعتها و وجوههم،

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر فى أهل الحضر، و لا يقسّمها [يقسّمه] بينهم بالسويّة، و إنّما يقسّمها [يقسّمه] على قدر ما يحضرها [ه] منهم، و ما يرى، [و] ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف، و إنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم «1»».

و يدلّ عليه- أيضا- ما ورد في شراء العبد من الزكاة «2»، و وفاء دين الأب منها «3».

و ما ورد في تفريق الزكاة بين الجيران و الاقارب «4»، و غير ذلك من الأبواب المتفرقة فى «الوسائل «5»».

(531) و قد وجّه ذلك «6» بعموم النفع، و لمراعاة ظاهر الآية الكريمة. و لا يخفى أنّ ظاهر الآية الكريمة لو كان هو البسط لكان اللّازم هو القول بوجوبه، فانّ ظاهرها الوجوب، و لا يعقل التفكيك فيها بالالتزام بظهورها فى البسط، و عدم الالتزام بظهورها فى الوجوب، و القول باستحباب البسط، كما هو ظاهر. فتأمّل.

و أمّا تعميم النّفع، فهو توجيه للحكم بوجه استحسانيّ لا بأس به، لكن في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، باب 43: المستحقين للزكاة.

(3)- المصدر، باب 18: المستحقين للزكاة.

(4)- المصدر، باب 15: المستحقين للزكاة.

(5)- المصدر، باب 24، 46، 25: المستحقين للزكاة.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 265،

ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 23

بل يستحبّ (532) مراعاة الجماعة- الّتي أقلّها ثلاثة- في كلّ صنف منهم، حتّى ابن السبيل و سبيل اللّه، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص.

[الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله]

الثالثة: يستحب (533) تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله،

______________________________

نهوضه باثبات الحكم الشرعي- و هو الاستحباب- تأمّلا ظاهرا، كما لا يخفى.

(532) كما عن «الشرائع «1»»، و غيره «2»، للتعبير بلفظ الجمع في كلّ صنف من الأصناف. و أمّا ابن السبيل و سبيل اللّه، فلأجل ورود لفظ الجمع في تفسيريهما، ففي تفسير القميّ «3»: تفسير الأوّل، بأبناء الطريق، و الثاني، بقوم يخرجون إلى الجهاد.

(533) كما في خبر عبد اللّه بن عجلان السّكوني: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي ربما قسّمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ قال: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل «4»».

هذا، و لا يستفاد من الرواية كون الزيادة بمقدار الفضل، كما عن المصنّف قدّس سرّه.

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 1: ص 165، تحقيق: عبد الحسين محمّد علي.

(2)- المقدّس الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 207، ط قم.

(3)- القمي، عليّ بن إبراهيم: التفسير، ج 1: ص 299، منشورات مكتبة الهدى، النجف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 25: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 24

كما أنّه يستحب (534) ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب، و أهل الفقه و العقل على غيرهم (535)، و من لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال (536).

______________________________

(534) ففي رواية اسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى عليه

السّلام، قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتينى إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال: «مستحقون لها؟ قلت: نعم، قال: هم أفضل من غيرهم، أعطهم ... «1»»، و في خبر السكوني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أىّ الصدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح «2»».

(535) كما دلّ على ذلك خبر عبد اللّه بن عجلان المتقدّم.

(536) كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الزكاة، يفضّل بعض من يعطي، ممّن لا يسأل على غيره؟ فقال: «نعم، يفضّل الّذي لا يسأل على الّذي يسأل «3»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، باب 20: الصدقة، ح 1.

(3)- المصدر، باب 25: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 25

و يستحبّ (537) صرف صدقة أهل المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء، لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حدّ نفسها، و قد يعارضها- أو يزاحمها- مرجّحات أخر، فينبغي- حينئذ- ملاحظة الأهمّ و الأرجح.

______________________________

(537) و يدلّ على استحباب ما ذكره خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ صدقة الخفّ و الظلف «1» تدفع إلى المتجمّلين من المسلمين، و أمّا صدقة الذهب و الفضّة، و ما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض، فللفقراء المدقعين «2». قال ابن سنان: قلت: و كيف صار هذا هكذا! فقال: لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كلّ صدقة «3»»، و نحوه: ما رواه المفيد في «المقنعة» عن عبد الكريم

بن عتبة الهاشمي «4».

______________________________

(1)- الخفّ- بالضمّ- للبعير و النّعام بمنزلة الحافر لغيرهما. و المراد به هنا: الإبل. و الظلف: ظفر كلّ ما اجترّ، و هو للبقرة و الشاة و الظبي و شبهها بمنزلة القدم للإنسان. و المراد به هنا:

البقرة و الشاة.

(2)- الفقر المدقع: الفقر الشديد المذلّ.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 26: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 26

[الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به،]

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل (538) من الإسرار به، بخلاف الصدقات المندوبة؛ فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرّا.

[الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي»، أو «لم يتعلّق بمالي شي ء»، قبل قوله، بلا بيّنة و لا يمين]

الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي»، أو «لم يتعلّق بمالي شي ء»، قبل قوله، بلا بيّنة و لا يمين، ما لم يعلم كذبه (539)،

______________________________

(538) كما في حسن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ...- إلى أن قال:- «و كلّ ما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و كلّ ما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه، و لو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا «1»»، و موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في قول اللّه تعالى: وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... «2»: «هي سوى الزكاة، إنّ الزكاة علانية غير سرّ «3»»، و نحوهما غيرهما «4».

(539) الظاهر عدم الخلاف فيه «5»، كما يقتضيه خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام إذا بعث مصدّقه قال له: إذا أتيت على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 54: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- البقرة، 2: 271.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3، 5، 8، 9، 10.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 154، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 27

و مع التهمة لا بأس بالتفحص و التفتيش عنه (540).

______________________________

ربّ المال، فقل: تصدّق رحمك اللّه ممّا أعطاك اللّه، فإن ولى عنك فلا تراجعه «1»»، و مصحّح بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «بعث أمير المؤمنين

عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها ...- إلى أن قال:- ثمّ قل لهم: يا عباد اللّه، أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتأدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه- الحديث «2»». و مقتضى الإطلاق هو قبول قول المالك، سواء أ قال: «أخرجت زكاتي»، أم قال: «لم تجب عليّ زكاة». نعم، في فرض العلم بالكذب، يجب عليه- من باب الأمر بالمعروف- مراجعة المالك و طلب الزكاة منه، كما لا يخفى.

(540) فإنّ قوله عليه السّلام- في خبر غياث بن إبراهيم-: «فإنّ ولىّ عنك فلا تراجعه» وارد مورد توهم وجوب التفحّص، فلا يدلّ على حرمة التفحّص، و عليه فلا ينافي ذلك التفحّص عند التهمة، و إن كان مقتضى الإطلاق هو عدم وجوب التفحّص حتّى عند التهمة.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 55: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، باب 14: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 28

[السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص]

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص (541). و إن كان من غير الجنس الّذي تعلّقت به (542) من غير فرق بين وجود المستحقّ و عدمه، على الأصحّ (543)، و إن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية، و حينئذ فتكون في يده أمانة (544)

______________________________

(541) قد تقدّم الكلام فيه مفصّلا فى المسألة الرابعة و الثلاثون، في أواخر فصل زكاة الغلّات، فلاحظ.

(542) و قد مرّ تفصيله فى المسألة الخامسة، في فصل زكاة الأنعام الثلاثة، فراجع.

(543) كما مرّ تفصيله فى المسألة الرابعة و الثلاثون، في أواخر فصل زكاة الغلّات، فلاحظ.

(544) أى أمانة شرعيّة، إذ ليس ذلك سوى ترخيص الشارع

المالك في حفظ ما عيّنه زكاة، في قبال الأمانة المالكيّة، الّتي هى عبارة عن ترخيص المالك في الحفظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 29

لا يضمنها إلا بالتعدّي (545) و التفريط.

______________________________

(545) مقتضى خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن الزكاة تجب عليّ فى مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها؟ قال عليه السّلام: «اعزلها، فان اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعز لها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها تقسيطها من الربح و لا وضيعة عليها «1»»، إنّما هو عدم الضّمان في فرض عدم وجود المستحق، فلا ينافيه ما دلّ على الضمان في فرض إمكان الدفع و وجود المستحق، و لكن الخبر ضعيف السند. و أمّا صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أخرج الزكاة من ماله ثمّ سماّها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شي ء عليه «2»»، و مصحّح عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها «3»» فلا يمكن الأخذ بإطلاقهما في نفي الضّمان، و ذلك: لمّا دلّ على الضمان بتأخير الدفع مع إمكانه، كمصحّح محمّد بن مسلم: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه، فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها

قد خرجت من يده ... «4»»، و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 30

و لا يجوز تبديلها بعد العزل (546)،

______________________________

نحوه غيره «1»، فإنّ مقتضى هذه الروايات و غيرها من نظائرها، إنّما هو الضمان في خصوص التأخير في مورد وجود المستحق، أو إمكان الصرف في سائر المصارف، فيقيّد بها إطلاق الروايات المتقدّمة النافية للضمان.

و المتحصّل من ذلك كلّه: أنّ المالك ضامن للزكاة في موردين:

أحدهما: مورد التعدّي و التفريط، حيث إنّ الأمين لا يضمن إلّا مع التفريط و التعدّي، كما هو محرّر في محلّه.

و ثانيهما: التأخير مع وجود المستحق و إمكان الدفع. و بهذا أفتى المصنّف قدّس سرّه أيضا فى المسألة الرابعة و الثلاثون، في أواخر فصل زكاة الغلّات، حيث قال: «... و حينئذ لا يضمنه الا مع التفريط، أو التأخير مع وجود المستحق ...»، و لأجل ذلك قد يظهر الاختلاف بين ما ذكره قدّس سرّه فى المقامين، إلّا أن يكون المراد بالتعدّي فى المقام هو التأخير مع وجود المستحق، فيتّحد الفتواءان.

(546) قد يقال «2» بجواز ذلك لأحد وجهين:

الأوّل: استصحاب جواز تبديل الزّكاة إلى ما بعد العزل و تعيين الزكاة في مال معيّن. و يتوجّه عليه: أنّ هذا ليس ممّا ينطبق عليه الموازين المقرّرة للاستصحاب عندنا، و ذلك لتوقّفه على أن يكون الموضوع لجواز التبديل هو كلّي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 227، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

الزّكاة المتحقّق في ضمن شخص من المال في زمان ما- كمقدار الزكاة من الشعير مثلا- و في شخص آخر في زمان آخر، كما إذا أبدل مقدار الفريضة من زكاة الشعير و لو بغير الجنس، من النقدين و غيره، حيث أنّ عنوان الزكاة صادق في كلا الفرضين، فإذا علمنا بجواز التبديل فى الفرض الأوّل، و شككنا فيه فى الفرض الثاني استصحبنا ذلك، و لكن الأمر ليس كذلك، فإنّ جواز التبديل إنّما ثبت لخصوص ما فى المال من مقدار الفريضة، لا لكلّي ما ينطبق عليه عنوان الزّكاة، و حينئذ فلا يصحّ الاستصحاب، لعدم احراز الموضوع، كما هو ظاهر.

الثاني: أنّ المستفاد ممّا دلّ على جواز تبديل الزكاة و لو بغير الجنس، إنّما هو الجواز مطلقا و لو بعد العزل، فلا حاجة إلى الاستصحاب، بل يكفي فيه نفس ما دلّ على جواز تبديل الزّكاة، حيث إنّه بإطلاقه يقتضي ذلك بعد العزل أيضا. و يتوجّه عليه: أنّ العمدة في أدلّة جواز التبديل إنّما هو صحيح البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: «هل يجوز أن أخرج عمّا يجب فى الحرث من الحنطة و الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم قيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فأجاب: أيّما تيسّر يخرج «1»» و واضح جدّا: أنّه لا دلالة له على جواز التبديل في مفروض الكلام، حيث إنّه إنّما يدلّ على جواز تبديل ما يجب اخراجه، بمعنى أنّ المال الزكويّ إذا كان حنطة مثلا، فالمقدار الّذي تعلّق به حقّ الفقراء ابتداء إنّما هو بمقدار الفريضة من الحنطة، فللمالك حينئذ- بمقتضى الرواية- أن يخرج ذلك المقدار

من نفس المال الزكويّ، و له أن يخرجه من غيره، و لو من جنس اخر، كأن يخرجه بما يساويه من القيمة دراهم و دنانير، و لو لا الرواية لما جاز لنا القول بجواز التبديل بجنس أخر، إلّا أنّه لا دلالة لها على أنّه

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الذهب و الفضة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 32

[السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل اداء الزكاة]

السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل اداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة و الخسارة عليه (547)، و كذا لو اتّجر بما عزله و عيّنه زكاة.

______________________________

بعد تعيّن الزكاة في مال معيّن بسبب العزل أيضا يجوز تبديله، و هذا ظاهر.

فالانصاف، أنّ جواز التبديل حينئذ موقوف على الدليل، و لا دليل عليه فى المقام أصلا، و مقتضى الأصل هو عدم ترتّب الأثر، و عدم سقوط الوجوب بأداء البدل، كما لا يخفى.

(547) أمّا ما تقتضيه القاعدة- مع الغضّ عن النّصوص- فهو صيرورة المعاملة فضولا، بناء على القول بالإشاعة، أو الكلّي فى المعيّن، أو ثبوت حقّ فى العين من قبيل حق الرّهانة، و يتوقّف الحكم بصحّة المعاملة- حينئذ- على صدور الإجازة من الفقير، فإذا أجاز كان الربح و الخسارة بينهما، من دون أن تختصّ الخسارة بأحدهما و يشتركان فى الربح، و هذا ظاهر. نعم، بناء على أنّ الحق من قبيل حقّ الرّهانة، يتوقّف خروج المعاملة عن الفضوليّة على الإجازة، لكن الربح و الخسارة- حينئذ- ممّا لا يتوزّعان على الجانبين، بل هما للمالك، و وجهه ظاهر. و أمّا بناء على أنّ الحقّ من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- فقد عرفت سابقا: أنّه غير مانع من وقوع المعاملة على العين، و حينئذ

فالمعاملة عليها تكون صحيحة بلا حاجة إلى الإجازة، و يكون الربح للمالك، كما تكون الخسارة عليه، هذا ما تقتضيه القاعدة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 33

[الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله]

الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله (548)، و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة. و لو كان

______________________________

و أمّا بملاحظة النصوص، فالّذي يدلّ عليه خبر أبي حمزة المتقدّم هو ما أفاده قدّس سرّه فى المتن، و لكنّه ضعيف السند، و الجبر- على فرض القول به- غير ثابت، و عليه فالعمل إنّما يكون بصحيح البصرى أو حسنته، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها، أو يؤدّي زكاتها البائع «1»»، فقد دلّ على صحّة البيع و وقوعه للمالك، فله الربح و عليه الخسارة، و قد تقدّم «2»: أنّ هذا الخبر من أقوى الأدلّة على أنّ تعلّق الحق بالعين بنحو حقّ الجناية، فلاحظ.

(548) الظاهر عدم الخلاف فيه «3»، بل قيل: إنّه لا ريب فيه «4». و يمكن أن يستدلّ له، بأنّه مع العلم بأنّه على تقدير الوصيّة يتحقّق الأداء من الورثة، و إلّا فلا، بأن تكون الوصيّة حينئذ هي المقدّمة المنحصرة للأداء، فلا ينبغى الإشكال فى الوجوب، فإنّ ذلك هو اداء الزكاة و طريق وصولها إلى أهلها. و أمّا مع عدم العلم بترتّب الأداء على الوصيّة، بل مجرّد احتمال ذلك، يكون وجوب الوصيّة-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- لاحظ: الجزء الأوّل من الكتاب، عند الكلام حول كيفيّة تعلّق الزكاة.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد

حسن: جواهر الكلام، ج 15، ص 443، ط النجف الأشرف.

(4)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 274، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 34

الوارث مستحقّا جاز احتسابه عليه (549)، و لكن يستحبّ دفع شي ء منه إلى غيره.

[التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء]

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء (550)، خصوصا مع المرجّحات، و إن كانوا مطالبين.

______________________________

حينئذ- بملاك وجوب المقدّمات المفوّتة، فإنّه مع الشك فى القدرة على الاداء لا محالة يشك في الوجوب، إلّا أنّ العقل حينئذ يحكم بالاحتياط بملاك قبح تفويت الغرض الملزم، الّذي هو بمثابة تفويت الواجب عند العقل.

(549) لمصحّح عليّ بن يقطين، قال: قلت لأبى الحسن الأوّل: رجل مات و عليه زكاة، و أوصى أن تقضى عنه الزكاة، و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا، فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم، و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم «1»».

و ظاهر الرواية و إن كان هو وجوب دفع شي ء من ذلك إلى الغير، إلّا أنّه يخرج عنه بالإجماع و التسالم على عدم الوجوب.

(550) لما ثبت، من الخيار للمالك في كيفيّة دفع الزكاة إنّما هو إلى المالك، فله أن يعطي شخصا و يحرم منها أخر، مع عدم وجود المرجّح فى المعطى له، فضلا عمّا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقين للزكاة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 35

نعم، الأفضل حينئذ (551) الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن، إلّا إذا زاحمه ما هو أرجح.

[العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق فيه]

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق فيه (552).

______________________________

إذا كان فيه مرحّج، و قد مرّ الدليل على الخيار المذكور عند البحث عن عدم وجوب البسط، فراجع.

(551) أي حين مطالبة من حضره من الفقراء. و لعلّ مراد المصنّف قدّس سرّه من قوله:

«من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن» هو استحباب إجابة طلب المؤمن، و إلّا فأداء الزكاة للفقير

ممّا يعتبر قضاء لحاجة المؤمن، بلا فرق في ذلك بين الحاضر المطالب و غيره.

(552) كما ادّعي عليه الإجماع «1»، و نفي الخلاف فيه «2»، و الريب عنه «3». و يدلّ عليه جملة من النصوص، منها صحيح ضريس، قال: سأل المدائني أبا جعفر عليه السّلام، فقال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟ فقال: «في أهل ولايتك، فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: ابعث بها إلى بلدهم تدفع

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 430، ط النجف الأشرف.

(3)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 271، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 36

..........

______________________________

إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا لم يجيبوك، و كان و اللّه الذبح «1»»، و خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد، عن العبد الصّالح عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته، قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد، قال: يبعث بها إليهم، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم، قال: يدفعها إلى من لا ينصب، قلت: فغيرهم، قال: ما لغيرهم إلّا الحجر «2»».

و هناك ما يدلّ على ذلك بالإطلاق، بخلاف الروايتين المتقدّمتين حيث إنّهما صريحتان في فرض عدم وجود المستحق، كصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: «لا

بأس «3»»، و خبر أحمد بن حمزة، قال:

سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى اخر و يصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال: «نعم «4»»، فإنّ القدر المتيقّن به من مورد الروايتين إنّما هو فرض عدم وجود المستحق، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر/ باب 37: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 37

بل يجب ذلك (553) إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك، و لم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف.

______________________________

(553) و يمكن الاستدلال له بوجوه:

الأوّل: إنّ النقل حينئذ يكون مقدمة للأداء إلى المستحق، فيجب لا محالة وجوبا مقدميّا لوجوب الأداء. و يتوجّه عليه: أنّ القدر الثابت فى الشريعة إنّما هو وجوب الأداء في مقابل الحبس و المنع، و أمّا الأداء، بمعنى الدفع و الإعطاء فلم يثبت وجوب ذلك أصلا، و لذلك يجوز للمالك التأخير في أداها.

الثاني: قوله عليه السّلام في صحيح ضريس المتقدّم «1»: «فقلت إنّي في بلاد ليس فيه أحد من اوليائك، فقال عليه السّلام: ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ...»، حيث إنّه قد دلّ على وجوب النقل عند عدم وجود المستحق، و حيث لا رجاء لوجوده.

و استشكله صاحب «الجواهر قدّس سرّه» بوجهين:

أحدهما: إنّ الأمر في مقام توهّم الحظر، فلا يدلّ على الوجوب، و ثانيهما: إنّ المقصود منه إنّما هو المنع عن اعطائه لغير الموالى «2».

أمّا الأوّل، فالظاهر خلافه، فلا يؤخذ به بمجرّد احتماله ما لم تقم قرينة عليه.

و أمّا الثاني ففي محلّه، فإنّ الظّاهر هو خطور جواز الدفع إلى غير الموالى

عند عدم وجود الموالي في ذهن السّائل، فلذلك أمر عليه السّلام بالنقل من البلد، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)-- صفحه 35- 36.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 436، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 38

و مئونة النقل- حينئذ- من الزكاة (554).

______________________________

الثالث: إنّ المعلوم من مذاق الشارع تحريم الإبقاء في فرض عدم وجود المستحق و عدم رجاء وجوده أيضا، لئلا يلزم تضييع الحقّ على مستحقّه، و عليه فيجب النقل دفعا للتضييع. و لا يخفى أنّ الجزم بهذا الوجه ممّا يحتاج إلى مزيد من التتبّع و التعمّق، كي نقف على مذاق الشارع في هذا المقام. و اللّه العالم بحقائق الأحكام.

(554) يختلف الحال في ذلك باختلاف الوجوه المتقدّمة، فإن كان الوجه في وجوب النقل هو الأوّل و الثاني، كان مقتضى القاعدة إنّما هو وقوع المئونة على المالك لا خروجها من الزكاة، و ذلك لأنّ المفروض إنّما هو وجوب النقل عليه وجوبا تكليفيّا، مقدميّا كان أم غيره، فإذا توقّف امتثال هذا الواجب على مئونة لم يكن وجه لاخراجها من الزكاة أصلا، كما هو ظاهر. و أمّا إذا كان الوجه فيه هو الأخير، كانت المئونة حينئذ من الزكاة، و ذلك لأنّ المقدار المعلوم من مذاق الشارع إنّما هو عدم رضاه بابقاء المال المستلزم لتضييع الحقّ على مستحقّه، و أمّا أنّه يلزمه النّقل بحيث تكون المئونة عليه، فهذا ممّا لا دليل عليه.

و على الإجمال القدر الثابت هو أنّه لا يضيع المال على مستحقه، بل لا بدّ له من أن يوصله إليهم لئلا يضيع، فإذا كان الإيصال متوقّفا على مئونة لم يكن موجب لوقوعها عليه، بل كانت القاعدة تقضي بخروجها من الزّكاة.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 39

و أمّا مع كونه مرجو الوجود، فيتخيّر (555) بين النقل، و الحفظ إلى أن يوجد. و إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرّجاء، و عدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف، و أمّا معهما، فالأحوط الضمان (556).

______________________________

(555) لعدم الدليل على وجوب النقل حينئذ، لاختصاص ما تقدّم من الوجوه بصورة عدم رجاء المستحقّ فى البلد و عليه، فبمقتضى ما دلّ من النصوص المتقدّمة على جواز النقل يكون مخيّرا بين الأمرين، و يقتضيه السيرة القائمة على حفظ الزكاة حتّى يأتي الجباة من ناحية النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك الحال في زمان خلافة وصيّه الأمين، أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام.

(556) المستفاد من صحيح محمّد بن مسلم أو حسنته: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال عليه السّلام:

«إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده- الحديث «1»»، و نحوه «2» هو أنّ الضمان إنّما هو في فرض وجود المستحق، أو التمكّن من الصرف في سائر المصارف، و مع عدم ذلك فلا ضمان، و على هذا،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 40

و لا فرق فى النقل، بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد (557)، مع الاشتراك في ظن السّلامة، و إن كان الأولى التفريق فى القريب، ما لم يكن مرجّح للبعيد.

[الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ فى البلد]

الحادية عشرة: الأقوى

جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ فى البلد (558)، و إن كان الأحوط عدمه، كما

______________________________

فرجاء الوجود و عدمه لا دخل لهما اصلا فى الحكم بالضمان و عدمه، فما عن المصنّف قدّس سرّه من إقحام رجاء الوجود و عدمه في هذا المقام مما لا نعرف له وجها؛ كما أنّ مقتضى صريح النصوص هو الضّمان عند التمكّن من الصرف في سائر المصارف، إذا نقلها و تلفت، و عليه فكان ينبغي للمصنّف قدّس سرّه الافتاء بالوجوب فى الفرض المذكور، دون الاحتياط فيه، كما لا يخفى.

(557) لإطلاق ما دلّ على جواز النّقل، و ما أفاده قدّس سرّه من أولويّة التفريق فى القريب، عند عدم المرجح للبعيد، الظاهرة فى الاستحباب، فممّا لا نعرف له وجها، لعدم الدّليل على ذلك. نعم، قد يكون له وجه استحساني، لكنّه- كما تعلم- ممّا لا يترتّب عليه حكم شرعي.

(558) نسب القول بالجواز إلى جماعة كثيرة، منهم الشيخان «1»، و العلّامة «2»، و

______________________________

(1)- الشيخ المفيد رحمة اللّه (كما عن: العاملى، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 267، ط

مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام قم) و الشيخ الطوسي رحمه اللّه، محمد بن الحسن (الاقتصاد الهادي إلى سبيل الرشاد، ص 279، مطبعة الخيّام- قم).

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 229، ط ايران الحجريّة؛ تحرير الأحكام: ص 70، ط ايران الحجريّة؛ مختلف الشيعة: ج 3، ص 274، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 41

افتى به جماعة.

______________________________

الشهيدان «3»، و غيرهم «4»، في جملة من كتبهم. و نسب إلى المشهور «5»، بل فى «التذكرة «6»»: عليه اجماع العلماء، القول بعدم الجواز مع وجود المستحق.

و

يشهد للقول الأوّل جملة من النصوص؛ كصحيح هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فى الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة الّتي هو فيها إلى غيرها؟ فقال عليه السّلام: لا بأس «7»»، و صحيح أحمد بن حمزة قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها فى إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال عليه السّلام: «نعم «8»»، و نحوهما غيرهما «9».

و استدل «10» للثاني بوجوه:

______________________________

(3)- الشهيد، محمّد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 246، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 428، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(4)- ابن حمزة، محمّد بن على: الوسيلة، ص: 13، ط مكتبة آية اللّه النجفي المرعشي، قم.

(5)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12، 239، ط النجف الاشرف.

(6)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(7)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 37: المستحقين للزكاة، ح 1.

(8)- المصدر، ح 4.

(9)- المصدر، ح 2.

(10)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 430- 431، ط النجف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 42

..........

______________________________

الأوّل: الإجماع. و فيه: أنّ الإجماع بعد تحقّق الخلاف ممّن عرفت، لا سيّما من حاكيه في بعض كتبه- كما عرفت- ممّا لا عبرة به.

الثاني: أنّ فى النقل خطرا. و فيه: إنّه على فرض التسليم به كليّة، فهو مندفع بالضّمان.

الثالث: منافاته للفوريّة. و فيه: عدم لزوم الفوريّة، كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

الرّابع: ما دلّ على الضمان بالنقل عند وجود المستحقّ، حيث أنّه ممّا

يكشف عن حرمة النّقل، و إلّا فلا معنى للترخيص فى النقل مع الحكم بالضمان. و يتوجّه عليه: أنّ الضمان حكم تعبّدي، و لا ينافي ثبوته مع ثبوت الترخيص، كما لا يخفى.

الخامس: النصوص الدالّة على أنّ صدقة أهل البوادى لأهل البوادى، و المهاجرين للمهاجرين، و صدقة أهل الحضر لأهل الحضر، أو الأعراب للأعراب، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب فى المهاجرين «1»»، و صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، أو حسنته بابن هاشم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادى في أهل البوادى، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر «2»».

و يتوجّه على الأول: أنّ الرواية ساكتة عن حكم النقل، و غاية ما تدلّ عليه: أنّ زكاة أهل البوادي لأهل البادية، و أهل الحضر لأهل الحضر، فلا مانع إذا كان النقل من الأعراب إليهم، و من المهاجرين إليهم، فلا يدلّ على حرمة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 38: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 43

..........

______________________________

النقل بقول مطلق. و منه يظهر الحال فى الثاني أيضا، إذ قد ينقل من أهل البوادى إلى من هو على شاكلتهم، و من أهل الحضر إلى اهل الحضر، فالروايتان لا دلالة لهما على حرمة النقل، مضافا إلى أنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله لا يدلّ على الوجوب. نعم، الالتزام باشعارهما بذلك- لا سيّما الأولى منهما- غير بعيد، كما لا يخفى.

السادس: صحيح ضريس، قال: سأل المدائني أبا جعفر عليه السّلام، فقال: إنّ لنا زكاة

نخرجها من اموالنا، ففي من نضعها؟ فقال عليه السّلام: «في أهل ولايتك، فقلت:

إنّي في بلاد ليس فيه أحد من أوليائك، فقال عليه السّلام: ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ... «1»»، و خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد، عن العبد الصالح عليه السّلام، قلت:

الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال عليه السّلام: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته، فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد، قال عليه السّلام: يبعث بها إليهم ... «2»».

و لا دلالة لشي ء منهما على حرمة النقل، فإنّ الروايتين- كما هو الظاهر منهما- بصدد بيان عدم جواز الدفع إلى غير أهل الولاية، حتّى مع عدم وجود أهل الولاية فى البلد، و أنّه لا بدّ من دفعها إلى أهلها، و لا نظر لهما إلى جواز النقل من البلد و عدمه، إلّا بتوهم أنّ يراد بقوله عليه السّلام: «في أهل ولايتك ...»- كما فى صحيح ضريس- و قوله عليه السّلام: «... و أهل ولايته ...»- كما في خبر الحداد، أهل البلدة، الّذين قد يقال لهم- كما هو المتداول في محاورات الفرس: أهل الولاية، و لكنّه و هم مردود جدّا، كما لا يخفى.

فالإنصاف، أنّه لا دليل على عدم الجواز، فيبقى ما دلّ على الجواز ممّا مرّت الإشارة إليه من النصوص سليما عن المعارض، فيؤخذ به لا محالة.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 44

و لكان الظاهر الاجزاء- لو نقل- على هذا القول أيضا (559).

و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في

______________________________

(559) الظاهر من المستند- بل لعلّه هو صريحه- عدم الخلاف

فيه «1»، بل عن غير واحد «2»: نسبته إلى علماء الاماميّة أجمع، و ذلك لصدق الامتثال الموجب للاجزاء قطعا.

و لكن الحقّ هو التفصيل، بأن يقال: إن كان مستند حرمة النقل هو النصوص الدالّة على اختصاص صدقة المهاجرين بالمهاجرين و صدقة الأعراب بالأعراب، أو اختصاص صدقة أهل البوادي بهم، و صدقة أهل الحضر بهم، فلا مجال للقول بالإجزاء حينئذ اصلا، و ذلك لأنّ هذه الأدلّة إنّما توجب التقسيم في الفقير المأخوذ في آية الصدقة، فيكون الموضوع لوجوب صدقة أهل الحضر- مثلا- غير ما هو الموضوع لصدقة أهل البوادي، فلا موجب للاجزاء إذا خولف هذا الأمر، و هذا بخلاف ما إذا كان المستند للحرمة سائر الوجوه المتقدّمة، فإنّ غايتها إنّما هي حرمة النقل عليه تكليفا، فإذا نقل فقد اثم و لكنّه لوصول الزكاة إلى أهلها، يجزي عما هو الواجب، كما هو ظاهر.

و عليه فدعوى المصنّف قدّس سرّه الإجزاء على كلا القولين ممّا لا مستند له

______________________________

(1)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 355، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ مختلف الشيعة: ج 3، ص 248، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ منتهى المطلب: ج 1:

ص 529، ط ايران الحجريّة؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 269، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 45

أهلها، فيجوز الدفع (560)- في بلدها- إلى الغرباء، و أبناء السّبيل. و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن (561)، كما أنّ مئونة النقل عليه (562)، لا من الزكاة، و لو كان بإذن الفقيه

______________________________

- ظاهرا- إلّا

الإجماع المدّعى فى المسألة، و ظاهر الفتاوى.

(560) فإنّ حرمة النقل لا تقتضي سوى وجوب تقسيم الزكاة فى البلد، لا وجوب تقسيمها على أهل البلد، فاذا أعطي الغريب و ابن السبيل- و هما فى البلد- صدق بحقّه: أنّه لم يخرج الزكاة من البلد و إنّما دفعها في بلدها.

نعم، بناء على كون المستند لحرمة النقل هي النصوص الدالة على أنّ صدقة المهاجرين للمهاجرين، و صدقة الأعراب للأعراب، أو اختصاص صدقة الحضريّ باهل الحضر، و البادية بأهلها، لا بدّ من صدق العنوان المذكور على المعطى له.

(561) لدلالة النصّ على الضّمان بالتلف، عند وجود المستحق فى البلد أو إمكان صرفها في غيره من المصارف، إذا لم يفعل ذلك، و نقل، و تلف.

(562) لا مقتضي لكون المئونة من الزّكاة. نعم، مع عدم وجود المستحق فى البلد، حيث كان النقل لمصلحة الفقير، صحّ القول- حينئذ- يكون المئونة من الزكاة، بناء على بعض الوجوه المتقدّمة فى تجويز النّقل، و هذا بخلاف المقام، فإنّ النقل،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 46

لم يضمن (563)، و إن كان مع وجود المستحق فى البلد- و كذا- بل و أولى منه- لو وكّله في قبضها عنه، بالولاية العامّة، ثم أذن له في نقلها.

[الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة، أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر]

الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة، أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد اخر، جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده، و لو مع وجود المستحق فيه، و كذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر، جار احتسابه زكاة، و ليس شي ء من هذه من النقل الّذي هو محلّ الخلاف في جوازه و عدمه (564)، فلا اشكال في شي ء منها.

______________________________

حينئذ- سواء

قلنا بجوازه أم بالمنع عنه- ليس لمصلحة الفقير، بل لهوى نفسه، و اختيار المالك ذلك.

(563) بناء على ثبوت الولاية له على الفقير، لم يلزم الضمان لو تلف المال، لأنّ النقل إنما كان بإذن أهلها، أي الزكاة. و هكذا الحال فيما لو وكّله الفقيه فى القبض، ثم الإذن منه في نقلها.

(564) المستفاد من النصوص هو: أنّ زكاة أهل البلد لفقراء البلد، فلا يجوز نقل الزكاة من بلد المالك الّذي تعلق به الزكاة فيه الى بلد آخر، باعتبار أنّ ذلك

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 47

[الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده]

الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد اخر غير بلده، جاز له نقلها (565) إليه مع الضمان لو تلف، و لكن الأفضل صرفها في بلد المال.

______________________________

يوجب إعطاء زكاة اهل البلد لغير أهله، إذن فنقل الزكاة لا خصوصيّته فيه، و إنما لم يجز ذلك باعتبار كونه موجبا لا عطاء زكاة أهل البلد لغير أهله، فعلى القول بعدم الجواز لا فرق بين جميع الصور التى ذكرها المصنّف قدّس سرّه.

و لعلّه- قدّس سرّه- استند في ذلك إلى ظاهر الفتاوى «1»، حيث إنّهم اعتبروا موضوع الحكم هو نقل الزكاة من البلد، و معلوم: أنّها لم تنقل فى تلكم الصور، كما هو ظاهر.

(565) قد عرفت أنّ المستفاد من النصوص الدالّة على المنع من النقل، هو المنع من نقل الزكاة من بلد المالك الّذي تعلّق به الزكاة فيه إلى بلد آخر، فالموضوع مركب من أمرين:

أحدهما: نقل الزكاة من بلد المالك، و الآخر: كون تعلّق الزكاة بالمال في ذلك البلد، فمع انتفاء أحد القيدين ينتفي المنع لا محالة، و في مفروض المسألة القيد الثاني منتف، لأنّ الزكاة لم تتعلّق بالمال

في بلد المالك، بل بالمال الّذي هو في بلد

______________________________

(1)- قال العلّامة الحلّي رحمه اللّه: «لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحق فيه، عند علمائنا أجمع ...» (تذكرة الفقهاء: ج 5، ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم). و قال شيخنا الشهيد السعيد قدّس سرّه: «و لا يجوز نقلها مع وجود المستحق فيضمن ...» (الدروس الشرعيّة:

ج 1، ص 246، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم) و نحوهما ظواهر كلمات غيرهما.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 48

[الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة]

الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك (566)، و إن تلفت عنده، بتفريط أو بدونه، أو أعطى لغير المستحق اشتباها.

[الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن]

الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن، كانت أجرة الكيّال و الوزّان على المالك (567)، لا من الزكاة.

______________________________

آخر غير بلد المالك، و عليه فلا مانع من النقل حينئذ.

نعم، حكم المصنف قدّس سرّه- تبعا لجماعة من فقهائنا قدّس اللّه اسرارهم «1» بكون الأفضل هو صرفها في بلد المال، إنّما هو مراعاة منه قدّس سرّه لظاهر النصوص، الدالّة على اختصاص صدقة أهل الحضر باهل الحضر، و أهل البوادي بأهل البوادي.

(566) لأنّ الفقيه- بمقتضى ولايته- وليّ الفقير، فيكون قبضه بمثابة قبض المستحق نفسه، فلا محالة يوجب براءة ذمّة المالك، كما إذا كان قد أعطى المستحق مباشرة.

و كما أنّ تفريط الفقير في صرف الزّكاة، أو إعطاؤها لمن لا يستحقّها لا يضرّ ببراءة ذمّة المالك من الزكاة، بعد فرض صرفه ايّاها في مصرفها المقرّر شرعا، كذلك الحال فى تفريط الفقيه فى الصرف، او إعطائه ايّاها لمن لا يستحقّها.

______________________________

(1)- قال صاحب المدارك رحمه اللّه، فى شرح قول المحقق رحمه اللّه: «و لو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها إلى بلد المال ...» ما لفظه: «أما استحباب صرف الزكاة في بلد المال، فهو مذهب العلماء كافة ...» (مدارك الاحكام: ج 5، ص 271، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 49

..........

______________________________

(567) كما عن الأكثر «1». و فى «المختلف»: «قال الشيخ فى «المبسوط «2»»: قيل فيمن تجب عليه قولان:

أحدهما: على أرباب الأموال.

و الثاني: على أرباب الصدقات، و الأوّل أشبه. و قال في موضع اخر منه «3»:

و

يعطى الحاسب و الوزّان و الكاسب من سهم العاملين «4»».

و الصّحيح هو ما اختاره المصنف قدّس سرّه، وفاقا للأكثر، فإنّ الواجب على المالك إنّما هو إخراج زكاة ماله، فإذا كان هذا الواجب موقوفا على شي ء، كان اللّازم- عقلا أو شرعا- هو تحقيق ذلك الأمر الموقوف عليه الواجب، و منه:

أجرة الكيّال أو الوزّان فيما إذا كان إخراج الزكاة موقوفا على الكيل أو الوزن.

و استدل للقول الآخر، بأن اللّه تعالى أوجب على أرباب الأموال قدرا معلوما من الزكاة، فلو قلنا: إنّ الأجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب.

و يتوجّه عليه: أنّ وجوب القدر المعلوم من الزّكاة، لا يزيد على ذلك بوجوب أجرة الكيّال أو الوزّان- مثلا- على المالك، لاختلاف الوجوبين من حيث كون أحدهما تعبديّا و الآخر توصليّا، و لاختلاف الواجبين، من جهة أن مصرف أحدهما هى المصارف الثمانية المقرّرة له شرعا، دون مصرف الآخر، فإنّه لم يقرّر له شي ء شرعا. و نصوص وجوب الزّكاة إنّما تنفي وجوب المقدار الزّائد على القدر المعلوم، مع كون الوجوب و الواجب من نوع و وجوب الزكاة، لا أنّها تنفي وجوب المقدار الزائد مطلقا، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 278، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 256، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(3)- المصدر، ص 257.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 254، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 50

[السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد]

السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد، كأن يكون فقيرا، و عاملا، و غارما مثلا، جاز أن يعطى (568) بكلّ سبب نصيبا.

[السابعة عشرة: المملوك الّذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة]

السابعة عشرة: المملوك الّذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة (569)، دون الإمام عليه السّلام، و لكن

______________________________

و يشهد بذلك: أنّ أجرة الكيّال أو الوزّان في البيع على البائع اتفاقا، و لو تمّ ما ذكر هنا لأمكن القول هناك، بأنّ الواجب على البائع إنّما هو تسليم المبيع، و لو كانت أجرة الكيّال أو الوزّان واجبة عليه أيضا لكان ذلك موجبا للزيادة على المقدار الواجب، و هو كما ترى.

(568) للإطلاق، و دعوى «1» الانصراف إلى الانفراد فى الأصناف، ممّا لا يصغى إليه، لعدم الموجب للانصراف، كما لا يخفى. نعم، مسألة مراعاة الشروط المعتبرة فى الدفع، كاشتراط عدم زيادة المدفوع إلى الفقير عمّا يزيد على مئونة سنته، و اعتبار عجز الغارم عن اداء دينه، و نحو ذلك ...، أمر آخر، يرجع إلى وجود المانع، و كلامنا فعلا إنّما هو فى المقتضى للدفع بكل سبب نصيبا.

(569) كما هو المشهور شهرة عظيمة «2»، بل فى «المعتبر «3»»: عليه علماؤنا. و يدلّ

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 251، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 444، ط النجف الأشرف.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 589، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 51

الأحوط صرفه فى الفقراء فقط.

______________________________

عليه موثّق عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجد موضعا يدفع ذلك

إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الألف درهم الّتي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك، قلت: فانه لمّا أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف فأصاب مالا كثيرا، ثمّ مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الّذين يستحقّون الزكاة، لأنّه اشترى بمالهم «4»»، و صحيح ايّوب بن الحرّ، أخي أديم ابن الحرّ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك يعرف هذا الأمر الّذي نحن عليه، اشتريه من الزكاة فاعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و اعتقه، قلت: فان هو مات و ترك مالا، قال: فقال:

ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري بسهمهم، و فى حديث اخر: بمالهم «5»» و بذلك يخرج عما قد يتوهّم من أنّ الإمام هو الوارث، لما دل على أنه هو وارث من لا وارث له، كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ الموثق و إن كان دالّا على أنّ الوارث له هم خصوص الفقراء من اصناف المستحقين، لا جميع أرباب الزكاة «6»، إلّا أنّه قد يقال: بأنّ عموم التعليل:

«لأنّه اشتري بمالهم» يقتضي عموم الحكم بالنسبة إلى أرباب الزكاة و لو كانوا من غير الفقراء.

______________________________

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 2.

(5)- المصدر، ح 3.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 277، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 52

[الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة]

الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا (570) أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطى دفعة، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه،

و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصا فى المحترف الّذي

______________________________

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنّ التعليل المذكور ليس تعليلا واقعيّا ليكون موجبا للتعميم أو التخصيص، و إنّما هو تعليل تعبّدي، نظير ما ورد في عدم جواز قراءة آية العزائم فى الصّلاة، من التعليل للسجدة اللازمة حينئذ: بأنّها زيادة فى المكتوبة، فإنّ هذا التعليل ليس تعليلا واقعيّا، و ذلك لأنّ الزيادة فى المكتوبة لا تتحقّق إلّا بالإتيان بالشي ء بقصد أنّه جزء من العمل، و إلّا فلا يكون مصداقا للزيادة.

و الوجه في كون التعليل فى المقام تعبّديا هو أنّ فكّ الرقاب من جملة مصارف الزكاة المقرّرة في الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ... وَ فِي الرِّقٰابِ ...، فليس اشتراءه إلّا بسهمه من الزكاة لا بسهم غيره، و من هنا كان الأحوط هو عدم التعدّي عن مورد الرّواية، اقتصارا فى التعليل على مورده.

و أمّا صحيح أيّوب بن الحرّ، فهو و إن لم يدلّ على التخصيص بالفقراء، بل كان ظاهرا فى العموم لقوله عليه السّلام: «ميراثه لأهل الزكاة ...»، إلّا أنّه لا بدّ من تقييده بالفقراء للموثق، فإنّ النسبة بينهما هى الإطلاق و التقييد، كما لا يخفى.

(570) قد مرّ الكلام فيه مفصّلا في أصناف المستحقين، فراجع، و لاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 53

لا تكفيه حرفته. نعم، لو أعطى تدريجا فبلغ مقدار مئونة السنة، حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق، و الأقوى أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضا (571)،

______________________________

(571) نسب إلى الأكثر- كما عن «المعتبر «1»»، و «الشرائع «2»»-: أنّه لا يعطى الفقير أقلّ ممّا يجب فى النصاب الأوّل، و هو خمسة دراهم، أو عشرة قراريط. و نسب إلى

جماعة، منهم السيّد في «جمله «3»»، و ابن ادريس «4»، و القاضي «5»، و الشهيدان «6»، و غيرهم «7»: أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة. و النصوص الواردة فى المقام تكون على طائفتين، طائفة منها تدلّ على القول الأوّل، و أخرى تدلّ على الثاني، فيقع التعارض بينهما لا محالة، أمّا:

الطائفة الأولى: و هي صحيحة أبي ولّاد الحناط، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 590، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 166.

(3)- الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين: جمل العلم و العمل/ تحقيق: رشيد الصفّار، ص 128.

(4)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 464، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(5)- القاضي، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 172، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ شرح جمل العلم و العمل، ص 263، ط جامعة مشهد.

(6)- الشهيد، محمّد بن مكّي: البيان/ تحقيق: محمّد الحسّون، ص 318؛ الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهيّة، ج 1: ص 175، ط ايران الحجريّة (بدل عبد الرحيم).

(7)- المحقّق الثاني، عليّ بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 40، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العاملي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 279، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 54

..........

______________________________

سمعته يقول: «لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم، و هو أقل ما فرض اللّه عزّ و جلّ من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقل من خمسة دراهم «1»»، و خبر معاوية

بن عمّار و عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: «لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقل من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ الزكاة «2»».

الطائفة الثانية: صحيحة محمّد بن عبد الجبّار: إنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن اسحاق إلى علي بن محمّد العسكري عليه السّلام: أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة؟ فكتب: «افعل إن شاء اللّه تعالى «3»»، و صحيحة الحلبي، أو حسنته بابن هاشم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: ما يعطى المصدق؟ قال: «ما يرى الإمام، و لا يقدّر له شي ء «4»»، و مكاتبة محمّد بن أبي الصهبان، قال: كتبت إلى الصادق عليه السّلام: هل يجوز يا سيّدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة، فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب: «ذلك جائز «5»».

و الظاهر هو الجمع بين الطائفتين، بحمل الأولى على الكراهة، لا من جهة ما قيل «6»: من أنّ الجمع بين «يجوز» و «لا يجوز» إنّما يكون بحمل الثاني على الكراهة، إذ ليس المورد- على هذا- من موارد الجمع، فإنّهما بنظر العرف من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 23: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 5.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 281، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 55

من غير فرق بين زكاة النقدين و غيرهما، و لكن الأحوط (572) عدم النقصان عمّا فى النصاب الأوّل من الفضّة فى الفضّة، و هو خمسة دراهم، و عمّا فى النصاب الأوّل من الذهب

فى الذهب، و هو نصف دينار.

______________________________

المتعارضين، بحيث لا يجوز جمعهما في كلام واحد، و إلّا كان الكلام متناقضا، بل الوجه فيه: أنّ العمدة فى الطائفة الأولى إنّما هي صحيحة أبي ولّاد، و ذلك لضعف خبر معاوية و ابن بكير، بابراهيم بن اسحاق الأحمري، و الصحيحة غير مشتملة على كلمة «لا يجوز» بل فيها: «لا يعطي ...»، و الجمع العرفي بينه و بين الطائفة الثانية يكون بحمل النهي في الأولى على الكراهة، كما هو ظاهر.

و الحاصل، أنّ «لا يعطى» ظاهر فى الحرمة، و مثل «افعل» و «ذلك جائز» نصّ فى الجواز، فيرفع به اليد عن ظهور النهي فى الحرمة، و يحمل على الكراهة.

(572) الاحتياط المذكور استحبابى، و إلّا فقد عرفت أنّ الأقوى- كما أفتى به قدّس سرّه سابقا- هو عدم الحدّ للزكاة من ناحية القلّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 56

بل الأحوط (573) مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضا، و أحوط (574) من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كل جنس، ففى الغنم و الإبل لا يكون أقلّ من شاة، و فى البقر لا يكون أقل من تبيع، و هكذا فى الغلات يعطى ما يجب في أول حدّ النّصاب.

______________________________

(573) بناء على التعدّي عن مورد النّصوص، لما ورد من التعليل في صحيح أبي ولّاد المتقدّم: «و هو أقل ما فرض اللّه تعالى من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم»، إلّا أنّه عليه السّلام حيث فرّع على ذلك قوله: «فلا تعطوا ...»، نستظهر منه أنّه مع التعدّي عن مورد النقدين لا بدّ من ملاحظة قيمة ما يعطى إلى الفقير، و أنّه إذا كان أقل من

خمسة دراهم فلا يجوز، و ليس من المحتمل- بحسب ما نعهده من العصور- أن يكون أوّل النصاب في غير النقدين ممّا يسوى بهذه القيمة، فإنّ انصاب الأوّل من الغلّات، أو الأنعام ممّا لا نحتمل أن يكون ممّا يسوى بهذه القيمة أو دونها في زمان ما، و عليه فلا بدّ و أن يكون الملاحظ في مقام الإعطاء إنّما هو الخمسة دراهم.

(574) هذا مبنيّ على أنّ التعليل يقتضي دوران الحكم مدار العلّة نفيا و اثباتا، فكلّ ما كان المدفوع إلى الفقير مصداقا للأقلّ من أقلّ ما فرضه اللّه فهو غير جائز، و ما لا يكون كذلك فهو جائز، ففى النقدين حيث كان الأقلّ هو الخمسة دراهم أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 57

[التاسعة عشرة: يستحب للفقيه، أو العامل، أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك]

التاسعة عشرة: يستحب (575) للفقيه، أو العامل، أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الّذي يقبض بالولاية العامّة.

______________________________

نصف دينار، لم يجز إعطاء الأقل من ذلك، و أمّا فى الغنم أو الإبل مثلا، فأوّل الفريضة فيهما هو الشاة فلا يجوز أن يعطي الفقير أقلّ من ذلك، و إن كان يسوى بحسب القيمة أكثر من خمسة دراهم أو نصف دينار.

و ما يقال «1»: من أنّ هذا الاحتياط إنّما هو فيما إذا كان أكثر قيمة من الخمسة دراهم، و لو كان أقل، فالأحوط مقدار الخمسة دراهم، فقد عرفت ما فيه آنفا، حيث إنّا لا نحتمل في زمان أن يكون أقلّ الفريضة فى غير النقدين دون الخمسة دراهم أو نصف دينار من حيث القيمة. و أمّا قوله عليه السّلام: «فلا تعطوا احدا ...» فهو ليس بتفريع على ما تقدّمه، و إنّما هو من قبيل تطبيق الكبرى المستفادة

من التعليل على المورد، كما لا يخفى.

(575) الظاهر أنّه لا دليل على وجوب الدعاء إلّا الآية الكريمة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... «2» و هو- مضافا إلى ما ورد فى الخبر، من كونها أجنبيّة عن باب الزكاة، كما أشرنا إليه

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 334، ط الثالثة.

(2)- التوبة، 9: 103.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 58

[العشرون: يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه فى الصدقة الواجبة و المندوبة]

العشرون: يكره (576) لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه فى الصدقة الواجبة و المندوبة،

______________________________

فيما تقدّم «1»- حكم خاص بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله، أو مع الائمّة عليه السّلام، لما ذكر فى الآية الكريمة بمنزلة العلّة له و هو إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ... «2» ممّا لا مجال له فى الفقيه و غيره، و عليه فلا وجه للقول بوجوبه على الفقيه أو الفقير. نعم، القول باستحباب ذلك مبنيّ على ثبوت قاعدة التسامح، و شمولها لمورد الفتوى أيضا، و اللّه العالم.

(576) الظاهر أنّه لا دليل عليه سوى الإجماع المدعى من غير واحد «3»، و نفي الخلاف فيه، الوارد في كلمات جملة من الأعلام قدّس سرّه «4»، و أمّا الاستدلال له ببعض الوجوه الاستحسانية، مثل: أن الزكاة طهور للمال فهي وسخ، فالراجع فيه كالراجع بقيئه. أو بأنّه ربما استحيى الفقير فيترك المماكسة، فيؤدّي إلى استرجاع بعضها «5»، فغير ناهض بذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(1)-- صفحة 14- 15.

(2)- التوبة، 9: 103.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 324، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 285، ط مؤسسة آل البيت عليهم

السّلام، قم.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1؛ ص 530، ط ايران الحجريّة؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 455، ط النجف الأشرف.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 455، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 59

نعم، لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد- كان المالك أحقّ به من غيره (577)، و لا كراهة (578).

______________________________

و قد استدل له أيضا بمصحح منصور، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا تصدّق الرجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها، إلّا في ميراث «1»»، و مصحّحه الآخر عنه عليه السّلام: «إذا تصدّقت بصدقة، لم ترجع إليك و لم تشترها، إلّا أن تورّث «2»»، بعد حملهما على الكراهة لأجل الاجماع. و اللّه العالم.

(577) كما يدلّ عليه صحيح محمد بن خالد، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة، فقال: «إنّ ذلك لا يقبل منك ...- إلى أن قال:- فإذا أخرجها فليقسّمها في من يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها «3»».

(578) لا مجال للقول بالكراهة حينئذ، فإنّ كون المالك أحقّ بالمال من غيره، كما هو صريح صحيح محمّد بن خالد، لا يجتمع مع الحمل على الكراهة، بعد فرض أن تملّك غيره لم يكن مكروها قطعا، و المفروض أنّ المالك أولى به من الغير، فكيف

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: أحكام الوقوف و الصدقات، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص:

60

و كذا لو كان جزءا من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير، فإنّه تزول الكراهة (579) حينئذ أيضا، كما أنّه لا بأس بابقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث (580) و شبهه من المملّكات القهريّة.

______________________________

يمكن فرض كراهة التملّك في حقّه.

و ظاهر النصوص المتقدّمة و إن كان هو الكراهة في مفروض المقام، إلّا أن شمولها له بالإطلاق، و هذه الصّحيحة تكون مقيّدة للإطلاق المذكور، لكونها اخصّ منها، كما هو ظاهر.

فلا وجه- إذن- لما قيل «1» من كونه خلاف إطلاق النصوص المتقدّمة.

(579) الظاهر انّه- على تقدير القول بالكراهة- ممّا لا ينبغى الإشكال في زوالها فى الفرضين، إذ لا مجال لها مع توقّف انتفاع الفقير بها على شراء المالك، أو مع تضرر المالك بشراء غيره، كما هو ظاهر.

(580) أمّا العود بالميراث فهو المصرّح به فى النصوص المتقدّمة المانعة و أمّا ما عداه من المملّكات القهريّة، فلأنّه لا معنى للكراهة- و هو حكم تكليفي لا بدّ من كون متعلّقها اختياريّا- مع فرض كونه من المملّكات، القهريّة. و لا يبعد أن يكون استثناء الميراث فى النصوص المانعة من باب كونه أحد الأمور الموجبة للتمليك قهرا، من دون أن تكون أيّة خصوصيّة فيه، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 335، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 61

[فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة]

اشارة

[فصل] في وقت وجوب إخراج الزكاة قد عرفت سابقا: أنّ وقت تعلّق الوجوب- فيما يعتبر فيه الحول- حولانه بدخول الشهر الثاني عشر (581)، و أنّه يستقرّ الوجوب بذلك، و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأوّل لا الثاني، و فى الغلّات

التسمية، و أن وقت وجوب الإخراج فى الأوّل هو وقت التعلّق، و فى الثاني هو الخرص و الصّرم فى

______________________________

(581) تقدّم الكلام في ذلك فى الجزء الأوّل من كتابنا، فى الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في الأنعام، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 62

النخل و الكرم، و التصفية فى الحنطة و الشعير (582)، و هل الوجوب بعد تحقّقه فوريّ أولا «1»؟ أقوال (583)، ثالثها: أنّ وجوب الإخراج- و لو بالعزل- فوريّ، و أمّا الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير، و الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق و إمكان الإخراج، إلّا لغرض، كانتظار مستحق معيّن أو الأفضل، فيجوز حينئذ- و لو مع عدم العزل- الشهرين و الثلاثة، بل الأزيد، و إن كان الأحوط- حينئذ- العزل، ثمّ الانتظار المذكور، و لكن لو تلفت بالتأخير- مع إمكان الدفع- يضمن.

______________________________

(582) مرّ الكلام في ذلك فى المسألة الأولى، و السادسة، من فصل زكات الغلات، من الجزء الثاني من كتابنا، فلاحظ.

(583) الأقوال فى المسألة ثلاثة:

القول الأوّل: وجوب العزل و الدفع فورا.

الثانى: عدم وجوب الأمرين فورا.

الثالث: التفصيل بين العزل فيجب فورا، و بين الدفع فلا يجب كذلك.

و استدل للأوّل «2» بوجوه:

______________________________

(1)- كما عن الحلي، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 454، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 289، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- و هو المشهور، كما فى «الحدائق» (ج 12: ص 229) و اختاره شيخنا المفيد رحمه اللّه «المقنعة»

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 63

..........

______________________________

الأوّل: الإجماع. و يتوجّه عليه: أنّه ممّا لا يظنّ في حقّه بكونه إجماعا تعبّديا، لاحتمال استناد جملة منهم-

على الأقل- في ذلك إلى الوجوه الآتية.

الثاني: إنّ ظاهر الأوامر المتعلّقة بأداء الزكاة إنّما هو الفور. و يتوجّه عليه:

أنّ المقرّر في محلّه من الأصول هو عدم دلالة الأوامر على الفوريّة.

الثالث: إنّ شاهد الحال يقتضي مطالبة المستحق، فيكون حكمها حكم الدّين المطالب به في وجوب الأداء فورا. و يتوجّه عليه: الفرق بين الزكاة و الدّين، فإنّ الفقير المعيّن ليس هو المستحق الزكاة، و إنّما مصرفها طبيعى الفقير، فليس لخصوص هذا الشخص المطالبة، كما هو ظاهر.

الرّابع: قوله عليه السّلام في صحيح محمّد بن مسلم، أو حسنته: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ... «1»»، فإنّ ثبوت الضمان ممّا يكشف عن عدم جواز التأخير فى الإخراج و الدفع عند وجدان الأهل. و يتوجّه عليه:

أنّ الحكم بالضمان تعبّدي لا ينافي مع عدم المعصية فى التأخير، بأن يكون التأخير جائزا، و مع ذلك يكون ضامنا في خصوص مورد وجدان الأهل.

الخامس: ما رواه في «مستطرفات السرائر» عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام: «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو بشهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها «2»» و لكن الرواية ضعيفة السند، من جهة

______________________________

(ص 240، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم) و المحقّق في «شرائع الإسلام» (تحقيق:

عبد الحسين محمد علي، ج 1: ص 167) و فى «المعتبر» (ج 2، ص 553، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم) و العلّامة في «تذكرة الفقهاء» (ج 5: ص 289، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام) و «تحرير الأحكام» (ج 1، ص 66).

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 52:

المستحقين للزكاة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 64

..........

______________________________

القاسم بن محمّد، المشترك بين الثقة و غير الثقة.

السادس: صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها «1»».

و الاستدلال به لذلك موقوف على أمرين.

الأوّل: أن يكون السؤال عن جواز التأخير لا عن وجوبه، و إلّا فلو كان المسئول عنه هو الوجوب لم تكن الرواية دالّة إلّا على عدم وجوب التأخير، لا على الوجوب الفوري، كما هو المدّعى.

الثّاني: أن يراد بالإخراج هو العزل و الدفع، بقرينة ذكر الدفع فى السؤال، و إلّا فلو كان المراد به ما هو ظاهره من العزل، لم تكن دالّة إلّا على وجوب العزل.

لا يقال: إن إبقاء الإخراج على ظاهره- بعد كون المسئول عنه إنّما هو تأخير الدفع- غير معقول، لاستلزامه سكوت الإمام عليه السّلام عمّا وقع السؤال عنه.

لأنّه يقال: يمكن أن يكون عليه السّلام قد بيّن عدم وجوب الدفع فورا، ببيان وجوب العزل فورا، حيث أنّ مساق التعبير فى الجواب هو أنّ الواجب فورا فى البين إنّما هو وجوب العزل فقط، فيدلّ بالالتزام على عدم وجوب الدفع فورا. و الحاصل، أنّ تماميّة الاستدلال بالرواية موقوفة على تماميّة الأمرين المتقدّمين، و كلا الأمرين محلّ تأمّل، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه بإزاء ذلك طائفة من الروايات دلّت على جواز التأخير فى الدّفع، كصحيح حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الزكاة، ج 3، ص: 65

..........

______________________________

شهرين و تأخيرها شهرين «1»»، و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرّم، قال:

«لا بأس، قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا فى المحرّم، فيجعلها في شهر رمضان، قال: لا بأس «2»»، و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: فى الرجل يخرج زكاته، فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوّله و أخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس «3»»، و موثّق يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني [يكون عندي عدّة]؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي، قال: نعم، لا يضرّك «4»».

نعم، مقتضى موثّق يونس إنّما هو التفصيل بين العزل فيجب فورا، و بين الدفع فلا يجب كذلك، و العمل عليه، فيكون ذلك دليلا على القول بالتفصيل الّذي اختاره المصنّف قدّس سرّه فى المتن أيضا.

ثمّ إنّ التأخير فى الدفع لا بدّ و أن لا يزيد على ثلاثة أشهر، لما ورد في جملة من النّصوص المتقدّمة من الجواز إلى شهرين أو ثلاثة أشهر. نعم، بما أنّه لم يذكر ذلك بعنوان التحديد، بل إنّما وقع السؤال عن جواز التأخير إلى هذه المدّة، فلا دلالة له على عدم جواز التأخير بأكثر من ذلك، فلا محالة كان الحكم المذكور على طبق الاحتياط.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة،

ح 11.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- المصدر/ باب 53: المستحقين للزكاة، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 66

[مسألة 1: الظاهر أنّ المناط فى الضّمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفيّ]

[مسألة 1]: الظاهر أنّ المناط فى الضّمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفيّ (584)، فلو أخّر ساعة أو ساعتين، بل أزيد، فتلفت من غير تفريط فلا ضمان، و إن أمكنه الإيصال الى المستحق من حينه، مع عدم كونه حاضرا عنده،

______________________________

(584) مقتضى الأدلّة إنّما هو الضمان عند وجدان الأهل و عدم الدفع إليهم مع التمكّن، و حينئذ فهل يكون الحكم بالضمان ثابتا بمجرّد المسامحة اليسيرة أيضا، بحيث يكون المعتبر هو عدم التأخير عقلا، أو أنّه لا تضرّ المسامحة اليسيرة بذلك؛ كالتأخير ساعة أو ساعتين، نظرا إلى أنّ المراد بالتأخير- المعتبر عدمه- إنّما هو التأخير العرفي، فالتأخير بالمقدار المذكور- مثلا- ممّا لا يعدّ تأخيرا بنظر العرف، وجهان؟

قد يدّعى انصراف ما دلّ على الضمان عن امثال هذه الموارد ممّا يكون التأخير فيه يسيرا بحيث لا يعدّ فى العرف مصداقا للتأخير. و قد ينظّر المسألة بمسألة الدّين المؤجّل، في أنّ التأخير عن الأجل بعد حلوله بالمقدار اليسير جائز قطعا، و لا يعدّ تخلّفا من المديون في أداء دينه على راس الأجل. و لكن للفرق بين المسألتين مجال واسع، فانّ التأخير بالمقدار اليسير، المتسامح فيه عادة و عرفا، ملحوظ للطرفين في مقام جعل الأجل، و لو بنحو الارتكاز لا تفصيلا، و هذا بخلاف المقام، حيث إنّ الشارع ابتداء قد حكم بالضمان عند التأخير فى الدفع مع التمكّن منه، من دون أن يكون هناك ضرب الأجل منهما فى البين إلّا أن دعوى الانصراف فى المقام قريبة جدّا، و لكن مع

ذلك، الاحتياط الوجوبي يقضى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 67

و أمّا مع حضوره فمشكل، خصوصا إذا كان مطالبا (585).

[مسألة 2: يشترط فى الضمان- مع التأخير- العلم بوجود المستحق]

[مسألة 2]: يشترط فى الضمان- مع التأخير- العلم (586) بوجود المستحق، فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان، لأنّه معذور حينئذ فى التأخير.

______________________________

بالحكم بالضمان عند التأخير بالمقدار الّذي يتسامح فيه عرفا. نعم، إذا كان ذلك يسيرا جدّا أمكن فيه القول بنفي الضمان حينئذ، و اللّه العالم.

(585) لإطلاق النّصوص الدالّة على الضّمان مع التلف أو الفساد عند وجود الأهل و عدم الدّفع، و لا موجب للانصراف حينئذ، خصوصا مع مطالبة المستحق.

(586) ففي صحيح محمّد بن مسلم أو حسنته: تعليق الضمان على وجدان الأهل، قال عليه السّلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ... «1»»، و في صحيح زرارة تعليقه- على معرفة الأهل: «قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2»»، فمع عدم العلم بوجود المستحق بعد الفحص عنه، لا إشكال في عدم الضمان، لعدم تحقّق موضوعه، و هو وجدان

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

الأهل، أو معرفته. و أمّا إذا لم يعلم بذلك، و لكن كان ذلك في معرض العلم به، بحيث لو تفحّص عن الأهل لعلم بهم، فالظاهر حينئذ هو الحكم بالضمان و إن لم يكن عالما بالأهل فعلا، و الوجه فيه: أنّ المأخوذ في صحيح ابن مسلم موضوعا إنّما هو

«وجدان الأهل»، و لا يختصّ تحقّق العنوان المذكور بالعلم الفعلي بالشي ء، بل يصدق فيما لو كان ذلك في معرض الوصول إليه و العلم به على تقدير الفحص عنه، فيقال له- حينئذ-: إنّه واجد للشي ء، كما هو الحال في باب الطهارات، فإنّ وجوب الوضوء أو الغسل ممّا أخذ في موضوعه- بمقتضى المقابلة- وجدان الماء، و لكن لا يعتبر فيه العلم الفعلي بوجوده مع التمكّن الخارجي منه، بل يصدق ذلك أيضا مع كونه فى معرض العلم بالفحص، و لذلك أوجبوا الفحص عن الماء و عدم جواز التيمّم إلّا بعده فيما لو كان العذر هو عدم وجدان الماء خارجا، و لذلك علّق بعض المحشّين على قول المصنّف: «فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان ...»، بقوله: «فالأقوى الضمان مع وجود المستحق، و عدم الفحص عنه»، و الوجه فيه هو ما ذكرناه.

ثمّ إنّ ما افاده المصنّف قدّس سرّه تعليلا لعدم الضمان في فرض الجهل بقوله: «لأنّه معذور حينئذ فى التأخير» مبنيّ على المسامحة، فان الموضوع للضمان ليس هو التأخير الّذي ينطبق عليه عنوان المعصية، لينتفى الحكم بانتفاء العصيان، خصوصا على مذهبه من الحكم بجواز النقل من البلد إلى بلد اخر، مع الحكم بالضمان على تقدير وجود المستحق فى البلد، أو امكان الصرف في سائر المصارف. فتأمّل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 69

[مسألة 3: لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع النصاب- متلف]

[مسألة 3]: لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع النصاب- متلف، فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان، يكون الضمان على المتلف فقط، و إن كان مع التأخير المزبور من المالك، فكلّ من المالك و الأجنبيّ ضامن (587)، و للفقيه أو العامل الرجوع على أيّهما شاء (588)، و إن رجع على

المالك، رجع هو على المتلف، و يجوز له الدفع من ماله، ثم الرجوع على المتلف.

[مسألة 4: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب]

[مسألة 4]: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب، على الأصحّ (589).

______________________________

(587) لوجود السبب في كل منهما، فإن المالك ضامن بالتأخير، و الأخر بالإتلاف.

(588) كما هو مقرّر و محرّر في مسألة تعاقب الأيادي. فلاحظ.

(589) المشهور بين الأصحاب قدّس سرّه شهرة عظيمة «1» هو عدم جواز تقديم الزكاة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 461، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 70

..........

______________________________

قبل وقت الوجوب، و نسب إلى ابن عقيل «1»، و سلّار «2» جواز ذلك.

و الّذي تقتضيه القاعدة فى المسألة- مع الغضّ عن النصوص الخاصّة- إنّما هو عدم الجواز، نظرا إلى أنّ الزكاة عبادة، كما سيجي ء بيان ذلك قريبا إن شاء اللّه تعالى، و حينئذ فمع عدم تعلّق الأمر بها، كيف يمكن قصد التقرّب بها!، و هذا هو العمدة في استشكال التقديم، و إلّا فسائر الوجوه الاستحسانيّة الّتي ذكرت لعدم الجواز، و قد أشار إليها فى «المستند «3»»، فغير قابلة للاهتمام بها، كما لا يخفى على من لا حظها.

و كيف كان، فقد استدل للمذهب المشهور بجملة من النّصوص:

منها: ما دلّ على عدم التزكية حتّى يحول عليه الحول، كصحيح الحلبي، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يفيد المال، قال: «لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول «4»» و صحيح عمر بن يزيد- أو حسنته بابن هاشم- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال:

«لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه؛ إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها،

و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره، الإقضاء، و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت «5»».

و منها: ما دلّ على أنّ الزكاة قبل وقت وجوبها كالصلاة قبل وقتها؛ كصحيح زرارة، أو حسنته قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أ يزكّي الرجل ما له إذا

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 237، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(2)- سلّار، حمزة بن عبد العزيز: المراسم/ تحقيق: د محمود البستاني، ص 128.

(3)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 370، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 51: المستحقين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 71

..........

______________________________

مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي الأولى قبل الزوال «1»!»

و الاستدلال بالروايتين الأخيرتين موقوف على أن يكون السؤال فيهما عن جواز التزكية قبل حلول الحول، و إلّا فلو كان المسئول عنه فيهما هو الوجوب، لم تدلّ الروايتان إلّا على أنّ وقت الوجوب- أي وقت تعلّق الزكاة- إنّما هو بتمام الحول و السنة، و هذا ممّا كلام فيه. و لكن الظاهر هو الأوّل، بقرينة إرداف ذلك بالصّلاة قبل الوقت فى الرّوايتين.

و استدلّ للقول الآخر- أيضا- بجملة من النصوص،

منها: صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين، و تأخيرها شهرين «2»»، و صحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس، قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا فى المحرّم، فيجعلها في شهر

رمضان؟ قال: لا بأس «3»»، و مرسل الحسين بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أوّل السنة؟ فقال: «إن كان محتاجا فلا بأس «4»»، و مرسل محمّد بن الحسن [الحسين]، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يعجّل زكاته قبل المحلّ؟ فقال: «إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس «5»»، و مرسل المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة»: «قد جاء عن الصادقين عليهما السّلام: مرخّص في تقديم الزكاة شهرين قبل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 51: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر: ح 9.

(4)- المصدر، ح 10.

(5)- المصدر، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 72

..........

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 72

______________________________

محلّها و تأخيرها شهرين، و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة، عند الحاجة إلى ذلك ... «1»»، و مرسل «الفقيه»: «روي في تقديم الزكاة و تأخيرها: أربعة أشهر، و ستة أشهر ... «2»».

و عليه فتقع المعارضة بين الطائفتين، فإن اعتبرنا الترجيح بالأشهريّة فى الرواية عند تعارض الخبرين، عملا بمقبولة عمر بن حنظلة، كان الترجيح للروايات المجوّزة، فإنّها أشهر رواية، كما لا يخفى. و إلّا فعلى القول بانحصار المرجّح في موافقة الكتاب و مخالفة العامّة، كان الترجيح للروايات المانعة، لذهاب أحمد، و الشافعي، و غيرهم «3» من العامّة إلى الجواز، و عليه فتكون النتيجة

هي عدم الجواز.

نعم، قد يكون هناك طريق للجمع بين الطائفتين، إلّا أن النتيجة هي عين النتيجة، و ذلك بأن تحمل الروايات المجوّزه على إعطاء المال بعنوان القرض، ثمّ احتسابه عليه زكاة عند وقت الوجوب، و شاهد الجمع المذكور، النّصوص التالية: رواية يونس بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام، يقول: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر (خير)، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة «4»»، و رواية عقبة بن خالد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «إنّ عثمان بن عمران قال له: إني رجل موسر، و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 13.

(2)- المصدر، ح 15.

(3)- نسب ذلك إلى الحسن البصري، و سعيد بن جبير، و الزهري، و الأوزاعي، و أبي حنيفة، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبي عبيد (ابن قدامة، عبد اللّه بن احمد: المغني، ج 2:

ص 496، افست دار الكتاب العربي- بيروت؛ ابن قدامة المقدسي، محمد بن أحمد: الشرح الكبير، ج 2: ص 678، افست دار الكتاب العربي، بيروت).

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 73

..........

______________________________

ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، با عثمان لا تردّه، فإن ردّه عند اللّه عظيم «1»»، و صحيح الأحول- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام: في رجل عجّل زكاة ماله، ثمّ أيسر المعطي قبل رأس السنة، قال: «يعيد المعطي الزكاة «2»»، و مرسل الكافي: «و قد روي: أنه يجوز إذا أتاه من يصلح له الزكاة أن يعجّل قبل وقت الزكاة، إلّا أنّه يضمنها، إذا جاء وقت الزكاة- و قد أيسر المعطي أو ارتدّ- أعاد الزكاة «3»».

و لكن الّذي لعلّه يمكن أن يكون منها شاهدا إنّما هو صحيح الأحول، نظرا إلى أنّه بعد علم السّائل بأنّ وقت وجوب الزكاة إنّما هو رأس السنة، فحينما يسأل عن تعجيل الزكاة، فإنّما يريد بذلك إعطاء مقدار الزكاة إليه، لكن لا بعنوان الزكاة بل بعنوان آخر، مثل القرض، و لكن يحتسب عليه ذلك زكاة في وقت الوجوب، و لذلك حكم عليه السّلام بوجوب الإعادة إذا أيسر وقت الوجوب، فإنّه يظهر منه كون الاعطاء سابقا بعنوان القرض، و حمله على الإعطاء بعنوان الزكاة، لكن مع اشتراط بقاء الاستحقاق إلى زمان الوجوب تعبّدا بعيد، و ذلك لأنّ الثابت فى الشريعة إنّما هو الاستحقاق حال الدفع، و لم يدلّ دليل على اعتبار الاستحقاق حال الوجوب أيضا، و حينئذ فيدور الأمر بين الالتزام بالتخصيص- بأن يكون التعجيل بعنوان الزكاة، لكن مع التخصيص لما دلّ على اعتبار الاستحقاق حال

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 50: المستحقين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 74

فلو قدّمها كان المال باقيا (590) على ملكه مع بقاء عينه، و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال، و للمالك احتسابه جديدا

______________________________

الدفع، بأن يلتزم فى المقام باعتباره حال الوجوب أيضا- و بين التخصّص- بأن يكون التعجيل خارجا

عن الزكاة موضوعا، و لا شكّ أنّه متى ما دار الأمر بينهما، كان الالتزام لتخصّص هو المتعيّن، كما حرّر ذلك في محلّه و على هذا، فيكون التعجيل فى الرواية- بعد حمله على الإعطاء لا بعنوان الزكاة بل بعنوان آخر بالقرينة المتقدّمة- شاهدا على كون المراد بالتعجيل فى الروايات المجوّزة أيضا هو ذلك.

و أمّا باقي الروايات فيمكن المناقشة في كونها شاهدا على الجمع، بأنّ غاية ما يستفاد منها إنّما هو الترغيب فى القرض، و جواز احتسابه من الزكاة على تقدير عدم اليسار حال الزكاة، و هذا حكم مستقلّ في نفسه لا ربط له بمحلّ الكلام. و كيف كان فالنتيجة هي: عدم جواز تقديم الزكاة على وقت الوجوب، سواء أ كنّا قد جمعنا بين الطائفتين بحمل المجوّزة منهما على التقيّة، أم التزمنا بحملها على إلا عطاء بعنوان القرض، ثمّ جواز احتسابه من الزّكاة، فلا يهمّنا الأمر بعد ذلك أبدا.

(590) أمّا البقاء على ملكه فظاهر، لأنّه لم يدفعها إليه إلّا بعنوان الزكاة، فإذا فرضنا عدم صحّة ذلك، و لم يكن غيرها أيضا مقصودا على الفرض، كان باقيا على ملك المالك مع بقاء عينه، و مع التلف كان القابض ضامنا، مع العلم بالحال، و أمّا مع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 75

مع بقائه، أو احتساب عوضه مع ضمانه، و بقاء فقر القابض، و له العدول عنه إلى غيره.

[مسألة 5: إذا أراد ان يعطي فقيرا شيئا و لم يجي ء وقت وجوب الزكاة عليه]

[مسألة 5]: إذا أراد ان يعطي فقيرا شيئا و لم يجي ء وقت وجوب الزكاة عليه يجوز (591) أن يعطيه قرضا، فاذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق، و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب.

______________________________

الجهل به فلا، إمّا القاعدة الغرور، أو

غيرها، كما مرّ تفصيله «1».

و أمّا جواز احتسابه جديدا مع بقاء العين، أو احتساب عوضه في فرض الحكم بالضمان- و هو فرض علم القابض بالحال، مع بقاء الفقر- فظاهر أيضا، كما مر الوجه فيه آنفا. كما أن مقتضى تخيير المالك فى الدفع إلى من شاء- كما تقدّم أيضا بيانه «2»- هو جواز العدول منه إلى غيره، فلاحظ.

(591) لا اشكال في ذلك، كما دلّت عليه النصوص المتقدّمة، فلاحظ.

______________________________

(1)- فى الجزء الثاني من كتابنا، فى المسألة 13 من فصل أصناف المستحقين.

(2)- و قد ذكرنا في شرح المسألة المشار إليها هناك ما هو مبنيّ على كون الزكاة- في مفروض المسألة- متعيّنة، بناء على أن مقصود المصنّف قدّس سرّه من قوله- فى المسألة 13-: «فإن كانت العين باقية ارتجعها ...» هو لزوم ذلك، و إن كان المراد هو جواز ارتجاعها، فشرح المسألة هو ما أفيد فى المقام فليكن هذا استدراكا منّا لما سبق. و اللّه العاصم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 76

و لا يجب عليه ذلك (592)، بل يجوز- مع بقائه على الاستحقاق- الأخذ منه و الدفع إلى غيره، و إن كان الأحوط (593) الاحتساب عليه و عدم الأخذ منه.

[مسألة 6: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة]

[مسألة 6]: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة، فالزيادة له (594) لا للمالك، كما أنّه لو نقص كان النقص

______________________________

(592) فإنّ المفروض كون ما في ذمّه الفقير ملكا للدافع، لكونه قد أعطاه قرضا، فله أخذه منه و إعطاءه لغيره زكاة.

الظاهر أنّه لا منشأ للاحتياط المذكور، و الأمر بالاحتساب فى النصوص المتقدّمة وارد مورد توهّم الحظر، و هو عدم جواز احتساب ما في ذمّته من القرض من الزكاة، فلا دلالة له إلّا على المشروعيّة،

و لم نسمع بالقائل بالوجوب أيضا، فالاحتياط المذكور- حسبما يظهر- ممّا لا نرى له وجها، و اللّه العالم.

(593) بلا اشكال فيه، فإنّ القرض- كما عرّفه بعضهم- هو التمليك على وجه التضمين، فالمقترض يكون مالكا لا محالة، فيكون النماء حينئذ في ملكه. و منه يظهر الحال في فرض النقصان، كما هو ظاهر.

(594) لا إشكال في أنّ المقترض ضامن للمقرض بالمثل أو القيمة، باختلاف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 77

عليه فإن خرج عن الاستحقاق، أو أراد المالك الدفع إلى غيره، يستردّ عوضه لا عينه، كما هو مقتضى حكم القرض، بل مع عدم الزيادة- أيضا- ليس عليه إلّا ردّ المثل أو القيمة (595).

______________________________

الموارد، إلّا أنّه مع فرض بقاء العين و عدم الزيادة، يجوز له الوفاء، بدفع نفس العين- بناء على كونها مثليّة- قطعا، و أمّا إذا كانت قيميّة، فمع رضا المقرض بذلك، كما لا يخفى. و عليه، فالواجب على المقترض ليس هو إلّا ردّ المثل أو القيمة، فإن كان المقصود بالعبارة هو ذلك فهو صحيح، و أمّا إذا كان المقصود هو عدم صحّة أداء العين- على تقدير بقاءها- فهو في غير محلّه، كما عرفت.

(595) كما هو المعروف و المشهور، و هو الّذي تقتضيه الأدلّة الأوليّة في هذا الباب، كما لا يخفى. و التعبير بالأصح في كلامه قدّس سرّه لعلّه إشارة إلى ما نسب إلى الشيخ قدّس سرّه «1» من القول بالوجوب، بناء منه على أنّ المقترض لا يملك إلّا بعد التصرّف، فقبله يكون المال في ملك المقرض، فلا ينثلم النّصاب طول الحول، إذا لم يكن قد تصرّف فيه، بأن كانت عينه باقية عند الفقير، أو بناء منه «2» على أنّ الدين يلاحظ في

باب النصاب منضما إلى أصل المال، فإذا كان ما عنده مع ماله من الدين في ذمّة الغير بالغا النصاب، وجبت عليه الزّكاة، و لكن كلا المبنيين ضعيف، كما حرّر ذلك في محلّه.

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 231، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(2)- المصدر، ج 1: ص 211.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 78

[مسألة 7: لو كان ما أقرض الفقير في اثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب، و خرج الباقي عن حدّه]

[مسألة 7]: لو كان ما أقرض الفقير في اثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب، و خرج الباقي عن حدّه، سقط الوجوب (596)- على الأصحّ- لعدم بقائه في ملكه طول الحول، سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة، فلا محلّ للاحتساب. نعم، لو أعطاه بعض النصاب أمانة بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب، مع بقاء عينه عند الفقير، فله الاحتساب (597) حينئذ بعد حلول الحول اذا بقي على الاستحقاق.

______________________________

(596) فإنّ المال على هذا لا يكون خارجا عن ملكه، فمع اجتماع شرائط الوجوب، و كون الأمين بصفة الاستحقاق، يجوز له الاحتساب عليه من الزكاة، كما هو واضح.

(597) لعدم قدرته- حينئذ- على مئونة السنة، لا بالفعل و لا بالتدريج، من غير جهة المال المفروض كونه دينا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 79

[مسألة 8: لو استغنى الفقير- الّذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال، ثمّ حال الحول]

[مسألة 8]: لو استغنى الفقير- الّذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال، ثمّ حال الحول، يجوز (598) الاحتساب عليه، لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين، و يجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضا. و أمّا لو استغنى بنماء هذا المال (599)، أو بارتفاع قيمته، إذا كان قيميّا، و قلنا: أنّ المدار قيمة يوم القرض لا يوم الاداء، لم يجز الاحتساب عليه (600).

______________________________

(598) فإنّه إذا كان المفروض فيه هو عدم قدرته على أداء دينه، فيكون مندرجا- لا محالة- فى الغارمين، الّذين هم من جملة مصارف الزكاة، بنصّ الآية الكريمة، كما مرّ الكلام فيه.

(599) فإنّه إذا كان الاستغناء بالنماء من حيث مئونة السنة فقط، دون التمكّن من أداء الدين، بمعنى أنّه بنمائه يكون متمكّنا من مئونة سنته فقط، من دون تمكّنه بذلك من أداء الدين المذكور، لا إشكال- حينئذ- في

جواز الاحتساب من سهم الغارمين، كما هو ظاهر.

(600) أي إذا كان في ذمّة المدين قيمة يوم القرض، و فرضنا أنّ ارتفاع قيمته عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

ذلك اليوم بمقدار يفي بمئونة سنته، فإنّه- حينئذ- يكون يوم الاحتساب غنيّا لا محالة، لأنّه متمكّن من أداء الدين، و واجد لمئونة سنته أيضا. و هذا بخلاف ما إذا كان في ذمّته قيمة يوم الأداء، فإنّه حين الاحتساب متمكّن من أداء الدين فقط، دون مئونة السنة أيضا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 81

[فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نيّة القربة]

اشارة

[فصل] الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نيّة القربة (601)، و

______________________________

(601) الدليل على كون الزكاة من العبادات، و لذلك يعتبر في صحّتها نيّة القربة، منحصر بالإجماع «1» و لا دليل سواه على ذلك.

______________________________

(1)- فى «الجواهر»: «الإجماع بقسميه عليه، بل لعلّه كذلك بين المسلمين» (- ج 15: ص 471، ط النجف الأشرف).

و فى «المعتبر»: «هو مذهب العلماء، خلا الأوزاعي، قال: إنّها دين، فلا تعتبر لها النيّة، كسائر الدّيون» (- ج 2: ص 559، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم)

و فى «التذكرة»: «عند علمائنا أجمع، و هو قول عامّة أهل العلم» (- ج 5: ص 327، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 82

التعيين (602)، مع تعدّد ما عليه، بأن يكون عليه خمس و زكاة- و هو هاشميّ- فأعطى هاشميّا، فإنّه يجب عليه أن يعيّن أنّه من أيّهما. و كذا لو كان عليه زكاة و كفّارة، فإنّه يجب التعيين، بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة، فإنّه يجب التعيين على الأحوط، بخلاف ما إذا اتّحد

الحقّ الّذي عليه، فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما فى الذمة، و إن جهل نوعه، بل مع التعدّد- أيضا- يكفيه التعيين الإجمالي، بأن ينوي ما وجب عليه أوّلا، أو ما وجب عليه ثانيا، مثلا. و لا يعتبر نيّة الوجوب و الندب، و كذا لا يعتبر نيّة الجنس الّذي تخرج منه الزكاة، إنّه من الأنعام أو الغلّات أو النقدين، من غير فرق بين أن يكون محلّ الوجوب متّحدا و متعددا، بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحق

______________________________

(602) لا بدّ لبيان اعتبار التعيين من تمهيد مقدّمة، و هي إنّ الأمر- تارة- يتعلّق بعنوان خاص، فإذا فرض أنّ هناك شيئين لا مائز بينهما ذاتا، و قد تعلّق بكلّ منهما أمر، لكن كلّ منهما بعنوان خاص، بأن كان الاختلاف بينهما فى العنوان المذكور، فإنّه لا بدّ من قصد العنوان الخاصّ، و إلّا فمع عدم قصده لم يتحقّق ما هو متعلّق الأمر قطعا كما في مثل صلاتي الظهر و العصر بالنسبة إلى الحاضر مثلا، فإنّ متعلّق الأمر بصلاة الظهر لا يغاير متعلّق الأمر بصلاة العصر بحسب الذات، فإنّ كلّا منهما أربع ركعات، و إنّما الاختلاف بينهما بالعنوان، فلا بدّ من قصد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 83

متّحدا أو متعددا، كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فإنّ الحق في كلّ منهما شاة، أو كان عنده من أحد

______________________________

عنواني الظهر و العصر، و لو كان ذلك على وجه الإجمال.

و أخرى يتعلّق الأمر بالذات، و العنوان مأخوذ فى الموضوع بنحو المشير و المعرّف، ففي مثله يكون الوجه في اعتبار قصد العنوان المذكور، هو أنّ امتثال الأمر، أو بتعبير اخر وقوع الفعل عبادة

و امتثالا للأمر المتعلّق به ممّا يتوقّف على قصد العنوان المذكور، و لولاه لم يتحقّق الامتثال، كما إذا أمر المولى باكرام العالم، و إكرام الهاشميّ، حيث إنّ إكرام الشخص بدون أن يقصد به العنوان المذكور، و هو عنوان «العالم» أو «الهاشمي» لا يوجب تحقّق الامتثال بالنسبة إلى كلّ من الأمرين، إذ المفروض هو صلاحيّة وقوع الفعل امتثالا لكلّ منهما، و تعيّن أحدهما لذلك، بأن يعتبر الفعل المذكور امتثالا له بالخصوص، ترجيح بلا مرجّح، فإذا أكرم الشخص المذكور بقصد كونه عالما فقد وقع الفعل المذكور امتثالا للأمر باكرام العلماء، كما أنّه إذا أكرمه بقصد كونه هاشميّا، كان ذلك امتثالا للأمر باكرام الهاشمي دون الأمر بإكرام العالم، و أمّا إذا أكرمه بدون قصد أحد العنوانين لم يقع ذلك امتثالا لشي ء منهما.

و عليه، فنقول: كلّ ما كان- ممّا ذكره المصنّف قدّس سرّه- من القبيل الأوّل، كالخمس و الزّكاة- كما هو ظاهره كلامه قدّس سرّه-، كان اعتبار التعيين فيه بلحاظ أنّه دخيل في تحقّق متعلّق التكليف، و أمّا ما لم يكن كذلك، فاعتباره من جهة دخله في تحقّق الامتثال، إذ لو لم يقصد ذلك لم يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق بالفعل بالعنوان الخاصّ، كما عرفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 84

النقدين و من الأنعام، فلا يجب تعيين شي ء من ذلك، سواء كان المدفوع من جنس واحد ممّا عليه أو لا، فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة، بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان، حاضران أو غائبان أو مختلفان، فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه، و له التعيين بعد ذلك. و لو نوى الزكاة عنهما وزّعت (603)، بل يقوى التوزيع مع نيّة مطلق الزكاة (604).

[مسألة 1: لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة]

[مسألة 1]: لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة (605)، كما يجوز له التوكيل فى الإيصال إلى الفقير. و

______________________________

(603) فإنّه مقتضى تعيينه و قصده لهما معا، فلا بدّ من توزيعها عليهما.

(604) القوّة ممنوعة، فإنّه بعد ما كان الواجب عليه زكاة مالين، كان المخرج- لا محالة- صالحا لأن يكون زكاة للمال الّذي أخرج منه، و اخراجا للزكاة بالقيمة، بالنسبة إلى المال الآخر، و أن يكون زكاة للمال المخرج منه خاصّة، فمع صلاحيّته لكلّ من الأمرين، كيف يمكن القول بتعيّن الأوّل- و هو التوزيع- بمجرّد قصده مطلق الزكاة؛ فتأمّل جدّا.

(605) أمّا التوكيل فى الإيصال، فجوازه على القاعدة، فإنّ المالك لما ملّك الفقير الزكاة، فلا يفرّق- حينئذ- في إيصال المال إليه بين أن يكون ذلك بلا واسطة، أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 85

..........

______________________________

بواسطة، كانت الواسطة مثل البريد و الحوالة أو غيرهما.

و أمّا التوكيل فى الأداء، بأن ينوب الوكيل عن الموكّل في اخراج الزكاة، فبما أنّ الزكاة عبادة و جواز التوكيل و الاستنابة في باب العبادة- ثبوتا- أمر ممكن، إلّا أنه يحسب مقام الإثبات- يحتاج إلى دليل. و قد ادّعي ظهور الروايات في جواز ذلك. و العمدة فيها هي موثق سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يعطي الزكاة فيقسّمها بين أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم «1»»، بناء على ظهور السؤال في توكيل المالك المعطي ليقسّمها فى الأداء.

هذا، و لكن الظاهر من الرواية هو التوكيل فى الإيصال، و لا أقل من إجمالها و عدم ظهورها في شي ء من الأمرين.

و أمّا النّصوص الأخر «2»، فهي ظاهرة في خصوص التوكيل فى الإيصال.

إذن، فلا دليل على جواز التوكيل

فى الأداء، فما افاده قدّس سرّه، بقوله: «لا إشكال ...»،

في غير محلّه.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، باب 35 و 40: المستحقين للزكاة. و قد مرّت الإشارة إليها في صفحة 6 من هذا الكتاب. هذا و قد سبق منه قدّس سرّه هناك اختيار دلالة النصوص على جواز الاستنابة فى الإخراج، خلافا لما أفاده فى المقام. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 86

فى الأوّل ينوى الوكيل- حين الدفع إلى الفقير- عن المالك (606)، و الأحوط تولّى المالك للنيّة- أيضا- حين الدفع إلى الوكيل. و فى الثاني، لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل، و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.

[مسألة 2: إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نيّة القربة]

[مسألة 2]: إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نيّة القربة، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير (607)، و إن تأخّرت عن الدفع

______________________________

(606) امّا في فرض التوكيل فى الإيصال، فالوجه فى لزوم نيّة المالك القربة حين الدفع إلى الوكيل ظاهر، لأنّ تمليك الفقير من هذا الحين، و الوكيل إنّما هو واسطة فى الإيصال، لا غير، و لا نرى وجها لما افاده المصنف قدّس سرّه من الاحتياط في استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.

و أمّا في فرض التوكيل فى الإخراج و الأداء، بناء على جوازه، بما أنّ الوكيل نائب عن المالك فى الأداء، فلا بدّ و إن تكون النيّة من النائب حين الدفع إلى الفقير، لأنّه بدل تنزيليّ للمالك، و بأدائه يملك الفقير، فلا بدّ و أن تكون النيّة مقارنة لأدائه- اي أداء النائب- إلى الفقير.

(607) بما أنّ الزكاة من العبادات، و يعتبر فيها النيّة

من المالك أو النائب، فإذا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 87

بزمان، بشرط بقاء العين في يده، أو تلفها مع ضمانه (608)، كغيرها من الديون، و أمّا مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنيّة.

______________________________

دفعها إلى الفقير بلا نيّة من المالك أو وكيله لم تخرج عن ملكه، فإذا كانت العين باقية عند الفقير، كان له أن ينوي القربة بعد ذلك. و هذا بناء على أنّ التمليك- في باب الزكاة- يكون من العقود، المعتبر فيها الإيجاب و القبول، فإذا وقع- في مفروض الكلام- التمليك ايجابا كان حصول التمليك مراعى بقبول الفقير، و كان للايجاب بقاء اعتباريّ إلى حين قبول الفقير، و لا بدّ من استمرار النيّة من حين التمليك إلى حين القبول، و عليه، فحيث أنّ الدفع بلا نيّة قد بطل و كانت العين باقية في ملك مالكها، فإذا أراد المالك- أو وكيله- نيّة القربة بعد ذلك، فلا بدّ و أن يصدر منه ما يدلّ على التمليك ليكون هو مقارنا للنيّة، و إلّا فمع عدم صدور شي ء ممّا يدلّ على التمليك، على أيّ شي ء تقع النيّة.

و حاصل المقال، أنّه إذا صدر من المالك أو وكيله ما يدلّ على التمليك، و نوى القربة، و تصرّف الفقير- و هو دليل الرّضا- كفى ذلك.

(608) كما إذا كان الفقير عالما بأنّ الدفع كان بلا نيّة- مثلا- و مع ذلك تصرّف فى المال، فانّه ضامن له حينئذ، لقاعدة الإتلاف، و عليه فيجوز للمالك احتسابه زكاة، كسائر الديون الّتي سبق القول بجواز احتسابها زكاة.

و أمّا مع عدم ضمانه، كما إذا كان جاهلا، لقاعدة الغرور، فلا مجال للاحتساب زكاة، حيث لا عين و لا دين، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 88

[مسألة 3: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك فى الأداء]

[مسألة 3]: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك فى الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة فى الإيصال، و يجوز بعنوان أنّه وليّ عام على الفقراء. ففى الأوّل يتولّى الحاكم النيّة وكالة حين الدفع إلى الفقير (609)، و الأحوط تولّى المالك- أيضا- حين الدفع إلى الحاكم. و فى الثاني يكفي نيّة المالك حين الدفع إليه و ابقاؤها مستمرّة إلى حين الوصول إلى الفقير. و فى الثالث، أيضا ينوي المالك حين الدفع إليه (610)، لأنّ يده حينئذ يد الفقير المولّى عليه.

[مسألة 4: إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما]

[مسألة 4]: إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما، يكون هو المتولّي للنيّة (611).

______________________________

(609) بناء على جوازه النيابة عن المالك فى الأداء، يكون حال الحاكم و غيره في ذلك سواء، و قد عرفت أنّ النائب فى الأداء إنّما ينوي القربة حين الدفع إلى الفقير.

(610) أي حين الدفع إلى الحاكم، لكونه وليّ الفقير، فتكون يده بمنزلة يد الفقير، فلا بدّ من النيّة حين الدفع إلى الحاكم.

(611) لأنّ الوليّ هو المخاطب بأداء الزكاة، فيكون المتولّي للنيّة لا محالة، لأنّ الأداء

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 89

[مسألة 5: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى- هو- النيّة عنه]

[مسألة 5]: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى- هو- النيّة عنه (612)، و إذا أخذها من الكافر يتولّاها- أيضا- عند أخذه منه (613)، أو عند الدفع إلى الفقير، عن نفسه، لا عن الكافر.

[مسألة 6: لو كان له مال غائب مثلا، فتوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته]

[مسألة 6]: لو كان له مال غائب مثلا، فتوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته، و إن كان تالفا فهو صدقة مستحبّة، صحّ (614)،

______________________________

الصحيح- المقروض كونه مأمورا به- لا يكون إلّا بالنيّة.

(612) لأنّه- بمقتضى ما ثبت من أن «الحاكم وليّ الممتنع»- وجود تنزيليّ للمالك شرعا، فيتولّى النيّة عنه حين الأداء، كما يتولّى الأداء.

(613) فإنّ الزكاة عبادة، مشروطة بنيّة القربة، و لا يكاد تصح نيّة القربة من الكافر، لعدم صلاحيّته لذلك، فلا محالة يكون متولّى النيّة هو المأمور بأخذ الزكاة منه، و هو الحاكم، فينوي عن نفسه، لأنّه المأمور به بأخذ الزّكاة و دفعها إلى الفقير، مثلا.

(614) فإنّ ذلك ليس من الترديد في النيّة، فإنّه- على تقدير وجود المال- لم ينو إلّا الزّكاة، و على تقدير عدم وجوده لم ينو سوى الصدقة المستحبّة، و عليه، فإن كان المال موجودا وقع ذلك زكاة، و إلّا وقع صدقة مستحبّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 90

بخلاف ما لو ردّد في نيّته و لم يعيّن هذا المقدار أيضا، فنوى أنّ هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة، فانّه لا يجزي (615).

[مسألة 7: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفا]

[مسألة 7]: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفا، فإن كان ما أعطاه باقيا، له أن يستردّه (616)، و إن كان تالفا استردّ عوضه، إذا كان القائض عالما بالحال، و إلّا فلا.

______________________________

(615) فإنّ ذلك ترديد فى النيّة، بمعنى أنّه لم يعيّن أحد الأمرين على تقدير وجود المال، و عليه فتكون نسبة المال المدفوع إلى الفقير إلى كلّ من نيّة الزكاة و الصّدقة على حدّ سواء، و يكون تخصيصه بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرحّج، فلا يقع ذلك زكاة و لا صدقة مستحبّة، كما

هو ظاهر.

(616) بناء على جواز إخراج الزكاة من غير عين المال المزكويّ، فبما إنّ المال المذكور إنّما أعطي للفقير بعنوان الزكاة، و المفروض أنّه لا واقع له، لفرض تلف المال و عدم وجوب الزّكاة عليه، و حينئذ فمع بقاء عين المال له أن يستردّها، لبقائها على ملكه، و مع التلف مع الضّمان، كما إذا كان القابض عالما بالحال، و كان ضامنا بقاعدة الإتلاف، فللمالك استرداد عوض التالف، و مع عدم الضمان، لقاعدة الغرور، بفرض جهل القابض بالحال، ليس له استرداد عوضه. و هذا ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 91

[ختام فيه مسائل متفرّقه]

اشارة

[ختام] فيه مسائل متفرّقه

[الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ]

الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ، و ليس من باب النيابة عن الصّبي و المجنون (617).

______________________________

(617) لا إشكال في أنّ النيابة- في أيّ مورد التزمنا بثبوتها فيه- إنّما تكون مع فرض توجه التكليف إلى المنوب عنه ابتداء، فإنّ المخاطب بالعمل هو المنوب عنه، و النائب إنّما هو منزّل منزلة المنوب عنه، و لذلك يلزمه قصد العمل عن المنوب عنه، فإذا فرضنا في مورد امتناع توجّه الخطاب نحو المنوب عنه كما فى المقام، حيث إنّه يمتنع توجّه التكليف نحو الصّبي و المجنون- فلا مجال حينئذ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 92

فالمناط فيه اجتهاد الوليّ أو تقليده (618)، فلو كان مذهبه- اجتهادا أو تقليدا- وجوب إخراجها أو استحبابه، ليس للصبي- بعد بلوغه- معارضته، و إن قلّد من يقول بعدم الجواز.

______________________________

للنيابة، و فرض النائب نفسه- في مقام العمل- منزّلا منزلة المنوب عنه. و على هذا، فلا أثر للنيابة فى المقام، لاختصاصها بمورد يكون التكليف ثابتا في حقّ المنوب عنه، و لكنه يسقط بفعل النائب، و هذا المعنى غير ممكن فى المقام، كما عرفت.

(618) النيابة تكون على قسمين: فقد تكون بالتسبيب بالاستيجار، و قد تكون تبرعيّة.

أمّا الأوّل، فيعتبر فيه أن يكون العمل على وفق مذهب المنوب عنه، اجتهادا أو تقليدا، و ذلك لأنّ مقتضى عقد الاجارة- بحسب الارتكاز- إنّما هو ذلك، فانّ من يستأجر شخصا لأن ينوب عنه في عمل من الأعمال، فبالطبع يكون مورد الإجارة إنّما هو ما يراه للعمل من الأجزاء و الشرائط اجتهادا أو تقليدا، إذ لا تفرغ ذمّته عن العمل- بحسب نظره و رأيه- إلّا بالإتيان بالعمل على الوجه

المذكور. نعم، يعتبر في ذلك أن يكون العمل بنظر النائب مشروعا، فلو فرضنا:

أنّ المستأجر كان يرى مانعية السورة- مثلا- فى الصّلاة، و كان النائب يرى جزئيّتها، لم تصحّ النيابة في هذا الفرض؛ لاعتقاد النائب عدم مشروعيّة العمل الّذي وقع عليه الاستيجار، و هذا واضح.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

و أمّا الثاني، فالمعتبر فيه إنّما هو نظر النائب اجتهادا أو تقليدا، حيث لا يقطع ببراءة ذمّة المنوب عنه إلّا على هذا التقدير.

هذا في باب النيابة، و أمّا المقام، فقد عرفت آنفا أنّه أجنبيّ عن باب النيابة، و أنّ الوجوب أو الاستحباب تكليف متوجّه- ابتداء- إلى الوليّ، فلا محالة يكون المدار على اجتهاده أو تقليده، فلو كان رأيه- بأحد الوجهين- هو وجوب الإخراج أو استحبابه، كان تكليفه الظاهري هو ذلك، فإذا بلغ الصّبى بعد ذلك، فالكلام فيه يقع من جهتين: الأولى فى الضمان؛ و الثانية في تكليف الصبيّ بعد البلوغ في حدّ نفسه.

أمّا الجهة الاولى، فالظاهر هو عدم ثبوت الضمان على الوليّ فيما لو أخرج الزكاة من مال الصّبي، ثمّ بعد البلوغ استقرّ رأيه- اجتهادا أو تقليدا- على عدم وجوب إخراج زكاة مال التجارة من مال الصبيّ، أو عدم استحبابه، لا بضمان التلف، و لا يضمان الإتلاف، أمّا الأول، فلأنّ اليد انما تقتضى الضمان فيما إذا لم تكن يد أمانة، و المفروض أنّها أمانة فى المقام. و أمّا الثاني فلأنّ الإتلاف إنّما يكون موجبا للضمان فيما إذا كان على وجه التعدّي، بأن لم يكن مأذونا فيه من المالك، و المفروض عدمه فى المقام، فإنّ الإذن من مالك الملوك- و هو اللّه سبحانه و تعالى- حاصل فى المقام، فإنّ الشارع قد أوجب عليه

ذلك، أو أنّه حكم باستحبابه في حقّه، كما هو المفروض.

الجهة الثانية، في تكليفه في حدّ نفسه، فإذا بلغ الصبيّ، و خالف- اجتهادا أو تقليدا- ما عمله الوليّ قبل بلوغه، ليس له الاكتفاء بما عمله الوليّ، كما إذا كان رأي الوليّ هو الاستحباب فلم يخرج الزكاة، و رأي الصبيّ بعد البلوغ هو الوجوب، كان عليه العمل برأيه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 94

كما أنّ الحال (619) كذلك في سائر تصرفات الوليّ في مال الصبيّ أو نفسه، من تزويج و نحوه، فلو باع ماله بالعقد الفارسيّ، أو عقد له النكاح بالعقد الفارسيّ، أو نحو ذلك من المسائل الخلافيّة، و كان مذهبه الجواز ليس للصبىّ- بعد بلوغه- إفساده بتقليد من لا يرى الصحّة. نعم، لو شك الولي- بحسب الاجتهاد أو التقليد- في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما، و أراد الاحتياط بالإخراج، ففي جوازه إشكال (620)،

______________________________

(619) ما ذكره قدّس سرّه لا يتمّ إلّا على ما ذكره شيخنا الأعظم العلّامة الأنصاري قدّس سرّه احتمالا في بعض كلماته، من كون الحكم الظاهرى في حقّ أحد واقعيّا في حق الآخر، و لو كان يخالفه فى النظر و الرأي، و هو محلّ إشكال، و القاعدة تقضي في أمثال المقام، بأنّ المعاملة الواقعة لو كان لها أثر بقاء، كان المتعيّن على الصبيّ بعد البلوغ، أو المجنون بعد الإفاقة، العمل على طبق وظيفته، فليس له بعد ذلك ترتيب الأثر على العقد السابق إذا كان يرى فساده، فيما إذا كان للعقد أثر- بعد- في مرحلة البقاء، كما هو ظاهر.

(620) تصوّر الاحتياط في أمثال هذه الموارد ممّا يكون طرف الترديد فيها احتمال الحرمة، و هو حرمة التصرّف فى مال الصّبي، مشكل جدّا،

بل لعلّه غير معقول،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 95

لأنّ الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبيّ.

نعم، لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيّا. و كذا الحال في غير الزكاة، كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ، حيث إنّه محلّ الخلاف، و كذا في سائر التصرّفات في ماله، و المسألة محلّ إشكال، مع أنّها سيّالة.

[الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة بماله و شكّ في أنّه أخرجها أم لا،]

الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة بماله و شكّ في أنّه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج، للاستصحاب (621)؛ إلّا إذا كان الشكّ

______________________________

و تصوّر الاحتياط الوجوبيّ فيها أشدّ إشكالا و أعمق غموضا و خفاء. و الّذي يظهر لنا في أمثال هذه الموارد، إنّما هو عدم الجواز، بعد فرض عدم إمكان الاحتياط فى المسألة.

(621) أو لقاعدة الاشتغال، بناء على أنّ الشك فى الخروج عن العهدة- بعد العلم باشتغال الذمّة- بنفسه كاف لحكم العقل بالاشتغال، فإنّ ذلك مترتّب على الشكّ فى الإتيان، لا على عدم الإتيان به واقعا، ليتوقّف على استصحابه، فلا مجال للاستصحاب في امثال هذه الموارد.

نعم، ذهب بعضهم إلى التفصيل بين ما إذا كان موردا للعلم الاجمالي، كما إذا علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة، فأتى بأحدهما، فإنّه حينئذ لا مجال للاستصحاب، بل تجري قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الإتيان بالآخر، و بين ما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 96

بالنسبة إلى السنين الماضية، فإن الظاهر جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت، أو بعد تجاوز المحلّ (622). هذا، و لو شكّ في أنّه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحب إخراجها- كمال التجارة له- بعد العلم بتعلقها به، فالظاهر جواز العمل

______________________________

إذا لم يكن كذلك، بأن كان الشك فى الفراغ ناشئا عن الشكّ

فى الإتيان، كما إذا شكّ فى الإتيان بصلاة واجبة عليه في وقتها، فالتزم بجريان الاستصحاب حينئذ.

و لعلّ المصنّف قدّس سرّه حيث حكم بجريان الاستصحاب فى المقام كان نظره إلى ذلك.

و اللّه العالم.

(622) جريان القاعدتين موقوف على أن تكون الزكاة من الموقّتات، أو أن يكون لها محلّ شرعي، بحيث يكون قد حكم الشارع بترتّب شي ء آخر عليها شرعا، و كلا الأمرين ممنوع منه. نعم، بناء على ما احتمله شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه، من جريان قاعدة التجاوز فيما إذا كان للشي ء محلّ عادي، و شكّ فيه بعد تجاوز محلّه، كما إذا كان من عادته الصلاة في أوّل الوقت، فإنّه يحكم- حينئذ- بالإتيان بها، فيما لو شكّ فيها بعد مضيّ الوقت المذكور، فإنّه- على هذا- تجرى القاعدة فى المقام، فيما إذا كان من عادته اعطاء الزكاة في رأس كل سنة مثلا. إلّا أنّ تعميم القاعدة إلى أمثال هذه الموارد- كما أفاده شيخنا الأنصاري قدّس سرّه- يستلزم تأسيس فقه جديد. و الحق هو جريان الاستصحاب، أو قاعدة الاشتغال، في هذا الفرض أيضا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 97

بالاستصحاب، لأنّه دليل شرعيّ و المفروض أنّ المناط فيه شكّه و يقينه لأنّه المكلّف، لا شكّ الصبيّ و يقينه. و بعبارة أخرى، ليس نائبا عنه (623).

[الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه، أو قبله حتّى يكون على المشتري،]

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه، أو قبله حتّى يكون على

______________________________

(623) فإنّ التكليف إنّما كان متوجّها إلى الوليّ نفسه، فيكون المناط- لا محالة- هو شكّه و يقينه، فيجري الاستصحاب حينئذ.

و قد يورد عليه «1» بأنّه لو كان نائبا عنه كان الحكم- أيضا- كذلك، فإنّ شكّه و يقينه في

بقاء الاستحباب في حقّ الصبيّ يصحّحان جريان الاستصحاب فيه، و إذا ثبت الاستحباب في حقّه- و لو ظاهرا- ناب الوليّ عنه ....

و يتوجّه عليه إنّ المفروض إذا كان هو النيابة، بأن كان توجّه التكليف إليه- وجوبا أو استحبابا- بعنوان النيابة، فمع الشك فى الإخراج لا محالة يكون ثبوت الأمر الوجوبي أو الاستحبابي في حقّ المنوب عنه مشكوكا فيه، و جريان الاستصحاب عنده لا يترتّب عليه ثبوت الأمر ظاهرا للمنوب عنه، ليقصد النيابة عنه فى الأمر المذكور.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 356، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 98

المشتري، ليس عليه شي ء (624)

______________________________

(624) الكلام بالنسبة إلى البائع يقع- تارة- في صحّة المعاملة و فسادها، و أخرى في وجوب الزكاة عليه و عدمه، و المصنّف قدّس سرّه لم يتعرّض فى الكتاب للجهة الأولى، و محصّل القول فيها:

إنّه لا اشكال في فساد المعاملة و كونها فضوليّة، فيما إذا كانت بعد زمان التعلّق، بناء على الإشاعة أو الكلّي فى المعيّن، بالنسبة إلى المقدار المتعلّق لحقّ الفقير، و كذلك الحال بالنسبة إلى تمام النصاب، بناء على أنّ حقّ الفقير متعلّق بالعين من قبيل حقّ الرهانة.

هذا إذا كان كلّ من زماني البيع و التعلّق معلوما، و أمّا مع الجهل بتاريخهما فمقتضى استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع إنّما هو صحّة المعاملة، من حيث وقوعها قبل تعلّق حقّ الفقير بالمال، و مقتضى استصحاب عدم البيع إلى زمان صدق الاسم إنّما هو فساد المعاملة، لوقوعها بعد تعلّق حقّ الفقير بالمال، فيتعارض الأصلان لا محالة، و حينئذ فيكون المرجع إنّما هو أصالة الفساد، المتعيّن في باب المعاملات. نعم، إذا بنينا على أنّ الحقّ

المتعلّق بالعين من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- كانت المعاملة الواقعة صحيحة على كلّ تقدير، سواء أ كانت قبل زمان صدق الاسم أم كانت بعده، و الوجه فيه ظاهر، كما مرّ بيانه سابقا.

و أمّا الجهة الثانية، فالظاهر هو عدم وجوب الزكاة على البائع مع الجهل بتاريخ الحادثين معا، و ذلك لتعارض استصحاب بقاء الملك- أو بتعبير آخر:

استصحاب عدم البيع- إلى زمان صدق الاسم، المقتضي لوجوب الزكاة عليه،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 99

إلّا إذا كان زمان التعلّق معلوما و زمان البيع مجهولا، فإنّ الأحوط حينئذ الإخراج (625)،

______________________________

مع استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع، المقتضي لعدم وجوبها عليه، فيتساقطان، و يكون المرجع حينئذ هو البراءة.

هذا بناء على جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ فى نفسه، و سقوطهما بالمعارضة، و أمّا بناء على عدم المقتضى للجريان في حد نفسه- كما هو المختار- فالمرجع إنّما هو أصالة البراءة من الوجوب ابتداء.

ثمّ إنّه- كما يظهر من عبارة «المستمسك «1»» فى الفرع الآتي-: أنّ المعارضة إنّما تكون بين أصالة عدم تعلّق الزكاة إلى زمان البيع، و بين أصالة بقاء الملك إلى زمان التعلّق، و هو غير خال من الإشكال، فإنّ أصالة عدم تعلّق الزكاة أصل حكمي، فإنّها عبارة أخرى عن استصحاب عدم وجوب الزكاة، و الأصل الحكمي ليس هو في مرتبة الأصل الموضوعي، ليعارض به الأصل الموضوعيّ فى الطرف الآخر، بل هو مسبوق بأصل موضوعيّ، و هو استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع. نعم، بعد تساقط الأصلين بالمعارضة، أو على القول بعدم جريانهما في أنفسهما، تصل النوبة حينئذ إلى الأصل الحكمي، و هو أصالة البراءة عن الوجوب، أو استصحاب عدم وجوب الزكاة.

(625) بناء على

جريان الاستصحاب في كليهما حينئذ و سقوطه بالمعارضة، كما

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 356- 357، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 100

على إشكال في وجوبه (626)، و كذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شكّ في ذلك، فإنّه لا يجب عليه شي ء (627)،

______________________________

اختاره بعضهم، فالحال فيه هو الحال في إذا كان تاريخ كلا الأمرين مجهولا. و أمّا على مبنى عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ، كما اختاره شيخنا العلّامة الأنصاري رحمه اللّه، فإذا كان زمان التعلّق معلوما و زمان البيع مجهولا، كان مقتضى أصالة عدم تحقّق البيع إلى زمان التعلّق، هو وجوب اخراج الزكاة، فان التعلّق- حينئذ- يكون في زمان يكون المال ملكا له، فيجب عليه زكاته. و إذا كان الأمر بالعكس، كان مقتضي أصالة عدم التعلّق إلى زمان البيع، هو عدم وجوب الزكاة.

(626) منشأ الإشكال إنّما هو احتمال معارضة الأصل المذكور بالأصل في طرف المعلوم، بالنسبة إلى الزمان الإجمالي، كما التزم به بعضهم، على ما هو محرّر في علم الأصول.

(627) الكلام فيه من الجهتين بعينه هو الكلام المتقدّم بالنسبة إلى البائع، فبالنسبة إلى صحّة المعاملة و فسادها، يكون مقتضى استصحاب عدم البيع إلى زمان التعلّق- و هو صدق الاسم- إنّما هو الفساد، بناء على القول بالإشاعة، أو الكلّي في المعيّن. و كذا على القول بكون الحقّ من قبيل حقّ الرّهانة، و مقتضى استصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان البيع إنّما هو صحّتها، نظرا إلى عدم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

وقوع المعاملة حينئذ على مال الغير، أو ما هو متعلّق حقّه، فمع تعارض الأصلين و تساقطهما، أو بناء على

عدم جريانهما في أنفسهما، يكون المرجع- حينئذ- إنّما هو أصالة عدم ترتّب الأثر، المعبّر عنها بأصالة الفساد في باب المعاملات. إلّا إذا أحرز المشتري التفات البائع إلى هذه الجهة حين البيع، فإنّ أصالة الصحّة الجارية في حق البائع تكون حاكمة- لا محالة- على أصالة الفساد، كما هو ظاهر.

و كذلك الحال بالنسبة إلى الوجوب، أي وجوب الزكاة عليه، فإنّ مقتضي أحد الاستصحابين إنّما هو وجوبه على المشتري، و مقتضى الآخر هو عدمه، لكن بعكس البائع، بمعنى أنّ ما كان يقتضي الوجوب على البائع لا يقتضيه بالإضافة إلى المشتري، و ما كان يقتضي عدم الوجوب هناك مقتض للوجوب فى المقام، و حينئذ فالمرجع- بعد التساقط، أو عدم جريانهما في انفسهما، على الخلاف- إنّما هو الأصل الحكمي، و هو البراءة عن وجوب الزكاة، أو استصحاب عدمها.

نعم، هنا شي ء آخر، و هو أنّ الزكاة حيث فرضناها متعلّقة بالعين، فلا محالة يعلم المشتري إجمالا بوجوب إخراج الزكاة من المال المذكور، إمّا لتعلّق الزكاة قبل دخوله في ملكه، أو لتعلّقه به بعد ذلك، فالعين المذكورة- على كلا التقديرين- تكون متعلّقا لحقّ الزكاة و حينئذ فلا بدّ له من إخراج الزكاة بمقتضى العلم إلا جمالي المذكور.

و أمّا بالنسبة إلى الضّمان فيما لو أدّاها المشتري، فهل يكون له الرجوع إلى البائع أو لا؟ الظاهر أنّه لا موجب للرجوع إلى البائع بحسب القواعد. و قاعدة العدل و الإنصاف- لو تمّت- لاقتضت تنصيف المال على البائع و المشتري. نعم، في فرض الحكم بفساد المعاملة بمقتضى أصالة الفساد- كما تقدّم تفصيله- أمكن القول بالرّجوع إليه، على القول بالاشاعة أو الكلّي فى المعيّن، فإنّ المعاملة- على الفرض- لم تكن صحيحة في مقدار حقّ الفقير فى العين، فلم

يدخل ما يقابله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 102

إلّا إذا علم زمان البيع و شكّ في تقدّم التعلّق و تأخّره، فإنّ الأحوط حينئذ إخراجه (628)، على إشكال في وجوبه (629).

[الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة]

الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته، و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من

______________________________

من الثمن في ملك البائع، فللمشتري الرجوع إليه في ذلك، كما هو ظاهر. و أمّا على المختار من تعلّق الزكاة بالمال بنحو حقّ الجناية، فلا موجب للرّجوع على البائع، بعد فرض صحّة المعاملة في تمام المال، و دخول تمام الثمن في ملك البائع.

(628) إذا كان تاريخ أحدهما معلوما، فمع البناء على عدم جريان الأصل فيه، يجري الأصل فى الطرف الأخر، و يترتّب عليه حكمه، و بناء على الجريان فيه أيضا، يجرى الأصلان معا، و يتساقطان، على ما عرفت ذلك في طرف البائع.

(629) وجه الإشكال هو ما تقدّم، من احتمال معارضة الأصل في مجهول التاريخ، و هو استصحاب عدم صدق الاسم إلى ما بعد البيع، المقتضي للوجوب، مع الأصل في طرف المعلوم، و هو استصحاب عدم البيع إلى زمان صدق الاسم، المقتضى لعدم وجوبها على المشتري.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 103

الورثة (630)، إذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلّق أو بعده، لم يجب الإخراج من تركته، و لا على الورثة (631) إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب.

______________________________

(630) الحكم في الفرضين واضح، و قد مرّ فى المسألة الثامنة و العشرين «1»، من فصل زكاة الغلّات، ما ينفع فى المقام، فراجع و لاحظ.

(631) فإنّ استصحاب عدم الموت- أو بقاء الحياة- إلى زمان صدق الاسم، المترتّب

عليه وجوب الإخراج من التركة، معارض باستصحاب عدم صدق الاسم إلى زمان الموت، فيتساقطان لا محالة، و يكون المرجع- حينئذ- إنّما هو أصالة البراءة عن الوجوب. أو يرجع فيه إلى استصحاب عدم الوجوب.

هذا، بناء على جريان الاستصحابين في مجهولي التاريخ و تساقطهما بالمعارضة، و إلّا فالمرجع هو الأصل الحكمي- البراءة أو الاستصحاب- من الأوّل، كما هو ظاهر.

هذا إذا لم يبلغ نصيب كلّ وارث النّصاب، و أمّا مع بلوغه ذلك، فيجب عليه الزكاة، لأنّه يعلم تفصيلا بتعلّق الزكاة بالمال المذكور، إمّا عنده أو عند مورّثه، فمع تحقّق سائر الشرائط من البلوغ، و العقل، يجب عليه إخراج الزكاة، و إلّا فلا، لما سيشير إليه المصنّف قدّس سرّه فى المتن.

______________________________

(1)- ج 2: صص 136- 143.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 104

إلّا مع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان الموت، فإنّ الأحوط- حينئذ- الإخراج، على الإشكال المتقدّم (632). و أمّا إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب، أو نصيب بعضهم، فيجب على من بلغ نصيبه منهم، للعلم الإجمالي (633) بالتعلّق به، إمّا بتكليف الميّت به في حياته، أو بتكليفه- هو- بعد موت مورّثه، بشرط أن يكون بالغا، عاقلا، و إلّا فلا يجب عليه، لعدم العلم الاجمالي بالتعلّق حينئذ.

[الخامسة: إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة، و شكّ في أنّه أدّاها أم لا،]

الخامسة: إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفا بإخراج الزكاة، و شكّ في أنّه أدّاها أم لا، ففي وجوب إخراجه من تركته لاستصحاب بقاء تكليفه، أو عدم وجوبه للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف

______________________________

(632) منشأ الإشكال، هو ما مرّت الإشارة إليه آنفا؛ من احتمال معارضة الأصل في المجهول بالأصل في معلوم التاريخ، بالنسبة إلى الزمان الإجماليّ.

(633) هذا مبنيّ

على كون الزكاة متعلّقا بالعين، سواء أ كان هو الملك بنحو الإشاعة، أم الكلّي فى المعين، أم كان حقّا من قبيل حق الجناية، و الوجه فيه ظاهر ممّا تقدّم فى المسألة السابقة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 105

الوارث، وجهان، أوجههما الثاني؛ لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميّت حتّى يتعلّق الحق بتركته، و ثبوته فرع شكّ الميّت و اجرائه الاستصحاب (634)، لا شكّ الوارث، و حال الميّت غير معلوم أنّه متيقّن بأحد الطّرفين أو شاك. و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه- سابقا- و هو نائم، و شكّ في أنّه طهّرهما أم لا؛ حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة، مع أنّ حال النائم غير معلوم أنّه شاكّ أو متيقّن؛ إذ في هذا المثال لا حاجة إلى اثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال: إنّ يده كانت نجسة، و الأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها، بخلاف المقام، حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميّت و اشتغال ذمته بالنسبة إليه من حيث هو.

______________________________

(634) إن كان المانع من جريان الاستصحاب هو ذلك، فيمكن دفعه، بأن يقال: إنّ تكليف الميّت إذا كان من قبيل الموضوع بالنسبة إلى تكليف الوارث، فالاستصحاب و إن كان لا يثبت التكليف في حقّ الميّت، لامتناع ثبوت التكليف في حقّه، إلّا أنّ حاله حال الموضوعات الّتي تكون من الأمور التكوينيّة الخارجيّة؛ كحياة زيد مثلا فإنّها إذا كانت موضوعا لحكم من الأحكام

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 106

..........

______________________________

الشرعيّة، فكما أنّ التعبد بها- عند الشكّ فيها- مرجعه إلى التعبّد بالأثر الشرعي، و هو الحكم

المترتّب عليها، نظرا إلى أنّ الحياة من الأمور التكوينيّة غير القابلة للثبوت بالتعبّد الشرعى، كذلك التعبّد الاستصحابي بتكليف الميّت بالإخراج فى المقام، يكون مرجعه إلى التعبّد بالأثر الشرعي المترتّب عليه، و هو تكليف الوارث بالإخراج، و هذا أمر معقول جدّا، و لا محذور فيه أصلا.

و الصحيح أن يقال: إنّ الوجه في عدم وجوب الإخراج إنّما هو استصحاب عدم اشتغال ذمة الميّت بالمال، فإنّ مفروض الكلام هو عدم وجود المال الّذي هو متعلّق الزكاة، إمّا بالتلف أو الإتلاف. و سيشير المصنّف قدّس سرّه إلى صورة وجود المال. و اشتغال الذمّة بالنسبة إلى الميّت من قبيل النجاسة فى المثال الّذي ذكره، و ليس هو مثل التكليف الّذي لا يعقل ثبوته في حقّ الميّت. و على الإجمال، اشتغال الذمّة أمر ثابت للميّت بما هو موضوع من الموضوعات الخارجيّة، كالنجاسة الثابتة لبدن الإنسان مثلا، فإنّها إنّما تثبت له بما هو موضوع، لا بما هو إنسان، حيّ، مكلّف، و هذا ظاهر.

و دعوى أنّ المقام من موارد جريان الأصل الموضوعي، و هو استصحاب عدم الإخراج، المترتّب عليه اشتغال الذمّة، مدفوعة، بأنّ مجرّد عدم الإخراج- أو التأخير فيه- ليس بموضوع للحكم بالضّمان، بل بضميمة وجود المستحقّ- أو سائر المصارف- مع امكان الدفع، كما مرّ بيانه سابقا. و من الظاهر أنّه على تقدير الملازمة العقليّة أو العاديّة بين عدم الإخراج و بين ما هو المتمّم لموضوع الضمان، فلا شكّ في عدم ثبوت المتمّم باستصحاب عدم الإخراج، إلّا بناء على حجيّة الأصل المثبت، و هو خلاف التحقيق، كما بيّناه في محلّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 107

نعم، لو كان المال الّذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال الأصل (635)

بقاء الزكاة فيه، ففرق بين صورة الشكّ في تعلّق الزكاة بذمّته و عدمه، و الشكّ في أنّ هذا المال الّذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته، أم لا. هذا كلّه إذا كان الشكّ في مورد لو كان حيّا و كان شاكّا وجب عليه الإخراج، و أمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السّابقة، أو نحوهما، ممّا يجري فيه قاعدة التجاوز و المضيّ (636)، و حمل فعله على الصحّة (637)، فلا اشكال. و كذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو

______________________________

(635) و وجهه ظاهر، كما أفاده قدّس سرّه، و عليه فمع تلف العين، يكون المرجع للوارث إنّما هو استصحاب عدم اشتغال ذمة المورّث، و في فرض بقائها، يكون المرجع هو استصحاب بقاء الزكاة فى العين، و يترتّب على ذلك عدم وجوب إخراج الوارث الزكاة فى الفرض الأوّل، و وجوب إخراجها فى الثاني، فلاحظ.

(636) قد عرفت الحال في جريان القاعدتين و عدمه في مثل المقام فى المسألة الثانية، فراجع.

(637) قوله قدّس سرّه: «و حمل فعله على الصحّة» ممّا لم يظهر لنا المراد منه، و أن ربطه بما تقدمه ما هو؟ و ذلك لاختصاص القاعدة بما إذا صدر منه ما يقبل الاتّصاف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 108

كفّارة، أو نذر، أو خمس، أو نحو ذلك.

[السادسة: إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما]

السادسة: إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما (638)، إلّا إذا كان هاشميّا، فإنّه يجوز أن يعطى للهاشميّ بقصد ما فى الذّمة (639).

______________________________

بالصحّة و الفساد، لا مطلقا، و ليس فى المقام ما يكون كذلك.

و على تقدير عدم جريان القواعد المذكورة، فحيث كان الشك- حينئذ- في وجوب الإخراج و عدمه، فالمرجع هو البراءة عن وجوب

الزكاة.

(638) هذا إذا لم يكن المعطي هاشميّا، فإن مقتضى علمه الإجمالي بأحد الأمرين، إمّا وجوب الخمس أو الزكاة عليه، إنّما هو تنجّز كلا التكليفين، و حيث أنّ المفروض عدم إمكان امتثال كليهما، باعطاء المال إلى شخص واحد- و هو الهاشميّ- بقصد ما فى الذمة من خمس أو زكاة، بناء على اتحادهما فى المقدار، كما هو المفروض، إذ على تقدير كون الواجب هو الخمس فلا يجوز اعطائه لغير الهاشميّ، كما أنّه على تقدير كونه زكاة لا يجوز إعطائه للهاشميّ، لحرمة زكاة غير الهاشميّ عليه كما تقدّم، فلا محالة يجب إخراجهما معا و اعطائهما لشخصين؛ هاشميّ و غير هاشميّ، امتثالا للعلم الإجمالي المذكور، كما لا يخفى.

(639) فإنّه بذلك يتحقّق امتثال كلا التكليفين الواقعين طرفا العلم الإجمالي، كما عرفت آنفا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 109

و إن اختلف مقدارهما قلّة و كثرة، أخذ بالأقلّ (640)، و الأحوط الأكثر.

______________________________

(640) هذا إذا كان المعطي هاشميّا واضح جدا، فان المكلّف يعلم إجمالا بأنّه مكلّف باعطاء المال إلى هذا الشخص المعيّن، مردّدا بين الأقلّ و الأكثر، فالأقلّ معلوم عنده تفصيلا، و أمّا الأكثر فمشكوك فيه، فيرجع في نفيه إلى الأصل، و أمّا إذا كان غير هاشميّ، فالانحلال مبنيّ على ما ذكره بعضهم في بحث العلم الإجمالي من الأصول، من أنّه إذا كان لطرفي العلم الإجمالي أثر مشترك، و كان هناك أثر اخر خاص بأحد الطرفين، فلا محالة ينحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالأثر المشترك، و شكّ بدوى بالأثر الخاص، كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة البدن أو الثوب بالبول أو نجس اخر يكفي في طهارته الغسل مرّة بعد زوال العين، بناء على اعتبار التعدّد فى البول، فإنّه- على

هذا- يحصل العلم التفصيلي بوجوب الغسل مرّة واحدة، و أمّا الغسل مرّة اخرى فهو مشكوك فيه، ينفى بالأصل، و المقام من هذا القبيل، فإنّه إذا كان المعطي غير هاشميّ، فلا محالة يتردّد الأمر بين المتباينين، فإنّه إمّا يجب عليه إعطاء خمسة دراهم- مثلا- إلى هذا الشخص، أو إعطاء عشرة إلى الآخر، إلّا أنّ الخمسة معلومة تفصيلا، و أمّا الخمسة الزائدة عليها فهي مشكوك فيها، فيرجع في نفيها إلى الأصل، و عليه فلا وجه لارجاع «1» هذا إلى خصوص ما إذا كان المعطي هاشميّا، لإمكان إرجاعه إلى كلا الفرضين، لاحتمال أن يكون مبنى المصنّف قدّس سرّه هو الانحلال فى المثال الّذي ذكرناه، و اللّه العالم.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 361، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

و يمكن أن يقال: بانحلال العلم الإجمالي فى المقام، نظرا إلى أنّ المكلّف يعلم تفصيلا بوجوب إعطاء مقدار معيّن من المال لطبيعيّ الفقير، و أمّا وجوب إعطاءه لخصوص الفقير الهاشميّ فهو مشكوك فيه، للشكّ فى الخصوصيّة المذكورة، فيكون المرجع- حينئذ- هو أصل البراءة عن الخصوصيّة المشار إليها.

و بكلمة أخرى: ثبوت الحق لطبيعيّ الفقير فى المال المعيّن- و هو الأقلّ- أمر معلوم لدى المكلّف تفصيلا، و ثبوت الحقّ لخصوص الفقير الهاشميّ أمر مشكوك فيه ينفى بالأصل، كما أنّ الزائد على المقدار الأقل منفي بالأصل.

و دعوى أنّ الخمس و الزكاة حقيقتان مختلفتان بالقصد، كاختلاف صلاتي الظهر و العصر، و معه لا مجال للانحلال مدفوعة، بعدم الدليل على كون الزكاة و الخمس و نحوهما من العناوين القصدية، كعنواني الظهر و العصر، و نحوهما.

و يمكن دفع ذلك، بأنّ مصرف الزكاة غير منحصر فى الفقراء،

و إنّما هم من جملة المصارف الثمانية المقرّرة فى الآية الكريمة، و عليه ففى المقام لا علم تفصيلا باستحقاق طبيعي الفقير تفصيلا، لينحلّ به العلم الإجمالي، و إنّما يعلم اجمالا باستحقاق طبيعي الفقير، و الغارم، و في سبيل اللّه و غير ذلك من مصارف الزكاة، أو باستحقاق خصوص الهاشميّ، و لا موجب لانحلاله أصلا، فما تقدّم ليس إلّا مجرّد شبهة، كما يكشف عنه عدم التزام أحد به.

هذا و لكن يشكل الانحلال في فرض كون الدافع هاشميّا، فضلا عمّا إذا لم يكن بهاشميّ، و وجه الإشكال فى الأوّل هو ما أشرنا إليه آنفا، من أنّ مستحقّ الزكاة ليس هم الفقراء فقط، بل الجامع بين الأصناف الثمانية، و عليه فهو يعلم إجمالا بوجوب درهمين- مثلا- للمصارف الثمانية المقرّرة فى الآية الكريمة- بناء على كون الأزيد هو الزكاة- أو درهم واحد للهاشميّين، و هذا من دوران الأمر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 111

[السابعة: إذا علم إجمالا أنّ حنطته بلغت النصاب، أو شعيره و لم يتمكّن من التعيين]

السابعة: إذا علم إجمالا أنّ حنطته بلغت النصاب، أو شعيره و لم يتمكّن من التعيين، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما، إلّا إذا أخرج بالقيمة، فإنّه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما قيمة، على إشكال (641)، لأنّ الواجب- أوّلا- هو العين و مردّد بينهما إذا كانا موجودين،

______________________________

بين المتباينين دون الأقل و الأكثر، و معه لا موجب للانحلال أصلا، كما لا يخفى. و على هذا فمقتضى القاعدة في فرض كون الدافع هاشميّا إنّما هو إعطاء الزائد إلى الهاشميّ بقصد ما فى الذمة، لتحقّق الامتثال به على كلّ تقدير. و أمّا مع كون الدافع غير هاشميّ، فكونه من دوران الأمر بين المتباينين واضح جدّا، إذ أنّه يعلم إجمالا بوجوب درهمين للفقير غير الهاشميّ و سائر المصارف

المقرّرة للزكاة، أو وجوب درهم مثلا للهاشميّين، فهو نظير ما إذا علم إجمالا باشتغال ذمّته بدرهمين لزيد، أو درهم واحد لعمرو، و حيث لا مجال فيه للانحلال أصلا. و عليه فمقتضى القاعدة هو وجوب الإخراج للفقير غير الهاشميّ، و للفقير الهاشميّ احتياطا، كما عليه جملة من الأعلام.

(641) لا إشكال ظاهرا في إنّ للمالك تطبيق ما عليه من الزكاة واقعا على القيمة، بعد فرض جواز تبديل الزكاة بالقيمة، على ما تقدّم، و لا حاجة- حينئذ- إلى الاحتياط بإخراج قيمة مقدار الفريضة من كلّ من الحنطة و الشعير، بل له تطبيق الفريضة الواقعيّة على القيمة؛ غايته، أنّه- مع اختلاف القيمتين- يلزمه إخراج

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 112

بل في صورة التلف أيضا، لأنّهما مثليان (642). و إذا علم أنّ عليه، إمّا زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة، يكفيه إخراج شاة (643)،

______________________________

أكثر القيمتين ليقطع بالامتثال. و الإشكال فى المتن إن كان راجعا إلى كفاية إخراج قيمة أحد الأمرين، من الحنطة أو الشعير، و عدم لزوم اخراج القيمتين، فلا وجه له، لما عرفت من كفاية ذلك. و إن كان راجعا إلى إخراج أقلّ القيمتين- كما لعلّه الظاهر من العبارة- فهو في محلّه، لوجوب إخراج أكثر القيمتين، فإنّ المقام ليس من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، لينحلّ العلم الإجمالي بالعلم بوجوب الأقلّ تفصيلا، فيرجع في نفي الأكثر إلى البراءة، بل هو من دوران الأمر بين المتباينين، فإنّ الواجب ابتداء إنّما هو العين، و مع تردّدها بين الحنطة و الشعير يكون الواجب- لا محالة- مردّدا بين المتباينين، و إخراج القيمة إنّما يكون من باب تطبيق الواجب الأوّلي عليها، لا أنّها واجبة ابتداء، ليكون

من الدوران بين الأقل و الأكثر، فينحلّ العلم الإجمالى.

(642) فتصير الذمّة مشغولة بالمثل، و على هذا فيكون الواجب في الذمّة مردّدا بين المتباينين، كما في صورة وجود العينين، فلا بدّ من الاحتياط بدفع الأكثر قيمة، إذا أراد تبديل ما عليه من الزكاة بالقيمة، كما عرفت.

(643) لاتّحاد ما هو المخرج، فإنّ الواجب في خمس من الإبل، و في أربعين شاة، إنّما هو شاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 113

و إذا علم أنّ عليه، إمّا زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة، وجب الاحتياط (644)، إلّا مع التلف، فإنّه يكفيه قيمة شاة (645)، و كذا الكلام في نظائر المذكورات.

[الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل ادائها، هل يجوز إعطائها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا،]

الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل ادائها، هل يجوز إعطائها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا، إشكال (646).

______________________________

(644) لدوران الأمر- حينئذ- بين المتباينين، إذ على تقدير كون الواجب هو زكاة ثلاثين بقرة فالواجب هو إخراج تبيع، و على تقدير وجوب زكاة الشياه فالواجب هو إخراج شاة، فيدور الأمر بين المتباينين، و مقتضى القاعدة فيه هو الاحتياط، بإخراج الأمرين معا، كما هو ظاهر.

(645) و الفرق بين مورد التلف و عدمه، هو أنّ مع التلف تكون الذّمة مشغولة بالقيمة لا محالة، لفرض كون الواجب قيميّا، و عليه، فيكون من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، و مقتضى القاعدة هو وجوب قيمة الأقل، و هو الشاة، و المرجع في نفي الأكثر إنّما هو البراءة.

(646) لا ريب في أنّ مقتضى الاستصحاب- بناء على احتمال كون الموضوع لعدم جواز الإعطاء إنّما هو الذات بمعرّفية وجوب النفقة، أو كون حدوث وجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 114

[التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة، و شرط على المشتري زكاته]

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة، و شرط على المشتري زكاته، لا يبعد الجواز (647)؛ إلّا إذا قصد كون الزكاة عليه، لا أن يكون نائبا عنه، فإنّه مشكل.

______________________________

النفقة علّة لعدم جواز الإعطاء حدوثا و بقاء- إنّما هو عدم جواز الإعطاء، إلّا أنّ مقتضى العمومات و المطلقات إنّما هو الجواز، و ذلك فإنّ الخارج عنها إنّما هو عنوان واجب النفقة، و المفروض عدم صدقه حين الإعطاء، كما هو المفروض. و نظير ذلك: ما إذا كان أحد غنيّا حال تعلّق الوجوب، و لكنّه افتقر بعد ذلك، أ فلا يجوز دفع الزكاة إليه في حال فقره؟! و من الظاهر، أنّه- مع وجود العمومات و المطلقات- لا مجال

للرجوع إلى الاستصحاب أصلا، و عليه فما هو المنشأ للإشكال؟! و يمكن أن يقال: إنّ الإشكال من جهة دوران الأمر فى المقام بين الرجوع إلى العام أو استصحاب حكم المخصّص، و هذه المسألة و إن كانت محرّرة فى الأصول بحيث كانت موارد الرجوع إلى أحد الأمرين ممتازة عن موارد الرجوع إلى الاخر، إلا أنّ الإشكال في مرحلة التطبيق، و أنّ المقام- مثلا- هل هو من جملة الموارد الّتي لا بدّ فيها من الرجوع إلى العام، أو من جملة الموارد الّتي لا بدّ من الرجوع فيها إلى استصحاب حكم المخصّص.

(647) الكلام إنّما هو فى صحّة المعاملة و عدمها، بعد فرض كون الشرط في حدّ نفسه صحيحا، أي كونه غير مخالف للكتاب و السّنة، و حينئذ فاشتراط وجوب الزكاة على المشتري، بمعنى أن تكون الزكاة ثابتة في حقّه لا في حق البائع، يكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 115

..........

______________________________

شرطا على خلاف الكتاب، إذ الزكاة إنّما تعلّق بمال البائع، كما هو المفروض، فاشتراط أن تكون متعلّقة بالمشتري يخالف الكتاب لا محالة، فيكون باطلا.

ثمّ إنّ تفصيل القول فى المسألة، إنّه قد يبنى في باب الزكاة على أنّها نوع من الحقّ- نظير حقّ الجناية- متعلّق بالعين، و أنّه غير مانع من نقل العين و انتقالها، غايته أن السّاعي يتبع العين، فإذا أخذها من المشتري رجع بها الى البائع، أخذا بالرواية الصحيحة الدالة عليه، كما هو المختار، على ما مرّ الكلام فيه مفصّلا «1».

فعلى هذا المسلك لا ينبغى الإشكال في صحّة المعاملة، إذ المفروض أنّ تعلّق الحقّ بالعين لا يكون بمانع عن النقل و الانتقال. غاية الأمر، أنّ اشتراط ثبوت الزكاة على المشتري إذا كان بمعنى

وجوب الزكاة على المشتري، فهو شرط باطل مخالف للكتاب كما مرّ، و حيث أنّ مفروض الكلام هو صحّة المعاملة، مع فرض صحّة الشرط فلا محالة يكون مرجع الاشتراط المذكور إلى إسقاط حقّ رجوع المشتري على البائع على تقدير أخذ الزكاة منه، إذ لو لا ذلك الاشتراط لكان له الرجوع عليه بالعين على تقدير أخذها منه، فيكون أثر الشرط المذكور هو سقوط هذا الحق، و هذا ظاهر.

و قد يبنى فى المسألة على الملك بنحو الإشاعة أو الكلّي فى المعيّن، و مقتضى القاعدة الأوليّة على المسلكين و إن كان هو بطلان المعاملة في المقدار المملوك للفقراء، بمعنى وقوعها فضوليّة بالنسبة إلى هذا المقدار، إلّا أنّ الرواية الصحيحة قد دلّت على صحّة المعاملة على خلاف القاعدة، و أنّ للمشتري الرجوع على البائع إذا أخذ ذلك منه. و هي و إن دلّت أيضا على أنّ الزكاة من قبيل حقّ الجناية، كما تقدّم الكلام فيه، إلّا أنّه لا يمكن الأخذ بها من هذه الجهة، نظرا إلى أنّ

______________________________

(1)-- المرتقى، ج 1: صص 93- 94.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

الترجيح- على المسلكين- لما دلّ على الملك بنحو الإشاعة أو الكليّ فى المعيّن. و كيف كان، يلتزم بالتبعيض في مدلول الرواية، فيؤخذ ببعض مدلولها، و لا يؤخذ بالبعض الآخر، و عليه- أيضا- لا ينبغى الإشكال في صحّة المعاملة حينئذ، و يكون مرجع الاشتراط إلى اسقاط حقّ الرّجوع، كما كان هو الحال على المسلك الأوّل.

و هناك مسلك ثالث، و هو الالتزام بالملك بأحد الوجهين، مع طرح الرواية الصّحيحة كليّة، و يترتّب عليه: الالتزام ببطلان المعاملة فى المقدار المملوك، كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه حيث افتى سابقا بكون

المعاملة فضوليّة بالإضافة إلى ذلك المقدار، بعد بنائه على أنّ الزكاة من قبيل ملك الكلّي فى المعين، كما مرّ تفصيله، و حينئذ فيشكل الأمر في تصحيح المعاملة على هذا المسلك، و المصنّف قدّس سرّه في هذه المسألة قد تصدّى لتصحيحها من ناحية الشرط، و توضيح ذلك موقوف على بيان مقدّمتين:

الأولى: إنّه قد ذكرنا سابقا «1»، أنّ متعلّق الزكاة إنّما يتعيّن بتعيين المالك و إفرازه، فلو عيّن مقدارا من الحنطة أو الشعير- مثلا- زكاة، تعيّن ذلك، و يترتّب عليه: أنّه لو تلف ذلك بلا تفريط و تعدّ، لم يثبت في حقه الضّمان.

الثانية: أنّ له تعيين الزكاة الثابت فى الذّمة أيضا، و إنّه لا يختصّ ذلك بالتعيين فى الأعيان الخارجيّة، و قد استفدنا ذلك كما مرّ الكلام فيه «2»- ممّا دلّ على جواز احتساب الدين زكاة، مع أنّ الدين فى الذّمة.

إذا عرفت ذلك، قلنا: إنّ مرجع اشتراط ثبوت الزكاة على المشتري إلى

______________________________

(1)-- المرتقي، ج 2: صص 163- 168.

(2)-- المرتقي، ج 2: صص 245- 248.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 117

..........

______________________________

اشتراط ثبوت مقدار الزكاة في ذمّة المشتري، بمعنى أن يكون للبائع في ذمّة المشتري هذا المقدار، ثمّ تطبيق الزكاة على ماله في ذمّته، فإن كان المشتري مستحقّا للزكاة سقط ذلك عن البائع لا محالة، و إن لم يكن كذلك وجب على المشتري أن يؤدّي ذلك إلى مستحقّيها حتّى تفرغ ذمّته، كما هو ظاهر. و حينئذ فتصح المعاملة، إذ المفروض هو تبديل الزكاة المتعلّق بالعين بالذمّة بواسطة الاشتراط، فتكون العين خالية عن تعلّق أيّ حق مانع من التصرّف فيها بالنقل و الانتقال، كما لا يخفى.

و ممّا ذكرنا يظهر ما في تعليقة العلّامة السيّد البروجردي

قدّس سرّه حيث أفاد معلّقا على قول المصنّف قدّس سرّه: «... لا يبعد الجواز ...»، «بل يجوز بلا إشكال، إذ الزكاة على العين الّتي تصير إلى المشتري لا على البائع، و فائدته عدم رجوعه عليه بما قابلها إن أخذت منه، و ثبوت الخيار له إن تخلف»، و ذلك فإنّه قدّس سرّه ممّن بنى- في باب الزكاة- على الملك بنحو الكلّي في المعين، و التزم بطرح الرواية كليّة، وفاقا للمصنّف قدّس سرّه، و لذا أفتى سابقا ببطلان المعاملة في ما قابل المقدار المملوك، و على هذا، فكيف يحكم بصحّة المعاملة فى المقام. و الحاصل، إنّه قدّس سرّه كان عليه أن يتصدّى لبيان الوجه في صحّة المعاملة، إذ لم يعلم الوجه فيها على مسلكه، كما لا يخفى.

و منه ظهر أيضا حال جملة أخرى من التعاليق، فإنّها أجنبيّة ممّا هو مساق كلام المصنّف، كما لا يخفى على من لا حظها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 118

[العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز و أجزأ عنه]

العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز و أجزأ عنه (648)، و لا يجوز للمتبرّع الرجوع إليه، و أمّا إن طلب و لم يذكر التبرّع فأداها عنه من ماله، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه، لقاعدة احترام المال (649)، إلّا إذا علم كونه متبرّعا.

______________________________

(648) بناء على تمشّي النيابة في مثل الزكاة المفروض كونها من العبادات- كما هو مختاره قدّس سرّه- لا مجال للإشكال في جواز التبرّع، كما لا مجال للإشكال في طلب الأداء التبرعي. و لعلّ تعرّضه قدّس سرّه لذلك إنّما هو لتبيين عدم الضمان، و أنّه ليس للمتبرّع الرجوع عليه، و هو كذلك، إذ المفروض أنّه قد طلب منه الأداء تبرّعا و مجّانا،

فلا وجه لضمانه. نعم، بناء على ما استشكلناه سابقا، من أنّه لا يستفاد من النصوص جواز النيابة فى المقام، و إنّما المستفاد منها هو جواز التوكيل فى الإيصال، يشكل الأمر في كلّ من التبرّع، و في طلب الأداء من الغير تبرّعا.

(649) قاعدة الاحترام غير سليمة من وجوه الإشكال، كما أوضحناه في محلّه من بحث المكاسب، و لذلك استدلّ المحقّق النائيني قدّس سرّه للضمان في أمثال المقام، بأنّ أمر الشخص بفعل، و تحقّق الفعل من المأمور به، يكون بمنزلة معاملة خاصّة، فكان الأمر بمثابة الإيجاب و الفعل بمنزلة القبول، و لذلك يكون الآمر ضامنا للعوض بضمان معاملي، و هذه المعاملة مما جرت عليه سيرة العقلاء خارجا، و قد أمضاها

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 119

[الحادية عشرة: إذا و كلّ غيره فى أداء زكاته، أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك]

الحادية عشرة: إذا و كلّ غيره فى أداء زكاته، أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك، أو يجب العلم (650) بأنّه أدّاها، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء- إذا كان الوكيل عدلا- بمجرّد الدفع إليه.

______________________________

الشارع أيضا، كما يكشف عنه السيرة المستمرة بين المتشرعة، كما لا يخفى.

(650) مقتضى القاعدة إنّما هو عدم البراءة إلّا بالعلم بالأداء، فإنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة، و أمّا الاكتفاء بمجرّد الدفع إلى الوكيل إذا كان عدلا، فلعلّه من باب أنّ الدفع إليه- عادة- يورث الاطمينان الشخصي بالأداء، فالاعتماد فى البراءة- فى الحقيقة- إنّما هو على الاطمينان بالأداء، لا على مجرّد كون الوكيل عدلا. و أمّا ما عن جملة، من الاكتفاء في ذلك باخبار الوكيل بالاداء إذا كان عدلا، فالظاهر ابتنائه على القول بحجيّة الخبر العدل الواحد فى الموضوعات، و إلّا فليس المقام ممّا يقبل فيه

اخبار الشخص الواحد في حدّ نفسه، كاخبار ذى اليد و نحوه، كما هو ظاهر «1».

______________________________

(1)- و في تعليقة سيدنا الاستاذ المحقق الخوئي رحمه اللّه على المقام ما يلي: «الظاهر البراءة مع التسليم إلى الوكيل الموثوق به، لأنّه على كلا تقديرى الأداء و التلف لا ضمان عليه» أمّا على تقدير الأداء فعدم الضمان ظاهر، و أمّا على تقدير التلف فلعلّه لأجل ما ورد فيمن بعث بزكاته لتقسم فضاعت، الدالّ على عدم الضمان إذا لم يكن قد أخّرها مع وجود المصرف، كما مرّ الكلام فيه مفصّلا. أو لعلّه لأجل أنّ الزكاة بعد الإخراج تكون أمانة شرعيّة فى يد المالك،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 120

[الثانية عشرة: إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فاعطى شيئا للفقير، و نوى أنّه إن كان عليه الزكاة]

الثانية عشرة: إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فاعطى شيئا للفقير، و نوى أنّه إن كان عليه الزكاة كان زكاة، و إلّا فإن كان عليه مظالم كان منها، و إلّا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له، و إلّا فمظالم له، و إن لم يكن على أبيه شي ء فلجدّه إن كان عليه، و هكذا ...، فالظاهر الصحّة (651).

______________________________

(651) الوجه فى التعرّض المسألة- مع وضوحها- إنّما هو دفع توهّم البطلان في المقام، نظرا إلى الترديد المانع عن وقوع المأتيّ به امتثالا لشي ء من الأوامر المفروض وجودها، و إلّا لزم منه الترجيح بلا مرجّح. و حاصل الدفع: أنّ المنويّات المذكورة ليست بأجمعها في عرض واحد ليضرّ الترديد فيها، بل كلّ واحد منها في طول الاخر، فالمنوي- حينئذ- متعيّن، بمعنى أنّ المكلّف- على تقدير تعلّق الزكاة بماله- فإنّما ينوي وقوع المعطى زكاة لا شيئا اخر، فلا تصل النوبة- على هذا التقدير- إلى المظالم، و على تقدير أن يكون الثابت في

حقّه هو المظالم فالمال إنّما يكون منها و لا تصل النوبة حينئذ إلى زكاة أبيه أو مظالمه، و هكذا ...، و هو واضح. فليست المسألة نظير ما سبق منه قدّس سرّه، من أنّه إذا تردّد ما عليه بين الزكاة و الخمس، و قد حكم فيه بوجوب الاحتياط، لعدم تعين المنويّ هناك.

______________________________

فلا يضمنها بالتلف إذا لم يكن عن تفريط، و المفروض أنّ التسليم إلى الموثوق به ليس بتفريط، و أمّا احتمال الاتلاف فهو مدفوع بوثاقة الوكيل على الفرض. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 121

[الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا]

الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب (652) في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة و زكاة الحاضرة، جاز تقديم الحاضرة بالنيّة، و لو أعطى من غير نيّة التعيين فالظاهر التوزيع.

______________________________

(652) أمّا عدم وجوب الترتيب فلعدم الدليل عليه، بل الدليل على عدمه، و هو إطلاق ما دلّ على إخراج الزكاة، كما لا يخفى.

و أمّا التوزيع فيما لو أعطى من غير تعيين، فتفصيل القول فيه: أنّ الكلام قد يقع على تقدير اشتغال الذمّة بالزكاة، و أخرى على تقدير تعلّقها بالعين، أمّا على الأوّل، فقد يقال: بأنّ الإعطاء من غير تعيين إنّما يوجب سقوط الزكاة بمقدار ما أعطى، و يبقى الباقى بلا تعيين، فلو كانت ذمّته- مثلا- مشغولة بعشرة دنانير، خمسة منها من السنة الفائتة، و خمسة للسنة الحاضرة، فأعطى خمسة دنانير بلا نيّة التعيين سقط عن ذمّته بمقدار خمسة دنانير، من دون تعيين أنّه من زكاة السنة الفائتة أو الحاضرة، لامتناع التعيين من دون معيّن. و قد يقال: بوقوعه زكاة للسنة السابقة فيسقط عنه، و تبقى في ذمته زكاة السنة

اللّاحقة. و نظيره ما لو نذر صوم يومين، فصام أحدهما، فإنّه يسقط عنه صوم اليوم الأوّل، و يبقى عليه صوم اليوم الاخر.

و لا يخفى ما فى هذا التنظير، فإنّ صوم يومين حيث لا يمكن تحقّقهما في عرض واحد، فلا محالة يكون الأمر بأحدهما في طول الاخر، بمعنى أنّ أحد الواجبين يكون في طول الآخر، و عليه فيتمّ فيه ما قيل، من سقوط الأمر الأوّل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

و بقاء الاخر، و كذلك الحال في نذر صلاتين، و هذا يختلف عن المقام ممّا لا يكون أحد الواجبين فيه في طول الآخر، إذ للمنع فيه عما قيل به- هناك- مجال واسع، إذ لا مانع هنا من امتثال كلا التكليفين في عرض الآخر، و الإتيان بكلا الواجبين دفعة واحدة، كما لا يخفى.

و التحقيق أن يقال: إنّه إذا كانت ذمّته مشغولة بعشرة دنانير مثلا، فاعطى دينارا واحدا من غير تعيين، فلا محالة يكون ذلك اداء لجميع ما في ذمّته بالنسبة.

بمعنى أنّه يسقط من كل دينار في ذمّته عشره، فيبقى في ذمّته من كلّ دينار من العشرة تسعة اعشاره بنحو الكسر المشاع، و يسقط العشر منه، إذ لا موجب لتعيين الساقط بهذا الدينار دون الآخر، بعد فرض عدم التعيّن له فى الذّمة، و عدم نيّة المعطي التعيين أيضا، بل في أمثال المقام إنّما يقصد السقوط من الجميع. و عليه فالقاعدة تقتضى التوزيع، كما فى المتن، إلّا أنّ نتيجته عقلا إنّما هي ثبوت تسعة دنانير في ذمّته و سقوط دينار واحد، فإنّ- عشرة- تسعة أعشار الدينار يساوى تسعة دنانير، كما لا يخفى.

و أمّا على الثاني، كما إذا كان عنده مقدارا من الحنطة زكاة للسنة

السابقة، و مقدارا من الشعير زكاة السنة الحاضرة، فأعطى مقدارا من النقود زكاة، من دون تعيين أن يكون ذلك بدلا عن زكاة السنة السابقة أو الحاضرة، فمقتضى القاعدة فيه- أيضا- هو التوزيع، و ذلك لأنّه مقتضى الارتكاز في أمثال المقام، فإنّه إذا كانت عليه زكاتان، و أراد أداء مقدار منها بالقيمة لا من نفس العين، فلا اشكال في أنّه- بحسب الطبع و الارتكاز- إنّما يقصد أداء ذلك من مجموع الزكاتين، فلا محالة يسقط من زكاة كلّ سنة بنسبة ما أعطاه، فإذا كانت زكاة السنة السابقة طنا من الحنطة مثلا، و كذلك زكاة السنة الحاضرة، فأعطى قيمة طن واحد، و هي

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 123

[الرابعة عشرة: فى المزارعة الفاسدة، الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر]

الرابعة عشرة: فى المزارعة الفاسدة، الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر (653) و فى الصحيحة منها عليهما (654)، إذا بلغ نصيب كلّ منهما، و إن بلغ نصيب أحدهما دون الاخر فعليه فقط، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما، و إن بلغ المجموع النصاب.

______________________________

مائة دينار، بل و لو أعطى نفس العين و هو الطن من الحنطة مثلا، فبناء على التوزيع- كما ذكرناه- يسقط عنه نصف طن من السنة السابقة و نصف من السنة الحاضرة. نعم، إذا فرضنا أنّ زكاة السنة الحاضرة إنّما هو طن من الشعير، فأعطى طنا من الحنطة، فالظاهر كونه بمنزلة التعيين لزكاة السنة السابقة، إذ يشكل حمل ذلك على الإخراج بالقيمة، فإنّ فرض الإخراج من مماثل المال الزكويّ بعنوان القيمة محل تأمّل و إشكال. و اللّه العالم.

(653) فان الزرع كلّه لمالك البذر، و العامل غير مستحق لشي ء منه أصلا، لفرض كون المزارعة فاسدة. نعم، يستحقّ

العامل أجرة المثل.

(654) و الوجه في جميع ذلك ظاهر، لأنّ الزرع- حينئذ- ملك لهما.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 124

[الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعيّ أن يقترض على الزكاة و يصرفه في بعض مصارفها]

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعيّ أن يقترض على الزكاة و يصرفه في بعض مصارفها (655)؛ كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلّا بصرف مال و لم يكن عنده ما يصرف فيه، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته و رفع اضطراره إلّا

______________________________

(655) ذكر المصنف قدّس سرّه لتصوير الاقتراض على الزكاة وجهين:

الأوّل: أن يجعل ذمّة الزكاة مشغولة، بمعنى أن يأخذ القرض بعوض في ذمّة الزكاة، كما قد يؤخذ المال بما في ذمّة شخص، و لا ينافي ذلك عدم تصوّر الذمّة لمثل الزكاة، فإنّ الذمّة من الأمور الاعتباريّة العقلائيّة، و العقلاء يصحّحون مثل هذا الاعتبار. و الحاصل، أنّ الحاكم إنّما يقترض للزكاة، بأن يجعل العوض في ذمّة الزكاة، فإذا صار وقت الزكاة كان تفريغ الذمّة بدفع العوض، و إلّا بقيت ذمّة العين الزكويّة مشغولة بالقرض.

و يتوجّه عليه، أنّه- بعد التسليم بمعقوليّة الفرض في حدّ نفسه- يستلزم كون المال ملكا للزكاة، و حينئذ فلا يجب صرفه في خصوص المصارف المقرّرة للزكاة، بل يجب صرفه فيما يحتاج إليه الزكاة، و ذلك لأنّ ما يجب صرفه فيها إنّما هو الزكاة، لا ما يكون ملكا للزكاة، إذ لا دليل على وجوب الصرف فيها على الثاني، كما لا يخفى. على أنّ معقوليّة الفرض المذكور- كما أشرنا إليه- غير ثابتة، فإنّ الزكاة- كسائر الأعيان الخارجيّة، كالجدار و نحوه- ممّا لا يعقل فيه اعتبار الذمّة له، و لم نجد- و لو في مورد واحد- لذلك في اعتبار العقلاء نظيرا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 125

بذلك، أو ابن السبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد، أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره فحينئذ يستدين على الزكاة و يصرف، و بعد حصولها يؤدّي الدين منها. و إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنيّا لا يسترجع منه، إذ المفروض أنّه أعطاه بعنوان الزكاة، و ليس هذا من باب إقراض الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير، بخلاف المقام، فإنّ الدين على الزكاة، و لا يضرّ عدم

______________________________

الثاني: أن يستدين الحاكم على نفسه، من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقّين، بقصد الأداء من مالهم، كما يستدين متولّي الوقف بماله من الولاية على الوقف و على الموقوف عليهم، فيؤدّي بعد ذلك من نماء الموقوفة.

و يتوجّه عليه: أنّ غاية ما يقتضيه هذا الوجه إنّما هو صيرورة الحاكم مديونا، فيكون الدين دينا شخصيا، و لا وجه حينئذ لصيرورة المال الّذي استدانه زكاة، ليصرف فى المصارف المقرّرة لها، كما لا يخفى.

و التحقيق أن يقال: إنّ الاقتراض على الزكاة، بالوجه المعقول الّذي يرجع إلى أمر محصّل، إنّما هو: بأن يقترض الحاكم للجهة، بمعنى أنّ الزكاة ممّا قرّر صرفها فى الشريعة المقدّسة لجهات معيّنة، فيستدين الحاكم- لولايته على المستحقين- لتلك الجهة، فتكون الجهة هي المالكة للمال المذكور، و لذلك يجب صرفه فى الجهات الّتي يجب صرف الزكاة فيها. و لعلّ بعض كلمات المصنّف قدّس سرّه، كقوله: «مع أنّه فى الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة ...»، بعد حمل ذلك

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 126

كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل؛ لأنّ هذه الأمور اعتباريّة، و العقلاء يصحّحون هذا الاعتبار، و نظيره: استدانة

متولّي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه، مع أنّه- فى الحقيقة- راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة، من الفقراء و الغارمين، و أبناء السبيل، من حيث هم من مصارفها، لا من حيث هم هم، و ذلك مثل ملكيّتهم للزكاة، فإنّها ملك لنوع المستحقّين، فالدين- أيضا- على نوعهم، من حيث أنّهم من مصارفه، لا من حيث أنفسهم.

و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقّين، بقصد الأداء من مالهم، و لكن فى الحقيقة هذا يرجع- أيضا- إلى الوجه الأوّل.

______________________________

على الاستدانة للجهة، لا للفقراء و الغارمين و نحو ذلك، ممّا يناسب ما ذكرناه من الوجه. و كيف كان، فالوجه المعقول الحقيق بالتصديق و القبول، إنّما هو ما تقدّم، لا ما أفاده قدّس سرّه من الوجهين.

إلّا أنّه لا يزيد على كونه أمرا معقولا بحسب مقام الثبوت، و حينئذ فيبقى الإشكال بالإضافة إلى مقام الإثبات، فإنّه بعد التسليم بمعقوليّة المعاملة المذكورة على الوجه المتقدّم، لا دليل على صحّتها في مقام الإثبات، و أدلّة ولاية الحاكم لا تتكفّل باثبات صحّة معاملات الولي و مشروعيّتها، بل صحّة المعاملة في حدّ نفسها متوقّفة على دليل آخر.

و على الإجمال، أدلّة الولاية لا تثبت إلّا أن ما يصحّ القيام به و يكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 127

و هل يجوز (656) لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أو ان وجوبها، أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا فى الحاكم؟

وجهان: و يجري جميع ما ذكرنا فى الخمس و المظالم و نحوهما.

______________________________

مشروعا من التصرّفات فى المال المذكور راجع إلى الحاكم مثلا، و لا دلالة لها على صحّة المعاملة الخاصّة بوجه من الوجوه. كما هو الحال

فيما دلّ على سلطنة المالك على التصرّف في ماله، فإنّه لا يثبت به مشروعيّة معاملاته و صحّتها على الإطلاق، ما دام لم يقم هناك دليل بالخصوص على الصحّة. و الحاصل، أنّا و إن فرغنا بذلك عن الإشكال في مقام الثبوت، إلّا أنّ الإشكال في مقام الإثبات ممّا لا سبيل لنا إلى التخلّص عنه ظاهرا، كما لا يخفى.

نعم لو اضطرّ إلى ذلك، كان للحاكم أن يستدين لنفسه أو لغيره، ثمّ أداء الدين المذكور من الزكاة من سهم الغارمين.

(656) لا إشكال في جواز إقراض الفقير قبل حلول وقت الزكاة، ثمّ احتسابه عليه من الزكاة بعد حلول وقتها، و قد تقدّم ذلك، أمّا إقراضه بعنوان الزكاة، بأن يكون ما يأخذه بعنوان القرض زكاة، فهذا ممّا لا وجه له اصلا، بعد عدم حلول وقت الزكاة، و عدم كون أمر التطبيق- بهذا المعنى- بيد المالك و أمّا الاستدانة للزكاة على النحو المتقدّم فى الحاكم، فالأقوى هو عدم الجواز، حيث لا ولاية للمالك على الزكاة، و لا على المستحقّين، بخلاف الحاكم الشرعي، فالأمر في المالك- ثبوتا- محلّ إشكال و منع، فضلا عن مقام الإثبات.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 128

[السادسة عشرة: لا يجوز للفقير، و لا للحاكم الشرعي، أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه]

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير، و لا للحاكم الشرعي (657)، أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه، المسمى بالفارسيّة ب «دست گردان»، أو المصالحة معه بشي ء يسير، أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته، أو نحو ذلك، فإنّ كل هذه حيل في تفويت حق الفقراء.

______________________________

(657) فى المسألة صور:

الأولى: أن يأخذ الحاكم الشرعي ممّن عليه الزكاة عشرة دنانير- مثلا- دينارا واحدا بعنوان الزكاة، ثمّ يقرضه للمالك، فيدفعه ثانيا إلى الحاكم بعنوان الزكاة، ثمّ يتملّكه منه ثانيا بعنوان القرض

و يدفعه إليه بعنوان الزكاة، و هكذا ...،

إلى أن يأتي على تمام العشرة، و بالنتيجة يكون المالك مديونا للحاكم الشرعي بتسعة دنانير، على تقدير عدم اقتراضه الدينار منه بعد ذلك، أو عشرة دنانير، على تقدير الاقتراض. و حينئذ تفرغ ذمّة المالك عن الزكاة و يبقى مديونا للحاكم بتسعة أو عشرة دنانير. و هذه الصورة ممّا لا مجال للإشكال فيها، و عليها سيرة المراجع و الأعلام قدس اللّه تعالى أسرار الماضين، و أدام ظلال الباقين منهم فى الزكوات و الأخماس و المظالم. و كذلك الحال- في عدم الإشكال- بالنسبة إلى الفقير، فله أن يأخذ الزكاة من المالك و يردّها عليه على الوجه المذكور و حينئذ يحكم بفراغ ذمّته عن الزكاة، كما فى الحاكم.

و الثّانية: الصورة بنفسها، لكن مع كون الرد بعنوان الهبة، فيأخذ الحاكم- أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 129

..........

______________________________

الفقير- من المالك دينارا فى المثال المذكور بعنوان الزكاة، ثمّ يملّكه مجّانا، ثمّ يأخذ منه ثانيا بعنوان الزكاة، ثم يملّكه مجّانا، و هكذا ...، إلى تمام العشرة. و هذه الصورة لا تخلو عن إشكال، إلّا أنّ الإشكال فيها يختلف باختلاف المباني، فإن بنينا على أنّ المستفاد من الأدلّة- بمقتضى ما فهمناه من الحكمة في تشريع الزكاة، و أنّها إنّما شرّعت لسدّ حاجة المحتاجين و دفع عوزهم- أنّ الفقير لا يملك منها إلّا ما يقع في سبيل رفع حاجته، بمعنى أنّ ما يصرفه منها في رفع الحاجة يكون مملوكا له، و أمّا الزائد عليه فغير مملوك له بشخصه، و لأجل ذلك لو قتّر الفقير على نفسه و تحمّل المشقة الشديدة و العناء المبرم، و أبقى الزكاة على حالها و لم يتصرّف فيها،

وجب عليه دفعها إلى المالك أو الحاكم ليصرفها في مصارفها المقرّرة لها، فعلى هذا، الإشكال إنّما يكون من جهة عدم كون الفقير مالكا لما يردّه إلى المالك، و مع عدم كونه مملوكا له كيف تصح منه هبته؟! و إذا لم تصحّ الهبة كذلك من الفقير فكيف تصحّ من الحاكم! مع أنّه وليّ الفقراء بالنسبة إلى التصرّفات المشروعة في أنفسها، و دليل الولاية بنفسه لا يدلّ على مشروعيّة جميع تصرّفات الوليّ، و إنّما تقتضى الولاية فيما ثبت مشروعيّته من التصرّفات، كما مرّت الإشارة إليه آنفا.

و إن قلنا بتملّك الفقير لما يدفع إليه من الزكاة مطلقا، حتّى ما لم يصرفه منها في حاجته، فالإشكال حينئذ إنّما هو من جهة كونه تفويتا لحقّ الفقراء، حيث إنّه يهب المالك الزكاة فيوجب حرمان سائر الفقراء منها. و لا فرق في ذلك حينئذ بين الحاكم و بين الفقير، لما عرفت من استلزامه تفويت حقّ سائر الفقراء.

الثالثة: أن يصالح المالك الزكاة بشي ء يسير، و هذا ممّا يتصوّر بوجهين:

الف) أن يقول له: «صالحتك ما عليك من الزكاة بهذا المقدار من المال». و الإشكال فيه إنّما هو من جهة عدم كون الفقير مالكا للزكاة ليصالح المالك ايّاها،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 130

نعم، لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير، و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها، و أراد أن يتوب إلى اللّه تعالى، لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة (658).

______________________________

فإنّها ملك للجهة، و منها مئونة الفقراء، لا أنّها ملك لخصوص أشخاص الفقراء، بل ملكيّتها للشخص موقوفة على القبض من المالك أو وكيله او الحاكم الشرعيّ.

ب) أن تكون المصالحة بعد تمليك المالك إيّاه ما عليه

من الزكاة أو الإشكال فيه إنّما يكون من ناحية تفويت حقّ الفقراء الآخرين، حيث أنّه يوجب حرمانهم من الزكاة، و لا فرق فى الوجهين بين الحاكم و الفقير، كما لا يخفى.

الرابعة: قبول شي ء منه بأزيد من قيمته، و هذا- أيضا- يكون بوجهين:

الف) أن يشتري مالا من المالك بما عليه من الزكاة، مع فرض كون الزكاة أكثر من قيمة المال المذكور. و الإشكال فيه إنّما يكون من جهة عدم كونه مالكا للزكاة إلّا بالقبض، فقبله كيف يصح له أن يشترى بها منه شيئا و لو كان ذلك بقيمته العادلة، فضلا عمّا إذا كان ذلك بأكثر من قيمته.

ب) أن يشتري من المالك مالا بأكثر من قيمته فى الذمّة، فتكون ذمّته مشغولة للمالك بهذا المقدار، ثمّ إنّ المالك يحتسب ما في ذمّة الفقير من الزيادة على القيمة زكاة، فيطبّق زكاته على ماله في ذمّة المشتري المفروض فقره. و الإشكال فيه إنّما هو من جهة استلزامه تفويت حقّ الفقراء الآخرين، كما لا يخفى.

(658) و لا بدّ- حينئذ- أن يكون التفريغ بأحد الوجوه الّتي كان الإشكال فيها من ناحية تفويت حقّ الفقراء، حيث إنّه مندفع في هذا الفرض، إذ لا مال له

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 131

و مع ذلك- إذا كان مرجوا لتمكن بعد ذلك- الأولى أن يشترط (659) عليه أداؤها بتمامها عنده.

[السابعة عشرة: اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- معلوم]

السابعة عشرة: اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- معلوم، و أمّا فيما لا يعتبر فيه- كالغلّات- ففيه خلاف و إشكال (660).

______________________________

ليكون هناك تفويتا، غايته أنّه يدور أمره بين أن يبقى مشغول الذمّة إلى أن يموت فيعذّب فى الآخرة، أو أنّ يتخلّص من ذلك بأحد الأنحاء المتقدّمة،

و إلّا فالمال غير مرجو الحصول. و لا علم بعدم رضى الشارع الأقدس بمثل ذلك، فيجوز على القاعدة.

(659) بعد الحكم بتفريغ الذمّة لا مجال لاشتراط الأداء تماما عند التمكّن، فلعلّ المراد به استحباب أداء ما يكون بمقدار الزكاة أو المظالم، لكن لا بقصد الزكاتيّة أو المظالم. و اللّه العالم.

(660) لعلّ وجه الإشكال: إنّما هو اختصاص أكثر النصوص- بل جميعها- الدالّة على اعتبار التمكّن من التصرّف، بما يعتبر فيه الحول، كما مرّت الإشارة إليها سابقا في محلّه، و إطلاق معاقد الإجماعات المدّعاة على ذلك بالنسبة إلى غير ما يعتبر فيه الحول.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 132

[الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان، و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه]

الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان، و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب (661) فيه الزكاة إلّا بعد العثور، و مضي الحول من حينه. و أمّا إذا كان في صندوقه مثلا، لكنّه غافل عنه بالمرّة، فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته، و إلّا فلو التفت إليه أمكنه التصرّف فيه، فيجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول (662)، و يجب التكرار إذا حال عليه

______________________________

هذا و الظاهر هو الاعتبار، لصحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك، حتّى يقع في يديك «1»»، فإنّه بإطلاقه شامل لما لا يعتبر فيه الحول. و عليه فيعتبر في غير ذى الحول التمكّن من التصرّف عند وقت الوجوب، كما استظهره، أو قوّاه، أو نفي البعد عنه جملة من محشي المتن، فلاحظ.

(661) كما مرّ بيانه عند البحث عن شرائط الوجوب «2».

(662) فإنّ مانعيّة عدم التمكّن من التصرّف ممّا لم تثبت بدليل

لفظي، بحيث يدلّ دليل على مانعيّة هذا العنوان: «عدم التمكّن من التصرّف» بماله من المفهوم عرفا،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 6.

(2)- ج 1: صص 149- 158.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 133

أحوال، فليس هذا من عدم التمكّن الّذي هو قادح في وجوب الزكاة.

[التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف]

التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف، أو كان مشروطا عليه في ضمن عقد لازم، ففي منعه من وجوب الزكاة، و كونه من عدم التمكّن من التصرّف الّذي هو موضوع الحكم

______________________________

ليؤخذ بإطلاقه، فكلّ مورد كان المفهوم المذكور صادقا فيه كان وجوب الزكاة مرتفعا عنه، و إنّما استفيد من ذلك من النصوص المتفرّقة الواردة فى المال المسروق، و الغائب و نحوهما، الدالّة على عدم الزكاة إلّا بعد الوقوع تحت اليد و حلول الحول عليه، بعد العلم بأنّ خصوصيّة السرقة أو الغيبوبة لا دخل لها في ارتفاع الزكاة، و إنّما مانعيّتها عن وجوب الزكاة باعتبار عدم التمكّن من التصرّف فيها، فالعنوان المذكور عنوان انتزاعي، و عليه فلا بدّ في فرض العموم له و عدمه من ملاحظة منشأ انتزاعه، و بعد الملاحظة نرى أنّ النصوص المذكورة إنّما وردت فى الموارد الّتي كان عدم التمكّن فيها لا من جهة قصور في نفس الشخص من غفلة أو جهل مركّب، بل من جهة القصور في ناحية المال، لكونه في يد الغاصب، أو في مكان لا يعرف، و نحو ذلك. و عليه فلا وجه لارتفاع الزكاة فيما إذا كان عدم التمكّن من جهة قصور في نفس الشخص، كما

فى المقام، فتدبّر جيدا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 134

إشكال (663)؛ لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضرا عنده، أو كان حاضرا و كان بحكم الغائب عرفا.

[العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه]

العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه، و يجعل التولية بيده (664)، أو يد أولاده.

______________________________

(663) النصوص الواردة- كما أشرنا إليه آنفا أيضا- و إن لم يؤخذ في شي ء منها عنوان «عدم التمكّن» و إنّما هي واردة في موضوعات مختلفة، مثل المال المسروق، و المغصوب و نحوهما، إلّا أنّا قد علمنا أنّ مانعيّة الأمور المذكورة إنّما هي من جهة عدم التمكّن من التصرّف، الناشئ من قصور في ناحية المال، كما أشرنا إليه فى المسألة السابقة. و من الظاهر أنّه لا يفرّق الحال في عدم التمكّن الناشئ كذلك، بين كونه عقليّا أو ثابتا فى الشرع، ففي مثل النذر و الشرط يكون المكلّف غير قادر على التصرّف شرعا، و هذا المقدار من عدم القدرة ممّا يجعل المال المذكور بمنزلة الغائب عرفا. و قد مرّ الكلام فيه مفصّلا عند البحث عن شرائط الوجوب «1»، و لم يظهر لنا الوجه في تعرّضه قدّس سرّه للمسألة ثانيا. و اللّه العالم.

(664) الوجه فى التعرّض للفرع المذكور مع وضوح حكمه ظاهرا، إنّما هو توهم كون التولية نحو انتفاع من المال الزكوي، عائد إلى الشخص أو إلى أولاده، مع

______________________________

(1)-- ج 1: ص 199.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 135

و لو أوقفه على أولاده و غيرهم ممّن تجب نفقته عليه، فلا بأس به (665) أيضا. نعم، لو اشترى خانا أو بستانا، و وقفه على من تجب نفقته

عليه لصرف نمائه في نفقتهم، فيه اشكال (666).

______________________________

عدم جواز صرف الزكاة على نفسه أو على اولاده ممّن تجب نفقتهم عليه. و لكن التوهم باطل جدّا، إذ ليست التولية من ذلك أصلا، كما يشهد به مراجعة العقلاء و العرف.

(665) لأنّ ذلك ليس صرفا للزكاة في نفقة واجب النفقة، فإنّ الوقف مصداق ل «سبيل اللّه» الذي هو من جملة مصارف الزكاة، فالوقف حينئذ يكون مصداقا لصرف الزكاة في سهم سبيل اللّه، كما هو ظاهر.

(666) ربما يشكل ذلك، بأنّه كما لا يجوز صرف الزكاة فى نفقة واجبي النفقة، كذلك لا يجوز صرف نماءها في نفقتهم أيضا. و قد يقال بالجواز، لأنّ الزكاة- حينئذ- ممّا لم تصرف في نفقتهم، و الممنوع منه إنّما هو صرف الزكاة، لا صرف نماءها.

و الظاهر هو عدم خلوّ المسألة من وجه الإشكال، فإنّه إذا حرم صرف الزكاة في نفقتهم، حرم- لا محالة- صرف نماءها كذلك أيضا.

و التحقيق: أنّ المنع من اعطاء الزّكاة لواجبي النفقة مع فقرهم، إنّما ثبت بالنّص الخاصّ، و على خلاف القاعدة، و النصّ إنّما دلّ على عدم جواز إعطاء الزكاة لهم، و أمّا شراء الخان أو البستان و نحوهما منه، و وقفه على واجبي النفقة،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 136

[الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة]

الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة، لا يجوز (667) للفقير المقاصّة من ماله إلّا بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد.

[الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحجّ أو نحوهما من القرب]

الثانية و العشرون: لا يجوز (668) إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحجّ أو نحوهما من القرب، و يجوز من سهم سبيل اللّه.

______________________________

بحيث يصرفون نماء ذلك في نفقتهم، فليس ذلك من مصاديق اعطاء الزكاة لهم، كما لا يخفى.

(667) إنّه لا دخل للفقير فيه أصلا، فإنّ جواز المقاصّة إنّما يتوقّف على كون الفقير بشخصه مالكا للمال الزكويّ، و هو موقوف على تعيين المالك تمليكه بالدفع إليه و إلّا فكلّي الفقير هو مصرف الزكاة. نعم، بما أنّ الحاكم وليّ الفقير، و وليّ الممتنع فله أن يقاصّ، أو يأذن الفقير بالمقاصّة، كما هو ظاهر.

(668) بما أنّ إعطاء الفقير من سهم الفقراء لا بدّ و أن يكون بعنوان التمليك، بخلاف صرف سهم سبيل اللّه في مورده فهو إنّما يكون من باب الصرف، و عليه فلو أعطى الفقير من سهم الفقراء بعنوان التمليك، و لو مع علمه بأنّه يحجّ بذلك أو يزور، لا بأس به، و أمّا لو أعطاه من السهم المذكور لكن بعنوان الصرف فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 137

[الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة]

الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة (669)، حتى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه، إذا لم يمكن دفع شره إلّا بهذا.

______________________________

الحج و الزيارة، لا بعنوان التمليك، فلا يصح، لما عرفت. و لعل نظره قدّس سرّه إلى ذلك، فلا يرد عليه ما علّق على كلامه في بعض الحواشي.

(669) قد مرّ «1» أنّ سهم سبيل اللّه لا يختصّ بالجهاد، كما هو مذهب العامة، و نسب إلى بعض أصحابنا أيضا، بل هو ممّا يعمّ سبل الخير كلّها، لكن مع فرض كونه من الامور المشتملة على المصالح الدينيّة

العامّة، لا مثل صلاة الليل، و صلاة جعفر، و نحوهما من المستحبّات غير المشتملة على المصالح العامّة.

و لا ينافي هذا جواز صرفه فى الحج، كما نطق به خبر عليّ بن ابراهيم المتقدّم «2»، و ذلك لأنّ الحج أيضا مشتمل على المصالح العامّة، كما قال عزّ اسمه في كتابه: وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالًا وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِي أَيّٰامٍ مَعْلُومٰاتٍ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ- الآية «3» و من أوضح أفراده: تخليص المؤمنين من شرّ الظالمين، فإنّه من فعل الخير، و مشتمل على أعظم مصلحة عامة دينيّة، فيجوز إعطاء الزكاة من سهم

______________________________

(1)-- ج 2: صص 301- 305.

(2)-- ج 2: ص: 302.

(3)- الحجّ، 22: 27- 28.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 138

[الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص- بعنوان نذر النتيجة- و بلغ ذلك النّصاب]

الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص- بعنوان نذر النتيجة- و بلغ ذلك النّصاب، وجبت الزكاة على ذلك الشخص (670) أيضا، لأنّه مالك له حين تعلّق الوجوب. و أمّا لو كان بعنوان نذر الفعل،

______________________________

سبيل اللّه و صرفه في هذا المقام، و إن لم يكن ذلك- أي دفع شر الظالم- متوقّفا على الصرف المذكور، و ذلك لأنّه مع عدم انحصار طريق التخلّص بالاعطاء من الزكاة لا يكون المورد خارجا عن عنوان «سبيل اللّه»، فإذا لم يخرج بذلك عنه، جاز الصرف- حينئذ- من سهم سبيل اللّه و إن لم يكن منحصرا، كما علّق عليه السيّد الشيرازيّ قدّس سرّه بقوله: «التقييد بالانحصار لا وجه له».

(670) بناء على صحّة نذر النتيجة ما أفاده قدّس سرّه ظاهر، فإنّ الثمرة-

حينئذ- من حين وجودها تكون في ملك الشخص، فيتعلّق بها الزكاة مع اجتماع الشرائط، إلّا أنّ الظاهر هو عدم خلو نذر النتيجة عن الإشكال، و إن صحّحنا شرط النتيجة، كما قرّر في محلّه، و ذلك لأنّ المعتبر في متعلّق النذر إنّما هو المقدوريّة، نظرا إلى أنّ مشروعيّة النذر إنّما استفيد ممّا دلّ على وجوب الوفاء بالنذر، فلا بدّ و أن يكون المنذور امرا مقدورا يمكن في حقّه الوفاء به و عدمه، و نذر النتيجة ليس كذلك، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 139

فلا تجب على ذلك الشخص (671) و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال (672).

[الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصا يقبض له الزكاة]

الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل (673) شخصا يقبض له الزكاة، من أيّ شخص، و في أيّ مكان كان، و يجوز للمالك إقباضه ايّاه مع علمه بالحال، و تبرأ ذمّته، و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير، و لا مانع من أن يجعل الفقير

______________________________

(671) لعدم صيرورته ملكا له بمجرّد النذر، و إنّما هو متوقّف على التمليك من المالك، و المفروض أنّه حال تعلّق الوجوب لم يكن ملكا لذلك الشخص لتجب الزكاة عليه، و إنّما ملّكها المالك إيّاه بعد زمان التعلّق، و هو زمان صدق الاسم.

(672) بما أنّ تعلّق النذر به يستوجب المنع عن التصرّف في المنذور، لوجوب حفظه، فلا محالة يرتفع الزكاة عن المالك بالنسبة إليه، من جهة عدم القدرة على التصرّف فيه شرعا.

(673) فإنّ التوكيل في إعطاء الزكاة و إن كان مجالا للتشكيك فيه، نظرا إلى كون الزكاة من الأمور العباديّة، و تمشّي النيابة فيها ممّا يحتاج إلى الدليل، إلّا أنّ أخذ الزكاة ليس من

جملة العبادات، فلا مانع من النيابة فيه، لا عقلا، و لا عرفا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 140

للوكيل جعلا على ذلك (674).

[السادسة و العشرون: لا تجري الفضوليّة في دفع الزكاة]

السادسة و العشرون: لا تجري الفضوليّة في دفع الزكاة (675)، فلو أعطى فضوليّ زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ. نعم، لو كان المال باقيا في يد الفقير، أو تالفا مع ضمانه بأن يكون عالما بالحال، يجوز له الاحتساب إذا كان باقيا على فقره.

______________________________

(674) لعموم ما دلّ على صحّة الجعالة.

(675) مورد الفضوليّة إنّما هو التصرّفات المعامليّة الإنشائيّة الملحوظ لها البقاء عرفا، الغير النافذة إلّا من المالك، أو باذنه، أو باجازته، ففي مثل ذلك إذا وقعت المعاملة مجرّدة عن ذلك كلّه، بأن لم تصدر من المالك، و لا بإذنه أو أجازته، يقال ببطلان المعاملة، بمعنى عدم ترتّب الأثر عليها بالفعل إلّا بعد إجازة المالك، و أمّا في مثل المقام، فلا شكّ في أن تعيّن الزكاة بالعزل و التعيين من المالك ليس من الأمور الإنشائيّة المفروض لها نحوا من البقاء، بحيث إنّه لو صدر ذلك من غير المالك كان موقوفا في صحّته على إجازة المالك. لا نقول: إنّ تعيّن الزكاة فى المعزول ليس بسبب معاملي، بل نقول: إنّ هذا النوع من المعاملة ليس ممّا يتوقّف على الإنشاء، و إذا لم يكن من الأمور الانشائيّة لم تجر الفضوليّة فيه. نعم، بعد تعيّن الزكاة بعزل المالك، بما أنّ دفع المال إلى الفقير إنّما هو بعنوان التمليك، و هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 141

[السابعة و العشرون: إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: «ادفعه إلى الفقراء»]

السابعة و العشرون: إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: «ادفعه إلى الفقراء»، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيرا، مع علمه بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء، و أمّا إذا احتمل (676) كون غرضه الدفع الى

غيره فلا يجوز.

______________________________

أمر انشائيّ، فإذا كان الدافع للفقير هو غير المالك، و بدون إذنه، كان ذلك معاملة فضوليّة، و توقّفت ملكيّة الفقير له على إجازة المالك، فتدبّر.

(676) و لعدم إحرازه رضاه بتصرّفه في هذا المال، فلا يجوز له ذلك. و الحاصل، أنّه إذا علم- أو احتمل- أنّ المالك لو كان هو المتصدي لدفع الزكاة لكان يدفعه إلى غيره من الفقراء، لم يجز له- حينئذ- أخذه لنفسه، استنادا إلى إذنه بدفع المال إلى الفقراء.

و ما دلّت عليه النصوص من الجواز، كخبر سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرّجل يعطي الزكاة فيقسّمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال:

نعم «1»»، و خبر الحسين بن عثمان، عن أبي إبراهيم عليه السّلام، في رجل أعطى مالا يفرّقه فيمن يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئا أ لنفسه، و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره «2»»، و مصحّح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 142

[الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة، دفعة أو تدريجا، و بقيت عنده سنة]

الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة، دفعة أو تدريجا، و بقيت عنده سنة، وجب عليه إخراج زكاتها (677)، و هكذا في سائر الأنعام و النقدين.

______________________________

سألت أبا الحسن عليه السّلام، عن الرّجل يعطي الرّجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة. قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره «1»»، محمول على ذلك.

و أمّا ما عن بعض الأعلام «2» دام ظلّه، من ابتناء المسألة على الوكالة المطلقة الشاملة لنفسه و عدمها، فلا

يمكن المساعدة عليه، لأنّ الوكالة المطلقة و عدمها إنّما هو في حدود ما تعلّق به غرض الموكّل، فإذا كان غرضه- أي المالك- هو إيصال المال المذكور إلى أيّ فرد صدق عليه عنوان الفقير، حتّى و لو كان هو الوكيل نفسه، كانت الوكالة- حينئذ- مطلقة، و إلّا فلا. فالمدار على إحراز غرض المالك.

(677) المقصود في هذه المسألة إنّما هو بيان أمور:

الأوّل: إنّ المأخوذ زكاة لا يكون بمثابة المال المأخوذ خمسا، في عدم تعلّق الخمس به بعد ذلك، و لو بقي عند الآخذ سنين، كما هو المشهور، و ذلك لاختصاص الدليل بباب الخمس، و ليست الزكاة و الخمس حقيقة واحدة، بل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقين للزكاة، ح 3.

(2)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 376، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 143

[التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركا بين اثنين مثلا]

التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركا بين اثنين مثلا، و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب، فأعطى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر، أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمّ

______________________________

المأخوذ زكاة- مع اجتماع الشرائط فيه- ممّا يتعلّق به الزكاة، و الفارق إنّما هو الدليل على ذلك فى الخمس دون الزكاة.

الثاني: إنّه قد يتوهّم إنّ المأخوذ زكاة لا يكون ملكا للفقير إلّا ما يصرف منه في سبيل حاجاته و رغباته، و أما لو قتّر على نفسه فلم يصرف شيئا من ذلك، أو أنّه أبقى بعضه، لم يدخل الباقي في ملكه، بل كان مملوكا للجهة، فلا مجال لتعلّق الزكاة به. و الوجه فى التوهّم المذكور: هو ما أشرنا إليه سابقا؛ من كونه هو المستفاد من الأدلّة، بملاحظة التعليلات الواردة في

بعضها؛ من أنّ الوجه في تشريع الزكاة إنّما هو سدّ حاجة الفقراء، و دفع عوزهم. و لكن الصحيح خلافه، و أنّ الفقير إنّما يملك ما يدفع إليه و لو لم يصرفه أبدا، و عليه فلو بقي في ملكه إلى أن تحقّقت شرائط الزكاة بأجمعها، وجب عليه الزكاة حينذاك.

الثالث: إنّه قد يتوهّم عدم كون ما يدفع من سهم الفقراء إلى الفقير ملكا له، فلا يتعلّق به الزكاة فيما لو بقي تحت يده و لم يتصرّف فيه، حتّى مع اجتماع سائر الشرائط، لفقد شرط الملكيّة. و لكنّه مدفوع، بأنّ الإعطاء إلى الفقير إنّما هو بعنوان التمليك، و لذلك يكون الفقير مالكا له، و لو لم يتصرّف فيه. و الحاصل، أنّ مقصوده قدّس سرّه فى المسألة إنّما هو بيان الأمور المذكورة، فلا وجه لما عن بعض الأعلام دام ظله «1» من التدليل للمسألة بقوله: «لعموم الأدلّة».

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 376، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 144

اقتسماه، فإن احتمل المزكّي أن شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال، و إن علم أنّه لا يؤدّي ففيه اشكال (678)، من حيث تعلّق الزكاة بالعين، فيكون مقدار منها في حصّته.

______________________________

(678) لا بدّ من التكلّم فى المسألة على جميع المباني الموجودة في مسألة تعلّق الزكاة بالعين، و إليك تفصيله:

الف- بناء على الالتزام بالملك بنحو الإشاعة، مقتضى القاعدة- حينئذ- إنّما هو بطلان القسمة، و ذلك لأنّ المفروض- حينئذ- اشتراك المال بين ثلاثة، فالقسمة برضا اثنين منهم و عدم رضا الثالث- و هم الفقراء- أو برضا وليّهم- و هو المجتهد جامع الشرائط- باطلة قطعا، و عليه فكلّ جزء من مجموع المالين- بعد القسمة- يكون ملكا

للفقراء، بنسبة ملكهم إلى مجموع المال، و نتيجة ذلك:

بطلان القسمة، كما أشرنا إليه.

نعم، يمكن تصحيح ذلك، بأن يقال: إنّه بعد ما ثبت من الأدلّة أنّ للمالك إفراز الزكاة و تعيينها في مال خاص بالعزل، فلا محالة يكون تراضى الشريكين فى القسمة، بعد العلم بأداء احدهما بمقدار نصيبه من الزكاة، إنّما هو تعيين المقدار الباقي من الزكاة في نصيب الآخر، و حينئذ فيكون كلّ جزء مشاع من أمواله مملوكا للفقراء بنسبة زكاة حصّته- اي حصّة الشريك الّذي لم يؤدّ زكاته- إلى نصيبه من المال، فلو فرضنا أنّ المال المشترك كان مائة دينار، و كان عشرة منها زكاة، فأدّى أحدهما زكاة حصّته- و هو خمسة دنانير- من مال آخر، ثمّ اقتسما المال المذكور فصار لكلّ منهما خمسين دينارا، كانت زكاة من لم يؤدّيها إنّما هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

خمسة دنانير، و نسبتها إلى الخمسين دينارا هو العشر، فيكون كلّ جزء من المال المذكور مملوكا للفقراء بنسبة العشر، و عليه فتصحّ القسمة، و تكون الزكاة الباقية في حصّة من لم يؤدّها، لا في كلتا الحصّتين.

ب- على القول بالملك بنحو الكلّي فى المعيّن يكون مقتضى القاعدة هو صحّة القسمة، إذ المفروض على هذا القول إنّما هو جواز التصرّف فى المال الزكويّ إلى أن يبلغ بمقدار الفريضة، فلو أراد الشريكان- فى المثال المتقدّم- التصرّف في مالهما تدريجا جاز لهما ذلك إلى أن يبلغ المال خمسة دنانير، و هو المقدار الباقي من الزّكاة، و إذا كان الأمر كذلك جاز لهما القسمة أيضا، إذ المفروض أنّها لا توجب التصرّف في مقدار الزكاة، و إنّما هو باق بحاله حتّى بعد القسمة. و الحاصل، أنّ تصرف الشريكين

بالإتلاف فى المال المذكور إلى حدّ خمسة دنانير جائز بلا إشكال على هذا القول. نعم، إذا بلغ إلى حدّ خمسة دنانير لم يجز لهما بعده التصرّف في ذلك، فينبغي عليه جواز القسمة من الشريكين أيضا بلا اشكال و لا ريب، كما هو ظاهر. و عليه تكون الخمسة دنانير المملوكة للفقراء بنحو الكلّي فى المعيّن، في نصيب غير المؤدّي منهما للزكاة، لما عرفت.

ج- إذا كانت الزكاة متعلّقة بالعين لا بنحو الملك و لكن بنحو حق الرهانة، بأن كانت من الحقوق المتعلّقة بالعين نظير حقّ الرهانة، فالحكم فيه هو الحكم على الإشاعة، و ذلك لأنّه كما لا يجوز التصرّف فى المال المشترك من حيث الملكية إلّا برضا الجميع، كذلك لا يجوز التصرّف فى المال المفروض كونه متعلّقا لحقّ الغير المنافي لجواز التصرّف فيه بلا اذنه، إلّا برضا صاحب الحق.

د- ما إذا كان الحقّ من قبيل حقّ الجناية، غير المانع من التصرّفات مطلقا، حتّى الناقلة منها كالبيع، على ما مرّ الكلام فيه مفصّلا، فالأمر فى المسألة واضح

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 146

[الثلاثون: قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة]

الثلاثون: قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة (679)، و لا تصحّ منه،

______________________________

جدّا، فإنّ مقتضى القاعدة إنّما هو صحّة القسمة، غايته: أنّ الساعي- أعني به المطالب بالزكاة- يتبع العين، فان استوفى الزكاة من نصيب غير المؤدّي فهو، و إلّا رجع الاخر- المفروض كونه قد أدّى نصيبه من الزكاة- إلى من لم يؤدّ الزكاة بمقدار ما أخذ الساعي منه.

هذا ما تقتضيه القاعدة فى المسألة، و منه يظهر الحال فيما جاء فى المتن، فإنّه على مسلكه قدّس سرّه من الالتزام بالملك بنحو الكلّي فى المعين في باب الزكاة لا وجه لاستشكاله صحّة القسمة

أصلا. كما أنّه على القول بالإشاعة أيضا لا وجه للاستشكال، بناء على ما عرفته آنفا. و يمكن تنزيل العبارة على هذا المبنى، و يكون حينئذ التقييد بمورد احتمال أداء الشريك الآخر- كما فى العبارة- من باب أنّ العزل مطلقا لا يكون موجبا لتعيّن الزكاة، بل العزل بنيّة الأداء، فلو بنينا على استفادة ذلك من الأدلّة، كان التقييد المذكور حينئذ على طبق القاعدة، نظرا إلى أنّه مع احتمال تحقّق الأداء منه خارجا يكون هناك مجال لإجراء أصالة الصحّة في فعله، و هو العزل، فيثبت بها أنّه عزل يترتّب عليه الأثر، و هو التعيّن. و أمّا مع القطع بالعدم فلا مجال لإحراز كون العزل مما يترتّب عليه الأثر، و لا سبيل إلى احرازه بالأصل مع القطع بعدم تحقّق الاداء منه خارجا، كما لا يخفى.

(679) قد مرّ في أوائل البحث: أنّه لا دليل على وجوب الزكاة على الكافر، و على تقدير الوجوب فلا دليل على عدم صحّتها عنه حال الكفر، كما أنّه لا دليل على سقوطها عنه بالإسلام، و لا على جواز اجبار الحاكم ايّاه على الاعطاء له، أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 147

و إن كان لو أسلم سقطت عنه، و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له، أو أخذها من ماله قهرا عليه، و يكون هو المتولّي للنيّة، و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا جاز الأخذ من تركته، و إن كان وارثه مسلما وجب عليه. كما أنّه لو اشترى مسلم تمام (680) النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار

______________________________

أخذها منه قهرا. نعم إنّ سيّدنا الاستاذ دام ظلّه اختار في هذا المقام جواز الإجبار أو الأخذ من ماله قهرا،

بعد التسليم بوجوبها على الكافر و عدم صحّتها منه حال الكفر، من باب أن الحاكم وليّ الممتنع، فان امتناع الزكاة منه إنّما هو باختياره الكفر و عدم الإسلام، و لا شكّ أنّ هذا إنّما يتم فيما لو لم نقل بسقوطها بالإسلام، و إلّا فلا مجال له ظاهرا، لاختصاص القاعدة بما إذا أمكن الممتنع التصدي و هو مفروض العدم فى المقام، فإنّه لو أسلم سقطت عنه، و لو لم يسلم لما صحّت منه، فكيف يصح القول بأنّ امتناع الزكاة منه راجع إلى الاختيار؟! و اللّه العالم.

و ممّا ذكرنا من المنع عن وجوب الزكاة على الكافر يظهر الحال فيما فرّع على هذا المبنى في المتن؛ من جواز الأخذ من تركته لو لم يؤخذ منه حيا، و من وجوبه على وارثه المسلم، و كذا الفرع التالي، فلاحظ.

(680) و قد علّق عليه بعض المحشّين قدّس سرّه بقوله: «أو بعضه»، أي: و لو كان المشترى بعض النصاب، لا تمامه، و هو مبنيّ على مسلكه قدّس سرّه من القول بالملك بنحو الإشاعة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 148

الزكاة فضوليّا، و حكمه حكم ما اذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة، و قد مرّ سابقا.

[الحادية و الثلاثون: اذا بقي من المال- الّذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما، و لم يكن عنده غيره]

الحادية و الثلاثون: اذا بقي من المال- الّذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما، و لم يكن عنده غيره، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة (681).

______________________________

(681) إذ المفروض أنّ المال- لعدم وفائه بكلا الحقّين كاملا- لا يمكن أن يتعلّق به كلا الحقّين معا، و حيث أنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، كما هو المفروض، فلا محالة يكون بعضه متعلّقا للزكاة، و بعضه متعلّق الخمس، و هذا هو التوزيع.

و أمّا ما عن بعض

الأعلام «1» دام ظلّه «من أنّ المورد من صغريات باب التزاحم، نظرا إلى أنّ كلّ جزء من المال موضوع لكلّ من الحقّين، فحيث لا يمكن إعمالهما معا، يكون اعمال أحدهما بعينه ترجيحا بلا مرجّح، و لازمه التخيير في إعمال كلّ منهما، فلا موجب للتوزيع ...»، فيتوجّه عليه: أنّ اندراج المورد تحت كبرى باب التزاحم موقوف على عدم المانع من جعل كلا الحقّين، و أنّ المانع إنّما هو من فعليّتهما معا، لأجل عجز المكلّف عن امتثالها معا، مع أنّ المانع كما ذكره المصنّف قدّس سرّه- كما بيّناه- إنّما هو في أصل جعل الحقّين، و أنّه لا يمكن جعلهما معا، بحيث يكون المال كله موضوعا لكل من الحقّين، بل لا بدّ و إن يجعل بعضا من المال موضوعا لهذا الحقّ، و بعضه موضوعا للحق الآخر.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 378، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 149

بخلاف ما إذا كانا في ذمّته، و لم يكن عنده ما يفي بهما، فإنّه مخيّر (682) بين التوزيع، و تقديم أحدهما. و إذا كان عليه خمس أو زكاة، و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفّارة و النذر و المظالم، و ضاق ماله عن أداء الجميع، فإن كانت العين- الّتي فيها الخمس أو الزكاة- موجودة، وجب تقديمهما على

______________________________

و بكلمة أخرى: حيث إنّه لا يمكن فرض المال الباقي- كلّه- موضوعا لحقّ الزكاة و حقّ الخمس معا، و لا موضوعا لأحدهما معيّنا، فلا محالة يكون بعضه موضوعا الحقّ الزكاة، و بعضه موضوعا للخمس، و بهذا لا تصل النوبة إلى مرحلة التزاحم بين الحقّين، ليكون مقتضى القاعدة فيه هو التخيير، كما لا يخفى.

(682)

ثبوت الزكاة و الخمس فى الذمّة إنّما يكون بأحد وجهين:

أحدهما: أن يقال باشتغال الذمّة من الأوّل، و هو خلاف التحقيق، كما مرّ ذلك في أوائل البحث، و سيجي ء فى الخمس.

و الثانى: أن يكون ذلك بتلف العين المتعلّق للحقّ، و على كلّ تقدير، فبعد اشتغال الذمّة بهما، و مع عدم وفاء ما عنده من المال بهما، مع فرض عدم كون المال المذكور متعلّقا لشي ء منهما يكون المورد- لا محالة- من صغريات باب التزاحم، فحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر، و لا للتوزيع على غيره، فلا محالة يكون مخيّرا بين تقديم أحدهما و بين التوزيع، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 150

البقيّة (683) و إن لم تكن موجودة، فهو مخيّر (684) بين تقديم أيّها شاء، و لا يجب التوزيع، و إن كان أولى. نعم، إذا مات و كان عليه هذه الأمور، و ضاقت التركة، وجب التوزيع بالنسبة (685)، كما في غرماء المفلّس.

______________________________

(683) لتعلّق الخمس أو الزكاة بالعين، و ثبوت الباقي فى الذمّة، و لا يسري الحق منها إلى العين، فلا محالة يتقدّم ما هو متعلّق بالعين.

(684) لثبوت الجميع- حينئذ- فى الذمّة، فيتخيّر حينئذ بين تقديم أيّها شاء، و بين التوزيع، كما عرفت ذلك آنفا.

(685) لتعلّق الجميع حينئذ بعين التركة، حتّى ما كان منها ثابتا فى الذمّة حال الحياة، فإنّه بالموت يتعلّق بالعين، كما ثبت ذلك في محلّه، و حينئذ يجب التوزيع، لما عرفته فى الفرع الأوّل من هذه المسألة. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 151

و إذا كان عليه حج واجب أيضا كان في عرضها (686).

[الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه]

الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل

بكفه (687)، و كذا فى الفطرة، و من منع من ذلك- كالمجلسي رحمه اللّه في «زاد المعاد «1»» في باب زكاة الفطرة- لعلّ نظره إلى جهة حرمة السؤال، و اشتراط العدالة فى الفقير، و إلّا فلا دليل عليه بالخصوص، بل قال المحقّق القمي قدّس سرّه «2»: لم أر من استثناه- فيما رأيته من كلمات العلماء- سوى المجلسي في «زاد المعاد»، قال: «و لعلّه سهو منه، و كأنّه كان يريد الاحتياط منها، و ذكره بعنوان الفتوى».

______________________________

(686) لما ثبت في محلّه- كما سيجي ء البحث عنه في باب الحج إن شاء اللّه- من كون الحج من الواجبات الماليّة، فيتعلق بالعين بالموت، كسائر الحقوق الماليّة.

(687) لا ينبغي الإشكال- ظاهرا- في جواز اعطاء الزكاة للسائل بكفه، بعد كونه مصداقا للمسكين، الّذي هو من جملة مصارف الزكاة، بنصّ الآية الكريمة، بصريح صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: أنّه سأله عن الفقير و المسكين،

______________________________

(1)- المجلسي، محمّد باقر: زاد المعاد، ص 227، ط المكتبة الإسلاميّة، طهران، سنة 1378 ق.

(2)- المحقّق القمي، ميرزا أبو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 37، ط أولى، إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 152

[الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة فى الفقير- عدم جواز اخذه أيضا]

الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة فى الفقير- عدم جواز اخذه أيضا، لكن ذكر المحقّق القمى رحمه اللّه «1» أنّه مختصّ بالإعطاء (688)، بمعنى: أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل، و أمّا الآخذ فليس مكلّفا بعدم الأخذ.

______________________________

فقال: «الفقير، الّذي لا يسأل، و المسكين، الّذي هو أجهد منه، الّذي يسأل «2»»، و قريب منه صحيح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه تعالى:

إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ...، قال:

«الفقير، الّذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم ... «3»».

و لعلّ الوجه فى المنع المحكي عن المجلسي قدّس سرّه هو: احتمال اندراج السائل بكفه في أهل الحرف الخارجين عن المطلقات الواردة في مصرف الزكاة، بعد حمل كلامه قدّس سرّه على من اتّخذ السؤال حرفة له. و لكنّه لا وجه له ظاهرا، و ذلك لأنّ من اتّخذ الأكل من الزكاة طريقا لتعيّشه، بحيث كان شغله أخذ الزكاة، لا يكون هذا داخلا في أهل الحرف و الكسب قطعا، كي يمنعه ذلك من أخذ الزكاة، كذلك حال من اتّخذ السؤال حرفة، فإنّ ذلك لا يخرجه من الفقير و المسكين، اللذين هما من جملة مصارف الزكاة.

(688) ضعف هذا التفصيل ظاهر، فإنّ العدالة إذا كانت من الشرائط الواقعيّة-

______________________________

(1)- المحقّق القمي، ميرزا أبو القاسم: جامع الشتات، ج 1: ص 39، ط أولى، إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 153

[الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة فى الزكاة]

الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة فى الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء أنّها شرط فى الإجزاء (689)، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجز. و لو لا الإجماع امكن الخدشة فيه، و محلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصدا للقربة فى العزل و بعد ذلك نوى الرياء- مثلا- حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير، فإنّ الظاهر إجزاؤه و إن قلنا باعتبار القربة، إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج و العزل.

______________________________

كسائر الشرائط- فكما لا يجوز للمعطي الدفع إلى غير العادل، كذلك لا يجوز لغير العادل أخذ ذلك، و عليه فلو فرضنا أنّه دفعها

إلى غير العادل، فلا محالة يكون قاطعا بعدم كون المدفوع إليه مالكا للمال لعدم كونه مصرفا له، و حينئذ فكيف يصحّ للفقير أخذ ما ليس يملكه. نعم، ذكرنا سابقا عدم اشتراط العدالة فى الفقير، فلاحظ.

(689) الكلام في مقامين:

الأوّل: هل القربة معتبرة فى المأمور به، أو أنّها واجبة بوجوب نفسي مستقل؟ ربّما يحتمل الثاني، و عليه فلو لم يقصدها المالك أجزأ ذلك و صحّ ما دفعه زكاة، و إن كان آثما من حيث تركه قصد القربة، المفروض وجوبه. و لكن الظاهر هو الأوّل، و ذلك لأنّ الظاهر ممّا دلّ على اعتبارها- و هو ارتكاز

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 154

..........

______________________________

المتشرعة و نحو ذلك- إنّما هو اعتبارها فى المامور به، كما هو الحال في غير الزكاة من سائر العبادات، و لا ينافي ذلك الالتزام بتعلّق الزكاة بالعين- سواء أ كان ذلك بنحو الملك أم بنحو الحق- لما أشرنا إليه في محلّه سابقا، من أنّه لا مانع- ثبوتا- في دخل قصد القربة في إفراز متعلّق حقّ الغير أو مملوكه.

و بكلمة أخرى، يكون تشخّص متعلّق الزكاة في عين خاصّ موقوفا على قصد القربة زائدا على العزل و اليقين، و هذا أمر معقول ثبوتا، و مقام الإثبات أيضا ممّا يساعده، كما عرفت.

المقام الثاني: إنّه هل يعتبر قصد القربة فى المأمور به في خصوص حال الدفع إلى المستحقّين، أو خصوص حال العزل، أو حال العزل مستمرّا إلى حال الدفع، أو فيهما مع عدم الاستمرار؟ وجوه و احتمالات، و الظاهر أنّه لا ينبغى الريب في بطلان الأوّل، و ذلك للاتّفاق على صحّة الزكاة و الإجزاء فيما لو لم يكن المالك حال الدفع قاصدا القربة، بأن كان غافلا

محضا، كما إذا كان المستحق في بلد غير بلد المالك، فأوصل- هذا الأخير- الزكاة إليه عن طريق الحوالة، إذ من الطبيعي أنّه قد يكون المالك حال وصول الحوالة بيد المستحقّ غافلا عن ذلك، أو نائما، فلا يتمشّى منه قصد القربة في تلك الحال، و هذا ظاهر جدّا.

و الظاهر أنّه إن تمّ الإجماع المدعى فى «المستند «1»» على الوجه الأخير، و هو اعتبار القربة حال العزل و الدفع فهو، و إلّا فالقاعدة لا تقتضي إلّا اعتبارها حال العزل. و هو حال تعيّن الزكاة، كما عرفت و أمّا اعتبارها على سبيل الاستمرار من حال العزل إلى الدفع فهو غير محتمل أيضا، إذ لا شكّ في أنّ اعتبارها كذلك ينافي تحقّق النوم و الغفلة و غيرهما من المنافيات فى الأثناء،

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 374، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 155

[الخامسة و الثلاثون: إذا و كلّ شخصا في إخراج زكاته و كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء]

الخامسة و الثلاثون: إذا و كلّ شخصا في إخراج زكاته و كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء ففى الإجزاء إشكال (690)، و على عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا.

[السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة]

السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة، فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء كما مرّ،

______________________________

فيستكشف- من عدم بناء المتشرعة على اختلال قصد القربة بتخلل الأمور المذكورة- عدم اعتبارها كذلك، كما لا يخفى.

و عليه فإذا كان المالك قاصدا القربة حين العزل، و بعد ذلك خطر له الرياء حين الدفع إلى الفقير، لم يضرّ ذلك، كما عن المصنّف قدّس سرّه.

(690) بناء على ما تقدّم؛ من عدم ثبوت النيابة في إخراج الزكاة، فالتوكيل حينئذ لا يكون الا بالإضافة إلى الإيصال، و حينئذ فلا يضرّ قصد الوكيل الرياء بصحّة العمل أصلا. نعم، بناء على الثبوت- كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه و جماعة- و فرضنا كون الوكالة فى الإخراج لا للإيصال، فالظاهر هو البطلان بقصد الوكيل الرياء، و وجهه ظاهر. كما أنّه على تقدير قصده ذلك يكون الوكيل ضامنا، فإنّ الأمين إنّما لا يضمن حيث لا يكون منه تعدّ و تفريط، و هذا بخلاف فى المقام، فإنّه يكون- بقصده الرياء- قد أتلف مال الغير، فيكون ضامنا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 156

و إن كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم (691)، و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء، فلا إشكال فى الإجزاء إذا كان المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة، و أمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل (692).

______________________________

(691) بناء على امكان

النيابة في باب الزكاة، و فرض الوكالة فى المقام من باب النيابة عن المالك في أداء الزكاة و اخراجها دون الوكالة في مجرد الإيصال، فالأمر كما أفيد من المتن، و أمّا بناء على أنّ النيابة في باب الزكاة ممّا لا دليل عليها، كما هو المختار. أو كون الوكالة في مجرّد الإيصال، فالإشكال فى الإجزاء فى الفرض المذكور يبتني على اعتبار القربة حال الدفع أيضا، زائدا على اعتبارها حال العزل، إلّا إذا فرضنا كون المالك ناويا للقربة حال دفع الحاكم إلى الفقير فينتفى الإشكال حينئذ، كما هو ظاهر.

(692) يمكن توجيه الإشكال بنحوين:

الأوّل: إنّ العزل الموجب للتعيين إنّما هو خصوص ما يقع طريقا للصرف في مصرفه المشروع، و أمّا ما لا يكون كذلك، كما فى المقام، حيث كان صرف المال المذكور لأجل تحصيل الرئاسة- و نفرضها رئاسة محرّمة، فمثل هذا العزل لا يوجب التعيّن فى المعزول، فلا يجزي ذلك، و هذا بعيد عن العبارة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 157

بل الظاهر ضمانه، حينئذ، (693) و إن كان الآخذ فقيرا.

[السّابعة و الثلاثون: اذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنيّة]

السّابعة و الثلاثون: اذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنيّة (694)، و ظاهر كلماتهم الإجزاء، و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شي ء، و إنّما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه (695).

______________________________

الثّاني: أن يكون اعطاء المال لتحصيل الرئاسة من باب الجعل على قيام المدفوع إليهم بتحقيق موجبات الرئاسة و لوازمها، فلم يدفع المال إلى الفقير مجانا، ليسقط به الأمر بالزكاة، بل من باب الجعالة و الأجرة، و هذا هو الظاهر من العبارة.

(693) لدفعه ذلك إلى الفقير من باب الجعل لا مجّانا، فكان قد اتلف الزكاة، فيضمنها لا محالة.

(694) فإنّ مقتضى

ما دلّ على أنّ الحاكم وليّ الممتنع- كما هو المتسالم عليه فيما بينهم- إنّما هو نيابة الحاكم عن الممتنع فى الإخراج و الأداء، ففي هذا المورد بالخصوص تجوز النيابة من جهة قيام الدليل عليها، و يكون هو المتولّي.

(695) تحقّق الإثم بذلك مبنيّ على أن يكون ما ورد في شأن مانعي الزّكاة شاملا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 158

لكنّه لا يخلو عن إشكال (696)، بناء على اعتبار قصد القربة، إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه.

[الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل]

الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل، لا مانع من إعطائه من الزكاة، إذا كان ذلك العلم مما يستحبّ تحصيله (697)، و إلّا فمشكل.

______________________________

لمثل هذا الشخص، المفروض تحقّق الزكاة منه بأخذ الحاكم، و إلّا كان الإثم على التجرّي، إلّا إذا افترضنا وجوب إخراجها عليه فورا فاخلّ بذلك. و اللّه العالم.

(696) الظاهر إنّه ممّا لا إشكال فيه لما مرّ، و كما أشار إلى نفي الإشكال فيه أيضا جملة من المحشّين.

(697) تقدّم في فصل المستحقّين أنّ الظّاهر هو جواز الإعطاء من سهم الفقراء لمن كان مشتغلا بالعلوم المباحة، مثل الفلسفة، و النجوم، و الرياضيّات و نحو ذلك، فضلا عن الراجحة، كالفقه و الأصول و نحوهما، و الوجه فيه: أنّ مقتضى الأدلّة الأوليّة إنّما هو جواز الإعطاء من سهم الفقراء لكلّ فقير، إلّا أنّه قد خرج عن ذلك بدليل منفصل «المحترف»، و قد فسّر ذلك في ذيل الدليل المذكور، بالقادر على كفّ نفسه من الزكاة، و عليه فإذا كان المناط فى القدرة و عدمها في هذا الباب إنّما هو نظر العرف دون العقل، فلا ينبغي الإشكال في أنّ

المشتغل بالعلم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 159

[التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الرّاجح شرعا قاصدا للقربة]

التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الرّاجح شرعا قاصدا للقربة، لا مانع من إعطائه الزكاة، و أما إذا كان قاصدا للرياء أو للرئاسة المحرّمة، ففي جواز إعطائه إشكال (698) من حيث كونه إعانة على الحرام.

[الأربعون: حكى عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة فى المكان المغصوب]

الأربعون: حكى عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة فى المكان المغصوب، نظرا إلى أنّه من العبادات فلا يجتمع مع

______________________________

المباح أو الراجح- في حال اشتغاله- ممّا يصدق عليه أنّه غير قادر على كفّ نفسه من الزّكاة، فيجوز إعطائه من سهم الفقراء. نعم، شريطة أن لا يعدّ بطّالا، لما سبق من عدم جواز اعطاء الزكاة للكسلان. هذا كلّه في سهم الفقراء، و أمّا الإعطاء من سهم سبيل اللّه، فهو إنّما يختصّ بموارد انطباق عنوان «سبيل اللّه» عليه، و ذلك فيما إذا كان العلم ممّا يستحب تحصيله، و هذا هو الوجه في تخصيص المصنّف قدّس سرّه الجواز بالفرض المذكور، و قد مرّ بيان ذلك فى الفصل المشار إليه، فلاحظ.

(698) قد بيّن في محلّه أنّه بناء على حرمة الإعانة على الإثم، لا تكون الحرمة ثابتة لمطلق الإتيان بما هو من مقدّمات الحرام و لو لم يكن الآتي قاصدا الاعانة، بل في خصوص فرض قصده ذلك، كما يستفاد ممّا ورد في بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا، أو يكون ترتّب الحرام على ذلك ممّا لا بدّ منه، فلاحظ ما ذكرناه بهذا الصدد في بحث المكاسب المحرّمة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 160

الحرام. و لعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا يكون تصرّفا في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ حيث أنّهما فعلان خارجيان، و لكنّه- أيضا-

مشكل (699)، من حيث أنّ الإعطاء الخارجي مقدّمة للواجب، و هو الإيصال، الّذي هو أمر انتزاعي معنوي، فلا يبعد الإجزاء.

[الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول]

الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول، كالأنعام و النقدين، كما مرّ سابقا. و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول- كالغلّات- فلا يعتبر

______________________________

(699) تارة نقول: أنّ الواجب في باب الزكاة هو تمليك الفقير أو غيره، و الفعل الخارجي- و هو الإعطاء و الأخذ- مبرزان للتمليك و التملك، و حينئذ لا يضرّ بالصحّة كون الإعطاء و الأخذ مصداقا للغصب الحرام، باعتبار منافاة الحرمة مع قصد القربة المعتبر فى الزكاة، فإنّ القربة إنّما تعتبر في ما هو الواجب، و ليس هو مصداقا للحرام، و إنّما مبرزه مصداق له، فليس المأمور به مصداقا للمنهي عنه.

و أخرى نقول: إنّ الواجب هو إيصال الزكاة إلى الفقير أو غيره من المصارف و الإعطاء مقدّمة له، فإن لم تنحصر المقدّمة بالحرام لم يكن هناك محذور أصلا، و على تقدير الانحصار يقع التزاحم- لا محالة- بين حرمة المقدّمة و وجوب ذيها، فلا بدّ من مراعاة ما هو الأهم منهما، فيقدّم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 161

التمكّن من التصرّف فيها قبل حال تعلّق الوجوب، بلا إشكال. و كذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكّن بعده، إذا حدث التمكّن بعد ذلك. و إنّما الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب، و الأظهر عدم اعتباره (700)، فلو غصب زرعه غاصب، و بقي مغصوبا إلى وقت التعلّق، ثمّ رجع إليه بعد ذلك، وجبت زكاته.

______________________________

(700) مرّ الكلام في ذلك فى المسألة السّابعة عشرة، و قد تقدّم من المصنّف قدّس سرّه هناك

الإشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف حال تعلّق الوجوب، و هنا استظهر العدم. و لكن الصحيح- كما ذكرناه هناك- هو اعتباره حال تعلّق الوجوب فيما لا يعتبر فيه الحول، عملا بإطلاق صحيح ابن سنان، فراجع و لاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 163

[فصل في زكاة الفطرة]

اشارة

[فصل] في زكاة الفطرة و هي واجبة إجماعا من المسلمين (701).

______________________________

(701) و فى «الجواهر «1»»: نسبة الخلاف فيه إلى من وصفه بالشاذّ من أصحاب مالك «2»، و كيف كان فالدليل عليه- مضافا إلى الإجماع- هو النصوص الكثيرة، كصحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس و أموال، و إنّما كانت الفطرة «3»»، و صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 484، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 645؛ ابن قدامة، عبد الرحمن بن أبي عمرو: الشرح الكبير، ج 2: ص 645، ط- افست- دار الكتاب العربي.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 164

و من فوائدها: أنّها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أديت عنه (702). و منها: أنّها توجب قبول الصّوم، فعن الصادق عليه السّلام أنّه قال لوكيله: «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة أجمعها، و لا تدع منهم أحدا، فإنّك إن تركت منهم أحدا تخوفّت عليه الفوت، قلت: و ما الفوت؟ قال عليه السّلام: الموت» (703)، و عنه عليه السّلام: «إنّ من تمام

______________________________

«تصدّق عن

جميع من تعول ... «1»»، و نحوهما غيرهما «2». و استدلّ له أيضا بقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى «3»، و دلالته على وجوب الفطرة، إنّما هي بضميمة الرواية المفسّرة، الآتي ذكرها قريبا إن شاء اللّه.

(702) كما في خبر معتّب مولى أبي عبد اللّه عليه السّلام، عنه عليه السّلام، قال: «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة، و عن الرقيق، و أجمعهم و لا تدع منهم أحدا؛ فإنّك إن تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت. قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت «4»»، و قريب منه ما رواه السيد ابن طاوس رحمه اللّه فى «الإقبال» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «5».

(703) و هذه هي رواية معتب الّتي ذكرناها آنفا، و ما جاء فى المتن فيه بعض التغيير عن ما جاء في «وسائل الشيعة»، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 3.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 164

(2)-- وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة.

(3)- سورة الأعلى، 87: 14.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 5.

(5)- المصدر، ح 16.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 165

الصوم إعطاء الزكاة، كما أنّ الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، و لا صلاة له إذا ترك الصّلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله إن اللّه تعالى قد بدأ بها

قبل الصلاة، فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى* وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى «1» (704). و المراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة الفطرة، كما يستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية (705).

______________________________

(704) روى الصدوق الحديث عن أبي بصير و زرارة، قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«إنّ من تمام الصوم اعطاء الزكاة ... «2»»، و رواه الشيخ قدّس سرّه أيضا، و لكن عن أبي بصير، عن زرارة، و كذلك المفيد رحمه اللّه فى المقنعة «3».

(705) كما في مرسل الفقيه، عن قول اللّه عزّ و جلّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى ...،

قال عليه السّلام: «من أخرج الفطرة «4»»، و نحوه ما عن تفسير القمّي «5».

______________________________

(1)- سورة الأعلى، 87: 14- 15.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 5.

(3)- المصدر، ملحق الحديث 5.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ملحق الحديث 6.

(5)- تفسير عليّ بن إبراهيم القمي، ج 2: ص 417، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 166

و الفطرة، إمّا بمعنى الخلقة، فزكاة الفطرة، أي زكاة البدن، من حيث أنّها تحفظه عن الموت، أو تطهّره من الأوساخ. و إمّا بمعنى الدين، أي زكاة الإسلام و الدين.

و إمّا بمعنى الإفطار، لكون وجوبها يوم الفطر. و الكلام في شرائط وجوبها، و من تجب عليه، و في من تجب عنه، و في جنسها، و في قدرها، و في وقتها، و في مصرفها، فهنا فصول:

[فصل في شرائط وجوبها]

اشارة

[فصل] في شرائط وجوبها

[و هي أمور]
اشارة

و هي أمور:

[الأوّل: التكليف]

الأوّل: التكليف، فلا تجب على الصبيّ و المجنون (706).

______________________________

(706) لا خلاف فيه ظاهرا، بل عن جملة «1» منهم دعوى الإجماع عليه. و استدلّ له بحديث «رفع القلم ...»، و لا ينبغى الشكّ في أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة إنّما هو وجوب الفطرة عليهما، إلّا مثل الطفل الصغير جدّا- كالرضيع مثلا- الّذي لا يعقل في حقّه التكليف، و إنّما الكلام في المخصّص و المقيّد للإطلاق المذكور. و تحقيق الكلام في هذا المقام يستدعى عقد البحث في جهتين:

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 593، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم (لكنه خصّ الاجماع باشتراط البلوغ (؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1:

ص 531، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 167

..........

______________________________

الجهة الأولى:

إنّ المجعول في باب زكاة الفطرة هل هو الحكم التكليفي أو الوضعيّ؟ و المتصوّر هنا أحد أمور:

الأوّل: أن يكون المجعول إنّما هو وجوب الإخراج تكليفا فقط، ثبوتا و إثباتا.

الثاني: أن يكون المجعول ثبوتا هو الحكم الوضعي، و هو اشتغال الذّمة، و لكنّ الكاشف عنه إثباتا هو الحكم التكليفي. و بكلمة أخرى، المجعول بحسب مقام الثبوت إنّما هو الحكم الوضعي، و لكن انكشافه إنّما يكون بالأمر باخراج الفطرة تكليفا.

الثالث: أن يكون المجعول- ثبوتا و إثباتا- حكما وضعيّا، و لا يكون فى مقام الكشف تابعا للحكم التكليفي أصلا. إلّا أنّ الحكم التكليفي ممّا يتفرّع عنه و يترتّب عليه. هذه هي الوجوه المتصوّرة فى المقام و لا يهمنا تحقيقه فعلا.

الجهة الثانية:

في ما هو المخصّص أو المقيّد لوجوب الفطرة بالنسبة إلى الصبي و المجنون، و الكلام من هذه الجهة- تارة- يقع فى المخصّص بوجه عام، و أخرى

في المخصص في باب زكاة الفطرة بوجه خاصّ.

أمّا الكلام في المخصّص أو المقيّد العام، فنقول: إنّه وقع الكلام في ما هو المرفوع بحديث رفع القلم، فقد يقال: أنّ المرفوع به هو المؤاخذة الأخرويّة، أو الأعمّ منها و من المؤاخذة الدنيويّة، كالضمان و نحوه، و لكنّه ممّا لا يمكن الالتزام به، لكونه خلاف لسان الرواية عرفا، فإنّ إرادة المؤاخذة تحتاج إلى دقّة عقليّة خارجة عن المتفاهم العرفيّ، فلا بدّ و أن يكون المرفوع هو الحكم الّذي رفعه و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 168

..........

______________________________

وضعه بيد الشارع، و هو أعمّ من الحكم التكليفي و الوضعيّ، فكلّ ما كان وضعه بيد الشارع- تكليفا أو وضعا- فهو مرفوع عن الصبيّ و المجنون.

هذا، و لا يخفى أن مقتضى أخذ الصبي و المجنون في موضوع الرفع هو اختصاص المرفوع من الأحكام الوضعيّة في حقّهما، بالأحكام المترتّبة على الفعل الإراديّ فقط، فإنّ التفرقة بين الصبيّ و المجنون و بين غيرهما من المكلفين برفع الحكم عنهما دون غيرهما، إنّما يتّجه في مثل هذه الأحكام، و ذلك باعتبار ضعف الإرادة فيهما.

و أمّا الأحكام المترتّبة على الأفعال بقول مطلق، إراديّة كانت أم لا، فلا خصوصيّة فيها تقتضي ارتفاعها عن الصبي و المجنون، كما فى الجنابة المترتّبة على خروج المني مطلقا، و مثل الحكم بالضمان المترتّب على الإتلاف مطلقا، اختياريّا كان أم لم يكن، و عليه، فنقول: إنّه لا شكّ في أنّه- بناء على الاحتمال الأوّل- مقتضى القاعدة هو عدم ثبوت الفطرة على الصبيّ و المجنون، و ذلك بمقتضى حديث رفع القلم، الموجب لرفع الحكم التكليفي. و كذلك الحال، بناء على الاحتمال الثاني، فإنّه لا إشكال في عدم توجّه الأمر التكليفي

بالإخراج نحو الصبي و المجنون بمقتضى الحديث المذكور، و حيث إنّ الكاشف عن الحكم الوضعي كان هو هذا الحكم التكليفيّ، فمع انتفائه لا مجال لاستكشاف ثبوت الحكم الوضعيّ، و حينئذ فلا طريق لنا إلى القول باشتغال ذمّة الصبيّ أو المجنون بالفطرة، كما هو ظاهر.

و أمّا بناء على الثالث، فإن التزمنا باختصاص المرفوع بالحديث المذكور بالأحكام التكليفيّة، فلا ينبغى الإشكال في ثبوت الفطرة في حقّ الصبي و المجنون حسب الأدلة الأوليّة، و كذلك الحال ما إذا التزمنا بعموم الحديث المذكور

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 169

..........

______________________________

للأحكام الوضعيّة أيضا، و لكن خصّصناه كما هو المختار- بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع- بالأحكام الوضعيّة الثابتة للأفعال الإراديّة، من جهة قصور فعل الصبيّ أو المجنون- مثلا- عن غيرهما، من جهة ضعف الإرادة و الاختيار فيهما.

و الحاصل أنّ الحديث المذكور و إن كان شاملا للأحكام الوضعيّة، إلّا أنّ القرينة المشار إليها ممّا توجب اختصاصه بما يكون الموضوع للحكم المذكور من الأفعال الإراديّة، نظرا إلى أنّه يحتمل في أفعال الصبي و المجنون مثلا، القصور بالإضافة إلى أفعال البالغين، من جهة ضعف الإرادة فيهما، فإنّه على هذا أيضا لا يوجب الحديث المذكور عدم ثبوت الفطرة في حق الصبيّ و المجنون، و ذلك لأنّ موضوع الحكم فى المقام إنّما هو الذّمة دون فعل من أفعالهما، إذ الكلام في اعتبار الشارع اشتغال ذمّة الصبي أو المجنون، كما هو ظاهر. نعم، بناء على شمول الحديث المذكور للأحكام الوضعيّة مطلقا، فالقاعدة تقتضى انتفاء وجوب الفطرة عن الصبيّ و المجنون، كما هو ظاهر.

و المتحصّل من ذلك كلّه: أنّه- بناء على المختار من عدم شمول الحديث المذكور للأحكام الوضعيّة مطلقا- فالقاعدة تقتضي ثبوت الفطرة

في حقّ الصبى و المجنون.

هذا كلّه بالنظر إلى المخصّص أو المقيّد للوجوب بنحو عام. و أمّا الكلام فى المخصّص بوجه خاصّ بزكاة الفطرة، فنقول: إنّ الدليل قد قام على عدم ثبوتها في حقّ الصبيّ، كما في صحيح محمّد بن القاسم بن الفضيل البصري: إنّه كتب إلى أبى الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن الوصيّ يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب عليه السّلام: «لا زكاة على يتيم «1»» و موضوعه و إن كان هو «اليتيم»،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي؛ محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 170

و لا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما (707)، بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضا (708).

______________________________

إلّا أنّه محمول على إرادة الصبي غير البالغ، لعدم الخصوصيّة لليتيم فى الحكم المذكور.

و أمّا المجنون فنفي الفطرة عنه مشكل، بعد ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة فيه- بناء على كون المجعول حكما وضعيّا- هو ثبوت الفطرة في حقّه، إلّا أن يكون هناك إجماع على نفيها عنه، و هو محلّ تأمّل لعدم الجزم بالإجماع التعبديّ في مثل المقام، لكون مدرك الفتوى عندهم- ظاهرا- هو حديث الرفع، الّذي عرفت حاله.

ثمّ إنّ الجزم بأنّ المجعول فى المقام هل هو الحكم الوضعي أو التكليفي، ممّا يحتاج إلى ملاحظة ما فى الباب من الأدلّة بكاملها، و ما ذكرناه من البحث الأنف الذكر إنّما هو بحث على كلا التقديرين، فلاحظ و لا تغفل.

(707) فإن وجوب تصدّى الوليّ لذلك من جهة الولاية إنّما هو متفرّع على ثبوت الفطرة عليهما، فيكلّف الوليّ- حينئذ- بالأداء، نظرا الى امتناع تكليفهما بذلك، كما هو ظاهر.

(708) لجريان ما

تقدّم فى الصبي و لا مجنون بالنسبة إلى عيالهما. نعم، في خصوص المملوك من عيال الصبيّ ورد في ذيل الصحيح المتقدّم: أنّه كتب إلى أبي الحسن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 171

[الثاني: عدم الإغماء]

الثاني: عدم الإغماء (709)، فلا تجب على من أهلّ شوال عليه و هو مغمى عليه.

______________________________

الرضا عليه السّلام يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى، و فى يده مال لمولاه، و يحضر الفطرة، أ يزكي عن نفسه من مال مولاه، و قد صار لليتامى؟ قال: «نعم «1»،» قال فى «الجواهر»: «و ذيل المكاتبة المزبورة، مع مخالفته لما دلّ على عدم جواز التصرّف لغير الوليّ، لم أجد عاملا به، فلا يصلح دليلا لما خالف الأصول «2»» و عليه يشكل القول بسقوطها عن العيال، و الأحوط عدمه.

(709) في رسالة شيخنا العلّامة الأنصاري رحمه اللّه الخاصّة «3»: إنّه قد صرّح المعظم بأنّ في حكم الصبي و المجنون، المغمى عليه. و استشكله فى «المدارك» على اطلاقه، إلّا إذا كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب، قال قدّس سرّه: «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و قد ذكره العلّامة و غيره مجرّدا عن الدليل، و هو مشكل على اطلاقه. نعم، لو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب، اتّجه ذلك «4»» و إلّا فلا فرق بين الاغماء و النوم في غير مورد الاستيعاب، مع أنّ النوم في وقت الوجوب

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 485، ط النجف الأشرف.

(3)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 399، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ

الأعظم، قم.

(4)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 308، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 172

..........

______________________________

آنا ما لا يوجب سقوط الوجوب، كما لا يخفى.

و قد يستدلّ- لاشتراط عدم الإغماء مطلقا حتّى غير المستوعب في وجوب الفطرة- بأنّ الإغماء مانع عقلي عن توجّه التكليف نحو المغمى عليه، لاشتراط التكليف- عقلا- بالإدراك و الشعور، فشرط صحّة التكليف إنّما هو عدم الاغماء لا محالة بحكم العقل، و بضميمة الإجماع على لزوم استمرار ما هو الشرط في التكليف من أوّل وقت الوجوب إلى آخره يتمّ المطلوب، إذ الإغماء آنا ما يستلزم عدم استمرار الشرط، كما لا يخفى.

و يتوجّه عليه: بأنّ عدم الإغماء و إن كان شرطا في صحّة التكليف، إلّا أنّه شرط عقليّ لا شرط شرعيّ، و الإجماع القائم على لزوم استمرار الشرائط من أوّل وقت الوجوب إلى آخره خاص بالشرائط الشرعيّة، مثل الغنى، و الحريّة، و كون عدم الإغماء من الشرائط الشرعيّة إنّما هو أوّل الكلام، و هو المعنيّ بالإثبات فعلا، بضمّ إحدى المقدّمتين- و هو كونه شرطا في صحّة التكليف عقلا- إلى الأخرى، و هي الإجماع على الاستمرار.

و الحاصل: أنّ الإجماع المدّعى و إن كان أمرا مسلّما به، إلّا أنّه خاصّ بالشرائط الشرعيّة، و كون المقام منها أوّل الكلام. و على هذا فالظاهر هو ما ذهب إليه صاحب «المدارك رحمه اللّه»، و كذلك صاحب «المستند رحمه اللّه «1»»، من لزوم الفطرة في غير مورد استيعاب الإغماء لتمام الوقت، و الوجه فيه ظاهر، فإنّه مع الاستيعاب لا يعقل التكليف بذلك قطعا، و ذلك لأنّ اشتغال الذمّة- على فرض التسليم به- فإنّما يستكشف بالتكليف بالأداء، و إلّا

فليس لنا في أدلّة الفطرة ما يدلّ على اشتغال الذمّة ابتداء، فإذا امتنع توجّه التكليف نحو المغمى عليه مع

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 379، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

الاستيعاب، امتنع علينا استكشاف أن ذمّته مشغولة بالفطرة أو غير مشغولة بها، كما هو ظاهر.

و قد يقال: إنّ التكليف بالفطرة مع الإغماء المستوعب و إن كان أمرا غير معقول، إلّا أنّه لا موجب للقول بسقوطها، بل اللازم حينئذ القول بوجوب القضاء، لأجل أنّ فوتها بالعذر المانع عن توجّه التكليف، كما هو الحال فى النوم المستوعب.

و الجواب عنه أوّلا: أنّ القضاء إنّما يحتاج إلى دليل مفقود فى المقام. و ثانيا:

إنّه على فرض التسليم بوجود الدليل على وجوب القضاء في باب الفطرة، فلا ينبغي الشك في إنّ موضوعه إنّما هو الفوت، و هو غير صادق مع استيعاب الإغماء، بخلاف النوم. و الفرق بينهما أنّ عدم التكليف فى المغمى عليه و المجنون إنّما هو من باب عدم المقتضى للتكليف، بخلافه في مورد النائم و الناسي فإنّه من جهة المانع، و عليه فمع الاغماء لا يصدق الفوت أصلا، لعدم وجود المقتضى للتكليف بالفطرة، بخلاف صورة النوم حيث كان المقتضى له موجودا، فلا محالة يصدق فيه الفوت.

و على الإجمال، إنّا لا نسلم بوجوب القضاء مطلقا، و لو سلّمنا به في مثل النائم و الناسي، فلا نسلم به فى المغمي عليه و المجنون، لما ذكرناه من الفرق بين الموردين. و قد أشار إلى ما ذكرناه العلّامة الأنصاريّ رحمه اللّه في رسالته، و المحقّق الهمداني رحمه اللّه في باب الصّلاة، من كتابه «مصباح الفقيه «1»».

______________________________

(1)- الهمداني، آغا

رضا: مصباح الفقيه، ج 2/ كتاب الصلاة: ص 599، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 174

[الثالث: الحريّة]

الثالث: الحريّة (710)، فلا تجب على المملوك و إن قلنا أنّه يملك، سواء كان قنّا، أو مدبّرا، أو أمّ ولد.

______________________________

(710) بلا خلاف ظاهر «1»، و عن «المعتبر «2»»: نسبته إلى علمائنا. و عن غير واحد «3»: دعوى الإجماع عليه، و هو- بناء على القول بعدم صلاحيّته للتملك ظاهر جدّا، فإن من جملة شرائط وجوب الفطرة الغنى- كما ستأتي الإشارة إليه قريبا إن شاء اللّه تعالى- و هو مفقود على الفرض، ففي هذا الفرض لا ينبغي الإشكال في عدم وجوبها على المملوك، و أمّا بناء على القول بتملّكه فقد استدلّ لاشتراط الحريّة بوجوه:

الأوّل: الأصل، و يتوجّه عليه: انقطاع الأصل، و يعنى به اصالة البراءة، إمّا بالدليل على اشتراط الحريّة، ممّا نسوقه إليك من الأدلّة على ذلك. أو بالعمومات الدالّة على ثبوت الفطرة على كلّ إنسان، كما في مكاتبة ابراهيم ابن محمّد الهمداني:

إنّ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السّلام كتب إليه- في حديث-: «الفطرة عليك و على الناس كلّهم ... «4»»، و مرسل يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له:

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12؛ ص 259، ط النجف الأشرف.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 593، ط مطبعة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- الطوسي، محمّد حسن: الخلاف، ج 2: ص 130، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الموسوي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 308، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 368، ط مؤسسة آل البيت عليهم

السّلام، قم؛ الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 234، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 175

..........

______________________________

جعلت فداك، هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال: فقال: «الفطرة على كلّ من اقتات قوتا فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت «1»» و نحوهما غيرهما «2».

الثاني: ما دلّ على أنّ فطرة المملوك على سيّده، كصحيح عبد اللّه بن سنان- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه ... «3»»، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك، الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير ... «4»»، و نحوهما غيرهما «5».

و يتوجّه عليه: اختصاص ذلك بمورد العيلولة، بحيث يكون العبد و المملوك عيالا لسيّده، و أمّا إذا لم يكن كذلك، فلا دلالة للنصوص المذكورة على وجوب الفطرة على سيّده أيضا، و هذا ظاهر.

الثالث: ما دلّ على نفي الزكاة مطلقا عن مال المملوك، الشامل ذلك لزكاة الفطرة أيضا، كصحيح عبد اللّه بن سنان- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا «6»»، و نحوه صحيحه الآخر «7»، و صحيحه الثالث عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال: «لا، قلت:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل

الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 1: زكاة الفطرة [و] باب 6: زكاة الفطرة، ح 20، 21، 22.

(3)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 8.

(4)- المصدر، ح 10.

(5)- المصدر، ح 2، 6، 7، 12، 13.

(6)- المصدر/ باب 4: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(7)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 176

..........

______________________________

فعلى سيّده؟ قال: لا، إنّه لم يصل إلى السيد، و ليس هو للمملوك «1»».

و يتوجه عليه: ظهور اختصاص الرّوايات المذكورة بزكاة الأموال، أمّا الأولى، فلأنّ المنفي فيها إنّما هو ثبوت شي ء في مال المملوك، و ليس ذلك إلّا زكاة الأموال، فإنّ الفطرة إنّما تثبت فى الذّمة، و كذا الحال فى الثانية، و أما الثالثة- فمضافا إلى هذه الجهة- فيها جهة أخرى تقتضي اختصاصها بزكاة الأموال، و هي تعليل الإمام عليه السّلام لعدم ثبوت الزكاة على السيّد بقوله عليه السّلام: «إنّه لم يصل إلى السيد ...»، حيث يظهر منه أنّ مورد السؤال إنّما هو زكاة المال المشروط بكون المال تحت يد المالك، بحيث يكون متمكّنا من التصرّف فيه عرفا، المفقود ذلك فى المقام، نظرا إلى كونه تحت يد العبد بنحو لا يكون السيّد متمكّنا من التصرّف فيه، و إلّا فثبوت الفطرة على السيّد ممّا لا يتوقّف على وصول المال إليه، كما هو واضح.

الرابع: مرفوع المفيد رحمه اللّه فى «المقنعة»، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تجب الفطرة على كل من تجب عليه زكاة المال «2»».

بتقريب: أنّه يدلّ بمقتضى مفهوم التحديد على أنّ من لا تجب عليه زكاة المال- كالمملوك مثلا- لا تجب عليه زكاة الفطرة أيضا.

و يتوجّه عليه: أنّ ذلك موقوف على أن تكون الرواية مسوقة لبيان التحديد؛ أي تحديد موضوع زكاة الفطرة، كي تدلّ بمقتضى المفهوم على نفيها عمّن لا تجب عليه زكاة المال، و هو ممنوع منه جدّا، لكونها مسوقة لبيان موضوع وجوب زكاة الفطرة، و إنّ وجوبها

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 177

أو مكاتبا (711) مشروطا أو مطلقا و لم يؤدّ شيئا، فتجب فطرتهم على المولى.

______________________________

ثابت في مورد تجب فيه زكاة المال. و التمسك بمفهوم الوصف لا وجه له، لعدم حجيّته، خصوصا غير المعتمد منه، كما في مورد الرواية.

الخامس: الإجماع و نفي الخلاف عنه، كما عن غير واحد «1»، و نسبته إلى علمائنا، كما عن «المعتبر «2»»، و هذا هو العمدة فى البين، و الظاهر هو الاطمينان بعدم استناد واحد من المجمعين إلى إحدى الوجوه المتقدّمة، لضعفها كما عرفت، فالدليل على الاشتراط إنّما هو الإجماع و التسالم، لا غير.

(711) خالف في ذلك الصدوق رحمه اللّه «3»، و هو كاف في عدم تحقّق الإجماع- الّذي هو العمدة كما عرفت- بالنسبة إلى المكاتب. و يدلّ عليه- مضافا إلى العمومات الدالّة على وجوب الفطرة- خصوص صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: عن المكاتب، هل عليه فطرة شهر رمضان، أو على من كاتبه، و تجوز شهادته؟ قال: «الفطرة عليه، و لا تجوز شهادته «4»»، و لا يعارضه خبر حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه،

و

______________________________

(1)- قال فى «الجواهر»: «بلا خلاف اجده فيه، بل الإجماع محكيّ عليه مستفيضا، إن لم يكن محصّلا ...» (ج 15: ص 485، ط النجف الأشرف).

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 593، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- الصدوق: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 179، ط مكتبة الصدوق، طهران.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: زكاة الفطرة، ح 17.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 178

نعم، لو تحرّر من المملوك شي ء وجبت عليه و على المولى بالنسبة (712)، مع حصول الشرائط.

[الرابع: الغنى]

الرابع: الغنى (713)، و هو أن يملك قوت سنة، له و لعياله، زائدا على ما يقابل الدين و مستثنياته، فعلا أو قوة، بأن يكون له كسب يفي بذلك. فلا تجب على الفقير، و هو من لا يملك ذلك.

______________________________

رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و ما أغلق عليه بابه «1»»، و ذلك لاختصاص الخبر المذكور- كما هو ظاهره- بمورد العيلولة.

(712) في رسالة شيخنا العلّامة الأنصاري رحمه اللّه: «و أمّا المبعّض، فالمحكيّ عن الأكثر وجوب فطرته على نفسه و على المولى، بنسبة الحصّة ... «2»»، و لكن هذا لا يخلو عن إشكال، فإنّه لا مقيّد لإطلاق ما دلّ على وجوب الفطرة على الإطلاق، إذ الإجماع على عدم ثبوته على المملوك غير شامل للمقام، لاختصاصه بغيره، إذ لا يصدق عليه المملوك، كما أن ما دلّ على وجوب فطرة العبد على سيّده- أيضا- غير شامل له، لأنّ بعضه عبد و بعضه حرّ، كما هو المفروض.

(713) الوجوه المتصوّرة فى المسألة أربع، و هي كالآتي:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح

13.

(2)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 402، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 179

..........

______________________________

الأولى: ما أشار إليه المصنّف رحمه اللّه.

الثانية: أن يراد بالغنى، أن يملك قوت سنة له و لعياله الواجبى النفقة و إن كان عليه دين، بمعنى أنّ الدين لا يمنع عن صدق الغنى فى المقام.

الثالث: أن يراد به تملك عين أحد النصب الزكوية، كما عن الشيخ و ابن ادريس قدّس سرّهما «1»، أو قيمتها، كما عن الشيخ رحمه اللّه «2».

الرابع: تملك قوت يوم و ليلة، بزيادة مقدار الفطرة، و هو صاع عن كل رأس. و نسب ذلك إلى ابن الجنيد رحمه اللّه «3» و يمكن الاستدلال للأوّل بجملة من النصوص، و هي على طوائف:

1- ما تضمن سقوط الفطرة عن المحتاج، كخبر يزيد بن فرقد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: على المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال: لا «4»»، و موثق اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: على الرجل المحتاج زكاة الفطرة؟ قال: «ليس عليه فطرة «5»»، و خبر إسحاق بن المبارك، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال: «ليس عليه فطرة «6»».

2- ما تضمن سقوطها عن آخذ الزكاة، كخبر يزيد بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، إنّه سمعه يقول: «من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة «7»»، قال: و

______________________________

(1)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 465، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الخلاف، ج 2: ص 146، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(3)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 261،

ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 4.

(5)- المصدر، ح 6.

(6)- المصدر: ح 3.

(7)- المصدر: ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

قال ابن عمّار: ان أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا فطرة على من أخذ الزكاة «1»»

3- ما تضمن سقوطها عمّن يأخذ الزكاة أو يقبلها، كصحيح الحلبى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عن رجل يأخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال:

«لا «2»»، و خبر يزيد بن فرقد النهدي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقبل الزكاة، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال: «لا «3»».

4- ما دل على وجوبها على من تجب عليه الزكاة، كمرفوعة المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة» عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة «4»».

و يمكن الاستدلال للقول الرابع- و هو مذهب ابن الجنيد- بوجهين:

أحدهما «5»: ان مقتضى العموم او الاطلاق هو وجوب الفطرة على كل احد، خرج منه غير الغنيّ، و بما أنّه مجمل، فلا بدّ من الاقتصار على المتيقّن بخروجه، و هو من لم يملك- زائدا على قوت يومه و ليلته- بمقدار صاع، و هو مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه.

و يتوجه عليه: أنّ هذه الدعوى غير تامة في محلّ الكلام، نظرا إلى إمكان دعوى اطلاق دليل المخصص أو عمومه بالنسبة إلى مورد الشك، فلا مجال للوجه المذكور.

و الآخر: الاستدلال له بجملة من النصوص، و هي- أيضا- على طوائف:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 8.

(2)- المصدر: ح 1.

(3)- المصدر: ح 5.

(4)-

المصدر/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 1.

(5)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 383، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 181

..........

______________________________

منها: ما هو صريح فى الدّلالة على ذلك، كصحيح زرارة، قال: قلت: الفقير الّذي يتصدّق عليه، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال: «نعم، يعطى ممّا يتصدّق به عليه «1»»، و رواية ابى الحسن الأحمسي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث زكاة الفطرة- قال: و قال: «هى واجبة على كلّ مسلم، محتاج أو موسر، يقدر على فطرة «2»»، و ما رواه العيّاشي في تفسيره، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: و قلت: و على الفقير الّذي يتصدق عليه؟ قال: «نعم، يعطى ممّا يتصدّق به عليه «3»».

و منها: ما هو ظاهر فى ذلك، كخبر عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «زكاة الفطرة صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من أقط عن كل إنسان، حرّ أو عبد، صغير أو كبير ... «4»- إلى أن قال:- ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج «5»»، بتقريب أن ظاهره ثبوت الفطرة ما دام لم يبلغ الأمر حدّ العسر و الحرج، فاذا انتفى الحرج بملك ما يتصدق به ثبت الوجوب. و منه يظهر ان الاستدلال ليس هو بمفهوم الوصف كي يقال- كما فى «المستند «6»»- بأنّه ضعيف غير معتبر جدّا، و صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: لمن تحل الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد، و من حلّت له لم تحلّ عليه، و من

حلّت عليه لم تحل له «7»»، حيث دلّ على أنّ مستحقّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 16.

(3)- المصدر/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 23.

(4)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 11.

(5)- المصدر/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 2.

(6)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 384، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(7)- الحر العاملى، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 2: زكاة الفطرة، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 182

..........

______________________________

الفطرة، ممّن لا تجب عليه الفطرة. كما دلّ على أنّ مستحق الفطرة هو من لا يجد شيئا، و نتيجة ذلك وجوب الفطرة على كلّ شخص، عدا من لا يجد شيئا. و صحيحه الآخر، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال:

«أمّا من قبل زكاة المال فان عليه زكاة الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة «1»» فإن ظاهر التفصيل فى الرواية- بين قابل الزكاة حيث تجب عليه الفطرة، و قابل الفطرة حيث لا تجب عليها ذلك- إنما هو كون الفقر المعتبر في أخذ زكاة المال غير الفقر المعتبر في جواز أخذ الفطرة، و نتيجة ذلك كون الفقر هناك- و هو عدم تملّك قوت السنة- مصداقا للغنى هنا، كما هو ظاهر. و ما رواه علي بن ابراهيم فى تفسيره قال: قال الصادق عليه السّلام في قوله تعالى، حكاية عن عيسى عليه السّلام: وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا ...،

قال: «زكاة الرءوس، لأنّ كلّ الناس ليست لهم أموال، و إنّما الفطرة على الفقير

و الغنيّ، و الصغير و الكبير «2»».

و منها ما لا يخلو عن إشعار بذلك، و لأجله يمكن جعلها مؤيدة لما تقدّم، و هي ما تضمنت الدلالة على أن من تمام الصيام هو الزّكاة، كصحيح زرارة و أبي بصير جميعا قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن من تمام الصوم اعطاء الزكاة- يعنى الفطرة- كما أن الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة، لأنه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له، إذا تركها متعمدا «3»» و خبر أبان و غيره عن الصادق عليه السّلام، قال: «من ختم صيامه بقول صالح، أو عمل صالح تقبل اللّه منه صيامه، فقيل:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر: ح 12.

(3)- المصدر/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 183

..........

______________________________

يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و العمل الصالح، إخراج الفطرة «1»»، فإنّ ما هذا شأنه حتى يكون من تمام الصّيام لا يختصّ بالغنيّ، بمعنى من يمتلك قوت سنته، بل يناسب هذا وجوبها على كافة الناس، ممّن يتمكن من أدائها، كما لا يخفى.

تحقيق المسألة: و الّذي يتراءى فى النظر هو القول الرّابع، الّذي ذهب إليه ابن الجنيد، و ذلك لتمامية الدليل عليه، بخلاف سائر الوجوه و الأقوال، و لا ينافي ذلك النصوص المتقدمة التى استدل بها للمذهب المشهور، لعدم خلو جميعها عن المناقشة:

أمّا الطائفة المتضمّنة لسقوطها عن المحتاجين، فمن الظاهر أنّ كلمة «المحتاج» عرفا ظاهرة فيمن لا يجد شيئا بالفعل يتصدّق به، و ليس لهما معنى

شرعي اصطلاحي- و هو غير الممتلك قوت سنته، أو عين أحد النصب الزكويّة، أو قيمتها، و نحو ذلك- لتحمل عليه، بل المعنى العرفي- و هو من لا يجد شيئا يتصدق به- هو الّذي ينبغي حمل الكلمة عليه، و لا إشكال فيه ظاهرا، لما تقدمت الاشارة إليه مما دل على سقوطها عمن لا يجد شيئا. و لو تنزّلنا عن ذلك و سلّمنا بعدم ظهورها فيما ذكرناه ابتداء، إلّا أنه لا ينبغى الاشكال في لزوم حملها عليه، بملاحظة ما دلّ من النصوص الصريحة- كما مرّت الإشارة إليه- على وجوبها على من يجد ما يتصدق به فقط، و إن لم يكن مالكا لقوت سنته.

و أمّا ما تضمّنت سقوطها عن آخذ الزكاة، فيرد عليها أوّلا: أنّ ظاهرها مما لا يمكن الالتزام- و لم يلتزم أيضا أحد- به فإنّ المستفاد منها أنّ أخذ الزكاة- أي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

زكاة الفطرة- فى الزمان الماضي يكون موجبا لسقوط الفطرة عن الآخذ فى المستقبل، كما يدل عليه التعبير ب: «أخذ» بصيغة الماضى، و هو واضح البطلان. و ثانيا: إنّه مع التنزل عن ذلك، فلا شكّ في أنّه لا بد من تقييده بما إذا لم يكن المأخوذ بمقدار يتجاوز مقدار مئونة سنته باضعاف كثيرة، ممّا يوجب عدّه- عرفا- من أشخص أفراد الأغنياء.

و الحاصل، أن تماميّة الاستدلال به موقوفة على مخالفة الظاهر فيه من أحد وجهين:

الأوّل: حمل اخذ بصيغة الماضى على استحقاق الزكاة، لا ما هو الظاهر من هذه، الكلمة و هو الأخذ الفعليّ.

الثاني: تقييده بما إذا لم يتجاوز المأخوذ من الزكاة عن مقدار مئونة

سنته، و إلّا لم يمكن الأخذ بظاهره قطعا، إذ لا قائل بسقوط الفطرة عمن يملك الزائد عن قوت سنته بالفعل، كما هو المفروض. و لا دليل على شي ء من الأمرين، كما لا يخفى.

و اما ما تضمنت سقوطها عمن يأخذ الزكاة أو يقبلها، فيتوجه عليها:

أوّلا: أن مثل هذا التعبير عرفا قد يقال في مورد يقصد به بيان احتياج الشخص إلى المال، بحيث أنّه هيّأ نفسه لتقبّل الزكاة، كما أنّه يقال ذلك لبيان أن الشخص مصرف الزكاة و مستحق لها، فكلا المعنيين يمكن قصده من التعبير المذكور، و الاستدلال موقوف على إرادة المعنى الثانى، حيث تكون الرواية دالة- حينئذ- على سقوط الفطرة عن مستحق الزكاة، و هو عبارة عمّن لا يملك قوت سنته فعلا أو قوة، كما مر بيانه سابقا. إلّا انّه لا دليل عليه، لاحتمال إرادة المعنى الأوّل، و معه تكون الرواية دالّة على سقوط الفطرة عن خصوص المحتاج بالفعل،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 185

..........

______________________________

و هو من لا يجد شيئا يتقوت به، و لا إشكال في سقوطها عن مثله.

و ثانيا: لو تنزلنا عن ذلك، و لم نسلّم باحتمال الجملة لكلا المعنيين، و قلنا بظهورها ابتداء فى خصوص الثاني، فلا ينبغي الاشكال ظاهرا في لزوم حملها على المعنى الأوّل بملاحظة النصوص الصريحة الدلالة على ثبوت الفطرة على من يجد ما يتصدق به، كما مرّت الإشارة إليها.

و أمّا رواية المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة» فقد يتوهم أنها تدل على وجوب زكاة الفطرة بتملّك أحد النصب الزكوية، لأنّ زكاة المال تجب على مثله. و يتوجّه على الاستدلال بها أنّها ناظرة إلى وحدة الشرائط المعتبرة فى المكلّف من البلوغ، و العقل و نحوهما في كلّ

من زكاة المال و الفطرة، و لا نظر لها إلى سائر الشرائط أصلا، و لذلك لا منافاة بين الأخذ بظاهر الرّواية، و بين القول بوجوب الفطرة على من يجد ما يتصدّق به إذا كان بالغا، عاقلا، مسلما، إلى غير ذلك من شرائط الوجوب الّتي تعتبر فى المكلّف، و تملك النصاب من جملة الشرائط المعتبرة فى المال الّذي تجب فيه الزكاة كما هو ظاهر، مضافا إلى ذلك لازمه عدم وجوب الفطرة على من كان له الثراء الفاحش جدا، من دون أن يكون مالكا لأحد النصب الزكوية بالفعل، و هو كما ترى.

و المتحصل من ذلك كلّه أن المستفاد- ابتداء- من مجموع ملاحظة النصوص الموجودة فى المسألة، بعد ضمّ بعضها إلى بعض، إنّما هو ثبوت الفطرة على من يجد ما يتصدق به، و سقوطها عن غير الواجد له، و هو ينطبق على مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه، فإن الواجد لقوت يومه و ليلته و صاع- و هو مقدار الفطرة- يكون مصداق الواجد عرفا. نعم، الّذي لا يكون واجدا لقوت يومه و ليلته، أو كان واجدا لذلك بلا وجدانه لمقدار الفطرة و هو الصاع- زائدا عليه، بحيث

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

يلزمه الأخذ من قوت يومه و ليلته إذا أراد إعطاء الفطرة، يعدّ هو من مصاديق المحتاج و غير الواجد، الّذي دلت النصوص المتقدمة على سقوط الفطرة عنه، و هذا القول هو الموافق للاحتياط أيضا.

و مع التنزل عن ذلك، فالمتعيّن إنما هو الاحتمال الثاني، و هو ثبوت الفطرة على واجد قوت سنته، فعلا أو قوة، بلا استثناء الدين أصلا، بمعنى: أن الدّين غير مستثنى في هذا المقام، فعليه الفطرة و إن لم يكن

عنده ما يؤدّي به دينه، زائدا على مقدار قوت سنته، و ذلك لأن ظاهر ما دل على سقوط الفطرة عمن أخذ الزكاة، أو يأخذها، أو يقبلها، و نحو ذلك ممّا مرت الإشارة إليه سابقا، إنما هو الأخذ بعنوان الفقر، و منشأ ذلك هو ما افاده صاحب الجواهر قدّس سرّه «1»، من أنه الأصل في مصرف الزكاة، فكان هو المنساق. و من الظاهر، أن الواجد لقوت سنته له و لعياله، ممّن لا يجوز له اخذ الزكاة بعنوان الفقر فانه غني، عرفا و شرعا، و إن كان عليه دين، و لم يكن عنده ما يؤدى دينه زائدا على مقدار القوت. نعم، إنّما يجوز له الأخذ من الزكاة من سهم الغارمين. و الحاصل، أن ظاهر النصوص المذكورة إنما هو سقوطها عن الفقير الّذي يأخذ زكاة المال بعنوان الفقر، فيختص ذلك- لا محالة- بغير الواجد لقوت سنته، و أما الواجد له و لكن عليه دين لا يتمكن من أدائه فهو ليس بمصداق للفقير، لتكون الفطرة ساقطة عنه، بل مقتضى الأدلة المذكورة إنما هو ثبوتها عليه.

و مع التنزل عن هذا أيضا، فالمتعين أنّما هو الاحتمال الثالث، بناء على ان المراد من رواية المفيد رحمه اللّه فى «المقنعة»: «تجب الفطرة على من تجب عليه الزكاة» إنما هو مقايسة البابين، و أنّه كما تجب الزكاة بتملك أحد النصب، كذلك تجب

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 488، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 187

و إن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكا لقوت السنة، و إن كان له عليه دين، بمعنى أن الدين لا يمنع من وجوب الإخراج، و يكفي ملك قوت السنة،

بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكا عين أحد النصب الزكويّة أو قيمتها و إن لم يكفه لقوت سنته، بل الأحوط إخراجها إذا زاد- على مئونة يومه و ليلته- صاع (714).

______________________________

الفطرة به أيضا. و لإطلاق «الغنى» على الممتلك لأحد النصب و الفقير على غيره، في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «... إن اللّه فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ترد إلى فقراءهم ... «1»».

و أمّا الاحتمال الاول، و هو المذهب المشهور، فقد استدل له بما دلّ على ان زكاة الفطرة تحل لمن تحل له زكاة المال، و تجب على من تجب عليه زكاة المال، و بما أن الفقير الّذي تحلّ له زكاة المال هو الّذي لا يملك قوت سنته فعلا و لا قوة و الغنيّ هو الّذي يملك ذلك، فلا محاله يحكم بوجوب الفطرة على من يملك قوت سنته كذلك. و لكنّك قد عرفت الحال فى النصوص الواردة فى زكاة الفطرة، على اختلاف طوائفها، و أنها لا تدل على الاحتمال المذكور، فلاحظ.

و ممّا ذكرناه يظهر الحال فيما عن الاصحاب رحمهم اللّه من حمل النصوص الّتي ذكرناها- الّتي تساعد ابن الجنيد على ما ذهب إليه- على الاستحباب، فلاحظ و تأمّل.

(714) يعرف الوجه في ذلك- كله- بملاحظة ما ذكرناه آنفا، فراجع و لاحظ.

______________________________

(1)- ذكرنا مصادر الحديث في ج 2: ص 215.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 188

[مسألة 1: لا يعتبر فى الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة]

[مسألة 1]: لا يعتبر فى الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة، فتجب و إن لم يكن له الزيادة، على الأقوى، و الأحوط (715).

______________________________

(715) هذه المسألة مبتنية على اعتبار تملّك قوت السنة في ثبوت الفطرة. و اعتبر الفاضلان «1»، و الشهيد، و المحقق الثاني

«2» رحمهم اللّه فى «حاشية الشرائع» الزيادة المذكورة، و إليه ذهب شيخنا العلّامة الانصاري قدّس سرّه- أيضا- في رسالته «3»، خلافا للشيخ رحمه اللّه «4»، و الشهيد الثاني رحمه اللّه «5»، و تبعهما على ذلك صاحب الجواهر «6» ناسبا له إلى إطلاق النص و الفتوى.

ثمّ ان الوجه في اعتبار الزيادة المذكورة أمران:

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تحرير الاحكام، ص 71، ط ايران الحجريّة؛ منتهى المطلب:

ج 1، ص 532، ط ايران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء: ج 5، ص 370، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: صص 592- 593، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

- محمد بن مكّي: الدروس الشّرعية، ج 1: ص 248، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(2)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 391، ط الثالثة.

(3)- الانصارى، الشيخ المرتضى: رسالة الزكاة، ج 10: ص 404، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

(4)- الطوسى، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: صص 147- 146، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم.

(5)- الشهيد الثانى، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 444، ط مؤسسة المعارف الاسلامية، قم.

(6)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 492، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 189

..........

______________________________

أحدهما: الوجه العقلي، و هو أن الفقر في مرتبة العلة لعدم وجوب الفطرة، و عليه فلو وجبت الفطرة مع عدم الزيادة المذكورة لزم منه انقلاب الشخص فقيرا، و معنى ذلك هو عدم وجوب الفطرة عليه لانتفاء موضوعه، و هو الغنيّ. و الحاصل، أنّ الفطرة موضوعها الغنيّ، و مع عدم الزيادة على مقدار القوت يلزم من وجوبها انتفائه لأجل انتفاء الموضوع،

فيلزم من وجوبها- أي الفطرة- حينئذ عدمه، و ما يكون كذلك باطل قطعا.

و يتوجّه عليه: أنّه لا منافاة بين الغنى في مرتبة متقدّمة على الوجوب، و هي مرتبة الموضوع، و الفقر في مرتبة متأخرة عنه، و نتيجة ذلك، أنّ الفقر الحاصل من جهة وجوب الفطرة لا يوجب انتفاء الموضوع، فان الفقر إنما يكون في مرتبة متأخرة عن الحكم، و هو وجوب الفطرة، و أما فى المرتبة المتقدمة عليه فالموجود هو الغنى دون الفقر.

و الحاصل، أن الغنى متحقق في مرتبة سابقة على الحكم، و الفقر في مرتبة لاحقة له، و لا مانع من ذلك بعد اختلاف المرتبتين، كما لا يخفى.

و ثانيهما: هو الوجه الاعتباري الموجب للانصراف، الّذي أشار إليه صاحب فى «الجواهر قدّس سرّه «1»» و حاصله، أن الغرض الأصلي الّذي شرّع لأجله الزكاة- و منها زكاة الفطرة- انما هو سدّ حاجة الفقراء و دفع عوزهم، فالمصرف الاساس للزكاة إنّما هم الفقراء، و من البعيد جدّا أن يكون تشريع الحكم لأجل رفع الفقر، مع كون الفقر ممّا يترتب على نفس الحكم المذكور خارجا.

و الحاصل، أن الاعتبار لا يساعد على أن تكون الزكاة مشروعة فيما إذا ترتب على التشريع المذكور الفقر، نظرا إلى أن الغرض من التشريع إنّما هو رفع

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 492، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 190

[مسألة 2: لا يشترط في وجوبها الإسلام]

[مسألة 2]: لا يشترط في وجوبها الإسلام، فتجب على الكافر، لكن لا يصحّ أداؤها منه (716)،

______________________________

الفقر، فكيف تشرع مع ترتب الفقر عليه؟! و عليه فيكون ما دلّ على تشريع الزكاة منصرفا عن أمثال هذه الموارد، ممّا يترتب على تشريع الزكاة فيها الفقر.

و هذا

الوجه و إن كان قريبا إلى الاعتبار، لا سيّما و أنه صادر من مثل صاحب الجواهر قدّس سرّه، الّذي لا ينكر في حقّه أنه صاحب الذوق الفقهي السّليم نسبيا، إلا أنه لا يمكن الركون إليه و الاعتماد عليه، لا سيّما و انه قدّس سرّه- أيضا- لم يعتمده، و أعرض عنه. فالاحتياط فى المسألة يقتضي عدم اعتبار الزيادة المذكورة، كما أفاده المصنف قدّس سرّه.

و لعلّ الوجه فيه هو انه لم يثبت انحصار الملاك فى تشريع زكاة الفطرة في رفع الفقر و سدّ العوز المالي للفقراء، بحيث يكون ذلك تمام الملاك، فلعله- مضافا إلى ذلك- كان الملاك في تشريعه هو المواساة، و هي تحصل مع فرض كون ايجابها مستلزما للفقر، كما هو ظاهر. على أن ذلك ممنوع منه في زكاة الفطرة، لو سلّم به فى زكاة المال، فان المستفاد من أدلّة تشريعها هو أنها توجب ضمان سلامة بدن المعطي و نحوه، فلاحظ.

(716) مرّ الكلام في ذلك مفصّلا في بحث زكاة المال «1»، إذ لا فرق بين البابين من هذه الجهة اثباتا و نفيا، و قد عرفت هناك أنه لا دليل على تكليف الكفار بالزكاة،

______________________________

(1)-- ج 1: صص 222- 224.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 191

و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه (717). و أمّا المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه (718).

______________________________

و على فرض التسليم بذلك، فلا دليل على عدم صحّة الأداء منه لو أدّاها، فراجع.

(717) قد عرفت سابقا «1» الإشكال في سقوط زكاة المال بالإسلام بدليل الجبّ، على فرض التسليم بتكليف الكفار بها، و أمّا فى المقام فلا اشكال في ذلك، بعد التسليم بأصل التكليف، و ذلك لصحيح معاوية بن عمّار،

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر. و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: لا «2»»، و نحوه خبره الاخر «3».

(718) أمّا على تقدير عدم الاداء أصلا فظاهر، إذ لا دليل على ذلك، و حديث الجبّ- على فرض تماميّته- خاص بالكافر، و لا يجري في المخالف إذا استبصر. و أمّا على تقدير الأداء، و كون ذلك للمخالف كما يقتضيه طبع الحال، فلعموم التعليل فيما ورد في زكاة المال، كمصحح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا فى الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحرورية، و المرجئة، و

______________________________

(1)-- ج 1: صص 225- 228.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 2.

(3)- المصدر: ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 192

[مسألة 3: يعتبر فيها نية القربة]

[مسألة 3]: يعتبر فيها نية القربة (719) كما في زكاة المال، فهي من العبادات، و لذا لا تصحّ من الكافر (720).

______________________________

العثمانيّة، و القدريّة، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كل صلاة صلّاها، أو صوم، أو زكاة، أو حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال:

«ليس عليه إعادة شي ء من ذلك، غير الزكاة، و لا بدّ أن يؤديها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية «1»»، و نحوه إطلاق صحيح ابن اذينة «2».

(719) ليس فى المقام و لا في زكاة المال ما يدل على العباديّة، و إنّما حكمنا بذلك في زكاة المال من جهة التسالم و الإجماع.

(720) قد عرفت الإشكال في ذلك فالتفريع المذكور في غير محلّه.

______________________________

(1)-

الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 193

[مسأله 4: يستحب للفقير إخراجها أيضا]

[مسأله 4]: يستحب للفقير إخراجها أيضا (721)، و إن يكن عنده إلّا صاع، يتصدق به على عياله (722)، ثم يتصدق به على الأجنبيّ (723)، بعد أن ينتهى الدور، و يجوز أن يتصدق به على

______________________________

(721) قد عرفت أنّ القول بوجوب الفطرة على من يملك قوت يومه و ليلته، مع صاع زائدا على ذلك- و هو مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه- هو مقتضى التحقيق فى المسألة، و ما أفاده المصنف قدّس سرّه، مبنيّ على حمل النصوص الّتي تعاضد مذهب ابن الجنيد رحمه اللّه على الاستحباب- كما هو المشهور-، بل عليه الإجماع، كما فى «الجواهر «1»».

(722) كما دلت عليه رواية اسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها، أ يعطيه غربيا [عنها] أو يأكل هو عياله؟ قال عليه السّلام: «يعطي بعض عياله، ثم يعطي الآخر عن نفسه، يتردّدونها، فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة «2»».

(723) قوله عليه السّلام- في رواية اسحاق-: «ثم يعطي الآخر عن نفسه» ظاهر في أن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 492، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: زكاة الفطرة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 194

واحد منهم أيضا، و إن كان الأولى و الأحوط الأجنبيّ.

______________________________

المراد [الآخر] هو من يعدّ من أفراد العائلة، فيكون معنى الرواية أنه يجوز لبعض العائلة أن يعطى الفرد الاخر من العائلة بعنوان زكاة الفطرة،

و هذا بإطلاقه يقتضي جواز الاستمرار فى الاعطاء بين أفراد العائلة حتى ينتهي إلى آخر فرد من العائلة، و حينئذ يدفع هذا الأخير ذلك إلى المصدّق الأوّل.

إلّا أن السرّ في إعطاء بعض العائلة للآخر من العائلة، إن كان هو تمكن الكل من إخراج زكاة الفطرة، مع التحفظ على المال ضمن أفراد العائلة، نظرا إلى أن العائلة- كما هو المفروض- لا تملك أكثر من مقدار الصّاع، فلا بدّ و أن لا يخرج ذلك عن ملكهم لحاجتهم إليه، و عليه فيكون مقتضى الرواية هو لزوم دفع آخر أفراد العائلة الصّاع إلى المصدّق الأوّل بعنوان الفطرة.

و أما إذا كان السرّ فى ذلك هو مجرّد تمكن المعطى له من إخراج الفطرة عن نفسه، من دون تقيّد بحفظ المال للعائلة، لم يكن هناك ملزم لإعطاء اخر أفراد العائلة إلى المصدّق الأوّل دون الأجنبيّ.

و ظاهر السؤال فى الرواية يعطي الأوّل، بقرينة قوله فى السؤال: «أو يأكل هو و عياله»، إلّا أن ظاهر قوله عليه السّلام: «يترددونها» هو الثاني، حيث يفهم منه أن الوجه فى الاعطاء على النحو المذكور هو تمكن جميع أفراد العائلة من اخراج الفطرة، و مع عدم الترجيح لأحد الظهورين، لا محالة تصبح الرواية مجملة.

نعم، قوله عليه السّلام: «يتردّدونها فيما بينهم» ظاهر في لزوم إعطاء اخر أفراد العائلة الى المصدّق الأوّل، دون الأجنبيّ. فإن المراد بها إن كان هو الإدارة- كما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 195

..........

______________________________

ذكره جمع «1»- فواضح، فان إدارة الصّاع فيما بينهم لا تتحقق إلّا برجوعه إلى المصدّق الأوّل. و إن كان المراد هو الدفع و الرجوع، بأن يراد به دفع المال ثم رجوعه إلى الدافع، فظاهر أنه إذا كان للأخير

من أفراد العائلة أن يدفعه للأجنبي، لم يكن في مثل هذا الإخراج دفع و رجوع، و هذا بخلاف ما إذا كان على الأخير من أفراد العائلة هو الدفع إلى المصدّق الأوّل، حيث يتحقّق به الدفع و الرجوع، و يكون فعل كل واحد من أفراد العائلة مقدمة لتحقق ذلك، و لأجل ذلك صحّت نسبة التردّد إلى الجميع، كما هو ظاهر.

هذا، و قد يستظهر الاحتمال الأول، و هو لزوم الإخراج أخيرا إلى الأجنبيّ، من قوله عليه السّلام: «فتكون عنهم- جميعا- فطرة واحدة»، بلحاظ كون هذه الجملة ظاهرة في أنّ هذه العمليّة توجب إخراج جميع العائلة فطرة واحدة، على غرار إخراج كل انسان الفطرة، و ذلك لا يكون إلّا باعطاء الأخير إلى الأجنبيّ، ليصدق إخراج الفطرة. و لكن ذلك مخدوش فيه، بمنافاته للتفريع على الحكم فى الرواية، و هو إعطاء بعض افراد العائلة، كمنافاته لقوله عليه السّلام: «يتردّدونها» الظاهر في عدم خروج الفطرة عن ملك العائلة. مضافا إلى أن المراد بقوله:

«فتكون عنهم ...» هو أنّ الجميع قد استطاعوا- بهذه العمليّة- إعطاء الفطرة بصاع واحد، و هذا لا ينافي الحكم بلزوم إرجاع الأخير الفطرة إلى المتصدّق الأوّل، فيكون هو المتعيّن.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 493، ط النجف الأشرف؛ الموسوي، السيد محمد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 315، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 196

و إن كان فيهم صغير أو مجنون يتولّى (724) الولي له الأخذ له و الإعطاء منه، و إن كان الأولى و الأحوط أن يتملّك الوليّ لنفسه، ثم يؤدّي عنه.

______________________________

(724) قال فى «الجواهر»: «ظاهر اطلاق النص و الفتوى عدم الفرق فى المعال بين

كونه مكلّفا أو غيره «1»». و قال الشهيد الثاني رحمه اللّه: «و لو كانوا غير مكلفين، أو بعضهم، تولّى الولي ذلك، و لا يشكل إخراج ما صار ملكه عنه بعد النص، و ثبوت مثله فى الزكاة الماليّة «2»» و علّق عليه صاحب المدارك رحمه اللّه بقوله: «و هو جيّد، لو كان النص صالحا لا ثبات ذلك، لكنه ضعيف من حيث السند، قاصر من حيث المتن عن إفادة ذلك، بل ظاهره اختصاص الحكم بالمكلّفين «3»».

و قد يقال: إن مراد صاحب المدارك رحمه اللّه من القصور فى المتن إنما هو التشكيك في اطلاق الدليل، باعتبار أن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة، كي ينعقد لها الاطلاق، و إنّما هي بصدد بيان إمكان إخراج صاع واحد بعنوان الفطرة عن متعدّد، و امّا أن المتعدّد من هو؟ فهل هو خصوص المكلّفين؟

أو هو الأعمّ منه و من غيره؟ فالرواية غير ناظرة لبيان ذلك، كي يؤخذ بإطلاقها.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 493، ط النجف الأشرف.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 445، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.

(3)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 315، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

و الصّحيح هو أن نظر صاحب المدارك رحمه اللّه إلى أمر أدقّ ممّا أفيد، و توضيحه أنه متى ما كان الاطلاق متوقّفا على مئونة زائدة فى الكلام، لم يكن هناك مجال لثبوت الإطلاق، كما هو محرّر و مقرّر فى محلّه من أصول الفقه. و المقام من صغريات هذه الكبرى، فانّ الولي حينما يتصدّى للإخراج عن غير المكلّف لا يخلو

الحال فيه من أن يكون ذلك بعنوان النيابة و الولاية عن الصّبي مثلا، أو بعنوان امتثال الأمر الاستقلالي المتوجه إليه بتفريع ذمّة الصبيّ، و على كلا التقديرين يكون ذلك موقوفا على مشروعيّة العمل المذكور، و لا يثبت بالإطلاق مشروعيّته، و إنّما لا بدّ من اثبات المشروعية بالدليل أوّلا، و لا مجال لإثبات المشروعيّة بنفس الإطلاق، كما لا يخفى.

و أما صاحب الجواهر رحمه اللّه، فقد قرّر الإشكال فى المسألة بقوله: «و لا يشكل ذلك، بأنه لا يجوز اخراج الولي ما صار ملكا له عنه، مع فرض كونه غير مكلّف «1»» و حاصله: أن المال بعد فرض صيرورته ملكا للصّبي مثلا، لا يجوز للوليّ إخراجه عن ملكه، لعدم كونه بمصلحة الصبيّ، بل هو إضرار بحقّه. ثم إنّه قدّس سرّه دفع الإشكال المذكور بقوله: «يمكن دفعه، بأن غير المكلّف إنّما ملكه على هذا الوجه، أي على أن يخرج عنه صدقة»، و حاصله: أنّ تمليك غير المكلّف كان مشروطا بتمليك الغير باخراج الفطرة، فلم يكن إخراج الوليّ إضرارا بحق غير المكلّف، بعد أن كان تملّكه للمال المذكور مشروطا بشرط الإخراج و إعطاء الفطرة.

و يتوجه عليه أنّه قدّس سرّه إن أراد بذلك، أن الاشتراط المذكور مستفاد من الرواية، بمعنى أنّ إعطاء الفطرة لم يشرع فيها إلّا بهذا الشرط، فهو خلاف اطلاق

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 493، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 198

[مسألة 5: يكره تملك ما دفعه زكاة، وجوبا أو ندبا]

[مسألة 5]: يكره تملك ما دفعه زكاة (725)، وجوبا أو ندبا، سواء تملكه صدقة أو غيرها، على ما مرّ في زكاة المال.

______________________________

الرواية، فان المستفاد من الرواية هو جواز الإعطاء للغير بلا قيد. و إن أراد

أن التمليك إذا كان بهذا الشرط لم يكن اخراج الفطرة عن الصّبي- حينئذ- على خلاف المصلحة، فهو إنّما يجدي لو كان الملاك فى الإشكال من ناحية عدم المصلحة بحال غير المكلّف، و قد عرفت أن الاشكال فى المسألة من جهة أخرى، و هو عدم ثبوت مشروعية هذا العمل للوليّ، و حينئذ فلا يجدي التمليك المشروط في جواز تصدى الولي، بعد عدم ثبوت مشروعيته له. إذن فالمتعين هو ما اختاره صاحب المدارك رحمه اللّه.

(725) المقدار الّذي يمكن اثباته بالإجماع، أو بعض الوجوه الاستحسانية، إنما هو كراهة طلب تملّك ما دفعه زكاة، لا نفس التملّك- كما مرّ ذلك في بحث زكاة المال- و أمّا نفس التملّك بلا طلب، كما إذا أراد الفقير بيعه، فقوّمه بسعره الحالي، فليس حينئذ في شراء المالك منه ذلك أية كراهة، بل هو أحق به من غيره، كما دل عليه صحيح محمد بن خالد، أنه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن الصدقة؟ فقال: «إن ذلك لا يقبل منك ...- إلى أن قال:- فإذا أخرجها فليقسّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها، و إن لم يردها فليبعها «1»» و عليه فالعبارة لا تخلو عن مسامحة ظاهرة، و الصحيح هو ما مرّ منه قدّس سرّه في بحث زكاة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 199

[مسألة 6: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط]

[مسألة 6]: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط (726)، فلو جنّ، أو أغمي عليه، أو صار فقيرا قبل الغروب- و لو بلحظة-، بل أو مقارنا للغروب، لم تجب عليه، كما أنه لو

اجتمعت الشرائط بعد فقدها- قبله، أو مقارنا له- وجبت، كما لو بلغ الصبي، أو زال جنونه و لو الأدواريّ، أو أفاق من الاغماء، أو ملك ما يصير به غنيّا، أو تحرّر و صار غنيّا، أو أسلم الكافر، فإنها تجب عليهم.

______________________________

المال «1»، حيث عنون المسألة فيه كما يلى: «يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه فى الصدقة الواجبة و المندوبة، ...». فراجع.

(726) كما هو المشهور بين المتأخرين «2». و استدل له بصحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر «3»»، و صحيحه الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر». و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه

______________________________

(1)-- صفحة 58.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 297، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 527، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 200

..........

______________________________

فطرة؟ قال: «لا «1»».

و الّذي ينبغي أن يقال: إن مقتضى القاعدة- مع قطع النظر عن الروايتين- إنما هو وجوب الفطرة على كل من اجتمعت فيه الشرائط من حين زمان الوجوب آنا مّا، فإذا فرضنا: أن زمان الوجوب إنما هو غروب ليلة الفطر، أو كان ممتدا من الغروب إلى الزوال، كان تحقق الشرائط في ذلك الحين آنا مّا كافيا في فعلية الوجوب، و ذلك لأنّ مقتضى العمومات كقوله عليه السّلام في

مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت «2»»، و قوله عليه السّلام في مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمداني- في حديث-: «و الفطرة عليك و على الناس كلّهم ... «3»»، و نحوهما غيرهما إنما هو وجوب الفطرة على كلّ احد، غايته أنه بالمخصص المنفصل قيّدنا وجوبها بجملة من الشرائط كالبلوغ، و العقل- على الخلاف المتقدم- و الحريّة، و نحو ذلك، ممّا مرّت الإشارة إليه، و مقتضى ذلك إنما هو فعليّة الوجوب عند اجتماع الشرائط المذكورة في زمان الوجوب آنا مّا، و عليه فلو اجتمع ذلك حين الغروب، أو بعده إلى الزوال آنا مّا، كان مقتضى القاعدة هو فعليّة الوجوب، كما لا يخفى.

و أمّا بملاحظة النّصوص المذكورة، فالذي يدلّ عليه صحيح معاوية الأوّل إنّما هو اعتبار إدراك الشهر في وجوب الفطرة، و هل المراد به إدراك تمامه، أو بعضه و لو آنا مّا؟ الظاهر هو الثاني، و ذلك لأن الاسناد إلى الشي ء مما يختلف عرفا باختلاف الموارد، فقد لا يصح الإسناد إلى الشي ء إلّا إذا كان الفعل واردا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 4.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

على المسند إليه بتمامه، و ذلك كالمشي و المجي ء، فلا يقال- مثلا- جاء زيد، أو مشى زيد، إلا مع اسناد الفعل إلى المجموع المركب بتمامه، و قد لا يكون كذلك، بل يكون اسناده إلى المجموع باعتبار اسناده إلى البعض حقيقة، و بأن يكون الإسناد إلى المجموع ظاهرا فى البعض، كما فى

«اللّمس»، فان قولنا: «لمست الشي ء الفلاني»، ظاهر فى وقوع اللمس على بعضه. و ثالثة يكون محتمل الأمرين من دون ظهور له فى أحدهما، كما في إسناد «الإبصار «و «الرؤية»، إلى الشي ء، حيث يصح إسناد ذلك إليه مع عدم وقوعه إلّا على بعضه، فيصح أن يقال: «رأيت الشي ء الفلاني» مع عدم وقوع الرؤية على تمام جوانبه. كما يصح ذلك مع وقوع الرؤية على الكلّ. و الإدراك من هذا القبيل، حيث يصح القول: «إنّي أدركت الشهر» مثلا، إذا كنت قد أدركت بعضه، كما هو واضح.

و عليه فالرواية لا تدل على اعتبار إدراك الشهر بتمامه أو بعضه في وجوب الفطرة، و لكنّها تحمل على إدراك الشهر آنا مّا، بقرينة الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمار المتقدّمة، فانّها علّلت عدم وجوب الفطرة على المولود ليلة الفطر، بقوله عليه السّلام: «قد خرج الشهر»، ممّا يدل على كفاية إدراك الشهر آنا مّا. فلاحظ.

و هل المراد به هو شهر رمضان، أو شهر شوال؟ الظاهر هو الأوّل، للتعليل فى الصحيحة الثانية، بقوله عليه السّلام: «قد خرج الشهر ...»، و من الظاهر أن المراد به ليس هو إدراك ذات الشخص بعض الشهر، بل هو جامعا للشرائط، و إلّا فلا وجه لنفي الفطرة عن مورد الرواية، فان اليهوديّ و النصراني- على المفروض- كانا قد أدركا شهر رمضان. فلا بد و أن يراد به إدراكهما جامعين للشرائط، ليتم الحكم و ينسجم مع الضابطة المذكورة في الرواية لوجوب الفطرة.

و على هذا، فيكون مفاد الروايتين، بعد التقييد بسائر الشرائط إنما هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 202

..........

______________________________

وجوب الفطرة على من أدرك بعض شهر رمضان، جامعا لشرائط و لو آنا مّا، و هذا لا ينطبق

على ما تقدم عن المشهور، بل ادعى عليه الاجماع أيضا، و ذلك لأن مقتضى ما ذكرناه إنما هو وجوب الفطرة على من أدرك بعض شهر رمضان جامعا للشرائط، ثم زال بعضها قبل زمان الوجوب، و عاد ثانيا بعد حلول زمان الوجوب، و هذا مما لا يلتزم به المشهور، بل يعتبرون فى الوجوب استمرار اجتماع الشرائط قبل الغروب إلى حين الغروب، بحيث يكون الشخص حين الغروب واجدا للشرائط، و لا يضرّ بذلك فقدها- أو فقد بعضها- بعد الغروب، و عليه فالمشكلة انما تكون فى الاستدلال لاعتبار الاستمرار، أي استمرار الشرائط إلى الغروب، بحيث يكون فقد الشرائط- كلا أو بعضا- قبل الغروب أو مقارنا له، موجبا لانتفاء وجوب الفطرة، و الظاهر أن الاستدلال له في غاية الصعوبة و الإشكال، إلّا ما يمكن أن يقال في هذا المجال- و لعلّه ليس ببعيد كلّ البعد عن واقع الحال، بعد استقصاء جملة من النظائر و الامثال- و هو أن ورود مثل هذا التعبير «و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» في فرض حلول زمان الوجوب، مع فرض اجتماع الشرائط فى ذلك الحال- كما هو المفروض في مورد الرواية- يكون المتفاهم العرفي منه أن اجتماع الشرائط في بعض الشهر الماضي مستمرا إلى زمان الوجوب هو الموجب الفعلية الوجوب، و لو لا الاستمرار لم يكن الوجوب فعليا اصلا، فاعتبار الاستمرار إنما يهتدى إليه بالفهم العرفي من التعبير المذكور في أمثال الموارد المشار إليها، فان تم ذلك فهو، و إلّا كان الاستدلال لما ذهب إليه المشهور في غاية الصعوبة و الإشكال.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 203

..........

______________________________

تنبيه: لا يخفى عليك أن الاستدلال بقوله عليه السّلام- في صحيح معاوية

بن عمار المتقدم:

«و ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» إنما يتم على القول بعدم كون الكفّار مكلّفين بالفروع مطلقا، و لا أقل من عدم تكليفهم بزكاة الفطرة، فإنّه على هذا يكون الوجه في عدم وجوب الفطرة على اليهودي أو النصراني، الّذي أسلم ليلة الفطر، إنما هو لأجل عدم ادراكه الشهر- أي شوال- جامعا للشرائط، و منها الإسلام. و أمّا على المذهب المشهور، من كونهم مكلفين بالفروع- بما فيها زكاة الفطرة- فالرواية تكون مجملة، لعدم امكان تطبيق الجملة المتقدمة على مورد الرواية، إذ المفروض حينئذ هو ادراك الشهر جامعا للشرائط، بعد البناء على عدم شرطيّة الإسلام، كما هو المفروض.

و قد تصدّى شيخنا العلامة الأنصاري قدّس سرّه لتوجيه الرواية على المذهب المشهور، و هو تكليف الكافر بزكاة الفطرة، و حاصل ما أفاده قدّس سرّه في رسالته الخاصّة «1» في هذا المقام هو أن الرواية إنما دلت على عدم وجوب الفطرة على من لم يدرك الشهر جامعا للشرائط، و الكافر و إن كان قد أدركه جامعا لشرائط الوجوب، إلّا أن الإسلام- بمقتضى حديث الجبّ- صار مسقطا لوجوب الفطرة عليه من ناحية الكفر، و أمّا عدم وجوب الفطرة عليه من ناحية الإسلام، فلعدم إدراكه الشهر مسلما، و عليه فالوجه في عدم وجوب الفطرة في مورد الرواية من حيث الكفر إنما هو حديث الجبّ، و من ناحية الإسلام هو عدم إدراكه الشهر مسلما، فالرواية مما تنطبق- بحسب موردها- على المذهب المشهور، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 415، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

و يتوجه على ذلك:

أوّلا: أنّ حديث الجبّ- بناء على

التسليم به- إنما يقتضي سقوط تبعات ما صدر من الكافر حال كفره بالإسلام، و نتيجة ذلك اختصاص الساقط بالإسلام بالقضاء، فيما إذا كان الإسلام بعد فوات زمان الواجب، و أما لو ذلك في زمان الوجوب فلا وجه لسقوط الوجوب به، فان امتثال الواجب في زمان الأداء ليس هو من تبعات شي ء، بل القضاء خارج الوقت انما هو من تبعات التكليف بالفعل فى الوقت، و على هذا فلا يبقى مجال للقول بسقوط زكاة الفطرة في مورد الرواية، بعد فرض وقوع الاسلام في زمان الواجب، و عليه فلا وجه لنفي الفطرة في مورد الرواية، بعد فرض إدراكه الشهر جامعا للشرائط.

و ثانيا: إنّ معنى عدم شرطية الإسلام هو اطلاق دليل وجوب زكاة الفطرة بالإضافة إلى الكفار أيضا، و على هذا فالكافر إذا كان مكلفا بالفطرة فأسلم، كان لازم القول بسقوط الفطرة عنه بالإسلام انما هو عدم وجوب الفطرة الشخص المذكور، و بعد هذا لا يبقى مجال لتوهم وجوب الفطرة عليه من حيث الإسلام، كي ينفى ذلك بعدم حصول الشرط قبل الغروب مثلا، و ذلك لأن موضوع الوجوب إنما هو ذات الشخص، غايته أن عنوان الكفر لم يكن مانعا عن اطلاق دليل الوجوب بالإضافة إليه، فإذا فرضنا سقوطه عنه بالإسلام، لم يكن بعد ذلك مجال لتوهم إطلاق دليل الوجوب بالإضافة إليه و صيرورته موضوعا له، كما لا يخفى. و الحاصل، أن الموضوع فى المقام واحد، فإذا خرج عن كونه موضوعا لم يكن مجال لموضوعيته له بعد ذلك.

و ثالثا: مع الغض عن ذلك، إن لازم ما ذكره قدّس سرّه هو: أن وجوب الفطرة- مثلا- من حيث الإسلام وجوب شخصي يغاير وجوب الفطرة حال الكفر، و

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الزكاة، ج 3، ص: 205

و لو كان البلوغ، أو العقل، أو الإسلام- مثلا- بعد الغروب لم تجب. نعم، يستحب إخراجها (727) إذا كان ذلك بعد الغروب

______________________________

لذلك كان كل منهما محتاجا الى سبب يخصّه، فكما أن وجوبها عليه حال كفره كان متوقّفا على إدراكه الشهر جامعا للشرائط، كذلك الوجوب عليه حال إسلامه مما يحتاج الى إدراك آخر للشهر جامعا للشرائط، فيكون التعليل دالا على عدم تحقق الإدراك الثانى جامعا للشرائط، و أنه لا يكفي فيه الإدراك الأوّل، و هذا ممّا لا يستفاد من الرواية، كما هو ظاهر.

و المتحصل من ذلك كله أن الاستدلال بالرواية لا يتم إلّا على المختار من عدم تكليف الكفار بالفروع، و منها زكاة الفطرة، كما مرّت الإشارة إليه.

ثمّ ان ما ذكره المصنّف قدّس سرّه من عدم وجوب الفطرة باختلال الشرائط- و لو بعضا- مقارنا للغروب، مبني على استظهار الاستمرار فى اجتماع الشرائط، و قد عرفت الحال فيه.

و أمّا ما أفاده قدّس سرّه، من وجوب الفطرة عند اجتماع الشرائط و لو مقارنا للغروب، ففيه أنه لا وجه لذلك، بعد عدم إدراكه الشهر- و هو شهر رمضان- جامعا للشرائط، و المستفاد من النصوص- كما تقدم- اعتبار ذلك في وجوب الفطرة، هو ذلك، فلاحظ.

(727) نسب القول باستحباب الفطرة فى الفرض المذكور إلى الأكثر «1»، حملا لما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 499، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 206

إلى ما قبل الزوال من يوم العيد.

[فصل فيمن تجب عنه]

اشارة

[فصل] فيمن تجب عنه يجب إخراجها- بعد تحقّق شرائطها- عن نفسه، و عن كلّ من يعوله (728)، حين دخول ليلة الفطر، من غير فرق بين واجب النفقة عليه

و غيره، و الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و المسلم و الكافر، و الأرحام و غيرهم.

______________________________

رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال: «تصدق عن جميع من تعول، من حرّ أو عبد، صغير أو كبير، من أدرك منهم الصّلاة»، قال فى «الوسائل»: «أقول: المراد صلاة العيد «1»»، و مرسل الشيخ قدّس سرّه: «إنه إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال «2»» على الاستجاب، لما دل على اختصاص الوجوب بما اذا كان جامعا للشرائط قبل الغروب، كما تقدّم بيانه.

(728) العناوين المأخوذة موضوعا لوجوب الفطرة فى النصوص إنما هي عنوان «من يعول»، «من تعول»، «عيال»، «أهل» و أما سائر العناوين، كعنوان «من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 6.

(2)- المصدر/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 207

..........

______________________________

تمونون»، كما في مرسل المحقق قدّس سرّه فى «المعتبر» عن الصادق عليه السّلام «1»، أو «ما أغلق عليه بابه»، كما في رواية حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2»، و مرفوعة محمد بن أحمد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3»، فالظاهر انه من باب الكناية عما هو الموضوع للحكم، كما لا يخفى.

و النسبة بين العنوانين الأولين- أعني بهما «من يعول، تعول»، «عيال»- هي العموم المطلق، و الأول هو الأعم، و ذلك لأن المبدأ في «من يعول» إنّما هو العول، بمعنى الإنفاق، و لا يعتبر في صدقه الدوام و الاستمرار، و مبدأ «عيال» انما هو «العيلة»، بمعنى تحمّل المعيشة، و

هو أخص مطلقا من الإنفاق، و يعتبر في صدقه الدوام و الاستمرار، فإن كل من يحتمل معيشة شخص يكون منفقا عليه لا محالة، و لا عكس، فإن تحمّل المعيشة في اللغة الفارسية لعله قريب من قولنا:

«ادارۀ زندگى»، و المنفق لا يلزم أن يكون متحمّلا لمعيشة من ينفق عليه، و هو واضح.

و قد يقال فى الفرق بينهما إن المعتبر في صدق العيال هو وجود سنخ تبعية للمعال بالنسبة إلى المعيل، بحيث يعدّ المعال تابعا للمعيل و ممن يتعلق به في شئون معاشه، و لا يعتبر ذلك في صدق العول قطعا. فإن أريد بالتبعيّة ما يتحقق ذلك بنفس تحمل المعيشة، فمثل هذه التبعية المتحققة بالإنفاق موجودة في صدق العول أيضا، و إن أريد بها غير ذلك، فالظاهر أنه خلط بين العيال اللّغوي و العرفي بالعرف بالعام، و بينه بالعرف الدراج عندنا، و ما ذكر صحيح فى الثاني دون

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 15.

(2)- المصدر، ح 13.

(3)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 208

..........

______________________________

الأوّل، و المراد به فى المقام إنما هو بالمعنى الأوّل، كما لا يخفى.

و امّا النسبة بين العنوان الأوّل و الثالث، فالظاهر انّها العموم من وجه، فانه قد يكون المنفق عليه أهل للشخص و قد لا يكون كذلك، كما إذ أنفق على شخص أجنبي غريب، كما أنه قد لا يكون الأهل منفقا عليه، و هو واضح.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنه لا تنافي- ابتداء- بين النصوص الدالّة على ثبوت الفطرة على «من يعول» و بين ما دلّ على ثبوتها عن ال «عيال»، فان الخاص و العام المثبتين ممّا لا تنافي بينهما أصلا،

ما لم يكن للخاص مفهوم، كما إذا كان في مقام التحديد لما هو الموضوع. و إليك ذكر النصوص المأخوذ فيها عنوان «من تعول» و المأخوذ فيها عنوان ال «عيال»:

1- صحيح عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «1»»، و خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال: «تصدق عن جميع من تعول ... «2»»، و ما رواه في «قرب الاسناد» عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن فطرة شهر رمضان، على كلّ إنسان هي، أو على من صام و عرف الصلاة؟ قال: «هي على كلّ صغير أو كبير ممّن تعول «3»»، و رواه علي بن جعفر في كتابه أيضا «4».

و أمّا ما أخذ فيه «العيال»، فهو:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 6

(3)- المصدر، ح 14.

(4)- المصدر، ملحق ح 14، و عليه فالرواية صحيحة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 209

..........

______________________________

1- خبر معتب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة، و عن الرقيق، و أجمعهم، و لا تدع منهم احدا ... «1»».

و يتوجه عليه: أنّ الرواية غير دالّة على أن موضوع الحكم إنما هو عنوان «العيال» ليتنافى مع ما تقدم، و ذلك لأنها لا تتضمن إلا أمره عليه السّلام باعطاء الفطرة عن العيال و لا دلالة فيه على كونه موضوع الحكم، نظير ما

إذا أمر شخص خادمه- مثلا- باعطاء الفطرة عن زيد، و عمرو، و رباب، و زينب، و غيرهم من أفراد أسرته، أ فهل يحتمل في ذلك أن يكون الحكم مترتّبا على هؤلاء بهذه العناوين!

2- صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك، من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدي الفطرة عنه ... «2»».

و يتوجه عليه عدم دلالة الصحيحة إلّا على وجوب أداء الفطرة عن كل من ضمّه الشخص إلى عياله، و ذلك بجعله عيالا له، فيدلّ على وجوب الفطرة عن «العيال» و هذا لا ينافي مع وجوب ذلك بالنسبة إلى غير العيال أيضا. و الحاصل، أن مدلول الصحيحة ليس هو انحصار الوجوب بالعيال، لعدم المفهوم، و إنما يكون مدلوله وجوب أداء الفطرة عن العيال، و هذا لا يقتضي كون تمام الموضوع للحكم هو عنوان «العيال»، كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر الحال فى الاستدلال له بما روي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة العيد يوم الفطر: «أدّوا فطرتكم، فانّها سنّة نبيّكم، و فريضة واجبة من ربّكم، فليؤدّها كلّ امرئ منكم عن عياله كلّهم؛ ذكرهم و أنثاهم، و صغيرهم و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 210

..........

______________________________

كبيرهم ... «1»»، فإنه عليه السّلام- على فرض التسليم بالسند- ليس في مقام بيان الخصوصيّات، بل هو في مقام بيان أصل التشريع، و حثّ الناس على امتثال ما جاءت به الشريعة المقدّسة من حكم في خصوص الفطر، و حينئذ فلا مجال للأخذ بالرواية، دليلا على أن الموضوع للحكم إنما هو

عنوان «العيال».

3- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله، إلا أنه يتكلف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ قال: «لا، إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. و قال: العيال، الولد، و المملوك، و الزوجة، و أم الولد «2»».

و الاستدلال بالصحيحة- تارة- بتعليق الحكم على الوصف، في قوله عليه السّلام:

«إنما تكون فطرته على عياله» حيث دلّ على اختصاص الحكم بالعيال. و لكنه مندفع، بأن ذلك يتوقف على القول بمفهوم الوصف، و هو خلاف التحقيق. و لعل ذكر الوصف لأجل الأهمية، أو لكونه مورد السؤال، كما فى الرواية. و اخرى بمفهوم الحصر- و هو حصر وجوب الصدقة على العيال- و عليه فالصحيحة قد تكون ظاهرة فى اختصاص الحكم بعنوان «العيال»، بل الانصاف أن انكار ظهورها في ذلك مكابرة واضحة، إلا أنه مع ذلك يمكن المناقشة في دلالتها أيضا، نظرا إلى أن الحصر فيها إضافي لا حقيقي، و المقصود أنّ الواجب انّما هو فطرة العيال دون فطرة الشخص المذكور في مورد الرواية، فالحصر فى العيال إنما هو بالإضافة إلى الشخص المذكور، فكأنّ التعبير كان بهذا النحو: إن الواجب عليه هو فطرة العيال دون هذا الشخص الذي ليس بعيال، و هذا لا يقتضي كون تمام

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 7.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 211

..........

______________________________

الموضوع للحكم هو العنوان المذكور. و الحاصل، أنها و إن كانت ظاهرة ظهورا ما في اختصاص الحكم بالعيال، إلّا أنّه ليس من الظهور الذي لا يمكن الإخلال به و رفع اليد عنه.

و

المتحصل من ذلك كلّه أنه لا موجب لتخصيص ما دلّ على ثبوت الفطرة بالنسبة إلى من يعول، بما دلّ على ثبوتها بالنسبة إلى العيال، بعد عدم ثبوت المفهوم للخاص. و قد يقال: إن المنفق عليه في مورد السؤال و إن لم يكن العيال، إلّا أنّه مشمول للنصوص الدالّة على وجوب الفطرة على من يعول، فإنّه داخل في ذلك، و حينئذ تكون هذه الصحيحة منافية لتلك الروايات الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة معنى، كما فى «المستند «1»». إلّا أنه، نظرا لكثرة تلك الروايات، و صراحتها في وجوب الفطرة على من يعول، لا بدّ من حمل الصحيحة على الإنفاق الذي لا يحقق الإعالة، كالانفاق بعنوان الهدية أو الصدقة، كما عن الوسائل، فان الإنفاق في مورد الصحيحة مجمل قابل للحمل على ذلك، و لا يلتزم بتخصيص الروايات بهذه الصّحيحة من هذه الجهة أيضا.

و أمّا ما تضمنت الأمر باداء الفطرة عن الأهل، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك؛ الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير ... «2»»، و المرسل عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: سألته عن صدقة الفطرة؟ قال: «عن كلّ رأس من أهلك؛ الصغير منهم و الكبير، و الحرّ و المملوك ... «3»».

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 389، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 10.

(3)- المصدر، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 212

..........

______________________________

و النسبة بين هذه النصوص و بين النصوص المتضمنة للامر بالأداء عمن يعول و إن

كانت هى العموم من وجه- لما أشرنا إليه آنفا- من كون النسبة بين العنوانين هي ذلك، إلّا أنه يمكن القول، بأن الغلبة الخارجية لكون الأهل من المنفق عليه، تقتضي ضعفا في ظهور الدليل المأخوذ فيه عنوان «الأهل» فى الموضوعيّة، و يقوى احتمال كون أخذه فى الدليل إنما هو بلحاظ انطباق عنوان «من يعول» عليه، نظرا إلى أن الغالب هو أنّ الأهل ممن ينفق عليه، و عليه فيكون ظهور الدليل المأخوذ فيه عنوان «من يعول» فى الموضوعيّة للعنوان المذكور أقوى من غيره، فيؤخذ به لا محالة، كما هو ليس ببعيد.

و المتحصّل من ذلك هو أن الموضوع للحكم إنما هو عنوان «من يعول» دون «العيال» و «الأهل».

ثم إن مقتضى الفعل المضارع «من يعول» إنّما هو فعلية الإنفاق حال ثبوت الحكم و استمراره فى الجملة، فلا يكفي في وجوب إخراج الفطرة عنه مجرد الانفاق عليه دفعة واحدة، بل لا بد من تحقق المبدأ، ثم البناء على استمراره فى الجملة، لا إلى الأبد و بنحو الدوام، و هذا هو الظاهر من الفعل المضارع. و نظيره ما أفاده المحقق النائينى قدّس سرّه و جماعة، في بحث شرائط الصلاة، من أن الدليل إذا قام على اعتبار شرط فى الصلاة، كان مقتضاه اعتبار الشرط المذكور فى الافعال دون الاكوان المتخللة فى البين، بخلاف ما إذا دلّ على اعتباره في «من يصلّي» حيث يكون ظاهره اعتباره فيه حتى فى الأكوان، مع أن المبدأ- و هو الصلاة- فى العنوانين واحد، فكيف يفهم من اللفظ على الأوّل خصوص الأفعال دونه على الثاني! و لذلك استشكله بعضهم، إلا أن واقع الأمر هو كما أفاده قدّس سرّه، فان الظاهر من كلمة «من يصلّي» إنما هو كون مورد

الشرط و مصبه أمرا له البقاء و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 213

..........

______________________________

الاستمرار، و ليس ذلك إلّا الأفعال الصلاتية بما فى ضمنها الأكوان المتخلّلة، و إلا فلا استمرار و لا بقاء لنفس الأفعال فقط، فانها توجد و تنعدم. و الحاصل، أن اعتبار الشرط في طبيعة الصلاة الموجودة، المفروض خروج الاكوان عنها، يقتضي عدم اعتباره فى الأكوان، بخلاف اعتباره فى الوجود المستمر للطبيعة، حيث لا يكون لها وجود مستمر الا مع فرض إرادة الأكوان أيضا، و مقامنا من هذا القبيل، للتعبير بالفعل المضارع، و هو «من يعول».

و من هنا يظهر، أن مجرّد وجوب الانفاق- كما إذا كان المخرج عنه من واجبي النفقة- دون الانفاق الفعلي أصلا مما لا يفيد في فعلية وجوب الأداء عنه، خلافا لشيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه، حيث ذهب في رسالته إلى أن الموضوع للحكم المذكور إنما هو عنوان «واجب النفقة»، و عنوان «من يعول» أي يكون كل من العنوانين سببا لوجوب الفطرة، فيجب على الشخص إخراج الفطرة عمن تجب عليه نفقته و لو لم يكن ذلك ممن يعوله. و استدل له قدّس سرّه بروايتين:

إحداهما: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم، و قال: «و العيال: الولد و المملوك، و الزوجة، و أمّ الولد»، و الآخر خبر اسحاق بن عمار: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة ...- الى أن قال:- و قال: «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك، و أبيك، و أمّك، و ولدك، و امرأتك، و خادمك».

و يتوجه على الاستدلال بالأولى: أن الاشخاص المذكورين فى الرواية لم يجعلوا بعناوينهم موضوعا للحكم، و إنما جعلوا موضوعا للحكم بعنوان «العيال»، و صدق هذا العنوان موقوف على الإنفاق الفعلي.

و

أما الثانية، فقد اورد على الاستدلال بها- كما فى «المستند «1»»- بأنه لا بد

______________________________

(1)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 399، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 214

..........

______________________________

من الالتزام بأحد التقييدين في مورد الرواية:

أحدهما: تقييد المذكورين فيها من الأب، و الأم، و الولد بما إذا كانوا واجبي النفقة، و إلّا فلا تكون فطرتهم عليه قطعا، فيما لو كانوا أغنياء بأنفسهم. و الحاصل، أن وجوب فطرة الأب و الأم على الولد، و كذلك فطرة الولد على الأب لا يمكن الالتزام به على سبيل الاطلاق حتى مع عدم وجوب نفقتهم عليه.

و ثانيهما: التقييد بالانفاق الفعلي، ليتحقق به عنوان «من يعول»، و الاستدلال إنما يتم على التقدير الأوّل، إلّا أنه لا مرجّح له على التقدير الآخر، و هو التقييد بالانفاق الفعلى، و لا معيّن فى البين لأحد التقييدين على الاخر، و عليه فلا يتم الاستدلال بالرواية لإجمالها.

و يمكن القول بلزوم التقييد على النحو الثاني حتى مع التقييد الاول، و ذلك لأن من البعيد جدّا، أن يخاطب الممتنع عن الانفاق- المفروض كونه واجبا في حقه- بإخراج الفطرة، فان من لا يقوم بنفقة من تجب عليه نفقته، كيف يتجه خطابه بالقيام بفطرته؟! و الحاصل، أن هذا الاستبعاد الذوقي ممّا يوجب تعيّن التقييد الثانى و لزومه حتى مع التقييد على الوجه الأوّل،

و النتيجة المستخلصة من ذلك هو عدم الدليل على كون واجب النفقة موضوعا مستقلا في هذا المقام في مقابل عنوان «من يعول». فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 215

حتى المحبوس عنده و لو على وجه محرّم (729)، و كذا تجب عن الضيف، بشرط صدق

كونه عيالا له (730)، و إن نزل عليه في آخر يوم من رمضان، بل و إن لم يأكل عنده شيئا، لكن بالشرط المذكور، و هو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر، بأن يكون بانيا على البقاء عنده مدّة، و مع عدم الصدق تجب على نفسه، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضا، حيث أنّ بعض العلماء اكتفى- فى الوجوب عليه- مجرد صدق اسم الضيف، و بعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر، و بعضهم العشر الأواخر، و بعضهم الليلتين الأخيرتين، فمراعاة الاحتياط أولى.

______________________________

(729) لشمول «من يعول» له، فتجب الفطرة حينئذ، عملا بإطلاق النصوص.

(730) اختلفت الأقوال فى المسألة، فعن الشيخ و السيّد قدّس سرّهما «1»: اعتبار الضيافة طول الشهر، و عن المفيد قدّس سرّه «2» الاكتفاء بالنصف الأخير، و عن جماعة «3»،

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد حسن: الخلاف، ج 2: ص 133، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ المرتضى، علي بن الحسين: الانتصار، ص 88، ط النجف الأشرف.

(2)- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص 265، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم.

(3)- المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: صص 603- 604، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 380، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

الاجتزاء بالعشر الأخيرة، و عن الحلي قدّس سرّه «1» الاكتفاء بالليلتين الأخيرتين، و العلامة قدّس سرّه «2» بالليلة الأخيرة، و ابن حمزة «3» بمسمّى الافطار فى الشهر، و عن جماعة، منهم شيخنا الشهيد الثاني قدّس سرّه «4»، و وافقهم عليه- أيضا- شيخنا رحمه اللّه فى «الجواهر»: أن الاعتبار بصدق الضيف في جزء

من الزمان، قبل أن يهل الشهر، و عن بعضهم «5»- و هو المختار- صدق عنوان: «من يعول» أو «العيلولة» عرفا. و المعتمد فى المقام هما القولان الأخيران، و الا فباقى الاقوال ممّا لا دليل عليه ظاهرا. و كيف كان، فالذي يمكن أن يستدل به للمسألة إنما هو صحيح عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من اخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «6»» و لا اشكال في أنه إذا فسر «العول» بتحمل المعيشة، لتصبح كلمة «من يعول» مرادفة لكلمة «العيال»، فهو مما لا ينطبق على الضيف بوجه، و ذلك لأن تحمّل المعيشة على سبيل الاستمرار- و هو معنى من يعول- غير صادق

______________________________

(1)- الحلي، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 466، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 280، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 380، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب: ج 1: ص 536، ط إيران الحجرية؛ تحرير الأحكام: ج 1، ص 71، ط إيران الحجرية؛ الاردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 243، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(3)- ابن حمزة، محمد بن على، الوسيلة: ص 131، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم.

(4)- الشهيد الثانى، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: صص 446- 445؛ المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 604، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(5)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 397، ط مؤسسة

آل البيت عليهم السّلام.

(6)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 217

..........

______________________________

في مورد الضيف مهما طال به البقاء. و من هنا ذهب صاحب الجواهر «1» إلى أنّ الضيف بنفسه عنوان مستقل لوجوب إخراج الفطرة.

و لكن يتوجه عليه أن كلمات اللغويين في هذا المقام مختلفة، فربما فسّره بعضهم «2» بذلك، بينما فسّره آخرون «3» بالانفاق مطلقا، استمرّ أو لم يستمرّ، و حيث أنه لا سبيل لنا إلى احراز المعنى اللغوي للكلمة، و ليست الكلمة دارجة فى عرفنا الحالي، بحيث يعود علينا بالامكان- على ضوءه- استكشاف المعنى اللغوي و انجلاءه، فلا محالة لا بد من الرجوع في ذلك إلى ما يقتضيه ظاهر الرواية، و لا شك في أن ظاهر الرواية هو أن وجوب الفطرة عن الضيف باعتبار انطباق الكبرى الكلّية الواردة فى الرواية عليه، و هي قوله عليه السّلام: «الفطرة واجبة على كلّ من يعول».

و بكلمة أخرى: ظاهرها أن الجملة المذكورة إنما سيقت لبيان الكبرى الكلية المنطبقة على مورد الرواية، و هذا مما ينافى القول بجعل الضيف عنوانا مستقلا.

نعم- بناء على ما عرفت آنفا من أن العول بمعنى الإنفاق، لكن مطلق الإنفاق لا يكون بموضوع الحكم، كما أنه لا يكون الموضوع مجرّد الإنفاق الفعلي، بل الإنفاق المستمر على النهج المتقدّم بيانه، عملا بما يقتضيه الفعل المضارع من الدلالة على

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 497، ط النجف الاشرف.

(2)- ابن دريد، محمد بن الحسن: جمهرة اللغة، ج 3: ص 140، ط حيدرآباد- الهند؛ ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج 11: ص 486، ط دار صادر- بيروت

(نقلا عن الأصمعي)؛ الأزهري، محمد بن احمد: تهذيب اللغة، ج 3: ص 195، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة.

(3)- الجوهري، اسماعيل بن حماد: صحاح اللغة، ج 5: ص 1777، ط دار العلم للملايين- بيروت؛ ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج 11: ص 486، ط دار صادر- بيروت؛ الصاحب، اسماعيل بن عبّاد: المحيط، ج 3: ص 156، ط عالم الكتب- بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 218

و أما الضيف النازل بعد دخول الليلة، فلا تجب الزكاة عنه، و إن كان مدعوّا قبل ذلك (731).

______________________________

الاستمرار كما قدمنا- يمكن الأخذ بما هو ظاهر الرواية، من كون وجوب إخراج الفطرة عن الضيف باعتبار كونه من مصاديق «من يعول»، إلا أن الكلام في انطباق العنوان المذكور على الضيف، و أنه هل يكون منطبقا على كل من يصدق عليه عنوان «الضيف» أو أنه يعتبر فيه بعض الخصوصيات؟

الظاهر أن كلمة «من يعول» بعد ما تقدم من استظهار الاستمرار فيها فى الجملة، إنّما تصدق على الضيف إذا تحقّق الإنفاق الفعلي عليه قبل الغروب فى الجملة، و كان ذلك مع البناء على استمرار الإنفاق عليه مع تحقّقه بعد ذلك أيضا، و لو لم يتحقق منه الإنفاق بالفعل حال الغروب، لظهور النص فى التلبس بالإنفاق حال الغروب، فانه كما يستظهر الاستمرار فى الأكوان المتخللة بين الإنفاقين، الماضى و الآتي، حيث يصدق بذلك الاستمرار فى الانفاق، كما هو ظاهر، فلا يعتبر فيه الإنفاق الفعلي حال الغروب، كما لا يكفي فى صدق ذلك عليه الانفاق فى المستقبل فقط.

(731) فإن الدّعوة السابقة على الغروب لا تستوجب فطرته على المضيّف، فإنّه إن كان الموضوع لوجوب الفطرة هو صدق عنوان «من يعول»، فهو غير

صادق على مثل هذا الضيف قطعا، و إن كان الموضوع هو الضيف، بمعنى أن الضيف- بنفسه- له موضوعيّة فى المقام، و ليس ذلك باعتبار كونه من مصاديق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 219

[مسألة 1: إذا ولد له ولد، أو ملك مملوكا، أو تزوّج بامرأة، قبل الغروب من ليلة الفطر، أو مقارنا له]

[مسألة 1]: إذا ولد له ولد، أو ملك مملوكا، أو تزوّج بامرأة، قبل الغروب من ليلة الفطر، أو مقارنا له (732)، وجبت الفطرة عنه، إذا كان عيالا له، و كذا غير المذكورين ممّن يكون عيالا، و إن كان بعده لم تجب. نعم، يستحب (733) الإخراج عنه، إذا كان ذلك بعده و قبل الزوال من يوم الفطر.

______________________________

«من يعول»، فعدم وجوب الفطرة عنه، باعتبار أن المستفاد من النّص- بملاحظة مورد السؤال فيه- هو حضور الضيف قبل الغروب من ليلة الفطر، و دخول ليلة الفطر عليه و هو ضيف، لا أن الضيف- كيف كان- ممن تجب الفطرة عنه، فالملاك هو الحضور قبل الغروب، لا الدّعوة قبل الغروب، كما أنّ الدّعوة السابقة لا تحقّق عنوان الضيف قبل الغروب، كما هو ظاهر.

(732) الاكتفاء بالمقارنة لا يخلو عن اشكال، لما عرفت من أن مقتضى صحيح معاوية بن عمّار «1» الدّال على اعتبار ادراك الشهر، و ظاهره- كما تقدم- هو إدراك الشهر رمضان، خلاف ذلك. فلاحظ.

(733) أما عدم الوجوب، فلأن مقتضى صحيح معاوية بن عمار المتقدم عدم كفاية الولادة بعد الغروب، و أمّا الاستحباب، فقد استدل له بما رواه الشيخ قدّس سرّه مرسلا:

______________________________

(1)-- صفحة 199.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 220

[مسألة 2: كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه]

[مسألة 2]: كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه، و إن كان غنيّا (734) و كانت واجبة عليه لو انفرد، و كذا لو كان عيالا لشخص ثم صار وقت الخطاب عيالا لغيره.

______________________________

«إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال «1»»، و بما أن صحيح معاوية نص في عدم الوجوب إذا كانت الولادة بعد الغروب، فلا محالة تحمل الرواية على

الاستحباب، بعد رفع اليد عن ظاهرها و هو الوجوب. أو أنّه لضعف الرّواية من جهة الارسال يبنى على الاستحباب، استنادا الى قاعدة التسامح في أدلة السنن، بناء على كونها مثبتة للاستحباب. و هو محلّ الاشكال، كما قرّر في محلّه، فالاولى هو الإتيان به رجاء.

(734) محتملات المسألة أربعة:

الأوّل: أن يقال بوجوب الفطرة على كلّ من المعيل و المعال تعيينا، بحيث يكون هناك وجوبان مستقلان لا ربط لأحدهما بالآخر، و لذلك لا يكون قيام أحدهما بوظيفته مسقطا للتكليف عن الآخر.

الثّاني: أن تكون الفطرة واجبة على كل من المعيل و المعال بوجوب كفائي، فيكون المكلّف هو الجامع بينهما مثلا، أو غير ذلك، بأي نحو تصورنا الوجوب الكفائي، على ما هو المحرّر في محلّه، و حينئذ فيكون قيام أحدهما به مسقطا له عن الآخر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 221

..........

______________________________

الثالث: أن يكون وجوبها على المعيل فعليّا دون المعال، فلا يكون المعال خارجا عن دائرة التكليف في مقام الجعل، و إنما لا يكون التكليف بها بالنسبة إليه فعليا ما دام ذلك فعليا في حق المعيل، فتكون فعلية التكليف في حق المعيل مانعة عن فعليته في حق المعال.

الرابع: أن يكون الوجوب مجعولا في حق المعيل فقط، و يكون المعال خارجا عن دائرة التكليف رأسا، فيكون تكليف فى حق المعيل رافعا للتشريع عن المعال. هذه هى الاحتمالات المتصورة فى المسألة، و تظهر الثمرة العملية بينها في موارد، سيظهر ذلك إن شاء اللّه تعالى فيما سيأتي. هذا كله بحسب مقام الثبوت.

و أما بحسب مقام الاثبات، فالاحتمال الأوّل- الّذي هو ظاهر كلام ابن ادريس قدّس سرّه حيث

التزم بوجوبها على المضيّف و الضيف «1»، و يترتّب عليه عدم سقوط التكليف عن الضيف بقيام المضيّف باداء الفطرة عنه، فضلا عن سقوطها عنه بمجرد فعلية وجوبها فى حق المضيّف، أو بأصل وجوبها عليه- ممّا لا يمكن الإذعان به و المصير إليه.

و قد يقال في وجه بطلان هذا الاحتمال بأن مقتضى عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ثنى فى الصدقة «2»» هو عدم ثبوت تكليفين استقلالييّن بالفطرة فى حق المعيل و المعال معا. و لكن للاشكال فيه، نظرا إلى عدم ثبوت الرواية بهذا المضمون و عدم حجيتها سندا، مجال واسع، و الّذي ثبت ممّا يمكن أن يكون هو المنشأ للجملة المتقدمة- و الله العالم- إنما هو ما جاء في صحيح زرارة- أو حسنته بابن هاشم-

______________________________

(1)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 468، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(2)- ذكرنا في هامش الجزء الاول من كتابنا مصادر الحديث المذكور، فراجع: ج 1، ص 360.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 222

..........

______________________________

من قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ... «1»». و لكن الاستدلال به فى المقام لا يخلو ما فيه، فان الرواية خاصة بزكاة الاموال، و لا عموم- او اطلاق- لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة. و قد تعرّضنا لحال الرواية مفصّلا فى الكلام على المسألة الثالثة عشر من مسائل زكاة الانعام فراجع «2» و لاحظ.

و الأولى أن يقال في رد الاحتمال المذكور: أن المستفاد من التعابير الواردة في نصوص الباب بكلمة «يؤدّي عنه» و نحو ذلك، كما في صحيح عمر بن يزيد قال:

سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه،

فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «3»»، و صحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «كلّ من ضممت إلى عيالك، من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه «4»»، إنما هو كون المجعول فطرة واحدة، قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ثنى فى الصدقة «5»» هو عدم ثبوت تكليفين استقلالييّن بالفطرة في حقّ المعيل و المعال معا، و لكن للاشكال فيه، نظرا إلى عدم ثبوت الرواية بهذا المضمون و عدم حجيّتها سندا- مجال واسع و الّذي ثبت مما يمكن أن يكون هو المنشأ للجملة المتقدمة و اللّه العالم- إنما هو ما جاء في صحيح زرارة، أو حسنته- بابن هاشم- من قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال من وجهين في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(2)- ج 1: صص 375- 374.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

(4)- المصدر: ح 8.

(5)- ذكرنا في هامش الجزء الأوّل من كتابنا مصادر الحديث المذكور (- ج 1: ص 360).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 223

..........

______________________________

عام واحد ... «1»» و لكن الاستدلال به فى المقام لا يخلو ما فيه، فان الرواية خاصة بزكاة الاموال، و لا عموم- أو اطلاق- لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة. و قد تعرّضنا لحال الرواية مفصّلا فى الكلام على المسألة الثالثة عشر من مسائل زكاة الأنعام فراجع «2» و لاحظ.

و الأولى أن يقال في رد الاحتمال المذكور أن المستفاد من التعابير الواردة في نصوص الباب

بكلمة «يؤدّي عنه» و نحو ذلك، كما في صحيح عمر بن يزيد، قال:

سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال: «نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول ... «3»»، و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كل من ضممت الى عيالك، من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه «4»»، إنما هو كون المجعول فطرة واحدة، لا فطرتين، إحداهما على المعيل، و الأخرى على العيال. و هذا ظاهر لمن راجع الروايات و لا حظها.

و أما الاحتمال الثاني، فالاعتبار العلمي يساعده، فان مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام: «الفطرة على كل من اقتات قوتا «5»» انما هو وجوب الفطرة عينيّا على الكل بما في ضمنه المنفق عليهم، كما أن مقتضى ما دلّ على وجوب الفطرة على المعيل إنّما هو وجوبها عليه عينا، و القاعدة تقتضى في مثل المقام برفع اليد عن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(2)-- ج 1: صص 374- 375.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 2.

(4)- المصدر، ح 8.

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

ظهور كلا الدليلين فى التعيين، حيث انه لا يمكن توجه تكليفين عينيين نحو شخصين مع فرض وحدة المتعلق، كما هو المفروض، و نتيجة ذلك التخيير، و التخيير فى المكلّف معناه وجوب الشي ء كفاية، كما أن التخيير فى المكلّف به، معناه الوجوب تخييرا و

يترتب على هذا: أن العيال إذا كان جامعا لشرائط الوجوب في نفسه كانت الفطرة واجبة عليه بنحو الوجوب الكفائي أيضا، فإذا قام من يعوله بالواجب سقط عنه، و إلّا كان عليه القيام به، كما هو ظاهر.

و الحاصل، أن مقتضى القاعدة و الصناعة إنما هو الأخذ بالاحتمال المذكور، إلّا أنه ربما يخدش في ذلك، بأن المستفاد من النصوص أن فطرة المنفق عليهم واجبة على المنفق، وجوبا عينيّا، بحيث لا يمكن رفع اليد عنه و البناء على الوجوب الكفائي. و بكلمة أخرى: ليست العينيّة مستفادة من الظهور الإطلاقي ليسهل امر رفع اليد عنها، و انما هو- زائدا على ذلك- مما يستفاد من القرائن الداخلية الموجودة فى النصوص، و منها وحدة السياق، فانه لا إشكال في أن وجوب فطرة نفس المنفق وجوب عيني، مع أنّا نرى في جملة من النصوص اردافها بفطرة من يعوله بسياق واحد، ففي خبر اسحاق بن عمّار المتقدم «و الواجب عليك أن تعطي عن نفسك، و أبيك، و أمّك ...» و مقتضى وحدة السياق أن يكون وجوب الجميع عليه على نحو واحد، لا أن وجوب بعضها عليه عيني و البعض الآخر كفائي.

فلو سلمنا بالمناقشة المذكورة فلا محالة يتجه الاحتمال الثالث، و هو القول بعدم فعليّة الفطرة على العيال ما دام وجوب الفطرة في حق المعيل فعليا، من جهة التزاحم و ترجيح جانب الأهمّ، حيث أنه لا يمكن فعلّية كلا الوجوبين عينا لعدم القدرة، فلا محاله تكون الفعلية للأهم من المتزاحمين، و الأهميّة انما تكون في

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 225

و لا فرق (735)- فى السقوط عن نفسه- بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصيانا أو

نسيانا، لكن الأحوط الإخراج عن نفسه حينئذ.

______________________________

جانب المعيل، و عليه فمع الترك منه- عصيانا، أو سهوا و نسيانا- لا مانع من القول بفعليتها في حق العيال، كما هو واضح.

و اما الاحتمال الرابع، و هو أن يكون وجوب الفطرة على المعيل موجبا لسقوطها عن العيال رأسا، فالظاهر ان الدليل عليه مفقود جدا، و إثباته في غاية الإشكال، فإنه مبني على الالتزام بأحد امرين، إما كون ما دلّ على وجوب الفطرة على المعيل مخصّصا لعموم ما دلّ على الفطرة على كل أحد الشامل للعيال أيضا، أو حكومته عليه، و لا يمكن المصير إلى شي ء منهما، إذ لا وجه للأول أصلا، إذ ليس في لسان ما دل على وجوب الفطرة عمن يعول ما يقتضي تخصيص عموم ما دلّ على وجوب الفطرة على العيال، حيث أن الدليل الاثباتي لا يكون موجبا للتخصيص، كما أن لسان الدليل ليس هو الحكومة، كما لا يخفى.

(735) القول بالسقوط عن العيال مطلقا، حتى مع فرض عدم قيام المعيل بفطرته، لعذر أو غيره، مبني على الاحتمال الرابع، الّذي قد عرفت الحال فيه، و عليه فالقول بوجوب الإخراج في صورة الترك لا يخلو عن قوة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 226

نعم، لو كان المعيل فقيرا و العيال غنيّا فالأقوى وجوبها على نفسه (736). و لو تكلف المعيل الفقير بالإخراج على الأقوى، و إن كان السقوط حينئذ لا يخلو عن وجه (737).

______________________________

(736) فان تخصيص عموم وجوب الفطرة على كلّ انسان- كما هو مقتضى الاحتمال الرابع المتقدّم- إنما هو في فرض وجوبها على المعيل، و أمّا مع عدم وجوبها عليه من جهة عدم اجتماع الشرائط فيه- كأن يكون فقيرا- فلا وجه حينئذ للالتزام بالتخصيص

أصلا. و منه يظهر ما في تعليقه السيد البروجردي قدّس سرّه على المقام، حيث افاد: «القوة غير ثابته. نعم، هو أحوط، سواء تكلف من حاله باخراجها عنه، أم لا»، و كذلك السيد الشيرازي قدّس سرّه حيث علق عليه بقوله: «بل الأحوط» و لم يعلم وجه لما افاده، فلاحظ و تأمّل.

(737) بل الظاهر ان السقوط حينئذ قويّ، و ذلك لأن استحباب الفطرة في حق المعيل الفقير- كما دل عليه خبر اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلا ما يؤدّي عن نفسه من الفطرة وحدها، أ يعطيه غريبا أو يأكل هو و عياله؟ قال: «يعطي بعض عياله، ثم يعطى الاخر عن نفسه، يردّ دونها، فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة»- يكفي في سقوطها عن العيال بتكلف المعيل فى القيام بها، و ذلك لأن الفطرة على المعيل تكون مشروعة حينئذ، و بعد العلم بان المشروع ليس إلّا فطرة واحدة يكون قيام المعيل بها موجبا لسقوطها عن العيال.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 227

[مسألة 3: تجب الفطرة عن الزوجة]

[مسألة 3]: تجب الفطرة عن الزوجة، سواء كانت دائمة أو متعة، مع العيلولة لهما، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو متعة، مع العيلولة لهما، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا؛ لنشوز أو نحوه، و كذا المملوك و إن لم تجب نفقته عليه، و أما مع عدم العيلولة، فالأقوى (738) عدم الوجوب عليه، و ان كانوا من واجبي النفقة عليه، و إن كان الأحوط الإخراج، خصوصا (739) مع وجوب نفقتهم عليه، و حينئذ ففطرة الزوجة على نفسها إذا كانت غنية، و لم يعلها الزوج و لا غير الزوج-

أيضا-، و أمّا إن عالها، أو عال المملوك، غير الزوج و المولى، فالفطرة عليه مع غناه (740).

______________________________

(738) لما عرفت فيما سبق، من أن الملاك في وجوب الفطرة عن الغير هو العيلولة، و وجوب النفقة و نحو ذلك مما لا خصوصيّة له في هذا الباب. فراجع.

(739) هذا الاحتياط لأجل الخروج عن مخالفة من ذهب إلى وجوب الفطرة فى الفرض المذكور، و قد مرّت الإشارة إليه.

(740) لاطلاق ما دل على وجوب الفطرة عمّن يعول، حيث لا دليل على تقييده بما إذا لم يكن المعال زوجة، أو مملوكا لشخص اخر، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 228

[مسألة 4: لو أنفق الوليّ على الصغير أو المجنون من مالهما]

[مسألة 4]: لو أنفق الوليّ على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه و عنهما (741).

[مسألة 5: يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل]

[مسألة 5]: يجوز التوكيل (742) في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل، و يتولّى الوكيل النيّة، و الاحوط نيّة الموكّل أيضا، على حسب ما مرّ في زكاة المال، و يجوز توكيله فى الإيصال، و يكون المتولّي حينئذ هو نفسه.

______________________________

(741) أما عنه فلعدم كونهما ممّن يعول، و أما عنهما، فلما مرّ من أن الاقوى هو السقوط عن الصّبي و المجنون، على اشكال فى الثانى، كما مرّ.

(742) قد عرفت فيما سبق فى البحث عن المسألة في زكاة المال، ان مشروعية النيابة فى الأمر العبادي يحتاج إلى دليل، و لا دليل على مشروعيّتها في باب الزكاة و ما استدل به لذلك من النصوص- التي مرت الإشارة إليها في محلّه- لا دلالة لها على النيابة بوجه، بل ان غاية ما يستفاد منها التوكيل فى الإيصال، و عليه فعدم مشروعية النيابة في باب زكاة الفطرة يكون أوضح، إذ على تقدير التسليم بظهور النصوص فى النيابة فهي خاصّة بمورد زكاة المال، و لا اطلاق لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة أيضا، ليتمسك به فى المقام، كما هو واضح.

ثم إنّه على فرض التسليم بدلالة النصوص على مشروعية النيابة، فلا ينبغى الشك في أنّ مفادها إنما هو مشروعية «الاستنابة»، بأن يكون عمل النائب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 229

و يجوز الإذن (743) فى الدفع عنه أيضا لا بعنوان الوكالة، و حكمه حكمها. بل يجوز توكيله (744)، أو إذنه فى الدفع من ماله، بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة، كما يجوز التبرّع به من ماله، بإذنه أو لا بإذنه، و إن كان

الأحوط عدم الاكتفاء في هذا و سابقه.

______________________________

بتسبيب من المنوب عنه، ليكون مفاد المتحصّل من ملاحظة النصوص المذكورة، منضمة إلى دليل وجوب الفطرة على الشخص أن الواجب على المكلّف هو الاعم من الفعل المباشري و التسبيبي، و عليه فلا دليل على مشروعية النيابة مطلقا حتى و لو لم يتسبب إليها المنوب عنه، كما لا يخفى.

(743) ظاهر كلامه قدّس سرّه: أنّ الإذن فى الدفع مما يقابل التوكيل فيه، و ليس مرجعهما الى أمر واحد، و لعلّه يريد بذلك: ترخيصه الغير- و مفاد الترخيص هو الاباحة- التصدي لدفع الفطرة من مال المكلّف. و الإذن هذا المعنى لا يحتاج إلى القبول، بخلاف التوكيل فإنه مما يحتاج إلى القبول و لكن للاشكال فيه مجال واسع، فانه على فرض التسليم بجريان النيابة فى المقام، لا نلتزم بذلك مطلقا، بل جواز الاستنابة، أي الصادرة عن تسبيب المنوب عنه إلى ذلك، و الإذن فى الدفع- بالمعنى المذكور- لا يحقق عنوان «الاستنابة»، كما لا يخفى.

(744) لم يمكننا استظهار اشتغال الذمة من شي ء من النصوص الواردة في هذا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 230

[مسألة 6: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه،]

[مسألة 6]: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه (745) إخراج

______________________________

الباب، بل الظاهر منها- كما تقدم- إنما هو مجرد الوجوب التكليفي، و عليه فالمستفاد منها- بحسب الذوق غير المبنيّ على اساس علمي صناعي و بمناسبة الحكم و الموضوع، و هي ان الفطرة زكاة البدن- أن المكلّف به إنّما هو اخراج الفطرة من مال من وجب عليه الاخراج لا من مال غيره، و لأجل ذلك يشكل الأمر فى الفرعين، أما الفرع الأوّل- و هو التوكيل أو الإذن فى الدفع من ماله- فلأن غاية ما فى الباب أن

التوكيل فى الدفع انما يصح باعتبار كونه توكيلا في إيصال الفطرة إلى مستحقّها، و ليس من الاستنابة في أداءها، لعدم الدليل على مشروعيتها في زكاة الفطرة، و ما دلّ من النصوص على ذلك خاصّ بزكاة المال، كما مرّ. و عليه فلا بدّ للمكلّف من إخراجها مباشرة، و حينئذ يجوز له توكيل الغير- أو إذنه إيّاه- إيصالها إلى مستحقّها. مضافا إلى ما استظهرناه ذوقيّا، من أن الواجب هو إخراج المكلّف الفطرة من مال نفسه، فاخراج الغير من ماله، و لو كان بقصد الرجوع إلى المكلف مشكل جدّا.

و أمّا الثاني، فلأنّا و إن لم نعتبر وجوب إخراج الفطرة من مال المكلّف، و جوّزنا الأعمّ منه و من مال غيره، إلّا أنّا فهمنا من ظاهر النّصوص وجوب الإخراج تكليفا على المكلّف، و قد عرفت: أن الاستنابة في أداء الزكاة خاصّة بزكاة الأموال، فلا تكون مشروعة في زكاة الفطرة، فضلا عن مشروعيّة التبرع فيها.

(745) بناء على ما قرّبناه سابقا من الوجوب الكفائي عند اجتماع الشرائط فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 231

ذلك الغير عن نفسه، سواء كان غنيّا أو فقيرا و تكلف بالإخراج، بل لا تكون حينئذ فطرة، حيث إنّه غير مكلف بها. نعم، لو قصد التبرّع (746) بها عنها أجزأه على الاقوى، و إن كان الأحوط العدم.

______________________________

المعال، يكون الاجزاء- فيما لو أدّى المعال عن نفسه إذا كان غنيا- واضحا. نعم، ما أفاده المصنف قدّس سرّه انما يتم على مبناه و هو الاحتمال الاخير من المحتملات الأربعة المتقدمة، و هو عدم ثبوت التكليف بالفطرة في حق المعال أصلا، و أما إذا كان فقيرا، فالفطرة و إن لم تكن بواجبة عليه و على المعيل بنحو

الوجوب الكفائي، و انما تجب على المعيل عينا، إلّا أنه لا مانع من الالتزام باستحبابها بالنسبة إليه، بمقتضى موثق عمار، المتقدم ذكره عند تعرضه قدّس سرّه له فى المسألة الرابعة من الفصل السابق لاستحباب الفطرة على الفقير، و عليه فتكون الفطرة مشروعة في حقّه فلو أدّاها أجزأه ذلك و سقطت عن المعيل. كما إنّه يجزى على الاحتمال الثالث أيضا، و هو عدم فعليّة تكليف المعال ما دام تكليف المعيل فعليا، فإذا سقط عن الفعليّة، لعجز أو عصيان و نحوهما، كان تكليف المعال فعليّا لا محالة، فيجزى.

(746) مرّ الكلام في مشروعية التبرّع، و منه يظهر الوجه فى الاحتياط، فراجع و لاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 232

[مسألة 7: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي]

[مسألة 7]: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي (747) كما في زكاة المال، و تحلّ فطرة الهاشمي على الصنفين.

______________________________

(747) تقدم في زكاة المال أن النصوص الواردة فى الصدقة على الهاشميين على طوائف ثلاث:

منها: ما دلت على التحريم بقول مطلق، واجبة كانت أم مستحبة، كصحيح العيص بن القاسم «1»، و صحيح الفضلاء، أو حسنتهم بابن هاشم «2»، و صحيح ابن سنان «3».

و منها: ما دلت على الجواز بقول مطلق، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج «4».

و منها: المفصّلة بين الواجبة و غيرها، كخبر زيد الشحام «5»، و خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي «6»، و صحيح جعفر بن ابراهيم الهاشمي أو حسنته «7».

و مقتضى القاعدة انما هو تقييد كل من الطائفتين الأوليين بالأخيرة، فتكون النتيجة هي عدم جواز أخذهم الصدقة الواجبة دون المستحبة، هذا ما فصّلناه هناك. و أمّا المقام- و هو زكاة الفطرة- فالأمر فيها أيضا كذلك، نظرا إلى أن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل

الشيعة/ باب 29: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر/ باب 31: المستحقين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 32: المستحقين للزكاة، ح 4.

(6)- المصدر، ح 5.

(7)- المصدر/ باب 31: المستحقين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 233

..........

______________________________

الروايات المفصّلة بين الصدقة الواجبة و المستحبة شاملة للفطرة أيضا، امّا خبر زيد الشحام فالوارد فيه عنوان «الزكاة المفروضة» و هو شامل للفطرة أيضا، بل يمكن القول بانها القدر المتيقن به، نظرا إلى ما ورد في صحيح هشام بن الحكم، عن الصادق عليه السّلام- في حديث- قال: «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و انما كانت الفطرة «1»». و أما ما فى «الجواهر «2»» من ذكر خبر زيد الشحام مشتملا على ما يوجب اختصاص ذلك بزكاة الأموال، و هو قوله عليه السّلام: «المطهرة للمال ...» فهذا مما لم نعثر عليه أصلا، في شي ء من المجاميع الحديثية.

و أما خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي، فقد فسّر فيه الصدقة المحرّمة ب «الزكاة»، و لا شك في صدق العنوان المذكور على الفطرة أيضا. و اما صحيح جعفر بن ابراهيم الهاشمي، فقد خص فيه التحريم ب «الصدقة الواجبة على الناس» و قد بيّنا هناك انه قد يقال: بعدم شمول الخبر لمثل الكفارات، و النذورات و نحوهما. إلا أنّه لا وجه للقول بعدم شمولها للفطرة، أ ليست هي بصدقة واجبة على الناس؟! و المتحصل من ذلك كله، أن المحرم على الهاشميين إنما هو الفطرة، دون مطلق الصدقات و لو كانت مستحبّة.

ثم إن تحريم الصدقة الواجبة عليهم ليس على سبيل الإطلاق، بل يختص ذلك بما إذا لم يكن المتصدق بها هاشميا، و إلا فصدقة الهاشمي مما

تحلّ للهاشمي و إن كانت واجبة، كما تحلّ لغيره. و الوجه فيه انما هو الروايات المستفيضة، و فيها الصحيحة الدالة على ذلك «3»، و قد مرّت الإشارة إليها أيضا فى البحث عن زكاة المال، فراجع.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 412، ط النجف الأشرف.

(3)-- وسائل الشيعة/ باب 32: المستحقين للزكاة (من ابواب زكاة المال).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 234

و المدار على المعيل لا العيال (748)، فلو كان العيال هاشميا دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي، و فى العكس يجوز.

______________________________

(748) فى المسألة قولان: أحدهما ما ذهب إليه صاحب المستند قدّس سرّه «1» و تبعه على ذلك المصنف قدّس سرّه، و هو الصحيح أيضا، من ان العبرة بالمعيل لا بالعيال. و ثانيهما ما اختاره صاحب الحدائق قدّس سرّه «2» من كون العبرة بالمعال دون المعيل.

و استدل للثاني، بأنّ الفطرة مما تضاف إلى المعال، فيقال: «فطرة فلان»، فاذا كان المعال غير هاشمي صدق عليها أنها فطرة غير الهاشمي، فلا يجوز إعطائها إلى الهاشمي، و لو فرضنا كون المعيل هاشميا، إذ أن المناط فيه صدق كونها «صدقة غير الهاشمي»، و هو مفروض فى المقام، كما لا يخفى.

و استدل للأوّل، بأنّ المكلف بالصدقة، و الّذي اشتغلت ذمته بها، و هو الّذي يثاب و يعاقب على فعله و تركه، إنما هو المعيل دون المعال، فإن كان هاشميّا كانت الصدقة صدقة هاشمي، فتحلّ للهاشمي، و إن كان عياله غير هاشمي، و إن لم يكن هاشميا كانت صدقة غير الهاشمي، فلا تحل للهاشمي، و إن كان عياله هاشميا. و

الحاصل، أن الصدقة انما تضاف إلى من هو مكلّف باخراجها، و ليس هو إلا المعيل، و أما المعال فلا تضاف هي إليه إلا بنحو الاضافة إلى ما هو سبب تحقق الوجوب على المعيل، فهي بالنسبة إلى المعيل فطرته و صدقته، و بالنسبة إلى المعال فطرة و صدقة عنه، و المراد بالصدقة المحرّمة إنما هي الصدقة الّتي تجب

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 434، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 317، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 235

..........

______________________________

على غير الهاشمي و تشتغل ذمّته بها، لا ما تكون عن غير الهاشمي و إن لم تشتغل ذمته بها.

و التحقيق أن يقال: إن القول الفصل فى المسألة مما يبتني على تحقيق معنى «الصدقة» و تفسيرها، فقد يفسر ذلك «1»، بالمطهّر للبدن، و الدافع للبلاء، و نحوهما من التعاريف بالآثار المترتبة عليها، و لا شك في أنها- بناء على هذا التفسير- ممّا تضاف إلى المخرج عنه- و هو المعال- دون المخرج، و هو المعيل، فانها مطهّرة لبدن المعال، و دافعة للبلاء عنه، فهي صدقته، فإذن تكون العبرة بالمعال، لا بالمعيل.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 235

و لكن يتوجه عليه، عدم استقامة التفسير المذكور، فان التعريف بما تقدم مبنيّ على ضرب من المسامحة، و إلّا فالأمور المذكورة من الآثار المترتبة على الصدقة، كما أشرنا إليه، فكيف يتّجه تفسير حقيقتها بذلك! و هذا واضح.

و

قد تفسّر- كما هو الصحيح- باعطاء المال تبرّعا و مجّانا بقصد القربة، كما عن بعض أهل اللغة «2» التصريح به، و عليه فلا ينبغي الشك في إضافتها إلى المعيل، إذ الاعطاء صادر منه على الفرض، فتكون مضافة إليه لا محالة، و تكون صدقته، و نتيجة ذلك: كون العبرة به، لا بالمعال، و هذا ظاهر. فتدبر.

هذا و الاحتياط- في صورة الدفع إلى الهاشمي- فى كون المعيل و المعال- كلاهما- هاشميين، مما لا ينبغي تركه.

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 318، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن منظور، محمّد بن مكرّم: لسان العرب، ج 10: ص 196، ط دار صادر، بيروت؛ الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب: قاموس اللّغة، ج 2: ص 253؛ الراغب، الحسين بن محمد: معجم مفردات الفاظ القرآن/ تحقيق: نديم المرعشلي، ص 286.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 236

[مسألة 8: لا فرق فى العيال بين أن يكون حاضرا عنده- و في منزله أو منزل آخر]

[مسألة 8]: لا فرق فى العيال بين أن يكون حاضرا عنده- و في منزله أو منزل آخر- أو غائبا (749) عنه، فلو كان له مملوك في بلد آخر، لكنه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته، و كذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك، كما أنه إذا سافر عن عياله و ترك عندهم ما ينفقون به على انفسهم يجب عليه زكاتهم. نعم، لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه (750) سواء كان الغير موسرا و مؤدّيا أو لا. و إن كان الاحوط (751) في الزوجة و المملوك اخراجه عنهما، مع فقر العائل، أو عدم أدائه.

______________________________

(749) لاطلاق ما دل على وجوب فطرة المعال على المعيل، إذ لا يعتبر في صدق العيلولة الحضور، كما لا يخفى.

(750) لوجوب الفطرة- حينئذ-

على من يعولهم، و هو الغير، حسب الفرض.

(751) منشأ الاحتياط المذكور هو ما تقدمت الإشارة إليه؛ من احتمال أن يكون عنوان «واجب النفقة» موضوعا مستقلا في قبال عنوان «من يعول»، كما اختاره شيخنا العلامة الانصاري قدّس سرّه. و لكنك عرفت فيما سبق ضعف الاحتمال المذكور.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 237

و كذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله و لا في عيال غيره، و لكن الأحوط (752) فى المملوك و الزوجة ما ذكرنا، من الإخراج عنهما حينئذ أيضا.

[مسألة 9: الغائب عن عياله الّذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم]

[مسألة 9]: الغائب عن عياله الّذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم، بل يجب (753)، إلّا إذا وكّلهم (754) أن يخرجوا من ماله الّذي تركه عندهم، أو أذن لهم فى التبرع عنه.

______________________________

(752) الاحتياط المذكور مبنيّ على ما تقدم بيانه آنفا.

(753) قد يستشكل ما أفاده المصنف قدّس سرّه بقوله: «يجوز أن يخرج عنهم، بل يجب ...»

فانه لا معنى الجواز بعد فرض وجوبها عليه. و الظاهر أن ذلك لا يكون إلا مراعاة لنكتة أدبيّة، و إن كان قد خفى أمرها علينا. و لعلها تكون هي صحة الاستثناء الّذي ذكره قدّس سرّه متفرعا عليه، فكان ذكر الجواز أوّلا، ثم الوجوب بعده بكلمة «بل» تمهيدا للاستثناء المتأخر. و كيف كان فالوجه فى الحكم ظاهر مما تقدم فى المسألة السّابقة. فلاحظ.

(754) ظاهر العبارة أنّ التوكيل فى الاخراج بنفسه يكون مسقطا للوجوب عنه، و هو غير واضح، و لذلك ينبغي تقييده بمورد الوثوق بالإخراج، كما نبّه عليه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 238

[مسألة 10: المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة]

[مسألة 10]: المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة، إذا كان في عيالهما معا، و كانا موسرين (755).

______________________________

محشّو الكتاب رحمهم اللّه. ثم انّ الفرق بين الصورتين، المذكورتين فى العبارة هو ان الصورة الأولى عبارة عن الاستنابة فى الاخراج، بالتسبيب الى ذلك بواسطة التوكيل، و أمّا الثانية فهي عبارة عن الاذن فى النيابة التبرعيّة، بأن يأذن المعيل المعال في أنّه لا مانع عنده من تبرّعه بالنيابة عنه إن شاء، و قد مرّ ذكرها فى المسألة الخامسة، كما و قد مرّ الاشكال في كلتا الصورتين، و قلنا إن الثانية أولى بالإشكال من الاولى، إذ على تقدير التسليم بالجواز فى الاولى لا يمكننا ذلك فى

الثانية، فلاحظ.

(755) فى المسألة وجوه، بل أقوال ثلاثة:

الأوّل: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه و اختاره، و هو المحكي عن الأكثر «1».

الثاني: عدم الوجوب على واحد منهما، كما عن الصدوق قدّس سرّه «2»، و هو الصحيح، كما سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: الوجوب عليهما معا، بنحو الوجوب الكفائي.

و استدل للاول بوجهين:

الأوّل: الإطلاق، بدعوى أن مقتضى اطلاق ما دلّ على وجوب الفطرة على

______________________________

(1)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 329، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الصدوق، محمد بن على: الهداية، ص 52، ط دار العلم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 239

..........

______________________________

المعيل هو عدم الفرق بين تعدد المعيل و وحدته، فالدليل- بإطلاقه- شامل لمورد التعدد أيضا.

الثاني: مكاتبة محمد بن القاسم بن الفضيل البصري إلى أبى الحسن الرضا عليه السّلام يسأله عن المملوك، يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى، و بيده مال لمولاه، و يحضر الفطرة، أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه، و قد صار لليتامى؟ قال عليه السّلام: «نعم «1»».

و كلا الوجهين مخدوش فيه، أمّا الاول فلان مثل هذه الجملة «فطرة العيال على من يعول» مما لا أثر لها فى النصوص أصلا، ليؤخذ بإطلاق «من يعول» في مورد التعدد، و إنما هي واردة في كلمات الفقهاء رحمهم اللّه، و قد صادوها من متون النصوص، و إلّا فأغلب النصوص الواردة فى الباب مساقها بيان الخصوصيات فى المعال، و ليست واردة في مقام البيان من حيث المعيل أصلا، ليؤخذ بإطلاقها في مورد تعدّده.

و يشهد بذلك: ما ورد في ذيل جملة من نصوص الباب، من قوله عليه السّلام: «من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير،

حرّ أو مملوك»، أو ما يقرب من ذلك «2»، فإن ذلك ممّا يشهد بأن المقصود بالبيان فى النصوص المذكورة، إنما هو خصوصيات المعال، و أمّا المعيل فلم يكن الإمام عليه السّلام في مقام بيان خصوصيّاته أصلا.

و دعوى أنه على هذا لا مجال للتمسك بالإطلاق في ناحية المعيل اصلا، مع أنه قد سبق الاستدلال بالإطلاق لعدم الفرق بين كون المعيل غائبا أو حاضرا؟! مدفوعة بأن الاطلاق المتمسك به هناك إنما هو الاطلاق من ناحية المعال لا من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 5: زكاة الفطرة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

يعول، فان إطلاق الأب، و الأم، و الولد، و المرأة، و الخادم في مثل موثق إسحاق بن عمار «1»: «و الواجب عليك أن تعطي عن نفسك، و أبيك، و أمّك، و ولدك، و امرأتك، و خادمك و ما أشبهه» يشمل الغائب و الحاضر معا، و لا شك في أن الحكم إذا ثبت مع غيبة المرأة- مثلا- كان مرجع ذلك إلى ثبوته على المعيل مع غيبته، فان غيبة المعال تستلزم غيبة المعيل- بواقع الغيبة، لا بما هو المعنى المصطلح عليه لها- لا محالة، فإنهما متضائفان، كما لا يخفى.

و أمّا الثاني، فلأن الرّواية بظاهرها غير معمول بها بين الأصحاب، و ذلك لما دلّ على عدم ثبوت الفطرة على اليتيم. مضافا إلى دلالتها على جواز تصرفه في مال مولاه بدون إذن منه، مع فرض عدم الوصاية و نحوها، و هو على خلاف القواعد المسلّم بها. و لأجل ذلك حملها صاحب الوسائل قدّس سرّه على ما إذا كان موت المولى بعد الهلال. و هو و

إن كان دافعا للمحذور الأوّل، إلا أن المحذور الثاني- و هو التصرف بلا إذن من مولاه- باق. و كيف كان فالرّواية من جهة إعراض الأصحاب عنها لا تصلح دليلا لما تقدم، و إن كانت في حدّ نفسها مما لا بأس بها من حيث السند.

هذا، مضافا إلى ان الرواية- على تقدير تماميتها في نفسها- معارضة بخبر زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت: عبد بين قوم عليهم، فيه زكاة الفطرة؟

قال: «إذا كان لكلّ انسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته، و إذا كان عدّة العبيد و عدّة الموالى سواء، و كانوا جميعا فيهم سواء، أدّوا زكاتهم، لكلّ واحد منهم على قدر حصّته، و إن كان لكلّ إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شي ء عليهم «2»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 18: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 241

و مع اعسار أحدهما تسقط و تبقى حصّة الآخر (756)، و مع إعسارهما تسقط عنهما. و إن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره، و تسقط عنه و عن الاخر مع إعساره (757)، و إن كان الآخر موسرا، لكن الأحوط إخراج حصّته و إن لم يكن

______________________________

أما الثالث، فستأتى الاشارة- إن شاء اللّه تعالى- فى المسألة الحادية عشرة، ما يمكن الاستدلال به له. فانتظر.

و عليه فالصحيح هو ما نسب إلى الصدوق رحمه اللّه، من نفي الوجوب عنهما.

(756) على تقدير التسليم بثبوت الفطرة على الشريكين إذا كانت العيلولة مشتركة، يحتاج ما افاده قدّس سرّه فى المقام إلى دليل، و ذلك فإن غاية ما نسلمه انما هو ثبوت فطرة من يعول بكاملها

على المعيل، المفروض تعدّده، بأن تكون المطلقات الدالة على وجوب الفطرة على المعيل، شاملة لهما معا و لا نسلّم بثبوت بعض الفطرة على بعض افراد المعيل، و هو الموسر منهما، إذ لا دليل على ذلك فان المطلقات غير شاملة لهما لفقر أحدهما، و شمولها للموسر منهما بمقدار حصّته، بعد عدم صدق المعيل عليه بالخصوص، ممنوع منه، كما لا يخفى.

(757) أما سقوطها عن المعيل فللإعسار، و أما عن الشريك الآخر- مع فرض يساره- فلعدم العيلولة، مع ان الحكم مترتب عليه بعنوان العيلولة، كما عرفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 242

في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضا، و لكن الأحوط الإخراج مع اليسار، كما عرفت مرارا. و لا فرق- في كونها عليهما مع العيلولة لهما (758)- بين صورة المهاياة «1» و غيرها، و إن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما، فان المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض.

______________________________

و الوجه فى الاحتياط هو ما تقدمت الإشارة إليه، من احتمال أن يكون وجوب النفقة بنفسه عنوانا مستقلا- في قبال عنوان العيلولة- لثبوت الفطرة، كما اختاره شيخنا العلامة الانصاري قدّس سرّه. فراجع و لاحظ. و هذا هو الوجه فى الاحتياط الآتي أيضا.

(758) قد تفرض الشركة بنحو لا يصدق في أيّ آن من الآنات أنه عيال لهذا بالخصوص، أو أنه عيال لذلك بالخصوص، بل هو في كل آن من الآنات يعدّ عيالا لهما. و قد تفرض ذلك بنحو المهاياة، بحيث يعدّ في مقدار من الزمان عيالا لأحدهما، و في مقدار آخر منه عيالا للآخر.

أما على الأول، فالوجه فيه هو سقوط الفطرة عنهما، كما عرفت. و أما على

______________________________

(1)- تهايا القوم، تهايؤا: إذا جعلوا لكل واحد هيئة معلومة، و

المراد النوبة و هايئته مهائية، و قد تبدل للتخفيف فيقال: هابيته مهاباة. و المهاباة في كسب العبد، انهما يقسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه، و يكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة (الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين، مادّة «هيأ»). فالمراد به فى المقام «النوبة».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 243

و لا يعتبر اتفاق جنس المخرج من الشريكين (759)، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير و الاخر من حنطة، لكن الاولى- بل الأحوط- الاتفاق.

[مسألة 11: إذا كان شخص في عيال اثنين]

[مسألة 11]: إذا كان شخص في عيال اثنين، بأن عالاه

______________________________

الثاني، فالظاهر ثبوتها على من عدّ عيالا له حال الوجوب، فعيلولة أيّ واحد منهما في زمان الوجوب توجب ثبوت فطرته على المعيل في ذلك الوقت، و إن كان المعيل في غير زمان الوجوب هو الآخر، إذ لا يعتبر في ذلك إلّا صدق العيلولة في زمان الوجوب، كما يشهد بذلك الالتزام بثبوت الفطرة على الضيف إذا كانت الضيافة- المنطبق عليها عنوان العيلولة- متحققة في زمان الوجوب، كما هو مقتضى النص الخاصّ المتقدم، فان المسألتين من واد واحد، لما عرفت من أن الالتزام بذلك فى الضيف إنما هو بملاك العيلولة أيضا. فلاحظ.

(759) سيأتى الكلام- إن شاء اللّه تعالى- في جواز التلفيق مع اتحاد المعيل. و الظاهر أنه لا يفرق الحال فيه بين اتحاد المعيل و بين تعدّده، فما أفاده قدّس سرّه انما يتم على تقدير البناء على جواز التلفيق في تلك المسألة و الاحتياط المذكور مبني على احتمال عدم جواز التلفيق. فانتظر لتحقيق المسألة في محلّها، إن شاء اللّه تعالى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 244

معا، فالحال كما مرّ فى المملوك بين شريكين (760)، إلّا

في مسألة الاحتياط المذكور فيه (761). نعم، الاحتياط بالاتفاق في جنس المخرج جار هنا أيضا (762)، و ربما يقال: بالسقوط عنهما (763)، و قد يقال: بالوجوب عليهما كفاية، و الأظهر ما ذكرنا.

______________________________

(760) و قد مرّ ان التحقيق هو سقوط الفطرة- في صورة الاشتراك فى العيلولة- عن كلام الشريكين، لعدم الدليل- حينئذ- على الوجوب.

(761) فان منشأ الاحتياط المذكور هناك إنما كان هو احتمال وجوب الفطرة بعنوان واجب النفقة و إن لم يكن ممن يعول، و هذا منتف فى المقام، إذ المفروض هو عدم وجوب نفقته على واحد منهما «1».

(762) لعين الملاك فى المسألة السابقة، بعد فرض عدم الخصوصية لوجوب النفقة و نحوه، فى التلفيق، جوازا و منعا.

______________________________

(1)- هكذا افاده- دام ظله- و لعله مبنيّ على أن كون الشخص في عيال اثنين مما يتنافى و وجوب نفقته على كل واحد منهما. و يمكن أن يكون الوجه في عدم جريان الاحتياط فى المقام هو ما قيل، من اختصاصه بصورة عدم عيلولة الموسر، أحدهما كان أو كلاهما، و هو خلاف فرض العيلولة منهما معا فى المسألة. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 245

..........

______________________________

(763) اما احتمال السقوط عنهما، فقد عرفت فى المسألة السابقة أنه الاظهر. و أما احتمال الوجوب عليهما كفاية، فتقريبه- بحسب مقام الثبوت- يكون بأحد وجهين:

الأوّل: أن يقال: إن اطلاق وجوب الفطرة على المعيل يقتضي وجوب الفطرة على كل منهما- في مفروض المسألة- عينا، و لكن حيث يمتنع ذلك، نظرا إلى عدم امكان تعلق تكليفين وجوبيين- بنحو الوجوب العيني- بشي ء واحد، بحيث يجب شي ء واحد على شخصين بنحو الوجوب العيني، فان الفطرة واحدة بلا اشكال، فلا محالة يرفع اليد عن الاطلاق المذكور،

و نتيجة ذلك ثبوت الوجوب الكفائي، بحيث يكون قيام كل منهما بذلك مسقطا للتكليف عن الاخر أيضا.

الثاني: إنه كما قام الدليل على وجوب الفطرة على المعيل فيما إذا كان من ينطبق عليه العنوان المذكور شخص واحد، بحيث يكون تقومه بشخص واحد، كذلك دلّ على وجوب الفطرة على المعيل الضّمني، بمعنى أنه إذا كان هناك انفاقان، كل منهما جزء مقوم للعيلولة، بحيث تكون العيلولة متحققة بكلا الإنفاقين، و لكن كان المتصف بكل من الجزءين شخص غير الشخص المتصف بالآخر، فإذا دلّ الدليل على وجوب الفطرة على كل من الشخصين، مع أنه ليس بمعيل بالاستقلال، و انما هو معيل بالانضمام إلى الاخر، كما هو المفروض، فلا محالة يكون مقتضى القاعدة هو الوجوب الكفائي، لامتناع الوجوب العيني في شي ء واحد بالنسبة إلى شخصين.

و الحاصل، إنه إذا دل الدليل على وجوب الفطرة على كل من الشخصين اللّذين لا يكون كل واحد منهما باستقلاله معيلا، كما دل عليه فيما إذا كان باستقلاله معيلا، فاطلاقه و إن كان يقتضي العينية، إلا أنه لاجل المحذور يلزمنا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

رفع اليد عنه، فيثبت الوجوب الكفائي لا محالة. هذا، و كلا الوجهين غير سليمين عن الاشكال:

أمّا الأوّل، فلعدم صدق المعيل على كل واحد من الشريكين، إذ المفروض هو ان كل واحد منهم هو جزء المعيل، و حينئذ فلا اطلاق للنصوص، ليقال: إنه- بعد عدم إمكان الأخذ بإطلاقه المقتضى للعينية في مورد تعدد المعيل- يحمل على الوجوب الكفائي، فلاحظ.

و أما الثاني، فلأن غاية ما ثبت بالأدلّة انما هو وجوب الفطرة على المعيل استقلالا و لا دلالة لها على وجوبها على الضمني أيضا.

و أمّا ما جاء فى «المستمسك

«1»» من تقريب الوجوب الكفائي، بأنه إذا كان عنوان المعيل ملحوظا بنحو الطبيعة السارية، فيكون كل واحد موضوعا للحكم، و لأجل أن الفطرة واحدة لا تقبل التعدد، يكون الوجوب الوضعيّ كفائيا، فيتوجّه عليه:

انه لا كلام في ذلك إنما الكلام في عدم كون كل من الشريكين في مفروض المسألة فردا للطبيعة الملحوظة بنحو السريان، لعدم كون كل منهما بالاستقلال فردا لطبيعيّ المعيل، ليكون موضوعا مستقلا للحكم، و انما هو جزء من المعيل المتقدم بهما معا، كما هو المفروض.

كما أن جاء فيه بعد ذلك ردا على التقريب المذكور، من قوله: «لكن الظاهر كونه ملحوظا بنحو صرف الوجود، كما هو مقتضي اطلاقه، فينطبق على الفردين كما ينطبق على الفرد الواحد، و مقتضاه التوزيع ... «2»» مما يتوجه عليه:

أوّلا: انه لا ظهور فى البين كما ادّعاه، و إنما التزموا بذلك في خصوص باب

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 408- 409، ط الثالثة.

(2)- المصدر، ص 409.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 247

..........

______________________________

الأوامر بالنسبة الى المتعلقات بوجوه و اعتبارات.

و ثانيا: إن الصحيح في رد التقريب هو ما أشرنا إليه، من ان لحاظه بنحو الطبيعة السّارية لا يستوجب كون الوجوب فى المقام كفائيا، كما عرفت.

و أما ما جاء فيه «1» من تنظير المقام- في مقام تقريب الوجوب الكفائي- بمسألة تعاقب الأيادي، حيث إن كل واحد من ذوى اليد ضامن لذلك المال، و باداء واحد تفرغ ذمة الجميع عنه، و إن جاز الرجوع من السابق على اللاحق بمناط اخر. فيمكن أن يناقش فيه: بأن تلك المسألة و إن كانت شبيهة بالمقام من جهة، إلا انها تفترق عنه من جهة اخرى، و هي أنه بمجرد

أداء واحد من الأيادى، المال إلى مالكه- فيما إذا لم يكن هو ذو اليد الأخير- لا يسقط حق الرجوع من ذى اليد المتأخر عن اليد المؤدّية على اللاحق، و هذا لا يجتمع مع فرض الوجوب الوضعي فى المسألة بنحو الوجوب الكفائي، و لذلك اختلف القوم في تصوير المسألة، فاختار جمع منهم ما اختاره المحقّق الخراساني قدّس سرّه في حاشيته على المكاسب، من المعاوضة القهرية على النحو المقرر في محله، و ليس هذا موضع بيانه.

نعم، إذا كان المؤدّي هو ذو اليد الأخير، فقد فرغت بذلك- لا محالة- ذمّة الجميع، و لم يكن هناك حق لرجوع واحد منهم إلى الآخر، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 409، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 248

[مسألة 12: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه]

[مسألة 12]: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه (764) إن كان هو المنفق على مرضعته، سواء كانت أمّا له أو أجنبيّة،

______________________________

(764) لا اشكال فيه ظاهرا، و قد ادّعي عليه الإجماع «1» و يدلّ عليه مكاتبة ابراهيم بن محمّد الهمداني، ان أبا الحسن، صاحب العسكر عليه السّلام، كتب إليه- في حديث-: «الفطرة عليك و على الناس كلّهم، و من تعول، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، حرّا أو عبدا، فطيما أو رضيعا ... «2»»، و يمكن الاستدلال له بمفهوم صحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال: «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر «3»»، و قريب منه صحيحه الآخر «4» فانّ مفهومه هو ثبوت الفطرة إذا كانت الولادة قبل ليلة

الفطر بمقدار يصدق عليه أنه أدرك الشهر، و معلوم من الرواية أنها إذا ثبتت فانما يكون ذلك بحق الوالد، فلا محالة تدل الروايتان على ثبوت الفطرة على الرضيع بالأولويّة، لدلالتها على ثبوت فطرة من ولد قبل ليلة الفطر- و لو لم يرتضع بعد- على والده، فكيف به لو ارتضع أيضا؟!

______________________________

(1)- النراقى، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 403، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 249

و إن كان المنفق عليه غيره فعليه (765)، و إن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد (766). و أما الجنين فلا فطرة له (767)،

______________________________

بل يمكن أن يقال: إن المستفاد من الرّواية انما هو ثبوت فطرة الرضيع بعنوانه على أبيه، و لكن حيث بنينا- بمقتضى النصوص المتقدم ذكرها- على أن الفطرة انما تثبت بالنسبة إلى من يعول، لا مطلقا، فلا محالة يستكشف من ذلك أن الرّضيع داخل في من يعول، أو بتعبير آخر، يستكشف منه أن العيلولة متحققة فى الفرض المذكور. و عليه فلا يفرق الحال بين ما إذا كانت المرضعة هي أمّه و لو مجانا، أو غيرها بالأجرة.

(765) لأنه حينئذ يكون داخلا في عنوان «من يعول» بالإضافة إلى المنفق، لا بالنسبة إلى الأب. إلّا إذا كان الأب قد استأجر الأمّ لإرضاعه فان الرّضيع حينئذ- مع كون المنفق على أمّه هو غير الأب- يكون داخلا تحت عنوان «من يعول»، كما هو ظاهر.

(766) اما عدم الوجوب عليه، فللصغر، و أمّا على غيره، فلعدم العيلولة.

(767) إجماعا، لعدم العيلولة

قبل الولادة يقتضيه صحيحا معاوية بن عمار، المتقدمان.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 250

إلّا إذا تولّد قبل الغروب (768). نعم، يستحب (769) إخراجها عنه إذا تولّد بعده إلى ما قبل الزوال، كما مرّ.

[مسألة 13: الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال]

[مسألة 13]: الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال (770)، فلو أنفق على عياله من المال الحرام- من غصب أو نحوه- وجب عليه زكاتهم.

______________________________

(768) لما دل على وجوب الفطرة عمن أدرك الشهر، كصحيحي معاوية بن عمار المتقدم ذكرهما.

(769) لمرسل الشيخ قدّس سرّه: «إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من اسلم قبل الزوال» و قد مرّ الوجه في دلالة الخبر على الاستحباب، فلاحظ.

(770) فان المناط هو صدق العيلولة، المفروض تحققها، حتى مع الانفاق من المال الحرام، و لعلّ احتمال- أو توهم- عدم وجوب الفطرة عليه فيما اذا أنفق عليهم من المال الحرام إنما نشأ من تخيّل أن العيلولة إنما تكون سببا لوجوب الفطرة على المعيل، فإذا كان الإنفاق منهيا عنه- و هو سبب لوجوب الفطرة عليه- كان ذلك من النهي عن السبب المقتضى للفساد، و بمعنى عدم ترتب المسبب عليه، و لاجل تعرض قدّس سرّه للمسألة. و لكنه فاسد جدا، فان المراد بالسبب في تلك المسألة لا يراد

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 251

[مسألة 14: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة]

[مسألة 14]: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته (771) بعد صدق العيلولة، فلو أعطى زوجته نفقتها، و صرفت غيرها في مصارفها، وجب عليه زكاتها، و كذا في غيرها.

______________________________

به ما يكون مأخوذا فى مرحلة الموضوع مطلقا، بل خصوص ما يصطلح عليه باسم السبب، و العيلولة إنما تكون موضوعا لوجوب الفطرة عليه، و ليست هي من السبب بالمعنى المصطلح.

أو أنّ الإنفاق من المال الحرام، باعتبار كونه انفاقا لمال الغير، و هو غير مملوك للمنفق- كما فى الغصب و نحوه- فلا يكون ذلك المنفق عليه مصداقا ل «من يعول»، فلا تجب فطرته

على المنفق. و هو أيضا باطل، فان انفاقه من مال الغير باعتبار كونه موجبا للضمان، و ثبوت ذلك في عهدته، يوجب صدق العنوان المذكور لا محالة، كما هو ظاهر.

(771) و السر في ذلك أن المنفق لا يشترط على المنفق عليه صرف عين ما يدفعه إليه، و انما يدفع ذلك إليه لينفق عينه أو قيمته، فإنّ غرضه انما هو إعاشة المنفق عليه، و لا خصوصيته لعين المال المدفوع إليه. و عليه، فإذا صرف المنفق عليه غير العين المدفوع إليه، كان مرجع ذلك- فى الحقيقة- إلى تبديل مالية المدفوع إليه بمالية اخرى، فيتحقق فى البين تبديل ارتكازي لمالية بمالية اخرى، و هذا مما لا يضر بصدق الانفاق، بعد فرض عدم اشتراط المنفق صرف العين بنفسها.

و أوضح من ذلك، ما إذا دفع إليه دينارا- مثلا- فأبدله بالدراهم عند

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 252

[مسألة 15: لو ملك شخصا مالا- هبة، أو صلحا، أو هدية- و هو أنفقه على نفسه]

[مسألة 15]: لو ملك شخصا مالا- هبة، أو صلحا، أو هدية- و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته (772)، لأنه لا يصير عيالا له بمجرد ذلك. نعم، لو كان من عياله عرفا و وهبه- مثلا- لينفقه على نفسه، فالظاهر الوجوب (773).

______________________________

الصيرفيّ و صرف الدراهم، أ فهل يكون هذا موجبا لعدم صدق المنفق على معطى الدينار؟! كلّا، و الوجه فيه هو ما أشرنا إليه. و المقام من هذا القبيل، غايته أن الصدق فيه أخفى من لمثال.

(772) و الوجه فيه ظاهر، فإن الإنفاق انما هو من العناوين المتميّزة عرفا عن مثل الهبة، و الهدية و غيرهما بالقصد، فإذا لم يقصد الإنفاق لم يصدق حينئذ عنوان «العيلولة».

ثم إن كان الأولى به التعليل بعدم تحقق العيلولة بذلك، فان المناط في وجوب

الفطرة عليه انما هو انطباق عنوان «من يعول»، لا كونه عيالا له، كما تقدم.

(773) لصدق الإنفاق عليه حينئذ، الموجب لصدق العيلولة، و هو ممّا يوجب الفطرة عنه. ثم إنّ المناط في وجوب الفطرة عنه- كما عرفت- انما هو صدق العيلولة المتحقق ذلك بالإنفاق، فاعتبار كونه عيالا له عرفا- كما عن المصنف قدّس سرّه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 253

[مسألة 16: لو استأجر شخصا و اشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه]

[مسألة 16]: لو استأجر شخصا و اشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه، لا يبعد وجوب إخراج فطرته (774). نعم، لو اشترط عليه مقدار نفقته، فيعطيه دراهم- مثلا- ينفق بها على نفسه، لم تجب عليه (775)، و المناط الصدق العرفي في عدّه من عياله و عدمه.

[مسألة 17: إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه، و صار ضيفا عنده مدة، هل تجب عليه فطرته، أم لا؟]

[مسألة 17]: إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه، و صار ضيفا عنده مدة، هل تجب عليه فطرته، أم لا؟ اشكال (776).

______________________________

مما لا موجب له.

(774) لتحقق موضوعه، و هو عنوان «من يعول»، كما لا يخفى.

(775) لأن المال المشترط بمقدار النفقة، و ليس هو بعنوان النفقة، و الموجب للفطرة هو الثاني.

ثم إن الأولى- كما مرّ آنفا- هو أن يقال: إن المناط هو صدق عنوان «من يعول» عرفا و عدمه، لا عنوان «العيال».

(776) الظاهر أنه لا اطلاق لنصوص الباب من هذه الجهة، فإنها مسوقة لبيان الخصوصيات الأخر، بقرينة بيان خصوصيات المعال فيها، من كونه صغيرا أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 254

و كذا لو عال شخصا بالإكراه و الجبر من غيره (777).

______________________________

كبيرا، حرّا أو مملوكا. و أمّا خصوصيّة كون الإنفاق عن داعى طيب النفس بذلك أو الأعم منه و من غيره، فليس شي ء منها في مقام البيان من هذه الجهة اصلا، ليتمسك بإطلاقها لنفي اعتبار الخصوصيّة، و هي اعتبار الرضا و الاختيار، كما لا يخفى على من لاحظها. و المرجع- حينئذ- هو البراءة. و لعل تردده قدّس سرّه في ثبوت الإطلاق و عدمه، هو الذي أوجب الإشكال فى المسألة، و إلّا فالحكم كما استظهرناه هو الرجوع إلى البراءة.

و أمّا ما فى «المستمسك»، من أن «منشأه انصراف الاطلاق إلى صورة الرضا و الاختيار،

لكن الإطلاق محكم ... «1»»، فيتوجه عليه:

أوّلا: أن دعوى الانصراف من الدعاوى الجزافيّة غالبا، حيث لا شاهد عليها نفيا و لا اثباتا.

و ثانيا: إن الاطلاق إنما هو أول الكلام.

(777) و الوجه فيه هو ما تقدم في سابقه، و قد ذكر له فى «المستمسك» وجها آخر، و هذا نصه: «اللّهم إلا أن يقال: مقتضى حديث رفع الإكراه عدم سببيّة العيلولة عن إكراه للوجوب، كما في أمثاله من الموارد «2»».

قلت: المرفوع بحديث الرفع- كما استقر عليه الرأي أخيرا- انما هو الشي ء

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن، مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 411، ط الثالثة.

(2)- نفس المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 255

..........

______________________________

عن عالم التشريع، بمعنى إخراجه عن مورد التشريع، و عدم جعله موضوعا للحكم الشرعي، كما يقابله الوضع الشرعي، و هو عبارة عن جعله موضوعا للحكم الشرعي. و بهذا يتحفظ على ظهور كلمة «الرفع» فيحمل على معناه الحقيقي، كما يتحفظ به على ظهور النسبة، بأن تكون نسبة الرفع إلى الأمر التكويني نسبة حقيقية و إلى من هي له، بلا حاجة إلى تقدير الحكم و نحو ذلك اصلا. و على هذا، فيختص مورده بما إذا كان الشي ء متعلقا لحكم شرعي كشرب الخمر مثلا، أو كان موضوعا له، و كان متصفا بالحكم المذكور أيضا، كما فى البيع مثلا، فانه موضوع للصحّة شرعا و عقلا، و متصف بها أيضا، فيقال: إن البيع صحيح و نافذ شرعا، و أما فى المقام، فالإنفاق و إن كان موضوعا لوجوب الفطرة على المنفق، إلا أنه ليس مما يتصف بالوجوب المذكور، فلا يقال: «الانفاق واجب»، أو «العيلولة واجبة»، و حينئذ فحديث الرفع لا يكون رافعا لوجوب الفطرة عن المنفق إذا كان

مكرها على الإنفاق، و ذلك لأن رفع الإنفاق- كما تقدم- لا يكون إلّا بعدم تشريع الحكم له، و هو فى المقام عبارة عن وجوب الفطرة على المنفق، و المفروض هو عدم تشريع الحكم المذكور له، إذ لا يتصف به كما عرفت، ليرفع ذلك بحديث الرفع، كما هو ظاهر.

نعم، يمكن الالتزام بجريان حديث الرفع فى المقام بوجه اخر، و هو مما يبتنى على أمرين:

أحدهما: الالتزام بعدم اختصاص المرفوع به بالأحكام التكليفية، بل هو الأعمّ منها و من الوضعيّة.

و الآخر: ان السببيّة من الأحكام الوضعية القابلة لكلّ من الوضع و الرفع تشريعا، و عليه ففى المقام تكون سببية الانفاق لوجوب الفطرة على المنفق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 256

نعم، في مثل العامل الّذي يرسله الظالم لأخذ مال منه، فينزل عنده مدّة ظلما، و هو مجبور في طعامه و شرابه، فالظاهر عدم الوجوب (778)، لعدم صدق العيال، و لا الضيف عليه.

______________________________

مرفوعة بالحديث.

إلا أنه يشكل الأمر في قبول الوجه المذكور، نظرا إلى انّه بعد التسليم بالأمرين المذكورين كبرويا. انما يقع الكلام و الإشكال فى الصغرى، فان الإنفاق فى المقام إنما أخذ موضوعا للوجوب على المنفق، لا سببا بالمعنى المصطلح عليه القابل لكل من الوضع و الوضع تشريعا، و موضوعيّة الشي ء بالنسبة إلى شي ء اخر ليست هي من الأمور الوضع الاستقلالية القابلة لتعلق الوضع به ليصح انتساب الرفع إليه، فإنها ليست إلا الحكم بشي ء مترتبا عليه، فينتزع من ذلك موضوعية المترتب عليه.

و الحاصل، أن الاستدلال بالحديث فى المقام مشكل فعلا، و الوجه الذي يمكن الاستدلال به لعدم الفطرة على المنفق في كلا الفرعين هو ما تقدمت الاشارة إليه. فلاحظ.

(778) المناط في هذا الباب- كما مرّ

غير مرّة- إنّما هو صدق عنوان «من يعول»، و هو الضابط حتى في مورد الضّيف، كما تقدم، و بما أن الظاهر من العرف هو اعتبار نحو من التبعيّة في صدق العنوان المذكور، و هي غير موجودة فى الفرض، إذ قد يتصدى العامل النازل للأمر باعداد الطعام الخاص حسبما يشتهيه، و لو لا امره به

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 257

[مسألة 18: إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي ء]

[مسألة 18]: إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي ء، و إن مات بعده وجب الإخراج من تركته (779)، عنه و عن عياله.

______________________________

لم يقدّم له الطعام المذكور بحسب الطبع أصلا، و إذا فرضنا عدم تصديه لذلك بالإبراز خارجا فلا شك في أنّ وضعه- باعتبار كونه مبعوثا من قبل الظلم- ممّا يوحي بالأمر ارتكازا، كما لا يخفى.

و الحاصل، أن الوجدان يشهد بعدم التبعية اللازمة فى الصدق فى المقام، بل الأمر فيه بالعكس، حيث ان المنفق تابع للنازل، كما عرفت، فلا محالة لا يجب على المنفق فطرته ظاهرا. و اللّه العالم.

(779) إذا سلمنا بكونها- أي الفطرة- من الديون المالية المتعلقة بالتركة بسبب الموت، فالأمر واضح، إلا أن الكلام فى التسليم بذلك، و إن كنا نسلّم به في زكاة المال، كما مرّ. و الوجه فيه إنّا قد بنينا في تلك المسألة على أن الزكاة حق متعلق بالعين من قبيل حق الجناية، يدور مدارها أين ما وجدت، و عليه فيكون مقتضى القاعدة حينئذ إنّما هو الإخراج من تركته، و أمّا فى المقام فلم يثبت من الأدلة ان الفطرة تكون من قبيل الحق المتعلق بالعين، أو انها تكون ثابته فى الذمّة فتكون الذمة مشتغلة بها، أو أنّها مجرد تكليف محض؟ و

لذلك لا يمكننا القول بوجوب إخراجها من التركة بعد الموت، لاحتمال أن يكون الأمر بها تكليفا محضا و هو مما يسقط بالموت لا محالة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 258

و إن كان عليه دين، و ضاقت التركة، قسّمت عليهما بالنسبة (780).

______________________________

و امّا النصوص الخاصّة، فالظاهر عدم وجود ما يمكن التمسك بإطلاقه فى المقام، بل هي مختصة بزكاة الاموال، كصحيح زرارة- أو حسنته بابن هاشم- قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل لم يزكّ ماله، فأخرج زكاته عند موته فأدّاها، كان ذلك يجزى عنه؟ قال: «نعم، قلت: فإن أوصى بوصية من ثلثه و لم يكن زكىّ، أ يجزي عنه من زكاته؟ قال: نعم، تحسب له زكاة، و لا تكون له نافلة و عليه فريضة «1»»، و صحيح شعيب- أو حسنته- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن على أخي زكاة كثيرة، أ فأقضيها أو اؤدّيها عنه؟ فقال لى: «و كيف لك بذلك؟! قلت: احتاط، قال: نعم، إذن تفرج عنه «2»»، و من الظاهر اختصاص الخبر الأوّل بزكاة الاموال، كما يشهد به صدره. و أمّا الثاني، فاطلاقه بالإضافة إلى الفطرة، لقوله: «... زكاة كثيرة ...» و إن كان محتملا، إلا ان ليس بحدّ الظهور ليصلح للاعتماد عليه، و عليه فلا دليل على خروج الفطرة عن التركة بعد الموت.

(780) بناء على قيام الدليل على وجوب إخراجها من التركة بعد الموت ما أفاده قدّس سرّه ظاهر، لعدم المرجح لبعض الديون على الآخر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 22: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 259

[مسألة 19: المطلقة رجعيّا فطرتها على زوجها، دون البائن، إلّا إذا كانت حاملا ينفق عليها.]

[مسألة 19]: المطلقة رجعيّا فطرتها على

زوجها (781)، دون البائن، إلّا إذا كانت حاملا ينفق عليها.

[مسألة 20: إذا كان غائبا عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شك في حياتهم، فالظاهر وجوب فطرتهم]

[مسألة 20]: إذا كان غائبا عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شك في حياتهم، فالظاهر وجوب فطرتهم، مع إحراز العيلولة على فرض الحياة (782).

______________________________

(781) بناء على كون الضابط في اخراج الفطرة هو صدق عنوان «من يعول»، لا وجوب الإنفاق- كما تقدمت الإشارة إليه غير مرّة- يكون المتّبع- لا محالة- إنّما هو العنوان المذكور، فمتى ما كان ذلك متحققا، سواء أ كان من يعول زوجة أو غيرها، كانت مطلّقة بطلاق رجعيّ أو بائن أم لم تكن، وجبت الفطرة على المعيل، و إلّا فلا. و عليه فلا وجه لعقد المسألة فى الزوجة المطلقة الرجعيّة و البائن و نحوهما من الصغريات، كما هو ظاهر.

(782) تحقيق الكلام فى المسألة هو أن أخذ شيئين فى الموضوع مما يتصور على انحاء، فقد يكون المأخوذ هو ذات الشيئين، دون أخذ عنوان آخر بسيط، منتزع من كيفية من الكيفيّات الخارجية القائمة بهما، من التقدم و التقارن و التأخر و نحو ذلك، و حينئذ، فإذا كان أحد الجزءين مشكوكا فيه أمكن إحرازه بالاستصحاب، و بضمه إلى الجزء الآخر المحرز الوجدان، يكون الموضوع بتمامه محرزا، كما انه يمكن احراز كلا الجزءين، فيما إذا تعلق الشك بهما معا. و قد يكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 260

..........

______________________________

المأخوذ فى الموضوع هو عنوان بسيط كعنوان «الاتصاف» مثلا، و هذا يكون بأحد وجوه ثلاث:

الأوّل: أن يكون المأخوذ هو العنوان المذكور بنحو مفاد كان التامّة، كما إذا رتّب حكم على اتصاف زيد بالعدالة، بأن كان وجود الاتصاف موضوعا للحكم المذكور، و حينئذ فلو شكّ في بقاء الاتصاف المذكور أمكن اثباته بالاستصحاب و هذا ظاهر.

الثاني:

أن يكون العنوان المذكور مأخوذا فى الموضوع بنحو مفاد كان الناقصة، لكن بحيث لا يكون لوجود المتصف به خارجا دخل في ترتب الحكم، بل الحكم مترتب على اتصافه بالشي ء على تقدير وجوده، كما إذا قلنا: إن جواز التقليد- مثلا- مترتب على العدالة على تقدير الحياة، و حينئذ فإن كانت الحياة محرزة بالوجدان، و كان المشكوك فيه هو الاتصاف بالعدالة، أمكن اثباته بالاستصحاب، كما أنه مع عدم إحراز الحياة وجدانا أيضا يمكن اثبات ذلك بالاستصحاب، نظرا إلى أن الأثر غير مترتب على اتصاف الموجود الخارجي بالعدالة، لئلا يكون الاستصحاب متكفلا باثبات اتصافه بها، إلّا على تقدير حجية الأصل المثبت، و إنّما هو مترتب على الاتصاف على تقدير الوجود، فإذا أثبتنا كلا من الحياة و الاتصاف بالاستصحاب، كفى ذلك في ترتب الاثر المذكور.

الثالث: أن يكون مأخوذا فيه بنحو مفاد كان الناقصة، مع دخل الوجود الخارجي في ترتب الأثر المذكور، ففى المثال المتقدم: إذا فرضنا ترتب الأثر على وجود المجتهد خارجا، و اتصافه بالعدالة، فان كان الوجود محرزا بالوجدان، كان استصحاب اتصافه بالعدالة كافيا فى الحكم بترتب الاثر المذكور عليه،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 261

..........

______________________________

بخلاف ما إذا كان مشكوكا فيه أيضا، فان استصحاب الحياة، و استصحاب الاتصاف، مما لا يترتب عليهما كون المجتهد الحيّ خارجا متصفا بها، الا بناء على حجية الأصل المثبت، و ما دام لم يترتب على الاستصحابين ذلك، لا يجدي في ترتب الأثر اصلا، و هذا ما يمنع عن جريان الاستصحاب فانه مشروط بترتب الأثر الشرعي على مورده فيما إذا لم يكن هو بنفسه من الأحكام الشرعية، و لا يكفي فيه ترتّب الأثر على اللوازم العقلية أو الملازمات لمورده، كما

هو مقرر في اصول الفقه.

و قد يتخلص من المحذور بالالتزام، بجريان الاستصحاب فى المثال في وجود المجتهد المتصف بالعدالة، فيقال: إنا كنّا على يقين من وجود المجتهد المتصف بالعدالة، و نشك فيه الآن، فيبنى على بقاء المتيقن به إلى زمان الشك بمقتضى الاستصحاب، و هو باطل؛ لأنه إذا كان المراد به هو استصحاب الوصف المنتزع من الأمور الثلاثة- أعني بها وجود المجتهد، و صفة العدالة، و اتصاف المجتهد بالصفة المذكورة- فجريان الاستصحاب من جهة تماميّة أركانه، و هو اليقين السابق و الشك اللاحق، و إن كان صحيحا، إلّا أنّ الإشكال فيه من جهة أخرى، و هو: أن الأثر الشرعي مترتب على ذوات الأمور الثلاثة، لا على الوصف المنتزع منها، و مع عدم ترتب الأثر الشرعي على المستصحب، لا يصح جريان الاستصحاب و إن كان المراد هو استصحاب ذوات الأمور الثلاثة جمعا فهو- فى الحقيقة- عبارة عن الاستصحابات ثلاثة بعدد ذوات الأمور المشكوك فيها، و إن كان- بحسب الصورة- استصحاب واحد، عاد المحذور المتقدم ذكره، كما و لا فرق في ترتب المحذور المذكور بين جريان الاستصحابات الثلاثة مستقلا و بين جريانها ضمنا، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 262

..........

______________________________

ثم ان موضوع الحكم فى المقام لمّا كان هو المعال، و هو متقوم بالحياة، فلم تكن العيلولة و الحياة مأخوذتين فى الموضوع بنحو التركيب، فإن الماخوذ فى الموضوع إذا كان هو الوصف و محلّه، كان ذلك مأخوذا بنحو التوصيف لا التركيب، كما قرر في محلّه.

كما أنه لا ينبغى الاشكال في عدم كون المأخوذ فى الموضوع هو الوصف فقط، فان الفطرة انما تجب- بمقتضى الأدلّة- عمّن يعول، فالموصوف لا محالة معتبر فى الموضوع.

كما أن وجود الموصوف- أيضا- مأخوذ فى الموضوع، إذ لا تجب الفطرة عن غير الحيّ، فانّ العيلولة المأخوذة فى الموضوع إنّما هي فعليّة العيلولة، و فعليتها لا تكون إلا مع حياة المعال، فلا تجب الفطرة إلا مع فعلية العيلولة، و فعليتها لا تكون إلا بفرض حياة المعال، و لا يكفي فى وجوب الفطرة فعليّة العيلولة آنا مّا، بل تكون فعليّة الحكم تابعة لفعليّة الموضوع في ذلك الظرف.

فالموضوع للحكم- إذن- هو الذات، مع الحياة، المتصفة بالعيلولة فعلا، فمع الشك فى الحياة لا مجال لجريان الاستصحاب، حتى مع إحراز العيلولة على تقدير الحياة، بلا فرق في ذلك بين كون المستصحب هو ذات الموصوف و غيره، و بين كونه هو المجموع.

و منه يظهر الإشكال في ما أفاده فى «المستمسك» «1» من توجيه استصحاب المجموع. فالمرجع- لا محالة- هو الأصل الحكمي، و هو البراءة عن وجوب الفطرة.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 412- 413، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 263

[فصل في جنسها و قدرها]

اشارة

[فصل] في جنسها و قدرها و الضابط فى الجنس القوت الغالب لغالب النّاس (783)، و هو الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأرز، و الأقط، و اللبن، و الذرة، و غيرها.

______________________________

(783) اختلفت الأقوال فى المسألة تبعا لاختلاف النصوص الواردة فيها، فعن الصدوقين، و العمّاني «1». الاقتصار على الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب. و يستدل لذلك بصحيح سعد بن سعد الأشعري، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال:

سألته عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟ قال: «صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله «2»»، و صحيح الحلبي

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك- إلى أن قال:- عن كلّ إنسان نصف صاع، من حنطة، أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين «3»»، و خبر ياسر القمي، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و إنما خفّف

______________________________

(1)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 281، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ الصدوق، محمد بن علي: المقنع، ص 66، ط مؤسّسة دار العلم، قم؛ الهداية: ص 51.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 1.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 264

..........

______________________________

الحنطة معاوية «1»»، و خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام: «إن الفطرة مدّين من حنطة، أو صاع من الشعير، و التمر، و الزبيب «2»» و خبره الاخر عنه عليه السّلام- أيضا- في كتابه إلى المأمون، قال: «زكاة الفطرة ...- إلى أن قال:- من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، صاع، و هو أربعة أمداد «3»».

و زاد صاحب المدارك «4» «الأقط» عليها. و يستدل له زائدا على ما مرّ، بصحيح عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «زكاة الفطرة صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من أقط ... «5»»، و صحيح عبد اللّه بن المغيرة، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام فى الفطرة، قال: «يعطى من الحنطة صاع، و

من الشعير صاع، و من الأقط صاع «6»».

و زاد الشيخ قدّس سرّه «7» على ذلك «الأرز» و «اللبن» أيضا، مدّعيا ثبوت الإجماع على إجزاء السبعة، و عدم الدليل على إجزاء غيرها. و فى «الدروس»:

«اكثر الأصحاب حصروه فى السبعة «8»». و يدل عليه ذكر الأرز و اللبن في بعض النّصوص، كصحيح زرارة و ابن مسكان الأتي، و مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمدانى، قال: اختلفت الروايات فى الفطرة، فكتبت إلى أبى الحسن صاحب

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)- المصدر، ح 19.

(3)- المصدر، ح 18.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 333، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الفطرة، ح 11.

(6)- المصدر/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 3.

(7)- الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط ج 1: ص 241، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(8)- الشهيد، محمد بن مكى؛ الدروس الشرعية، ج 1: ص 251، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 265

..........

______________________________

العسكر عليه السّلام أسأل عن ذلك، فكتب: «إن الفطرة صاع من قوت بلدك، على أهل مكة، و اليمن، و الطائف، و أطراف الشام، و اليمامة، و البحرين، و العراقين، و فارس، و الأهواز، و كرمان تمر، و على أهل أوساط الشام زبيب، و على أهل الجزيرة، و الموصل، و الجبال كلها برّ أو شعير، و على أهل طبرستان الأرز، و على أهل خراسان البرّ، إلّا أهل مرو و الرّي فعليهم الزبيب، و على أهل مصر البرّ، و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، و من سكن البوادى من الأعراب فعليهم

الأقط ... «1»».

و نسب إلى الإسكافي «2» كما القول بوجوب إخراج ما يغلب على قوت المخرج نفسه، و اختاره أبو الصلاح الحلبي «3»، و الحلّي «4». و يدل على ذلك المكاتبة المتقدمة.

و قال المحقق قدّس سرّه فى «المعتبر»: «و الضابط ما كان قوتا غالبا، كالحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأرز، و الأقط، و اللبن، و هو مذهب علمائنا ... «5»»، و نحوه كلام العلامة قدّس سرّه فى «المنتهى «6»». و قد نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين «7».

و يستدل له بأنه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدم ذكرها و بين ما دل على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 282، ط مؤسسة دار النشر الاسلامي، قم.

(3)- الحلبي، ابو الصلاح: الكافي، ص 169، مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السّلام، أصفهان.

(4)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 468، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- المحقق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2، ص 605، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(6)- العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 5: ص 536، ط ايران الحجريّة.

(7)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 279، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 266

..........

______________________________

ان العبرة بالقوت الغالب، كصحيح زرارة ابن مسكان جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الفطرة على كل قوم مما يغذّون عيالهم؛ من لبن، أو زبيب، أو غيره «1»»، و مرسل يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: جعلت فداك! هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال: فقال: «الفطرة

على كل من اقتات قوتا، فعليه أن يؤدّى من ذلك القوت «2»»، و المكاتبة المتقدمة.

و هناك أقوال أخر «3»، أضربنا عن التعرض لها، كما أن في بعض النصوص إضافة «الذرّة»، و في بعضها: «السلت، و السّويق، و القمح، و العلس «4»».

تحقيق المسألة و الذي يبدو فى النظر هو أن الأدلة المتضمّنة للأجناس الخاصّة، من الحنطة، و الشعير ...، كلها مسوقة لبيان مقدار الواجب، و أنّه صاع فى الجميع، في مقابل من فرضه فى مثل الحنطة- التي يكون قيمتها ضعف قيمة الشعير- نصف صاع، كما يشهد بذلك خبر ياسر القميّ، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و إنما خفف الحنطة معاوية «5»»، و صحيح معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «فى الفطرة جرت السنّة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلما كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس، فقال: نصف صاع من برّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: صص 406- 405، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- المصدر/ باب 6، 8: زكاة الفطرة.

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

بصاع من شعير «1»».

و عليه، فالمنظور فى النصوص المتضمنة للأجناس إنما هو بيان ان مقدار الفطرة الواجب إنما هو صاع، من دون أن يكون لاختلاف الجنس المخرج منه فى القيمة أثرا فى المقدار المذكور. و

عليه، فلا ظهور لها في موضوعيّة الأمور المذكورة فى مقام أداء الواجب، ليقع الإشكال في معارضة إطلاقها بالإضافة إلى ما اذا لم تكن الأجناس المذكورة قوتا غالبا، مع اطلاق ما دلّ على ان الواجب انما هو الاداء من القوت الغالب و ان لم يكن من الأجناس المذكورة، بل النصوص المذكورة مجملة من هذه الجهة، و عليه فيكون المناط هو القوت الغالب، و إن لم يكن ذلك من الأجناس المذكورة فى النصوص المتقدمة.

و مع التنزل و التسليم بالمعارضة بين الاطلاقين بالعموم من وجه، فالظاهر أن مقتضى القاعدة فيه إنّما هو التخيير فى المسألة الفرعيّة، فان مقتضى اطلاق كل منهما انما هو التعيين، فيرفع اليد عن كلا الإطلاقين، و نتيجة ذلك لا محالة هو التخيير، فيصح الاداء من الأمور المذكورة و إن لم تكن من الجنس الغالب، كما يصح الاداء من القوت الغالب و إن لم يكن ذلك واحدا منها، فالمكلف يكون بالخيار في مقام العمل بين الأمرين. كما لا يخفى.

و لا يخفى أن التخيير فى المقام ليس هو بملاك الأخبار الدالة على التخيير عند التعارض، كما هو مختارنا في باب التعارض من الأخذ بروايات التخيير، و عدم الرجوع إلى المرجحات، فان مقتضى ذلك إنما هو التخيير فى المسألة الأصوليّة، و التخيير الذي نلتزم به إنما هو التخيير فى المسألة الفرعية، و ذلك لأنه ما دام يمكن الجمع العرفي بين الدليلين بالالتزام بالتخيير لم تستقر المعارضة حينئذ بينهما،

______________________________

(1)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

ليرجع فيها إلى أخبار الترجيح و التخيير.

و هذا هو مراد المحقق النراقي رحمه اللّه، حيث قال: «و منهم من اعتبر غلبة القوت في غير الأجناس المذكورة، و

أمّا فيها فاكتفى بالإطلاق، و مرجعه التخيير بين الأمرين، و هو الأشهر، سيّما بين المتأخرين «1»».

تحقيق فى القوت الغالب حيث أن الضابط في ما يجب إخراج الفطرة منه- كما عرفت- هو كونه من القوت الغالب، فالظاهر أنّ المراد به ما تعارف أكله بين النّاس، فلا يجزى الإخراج مما لم يتعارف أكله بينهم و إنما يؤكل أو يشرب فى ظروف استثنائية، كالأدوية و نحوها، و ليس المراد به ما يكون هو القوت لغالب النّاس، و ذلك لعدم انطباقه بالمعنى المذكور على الزبيب و اللبن مثلا، مع تطبيقه عليه السّلام له على ذلك، كما في صحيح زرارة و ابن مسكان المتقدّم.

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 406، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 269

و الأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى (784)، و إن كان الأقوى ما ذكرناه. بل يكفي الدقيق، و الخبز، و الماش، و العدس. و الأفضل إخراج التمر (785)،

______________________________

(784) منشأ الاحتياط المذكور عند المصنف قدّس سرّه، إنما هو وجود القائل بذلك، كما عرفت.

(785) كما نسب ذلك إلى الأكثر «1»، و تدل عليه النصوص المستفيضة؛ كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث في صدقة الفطرة- قال: و قال: «التمر أحبّ ذلك إليّ، يعني: الحنطة، و الشعير، و الزبيب «2»»، و خبر منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن صدقة الفطرة؟ قال: «صاع من تمر- إلى أن قال:- و التمر أحبّ إليّ «3»»، و خبر اسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن صدقة الفطرة؟ قال: «التمر أفضل «4»»، و خبر عبد اللّه بن سنان، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- إنه سأله عن صدقة الفطرة؟ فقال: «التمر أحبّ إليّ، فإنّ لك بكل تمر نخلة فى الجنة «5»»، و خبر زيد الشحام، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 520، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الفطرة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 270

ثم الزبيب، (786).

______________________________

«لأن أعطي صاعا من تمر أحبّ إليّ من أن أعطي صاعا من ذهب فى الفطرة «1»»، و صحيح هشام بن الحكم، عن الصادق عليه السّلام، أنه قال: «التمر فى الفطرة أفضل من غيره، لأنه أسرع منفعة، و ذلك إنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه ... «2»»، و مرسل الصدوق قدّس سرّه، قال: قال الصادق عليه السّلام: «لأن أعطي فى الفطرة صاعا من تمر أحبّ إليّ من أن أعطي صاعا من تبر [برّ] «3»»، و مرسل المفيد رحمه اللّه فى «المقنعة»، قال: سئل الصادق عليه السّلام عن الأنواع، أيّها أحبّ إليه فى الفطرة؟ فقال: «أمّا أنا فلا أعدل عن التمر للسنة شيئا «4»»، و خبر اسحاق بن المبارك، عن أبي ابراهيم عليه السّلام- في حديث فى الفطرة- قال: «صدقة التمر احبّ إليّ، لأن أبي كان يتصدق بالتمر ... «5»».

(786) كما عن جماعة «6» و الوجه فيه: هو عموم التعليل الوارد في صحيح هشام

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الفطرة، ح 6.

(2)- المصدر، ح 8.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- المصدر، ح 9.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- نسب ذلك إلى الشيخ،

و القاضي ابن البرّاج رحمهم اللّه فى «الكامل» (البحراني، الشيخ يوسف:

الحدائق الناضرة، ج 12: ص 286، ط النجف الأشرف).

و اختاره المحقق رحمه اللّه فى «الشرائع» (ج 1، ص 174، ط عبد الحسين محمد علي البقّال) و غيرهم (- مستند الشيعة، ج 9: صص 409- 410، ط مؤسسة آل البيت رحمه اللّه).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 271

ثم القوت الغالب (787). هذا إذا لم يكن هناك مرجح، من كون غيرها أصلح بحال الفقير و أنفع له (788)،

______________________________

المتقدّم، و مقتضاه و إن هو كان مساواته مع التمر فى الفضل، إلا ان اختصاص التمر بجملة من النصوص، كما مرّ ذكرها، الظاهرة في إثبات خصوصية و مزية للتمر حتى بالإضافة إلى الزبيب أوجب تقدمه على الزبيب فى الفضل، كما لا يخفى.

(787) هذا مبني على اعتبار الأصناف المذكورة موضوعا مستقلا في باب الفطرة، فانه- على هذا- يتّجه القول بافضليّة القوت الغالب- بعد التمر و الزبيب- بالنسبة إلى سائر الأصناف. و أمّا بناء على ما هو المختار- كما تقدم تقريبه- من كون المناط هو القوت الغالب، فلا مجال لهذا الكلام، كما لا يخفى.

(788) لما عرفت من أن الميزان فى الفضل انما هو جهة النفع بحال الفقير، كما هو المستفاد من التعليل المتقدم، فإذا كان غير ما ذكر أصلح بحاله و أنفع له قدّم عليه لا محالة، بمعنى أن الأفضل حينئذ انما هو تقديم الأصلح. و ربما يشير إلى ذلك موثق اسحاق بن عمار الصيرفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك، ما تقول فى الفطرة، يجوز أن أؤدّيها فضة بقيمة هذه الأشياء الّتي سميّتها؟ قال: «نعم، إن ذلك أنفع له، يشترى ما يريد «1»».

______________________________

(1)- الحرّ

العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 272

لكن الأولى و الأحوط حينئذ دفعها بعنوان القيمة (789).

[مسألة 1: يشترط فى الجنس المخرج كونه صحيحا]

[مسألة 1]: يشترط فى الجنس المخرج كونه صحيحا (790)، فلا يجزى المعيب.

______________________________

(789) أي فيما إذا كان غير التمر أو الزبيب و نحو ذلك أنفع، كان الأولى هو دفع الغير بعنوان القيمة للتمر مثلا. و لعلّ الوجه فيه أنّه ممّا يتأدّى به كلا الغرضين، و يدرك به كلتا الفضيلتين، فضيلة إعطاء التمر، و فضيلة دفع الأنفع.

و لكن للتأمل فيه مجال، فان المستفاد من النصوص المتقدمة هو ان الفضيلة انما تكون في اعطاء التمر بعينه، لا فى الأعم منه و من قيمته، و عليه فلا يدرك تلك الفضيلة بإعطاء قيمة التمر، كما لا يخفى. فالاحتياط غير متيسر في مثل المقام.

مضافا إلى ابتنائه على جواز دفع القيمة من غير النقدين، و هما الدرهم و الدينار، و سيأتي تحقيق الكلام، إن شاء اللّه تعالى.

(790) و قد يستدل له بالانصراف. و لكن دعوى الانصراف كما أشرنا إليه في نظائر المقام- ممّا لا أساس لها أصلا، بل الأوجه الاستدلال له بقوله تعالى: وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ... «1».

و الظّاهر أن المراد بالخبيث فى الآية الكريمة هو الخبيث العرفي، الصادق على

______________________________

(1)- البقرة، 2: 267.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 273

و يعتبر خلوصه، فلا يكفى الممتزج بغيره (791)، من جنس آخر، أو تراب، أو نحوه؛ إلّا إذا كان الخالص منه، بمقدار الصاع، أو كان قليلا يتسامح به.

[مسألة 2: الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات]

[مسألة 2]: الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات، من

______________________________

المعيب، دون الخبيث بالمعنى المراد في قوله تعالى: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «1» و هو الذي يحرم اكله، في مقابل الطيّب، كما يشهد بذلك استدلالهم بالآية الكريمة لعدم جواز دفع ذات العوار و الهرمة فى الزكاة، على ما مرّ الكلام فيه فى

البحث عن زكاة الأموال.

(791) فانه مع عدم الخلوص بمقدار يوجب انتفاء صدق الاسم عليه عرفا لا يتحقق الامتثال بدفعه قطعا، فإن المأمور به إنما هو دفع ما يصدق عليه الاسم المذكور عرفا، و إذا لم يكن المزج موجبا للخروج عن صدق الاسم، لم يكن دفع صاع منه موجبا للامتثال، لنقصانه عن المقدار الواجب بالاختلاط بغيره، كما لا يخفى. نعم، إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع الواجب دفعه، على ما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى، أو كان الخلط بمقدار لا يخرجه عن المفهوم العرفي للاسم المذكور، جاز دفعه حينئذ، و حصل الامتثال به أيضا.

______________________________

(1)- الأعراف، 7: 157.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 274

الدراهم و الدنانير (792)،

______________________________

(792) الظاهر عدم الخلاف فيه «1»، بل الإجماع بقسميه عليه «2». و تدل عليه النصوص الكثيرة، كصحيح محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: بعثت إلى أبى الحسن الرضا عليه السّلام بدراهم لي و لغيري، و كتبت إليه أخبره أنّها من فطرة العيال، فكتب بخطه: «قبضت «3»»، و خبر أيّوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبى الحسن عليه السّلام: إن قوما يسألوني عن الفطرة، و يسألوني أن يحملوا قيمتها إليك، و قد بعثت إليك هذا الرجل عام أوّل، و سألني أن أسألك، فأنسيت ذلك، و قد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي لك بدرهم، على قيمة تسعة أرطال بلدهم، فرأيك جعلنى اللّه فداك في ذلك؟ فكتب عليه السّلام: «الفطرة قد كثر السؤال عنها، و أنا أكره كلّ ما أدىّ إلى الشهرة، فاقطعوا ذكر ذلك، و اقبض ممن دفع لها، و أمسك عمّن لم يدفع «4»»، و موثق اسحاق بن عمار- في حديث- قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة نجمعها و نعطي قيمتها ورقا، و نعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال:

«لا بأس به «5»»، و صحيح عمر بن يزيد، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: و سألته يعطي الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر و الحنطة، يكون أنفع لأهل بيت

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 288، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 518، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 275

أو غيرهما من الأجناس الأخر (793)،

______________________________

المؤمن؟ قال: «لا بأس «1»»، و موثق اسحاق بن عمار المتقدم «2»، و موثقه الاخر قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الفطرة، فقال: «الجيران أحق بها، و لا بأس أن يعطي قيمة ذلك فضة «3»»، و غير ذلك «4».

(793) كما هو المنسوب إلى الشهرة «5» و قد يستدل لذلك بموثق اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بالقيمة فى الفطرة «6»»، بدعوى أنه قد دلّ على جواز اخراج الفطرة بالقيمة من دون تعيين لها فى خصوص النقدين.

و لكن يتوجه عليه: أن الظاهر من القيمة هنا و في باب الضمان أيضا هو النقدان، لا مطلق ما يساوى الشي ء من حيث المالية، فإذا قيل في تلك المسألة بضمان القيمي بالقيمة- مثلا- فالمعنيّ بذلك إنما هو الضمان بقيمة التالف من أحد النقدين، لا ضمانه بما يساويه فى المالية من سائر الأجناس مطلقا، و هذا مما لا ينبغى الإشكال فيه. و عليه فالقيمة فى الرواية تكون ظاهرة

في خصوص النقدين. و ما عن شيخنا العلامة الأنصاري قدّس سرّه «7»، من تفسير الرّواية بأن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 5.

(2)-- صفحة 213.

(3)- المصدر، ح 10.

(4)-- وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة.

(5)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 290، ط النجف الأشرف.

(6)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 9.

(7)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: رسالة زكاة الفطرة، ج 10: ص 427، ط لجنة تحقيق تراث

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 276

..........

______________________________

إخراج الشي ء بقيمة الأصول، لا إخراج نفس القيمة، ليختص ذلك بالنقدين، خلاف الظاهر، كما لا يخفى.

و الصحيح هو الاستدلال له بصحيح عمر بن يزيد- فى حديث- قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام نعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال: «لا بأس، يكون أجر طحنه بمقدار ما بين الحنطة و الدقيق «1»»، فان الظاهر من جوابه عليه السّلام أنّ مورد السؤال إنما كان هو إخراج الدقيق بعنوان القيمة لا بعنوان الأصل، كما صرح بجواز إخراجه فى بعض النصوص، و ذلك لأن الجواب إنّما يدل على اشتمال الدقيق على نقص عن المقدار الواجب، و هو الصاع، المنجبر ذلك بأجرة الطحن الموجب ذلك لارتفاع سعر المدفوع بما يساوي قيمة صاع من الحنطة، و لو كان دفع الدقيق بعنوان الأصل لم يكن وجه لدفعه ناقصا عن الصّاع، و مجرّد كون الصاع منه أعلى سعرا من الصاع من الحنطة لم يكن مما يجوّز الإعطاء منه بأقل من الصاع، بالمقدار الّذي تساوى قيمته قيمة الصاع من الحنطة، كما هو ظاهر.

نعم، مورد الرواية هو الدقيق، و من المحتمل أن يكون الحكم مختصا بما إذا

كان المخرج بعنوان القيمة من أحد الأجناس الّذي يجوز إخراجه فطرة بعنوانه أصلا لا قيمة، و حينئذ فلا يمكن التعدّي عن موردها إلى سائر الأجناس، ممّا لم يجز إخراجه بعنوان الأصل- كالقماش- مثلا. و يمكن التخلّص منه، بأحد وجهين:

الأوّل: التعدّي عن مورد الرواية بالاجماع المركب و عدم القول بالفصل، فان من ذهب الى جواز إخراجها بالقيمة لم يفصّل في ذلك بين الدقيق و غيره، كما لا يخفى.

______________________________

الشيخ الأعظم، قم.

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 277

و على هذا، فيجزي المعيب و الممزوج و نحوهما بعنوان القيمة (794)، و كذا كل جنس شك في كفايته، فإنّه يجزي بعنوان القيمة.

______________________________

الثّاني: أن يقال: بأنّ مورد الرواية و إن كان خاصا بما ذكر، إلّا أن التعدي عن ذلك إنما هو لأجل عموم التعليل فى الرواية، فانه عليه السّلام بعد ما نفى البأس عن ذلك، علّله بقوله: «يكون أجرة طحنه ...» فيستفاد من ذلك أن جواز إخراج الدقيق بعنوان القيمة إنما هو من جهة مساواته فى القيمة لصاع من الحنطة، لا لأجل كونه دقيقا، و حينئذ- فبمقتضى عموم التعليل- يتعدّى من موردها إلى كلّ مورد كانت العلة المذكورة ثابتة فيه، و قديما قيل: إنّ العلة قد تعمّم الحكم، كما و قد تخصّصه أحيانا.

و على هذا، فيجوز الاخراج من غير الجنس، و لو لم يكن من الأصناف الّتي يجوز إخراجها بعنوان الفطرة، أي من الأصول، حسب التعبير الفقهي المصطلح.

(794) جواز إخراج صنف من جنس- كالمعيب من الحنطة، أو الممزوج منها مثلا- بعنوان القيمة عن صنف آخر من الجنس المذكور مما لا يتم، إلّا بناء على

استفادة العموم من صحيح عمر بن يزيد المتقدم، نظرا إلى عموم التعليل الوارد فيه، كما تقدّم بيانه، و إلّا فمع الغض عنه، و احتمال اختصاص الحكم بمورد الرواية لا يصحّ التعدّي منه إلى مثل المورد، بضميمة عدم القول بالفصل، و ذلك لعدم احراز القول بعدم الفصل في هذا المقام، بل عن السيد العلامة البروجردي قدّس سرّه في حاشيته على المتن ما نصّه: «الأحوط الاقتصار على الأثمان، و لو بني على

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 278

[مسألة 3: لا يجزي نصف الصاع- مثلا- من الحنطة الأعلى]

[مسألة 3]: لا يجزي نصف الصاع- مثلا- من الحنطة الأعلى، و إن كان يسوى صاعا من الأدون أو الشعير مثلا، إلّا بعنوان القيمة (795).

[مسألة 4: لا يجزي الصاع الملفق من جنسين]

[مسألة 4]: لا يجزي الصاع الملفق من جنسين، بأن يخرج نصف صاع من الحنطة و نصفا من الشعير مثلا، إلّا بعنوان القيمة (796).

______________________________

التعميم، فالأحوط الاقتصار على غير ما هو من الأجناس الأصلية، فإجزاء المعيب، و الممزوج، و الملفّق من جنسين منها بعنوان القيمة في غاية الإشكال».

(795) لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، من أن الواجب هو إخراج الصّاع من الأجناس المذكورة، سواء أ كان ذلك بعناوينها الخاصّة، من الحنطة و الشعير ...، أم كان بعنوان القوت الغالب، و عليه فلا يجزي إخراج الأقل من الصّاع. نعم، بناء على ما عرفت من عموم التعليل في صحيح عمر بن يزيد المتقدم، يجزى إخراج الأقل من صاع، إذا كان بحسب القيمة يسوى بقيمة صاع من جنس آخر، أو الأدون من جنسه، كما تقدّم بيانه.

(796) ما أفاده قدّس سرّه إنما يتم بناء على القول بالموضوعيّة للأجناس المذكورة فى النصوص المتقدم ذكرها، و أنّ وجوب الإخراج منها لا بعنوان كونها من القوت

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 279

[مسألة 5: المدار قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب.]

[مسألة 5]: المدار قيمة وقت الإخراج (797) لا وقت الوجوب.

______________________________

الغالب، فانّه على هذا لا يصح التلفيق، لظهور النصوص في وجوب إخراج صاع من الحنطة أو الشعير أو غيرهما، عن كلّ رأس، فالصّاع الملفّق من الجنسين- على هذا- لا يكون مصداقا للواجب أصلا، و أمّا بناء على ما هو المختار، من إجمال النصوص المذكورة من هذه الجهة، و أنّها غير مسوقة الا لبيان كميّة الواجب و أنها بمقدار «صاع»، و أنّ الضابط فى المخرج منه انما هو ما كان من القوت الغالب، كما نطقت به جملة من النصوص المتقدم ذكرها أيضا، فالظاهر عدم الإشكال حينئذ في جواز التلفيق،

إذ يصدق على الصّاع الملفّق: أنّه صاع من القوت الغالب، كما هو ظاهر.

و منه يعرف الحال فى المسألة العاشرة من الفصل السابق، حيث قال قدّس سرّه: «و لا يعتبر اتفاق جنس المخرج من الشريكين، فلاحدهما إخراج تصف صاع من شعير ...»، حيث لا عبرة في ذلك- جوازا و منعا- بتعدد المخرج- بالكسر- و وحدته، كما أشرنا إليه هناك أيضا.

(797) توضيح الحال فى المسألة بحيث يظهر منه منشأ القولين، مع العلم بعدم ورود النص على شي ء منهما، يقتضي أن يقال: إنه بحسب مقام الثبوت، بعد قيام الدليل على جواز الإخراج بالقيمة يتصور الأمر فيه بأنحاء ثلاث:

الأوّل: أن يكون الوجوب المتعلق بالأجناس المذكورة- مثلا- متعلّقا فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 280

..........

______________________________

الحقيقة بها بما لها المالية، بحيث تكون خصوصيّة العينيّة و التشخصات كلّها ملغاة اعتبارا.

الثاني: أن تكون القيمة عدلا لها في مقام تعلّق الحكم، بحيث يكون الحكم متعلقا بأعيانها و بالقيمة على نحو الوجوب التخييري.

الثالث: أن يكون الوجوب متعلقا بالأعيان المذكورة بما هي هي، إلّا ان للمكلف تبديل ذلك الواجب بالقيمة بترخيص من الشارع، فالقيمة تكون بدلا عن الواجب في مقام الامتثال.

أمّا على الأولين، فالعبرة انما هو بالقيمة حال لأن المناط هو مالية الأعيان المذكورة حال تعلق الوجوب فى الفرض الأوّل، و الّذي هو عدل الواجب التخييري انما هو القيمة في زمان تعلق الوجوب، كما فى الفرض الثاني، و هذا ظاهر. و أمّا على الأخير فالعبرة انما تكون بالقيمة وقت الإخراج، لأنه متى ما أراد الإخراج كان التبديل بالقيمة في ذلك الوقت مرخّصا فيه، فلا بد و أن يكون المخرج- بالفتح- قيمة له فى الوقت المذكور، و هذا لا يتم إلّا إذا

كانت العبرة بالقيمة وقت الإخراج، و هو واضح جدّا، هذا بحسب الثبوت.

و أما الإثبات، فالظاهر من الأدلة إنما هو الثالث، بمعنى أن المستفاد منها إنما هو جواز إعطاء القيمة حال الإخراج، و هذا هو نتيجة الوجه الثالث، و ذلك لما جاء في صحيح عمر بن يزيد المتقدم: «نعطي الفطرة دقيقا مكان الحنطة ...» فان الظاهر منه أن بدليّة الدقيق بعنوان القيمة انما هو حال الإعطاء، فاستفادة ذلك انما هي من كلمة «نعطي» و إلّا فمجرد قوله: «مكان الحنطة ...» يناسب كونهما فى عرض واحد، اي الوجوب التخييري، كما هو الفرض الثاني.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 281

و المعتبر قيمة بلد الإخراج (798)، لا وطنه، و لا بلد آخر، فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده و أراد الإخراج منه، كان المناط قيمة ذلك البلد، لا قيمة بلده الّذي هو فيه.

[مسألة 6: لا يشترط اتحاد الجنس الّذي يخرج عن نفسه مع الّذي يخرج عن عياله]

[مسألة 6]: لا يشترط اتحاد الجنس الّذي يخرج عن نفسه مع الّذي يخرج عن عياله، و لا اتّحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض (799)، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة و عن عياله

______________________________

(798) و الوجه فيه ظاهر، فانه- كما يستفاد من الصحيح المتقدم- لا بدّ و أن يكون المعطى- حال الإعطاء- قيمة للجنس الأصلي، فإذا كانت القيمة في بلد الإخراج- مثلا- عشرة دراهم، و في وطنه- مثلا- خمسة، لا تكون الخمسة حينئذ في حال الإخراج قيمة له. و بعبارة اخرى: ظاهر النصّ هو اعتبار القيمة حال الإخراج زمانا و مكانا، فكما أنّه إذا كانت القيمة سابقا خمسة دراهم و في زمان الإخراج عشرة، لم تعدّ الخمسة قيمة للعين، كذلك الحال بالنسبة إلى المكان.

مضافا إلى ذلك بدل عليه مضمرة سليمان

بن جعفر المروزي، قال: سمعته يقول: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك السّاعة قبل الصلاة. و الصدقة بصاع من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم «1»».

(799) و الوجه في ذلك ظاهر، فان ثبوت الوجوب بالنسبة إلى المخرج- بالكسر-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 282

الشعير، أو بالاختلاف بينهم، أو يدفع من نفسه- أو عن بعضهم- من أحد الأجناس، و عن آخر منهم القيمة، أو العكس.

[مسألة 7: الواجب فى القدر الصاع عن كل رأس]

[مسألة 7]: الواجب فى القدر الصاع عن كل رأس (800)، من جميع الأجناس.

______________________________

و عمّن يعوله، إنّما هو بنحو العام الاستغراقي، لا المجموعي، فهو- فى الحقيقة- أحكام و موضوعات متعدّدة.

(800) كما ذهب إليه جماعة كثيرة «1»، بل عن كثير «2» منهم دعوى الإجماع عليه، و

______________________________

(1)- قال العلامة رحمه اللّه فى «المختلف»: «قال المفيد: الواجب صاع صاع عن كلّ رأس، من جميع الأجناس، و لم يفصّل. و كذا قال ابن الجنيد، و السيد المرتضى فى «الجمل» و «الانتصار» و «المسائل المصريّة»، و سلّار، و ابن البرّاج، و أبو الصّلاح، و ابن زهرة، و هو قول الشيخ في «الخلاف» ...» (مختلف الشيعة: ج 3، ص 287، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم).

و لاحظ «المقنعة» (ص 250، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم)؛ «جمل العلم و العمل» (المجموعة الثالثة من رسائل الشريف المرتضى، ص 80، ط قم)؛ «الانتصار» (ص 88، ط النجف الأشرف)؛ «المراسم» (ص 135، تحقيق محمود البستاني)؛ «المهذّب» (ج 1:

ص 176، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم)؛ «الغينة» (ضمن: الجوامع الفقهية، ص 506، ط إيران الحجرية)؛ «الخلاف» (ج 2: ص 148، ط مؤسسة النشر

الاسلامي، قم).

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 339، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 218، ط مجمع الذخائر الاسلامية، قم؛ الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 216، مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 416، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 522، النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 283

..........

______________________________

فى «المستند «1»» إن الأخبار الدالة على ذلك تبلغ سبعة عشر رواية، سبعة منها صحاح، و هي رواية الجمال، و الحذّاء، و القدّاح، و سعد بن سعد الأشعري، و الحلبي، و معاوية بن وهب، و محمّد بن عيسى؛ و عشرة غير صحاح، و هي رواية الهمداني، و المروزي، و الشّحام، و سلمة، و ابن المغيرة، و جعفر بن معروف، و ياسر، و ابراهيم ابن أبي يحيى، و ابن سنان، و منصور «2».

و لكن ورد في جملة من الروايات الاجتزاء بنصف صاع من حنطة أو شعير.

و في بعضها اضافة العدس، و السلت، و الذّرة؛ و كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك ...- إلى أن قال:- عن كل انسان نصف صاع من حنطة أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب، لفقراء المسلمين «3»».

و صحيحه الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقة الفطرة؟ فقال:

«على كل من يعول ... صاع من تمر، أو نصف صاع من برّ. و الصاع أربعة أمداد «4»»، و نحوه صحيح عبد اللّه بن سنان، عنه عليه السّلام، و زاد عليه:

«أو صاع من شعير «5»»، و صحيح محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «الصدقة لمن لا يجد الحنطة و الشعير، يجزى عنه القمح، و العدس، و السلت، و الذرّة، نصف صاع من ذلك كلّه، أو صاع من تمر أو زبيب «6»»، و صحيح الفضلاء، عن

______________________________

(1)- ج 9: صص 416- 417.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة.

(3)- المصدر، ح 11.

(4)- المصدر، ح 12.

(5)- المصدر، ملحق ح 12.

(6)- المصدر، ح 14.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام- فى حديث- قالا: «فان أعطي تمرا فصاع لكل رأس، و إن لم يعط تمرا فنصف صاع لكلّ رأس، من حنطة أو شعير، و الحنطة و الشعير سواء، ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزى عنه «1»»، و نحوهما، أو قريب منها غيرها «2».

و الإنصاف القطع- و لا اقل من الاطمينان- بصدور كلتا الطائفتين، و حينئذ فلا مجال للرجوع فيهما إلى الأخبار العلاجيّة، لاختصاصها- كما بيّناه في محلّه في بحث الأصول- بالتعارض فى السند، فلا يرجع إليها في مورد القطع به. كما أنّه لا مجال للترجيح من حيث الجهة، بحمل الطائفة الثانية على الإخراج بعنوان القيمة، و ذلك لوجهين:

أما أوّلا: فلان مذهب العامة- عدا الحنفيّة «3» إنّما هو على وجوب الصاع من الأجناس المذكورة، و قد استدلّوا له بما أخرجه عبد الرزاق، بسند صحيح، عن عبد بن ثعلبة، قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، فقال:

«أدّوا صاعا من برّ أو قمح، أو صاعا من تمر أو شعير، عن كل حرّ أو عبد،

أو صغير أو كبير «4»».

و ثانيا: إن الشّاهد على الحمل المذكور- عند من ارتضاه- انما هو جملة من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الفطرة، ح 14.

(2)- المصدر/ باب 6: زكاة الفطرة.

(3)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 652؛ المقدسي، عبد الرحمن: الشرح الكبير، ج 2: ص 659.

قال العلّامة رحمه اللّه فى «التذكرة»: «و قدر الفطرة عن كل رأس صاع من أحد الأجناس، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و اسحاق، و ابو سعيد الخدري، و الحسن و ابو العالية ...» (ج 5: ص 387، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

(4)- الجزيري، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: صص 627- 630، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 285

..........

______________________________

النصوص «1» الدالة على ان السنّة إنما كانت على إخراج الصاع من جميع الأجناس، فحوّله عثمان في خصوص الحنطة إلى النصف، و في بعضها: أن معاوية أيضا كان قد أحيى سنة عثمان من جديد، و هذا انما يتم لو كانت النصوص الدالّة على الاجتزاء بنصف الصاع خاصّة بالحنطة، مع أن الأمر ليس كذلك، كما أشرنا إلى جملة منها، فليلاحظ.

و الحاصل، إن كلتا الطائفتين- كما ذكرنا- مقطوع الصدور، و ترجيح ما دلّ على الصاع من حيث الجهة بحمل الطائفة المنافية له على التقية إنما يتم لو لا الأمرين المتقدمين، كما لا يخفى. فإذا لم يكن مجال للرجوع إلى الأخبار العلاجيّة، و لا للترجيح بينهما من حيث الجهة، و المفروض هو عدم امكان الجمع الدلالي العرفي بين الطائفتين لما ذكرناه فى بحث التعادل و الترجيح من الأصول: من ان الجمع الدلالي

العرفي إنما يكون فيما لا يرى العرف تنافيا بينهما فيما لو ألقيا إليه، و أما إذا فهم العرف التنافي بينهما، كما في مثل «يعيد» و «لا يعيد» فلا مجال هناك للجمع الدلالي، و لو كان أحدهما نصّا في مدلوله و الآخر ظاهرا، و المقام من هذا القبيل، فلا محالة يلزمنا رفع اليد عن العمل بكلتا الطائفتين، و هو نتيجة التساقط،

______________________________

(1)- كصحيح معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول فى الفطرة: «جرت السنة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلما كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس، فقال: نصف صاع من برّ بصاع من شعير»، و صحيح عبد الرحمن الحذّاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه ذكر صدقة الفطرة، إنها على كلّ صغير و كبير، من حرّ أو عبد، ذكر أو أنثى، صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من ذرة. قال: فلما كان زمن معاوية و خصب الناس عدل الناس عن ذلك إلى نصف صاع من حنطة»، و خبر ياسر القميّ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و انما خفّف الحنطة معاوية» (- وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 286

حتى اللّبن، على الأصحّ، و إن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال (801).

______________________________

و يكون المرجع حينئذ إنما هو العام الفوق، السليم عن المعارض، و هو ما دلّ على أن الفطرة صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله، كصحيح محمد

بن عيسى قال: كتب إليه ابراهيم بن عقبة يسأله عن الفطرة، كم هي برطل بغداد عن كل رأس، و هل يجوز إعطائها غير مؤمن؟ فكتب إليه: «عليك أن تخرج عن نفسك صاعا بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله، و عن عيالك أيضا ... «1»».

و المتحصل من ذلك كله: أن الظاهر إنما هو وجوب الإخراج عن كل رأس بمقدار صاع، من الأجناس المذكورة أو غيرها من الأجناس، بشرط أن يكون قوتا غالبا، كما تقدم.

(801) حكى الاجتزاء فى اللّبن بأربعة أرطال عن جماعة، كما عن «المبسوط «2»»، و «المصباح «3»»، و «الاقتصاد «4»»، و «النهاية «5»»، و «التهذيب «6»»، و «الاستبصار «7»»، و «السرائر «8»»، و «الشرائع «9»»، و غيرها «10». و قد استدل

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الفطرة، ح 6.

(2)- ج 1: ص 241، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(3)- ص 665، ط مؤسسة فقه الشيعة، بيروت.

(4)- الاقتصاد، ص 284، ط مكتبة جامع چهلستون، طهران.

(5)- ص 189 (؟).

(6)- ج 4: ص 84، ط النجف الأشرف.

(7)- ج 2: ص 49، ط النجف الأشرف.

(8)- ج 1: ص 469، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(9)- ج 1: ص 174، تحقيق عبد الحسين محمد علي.

(10)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 418، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 287

و الصاع أربعة أمداد، و هى تسعة أرطال بالعراقي، فهو ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال بالمثقال الصيرفي، فيكون بحسب حقّة النجف، الّتي هى تسعمائة مثقال، و ثلاثة و ثلاثون مثقال و ثلث مثقال، نصف حقّه و نصف وقيّة، و أحد و ثلاثون مثقالا،

إلا مقدار حمّصتين و بحسب حقّة الإسلامبول- و هي مائتان و ثمانون مثقالا- حقّتان و ثلاثة أرباع الوقيّة، و مثقال و ثلاثة أرباع المثقال. و بحسب المنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا- نصف منّ، إلا خمسة و عشرون مثقالا، و ثلاثة أرباع المثقال.

______________________________

له بمرفوعة ابن هاشم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عن الرجل فى البادية لا يمكنه الفطرة؟ قال: «يتصدق بأربعة أرطال من لبن «11»»، و نحوه مرسلة القاسم بن الحسن، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «12».

و لكن الاستدلال بها- مضافا إلى ما فى السند من الضعف، و عدم الجبر يعمل المشهور صغرى و كبرى- غير صحيح، و ذلك لاختصاص الرواية بمورد

______________________________

(11)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 3.

(12)- المصدر، ملحق الحديث 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 288

[فصل في وقت وجوبها]

اشارة

[فصل] في وقت وجوبها و هو دخول ليلة العيد (802)، جامعا للشرائط.

______________________________

عدم التمكن من الفطرة، فالأمر بدفع أربعة ارطال من اللبن فى الفرض المذكور ليس بعنوان الفطرة ليتنافى مع النصوص المتقدمة، و إنما هو أمر استحبابي بدفع المقدار الممكن. و يشهد بذلك فرض السّائل عدم التمكن من الفطرة في مورد الرواية، مضافا إلى أن الإمام عليه السّلام- على تقدير صحة الخبر- إنما أمر بالتصدق بأربعة ارطال من اللبن، و انفراد الخبر بأخذ عنوان «التصدق» من بين نصوص الباب ممّا يشهد بعدم كون الدفع بعنوان الفطرة، بل هو بعنوان التصدق الاستحبابي، فانه لم يعهد اطلاق التصدق على إعطاء الفطرة، و إن كان قد ورد اطلاق «الصدقة» على الفطرة. و عليه فالصحيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه، وفاقا لجماعة

من الأعلام رحمهم اللّه.

(802) كما هو المشهور بين المتأخرين «1»، و بعض القدماء، كالشيخ قدّس سرّه فى «الجمل «2»» و «الاقتصاد «3»»، و ابن حمزة «4» و الحلّي «5» قدّس سرّهم. و المحكي عن كثير

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 297، ط النجف الأشرف.

النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 527، ط النجف الأشرف.

(2)- الجمل و العقود، ص 108، ط جامعة مشهد المقدسة.

(3)- الاقتصاد، ص 284، ط مكتبة جامع چهلستون، طهران.

(4)- الوسيلة، ص 131، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم.

(5)- السرائر، ج 1: ص 469، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 289

..........

______________________________

من القدماء، منهم الإسكافي «6»، و المفيد «7»، و السيد المرتضى «8»، و الشيخ فى «المبسوط «9»»، و «الخلاف «10»»، و «النهاية «11»»، و القاضي «12»، و الحلبي «13»، و سلّار «14»: ان وقته طلوع الفجر من يوم العيد، و ظاهر ابن زهرة «15»- كما قيل «16»- الإجماع عليه، و اختاره شيخنا الأنصاري قدّس سرّه فى رسالته «17».

و قد يقال: إن الثمرة بين القولين إنما تظهر فيما إذا مات الشخص بعد الغروب و قبل طلوع الفجر، فانه بناء على القول الأول يجب اخراج الفطرة من تركته، لتحقق الشرائط كلّها، و بناء على الثاني لا يجب ذلك، لتوقف فعلية الوجوب حينئذ على شرط غير حاصل، و هو إدراك طلوع الفجر، و لكن هذا الكلام قابل لأن يناقش فيه، بناء على أن يكون وقت الإخراج بعد طلوع الفجر، لا من حين

______________________________

(6)- الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 611، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلامة، الحسن

بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 295، مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(7)- المقنعة، ص 249، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(8)- جمل العلم و العمل، ص 264، ط جامعة مشهد (مع شرح الجمل).

(9)- ج 1: ص 242، ط المكتبة المرتضوية، طهران.

(10)- ج 2، ص 155، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(11)- ص 191.

(12)- شرح جمل العلم و العمل، ص 267، ط جامعة مشهد.

(13)- الكافي، ص 169، ط مكتبة أمير المؤمنين عليه السّلام العامة، أصفهان.

(14)- المراسم، ص 134، تحقيق محمود البستاني.

(15)- الغنية، ص 569، (ضمن" الجوامع الفقهية")، ط ايران الحجرية.

(16)- الشيخ الانصاري رحمه اللّه.

(17)- كتاب الزكاة، ج 10 (من مجموعة آثار الشيخ الأعظم رحمه اللّه)، ص 428، نشر لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 290

..........

______________________________

الغروب، فانه حينئذ- على القول الأول- يكون المواجب من قبيل الواجب المعلق، و لا شك في أن فعلية الوجوب في الزمان السابق مشروطة بالقدرة على الواجب في ظرفه، و هي مفقودة في محل الكلام، كما لا يخفى.

و استدل للأوّل بصحيحي معاوية بن عمّار: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر». و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا «1»»، و عنه عليه السّلام فى المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر، قال: «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من إدراك الشهر «2»».

و نوقش «3» فى الاستدلال بالأوّل منهما: بأنه ليس فيه الّا نفي الفطرة عمّن لم يجمع الشرائط عند الهلال، و لا تعرّض فيه لاثبات الوجوب، فضلا عن وقته. و الحاصل، ان الرواية غير متضمنة

إلا للعقد السلبي، و هو نفي الفطرة عمّن لم يجمع الشرائط عند الهلال، و لا نظر لها إلى العقد الايجابي أصلا، فضلا عن كونها ناظرة إلى بيان وقت الوجوب و مبدأه.

و فى الاستدلال بالثاني منهما: بأن الاستثناء و إن كان متضمنا لثبوت الوجوب على من أدرك الشهر، إلّا أنه لا إطلاق فيه يقتضي ثبوت الوجوب في ذلك الزمان أو فيما بعده، لعدم وروده لبيان هذه الجهة، فلا ينافي ما دل على حدوث الوجوب عند طلوع الفجر على من أدرك. و كلتا المناقشتين لا محصّل لهما.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الفطرة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 426، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 291

..........

______________________________

أمّا المناقشة في أولى الصحيحتين، فيمكن دفعها بأن يقال: إن الرواية حيث كانت متضمنة لبيان ما هو العلّة و المناط في نفي الفطرة عمّن لم يجمع الشرائط عند الهلال، و هو قوله عليه السّلام: «قد خرج الشهر»، فلا محالة تكون دالّة- بالدلالة العرفية الواضحة- على ثبوت الفطرة على من لم تجري العلّة المذكورة في حقّه، و مقتضى ذلك هو ثبوت الفطرة على من كان جامعا للشرائط قبل خروج الشهر و لو آنا مّا.

و بكلمة أخرى: ظاهر الرواية أن العلّة في عدم وجوبها في موردها انما هي خروج الشهر، فإذا كان جامعا للشرائط و لم يخرج الشهر فقد ثبتت الفطرة عليه، عملا بمقتضى التعليل، و عليه فتكون الرواية دالّة على العقد الايجابيّ أيضا، كما أنّها تكون دالّة بالدلالة العرفية على أن مبدأه إنّما هو الغروب لا طلوع الفجر، لتعليله عليه السّلام لعدم الفطرة في

مورد الرواية، بخروج الشهر، و مقتضى ذلك ثبوتها عند انتفاء العلة، و هو الخروج، بأن كان اجتماع الشرائط قبل الخروج، كما هو واضح.

و أمّا المناقشة فى ثانيتهما فيمكن دفعها، بأن يقال: إن ظاهر الرواية إنما هو تعليق الوجوب الفعلي للفطرة على إدراك الشهر، بمعنى أنه متى ما تحقق ذلك كان وجوب الفطرة فعليا، و هذا يقتضي كون مبدأ الوجوب هو الغروب، و إلّا لتوقفت فعليّته على إدراك طلوع الفجر أيضا، و هو خلاف الظاهر من الرّواية.

و الحاصل، أنّه قد يقرّب دلالة الرواية على ذلك من باب مفهوم الحصر المستفاد من الاستثناء، بتقريب أن مفاد الرواية إنما هو قصر نفي الفطرة على غير المدرك للشهر مطلقا، سواء كان هناك إدراك طلوع الفجر أم لم يكن، و مقتضاه اثبات الفطرة لمدرك الشهر، مطلقا، سواء أدرك طلوع الفجر أم لم يدرك.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 292

..........

______________________________

و قد يستشكل هذا التقريب بأن المقام نظير قولهم عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور»، حيث لا يلتزم في مثله بالمفهوم، و إلّا لكان مقتضاه أنّه مع الطهور، مطلقا، حتى و لو كان ذلك مجرّدا عن سائر ما يعتبر فى الصلاة- جزءا أو شرطا- تتحقق الصلاة، مع أنه باطل قطعا، خصوصا على القول بالصحيح. و فى المقام أيضا حيث يعلم بأن وجوب الفطرة مشروط بجملة من الأمور غير ادراك الشهر، فلا يستفاد من الرواية حينئذ مفهوم، ليكون مقتضاه كون مبدأ الوجوب هو الغروب.

و الجواب عن الإشكال: أن الاستثناء- في نفسه- ممّا يدل على الحصر، و اثبات الحكم المنفي عن المستثنى منه للمستثنى بقول مطلق، كما حقق ذلك في بحث أصول الفقه. فإذا دلّ على عدم وجوب اكرام الفسّاق

إلّا العلماء منهم، كان مفاد الاستثناء هو ثبوت الحكم للعلماء مطلقا، لأن ثبوته لغيرهم، أو لحصّة خاصّة من العلماء ينافي حصر الحكم المذكور بالعلماء بنحو مطلق.

هذا ما يقتضيه الاستثناء في نفسه. إلّا أنّه قد تقوم- في بعض الموارد- قرائن خاصّة على إرادة الحصر بالنحو المذكور، كما في قولهم عليهم السّلام: «لا صلاة إلا بطهور»، فانه بمقتضى العلم القطعي بأن صدق الصلاة منوط بجملة من الأجزاء و الشرائط، و إنها لا تصدق إلا بعد تحقق كل ذلك أو المعظم منه- على الخلاف بين القولين، الصحيح و الأعمّ- لا محالة لا يدلّ الاستثناء حينئذ على الثبوت للمستثنى بقول مطلق، و إلّا لكان مقتضاه هو صدق الصلاة بتحقق الطهور، حصل معه شي ء اخر- من الأجزاء و الشرائط- أم لم يحصل، و هو خلاف المقطوع به، و إنّما يدل على شرطيّة الطهور للصّلاة، من دون دلالة على أن الصّلاة صادقة بتحقق الطهور مطلقا، و لكن ليس معنى هذا هو نفي دلالة الاستثناء على

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 293

..........

______________________________

الحصر، لينتفي بذلك- تبعا- دلالته على المفهوم، بل معنى ذلك تضييق دائرة الحصر، و ذلك بجعل المستثنى هي الصّلاة مع الأجزاء و الشرائط عدا الطهور، فيكون مفاد الكلام أن صدق الصلاة مع فرض تلك الأجزاء و الشرائط لا يكون إلا بالطهور، فانحصار صدق الصلاة بتحقق الطهور فما لم يرفع اليد عنه، و انما ضيّق دائرة المستثنى منه بفرض اجتماع الاجزاء و سائر الشرائط، و ان صدق الصّلاة على مجموع هذه الأجزاء و الشرائط لا يكون إلا بانضمام الطهور إليها.

و محلّ الكلام من هذا القبيل، فانه ليس المراد فيه ثبوت وجوب الفطرة بإدراك الشهر فقط، علما بان

ذلك منوط بعدة شرائط أخر، بل المراد أن الحكم بوجوب الفطرة مع اجتماع سائر الشرائط انما يكون بإدراك الشهر، و معنى ذلك انما هو تعليق الحكم الفعليّ على إدراك الشهر، فان تعليق الحكم مع اجتماع سائر الشرائط على الإدراك، يعنى به تعليق فعلية الحكم، و إذا كان الأمر كذلك، دلّ ذلك على تعيين مبدأ الوجوب و أنّه من حين رؤية الهلال، إذ لو لا كونه هو مبدأ الوجوب لما كانت فعليّة الوجوب معلّقة على الإدراك، مع أنا قد فرضنا ذلك.

و بهذا البيان يظهر: أن ما أفيد فى المناقشة، بأنه لا اطلاق للرواية يقتضي تعيين مبدأ الوجوب، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، لا أساس له، فانّه إذا يتم إذا كان مفاد الرواية هو شرطيّة الإدراك للوجوب فانّه لا ينافي شرطية شي ء آخر كطلوع الفجر مثلا، فلا يدل على توقيت الوجوب بالادراك.

و أمّا إذا كان مفادها هو تعليق فعلية الوجوب على الإدراك لم يكن لهذا الكلام مجال فتدبر جيّدا.

و عليه فالمستفاد من الروايتين انما هو فعلية الوجوب بادراك الشهر، و بضميمة التسالم على عدم اعتبار الإدراك الا قبيل غروب ليلة الفطر، لا محالة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 294

..........

______________________________

تدل الروايتان على ان وقت الوجوب هو الزمان المتصل بالغروب لا مطلق زمان الادراك و لو كان ذلك من اوّل الشهر.

و استدل للثانى بصحيح العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم الفطر. قلت: فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه، ثم يبقى فنقسمه».

و لكن الاستدلال به غير ممكن. أمّا أوّلا فلظهور الرواية- سؤالا- في

تعيين وقت الإخراج، لا وقت الوجوب، و لا مانع من الالتزام باختلاف الوقتين و ثانيا ان ذلك موقوف على أن يكون تقديم الفطرة على الصّلاة واجبا، فحينئذ تدل الرواية على وجوب الفطرة قبل الصلاة فى يوم الفطر، بمعنى أن الوجوب يكون يوم الفطر، لا من غروب ليلة الفطر، و أنّه يكون قبل الصلاة، و اما إذا بنينا على استحباب ذلك، كما يدل عليه ذيل الصحيحة، فلا مناص إذن من الالتزام بالاستحباب بالنسبة إلى القيد الآخر، و هو «يوم الفطر».

و الحاصل، أن الرواية قد تضمنت بيان حكم واحد مقيدا بقيدين، أحدهما «قبل الصلاة»، و الآخر «يوم الفطر»، فإذا قامت القرينة الخارجية- و هي ذيل الرواية- على أن الحكم المقيّد بالقيد الأول إنما هو الاستحباب، فلا مناص عن ذلك بالنسبة الى القيد الثانى أيضا، بمعنى أن المقيّد بالثاني أيضا يكون هو الحكم الاستحبابي، دون الوجوب.

و اجاب عن هذا فى «المستمسك»، بما حاصله: أنه لا مانع من التفكيك بين القيدين، بالالتزام بالوجوب بالنسبة إلى أحدهما، عملا بالظهور الأوّلي للكلام، و الالتزام بالاستحباب بالنسبة إلى الاخر لقرينة خارجية.

و هي ذيل الرواية في مقامنا هذا و الوجه في كونها قرينة خارجيّة إنما هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 295

..........

______________________________

ذكرها فى الجواب عن السؤال الثاني، بعد انعقاد الظهور الكلامي للجواب الأوّل.

و نتيجة ذلك، كون تقديم الفطرة على الصّلاة مستحبا، و لكنها- أي الفطرة- في يوم الفطر، لا غروب ليلته، مطلقا، سواء أ كان ذلك قبل الصلاة أم بعدها، واجبة.

و ما ذكره عجيب جدّا، فإنه إنما يتم فى القيدين المتخالفين المتباينين، دون القيدين اللّذين تكون النسبة بينهما هي العموم المطلق، كما فى المقام، و إلّا حمل المطلق

منهما على المقيّد. و الوجه في ذلك أن أساس حمل المطلق على المقيد مبنيّ على أنه إذا فرض الجمع بين الإطلاق و التقييد في كلام واحد، لم يستوجب ذلك تحيّر المخاطب، و ذلك لحمله المطلق على المقيد، فيقول: إن المراد الجدّي هو ثبوت الحكم المترتب على المطلق للمقيّد، و لا وجه له سوي، أن الحكم الواحد لا يمكن ترتبه على المطلق واقعا و في نفس الوقت يكون متراتبا على خصوص المقيد- أيضا- واقعا، فيكون حال قوله: «اعتق رقبة»، و قوله بدليل منفصل: «اعتق رقبة مؤمنة»، إنما هو حال قوله: «اعتق رقبة مؤمنة» ابتداء، بمعنى: أنه لا يبقى للرقبة بعد ذلك اطلاق من حيث الإيمان و عدمه. و الحاصل، أن أساس حمل المطلق المنفصل على المقيد مبنيّ على أن العرف يلتزم بذلك فيما لو فرض الاتصال بين المطلق و المقيد، بأن كانا معا في كلام واحد، و لا وجه لالتزامهم بذلك سوى أن الحكم الواحد لا يمكن أن يثبت للمطلق و للمقيّد معا، و حينئذ فلا مناص من رفع اليد عن إطلاق المطلق. و مقامنا من هذا القبيل، فان الحكم فى الرواية حكم واحد، و هو مقيد بقيدين، فإذا قامت القرينة على أن الحكم المقيد بأحدهما هو الاستحباب، لم يبق له بعد ذلك ظهور اوّلي في كونه هو الوجوب بالنسبة إلى القيد الثاني، لما عرفت من وحدة الحكم. و عليه فلا ظهور للرواية فى الوجوب بالنسبة إلى القيد الاخر أصلا، بعد قيام الدليل على أن المقيّد بالاول هو الاستحباب، كما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 296

..........

______________________________

هو ظاهر.

و ثالثا: إن الرواية أجنبيّة عن الدعوى، فان الدعوى هى كون مبدأ الوجوب إنّما هو

طلوع الفجر، مع أن الرواية لا تدل إلّا على أن مبدأه قبل الصّلاة عرفا، و القبليّة للشي ء- بمعناها العرفي- لا تشمل طلوع الفجر، و إنّما يراد بها مقدار ما من الزمان المتقدم على الصّلاة، و هو زمان التهيؤ للصلاة.

و الحاصل، أن الاستدلال بها موقوف على ان يكون المراد ب «قبل» هو معناه اللغوي، مع أنّه خلاف الظاهر، بل الظاهر أن المراد به هو معناه العرفي، و هو لا يشمل طلوع الفجر، كما لا يخفى.

و قد أجيب عن الإشكال المذكور بوجهين:

أحدهما: ما افاده فى «المستند «1»»، من تتميم الاستدلال بها بالاجماع المركب، بتقريب أنّها و إن دلّت على أن زمان الوجوب انما هو قبل الصّلاة عرفا، إلا انه بمقتضى عدم القول بالفرق بينه و بين طلوع الفجر الّذي هو قبل الصلاة أيضا، لكن بمعناه اللغوي لا العرفي، يلتزم لا محالة بأن مبدأ الوجوب إنما هو طلوع الفجر. و يمكن المناقشة في ذلك، بأن الإجماع المركب في مثل المقام بنفسه مصادم لما هو ظاهر الرّواية، نظرا الى أن مفادها كون مبدأ الوجوب قبل الصلاة بما لكلمة «قبل» من المعنى العرفي، و الإجماع على خلافه، فانهم بين قائل بأنّ مبدأه غروب ليلة الفطر، و قائل بأنه مبدأه طلوع الفجر فالاجماع مصادم للظهور، لا أنّه متمم للاستدلال. نعم، إذا دلّت الرواية على حكم موضوع خاصّ مثلا، و كان الاجماع المركب قائما على عدم الاختصاص به، فإنه بضميمة الإجماع المذكور يتعدى عن مورد الرواية لا محالة.

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 421، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 297

..........

______________________________

و الحاصل، أنّ الفرق بين المقامين ظاهر، فإن الاجماع

المركب في محل الكلام مناف لظاهر الرواية ابتداء، بمعنى أنّها تدل على شي ء، و الاجماع على خلافه، و في مثله لا مجال لجعل الإجماع دليلا على التعدي، و هذا بخلاف ما إذا كانت الرواية غير دالّة إلّا على حكم موضوع خاصّ، و قام الاجماع المركب على عدم الاختصاص به، حيث إنه لا مصادمة- حينئذ- بين الاجماع و الرواية أصلا، فانها- على الفرض- ساكتة عن بيان حكم غير ذلك الموضوع، لا أنّها مبيّنة لعدم الثبوت في غير ذلك الموضوع، ليتنافى و الإجماع المركب، كما لا يخفى.

و الآخر: ما فى «المستمسك»، من أنّ ذكر القيد الثاني، و هو قوله عليه السّلام: «يوم الفطر» ممّا يدل على ان المراد بقبل الصّلاة، هو الأعم من القبليّة العرفيّة، بأن يراد به ما يقابل بعد الصّلاة، و ذلك لدلالته على أنّه لا بدّ في فعليّة الوجوب من قيدين:

أحدهما المقبلية للصلاة، و ثانيهما كون قبل الصلاة مصداقا ليوم الفطر، بحيث يصدق عليه انه «يوم الفطر»، فيشمل طلوع الفجر لا محالة.

و يمكن المناقشة فيه، مع الغضّ عما ذكرناه من رجوع القيدين إلى شي ء واحد، باعتبار كون النسبة بينهما نسبة الاطلاق و التقييد، فيحمل المطلق منهما على المقيّد، بأن مما يختلف باختلاف انحاء الحكم، فإذا ورد مثلا: «كن فى السوق الفلاني قبل حانوت زيد» كان هذا الكلام ظاهرا في إرادة القبلية مقابل التعدية، بمعنى انه تحديد للمكان بكونه قبل حانوت زيد، لا بعده. و اذا ورد: «اذهب إلى السوق الفلاني قبل حانوت زيد» كان المراد بالقبلية هنا هو المعنى العرفي أي ظهور قبل في حدّ نفسه، فكان المراد ان السوق الفلاني واقع قبل حانوت زيد بالقبليّة العرفية. و ما نحن فيه من القبيل الثاني،

كما لا يخفى.

و على هذا، فلم يثبت ما يدل على أن مبدأ الوجوب إنما هو طلوع الفجر،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 298

..........

______________________________

فان عمدة ما استدل به للقول المذكور إنما هو صحيح العيص المتقدم ذكره، و قد عرفت ما في ذلك من وجوه الإشكال و المتحصّل من ذلك كلّه أنه إذا كان النزاع فى المسألة في وقت اعتبار اجتماع الشرائط، فلا ينبغي الشك في دلالة الصحيحتين- و هما صحيحتا معاوية بن عمار- على اعتبار اجتماع الشرائط عند الغروب من ليلة الفطر دون طلوع الفجر. و إذا كان النزاع في مبدأ الوجوب، فالظاهر هو دلالتهما على أن ذلك هو الغروب أيضا، كما تقدم بيانه.

نعم، و مع عدم الركون إلى ذلك فرضا، فحيث إنه لا دليل على القول الآخر كما عرفت، فلا محالة تصل النوبة إلى الأصل العملي، و مقتضى الاستصحاب هو عدم فعلية الوجوب قبل طلوع الفجر، فتكون النتيجة عملا هو القول بالوجوب عند طلوع الفجر، كما لا يخفى.

يبقى الكلام في وقت الإخراج من حيث المبدأ، و قد اختلفت كلمات الأعلام في هذا المقام، فما هو الحق حينئذ؟ و الكلام في ذلك يقع فى مقامين: أحدهما على ضوء الأدلة و الآخر ما تقتضيه الوظيفة العملية عند الشك فيها.

1- وقت الإخراج على ضوء الأدلّة و قبل كلّ شي ء يجدر بنا التنبيه على مقدمة، و هي إنه لا ينبغى الاشكال في صحة الإتيان بالأمر التوصلي قبل مجي ء زمان وجوبه، إذ المفروض هو عدم توقفها على الإتيان به متقربا منه تعالى، ليكون ذلك موقوفا على حضور زمان الوجوب، و إنما الغرض الداعي إلى وجوبه قائم بمطلق وجوده كيفما اتفق ذلك خارجا. كما أنه لا ينبغي

الاشكال في صحة الاتيان بالأمر العبادي قبل زمان الأمر به، فيما إذ اقام الدليل على اشتماله على الملاك، فيؤتى به بداعى الملاك

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 299

..........

______________________________

المذكور، و هذا ظاهر. إذا عرفت ذلك فنقول:

إنّ ظاهر صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين إنما هو كون وقت الإخراج متحدا مع وقت الوجوب، و أنه حيث كان وقت الوجوب- كما تقدم- هو الغروب، فلا محالة يكون وقت الإخراج هو ذلك أيضا، و ذلك بإطلاق المادّة، فان مقتضى اطلاق المادة- أعني بها متعلق الأمر- إنّما هو عدم تقيد الواجب بوقت- كالنهار مثلا- غير وقت الوجوب، ليكون الواجب حينئذ من الواجب المعلق، بل الفطرة الواجبة تكون هي الأعمّ من الفطرة فى الليل أو النهار مثلا.

و بإزاء ذلك صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، انهما قالا:

«على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول، من حرّ و عبد، و صغير و كبير، يعطي يوم الفطر قبل الصّلاة فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان ... «1»».

و المستفاد من قوله عليه السّلام: «و هو في سعة ...» بحسب الظهور الأوّلي إنما هو كون مبدأ الوجوب أوّل يوم يدخل من شهر رمضان، فلا محالة يكون منافيا لما دلّ على أن مبدأه هو غروب ليلة الفطر.

و الحاصل، أنا إذا قلنا بأن الرواية مما يستفاد منها ابتداء كون وقت الإخراج الواجب أول يوم يدخل من رمضان، فيتنافى- إذا- و ما دلّ على التوقيت بغروب ليلة الفطر، فإمّا أن يقال حينئذ بلزوم رفع اليد عن هذا الظهور الأوّلي، بمقتضى الإجماع و التسالم على عدم وجوب الفطرة قبل هلال شهر

شوّال، و انما هو في غروب ليلة الفطر، أو طلوع الفجر من يوم العيد، فلا بد- حينئذ- من حمل الرواية على التوسعة في مقام العمل، بمعنى الترخيص في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 300

..........

______________________________

اخراج الفطرة قبل وجوبها، فيستكشف من ذلك- باعتبار أنها ليست من الواجبات التوصلية، التي يصح الإتيان بها كيفما اتفق، بل لا بدّ و ان يؤتى بها بوجه قربي- اشتمالها على الملاك، فيكون التعبد إنما هو بإخراجها بداعى ما تضمنه من الملاك. أو يقال- على فرض المناقشة فى الاجماع المذكورة صغرويا، و كبرويا، بأنّه لا يوجب التصرف في الظاهر من الرواية- بحمل صحيح الفضلاء على أن مبدأ وجوب الفطرة إنما هو اوّل شهر رمضان، و لكن استقراره إنما هو من حين غروب ليلة الفطر، بنحو يكون ادراك غروب ليلة الفطر جامعا للشرائط من قبيل الشرط المتأخر لوجوب الفطرة من أول شهر رمضان، و بذلك يجمع بينه و بين صحيحتي معاوية بن عمّار، فإن مفادهما انما هو اعتبار إدراك الغروب جامعا للشرائط، و ان الوجوب مبدأه انما هو الغروب.

هذا و لكن الجمع العرفي بين الطائفتين بحيث لو فرضنا انهما كانا في كلام واحد لحكم العرف بذلك، يقتضي الأخذ بالمدلول الأول فقط، و هو اعتبار إدراك غروب ليلة الفطر جامعا للشرائط، و به يجمع بين الطائفتين، و نتيجة ذلك هي ما أشرنا إليه، من كون مبدأ الوجوب أول يوم يدخل من شهر رمضان، إلا أنه مشروط بادراك غروب ليلة الفطر جامعا للشرائط بنحو الشرط المتأخر، فيكون استقراره و فعليته انما هو حين الغروب.

و الحاصل، إنه إذا رفعنا

اليد عن ظاهر صحيح الفضلاء بالاجماع، كانت النتيجة هي حمل الصحيح على التوسعة في مقام الامثال، و إلا فمقتضى الجمع العرفي هو الالتزام بان مبدأ الوجوب انما هو أول شهر رمضان، و استقراره يكون بدخول ليلة الفطر جامعا للشرائط، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 301

..........

______________________________

هذا، و قد يقال «1»: «إنّ صحيحة الفضلاء لا دلالة لها على جواز أداء الفطرة من أول الشهر، بل من الممكن أن يكون المراد بجواز تقديمها من أول الشهر هو إعطاؤها للفقر بعنوان القرض، فلا تنافي بينها و بين ما دلّ على أن وقت الاخراج هو غروب ليلة الفطر، أو غيره». و يتوجه عليه:

أوّلا: إن كان المراد هو دعوى ظهور صحيحة الفضلاء في ذلك، فهو ممنوع منه، لما عرفت من ظهورها في كون ذلك بعنوان أداء الفطرة. و إن كان الغرض هو تأويل الصحيحة بذلك، فيرد عليه: أنه لا موجب للتأويل، بعد إمكان الأخذ بظاهرها، و إمكان الجمع بينها و بين غيرها مما ينافيها ظاهرا بما عرفت.

و ثانيا: عدم اختصاص جواز التقديم بعنوان القرض بأوّل الشهر، بل يجوز ذلك حتى قبل دخول شهر رمضان.

و ثالثا: أن ظاهر الصحيحة هو بيان صورتين لإعطاء الفطرة، إحداهما- و هي الأفضل- و هي اعطاءها قبل صلاة العيد، و الاخرى- و هي غير الأفضل- و هي إعطاءها من أوّل الشهر، و بين الصورتين تقابل، بحيث أنه لا يسع الشخص مع إعطاءها من أوّل الشهر إدراك الصورة الأفضل، مع أنه لو كان الاعطاء أوّل الشهر بعنوان القرض، لأمكنه إدراك الصورة الأفضل حينئذ، و ذلك باحتساب القرض المذكور زكاة قبل الصّلاة، فلا يكون هناك تقابل بين الصورتين المفروضتين فى الصحيحة.

هذا، و قد يناقش

في صحيحة الفضلاء، باعتبار اشتمالها- في ذيلها- على ما لم يعمل به، و هو كفاية اخراج نصف صاع من الحنطة أو الشعير. «فان أعطى تمرا فصاع لكل رأس، و ان لم يعط تمرا فتصف صاع لكل رأس، من حنطة أو

______________________________

(1)- النراقي، المولى أحمد: مستند الشيعة، ج 9: ص 423، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 302

..........

______________________________

شعير ...»، و لأجل ذلك تكون الرواية ساقطة عن درجة الاعتبار.

و يتوجه عليه، أن عدم العمل بذيل الصحيحة لا يقتضي عدم العمل بصدرها، حيث لا مانع من التفكيك بين الصدر و الذيل، و كم له نظائر فى الفقه لا تخفى على المتتبع. نعم، ما يمتنع التفكيك بين أبعاضه بالعمل ببعض دون بعض، و ليست الرواية كذلك، لاختلاف صدرها و ذيلها فى الحكم، كما لا يخفى.

و المتحصل من ذلك كله، ان الرواية صحيحة سندا، و تامة دلالة، فلا موجب لرفع اليد عن مفادها.

2- وقت الإخراج مع الشك فيه إذا أنكرنا دلالة الرواية على تعيين وقت وجوب الإخراج، و لم يقم دليل اخر على التعيين أيضا، و فرضنا الشك في وقت الإخراج، و أنه غروب ليلة الفطر، أو نهار الفطر؟ فلا محالة يكون المقام مندرجا تحت كبرى: الشك فى الأقل و الأكثر، و المرجع فيها هو البراءة، كما حرّر في محله في بحث أصول الفقه، و ذلك العلم بوجوب الفطرة، و الشك في تقييدها بالكون فى النهار، فيرجع في نفى القيد المشكوك فيه إلى البراءة.

و ما فى «المستمسك «1»»، من أنه: «ليس المقام من قبيل الشك فى التعيين و التخيير، لأن خصوصية الزمان لا تفرّد الواجب و لا تحصّصه، و باب الشك

فى التعيين و التخيير مختص بالخصوصيات الموجبة لتعدد الحصص و الأفراد»، فليس هو بضابط صحيح لتمييز موارد الشك فى الأقل و الأكثر عن موارد الشك فى التعيين و التخيير، بل الصحيح فيه- كما ذكرناه في محلّه- أنه مع العلم بأخذ

______________________________

(1)- الحكيم، محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 428- 429، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 303

و يستمرّ إلى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد (803).

______________________________

الخصوصية- كالعتق مثلا- في مقام التكليف، و تردد الأمر بين تعين تلك الخصوصية أو التخيير بينها و بين الصوم مثلا فان ذلك يكون من موارد الشك بين التعيين و التخيير. و اما مع عدم العلم باخذ الخصوصيّة و مجرد احتمال اخذها في مقام التكليف، فان ذلك يكون من موارد الشك بين الأقل و الأكثر، و كون الخصوصيّة من الخصوصيّات المحصّصة و المفرّدة و عدم كونها كذلك لا دخل له بذلك أصلا، و ذلك لإمكان دوران الامر بين التعيين و التخيير حتى فى الفردين غير المتباينين، كما لا يخفى.

و معلوم ان الشك هنا إنما هو في أخذ خصوصيّة النهار- أي طلوع الفجر- فى التكليف المتعلق بالجامع و عدم أخذها فيه، فهو من موارد الأقل و الأكثر، الّتي لا بد فيها من الرجوع إلى البراءة فى الزائد على الأقل المتيقن به.

لا أنّ أخذ الخصوصيّة أمر معلوم، و إنما الشك في تعينها أو التخيير بينها و بين غيرها، ليكون من موارد الدوران بين التعيين و التخيير. فتدبر جيّدا.

(803) الأقوال فى المسألة ثلاثة:

الأوّل: إن آخر وقت الفطرة إنما هو صلاة العيد، و هو المنسوب إلى الأكثر «1»، حيث قالوا- كما نسب إليهم- بحرمة تأخيرها عن صلاة العيد، بل

عن

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 347، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ السبزواري، محمد باقر: ذخيرة المعاد، ص 476، ط ايران الحجرية؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 301، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 304

..........

______________________________

«المنتهى «1»» و «التذكرة «2»» نسبته الى علمائنا.

الثانى: إنه زوال يوم العيد، كما في رسالة شيخنا الأنصاري قدّس سرّه «3»، و هو مختار الإسكافي «4»، و «البيان «5»» و «الدروس «6»»، و المحقق الثاني في حاشيته «7» «8»، و «حاشية الارشاد «9»»، و العلامة فى «المختلف «10»».

الثالث: امتداده إلى اخر النهار، كما عن العلامة قدّس سرّه فى «المنتهى «11»» و مال إليه صاحب المدارك «12».

و استدل للقول الأوّل بعدّة نصوص:

منها ما رواه العياشي في تفسيره، عن سالم بن مكرّم الجمال، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أعط الفطرة قبل الزوال، و هو قول اللّه تعالى: وَ أَقِيمُوا*

______________________________

(1)- العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 541، ط ايران الحجرية.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 395، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- الانصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، ج 10: ص 442، نشر لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

(4)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: صص 298- 299، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- الشهيد، محمد بن مكي: البيان، ص 334، تحقيق الشيخ محمد الحسّون، قم.

(6)- الشهيد، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 250، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

(7)- المحقق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ج 1: ص 175، تحقيق عبد الحسين محمد علي.

(8)- المحقق الثاني، عليّ بن الحسين:

حاشية شرائع الاسلام (مخطوط)، ص 51.

(9)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، ج 10: ص 438، نشر لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 3، ص: 304

(10)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 299، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(11)- منتهى المطلب، ج 1: ص 541، ط ايران الحجرية.

(12)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 349، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 305

..........

______________________________

الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ ... «1»،* و الذي يأخذ الفطرة، عليه أن يؤدّي عن نفسه و عن عياله، و إن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا يعدّ له فطرة «2»».

و دلالتها على المدّعى و إن كانت ظاهرة، باعتبار حكمه عليه السّلام بنفي الفطرة إذا أعطاها بعد الصلاة، إلّا أنّها ضعيفة السند من جهة الإرسال، فإن جميع ما فى التفسير المذكور من الأحاديث فإنما هي محذوفة الأسانيد.

و منها: ما رواه في كتاب «الاقبال»، قال: و روينا باسنادنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينبغي أن يؤدّي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة، فإذا أدّاها بعد ما يرجع فانما هو صدقة، و ليس هو فطرة «3»»، و الظاهر أن الجبّانة- و يراد بها الصحراء- إنما كانت محل الصلاة، كما يظهر ذلك من بعض الكتب اللغويّة «4»، و عليه فهي في دلالتها كسابقتها، إلّا أن الإشكال في سندها لإرسالها، مع أنّ من المحتمل كونها متحدة مع سابقتها.

و منها: خبر أبي

بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى* وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى- الآية، قال: «يروح إلى الجبّانة فيصلّي «5»». و لكنه- مضافا إلى ضعف السند- لا دلالة له على وجوب الإخراج قبل الصلاة، كما لا يخفى.

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال:

______________________________

(1)- البقرة، 2: 43. و عدة مواضع اخرى من القرآن الكريم.

(2)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 8.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- الجبّانة: المصلّى العام فى الصّحراء (أقرب الموارد).

(5)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 306

..........

______________________________

«و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقه «1»». و المراد بالأفضلية بالإضافة إلى سائر الأوقات المتقدمة عليه، بمعنى أن إخراجها قبل الصلاة أفضل بالإضافة إلى الأوقات المتقدمة عليه، لا أنه أفضل بالإضافة إلى ما بعد الصلاة، و ذلك لقوله عليه السّلام: «و بعد الصلاة صدقة» الظاهر ذلك في نفي عنوان «الفطرة» عنها إذا أخرجت بعد الصلاة، و عليه فدلالة الخبر على المطلوب ظاهرة، كما أن سنده صحيح أيضا.

و منها: رواية ابراهيم بن منصور، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كان بعد ما يخرج فهي صدقة «2»». و الرواية ظاهرة الدلالة على المدّعى، باعتبار ما في ذيلها من نفي الفطرة عما يعطي بعد الخروج إلى الصلاة. فتدل على لزوم إخراج الفطرة قبل الخروج إليها؛ إلّا أنّها ضعيفة السند.

و منها: خبر حفص المروزي، قال: سمعته يقول: «إن

لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك السّاعة، قبل الصلاة ... «3»».

و يتوجّه عليه- مضافا إلى ضعف السند-: أنه يمكن المناقشة في دلالته، نظرا إلى أن الرواية إنّما جعلت العزل بديلا للإعطاء، فإن كان الإعطاء قبل الصلاة واجبا كان العزل البديل له- أيضا- كذلك، و إن كان مستحبا كان هذا كذلك أيضا. و الحاصل، أن الرواية لا دلالة لها على وجوب العزل قبل الصلاة، و إنما تدل على أن العزل بديل عن الإعطاء عند عدم التمكن منه لعدم وجود

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 13: زكاة الفطرة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 307

..........

______________________________

المستحق، و أما حكم العزل- وجوبا و استحبابا- فهو تابع لحكم الاعطاء وجوبا أو استحبابا، و الرواية ساكتة عن بيان ذلك بالكليّة.

و ممّا يشهد بذلك تقييد العزل بقوله: «تلك الساعة»، فانه شاهد على أن العزل بديل عن الإعطاء في ساعة عدم التمكن منه، لا أن العزل واجب بحياله، و إلا فمن الظاهر عدم تقيد وجوبه بكونه في تلك الساعة، و إنما هو- على تقدير التسليم به- مما يكون قبل الصلاة، و إن لم يكن في تلك الساعة، كما هو ظاهر.

و منها: موثق اسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الفطرة، فقال: «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها، قبل الصلاة أو بعد الصلاة أو بعد الصلاة «1»»، فانه بمفهومه يدل على أنه على تقدير عدم العزل يضرّ إعطائها بعد الصلاة، لعدم احتمال الإضرار بإعطائها قبل الصلاة إجماعا، و إلّا فمفهوم الرواية ابتداء انما هو الإضرار بإعطائها قبل الصلاة و بعدها، على تقدير عدم العزل،

و نتيجة ذلك هي وجوب الإعطاء قبل الصلاة، إلّا مع العزل.

و لكن يمكن المناقشة في دلالة الخبر، بأن يقال: إن حصول الضرر باعطائها بعد الصلاة على تقدير عدم العزل- كما هو مفهوم الخبر- مما لا يقتضي وجوب الإعطاء قبلها، إلا إذا أخذنا «الضرر» بمعنى العقاب الأخروي، و من الممكن أن يراد به الخسارة اللاحقة لفوت الملاك، و إذا كان الغائب هو الملاك الملزم، أي ملاك الوجوب، فإنه عليه يكون لازم ذلك وجوب الإعطاء قبل الصلاة، و يمكن حمله على فوت ملاك الاستحباب أيضا، باعتبار أنه نقص و خسارة أيضا لكن بمقدار ما، فلا تكون الرواية- بعد ذلك- دالة على وجوب الفطرة قبل الصلاة، فان من الممكن حينئذ أن يكون الضرر بالمعنى الثاني، من الواضح أن الإعطاء

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 308

..........

______________________________

بعد الصلاة إذا كان مفوّتا لملاك الاستحباب لم يستلزم ذلك كون الإعطاء قبلها هو الواجب، كما لا يخفى.

و استدل للقول الثاني بما في ذيل صحيح العيص بن القاسم المتقدم، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطرة متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم الفطرة. قلت:

فإن بقي منه شي ء بعد الصّلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه، ثم يبقى فنقسّمه «1»»، حيث إنه قد دلّ على جواز تأخيرها عن الصلاة، فيقع التعارض بينه و بين ما تقدم ممّا دلّ على وجوب الفطرة قبل الصّلاة.

و يمكن أن يقال: إن ذيل صحيح العيص خاص بمورد العزل- كما استظهره صاحب الوسائل قدّس سرّه حيث قال:- معلقا على الخبر: «أقول: المراد باعطاء العيال عزل الفطرة»، و عليه فلا تعارض بينه

و بين مفهوم موثق اسحاق بن عمار أصلا، و ذلك لأن مفهوم الموثق إنّما دلّ على عدم جواز الإعطاء بعد الصلاة في صورة عدم العزل، و صحيح العيص دالّ على جواز ذلك مع العزل، فهما متباينان موردا، كما لا يخفى. أو يقال بعد التسليم بعدم اختصاص الذيل بصورة العزل، بل هو عام يشمل مورد عدمه أيضا، فلا محالة يقع التنافي بينه و بين مفهوم الموثق بالإطلاق و التقييد، فإن المفهوم خاص بمورد عدم العزل، و الصحيح مطلق بالإضافة إليه بأن الأمر حينئذ يدور بين رفع اليد عن الإطلاق بظهور القيد، و بين رفع اليد عن الحكم المترتب على المقيّد بظهور ما دلّ على الحكم فى المطلق، و المتعيّن هو الثاني.

بيانه: أن موضوع المفهوم- و هو المقيّد- و إن كان أظهر بالإضافة إلى موضوع الصحيح، و هو المطلق، إلّا أن ظهور ما دلّ على الحكم فى الصحيح فى

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الفطرة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 309

..........

______________________________

الجواز أقوى من ظهور المحمول فى المفهوم في عدم الجواز، لما عرفت، من أن قوله عليه السّلام: «يضر»- كما هو مقتضى بالمفهوم- غير ظاهر في عدم الجواز، او لا أقل من كونه ظهورا ضعيفا، و هذا بخلاف الصحيح، فان ظهوره في جواز الإعطاء بعد الصلاة أقوى من ذلك، و عليه فيرفع اليد به عن ظهور «يضرّ» في عدم الجواز، لا أنه يلتزم بتقييد الصحيح بمفهوم الموثق، و ذلك لأن الموضوع فى المفهوم و إن كان أخص مطلقا من الموضوع فى الصحيح، و قانون الإطلاق و التقييد مما يقتضي الالتزام بتقييده به، إلّا أنّ من الواضح

أن التنافي بين موضوعي الدليلين انما نشأ من التنافي بين الحكمين، فإذا أمكن العلاج في مورد التنافى، بأن كان ظهور أحدهما أقوى من الآخر، فأخذنا بالأقوى، و طرحنا الآخر، لم تصل النوبة بعد ذلك إلى التنافي بين الموضوعين، ليتوجه القول بتقييد المطلق بالمقيد، كما هو ظاهر. و نتيجة ذلك، أن يكون ظهور صحيح العيص الدالّ على جواز التأخير عن الزوال مقدما على مفهوم موثق اسحاق بن عمّار، إلّا أنه بملاحظة ذلك مع غير الموثق، من سائر ما دل على التحديد بالزوال، كصحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة» يحمل صحيح العيص على فرض العزل، لأن الجمع العرفي بينهما يقتضي ذلك. فالحق- إذن- هو القول الأوّل.

و المتحصل من ذلك كله: أن المكلف إذا أراد الصلاة وجب عليه إخراج الفطرة قبلها إلّا إذا عزلها قبل ذلك، فإنه حينئذ لا يضرّه اعطاءها متى شاء. و إذا لم ينو الصلاة و لكن انعقدت الصلاة فى البلد بحيث كان يطلق عليها «أنها صلاة البلد»، كان الواجب أيضا هو إعطاءها قبلها، عملا بما دل على وجوب تقديمها على الصلاة، و إن لم تكن هي بصلاة المكلف نفسه، و أما مع عدم الأمرين،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 310

و الأحوط (804) عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلّاها، فيقدّمها عليها، و إن صلّى في أوّل وقتها. و إن خرج وقتها و لم يخرجها، فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحق بعنوان الزكاة (805).

______________________________

فلا دليل على التحديد بالصلاة أصلا، كما لا يخفى.

(804) قد عرفت أن وجوب تقديم الفطرة على الصّلاة لمن أراد الصّلاة، أو فيما إذا أقيم فى البلد صلاة جامعة،

بحيث كان يصحّ اضافتها إلى البلد، بأن يقال عليها:

«إنّها صلاة البلد»، هو الظاهر من الأدلّة. فلاحظ.

(805) لا ينبغى الإشكال في جواز التأخير عن الصلاة إلى أيّ وقت شاء إذا كانت الفطرة معزولة، لموثق اسحاق بن عمار المتقدّم. إنما الكلام في أنه حين الدفع إلى المستحق هل يجب على المعطي أن يدفع ذلك بنيّة الزكاة، أو أنه لا يجب ذلك؟

لم يستبعد صاحب الجواهر قدّس سرّه «1» الثاني، نظرا إلى أن المستفاد من أدلة مشروعيّة العزل- كموثق اسحاق بن عمار المتقدم و غيره- إنما هو ثبوت الوكالة عن الفقير للمالك، أو الولاية له عليهم، بحيث يكون عزله بمثابة قبض المستحق، و حينئذ فيكون مال الفقير تحت يده أمانة شرعيّة، و عليه فلا يجب قصد الزكاة حين الدفع الى المستحق، اذ المفروض أن دفع مال الفقير- المفروض كونه أمانة تحت يده

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 534، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 311

..........

______________________________

شرعا- مما لا يعتبر فيه ذلك قطعا. و هذا نظير تملّك المجتهد لما يدفع إليه من سهم الإمام عليه السّلام و نحو ذلك، فانه إنّما يتملك ذلك من قبل المستحقين، فيكون ذلك أمانة تحت يده، و لأجل ذلك لا ينوي حين الدفع إليهم كونه من سهم الإمام، كما هو ظاهر.

و اختار المصنف قدّس سرّه الأوّل، بدعوى أنه لا يستفاد مما دلّ على مشروعية العزل أكثر من إعطاء السلطنة للمالك على تطبيق ما اشتغلت به ذمته من المال، على القول باشتغال الذمة، أو ما تعلق الوجوب بأدائه من المال بنحو الكلّي فى المعين مثلا، فسلطنة المالك على العزل لا تثمر سوى تعيّن الفطرة فى المعزول،

و لا يستفاد منه أنّ عزل المالك إنما يكون بمثابة قبض المستحق، كما استقر به صاحب الجواهر قدّس سرّه و لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر.

و مما ذكرنا يظهر ما في تعليق بعضهم- كما فى «المستمسك» «1» على المقام، بقوله: «بلا إشكال، إذ لا تخرج المعزولة عن كونها زكاة بالتأخير ...»، و وجه النظر فيه أن نظر المصنف قدّس سرّه فى الفرع المذكور إنما هو إلى ما ذكرناه، و لا ربط له بخروج المعزولة عن كونها زكاة بالتأخير و عدمه. و بعبارة أخرى، لنفرض ان المعزولة بالتأخير لا تخرج عن كونها زكاة، لكن ذلك لا يكفي لتوجيه نيّة الزكاة حين الدفع إلى المستحق، كما لا تخرج بالدفع إلى المجتهد عن كونها زكاة، و مع ذلك لا يلزم المجتهد نيّة الزكاة حين الدفع إلى الفقير. و هذا ظاهر.

______________________________

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 431، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 312

و إن لم يعزلها فالأحوط الأقوى عدم سقوطها (806)، بل يؤدّيها بقصد القربة، من غير تعرض للأداء و القضاء.

______________________________

(806) ذهب جماعة إلى عدم السقوط بتأخيرها عن وقتها مع عدم العزل أيضا، و نسب إلى آخرين القول بالسقوط.

و استدل للأوّل بوجوه ثلاث:

الأوّل: الاستصحاب و قد يستشكل ذلك من وجهين: احدهما إنّه استصحاب فى الشبهة الحكمية، و جريانه فيها محل الكلام، و هذا الاشكال خارج عن محط النظر بالفعل، و المبنى- و لو بنحو الاصل الموضوعي- هو جريان الاستصحاب فى الشبهات الحكميّة. و ثانيهما: إنه يعتبر فيه وحدة الموضوع، أي اتحاد القضية المتيقن بها و المشكوك فيها موضوعا، و هذا مفقود فى المقام، فان الزمان معدد للموضوع و

مفرّد له لا محالة. و قد يجاب عنه، بان الزمان ليس هو من المفرّدات و لا يوجب تعدد الموضوع، فلا مانع من جريان الاستصحاب فى المقام.

و التحقيق أن يقال- على سبيل الإجمال-: أن الزمان قد يؤخذ قيدا للوجوب و شرطا فيه، فيتوقف فعليه الحكم على فعليته، كما فى الزوال بالإضافة إلى وجوب الظهرين مثلا، فانه ما لم يتحقق الزوال لا وجوب لهما، فوجوبهما يكون مشروطا به لا محالة و قد يؤخذ ذلك قيدا فى الواجب، بمعنى كونه حصّة خاصّة، و هي الحصّة الواقعة فى الزمان الخاص، مع كون الوجوب مطلقا بالإضافة إليه، و الاستصحاب بعد خروج الوقت إنّما يتجه على الأوّل، فان غاية

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 313

..........

______________________________

ما يستفاد من الدليل المثبت للوجوب إنما هو الوجوب فى الوقت الخاص، أما بعد انقضائه فهو ساكت عنه، فالدليل قاصر عن الدلالة على الوجوب بعد انقضاء الوقت، و حينئذ فيلتزم به في خارج الوقت، بمقتضى الاستصحاب، لا على الثاني، فان الزمان إذا أخذ قيدا فى المتعلق- كما هو المفروض- فلا محالة يتحصّص المتعلق به، بمعنى أن الدليل انما يثبت الحكم لحصّة خاصّه، و هي ما يقع فى الزمان الخاص، و ما يقع بعد انقضائه فهو حصة أخرى، و لا يمكن الالتزام بوجوبه بمقتضى الاستصحاب، لعدم اتحاد الموضوع، هذا ما يتعلق بأصل الكبرى.

و اما التطبيق على المقام، فلا ينبغى الشك في أن جملة من النصوص- بنفسها- مشتملة على التوقيت بما قبل الصلاة، أي توقيت الوجوب و تقييده بما قبل الصلاة. و أمّا ما كان منها مطلقة، فلا بد من تقييدها بالنصوص الموقتة، و هل المقيد فيها هو الوجوب أو الواجب؟ الظاهر هو الأوّل،

فانه بمقتضى إطلاق المادة- عند الشك في تقييدها- يتعين الأول لا محالة.

الثاني: المطلقات الدالّة على أنّ الفطرة واجبة على كل من اقتات قوتا، و أنّها واجبة على كلّ من يعول، من حرّ أو عبد، صغير أو كبير ... إلى غير ذلك، مما مرّت الإشارة إليه، فان مقتضى هذه المطلقات- ابتداءً- هو وجوب الفطرة بعد الوقت أيضا. غايته، ان في قبالها الأدلة المشتملة على التوقيت، و هي و إن احتمل في حقها تقييد الوجوب بالوقت المذكور، بحيث لا يبقى وجوب لها بعد خروجه إذا لم يؤدّها في وقتها، و لكن يحتمل في حقها أمر اخر، و هو دلالة النصوص المشتملة على التوقيت على وجوب الأداء فى الوقت المذكور بنحو الواجب في ضمن واجب، كما استقر به صاحب الجواهر قدّس سرّه، فانه على هذا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 314

..........

______________________________

التقدير لا مانع من الأخذ بالإطلاق بعد خروج الوقت، فان الأدلة الموقتة لم تقيّد الوجوب بالوقت- على الفرض- كي يستلزم ذلك سقوط الوجوب بخروج الوقت، إلّا إذا قام الدليل على عدمه، بل هي إنّما دلّت على الوجوب فى الوقت بنحو الواجب في ضمن واجب، فوجوب أداء الفطرة باق على إطلاقها، فإذا أدّاها المكلف فى الوقت الخاص فقد امتثل به كلا الوجوبين، و إذا لم يؤدّها حتى خرج ذلك سقط أحد الوجوبين بالعصيان، و بقي وجوب أصل الفطرة بحاله. و عليه فلا مانع من الأخذ بالمطلقات بعد خروج الوقت، بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه، حيث جعل مفاد الأدلة المشتملة على الوقت هو وجوب الاداء فى الوقت الخاص، زائدا على وجوب أصل الفطرة، لا أنها تكون مقيّدة لدليل وجوب الفطرة و

موقتة له، كالتوقيت في باب الصلاة.

و يتوجه عليه، أن ما أفيد و إن كان معقولا ثبوتا إلّا انه لا دليل عليه في مقام الاثبات، بل الدليل على خلافه، فإنه ليس شي ء بأصرح فى الدلالة على التوقيت، من قوله عليه السّلام- في صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم-: «إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة»، فانه صريح في توقيت الوجوب و تقييده بما قبل الصلاة، و أنه إذا لم يؤدّها قبل الصلاة كان ذلك صدقة، أي غير مأمور به بالأمر الوجوبي، على ما يظهر ذلك من إطلاق لفظ «الصدقة». و لا ينافي ذلك قوله عليه السّلام: «قبل الصلاة أفضل ...»، لما تقدم. نعم، لو كان الدليل على التوقيت منحصرا بمفهوم موثق اسحاق بن عمار المتقدم، كان لهذا الاحتمال وجه، كما لا يخفى.

و منه يظهر عدم الوجه في حمل النصوص المشتملة على الوقت على الاستحباب، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 315

..........

______________________________

الثالث: صحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل أخرج فطرته، فعزلها حتى يجد لها أهلا، فقال: «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها إلى أربابها «1»»، بتقريب: أن مورد السؤال و إن كان هو العزل، إلّا أن الجواب غير ناظر إليه، و إنما هو ناظر إلى بيان حكم مستقل، و هو أنّ المكلّف إذا أخرج الزكاة من ضمانه- و ذلك بعزلها، فإنها تكون حينئذ امانة بيده، و الأمين غير ضامن- فقد برئ، و إلّا فهو ضامن حتى يؤدّيها، و مقتضى الإطلاق هو ثبوت الزكاة في حقّه مهما طال الزّمن. فيستفاد منها عدم سقوط الفطرة مطلقا، بل أن وجوبها ثابت،

و أنه متى ما أدّاها فإنما هو مؤدّ لما هو الواجب عليه.

و يتوجه عليه: أن الاستدلال بالرواية ساقط جدا لاجمالها، فإن أحد المحتملين فيها هو ما ذكر، الّذي هو مبنى الاستدلال بها للمقام، و المحتمل الاخر هو: أن يكون الجواب ناظرا إلى ما هو مورد الرواية و هو صورة العزل، و ان المعزولة إذا أخرجها من ضمانه بالإعطاء إلى الفقير فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها، بمعنى كونه مكلّفا بأدائها، فالضمان- بهذا المعنى- ثابت. و حيث ان السؤال فى الرواية انما كان عن مشروعية العزل، فلا محالة. بنفس هذا الجواب يستفاد- أيضا- مشروعية العزل فى المقام، و من الظاهر أن الرواية- على هذا الاحتمال- تكون أجنبية عن محل الكلام.

و المتحصل من ذلك كلّه: ان الحكم بالنسبة إلى من يأتي بصلاة العيد، أو كانت هناك صلاة قائمة لأهل البلد، هو سقوط الوجوب بتأخيرها عن الصّلاة، لما دلّ على تحديد الوقت- كما عرفت- بالنسبة إلى هؤلاء بصلاة العيد، و أمّا بالنسبة إلى غيرهم فالأقوى- وفاقا للمصنف قدّس سرّه و من تقدم ذكرهم- عدم

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: زكاة الفطرة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 316

[مسألة 1: لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط]

[مسألة 1]: لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط (807)، كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان (808). نعم، إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضا ثم يحسب عند دخول وقتها (809).

______________________________

سقوط بتأخيرها، خلافا بجماعة، منهم الصدوق، و المفيد، و الحلبي، و المحقق و غيرهم استنادا منهم في ذلك إلى ان القضاء بامر جديد، و لا دليل عليه، و مقتضى الاصل البراءة، و قد

عرفت فساد ذلك، لقيام الدليل على عدم السقوط.

نعم، بناء على إثبات الوجوب بعد خروج الوقت بالاستصحاب، يلزم الإخراج بدون نيّة للأداء و القضاء، كما أفاده قدّس سرّه، فان الاستصحاب لا يتكفّل إلا بإثبات أصل الوجوب فقط، بخلافه على الوجهين الأخيرين، فانه عليهما لا بدوا أن ينوي بها الأداء، كما لا يخفى.

(807) الظاهر- كما عرفت- هو مشروعية الإخراج من أول يوم يدخل من شهر رمضان، عملا بصحيحة الفضلاء المتقدمة، فلاحظ.

(808) لعدم الدليل على مشروعية ذلك، فان تقديم الواجب على وقته و وقت وجوبه، بلا دليل يقتضي جوازه، غير جائز.

(809) و الوجه فيه ظاهر، كما ذكرنا ذلك في زكاة المال. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 317

[مسألة 2: يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس، أو غيرها بقيمتها]

[مسألة 2]: يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس (810)، أو غيرها بقيمتها (811)، و ينوى حين العزل (812)، و إن كان الاحوط تجديدها حين الدفع أيضا.

______________________________

(810) كما دل عليه موثق إسحاق بن عمار، و صحيح زرارة المتقدمين.

(811) لاطلاق ما دل على مشروعية العزل، بضميمة ما عرفت من جواز إخراج الفطرة بالقيمة، فلاحظ.

(812) النية حال العزل- بناء على أن العزل انما يوجب تعيّن الكلّي فى الذمة، أو تعيّن ما تعلق التكليف بأدائه فى المعزول، كما هو مختار المصنف قدّس سرّه- مما لا دليل عليه اصلا، فإن الّذي يعتبر فيه قصد القربة إنما هو دفع الزكاة و إخراجها، و لازم ذلك انما هو النية حين الدفع. نعم، بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه، من أن أدلّة مشروعية العزل تقتضي اعتبار كون المالك وكيلا عن الفقير، بحيث تكون له الولاية في قبض ما يستحقه، فالعزل- فى الحقيقة- يكون اعطاء للزكاة إلى من هو مرخّص شرعا

فى القبض، نيابة عن الفقير، فلا بد من النية حال العزل، كما هو ظاهر.

و من هنا يظهر أن قول المصنف قدّس سرّه: «و ينوي حين العزل ...» بظاهره مناقض من حيث المبنى لقوله فيما تقدم: «و إن خرج وقتها و لم يخرجها، فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحق بعنوان الزكاة ...».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 318

و يجوز عزل أقل من مقدارها (813) أيضا، فيلحقه الحكم، و تبقى البقية غير معزولة على حكمها. و في جواز عزلها فى الأزيد، بحيث يكون المعزول مشتركا بينه و بين الزكاة وجه، لكن لا يخلو عن إشكال (814).

______________________________

(813) لاطلاق دليل مشروعية العزل بالنسبة إلى البعض، فإنه يصدق عليه- أيضا- عزل الفطرة، كما هو ظاهر.

(814) لعله قدّس سرّه عنى بقوله: «و في جواز ... وجه ...» أن المستفاد من أدلة مشروعية العزل ثبوت الولاية للمالك بالنسبة إلى مال الفقير، و السلطنة على العزل انما يكون من توابعها، فليس الثابت هو خصوص الولاية على العزل، و عليه فيصح للمالك حينئذ العزل فى الأزيد، و إن لم يكن ذلك بمصداق العزل حقيقة و واقعا، لمنافاته مع الاشتراك مطلقا. و لكنه مشكل لعدم ثبوت الولاية له على أكثر من العزل من شي ء من الأدلة، كما لا يخفى. و هو- كما قيل- متقوم بأمرين، أحدهما قصد التبديل، و الاخر تعيين الزكاة و إفرازها عن غيرها، و مع فرض العزل فى الأزيد ينتفى الأمر الثاني، لا محالة.

ثم ان وجه الإشكال انما يختص بما إذا لم يرفع المالك يده عن الزائد، أو لم يمكن ذلك، كما فى المال المشترك، و إلا فلا إشكال.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص:

319

و كذا لو عزله في مال مشترك بينه و بين غيره مشاعا (815)، و إن كان ماله بقدرها.

[مسألة 3: إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحق]

[مسألة 3]: إذا عزلها و أخّر دفعها إلى المستحق، فإن كان لعدم تمكنه من الدفع لم يضمن لو تلف، و إن كان مع التمكن منه ضمن (816).

______________________________

(815) إذ لا تعيّن للحصّة المشاعة، حتى يصدق العزل، ليصحّ جعلها زكاة، عينا أو قيمة، كما هو ظاهر.

(816) كما نص عليه جماعة «1» و يمكن الاستدلال له بما تقدم في زكاة المال، من صحيح زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ زكاته ليقسمها فضاعت؟ فقال: «ليس على الرّسول، و لا على المؤدّي ضمان. قلت: فإنه لم يجد لها

______________________________

(1)- الصدوق، محمد بن عليّ: المقنع، ص 67، ط مؤسسة دار العلم، قم؛ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 242، ط المكتبة المرتضوية، طهران؛ النهاية، صص 191- 192، ط دار الكتاب العربي، بيروت؛ الحليّ، محمد بن منصور: السرائر، ج 1:

ص 470، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ ابن حمزة، محمد بن على: الوسيلة، ص 131، منشورات مكتبة آية اللّه النجفي المرعشي طاب ثراه، قم؛ المحقق، جعفر بن الحسن: النافع بشرح المهذب البارع، ج 1: ص 545؛ العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1:

541، ط ايران الحجرية؛ الشهيد، محمد بن مكي [و] الشهيد الثاني، زين الدين: اللمعة و الروضة، ج 2: ص 60.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 320

[مسألة 4: الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر]

[مسألة 4]: الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر، و لو

______________________________

أهلا ففسدت و تغيرت، أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها «1»». بناء على أن الزكاة- بإطلاقها- شاملة الزكاة الفطرة أيضا، كما يشهد بذلك التعبير عن الفطرة بالزكاة-

على سبيل الإطلاق- في غير واحد من النصوص، كما لا يخفى على من لاحظ ابواب زكاة الفطرة من «الوسائل».

نعم، مع الغض عن النص، فالقاعدة تقتضي عدم الضمان فى الفرض الأوّل، فإن المستفاد من نصوص العزل، اما هو تعيّن الكلّي، أو متعلق التكليف فى المعزول، فاذا تلف لم يكن موجب لضمانه، و إمّا ولاية المالك على ذلك، فيكون الزكاة بيده أمانة شرعيّة، و لا ضمان حينئذ أيضا لو تلف، إذ لا موجب له من تعدّ أو تفريط، و الأصل عدمه.

و أما الفرض الثاني، فمقتضى القاعدة فيه إنما هو الضمان، مع قطع النظر عما دل على جواز التأخير، بناء على أن فائدة العزل إنما هي صيرورة المعزولة ملكا للفقير و أمانة شرعية تحت يد المالك، كما اختاره بعضهم على ما تقدم، فان مقتضى قاعدة اليد حينئذ انما هو الضمان، فإن التأخير مع وجود المستحق تعدّ و تفريط. نعم، بعد قيام الدليل على جواز التأخير لا يبقى مجال لذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 321

مع وجود المستحق في بلده (817).

______________________________

(817) بناء على الأخذ بإطلاق صحيح هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: فى الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: «لا بأس به «1»»، و صحيح أحمد بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ فقال عليه السّلام: «نعم «2»»، الشامل للفطرة، كما عرفت، فانه على هذا يكون إطلاق

الروايتين شاملا لمورد وجود المستحق أيضا.

إلّا أن في خصوص المقام قد ورد ما يدل على عدم جواز النقل بالخصوص، كموثق الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان جدّي [عليه السّلام] يعطي فطرته الضعفة (الضعفاء)، و من لا يجد، و من لا يتولّى. قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هي لأهلها، إلّا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب. و لا تنقل من أرض إلى أرض. و قال: الإمام يضعها حيث يشاء، و يصنع فيها ما رأى «3»»، و مكاتبة عليّ بن بلال، قال: كتبت إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة و رجل اخر من اخوانه في بلدة أخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة، أم لا؟ فكتب: «يقسّم الفطرة على من حضره، و لا يوجّه ذلك إلى بلدة أخرى، و إن لم يجد موافقا «4»». و على هذا فالقول بجواز النقل، لا سيما مع وجود المستحق- كما هو المفروض في مورد الروايتين- مما لا وجه فيه ظاهرا، فالاحتياط فى الترك، إن لم يكن هو الظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 37: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 15: زكاة الفطرة، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 322

و إن كان يضمن حينئذ مع التلف (818). و الأحوط (819) عدم النقل إلّا مع عدم وجود المستحق (820).

______________________________

(818) لصحيح محمد بن مسلم- أو حسنته بابن هاشم- قال: قلت: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها

من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده ... «1»»، بناء على عدم الخصوصية لزكاة المال، و لاطلاق صحيح زرارة المتقدم «2» الشامل للفطرة أيضا، كما لا يخفى.

(819) بل الأقوى ذلك، لموثق الفضيل، و مكاتبة عليّ بن بلال المتقدم ذكرهما «3».

(820) لاطلاق صحيح هشام بن الحكم، و صحيح أحمد بن حمزة المتقدمين «4»، بعد فرض اختصاص المقيّد له بصورة وجود المستحق.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)-- صفحة 322.

(3)-- صفحة 322.

(4)-- صفحة 322.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 323

[مسألة 5: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها]

[مسألة 5]: الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها (821)، و إن كان ماله- بل و وطنه- في بلد آخر. و لو كان له مال في بلد آخر و عيّنها فيه، ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر، مع وجود المستحق فيه (822).

______________________________

(821) كما هو ظاهر موثق فضيل، و مكاتبة عليّ بن بلال، المتقدمين «1»، و لا أقل من إشعارهما بذلك، و هو كاف فى الأفضليّة. لكنك قد عرفت دلالتهما على حرمة الأداء فى غير بلد التكليف. فلاحظ.

(822) فانه بالعزل يتعيّن الكلّي، أو الواجب فى المعزول لا محالة، فيكون نقله حينئذ من بلد الى آخر داخلا في مسألة نقل الفطرة من البلد إلى اخر مع وجود المستحق، و قد مرّ بيان حكمها.

لكن هذا مناف لاستفادة وجوب الأداء في بلد التكليف، لما مرّ من أن مفاد النصوص هو حرمة الإخراج و وجوب الأداء في بلد التكليف، إلّا أن يقال: ان المستفاد من النّص إنما هو حرمة نقل الزكاة و توجيهها من بلد الى آخر، و لا يصدق

ذلك فى المقام، حيث إنه لا يكون تعيين الزكاة فى المال الّذي هو في بلد آخر، نقلا للزكاة و توجيها لها إلى غير البلد. إلا أنّه على هذا لم يظهر الوجه فى استفادة أفضليّة الأداء في بلد التكليف من الروايتين على رأي المصنف قدّس سرّه، فان

______________________________

(1)-- صفحة 322.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 324

[مسألة 6: إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك]

[مسألة 6]: إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك (823).

______________________________

الدليل على ذلك هما الروايتان المحمولتان على الاستحباب، و هما منصرفان عن مثل المقام، حيث يكون المكلف في بلد و المال في بلد آخر. فتأمل.

(823) فإن المستفاد من نصوص مشروعية العزل إمّا هو ولاية المكلف على تعيين الفطرة فى المعزول، أو الولاية على الفقير، بحيث يكون المال المعزول ملكا للفقير، مودعا عند المالك بعنوان الأمانة الشرعيّة، و لا يستفاد منها ولايته على التبديل بعد فرض التعيّن في ضمن المعزول، و وجوب أداءه شرعا، و لا ولايته على جواز التصرف في مال الفقير، المفروض كونه أمانة شرعيّة بيده، كما هو ظاهر.

[فصل في مصرف زكاة الفطرة]

اشارة

[فصل] في مصرف زكاة الفطرة و هو مصرف زكاة المال (824).

(824) كما هو المشهور «1» و المعروف «2»، بل في «المدارك «3»» إنه مقطوع به في كلام الاصحاب رضي اللّه عنهم، و عن غيره «4» دعوى الإجماع عليه. و تحقيق الكلام انما يكون في ضمن مقامين:

الأوّل: في ثبوت المقتضى للمذهب المشهور.

الثاني: فى المانع عنه.

أمّا الأول: فقد استدل له «5» بعموم قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا- الآية «6»، بدعوى أن إطلاق الصدقات شامل لزكاة الفطرة أيضا. الّذي يبدو فى النظر أن الآية خاصّة بزكاة المال، و لا اطلاق لها بالإضافة إلى زكاة الفطرة أصلا، و ذلك من جهة ذكر «العاملين عليها» في عداد المصارف، فإنّ الظّاهر هو عدم تصوّر العمالة في زكاة الفطرة، بمعنى أنه لم يعهد ذلك فيها، بحيث تكون هناك طائفة تسمى ب «العاملين» كما في باب زكاة

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 310، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر

الكلام، ج 15: ص 538، ط النجف الأشرف.

(3)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 353، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الأصبهاني، شرح اللمعة (نقلا عن جواهر الكلام، ج 15: ص 538، ط النجف الأشرف).

(5)- العلامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 541.

(6)- التوبة، 9: 60.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 326

..........

______________________________

الأموال فان شأن العاملين كان هو جباية الزكاة، و حفظها و إيصالها إلى وليّ الأمر ليقسّمها في مواردها، و الفطرة فى غنى عن ذلك. غاية الأمر، أن يكون الشخص وكيلا عن الفقير في أخذ الفطرة، فهذا بنفسه مما يكون شاهدا على اختصاص الآية بزكاة الأموال، و عليه فالمقتضي قاصر. و لعله لأجل ذلك ذهب المفيد قدّس سرّه- على ما نسب إليه «1»- إلى القول باختصاصها بالمساكين، و إن ناقش «2» في صحة نسبة بعضهم. و الحاصل، أن الدليل على المذهب المشهور غير ثابت.

أمّا الثاني: و هو المانع عن ذلك، بعد التسليم بالمقتضي، فهو جملة من النصوص الخاصّة بباب الفطرة، كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «ان زكاة الفطرة للفقراء و المساكين «3»»، و خبر يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الفطرة، من أهلها الذين تجب لهم؟ قال:

«من لا يجد شيئا «4»». و ظاهره انما هو السؤال عن مصرف الفطرة، لا السؤال عن الصفة بعد فرض كون المدفوع إليه هو الشخص، بحيث كان مفروض السائل هو الاعطاء إلى الشخص، و انما كان السؤال عن صفة الشخص المذكور، و أنه لمن يجوز اعطائها، كي لا تكون الرواية دالة على انحصار المصرف بذلك، بل على اعتبار الصفة المذكورة

فيما إذا كان المصرف هو الشخص. و خبر الفضيل عن أبي

______________________________

(1)- الموسوي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 353، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 436، ط الثالثة.

و الانصاف ظهور عبارة «المقنعة» في ذلك (- المقنعة، ص 252، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم).

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الفطرة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 327

..........

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت: لمن تحل الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد «1»».

و الحاصل، أن مقتضى النصوص المذكورة إنما هو اختصاص مصرف الفطرة بالفقراء، فلا مجالة يقيد بها اطلاق الآية الكريمة، على فرض ثبوت الإطلاق.

ثم إنه- بناء على اختصاص زكاة الفطرة بالفقراء- يقع البحث فى المراد بالفقير، و انه هل المراد به هو في باب زكاة الاموال، و هو الّذي لا يملك قوت سنته فعلا، أو تدريجا كما هو المشهور المعروف، أو أنه اخص من ذلك؟ و الظاهر هو الثاني، و ذلك لدلالة جملة من النصوص الخاصة- و قد تقدمت الإشارة إلى بعضها- على أن المصرف في هذا الباب انما هو من لا يجد شيئا، كما فى خبري يونس و الفضيل المتقدمين، و المراد به- عرفا- انما هو المحتاج بالفعل، فلا يصدق عند العرف على من يملك قوت شهره- بالفعل أو تدريجا- انه «محتاج» أو «ممن لا يجد شيئا»، فضلا عن الواجد قوت سنته كذلك، و كذلك يدل عليه خبر آخر للفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أعلى من قبل الزّكاة زكاة؟ فقال:

«أمّا من قبل زكاة المال فان عليه زكاة

الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة «2»».

فإنّ الرواية صريحة الدلالة على أن الفقير الّذي يكون مصرفا لزكاة الفطرة يغاير الفقير الذي هو مصرف زكاة المال. و الظاهر، أنه ليس في مقابل النصوص المذكورة ما يعارضها، فلا محالة يلزم الأخذ بمفادها، و مقتضاها انما هو الاقتصار في مقام أداء الفطرة على الفقير الّذي يصدق عليه عرفا أنه «لا يجد شيئا». و هذا القول إن لم يكن هو الأظهر بحسب الأدلة، فلا أقل من كونه أوفق بالاحتياط كما

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الفطرة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 2: زكاة الفطرة، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 328

لكن يجوز إعطاؤها للمستضعفين من أهل الخلاف (826)، عند عدم وجود المؤمنين، و إن لم نقل به هناك.

______________________________

نبّه عليه فى «المستند».

ثم إن بعض المراتب خارج عن مصداق «عدم الوجدان» قطعا، كما إذا كان الشخص مالكا لمئونة عدّة أشهر فعلا أو قوّة، حيث إنه- بالضرورة- لا يقال له عرفا إنه محتاج، و بعضها مصداق له قطعا، كما إذا لم يكن الشخص واجدا لقوت يومه و ليلته، بل و كذلك فيما إذا كان واجدا لقوت يومين أو ثلاثة و نحوهما، بلا إشكال. نعم، يبقى الإشكال فى بعض المراتب المتوسّطة، و الظاهر أن مقتضى الاحتياط حينئذ إنما هو عدم الإعطاء «1» لمثل هؤلاء الاشخاص، و الانتظار بهم إلى أن يبلغوا احدا يصدق عليهم «المحتاج» عرفا. و اللّه العالم.

(826) كما نسب ذلك إلى جماعة، منهم الشيخ قدّس سرّه «2». و استدل له بموثق الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: كان جدّي يعطي فطرته

الضعفة (الضعفاء)، و من لا يجد، و من لا يتولى. قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم،

______________________________

(1)- لعل القول بجواز الإعطاء لهؤلاء- حسبما يبدوا فى النظر- مع صدق الفقير عليهم غير بعيد، نظرا إلى أن مقتضى صحيح الحلبي المتقدم انما هو جواز اعطائها الفقير، المفروض صدقه على الواجد مئونة أكثر من ثلاثة أيام- أيضا- بمقدار أسبوع أو أكثر، و بما ان التقييد بغير الواجد انما هو بالمنفصل، فعند إجمال المخصّص مفهوما يرجع في غير مورد التخصيص إلى العموم، كما حرّر في محلّه.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 314، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 329

..........

______________________________

فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ... «1»»، و مكاتبة عليّ بن بلال، قال: كتبت إليه، هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة، و رجل آخر من إخوانه في بلدة اخرى يحتاج أن يوجّه إليه فطرة، أم لا؟ فكتب: «تقسّم الفطرة على من حضر، و لا يوجّه ذلك إلى بلدة أخرى و إن لم يجد موافقا «2»»، و صحيح ابن يقطين، أنه سأل أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن زكاة الفطرة، أ يصلح أن تعطى الجيران و الظؤرة، ممّن لا يعرف و لا ينصب؟ فقال: «لا بأس بذلك إذا كان محتاجا «3»».

و مقتضى الخبرين الأخيرين و إن كان هو جواز الإعطاء إلى المستضعف مطلقا و لو مع وجود المؤمن، إلا أن اطلاقهما مقيد بموثق الفضيل المتقدم، كما لا يخفى.

و من هنا يظهر، أن اطلاق ما دلّ على أنه لا يعطى الزكاة إلّا لمؤمن، أو لأهل الولاية، كرواية محمد بن عيسى، قال: كتب إليه إبراهيم بن

عقبة يسأله عن الفطرة، هل يجوز إعطاءها غير مؤمن؟ فكتب إليه: «لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا «4»»، و رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام، أنه كتب إلى المأمون: «زكاة الفطرة فريضة ...- إلى أن قال:- و لا يجوز دفعها إلّا إلى أهل الولاية «5»» مقيد بما تقدم.

ثم إن مقتضى النصوص المتقدمة إنما هو جواز اعطاء الفطرة إلى المستضعف من المخالفين، و لكن مقتضى خبر مالك الجهني، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: زكاة الفطرة، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 14: زكاة الفطرة، ح 2.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 330

و الأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين و مساكينهم (828).

______________________________

زكاة الفطرة، فقال: «تعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا، و أعط ذا قرابتك منها إن شئت «1»» جواز الإعطاء إلى المسلم مؤمنا كان أو لا، و إلى المستضعف من الكفّار عند عدم وجود المسلم. و لكنه- مضافا إلى ضعف السند- غير معمول به عند الأصحاب، كما قيل. و مع الغض عن ذلك، فاطلاقه يقيد بما دلّ على لزوم الإعطاء إلى المؤمن. كما ان اطلاقه من الجهة الأخرى، و هي الإعطاء إلى المستضعف الكافر مع عدم وجود المسلم، سواء كان المستضعف من المخالفين، أم لم يكن، مقيّد بالروايات المتقدمة الدالة على لزوم الاعطاء إلى المستضعف المخالف عند عدم وجود المؤمن. فتكون النتيجة إذن لزوم الاعطاء إلى المؤمن، و مع عدمه إلى المستضعف المخالف، و مع عدمه إلى المستضعف الكافر.

و أمّا صحيح اسماعيل بن سعيد الأشعري، عن الرضا عليه السّلام: سألته

عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: «لا، و لا زكاة الفطرة «2»». فمحمول بقرينة النصوص المتقدمة على غير المستضعف، أو على صورة وجود المؤمن.

(828) قد عرفت أنه الأظهر، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 5: المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 331

و يجوز صرفها على أطفال المؤمنين، أو تمليكها لهم، بدفعها إلى أوليائهم (830).

[مسألة 1: لا يشترط عدالة من يدفع إليه]

[مسألة 1]: لا يشترط عدالة من يدفع إليه، فيجوز دفعها إلى فسّاق المؤمنين (831).

______________________________

(830) أما عدم اشتراط البلوغ فى المدفوع إليه- فمضافا إلى أنه مما لا خلاف فيه ظاهرا- يدل عليه إطلاق مصحح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟ قال: «نعم، حتى ينشئوا أو يبلغوا و يسألوا، من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم؟! ... «1»»، و خصوص خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطو «2»». و اما كيفية الاعطاء لهم فقد مرّ الكلام عليها في زكاة المال، المسألة الأولى، من فصل اوصاف المستحقين.

فلاحظ.

(831) لإطلاق ما دل على جواز اعطائها لمن لا يجد شيئا و عدم الدليل على التقييد بالعدول، و يؤيّده ما مرّ في زكاة المال، من منافاته لحكمة تشريع الزكاة، و هو

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة،

ج 3، ص: 332

نعم، الأحوط عدم دفعها إلى شارب الخمر (834)، و المتجاهر بالمعصية، بل الأحوط العدالة أيضا (835)، و لا يجوز دفعها إلى من يصرفها فى المعصية (836).

______________________________

رفع الفقر و العوز المالي، بعد فرض قلّة الفقراء العدول، و قد تقدّم تفصيل الكلام فيه في بحث زكاة المال.

(834) لخبر داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟

قال: «لا «1»»، بناء على اطلاقه للفطرة- أيضا- و لضعف سند الرواية، يكون الحكم المذكور من باب الرجاء و الاحتياط، كما عن المصنّف قدّس سرّه.

(835) خروجا عن خلاف من اعتبرها، أو لخبر داود المتقدم، بعد إلغاء خصوصية شرب الخمر و حمله على مطلق المعصية. مضافا إلى الوجوه الّتي استدل بها لاعتبارها، كما مرّ تفصيله في زكاة المال، فإن ذلك و إن لم يوجب الاحتياط فى المسألة، إلا أنه لا بأس به، كما لا يخفى.

(836) و يمكن الاستدلال له بما دلّ على حرمة الإعانة على الإثم، إلا أنه قد يناقش

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب: 17 المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 333

[مسألة 2: يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا]

[مسألة 2]: يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا، و الأفضل- بل الأحوط أيضا- دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط، خصوصا مع طلبه لها (840).

[مسألة 3: الأحوط أن لا يدفع للفقير أقل من صاع]

[مسألة 3]: الأحوط أن لا يدفع للفقير أقل من صاع (841).

______________________________

فيه من جهة عدم الدليل على ذلك، أو من جهة أن مقتضى ما دلّ على جواز بيع العنب ممّن يعلم أنه يجعله خمرا- كما هو مفصّل فى البحث عن «المكاسب المحرمة»- انما هو عدم حرمة مثل هذا الفعل، فالصحيح إذن إنما هو الاستدلال له، بالعلم بان الملاك في تشريع الفطرة- و كذا غيرها من الحقوق الماليّة، كالزكاة، و الخمس و نحوهما- إنّما هو الإرفاق بالفقراء، و سدّ حاجاتهم، و هذا ما يتنافى و جواز إعطائها لمن يعلم بصرفها في وجوه المعصية، كما لا يخفى.

(840) قد مرّ تفصيله في بحث «زكاة المال»، فلاحظ.

(841) نسب إلى المشهور «1» القول بالمنع، بل عن «المختلف «2»»: نسبته إلى فقهائنا السابقين، و أنه لم يقف على مخالف منهم، و استدل له بمرسل الحسين بن سعيد،

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 311، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 541، ط النجف الأشرف.

(2)- العلامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 310، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 334

[مسألة 4: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع]

[مسألة 4]: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع (845).

______________________________

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تعط أحدا أقلّ من رأس «1»»، و مرسل الصدوق:

«لا بأس أن تدفع عن نفسك و عمّن تعول إلى واحد، و لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين «2»». و امّا خبر اسحاق بن المبارك- في حديث- قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن صدقة الفطرة، يعطيها رجلا واحدا أو اثنتين، قال: «قال: «يفرقها أحبّ إليّ ...

«3»» فهو بإطلاقه يدل على جواز اعطاء الأقل، و لكن اطلاق محمول- بقرينة الروايتين- على تعدد الأصوع، فلا دلالة له على جواز التفريق للصّاع الواحد؛ إلّا أن الروايتين ضعيفتان سندا، و حينئذ فمقتضى أصالة البراءة هو جواز دفع الأقل، لأن الأمر يدور بين لزوم اعطاء الصّاع الواحد لخصوص الفقير الواحد، و عدم لزوم ذلك و جواز اعطاءه لأكثر من واحد، و مقتضى الأصل هو نفي الخصوصيّة. نعم، ما أفاده المصنف قدّس سرّه هو الموافق للاحتياط.

(845) بلا خلاف و لا إشكال «4»، و يدل عليه مرسل الصدوق المتقدم، و خبر اسحاق بن المبارك: «قلت: أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع و أربعة أصيع؟

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: زكاة الفطرة، ملحق ح 2.

(2)- المصدر، ح 4.

بناء على ان قوله: «و لا يجوز أن تدفع ...» من تتمة الرواية، كما فهمه صاحب الوسائل رحمه اللّه، خلافا لصاحب الوافي رحمه اللّه، حيث جعله من كلام الصدوق قدّس سرّه.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 542، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 335

بلى إلى حد الغنى (848).

[مسألة 5: يستحب تقديم الأرحام على غيرهم، ثم الجيران، ثم أهل العلم و الفضل و المشتغلين]

[مسألة 5]: يستحب تقديم الأرحام على غيرهم، ثم الجيران، ثم أهل العلم و الفضل و المشتغلين، و مع التعارض تلاحظ المرجّحات و الأهميّة (849).

______________________________

قال: نعم «1»»، و مكاتبة عليّ بن بلال، قال: كتبت إلى الطيب العسكري عليه السّلام: هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل- و هم عشرة، أقل أو أكثر- رجلا محتاجا موافقا؟ فكتب عليه السّلام: «نعم، افعل ذلك «2»»، و اطلاق موثق اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «عن

الفطرة يعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال: لا بأس به «3»».

(848) كما تقدم ذلك في بحث زكاة المال، فلاحظ.

(849) المذكور فى النصوص إنما هو رجحان الترجيح بالأمور المذكورة، من غير دلالة فيها على الترتيب بينها، ففي مرسل المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة»: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أيّ الصدقة أفضل؟ فقال: «على ذى الرحم الكاشح «4»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: زكاة الفطرة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: المستحقين للزكاة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 336

..........

______________________________

و رواه الكليني قدّس سرّه- أيضا- باسناده عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1». و كذلك الصدوق قدّس سرّه في «ثواب الأعمال «2»»، و مرسل الصدوق قدّس سرّه، قال: قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج «3»»، و في مكاتبة الحميرى إلى الحجة عجل اللّه تعالى فرجه الشريف: «... فإن ذهب إلى قول العالم عليه السّلام: لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج، فليقسّم بين القرابة و بين الّذي نوى، حتى يكون قد أخذ بالفضل كلّه «4»»، و ما دل على أن جيران الصدقة أحق بها «5»، و خبر عبد اللّه بن عجلان السكوني، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّى ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ فقال: «أعطهم على الهجرة فى الدين، و الفقه، و العقل «6»».

فالمستفاد من النصوص المذكورة، بناء على قاعدة التسامح، نظرا لضعف جملة منها سندا، إنما هو استحباب الترجيح بما تضمّنته النصوص المتقدمة، من دون دلالة على الترتيب بينها اصلا، كما

هو ظاهر. نعم، بما أنّ المستفاد من مجموع النصوص الواردة فى الباب إنما هو ولاية المكلف فى الإعطاء، و أن تعيين المدفوع إليه بيده و اختياره، فلا محالة كان له عند تعارض المرجحات الترجيح بما يراه أهمّ، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 20: الصدقة، ح 1.

(2)- المصدر، ملحق ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 7.

(5)- المصدر/ باب 16: زكاة الفطرة، ح 2، 5، 7.

(6)- المصدر/ باب 25: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 337

[مسألة 6: إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه]

[مسألة 6]: إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه، فالحال كما في زكاة المال (852).

[مسألة 7]: لا يكفي ادّعاء الفقر، إلّا مع سبقه (853)،

______________________________

(852) تارة يكون انكشاف الخلاف بعد خروج وقت وجوب أداء الفطرة، مع البناء على عدم وجوب الدفع إذا لم يؤدّ الفطرة في وقتها، فلا اشكال في عدم وجوب شي ء عليه، فانه لو لم يكن دافعا- في هذا الفرض- أصلا لما كان يجب عليه ذلك حينئذ، و لا يكون الدفع إلى غير المستحق أهون من عدم الدفع. و أخرى يكون ذلك في حين بقاء الوقت، أو قلنا بوجوبها حتى بعد خروج وقت الوجوب، فحينئذ ينبغي التفصيل فى المسألة بين صورة العزل و عدمه، فعلى الأوّل، إذا أعطى المعزول لمن يعتقد فقره ثم بان خلافه لم يكن عليه شي ء أصلا، و ذلك لأن المفروض هو تعين الزكاة فى المعزول بمقتضى أدلة العزل المتقدم ذكرها، فإذا أعطى ذلك لمن يعتقد فقره مع عدم كونه مستحقا له واقعا كان ذلك بمنزلة التلف السماوي في عدم الضمان، نظرا إلى كونه معذورا في ذلك، بعد جواز الاعطاء له.

و على الثانى، و هو ما إذا أخرج الزكاة ابتداء و أعطاها للشخص المذكور ثم بان خلافه كان مقتضى القاعدة هو وجوب الزكاة عليه ثانيا، لعدم صرفها في موردها على الفرض. نعم، مع بقاء العين عند المدفوع له يجوز له انتزاعها منه.

(853) لاستصحابه حينئذ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 338

أو الظن بصدق المدّعي (856).

[مسألة 8: تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال]

[مسألة 8]: تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال، و كذا يجب التعيين و لو إجمالا، مع تعدد ما عليه. و الظاهر عدم وجوب تعيين من يزكّي عنه، فلو كان عليه أصوع لجماعة يجوز دفعها من غير تعيين: أن هذا لفلان، و هذا لفلان (857).

______________________________

(856) قد عرفت في بحث زكاة المال أن الفقر من جملة الأمور التي يصعب اثباتها بالطرق الشرعيّة، فلو اقتصر في ثبوت الفقر على قيام الطرق الشرعيّة عليه لزم منه تعطيل الزكاة غالبا، إذ قلّ ما يمكن اثباته بذلك، و ظاهر الحال لا اعتبار به هنا، فإن كثير امّا يظهرون الفقر على خلاف واقع الحال، و عليه فلا بد فيه من قبول دعوى مدعى الفقر، لكن مع عدم الظن بكذبه، دون الظن بصدقه، كما عليه السيرة القطعيّة بين المتشرعة خارجا.

(857) يعلم الحال في ذلك مما تقدم في باب زكاة المال. فلاحظ.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا، و الصّلاة و السلام على رسوله الأمين، و آله الطيّبين مبدءا و ختاما. و كان الانتهاء من البحث يوم السبت رابع عشر شهر ذى القعدة الحرام، سنة 1383 هجرية على مهاجرها آلاف التحيّة.

<>

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 341

فهرس الموضوعات

* كلمة سماحة العلّامة الحجّة الشيخ محمد رضا الجعفري دام ظلّه 7

* كلمة التقديم 11

فصل في بقيّة أحكام الزكاة (13- 60) الأولى: حكم نقل الزكاة إلى الفقيه 13

الثانية: عدم وجوب بسط الزكاة 21

الثالثة: استحباب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب 22

الرابعة: افضليّت الإجهار بدفع الزكاة 26

الخامسة: التفحص عند التهمة في دعوى المالك عدم وجوب الزكاة عليه 26

السادسة: جواز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص

28

السابعة: حكم إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة 32

الثامنة: وجوب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة 33

التاسعة: جواز أن يعدل بزكاة إلى غير من حضره من الفقراء 34

العاشرة: جواز نقل الزكاة مع عدم المستحق فى البلد 35

الحادية عشر: جواز نقل الزكاة مع وجود المستحق فى البلد 40

الثانية عشر: جاز احتساب المالك الزكاة عمّا عليه في بلده 46

الثالثة عشر: جواز نقل الزكاة إلى بلد آخر إذا كان المال الزكوي هناك 47

الرابعة عشر: برئت ذمّة المالك إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية 48

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 342

الخامسة عشر: اجرت الكيّال و الوزّان على المالك إذا احتاجت الزكاة الى كيل أو وزن 48

السادسة عشر: جواز اعطاء النصيب من الزكاة بكل سبب 50

السابعة عشر: حكم المملوك المشتري من الزكاة إذا مات لم يكن له وارث 50

الثامنة عشر: حدّ ما يعطى من الزكاة 52

التاسعة عشر: استحباب الدعاء عند أخذ الزكاة 57

العشرون: كراهة طلب التملك ما دفعه صدقة 58

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة (61- 79) فوريّة وجوب الزكاة و عدمها 62

مسألة 1: اشتراط الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي 66

مسألة 2: اشتراط الضمان مع تأخير بالعلم بوجود المستحق 67

مسألة 3: حكم إتلاف الزكاة المعزولة 69

مسألة 4: عدم جواز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب 69

مسألة 5: ضمان القابض مع علمه بالحال 75

مسألة 6: حكم انقطاع القرض فزاد عنده زيادة المتصلة او منفصلة 76

مسألة 7: حكم زيادة القرض المدفوع للفقير قبل الزكاة 77

مسألة 8: استغناء الفقير بالقرض المدفوع إليه

قبل وقت الزكاة 78

فصل في نيّة دفع الزكاة (81- 90) عدم اعتبار تعيين الجنس المزكى فى النيّة 82

مسألة 1: التوكيل في أداء الزكاة أو في إيصالها 84

مسألة 2: عدم نيّة المالك أو الوكيل حين الدفع إلى الفقير 86

مسألة 3: جواز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك 88

مسألة 4: موارد التولّي الحاكم النيّة في دفع الزكاة 88

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 343

ختام فيه مسائل متفرقة (91- 161) الأولى: استحباب استخراج الزكاة مال التجارة للصبي و المجنون 91

الثانية: إذا علم بتعلّق الزكاة و شك فى الأداء 95

الثالثة: الشك في كون البيع الزرع أو الثمر قبل تعلّق الوجوب أو بعده 97

الرابعة: الشك في كون الموت المورث قبل تعلق الزكاة او بعده 102

الخامسة: الشك في اداء المورث الزكاة الواجبة عليه 104

السادسة: العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين الخمس أو الزكاة 108

السابعة: العلم الإجمالي ببلوغ الحنطة أو الشعير بحد النصاب 111

الثامنة: جواز إعطاء الزكاة الواجب النفقة المورث حال حياته 113

التاسعة: بيع النصاب بعد وجوب الزكاة و اشتراطها على المشتري 114

العاشرة: جواز إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعا من ماله 118

الحادية عشرة: عدم حصول البراءة في صورة التوكيل فى الأداء 118

الثانية عشرة: حكم إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة فاعطى شيئا للفقير 120

الثالثة عشرة: عدم وجوب الترتيب في أداء زكوات السنين المتعددة 121

الرابعة عشرة: وجوب الزكاة فى المزارعة الفاسدة أو الصحيحة على من؟ 123

الخامسة عشرة: اقتراض الحاكم الشرعي على الزكاة 125

السادسة عشرة: حكم أخذ الزكاة من المالك ثم ردها عليه 128

السابعة عشرة: اشتراط تمكن من التصرف في ما لا يعتبر فيه الحول 131

الثامنة عشرة: حكم مال المدفون في مكان و نسي موضعه 132

التاسعة عشرة: عدم التمكن من التصرف بنذر عدم التصرف 133

العشرون: شراء شي ء من الزكاة و وقفه على الواجب النفقة 134

الحادية و العشرون: عدم جواز الفقير المقاصّة من مال ممتنع من أداء الزكاة 136

الثانية و العشرون: عدم جواز الإعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة 136

الثالثة و العشرون: جواز صرف سهم سبيل اللّه من الزكاة في قربة 137

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 3، ص: 344

الرابعة و العشرون: حكم نذر النتيجة في من بلغ ذلك النصاب 138

الخامسة و العشرون: جواز التوكيل في قبض الزكاة 139

السادسة و العشرون: عدم جريان الفضوليّة في دفع الزكاة 140

السابعة و العشرون: أخذ الوكيل في إخراج الزكاة لنفسه إذا كان فقيرا 141

الثامنة و العشرون: حكم لو قبض الفقير بعنوان الزكاة و بقيت عنده سنة 142

التاسعة و العشرون: حكم مال الزكوي المشترك 143

الثلاثون: حكم أخذ الزكاة من الكافر 146

الحادية و الثلاثون: حكم تعدد الواجب مع وفاء المال بذلك 149

الثانية و الثلاثون: اعطاء الزكاة للسائل بكفّه 151

الثلاثة و الثلاثون: حكم اعتبار العدالة فى الفقير 152

الرابعة و الثلاثون: اشتراط قصد القربة فى الأجزاء 153

الخامسة و الثلاثون: حكم الأجزاء إذا كان قصد الوكيل الرياء 155

السادسة و الثلاثون: إذا دفع الحاكم الشرعي زكاة المالك لا يقصد القربة 155

السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كان هو المتولّي النيّة 157

الثامنة و الثلاثون: حكم إعطاء الزكاة إذا كان المشتغل بتحصيل العلم 158

التاسعة و الثلاثون: جواز إعطاء الزكاة للفقير المشتغل مع كونه قاصدا للمحرم 159

الأربعون: حكم دفع الزكاة فى المكان المغصوب 159

الحادية و الأربعون: اعتبار التمكن من التصرف في ما لا يعتبر فيه الحول 160

فصل في زكاة الفطرة (163- 338) فوائد زكاة الفطرة 164

فصل في شرائط وجوب زكاة الفطرة 166

فصل في جنس زكاة الفطرة و قدرها 263

فصل في وقت وجوب زكاة الفطرة 288

فصل في مصرف زكاة الفطرة 325

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.